المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌باب ما تجب به الدية من الجنايات - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌باب ما تجب به الدية من الجنايات

‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

4806 -

قول "التنبيه"[ص 220]: (إذا أصاب رجلاً بما يجوز أن يقتل فمات منه .. وجبت الدية) قيل: إنه يشمل العمد المحض، قال في "الكفاية": وهو تفريع على اختياره أن موجب العمد أحد الأمرين.

قال في "التوشيح": يبعد أن يقال: العمد المحض يجوز أن يقتل، وإنما أراد بهذه اللفظة: ما لا قصاص فيه، وله عقد الباب.

4807 -

قول "المنهاج"[ص 489]: (صاح على صبي لا يُميِّز على طرف سطحٍ فوقع بذلك فمات .. فديةٌ مغلظة على العاقلة، وفي قول: قصاص) فيه أمور:

أحدها: تقييد الصبي بكونه غير مميز يقتضي أن المميز ليس كذلك، لكن قوله بعد ذلك:(ومراهق متيقظ كبالغ)(1) يقتضي أن غير المراهق ليس كالبالغ ولو كان مميزاً؛ ولذلك أطلق "التنبيه" الصبي، و"الحاوي" الطفل (2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يعتبر الشافعي ولا أحد من أصحابه عدم التمييز في ذلك، وأفصح في "النهاية" عن المقصود، فقال: وما ذكره الأصحاب في صبي لا يميز إن كان ضعيف التمييز بحيث يبعد منه أن يتماسك، فإن كان مراهقا .. فهو في معنى الكبير. انتهى (3).

فدل على أن من نفى التمييز أراد به: التمييز الكامل الذي يحصل مع البلوغ أو المراهقة، لا أصل التمييز، والله أعلم.

ثانيها: قوله: (على طرف سطح) تبع فيه الرافعي (4)، ومقتضاه: أنه لو كان في وسطه .. فهو كالأرض، وعبر "التنبيه" بقوله [ص 220]:(فوقع من سطح) فلم يقيد بطرفه، وقد يقال: الفاء في قوله: (فوقع) يدل على أنه كان في طرفه؛ لتعقيب الوقوع منه للصياح.

ثالثها: لا يتقيد ذلك بالسطح، بل لو كان على بئر أو نهر .. كان كذلك كما ذكره في "أصل الروضة" (5) ولذلك قال "الحاوي" [ص 550]:(فسقط من علو).

رابعها: اقتصر "التنبيه" و"المنهاج" على سقوطه (6)، وفي "الحاوي" [ص 550]: (ارتعد

(1) المنهاج (ص 489).

(2)

التنبيه (ص 220)، الحاوي (ص 550).

(3)

نهاية المطلب (16/ 447).

(4)

انظر "المحرر"(ص 409)، و "فتح العزيز"(10/ 415).

(5)

الروضة (9/ 313).

(6)

التنبيه (ص 220)، المنهاج (ص 489).

ص: 103

فسقط) وكذا في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (1)، ومقتضاه: اشتراط الارتعاد؛ ليظهر به أن السقوط من خوف الصيحة، وقد اعتبره "المنهاج" في قوله [ص 489]:(ولو صاح على صيد فاضطرب صبي وسقط).

خامسها: قال شيخنا الإمام البلقيني: قد يتخيل أن الموت قيد، وليس كذلك، فلو ذهب بذلك مشي رجليه أو بطش يديه أو ضوء عينيه .. فهو مضمون كما نص عليه في "الأم" فقال: ضمن ما أصابه (2).

سادسها: كذا حكاهما في "المحرر" قولين (3)، وعبارته في "الشرح": فيه وجهان، ويقال: قولان (4)، فلذلك قال في "الروضة": في الأصح، وقيل: الأظهر (5).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يثبت العراقيون فيه خلافاً، وحكاه القاضي والإمام وجهين (6)، والغزالي قولين (7)، وليس بمعتمد؛ فالخلاف إن ثبت وجهان.

ويرد على "التنبيه" و"الحاوي": أنه لو صاح على صيد فاضطرب الصبي وسقط من علو .. وجبت ديته مع كونه لم يصح عليه، ولا يرد ذلك على "المنهاج" لذكره له بعد ذلك، وقال:(فدية مخففة على العاقلة)(8).

فإن قلت: لعلهما إنما قيدا لذلك؛ لأن تلك مغلظة.

قلت: لم يتعرضا لتغليظ ولا تخفيف.

4808 -

قول "التنبيه"[ص 220]: (أو صاح على بالغ وهو غافل فوقع ومات .. وجبت الدية) سوى بين الغافل والصغير، والأصح: خلافه، وأنه لا تجب دية البالغ مطلقاً، وهو مفهوم تقييد "الحاوي" بالطفل، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 489]:(ولو كان بأرض، أو صاح على بالغ بطرف سطحٍ .. فلا دية في الأصح) وفيه أمور:

أحدها: قال شيخنا الإمام البلقيني: مقتضاه: أن الصبي الذي على الأرض لا يتعلق به من صيحته ضمان، وليس كذلك، فلو زال عقله .. وجب الضمان كما هو مقتضى نص "الأم"، وعليه جرى الشيخ أبو حامد وغيره.

(1) المحرر (ص 409)، فتح العزيز (ص 10/ 415)، الروضة (9/ 313).

(2)

الأم (6/ 82).

(3)

المحرر (ص 409).

(4)

فتح العزيز (10/ 415).

(5)

الروضة (9/ 313).

