الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ النَّذْر
5824 -
هو قربة كما صرح به الرافعي في تعليل منع نذر الكافر (1)، وقبله المتولي والغزالي، وحكاه ابن أبي الدم عن جماعة، وقال: إنه القياس، وعليه يدل كلام النووي في "شرح المهذب" فيما إذا تلفظ بالنذر في الصلاة (2).
وفي "المهمات": أنه يعضده النص، وهو قوله تعالى:{وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ} ، والقياس، وهو أنه وسيلة إلى القربة، وللوسائل حكم المقاصد، وأيضًا فإنه يثاب عليه ثواب الواجب، كما قاله القاضي حسين، وهو يزيد على النفل بسبعين درجة كما في زوائد "الروضة" في (النكاح) عن حكاية الإمام (3)، والنهي عنه محمول على من علم من حاله عدم القيام بما التزمه جمعاً بين الأدلة. انتهى.
وفي زيادة "الروضة" في آخر الباب: صح (أنه عليه الصلاة والسلام نهى عن النذر)(4)، وجزم في "شرح المهذب" بكراهته (5)، وحكاه الشيخ أبو على السنجي عن نص الشافعي رضي الله عنه، كما نقله ابن أبي الدم، ثم اختار ابن أبي الدم أنه خلاف الأولى.
وفي "المطلب" في (الوكالة): أما كونه قربة .. فلا شك فيه إذا لم يكن معلقاً فإن كان معلقاً .. فلا نقول: إنه قربة، بل قد يقال: بالكراهة. انتهى.
وهو مشعر بأنه لم يطلع في ذلك على نقل، وفي "الكفاية" هنا بعد نقله عن المتولي أن النذر قربة: ويمكن أن يتوسط فيقال: الذي دل عليه ظاهر الخبر كراهة نذر المجازاة، وأما نذر التبرر - وهو الذي لم يعلق على شيء - .. فيظهر أنه القربة، ثم قال: وفي "الحاوي": أن الحديث يدل على أن ما [يبتدئ به](6) الشخص من البر أفضل مما يلتزمه بالنذر. انتهى (7).
وحاصل ذلك أربعة أوجه، والله أعلم.
5825 -
قول "التنبيه"[ص 84]: (لا يصح النذر إلا من مسلم بالغ عاقل) و"الحاوي" [ص
(1) انظر "فتح العزيز"(12/ 355، 356).
(2)
المجموع (4/ 94).
(3)
الروضة (7/ 3)، وانظر "نهاية المطلب"(12/ 7).
(4)
الروضة (3/ 334)، والحديث أخرجه البخاري (6234) ومسلم (1639) من حديث سيدنا ابن عمر رضي الله عنهما.
(5)
المجموع (8/ 342).
(6)
في "الحاوي الكبير": (يبذله).
(7)
الحاوي الكبير (15/ 464).
655]: (النذر: التزام مكلف مسلم) لا يرد عليه السكران كما أورده النووي في عدة أبواب؛ لما بينا من أنه مكلف، كما نص عليه الشافعي رضي الله عنه، وقال في "الكفاية": إنه يشمل السفيه والمفلس والعبد، ولا يصح من السفيه بالمال.
قلت: كذا جزم به في "الروضة" هنا (1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 655]:(فيصح من المحجور عليه نذر القرب البدنية)، والمراد: حجر السفه؛ بدليل ذكر المفلس بعده، لكن جزم في "الروضة" في (الحجر) بصحة نذر السفيه المال إذا كان في الذمة (2)، ولا يصح النذر من المفلس في العين بناء على منع العتق منه وهو الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 655]:(ومن المفلس المالية في الذمة).
قال في "الكفاية": وأما العبد .. فينبغي أن يقال: نذره المال في الذمة كضمانه؛ أي: والأصح: أنه لا يصح بغير إذن السيد، وفي العين التي يملكها على القول القديم لاغ كالعتق وغيره، والأصح: انعقاد نذره للحج كالسفيه، وغير الحج يشبه أن يكون كالحج في انعقاد النذر به.
