الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال في "المهمات": وتعليل الرافعي يقتضي تخصيص الخلاف بسفر التجارة (1)، وتصوير المسألة يقتضي تعميم كل سفر، وصحح في "شرح المهذب": أن له منعه من سفر الحج (2)، وهو ضعيف؛ لأنه ليس له إجباره على الكسب.
فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]
6521 -
قول "المنهاج"[ص 598]: (الكتابة الفاسدة لشرط أو عوض أو أجل فاسد كالصحيحة في استقلاله بالكسب
…
إلى آخره) ليس فيه بيان حقيقة الفاسدة، بل ظاهره انقسام الفاسدة إلى ما كان فسادها من جهة الشرط أو العوض، فهي التي كالصحيحة فيما ذكر، وإلى ما فسادها بغير ذلك؛ فليست كالصحيحة، وليس كذلك، وإنما مراده: أن الفاسدة ما كان الخلل فيها من جهة أحد هذه الأمور الثلاثة، فإن كان خللها بعد ذلك .. فهي الباطلة، وعبارة "الحاوي" [ص 708]:(والفاسدة كشرط شراء) فاقتصر على ذكر مثالها، وعبارة "التنبيه" [ص 148]:(وإن كاتب على عوض محرم أو شرط فاسد .. فسدت الكتابة) فبين حقيقتها إلا أنه لم يذكر الأجل الفاسد؛ ولعله داخل في الشرط الفاسد، وفي "أصل الروضة": الباطلة هي: التي اختل بعض أركانها؛ بأن كان السيد صبيًا أو مجنونًا أو مكرهًا على الكتابة، أو كان العبد كذلك، أو كاتب ولي الصبي والمجنون عبدهما، أو لم يجر ذكر عوض، أو ذكر ما لا يقصد ولا مالية فيه كالحشرات والدم، أو اختلت الصيغة؛ بأن فقد الإيجاب والقبول، أو لم يوافق أحدهما الآخر، وأما الفاسدة .. فهي: التي اختلت صحتها لشرط فاسد في العوض؛ بأن ذكر خمرًا أو خنزيرًا أو مجهولًا أو لم يؤجله أو لم ينجمه أو كاتب بعض العبد، وضبطها الإمام فقال: إذا صدرت الكتابة إيجابًا وقبولًا ممن تصح عبارته، وظهر اشتمالها على قصد المالية، لكنها لم تجمع شرائط الصحة .. فهي الكتابة الفاسدة، وجعل الصيدلاني الكتابة على دم أو ميتة كتابة فاسدة كالكتابة على خمر (3).
قال في "المهمات": وظاهره أن مقالة الصيدلاني وجه ضعيف، ولكن الصحيح: عدها مما يقصد، وكذا صرح به الرافعي في الخلع، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن المشهور خلاف مقالة الصيدلاني.
ويرد على عبارة "التنبيه" و"المنهاج" أمور:
(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 479).
(2)
المجموع (8/ 238، 244).
(3)
الروضة (12/ 231)، وانظر "نهاية المطلب"(19/ 357).
أحدها: أن الكتابة على عوض محرم فاسد إنما تكون فاسدة إذا كان مقصودًا، فإذا لم يقصد .. فهي باطلة.
ثانيها: أن كتابة بعض عبد فاسدة كما ذكره "المنهاج" قبل ذلك مع أن عبارتهما لا تتناوله.
ثالثها: يرد عليهما أيضًا: ما لو جعل العتق مرتبًا على أداء بعض النجوم، ويبقى الباقي بعد العتق دينًا على العتيق؛ كما إذا كاتب على دينار إلى شهر ودينارين إلى شهرين على أنه إذا أدى الأول عتق، ويؤدي الدينارين بعد العتق .. ففي "أصل الروضة": في صحة الكتابة القولان فيما إذا جمعت الصفقة عقدين مختلفين (1)، ومقتضى ذلك: الصحة، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح فيه: أنه كتابة فاسدة.
رابعها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يذكر في أول الكتابة أنه معتبر في صحتها تنجيز عقدها، ولكن ذكر صيغتها بصورة التنجيز، فإذا أتى بالكتابة معلقة ووجد الشرط .. فهل هي فاسدة أو باطلة؟ لم أر من تعرض لذلك، ونص في "الأم" على أنه لم يقع كتابة، ومقتضاه: أن تكون باطلة.
خامسها: إذا كان العوض فاسدًا مقصودًا، ولكن الكتابة صدرت بين كافرين، وحصل القبض في حال كفرهما .. فهي كالصحيحة في أنه لا يثبت فيها تراجع، نص عليه في "الأم"، وتبعه الأصحاب.