(6)

انظر "نهاية المطلب"(16/ 446).

(7)

انظر "الوجيز"(2/ 149).

(8)

المنهاج (ص 489).

ص: 104

قلت: وذكره "التنبيه" فقال [ص 220]: (وإن صاح على صبي فزال عقله .. وجبت الدية) و"الحاوي" فقال [ص 550]: (وصاح على طفل فجن) لكن لا يرد على "المنهاج" لأن قوله: (ولو كان) أي: الصبي الذي صيح عليه فمات، فكيف ترد عليه مسألة الجنون، وهي غير المفروض؛ غاية الأمر أنه لم يذكر مسألة الجنون.

ثانيها: أنه أهمل وصف البالغ بكونه عاقلاً، ولا بد منه، قال في "أصل الروضة": والمجنون والمعتوه والذي يعتريه الوسواس والنائم والمرأة الضعيفة كالصبي الذي لا يميز (1).

قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا بد أيضاً من أن يكون متماسكاً في وقوفه.

ثالثها: كان ينبغي أن يقول: (على النص) لأن الشافعي نص عليه في البالغ، وقيد الصبي بكونه على طرف سطح، ففهم منه عدم الضمان فيما إذا كان على الأرض.

رابعها: أن كلامه يفهم نفي القصاص قطعاً وهو صحيح في البالغ، صرح به فيه القاضي حسين، وأما في الصبي الذي على الأرض .. فكلام "أصل الروضة" يقتضي إثبات خلاف فيه؛ فإنه حكى فيه وجهاً: أنه كالسقوط من سطح (2)، ومقتضاه: وجوب القصاص على قول أو وجه، وصرح به القاضي حسين فقال: وإذا صاح بصبي على الأرض فسقط ومات .. يجب الضمان والقود على ما ذكرناه، وعبر في "المحرر" بنفي الضمان (3)، فيحتمل مقابله الضمان بالدية أو بالقصاص.

4809 -

قوله: (ومراهق متيقظ كبالغ)(4) نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: أناط الشافعي عدم الضمان بالبلوغ مع العقل، والضمان بالصبي بشرطه، وصار الصبي وصفاً ضابطاً لحكمةٍ، لا حكمةً مجردة لعدم الانضباط، فلا يُخرِج من صور الصبي أحداً وإن كان مراهقاً؛ لأنه لم يكمل عقله.

4810 -

قول "التنبيه"[ص 220]: (وإن صاح على صبي فزال عقله) و"الحاوي"[ص 550]: (وصاح على طفل) لم يقيداه بكونه غير مميز كما لم يقيداه في السقوط من طرف سطح، وكذا لم يقيده في "أصل الروضة" إلا أنه عبر بالصغير، ومراده به: مطلق الصبي، فإنه قال عقبه: وإن كان بالغاً .. فعلى الأوجه مع تقييده مسألة السقوط بأن يكون غير مميز (5)، فيحتمل أنه ترك القيد هنا اعتماداً على ذكره هناك، وهو أقرب، ويحتمل الفرق بينهما بأن تأثير الصياح في زوال العقل أشد

(1) الروضة (9/ 314).

(2)

الروضة (9/ 313).

(3)

المحرر (ص 409).

(4)

انظر "المنهاج"(ص 489).

(5)

الروضة (9/ 314).

ص: 105

من تأثيره في السقوط من علو، فيكتفى في ضمان العقل بعدم البلوغ وإن كان مميزاً، وفيه نظر؛ فإن السقوط قد يعرض من رجفة ودهشة وإن لم يزال العقل.

وقيد بعض شراح "التنبيه" كلامه في مسألة زوال عقل الصبي بكونه غير مميز كما فعل في سقوطه من علو، وقد عرفت أن الشافعي والأكثرين لم يقيدوهما بذلك، والله أعلم.

ويعود في البالغ أنه لا بد من كونه عاقلاً مستيقظاً كما تقدم في السقوط.

4811 -

قولهما: (ولو طلب السلطان من ذُكرت بسوءً فأجهضت .. ضُمن الجنين)(1) فيه أمور:

أحدها: لا اختصاص لذلك بطلب السلطان، بل لو فزعها إنسان بشهر سيف ونحوه .. ضمن جنينها، وقد قال الشافعي رضي الله عنه؛ لأن معروفاً أن المرأة تسقط من الفزع، وقد تناول هذا قول "الحاوي" في الإجهاض [ص 557]:(ولو بتخويف).

ثانيها: لا يتقيد ذلك بطلبها هي، بل لو طلب رجلاً عندها ففزعت فأجهضت .. ضمن أيضاً، نص عليه كما نقله شيخنا الإمام البلقيني.

ثالثها: قال شيخنا الإمام البلقيني: ولا يتقيد بأن تذكر بسوء، بل مجرد طلب السلطان كاف في الضمان، نص عليه، قال شيخنا: فلو طلبها في دين فأسقطت .. ضمن إن كانت مخدرة؛ لتعديه، أو غير مخدرة لكنه يخاف من سطوته، فإن لم يخف من سطوته وهي غير مخدرة .. فلا ضمان، قال: وينبغي للحاكم أن يسأل هل هي حامل قبل أن يطلب؟ ولم أر من يفعله، وهو حسن.

قلت: ولهذا جرت العادة أن يكتب في القصص التي يطلب فيها الإعداء على امرأة: وهي برزة غير حامل؛ فهو احتياط حسن، والله أعلم.