5826 -
قول "التنبيه"[ص 85]: (ومن نذر شيئاً على وجه اللجاج؛ بأن قال: "إن كلمت فلاناً .. فعليّ كذا " .. فهو بالخيار عند وجود الشرط ببن الوفاء بما نذر وبين كفارة يمين) كذا صححه النووي في كتبه (3)، وصحح الرافعي في "المحرر": أنه يجب فيه كفارة يمين (4)، ونقل تصحيحه في "الشرح الكبير" عن البغوي وإبراهيم المروذي والموفق بن طاهر وغيرهم (5)، وفي "الشرح الصغير" صححه كثير من المعتبرين، وعليه مشى "الحاوي" فقال في (الأيمان) عطفاً على تفسير اليمين بأنها تحقيق ما لم يجب بذكر اسم الله:(وتعليق التزام قربة، ونذر، وكفارة بفعله وتركه)(6).
فإن قلت: هذا التفسير يصدق على نذر المجازاة، وقد ذكره "الحاوي" في (النذر) بقوله [ص 655]:(ومعلقاً بمقصود).
قلت: الفرق بينهما: أنه في نذر المجازاة يرغب في السبب كشفاء المريض بالتزام المسبب، وهو القربة الملتزمة، وفي نذر اللجاج يرغب عن السبب، فكأن السبب في المجازاة ليس من
(1) الروضة (3/ 293).
(2)
الروضة (4/ 186).
(3)
انظر "الروضة"(3/ 294)، و "المنهاج"(ص 553).
(4)
المحرر (ص 480).
(5)
فتح العزيز (12/ 249).
(6)
الحاوي (ص 644).
فعله؛ ولهذا قال فيه: (بمقصود) أي: بأمر يقصد حصوله ولا قدرة له عليه، وفي اللجاج من فعله؟ ولهذا قال فيه:(بفعله وتركه)، واستدرك "المنهاج" على "المحرر" فقال:(إن التخيير أظهر، ورجحه العراقيون)(1)، وعبارة الرافعي: إيراد العراقيين يقتضي أنه المذهب (2).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي صححه في "المحرر" هو الذي أفتى به الشافعي والصحابة قبله والتابعون، ورجحه جمع كثير من أصحابه منهم الفوراني والإمام والبغوي والخوارزمي والمروذي والموفق بن طاهر وغيرهم، وهو المعتمد عندنا في الفتوى، قال: ولم أجد القول الثالث - وهو التخيير - في منصوصاته، وقد يستشعر من بعض كلامه. انتهى.
وهنا تنبيهان:
أحدهما: أن مقتضى قول "المنهاج"[ص 553]: (فلله على عتق أو صوم) أن اللجاج لا بد فيه من التزام قربة، وبه صرح "المحرر" و"الحاوي"(3)، لكن الصحيح في "أصل الروضة" فيما لو قال:(إن دخلت الدار .. فلله علي أن آكل الخبز) .. أنه من صور اللجاج، وأنه يلزمه كفارة يمين (4)، وسيأتي نظير ذلك في قول "المنهاج" [ص 553]:(ولو نذر فعل مباح أو تركه .. لم يلزمه، لكن إن خالف .. لزمه كفارة يمين على المرجح).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": التزام المباح في نذر اللجاج الأصح عندنا: أنه لا ينعقد، وظاهر كلام "الروضة" هنا انعقاده، وإذا قلنا: ينعقد يمينا .. فمقتضاه: أنه لا تلزمه الكفارة إلا بترك أكل الخبز بحيث يحنث، وقد ألزمه بالكفارة بمجرد الدخول، وهذا يلائم ما ذكره عن القاضي حسين في تعليقه الكفارة في نذر المباح على اللفظ من غير حنث، وقد ذكر المصنف هناك تبعاً للرافعي: أنه لا يتحقق ثبوته، وقضية هذا: أنه إذا أكل الخبز .. فلا كفارة عليه، وإلا .. فعليه كفارة.
ثانيهما: مقتضى عبارة "المنهاج" و "الحاوي" تعين كفارة يمين على ذلك القول، وحكى الرافعي عن "شرح مختصر الجويني" وجهين فيما لو وفى بما التزمه .. هل تسقط الكفارة؟ وقال: الظاهر: المنع (5).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا الخلاف الذي ذكره لا يعرف، ولكنه يخرج مما نقله في "الكفاية" عن "النهاية"، ولم أجده فيها.