رابعها: أورد عليه شيخنا أيضاً: أنه يقتضي قصور الضمان على الجنين، مع أنها لو ماتت من الإجهاض .. ضمنها أيضًا، خلاف ما لو ماتت بلا إجهاض.

4812 -

قول "المنهاج"[ص 489]: (ولو وضع صبياً في مسبعةٍ فأكله سبعٌ .. فلا ضمان، وقيل: إن لم يمكنه انتقالٌ .. ضمن) فيه أمور:

أحدها: أنه يقتضي أنه لو كان بالغاً .. لم يجب الضمان قطعاً، وبه صرح في "أصل الروضة" ثم قال: ويشبه أن يقال: الحكم منوط بالقوة والضعف لا بالصغر والكبر (2).

قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو متعين، والتقييد بالصبي لا معنى له، فلو قيد رجلاً وألقاه في

(1) انظر "التنبيه"(ص 220، 221)، و"المنهاج"(ص 489).

(2)

الروضة (9/ 315).

ص: 106

مسبعة فأكله السبع .. ضمنه بالدية عند جماعة، فدل على أن الاعتبار بالقوة والضعف لا بالصبي والبلوغ، إلا من جهة أن الصبي مظنة الضعف، فإذا وجد الضعف في البالغ - ومنه أن يقيّد - .. اتجه الخلاف. انتهى.

وقال في "المهمات": جزم في "المهذب" بأنه إذا ألقى حراً مشدوداً في مسبعة فقتله السبع .. أنه عمد، وهذا عين ما بحثه الرافعي، بل هو أبلغ؛ لجعله عمداً، فلا معنى لنفي الخلاف. انتهى (1).

فإن قلت: إذا كان تقييد "المنهاج" لأجل محل الخلاف .. فلم قيد "الحاوي" مع كونه لا يحكي الخلاف، فقال [ص 550]:(لا إن وضعه - أي: الطفل - في مسبعة فافتُرِس)؟

قلت؛ لأنه محل الخلاف وإن لم يحكه، ويؤخذ البالغ منه من باب أولى، ويحتمل عود الضمير في كلامه على المجني عليه بأي صفة كان.

ثانيها: تناول تعبيرهما ما لو ألقاه في زبية السبع وهو فيها، والحكم في تلك وجوب القصاص أو الدية عند امتناعه، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 220]:(وإن ألقاه على أفعى، أو ألقاها عليه، أو على أسد، أو ألقاه عليه فقتله .. وجبت ديته) لكن الأصح: عدم وجوب الدية في مسألة الأفعى إلا إن أنهشها إياه؛ ولذلك قال "الحاوي"[ص 555]: (وإنهاش حية تقتل غالباً، وجمعه بسبُع في ضيِّقٍ) ولا بد من تقييد عبارة "التنبيه" بأن يكون في مضيق كما قال "الحاوي".

ثالثها: صحح شيخنا الإمام البلقيني فيما إذا لم يمكنه التخلص: وجوب الدية، وقال: إنه المعتمد في الفتوى، وحكاه عن "المهذب" و"الحاوي" في أحد جوابيه و"الوسيط"(2).

رابعها: محل عدم الضمان أيضاً: في الحر، فلو كان عبداً .. ضمنه باليد إن استمرت إلى الافتراس بالتكتيف ونحوه.

خامسها: كان ينبغي أن يقول: (وقيل: إن لم يمكنه تَخَلُّصٌ

) فقد يمكنه الانتقال ولا يمكنه التخلص مما أوقعه فيه.

4813 -

قول "التنبيه"[ص 220]: (وإن طلب بصيراً بالسيف فوقع في بئر .. لم يضمن، ولو طلب ضريراً فوقع في بئر .. ضمن) محله في البصير: مع العلم بها؛ ولذلك قال "المنهاج"[ص 489]: (فلو وقع جاهلاً لعمىً وظلمةٍ .. ضمن) وفي الضرير: مع الجهل بها، فلو علم بها .. لم يضمن، كما صرح به غير واحد، وعبر عنه النووي والإسنوي في "تصحيحيهما" بالصواب (3)،

(1) المهذب (2/ 192)، وانظر "فتح العزيز"(10/ 419).

(2)

المهذب (2/ 176)، الحاوي الكبير (12/ 43)، الوسيط (6/ 356، 357).

(3)

تصحيح التنبيه (2/ 170)، تذكرة النبيه (3/ 417).

ص: 107

فالعبرة إنما هو بالعلم بها والجهل كما عبر به في "النبيه مختصر التنبيه" فقد يعلمها الأعمى ويجهلها البصير.

ثم محل ما ذكراه: في البالغ العاقل، فلو كان المطلوب صبيا أو مجنونا .. بني على أن عمدهما عمد أو خطأ، إن قلنا: خطأ .. ضمن، وإلا .. فلا.

فإن قلت: هذا الإيراد على مرجوح؛ لأن الأصح: أن عمدهما عمد.

قلت: بل هو على الأصح في حالة؛ ففي "أصل الروضة" في شريك الصبي والمجنون عن القفال وغيره: أن الخلاف في صبي يعقل عقل مثله ومجنون له نوع تمييز، فأما من لا تمييز له بحال .. فعمده خطأ وشريكه شريك مخطئ قطعاً، قال: وعلى هذا جرى الأئمة منهم البغوي (1).

4814 -

قول "المنهاج"[ص 489]: (وكذا لو انخسف به سقفٌ في هربه في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم"(2)، أما لو ألقى نفسه على السقف من علو فانخسف به لثقله .. فكإلقاء نفسه في بئر.

4815 -

قولهما: (وإن سُلم الصبي إلى السابح فغرق في يده .. وجبت الدية)(3) فيه أمور:

أحدها: أنه قد يفهم أنه لو علمه الولي السباحة فغرق منه .. لا ضمان، وليس كذلك، فحكم الولي وغيره في ذلك سواء.

ثانيها: قد يفهم من لفظ التسليم أنه لو أخذه السابح بيده .. ارتقى الحال عن الدية، وليس كذلك؛ ولهذا عبر "الحاوي" بقوله [ص 550]:(وعلّمه السباحة فغرق) فسلم من الأمرين.

ثالثها: محل ذلك: ما إذا لم يقع من السابح تقصير، فلو رفع يده من تحته عمداً فغرق .. وجب القصاص، قاله شيخنا الإمام البلقيني.

رابعها: المراد: وجوب الدية على السابح، صرح به الماوردي وغيره (4)، وبحث شيخنا الإمام البلقيني أن يكون الولي وعاقلته طريقاً في الضمان إذا سلمه إليه.

4816 -

قول "التنبيه"[ص 220]: (وإن غرق البالغ مع السابح .. لم تجب ديته) كذا قاله العراقيون والبغوي، وقال في "الوسيط": لو خاض معه اعتماداً على يده فاهمله .. احتمل أن يجب الضمان (5)، وحمل شيخنا الإمام البلقيني عدم الضمان على ما إذا لم يقصر السابح كما قال في

(1) الروضة (9/ 163)، وانظر (التهذيب)(7/ 177، 178).

(2)

الأم (6/ 82).

(3)

انظر "التنبيه"(ص 220)، و"المنهاج"(ص 489).

(4)

انظر "الحاوي الكبير"(12/ 339).

(5)

الوسيط (6/ 357).

ص: 108

الصبي، قال: فأما لو رفع يده من تحته في الموضع المغرق عمداً فغرق .. فعليه الدية، بل القصاص؛ لأنه هو الذي أغرقه.

4817 -

قول "المنهاج"[ص 489]: (ويضمن بحفر بئر عدوان) فيه أمور:

أحدها: المراد بالعدوان: أن يحفرها بملك غيره أو مشترك بلا إذن أو في شارع ضيق أو واسع لمصلحة نفسه بغير إذن الإمام، فكان الأحسن لما ذكر هذه المسائل بعد ذلك أن يعدل عن قوله:(فمضمون) إلى قوله: (فعدوان) كما فعل "المحرر"(1) فإن المذكور بعد ذلك تفسير العدوان، فأما ضمان العدوان .. فقد ذكره أولاً، فلا معنى لتكراره مع إيهامه أن هذه الصور غير حفر العدوان.

ثانيها: أنه لا يضمن بمجرد حفر العدوان حتى يستمر العدوان إلى السقوط فيها، فلو رضي المالك بإبقائها .. زال الضمان في الأصح، وكذا لو اشترى المتعدي تلك البقعة من مالكها، وكذا لو منعه المالك من الطم كما قاله المتولي، ورجحه شيخنا الإمام البلقيني، لتضمنه الرضا بإبقائها خلافاً للإمام (2).

ثالثها: يشترط في الضمان أيضاً: ألَاّ يتعدى الداخل على ما رجحه شيخنا الإمام البلقيني، وفي المسألة وجهان في "أصل الروضة" بلا ترجيح (3)، فإن أذن له المالك في الدخول وعرفه بالبئر .. فلا ضمان، وإن لم يعرف بها .. فهل يضمن الحافر أو المالك؟ وجهان في "تعليق القاضي حسين" بلا ترجيح، قال شيخنا الإمام البلقيني: والأرجح: أنه على المالك؛ لأنه مقصر؛ لعدم إعلامه، فإن كان ناسياً .. فعلى الحافر.

4818 -

قوله: (لا في ملكه وموات)(4) فيه أمران:

أحدهما: قيد في"التنبيه" الحفر في موات بقوله [ص 221]: (ليتملكها أو لينتفع بها) وكذا في "أصل الروضة"(5)، وكأنه للاحتراز عن حفرها عبثاً؛ فإنه عدوان يضمن به.

ثانيهما: يحتمل أن مراده: لا في ملكه وموات فلا عدوان فيه، وهو الموافق لعبارة "المحرر"(6)، أو فلا ضمان فيه وإن كان عدواناً.

قال شيخنا الإمام البلقيني: وعلى كل من الاحتمالين يرد ما إذا حفر حفرة واسعة في ملكه قريباً من أرض جاره بحيث يؤدي إلى إضرار أرض جاره .. فإنه يكون متعدياً ضامناً لمن وقع في موضع

(1) المحرر (ص 410).

(2)

انظر "نهاية المطلب"(16/ 563).

(3)

الروضة (9/ 317).

(4)

انظر "المنهاج"(ص 489).

(5)

الروضة (9/ 317).

(6)

المحرر (ص 410).

ص: 109

التعدي، قال: وكلامهم في إحياء الموات شاهد لهذا، قال: ويرد عليه على الاحتمال الأول ما لو حفر في ملكه المرهون المقبوض بغير إذن المرتهن، أو في ملكه الذي آجره إجارة صحيحة .. فهو حفر عدوان، ولا ضمان لو سقط فيه إنسان غير متعد بالدخول، قال: فلو سقط المستأجر .. ففيه نظر، والقياس: أنه لا يضمن.