(1) المنهاج (ص 553).
(2)
انظر "فتح العزيز"(12/ 249).
(3)
المحرر (ص 480)، الحاوي (ص 644).
(4)
الروضة (30/ 296).
(5)
انظر "فتح العزيز"(12/ 250).
نعم؛ في "التتمة": الجزم بأنه لا يجزئه الوفاء بما التزمه على هذا القول، وفي "التهذيب" و"التتمة": أنا إذا قلنا: عليه كفارة يمين، وكان العبد الملتزم عتقه معيباً أو كافراً .. لا يجزئ على هذا القول (1)، قال شيخنا: وعندي أن هذا خروج عن المعنى المقتضي لإيجاب الكفارة؛ فإن المعنى في ذلك: التخفيف عن المكلفين، فإن غلّظ المكلف على نفسه بإخراج ماله كله الذي هو مئة ألف مثلًا .. فالمصير إلى أن هذا لا يجزئ، ولا بد من كفارة يمين، ومن جملته إطعام عشرة مساكين خرق عظيم.
فإن قيل: ينعكس هذا بأن يكون الملتزَم فلساً فتكون الكفارة أعظم منه.
قلنا: ليس هذا بالغالب في نذر اللجاج.
فإن قيل: هذا يؤول إلى التخيير فيتحد القولان.
قلنا: ذكر الماوردي: أن الأصحاب اختلفوا على قول التخيير على وجهين: أحدهما: أن الواجب عليه أحدهما، وهما في الواجب سواء.
والثاني: أن الواجب عليه كفارة وله إسقاطها بالنذر؛ لأن حكم اليمين أغلب وهي بالله تعالى أغلظ، وإن كان الوفاء بالنذر أفضل (2).
فقد أثبت المارودي على التخيير وجهان: أن الواجب الكفارة وله إسقاطها بالنذر، وأن الوفاء أفضل وهو نفس ما جزمنا به على قول التزام الكفارة، لكن قيدنا الأفضلية بأن يكون الملتزم أكثر من الكفارة، وصار معنى الخلاف: أن الواجب الكفارة عيناً، وله أن يسقطها بالقيام بما التزم، أو الواجب أحد الأمرين، واشترط ابن يونس في "شرح التنبيه" في الوفاء بالملتزم: ألَاّ ينقص عن قيمة الكفارة، والمعتمد: جوازه وإن نقص. انتهى.
وانتقد شيخنا أيضاً قول "المنهاج"[ص 553]: (ورجحه العراقيون) بأنهم لم يرجحوه على قول الكفارة، بل رجحوه على قول لزوم الوفاء؛ فإنهم لم يذكروا قول الكفارة بمعنى أنه لا يجزئ الملتزم، وإنما ذكروه جازمين عليه بأن له إسقاطها بالملتزم.
5827 -
قول "المنهاج"[ص 553]: (ولو قال: "إن دخلت .. فعلي كفارة يمين أو نذر " .. لزمته كفارة بالدخول) حكى في "أصل الروضة" عن القاضي حسين وغيره في قوله: (إن دخلت .. فعلي نذر): أن هذا تفريع على قولنا في نذر اللجاج: يجب الكفارة، فإن أوجبنا الوفاء .. لزمته قربة من القرب، والتعيين إليه، وليكن ما يعينه مما يلتزم بالنذر، وعلى قول
(1) التهذيب (8/ 148).
(2)
انظر "الحاوي الكبير"(15/ 460).
التخيير .. يتخير بين ما ذكرناه وبين الكفارة. انتهى (1).
ومقتضاه: أن ما ذكره "المنهاج" لا يجزئ على ما رجحه من التخيير، لكن جزم الماوردي في هذه الصورة بتعين الكفارة تغليباً لحكم اليمين على النذر؛ لأن كفارة اليمين معلومة وموجب النذر المطلق مجهول؛ فلم يجز التخيير بين معلوم ومجهول (2)، ومنع ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج" فإنه ينزل على قربة من القرب التي تلزم بالنذر والتعيين إلى الناذر.
وقال في حواشي "الروضة": لو كان ذلك في نذر التبرر؛ بأن قال: (إن شفى الله مريضي .. فلله عليّ نذر) .. لزمه قربة من القرب والتعيين إليه، ولو قال ابتداء من غير تعليق بشيء:(لله عليّ نذر) .. جاء فيه البطلان والصحة، وهو الأصح، ويكون اللازم بخيرته، وفي "مختصر البويطي": من قال: (لله عليّ نذر) ولم يسم له مخرجاً ولم يقل: إن فعلت أو لم أفعل .. فلا كفارة عليه؛ لأن النذر لا يكون أكثر من قوله: والله، ولو قال رجل: والله .. ما كان عليه شيء. انتهى.
5828 -
قولهم - والعبارة لـ "التنبيه" -: (ومن علق النذر على أمر يطلبه؛ كشفاء المريض وقدوم الغائب .. لزمه الوفاء به عند وجود الشرط)(3) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا نذر في حال إطلاق تصرفه نذراً مالياً، ثم حجر عليه بالسفه .. فالأقيس: أنه لا يتعلق بماله، ولا يلزم بعد رشده، ويحتمل أن يتعلق بماله؛ لأنه صدر الالتزام في حال إطلاق تصرفه، قال: وهذا بخلاف ما إذا علق الرشيد عتق عبده على صفة ثم حجر عليه بالسفه ثم وجدت الصفة .. فإنه ينفذ؛ لقوة العتق. انتهى.
ولا يلزم من اللزوم عند الشرط انتفاء الإجزاء قبله، والذي في "أصل الروضة": أنه يجوز تقديمه عليه إن كان مالياً، وفي "فتاوى القفال" ما ينازع فيه (4)، لكن المصحح فيها في (باب تعجيل الزكاة): المنع، وعبارة "المنهاج" ظاهرة في أن نذر التبرر قسمان: ما علق على شيء، وما لم يعلق على شيء، وسمى الرافعي وغيره الأول نذر المجازاة (5)، وسمى "الكفاية" الأول نذر المجازاة، والثاني نذر التبرر.
5829 -
قول "المنهاج"[ص 553]: (وإن لم يعلقه بشيء؛ "لله علىّ صوم " .. لزمه في الأظهر) قد يفهم أنه لا يلزم بدون قوله: (لله)، وليس كذلك؛ ولهذا صرح "التنبيه"
(1) الروضة (3/ 296).
(2)
انظر "الحاوي الكبير"(15/ 460).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 84)، و "الحاوي"(ص 655)، و"المنهاج"(ص 553).
(4)
الروضة (11/ 19).
(5)
انظر "فتح العزيز"(12/ 356).
و"الحاوي" في الذي لم يعلق بشيء بالتصويرين معاً؛ أعني: قوله: (لله) ودونها (1)، وكان "المنهاج" اكتفى بذكرهما في صورة نذر المجازاة.
واعلم: أنه لو شُفي مريضه فقال: لله عليّ عتق رقبة لهذه النعمة .. لزمه الوفاء بالنذر قولاً واحداً كما لو علق بشفاء المريض وإن لم يوجد تعليق، ذكره القاضي حسين في "تعليقه" في آخر (الأيمان)، وحكاه عنه في "الكفاية".
قال شيخنا في "تصحيج المنهاج": وكأنه نظر إلى أن هذا جزاء شكر النعمة، فأنزله منزلة المجازاة المعلقة قبل الحصول، وهذا كلام حسن معتمد. انتهى.
5830 -
قول "المنهاج"[ص 553]: (ولا يصح نذر معصية) أورد عليه في "التوشيح": أن الرافعي حكى عن "التتمة": أنه لو نذر إعتاق العبد المرهون .. ينعقد نذره إن قلنا: ينفذ عتقه في الحال أو عند أداء المال، وذكروا في "الرهن": أن الإقدام على عتق المرهون لا يجوز، قال: فإن تم الكلامان .. كان نذراً في معصية منعقداً.