قلت: إنما ينبغي أن يكون الحفر في المرهون تعدياً إذا نقصت به قيمة الأرض، وإلا .. فلا منع منه، والله أعلم.

4819 -

قول "التنبيه"[ص 221]: (وإن حفر بئراً في ملكه فاستدعى رجلاً فوقع فيها فهلك؛ فإن كانت ظاهرة .. لم يضمن، وإن كانت مغطاة .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يضمن إن لم يعلمه بها، ولا رأى أثراً يدل عليها أو كان أعمى، وقول "المنهاج" [ص 489]:(ولو حفر بدهليزه بئراً ودعا رجلاً فسقط .. فالأظهر: ضمانه) هو من الصور الداخلة في عبارة "التنبيه" لأن ملكه أعم من دهليزه، لكنه غاير في "أصل الروضة" بينهما، فقال فيما إذا حفر في ملك نفسه: فلو دخل ملكه داخلٌ بإذنه وتردى فيه .. لم يجب ضمانه إذا عرفه المالك أن هناك بئراً، أو كانت مكشوفة والداخل متمكن من التحرز، فأما إذا لم يعرّفه والداخل أعمى أو الموضع مظلم .. ففي "التتمة": أنه كما لو دعاه إلى طعام مسموم فأكله.

ولو حفر بئراً في دهليز داره ودعا إليها رجلاً فتردى فيها .. ففي الضمان قولان سبقا في أول (الجنايات)، أظهرهما: الوجوب. انتهى (1).

ثم في عبارة "المنهاج" أمور:

أحدها: أن مقتضاها: أنه لا قصاص في الصورة التي ذكرها؛ لذكره في موجبات الدية، وهو الأظهر في "أصل الروضة"(2)، لكن ذكرها "الحاوي" في موجب القصاص فقال:(وتغطية بئر الممر) ويوافقه أن الشافعي رضي الله عنه رجح في تقديم الطعام المسموم لبالغ عاقل من غير بيان حاله: وجوب القصاص، فقال: إنه أشبههما (3)، وقد جمع في "أصل الروضة" بين هاتين المسألتين، ورجح فيهما عدم القصاص كما تقدم، ومقتضى ترجيح الشافعي في نظيرها وجوب القصاص ترجيحه فيها.

ثانيها: لا بد من تقييده بألا يعلمه بها ولا يرى أثراً يدل عليها؛ لظلمة أو تغطية أو كان أعمى كما تقدم في عبارة "التنبيه".

(1) الروضة (9/ 316، 317).

(2)

الروضة (9/ 316، 317).

(3)

انظر "الأم"(6/ 42، 43).

ص: 110

ثالثها: قد يفهم من تعبيره بالرجل أن الصبي ليس كذلك، وقد عبر به في "أصل الروضة" هنا، لكنه عبر في صدر كلامه بالداخل (1)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لو كان صبياً غير مميز .. ضمنه قطعاً، بل يجب القصاص عند التكافؤ وكذلك المكره، وقول "المنهاج":(ودعاه) يخرج الإكراه. انتهى.

وحمل بعضهم كلام "الحاوي" على ما إذا كان الداخل غير مكلف.

4820 -

قول "التنبيه"[ص 221]: (وإن كان في داره كلب عقور فاستدعى إنساناً فعقره .. فعلى القولين) أي: في البئر المغطاة، ومقتضاه: تصحيح الضمان، وكذا صححه النووي في "تصحيحه"، لكن في "الروضة" الجزم بأنه لا قصاص ولا ضمان، قال: ولا يجعل على الخلاف الذي سبق في حفر البئر في الدهليز وتغطية رأسها؛ لأن الكلب يفترس باختياره، ولأنه ظاهر يمكن دفعه بالعصا والسلاح. انتهى (2).

وهذا إذا لم يعلم الداخل أنه عقور، فإن علم ذلك .. فلا ضمان جزماً، وكذلك لو كان مربوطاً فصار إليه المستدعى جاهلاً بحاله.

4821 -

قول "التنبيه"[ص 221]: (وإن حفر بئراً في طريق المسلمين .. وجب الضمان) أي: لمصلحة نفسه؛ بدليل قوله بعد ذلك: (وإن حفر البئر في طريق واسع لمصلحه الناس)(3) ويستثنى من الضمان: ما إذا كان غير ضار؛ لسعة الطريق أو انعطاف موضع البئر وأذن فيه الإمام كما ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(4)، وقال في "أصل الروضة": إنه الأصح، وبه قطع العراقيون والمتولي والروياني، قال: وهذا جار على ما سبق في (إحياء الموات) أن الأصح الذي عليه الأكثرون: أنه يجوز أن يقطع الإمام من الشوارع ما لا ضرر فيه، وأن للمقطع أن يبني فيه (5).

ولم يسبق له ذلك في (إحياء الموات)، والذي سبق هناك: أن لإِقطاع الإمام مدخلاً في الشوارع بالنسبة إلى الارتفاق بالجلوس فيها على الأصح عند الجمهور، وهو المنصوص (6)، وظاهر كلامهم: إذن الإمام قبل الحفر، لكن حكى أبو الفرج الزاز عن الأكثرين أن إجازة الإمام ذلك وتقريره بعد وقوعه ينزل منزلة الإذن المقارن، وصرح به الشيخ أبو حامد في الحفر لمصلحة عامة.

وقال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضى الفقه: عدم الفرق بينه وبين الحفر لمصلحة نفسه.

(1) الروضة (9/ 316، 317).

(2)

الروضة (9/ 144).