5831 -
قول "التنبيه"[ص 84]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 655]: (ولا يصح النذر إلا في قربة) قيده "المنهاج" بألَاّ تكون واجبة (2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله في واجب العين على طريق التخصيص، فأما واجب الكفاية الذي يحتاج في أدائه إلى بذل مال ومقاساة مشقة؛ كالجهاد وتجهيز الموتى .. فإنه لازم كما في "أصل الروضة " عن الإمام، فإن لم يحتج إلى بذل مال ولا كثير مشقة؛ كصلاة الجنازة .. فالأصح: لزومه بالنذر أيضًا (3)، وأما واجب العين على طريق العموم كما إذا نذر الوضوء لكل صلاة؛ فإذا توضأ لصلاة عند حدث .. خرج به عن واجبي الشرع والنذر كما جزم به في "أصل الروضة"(4).
5832 -
قول "المنهاج"[ص 553]: (ولو نذر فعل مباح أو تركه .. لم يلزمه، لكن إن خالف .. لزمه كفارة يمين على المرجح) تبع فيه قول "المحرر": (على ما رجح من المذهب)(5)، لكن كلام "أصل الروضة" يقتضي عدم اللزوم، فإنه قال: فيه ما سبق من نذر المعاصي والفرض (6)، والذي سبقه في نذر المعاصي: أنه لا كفارة فيها على المذهب، وبه قطع الجمهور، وفي نذر الفرض: أن فيه ما سبق في المعصية، وادعى صاحب "التهذيب" أن الظاهر
(1) التنبيه (ص 84، 85)، الحاوي (ص 655).
(2)
المنهاج (ص 553).
(3)
الروضة (3/ 301)، وانظر "نهاية المطلب"(18/ 420).
(4)
الروضة (3/ 302).
(5)
المحرر (ص 480).
(6)
الروضة (3/ 303).
وجوبها، وحكى لزوم كفارة اليمين في نذر المباح عن البغوي، ولم يعترضه (1).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو ممنوع؛ فقد نص في "الأم" و "المختصر" على أنه لا شيء عليه، وذلك في قوله: إن شفا الله فلاناً .. فلله عليّ أن أمشي، وهو الأرجح؛ لأن القسم بالله ليس موجوداً فيه، ولم يرد فيه نص بخصوصه يوجب الكفارة كما في التحريم، والخبر في كفارة النذر محمول على نذر منعقد، وهو نذر اللجاج؛ وذلك للتخفيف.
5833 -
قوله: (ولو نذر صوم أيام .. نُدب تعجيلها)(2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله ما لم يكن عليه صوم كفارة سبقت النذر وهي على التراخي .. فإنه يندب تعجيل الكفارة، وتقدم على النذر، فإن كانت الكفارة على الفور .. وجب تعجيلها.
5834 -
قوله: (فإن قيد بتفريق .. وجب)(3)، و"الحاوي" [ص 655]:(وصوم شهر متفرقاً) صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" تبعاً للإمام والغزالي: أنه لا يجب (4)؛ لأن التتابع أفضل وأغلظ، ثم ذكر أنه لو نذر التفريق الذي ندب إليه النبي صلى الله عليه وسلم بيوم ويوم .. ففي وجوبه احتمال، ولو قيل به .. لكان قوياً؛ لأنه نذر ما هو مندوب إليه شرعاً، بخلاف مطلق التفريق؛ فإنه غير مقصود في نفسه.
5835 -
قول "التنبيه" فيما لو نذر صوم سنة بعينها [ص 85]: (وإن كانت امرأة فحاضت .. قضت أيام الحيض في أصح القولين) كذا صححه في "المحرر"(5)، لكنه في "الشرح الكبير" لم يحك تصحيحه إلا عن البغوي خاصة، وحكى تصحيح عدم الوجوب عن أبي على الطبري وابن القطان والروياني، وأن ابن كج نسبه إلى الجمهور (6)، وقال في "الشرح الصغير": إنه الأظهر عند الأكثرين، وصححه في "أصل الروضة" (7) فلذلك استدركه في "المنهاج" فقال [ص 554]:(الأظهر: لا يجب، وبه قطع الجمهور).