(3)

التنبيه (ص 221).

(4)

الحاوي (ص 549، 550)، المنهاج (ص 489).

(5)

الروضة (9/ 318).

(6)

الروضة (9/ 295).

ص: 111

4822 -

قول "التنبيه"[ص 221]: (وإن حفر البئر في طريق واسع لمصلحة الناس، أو بنى مسجداً أو علق قنديلاً في مسجد أو فرش فيه حصيراً ولم يأذن له الإمام في شيء من ذلك فهلك به إنسان .. فقد قيل: يضمن، وقيل: لا يضمن) الأصح: عدم الضمان، وعليه مشى "المنهاج" في البئر فقال:(إذا كان بغير إذن الإمام لمصلحة عامة .. فلا في الأظهر)، وهو مفهوم قول "الحاوي"[ص 549، 550]: (ولغرضه دون إذن الإمام) وهنا أمور:

أحدها: أن كلام "التنبيه" يقتضي أن الخلاف وجهان، وصرح به في "المهذب"(1)، وسبقه إليه الشيخ أبو حامد، وحكاه في "الروضة" و"المنهاج" قولين (2)، وحكى الرافعي في "الشرح" الخلاف في ذلك (3).

ثانيها: قد عرفت أن تقرير الإمام عليه بعد فعله كابتداء الإذن فيه كما صرح به الشيخ أبو حامد، وحكاه الزاز عن الأكثرين.

ثالثها: محل الخلاف: ما إذا لم ينهه الإمام عن ذلك، فإن نهاه ففعل .. كان ضامناً، ذكره أبو الفرج الزاز، وهو ظاهر.

رابعها: ما ذكره "التنبيه" في بناء المسجد هو فيما إذا بناه للمسلمين، فإن بناه لنفسه .. فكالحفر له، ذكره في "الكفاية".

4823 -

قول "المنهاج"[ص 490]: (ومسجدٌ كطريقٍ) يقتضي أنه يجوز أن يحفر فيه بئراً لمصلحة نفسه خاصة بإذن الإمام، قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا لا يقوله أحد، قال: وأما الحفر للمصلحة العامة .. فلا يجوز أيضًا؛ لأن الواقف إنما جعل المسجد للصلاة، فإن حفر بالوعة لاحتياج المسجد إليها على وجه لا يخل بمقصود الواقف في الصلاة .. لم أمنع من ذلك. انتهى.

4824 -

قوله: (وما تولد من جناحٍ إلن شارعٍ فمضمونٌ)(4) مثل قول "الحاوي" في المضمونات [ص 550]: (كالإشراع) وفيه أمران:

أحدهما: أنه قد يفهم أنه يجب به ضمان الكل سواء سقط الكل أو البارز فقط، وليس كذلك، بل هو كالميزاب؛ إن سقط كله .. فالواجب النصف، أو الخارج فقط .. ضمن الكل.

ثانيهما: قد يفهم الضمان ولو تولد الهلاك منه بغير سقوطه؛ كما إذا صدمه راكب شيء عال. أو سقط منه حيوان؛ كفأر ونحوه فتلف بذلك شيء، وليس كذلك، فلا ضمان فيهما كما ذكره

(1) المهذب (2/ 193).

(2)

الروضة (9/ 318)، المنهاج (ص 490).

(3)

فتح العزيز (10/ 423).

(4)

انظر "المنهاج"(ص 490).

ص: 112

شيخنا الإمام البلقيني، وقال: لم أر من تعرض له، والقياس ما ذكرته، ولا يرد شيء من ذلك على قول "التنبيه" [ص 221]:(وإن أخرج روشناً إلى الطريق فوقع على إنسان ومات .. ضمن نصف الدية، وإن تقصف من خشبه الخارج شيء فهلك به إنسان .. ضمن جميع الدية).

لكن يرد عليه: أن الروشن في اللغة: الكوة كما ذكره في "الصحاح"، فتعبيرهما بالجناح أولى؛ ولهذا عبر به ابن يونس في "النبيه" وهي عبارة "المهذب"(1)، لكن قال النووي في "التحرير": الروشن: الخارج من الخشب (2)، ثم كلام "التنبيه" صريح في أن الضمان على المخرج للروشن؛ أي: عاقلته، ومقتضاه: استمرار ذلك ولو باعه، وكذا حكاه في "أصل الروضة" عن البغوي (3).

وقال شيخنا الإمام البلقيني: الأصح عندي: لزومه لعاقلة المالك له حالة التلف، قال: ولو تعلق بعاقلة الواضع كما قال البغوي .. لتعلق بعاقلة الصانع الذي وضعه للمالك. انتهى.

ولا يرد ذلك على عبارة "المنهاج" و"الحاوي" لأنهما أطلقا الضمان ولم يبينا المضمون عليه، وإن أورده شيخنا الإمام البلقيني على "المنهاج".

4825 -

قول "المنهاج"[ص 490]: (ويحل إخراج الميازيب إلى شارع) فيه أمران:

أحدهما: محله: ما إذا كانت عالية لا تضر بالمارة كما في الجناح.

ثانيهما: قيده شيخنا الإمام البلقيني بالمسلم، قال: فيمتنع على الذمي كالجناح على الأصح، قال: ويحتمل ترتيبها على الجناح؛ لأن الجناح يمشي عليه الذمي ويقعد وينام، فكان أشد من إعلاء بنائه، بخلاف الميزاب، قال: والأرجح: أنه لا فرق (4).