ولا يلزم من عزو ابن كج والرافعي ذلك إلى الجمهور قطعهم به، وقال شيخنا الإسنوي في "تصحيحه": إن الذي في "الروضة" غلط سببه انعكاس كلام الرافعي عليه، قال: وقد أوضحته في "المهمات"، ولم يذكر ذلك في "المهمات" ولعله كان ظهر له ذلك ثم غيره؛ ولهذا قال في
(1) الروضة (3/ 300، 301)، وانظر "التهذيب"(8/ 151).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 553).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 553).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(18/ 446)، و "الوجيز"(2/ 233).
(5)
المحرر (ص 481).
(6)
فتح العزيز (12/ 370)، وانظر "التهذيب"(8/ 157).
(7)
الروضة (3/ 310).
"المهمات": وغالب نسخ "الرافعي الكبير" في هذه المسألة سقيمة حصل فيها إسقاط من النساخ، وقد أصلحت ما وقع لي منها، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج": القضاء تنزيلًا للنذر منزلة واجب الشرع، وهو صوم رمضان، وقال: إنه المعتمد، ونازع في نقل مقابله عن الجمهور، وقال: لم نجده لأحد من العراقيين في ذلك تصحيحاً إلا لـ"التنبيه" والبندنيجي، ولا من المراوزة إلا البغوي، وصحح هؤلاء الوجوب، وهم مقابلون للثلاثة الذين حكى الرافعي عنهم عدم إيجاب القضاء، وهنا أمور:
أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه لم يقف على القولين، ولا على واحد منهما، والظاهر أنهما مخرجان من القولين في صورة الأثانين في العيدين والتشريق، فيكونان وجهين لا قولين.
ثانيها: أن محل الخلاف فيما أفطرته بالحيض في غير رمضان، فإن كان في رمضان .. لم تقضه إلا عن رمضان فقط، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن "التنبيه" احترز عن ذلك بقوله: (وإن كانت امرأة فحاضت .. قضت أيام الحيض الواقعة في غير رمضان) ولم أقف على هذه الزيادة في "التنبيه".
ثالثها: القياس: أن النفاس والإغماء في ذلك كالحيض، بخلاف الجنون؛ فلا يقضي ما فاته به في صورة النذر كرمضان، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم أر من تعرض لذلك (1).
5836 -
قول "المنهاج"[ص 554]: (وإن أفطر يوماً بلا عذر .. وجب قضاؤه) مفهومه: أنه إن أفطر بعذر .. لم يجب قضاؤه، ويستثنى منه: إفطاره بالسفر؛ فيجب قضاؤه على المذهب، فإن أفطر بالمرض .. ففي "أصل الروضة": أن فيه الخلاف المتقدم في الإفطار بالحيض، ورجح ابن كج: وجوب القضاء؛ لأنه لا يصح أن تنذر صوم أيام الحيض، ويصح أن تنذر صوم أيام المرض (2).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومقتضاه: أن الأصح عنده: أنه لا يجب القضاء، وليس كذلك، بل الأصح: وجوب القضاء كما صححناه في (الحيض)، وأولى، وفي "شرح الرافعي": ويشبه أن يرجح وجوب القضاء في المرض في صورة سنة معينة، ذكر ذلك في صوم الأثانين (3).
(1) في حاشية (ج): (قلت: مسألة النفاس مصرح بها في "أصل الروضة"، وأنها كالحيض).
الروضة (3/ 310).
(2)
الروضة (3/ 310، 311).
(3)
فتح العزيز (12/ 377، 378).
5837 -
قوله: (ولا يجب استئناف سنة)(1) صوابه: ولا يجب استئناف ما مضى.
5838 -
قوله: (فإن شرط التتابع .. وجب في الأصح)(2) أي: استئناف سنة مع احتمال عود الضمير إلى التتابع، ويكون معناه: وجب التتابع في القضاء، كذا قاله الشيخ أبو حامد، وقال القفال: لا يجب التتابع، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه أرجح؛ لأن التتابع في المعية من ضرورة الواقع، فإذا شرطه .. لم يفد في أصل المنذور شيئاً.