4826 -

قوله: (وإن سقط كله .. فنصفه في الأصح)(5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وهو في "أصل الروضة" وجهان أو قولان (6)، وحكاه الماوردي قولين، قال: وقال الشافعي: لا أبالي بأي طرفيها أصابه؛ لأنه قتله بثقلها (7).

4827 -

قول "التنبيه"[ص 221]: (وإن بنى حائطاً في ملكه فمال إلى الطريق فلم ينقضه حتى وقع على إنسان فقتله .. لم يجب الضمان على ظاهر المذهب، وقيل: يضمن) شرطه: أن يمكنه

(1) المهذب (2/ 193).

(2)

تحرير ألفاظ التنبيه (ص 300).

(3)

الروضة (9/ 321)، وانظر "التهذيب"(7/ 208، 209).

(4)

انظر "حاشية الرملي"(4/ 72).

(5)

انظر "المنهاج"(ص 490).

(6)

الروضة (9/ 320).

(7)

انظر "الحاوي الكبير"(12/ 382، 383).

ص: 113

هدمه أو إصلاحه، كما صرح به "المنهاج"(1)، وتعبيره عنه بـ (قيل) يقتضي أن مقابله وجه بمقتضى إصلاحه، وكذا في "الروضة" وأصلها أن الخلاف وجهان، لكن الأول هو المنصوص في "المختصر"(2)، وسوى في "أصل الروضة" بين ميله إلى الشارع وميله إلى ملك جاره (3)، ومقتضاه: تصحيح عدم الضمان في الثانية أيضاً، لكن صحح فيها شيخنا الإمام البلقيني: الضمان.

4828 -

قول "المنهاج"[ص 490]: (ولو سقط بالطريق فعثر به شخص أو تلف مال .. فلا ضمان في الأصح) قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: ما إذا لم يقصر في رفعه، فإن قصر في رفعه .. كان ضامناً؛ لتعديه بالتأخير.

4829 -

قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو طرح قمامات وقشور بطيخ بطريق .. فمضمون على الصحيح)(4) فيه أمور:

أحدها: محله: ما إذا كان المتعثر بها جاهلاً بها، فلو علم بها ومشى عليها قصداً .. فلا ضمان.

ثانيها: قال الرافعي: ولك أن تقول قد: يوجد بين العمارات مواضع معدة لذلك، تسمى الساباطات والمزابل، وتعد من المرافق المشتركة بين سكان البقعة، فيشبه أن يقطع بنفي الضمان إذا كان الإلقاء فيها؛ فإنه استيفاء منفعة مستحقة، ويخص الخلاف بغيرها (5).

ورده شيخنا الإمام البلقيني: بأن تلك المزابل إن كانت في منعطف غير داخل في حكم الشارع .. فلا حاجة لذكرها؛ لأن الكلام في الشارع، وإلا .. فليس لهم فعل ذلك فيها حتى يقال: قد استوفوا منفعة مستحقة.

ثالثها: تعبير "المنهاج" بالصحيح يقتضي ضعف مقابله، وقد قال في "أصل الروضة": إنه قطع به الجمهور (6)، لكن نازع في ذلك شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إن مقابله قوي؛ لفعل الناس له في الأعصار والأمصار من غير إنكار، وذلك يدل على أنه من مرافق الشارع، ثم بسط ذلك، ثم قال: والأصح عندنا في قشور البطيخ: أنه يقتضي الضمان، وفي القمامة غيره: أنها لا تقتضي ضماناً.

4830 -

قول "الحاوي"[ص 549]: (ورشَّ ماءً لا لعامِّ مصلحةٍ) أي: فلا يضمن فيما إذا كان لعام مصلحة. محله: ما إذا لم يجاوز العادة.

(1) المنهاج (ص 490).

(2)

مختصر المزني (ص 249).

(3)

الروضة (9/ 321).

(4)

انظر "التنبيه"(ص 221)، و"الحاوي"(ص 549)، و"المنهاج"(ص 490).

(5)

انظر "فتح العزيز"(10/ 429).

(6)

الروضة (9/ 322).

ص: 114

4831 -

قول "التنبيه"[ص 221]: (فإن حفر بئراً ووضع آخر حجراً فعثر إنسان بالحجر ووقع في البئر فمات .. وجب الضمان على واضع الحجر) و"الحاوي"[ص 551]: (وأول الشرطين؛ كحفرٍ ونصب نصلٍ فيه) محله: ما إذا كان الأول - أي: في الإتلاف - متعدياً كما صرح به "المنهاج"، قال [ص 490]:(فإن لم يتعد الواضع .. فالمنقول: تضمين الحافر) قال الرافعي: وينبغي أن يقال: لا يتعلق بالحافر والناصب كما سنذكره فيما لو حفر بئراً عدواناً وحصل حجر على طرف البئر بحمل السيل أو بوضع حربي أو سبع فعثر رجل بالحجر ووقع في البئر فهلك .. فلا ضمان على أحد، قال: ويدل عليه أن المتولي قال: لو حفر بئراً في ملكه ونصب غيره فيها حديدة فوقع رجل في البئر فجرحته الحديدة ومات .. فلا ضمان على واحد منهما. انتهى (1). فكيف يقال: المنقول: كذا، وهذا نقل آخر يخالفه؟ !