5839 -
قوله: (أو غير معينة وشرط التتابع .. وجب. ولا يقطعه صوم رمضان عن فرضه وفطر العيد والتشريق، ويقضيها تباعاً متصلة بآخر السنة، ولا يقطعه حيض، وفي قضائه القولان)(3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": القطع بإيجاب قضاء رمضان والعيد والتشريق وحكاية القولين في الحيض لا يستقيم؛ فإن أيام الحيض أولى بوجوب القضاء؛ فإنه يمكنه خلو السنة عنها ولا يمكن خلوها عن رمضان والعيد والتشريق، قال: ولم يقل بذلك أحد من الأصحاب إلا البغوي والخوارزمي والرافعي والنووي (4)، إلا أن منهم من لا يذكر أيام الحيض؛ لفهمها من طريق الأولى، ومنهم من يذكرها كصاحب "البيان"(5).
5840 -
قوله: (أو يوم الاثنين أبداً .. لم يقض أثاني رمضان)(6) أي: الأربعة، فلو وقع فيه خمسة أثانين .. ففي قضاء الخامس القولان الآتيان في العي؛ لأن الخامس قد يقع وقد لا يقع كالعيد.
5841 -
قوله: (وكذا العيد والتشريق في الأظهر)(7) صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" تبعاً للشيخ أبي حامد وأتباعه مقابله، ويوافقه "تصحيح التنبيه" فيما لو نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان فوافق العيد (8)، وسيأتي.
5842 -
قول "المنهاج"[ص 554]: (فلو لزمه صوم شهرين تباعاً لكفارة .. صامهما، ويقضي أثانيهما) يتناول ما إذا سبقت الكفارة النذر، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 655]:(وفي الصوم المعين قضى ما يقع عنه كأثانين الكفارة) لكن استدرك "المنهاج" من زيادته فقال بعد قوله: (وفي
(1) انظر "المنهاج"(ص 554).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 554).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 554).
(4)
انظر "التهذيب"(8/ 158)، و "فتح العزيز"(12/ 370، 371)، و "الروضة"(3/ 311، 312).
(5)
البيان (4/ 489).
(6)
انظر "المنهاج"(ص 554).
(7)
انظر "المنهاج"(ص 554).
(8)
تصحيح التنبيه (1/ 279).
قول: لا يقضي إن سبقت الكفارة النذر): (ذا القول أظهر)(1) وكذا صححه في "الروضة" من زيادته أيضاً (2)، ونازعه شيخنا في "تصحيح المنهاج" في ذلك، وقال: الأظهر المعتمد في المذهب: الوجوب، ثم بسط ذلك، وكذا قال في "المهمات": إن الصواب: الوجوب؛ فإن الربيع قد نقله عن النص، لكن يشكل عليه ما لو نذر صوم الدهر وكان عليه كفارة حين النذر؛ فإن زمانها مستثنى، كما قاله الرافعي (3)، وقياس ما قاله في الأثانين: أن يفدي عن النذر كما لو لزمت الكفارة بعد أن نذر. انتهى.
ورجح في "الروضة" و"الشرحين" أن الخلاف وجهان، ولفظهما: وجهان، ويقال: قولان (4).
5843 -
قول "المنهاج"[ص 554]: (أو يوماً من أسبوع ثم نسيه .. صام آخره وهو الجمعة) صريح في أن أوله السبت، وكذا في "الروضة" وأصلها هنا (5)، لكن في "شرح المهذب"في (صوم التطوع): أنه سُمي يوم الإثنين؛ لأنه ثاني الأيام، والخميس؛ لأنه خامس الأسبوع (6)، ومقتضاه: أن أوله الأحد، والصواب الأول؛ لحديث أبي هريرة في "صحيح مسلم":"خلق الله التربة يوم السبت"(7).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا في الذين عُرفهم أن الأسبوع أوله السبت، فأما قوم عُرفهم أن أوله الأحد .. فيجوز أن يكون نذر صوم يوم السبت، فإذا صام الجمعة .. لا يكون أداء؛ لأنه ليس المنذور، ولا قضاءً؛ لأن آخر الأسبوع عنده السبت.