وقد عبر في "الروضة" وأصلها بالمنقول مع ذكرهما كلام المتولي هذا (2)، فكأنهما أرادا: المنقول المشهور، وفرق شيخنا الإمام البلقيني بين مسألتنا ومسألة السيل: بأن الأول فعل ممن يقبل الضمان، فإذا سقط عنه لعدم تعديه .. لم يسقط عن المتعدي، بخلاف السيل ونحوه؛ فإنه ليس متهيّأ للضمان أصلاً، فسقط الضمان بالكلية، ثم خالف ما ذكره الرافعي في مسألة السيل، وإن ذكره القاضي حسين وغيره، وصحح: أنه يضمن حافر البئر وفاقاً لما جزم به الماوردي فيما إذا برزت بقلة من الأرض فعثر بها مار وسقط على الحديدة المنصوبة بغير حق فمات .. أن ضمانه على واضع الحديدة (3)، قال شيخنا: وهو القوي الجاري على القواعد. انتهى.

وادعى شيخنا ابن النقيب أن قول "المنهاج"[ص 490]: (عدواناً) يعود إلى وضع الحجر فقط؛ فإن الحافر لا شيء عليه سواء حفر متعدياً أم في ملكه، ثم قال في قوله:(فالمنقول: تضمين الحافر) أي: إذا كان متعدياً (4)، فصرف الدلالة الظاهرة عن مدلولها، ثم احتاج بعد ذلك إلى تقديرها، فالصواب: عوده إليهما كما هو قاعدة الشافعي رضي الله عنه ويدل لذلك أنه في "الروضة" وأصلها في تصوير هذه المسألة صورها بأن يكون حفر البئر عدواناً (5)، والله أعلم.

4832 -

قول "المنهاج"[ص 490]: (ولو وضع حجراً وآخران حجراً فعثر بهما .. فالضمان أثلاث، وقيل: نصفان) رجح شيخنا الإمام البلقيني: الثاني؛ لأن التعثر بالحجرين، فالتوزيع عليهما؛ لأنهما اللذان لاقيا البدن، وليس هذا كالجراحات التي لها نكاية في الباطن، بل

(1) انظر "فتح العزيز"(10/ 431، 432).

(2)

فتح العزيز (10/ 431)، الروضة (9/ 325).

(3)

انظر "الحاوي الكبير"(12/ 372).

(4)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(7/ 258).

(5)

فتح العزيز (10/ 432)، الروضة (9/ 324).

ص: 115

هو إلى صورة الضربات أقرب، بل أولى بالحكم فيها.

4833 -

قول "المنهاج"[ص 490]: (ولو عثر بقاعدٍ أو نائمٍ أو واقفٍ بالطريق، وماتا أو أحدهما .. فلا ضمان إن اتسع الطريق) تبع فيه "المحرر"(1)، وهو وهمٌ لا يعرف في غيره، والمجزوم به في "الروضة" وأصلها أن على عاقلة العاثر دية القاعد والنائم والواقف، وأما العاثر: فإنه هدر، وسواء كان القاعد أو الواقف بصيراً أو أعمى، وسواء أكان في طريق واسع كما صوره "المنهاج"، أو في ملكه أو في موات (2)، لكن حكى شيخنا الإمام البلقيني الخلاف في ذلك، قال: بل صحح القاضي حسين والإمام والغزالي في "البسيط": أنه يهدر دم القاعد والنائم أيضاً، وإنما تجب دية الواقف، وهو ظاهر النص (3).

4834 -

قول "التنبيه"[ص 222]: (وإن قعد في طريق ضيق فعثر به إنسان وماتا .. وجب على كل واحد منهما دية الآخر) الذي في "الروضة": أن المذهب المنصوص: أن دم القاعد مهدر (4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال في المضمون [ص 549]:(كأن قعد فتعثر به ماشي وهدر) أي: القاعد، وبقائم عكس، لكنه أطلق هذا الكلام، ومحله: في الضيق، فإن كان واسعاً .. فبالعكس كما تقدم، وعليه مشى "المنهاج" أيضًا فقال [ص 490]:(وإلا .. فالمذهب: إهدار قاعد ونائم لا عاثر بهما، وضمان واقف لا عاثر به) ونازع شيخنا الإمام البلقيني في أن هذا هو المذهب، وقال: لم يصححه غير البغوي (5)، قال: والذي يعتمد عليه في ذلك نصه في "الأم"، وهو: إهدار العاثر، وضمان الواقف والقاعد والنائم (6)، وأنه يستوي في ذلك اتساع الشارع وضيقه.

وذهب العراقيون إلى أنه إذا وقف أو قعد في طريق ضيق فعثر به إنسان وماتا .. فعلى كل واحد منهما دية الآخر، حكاه ابن الصباغ عن نصه في القديم، وقال: فأما قوله الجديد الذي نقله المزني: فدية الصادم هدر، فأكثر أصحابنا قالوا: إنما أراد: إذا كان الطريق واسعاً. انتهى.

وهذا كله إذا لم يكن من الواقف فعل، فإن كان؛ بأن انحرف إلى الماشي فأصابه في انحرافه وماتا، فهما كماشيين اصطدما .. فعلى كل واحد منهما نصف دية الآخر.

واعلم: أنا حيث قلنا في هذا الفصل: يجب الضمان .. فالمراد: أنه يتعلق الضمان بفعله، وهو مضروب على عاقلته.

(1) المحرر (ص 411).

(2)

فتح العزيز (10/ 433)، الروضة (9/ 326).

(3)

انظر "نهاية المطلب"(16/ 481).

(4)

الروضة (9/ 326).

(5)

انظر "التهذيب"(7/ 183).

(6)

الأم (6/ 86).

ص: 116