5844 -
قوله: (ومن شرع في صوم نفل فنذر إتمامه .. لزمه على الصحيح)(8) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله فيما إذا نوى من الليل، فإن نوى في النهار قبل الزوال .. لم يلزمه الوفاء على الصحيح؛ لأنه إذا لم ينو في الليل .. فقد انعقد صومه بنية في النهار على صفة لا يقع مثلها في الواجب، فتعذر الوجوب فيها، وعبارة "المحرر" تفهمه؛ لقوله:(من أصبح صائماً عن تطوع)(9)، وهذا كما يقول في الصبي إذا بلغ في نهار رمضان وهو صائم: إنما يجزئه إذا كان
(1) المنهاج (ص 554).
(2)
الروضة (3/ 317).
(3)
انظر "فتح العزيز"(12/ 379).
(4)
فتح العزيز (12/ 378)، الروضة (3/ 317).
(5)
فتح العزيز (12/ 368)، الروضة (3/ 308).
(6)
المجموع (6/ 412).
(7)
صحيح مسلم (2789).
(8)
انظر "المنهاج"(ص 554).
(9)
المحرر (ص 481).
قد نوى من الليل، قال: فإن قيل: ففي "الوجيز": لو نذر من نوى نهاراً صوم تطوع أن يتم ذلك اليوم .. لزمه (1).
قلنا: هذا الذي وقع في "الوجيز" ليس في "الوسيط" و"البسيط" و"النهاية"، وهو يوافق رأي من لا يوجب تبييت النية في صوم النذر. انتهى.
قلت: وتبع "الوجيز" في ذلك "الحاوي" فقال [ص 655]: (وإتمام ما نوى نهاراً) وقال شارحه القونوي: وليس ذلك صوم بعض يوم؛ لأن المذهب: أن الناوي من النهار صائم من أوله.
5845 -
قول "التنبيه"[ص 85]: (وإن نذر أن يصوم اليوم الذي يقدم فيه فلان .. لم يصح نذره في أحد القولين، ويصح في الآخر) الأظهر: الصحة، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(2)، ثم مقتضى تقسيم "المنهاج" أحوال المسألة: أنه لا يتأتى صيامه أداء، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 656]:(ويوم يقدم زيد .. صامه بعلامة) وهو معنى قول "التنبيه"[ص 85، 86]: (فإن قدم في أثناء النهار .. نوى صومه، ويجزئه) ومراده: أنه أعلم ليلاً بقدومه نهاراً، فنوى صومه ليلاً اعتماداً على ذلك الإعلام.
وقال النشائي في "نكته": التصوير فيما إذا كان متطوعاً أو ممسكاً قبل الزوال، والمنقول: وجوب صوم يوم آخر إن قلنا: يلزمه الصوم من أول اليوم، وإن قلنا: من وقت القدوم .. فكذلك في الأصح في "التهذيب" و"الشرح الصغير"، فما في "التنبيه" ضعيف على الضعيف. انتهى (3).
وتبعه في "التوشيح"، وكذا ذكر شيخنا الإسنوي مثل هذا الاعتراض في "التنقيح"، واستدركه في "تصحيحه" على "التنبيه"(4)، وقد عرفت أن عبارة "التنبيه" مأوّلة بما تقدم، والله أعلم.
5846 -
قول "التنبيه"[ص 86]: (وإن وافق العيد .. قضاه في أصح القولين) الأظهر: أنه لا يقضيه، وبه جزم "المنهاج"(5)، واستغرب شيخنا الإمام البلقيني في "حواشيه" ما في "التنبيه"، وقال: هو غير معروف، والمعروف أن القولين إنما هما فيما إذا نذر صوم اليوم الذي يقدم فيه فلان أبداً، فقدم يوم الاثنين مثلاً، فإذا وافق بعد ذلك عيداً .. ففي لزوم القضاء قولان.
(1) الوجيز (2/ 233).
(2)
الحاوي (ص 656)، المنهاج (ص 554).
(3)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 80)، وانظر "التهذيب"(8/ 161).
(4)
تذكرة النبيه (3/ 81).
(5)
المنهاج (ص 554).