سادسها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إذا قال في الكتابة: (فإذا أديت إلى .. فأنت حر بعد موتي) .. نص في "الأم" على أنها ليست كتابة، وإنما هو مدبر، ولسيده بيعه قبل أداء النجوم وبعده، قال: ولم أر في كلام الأصحاب هذا الفرع، وقياسه: أنه لو كاتبه على نجوم وقال: (فإذا أديتها .. فأنت حر إن دخلت الدار أو مضى بعد الأداء شهر) ونحو ذلك .. فإنه يكون تعليقًا محضًا، ولم أر من تعرض لذلك أيضًا. انتهى.
سابعها: إذا كاتب عن العبد غيره وفرعنا على أنها غير صحيحة كما صححه في زيادة "الروضة" .. فمقتضى كلام "أصل الروضة": أنها فاسدة؛ فإنه قال: عتق بالصفة، ويرجع المؤدي على السيد بما أدى والسيد عليه بقيمة العبد (2).
وليست هذه الصورة داخلة فيما ذكراه في تعريف الفاسدة، وقال النووي في "الدقائق": الفاسد والباطل من العقود عندنا سواء، إلا في مواضع منها: الحج، والعارية، والخلع، والكتابة (3)،
(1) الروضة (12/ 215).
(2)
الروضة (12/ 226).
(3)
الدقائق (ص 77).
وحكاه عنه شيخنا الإسنوي في "التنقيح" بلفظ: إلا في أربع مسائل، ثم اعترض عليه: بأن الحصر في الأربع ممنوع، بل يتصور أيضًا الفرق في كل عقد صحيحة غير مضمون كالإجارة والهبة وغيرها؛ فإنه لو صدر من سفيه أو صبي وتلفت العين في يد المستأجر أو المتهب .. وجب الضمان، ولو كان فاسدًا .. لم يجب ضمانها؛ لأن فاسد كل عقد كصحيحه في الضمان وعدمه. انتهى.
وقد عرفت أن النووي لم يأت بما يدل على الحصر، وأن ذلك من تصرف الإسنوي في النقل عنه، وقال في "التوشيح": فرقوا بينهما في القراض في مسألتين، وفيما لو قال: بعتك، ولم يذكر ثمنًا، وسلم، وتلفت العين في يد المشتري .. ففي وجه: عليه قيمتها؛ لأنه بيع فاسد، وفي آخر: لا؛ إذ لا بيع أصلًا، فيكون أمانة. انتهى.
وقول "المنهاج"[ص 598]: (إن الفاسدة كالصحيحة في استقلاله بالكسب) يقتضي سقوط نفقته عن السيد، وأن له معاملته، وهو الذي ذكره الإمام والغزالي (1)، ومقتضاه: أنه لا تجب فطرته على سيده، وهو خلاف المجزوم به في "أصل الروضة"(2)، وقد ذكره "الحاوي"(3).
وقال البغوي: لا تجوز له معاملته، ولا ينفذ تصرفه فيما في يده كالمعلق عتقه (4).
قال الرافعي: ولعل هذا أقوى (5).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي ترجح عندنا أنه يتصرف فيما في يده، وقضية ملكه كسابه أن يعامل السيد، وحكى القاضي حسين في معاملته السيد وجهين، والأرجح عندنا: ما سبق، وهو الذي أفتى به القفال.
6522 -
قوله: (وأخذ مهر شبهة)(6) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يتقيد ذلك بالشبهة، بل له مهر جاريته الواجب بالعقد من مسمى صحيح أو مهر مثل بسبب تسميته فاسدة، أو تلف المسمى قبل قبض الزوجة وغير ذلك مما يوجب مهر المثل من غير وطء، وكذا يكون له الفرض في المفوضة ومهر المثل في موت أحد الزوجين قبل الفرض، والمسألتين في المفوضة، قال: وجميع ذلك يأتي في المرأة المكاتبة كتابة فاسدة.
6523 -
قوله: (وفي أنه يعتق بالأداء)(7) أي: لا بالإبراء كما ذكره بعد ذلك هو
(1) انظر "نهاية المطلب"(19/ 359)، و"الوجيز"(2/ 282).
(2)
الروضة (12/ 235).
(3)
الحاوي (ص 709).
(4)
انظر "التهذيب"(8/ 427).
(5)
انظر "فتح العزيز"(13/ 479).
(6)
انظر "المنهاج"(ص 598).
(7)
انظر "المنهاج"(ص 598).
و"الحاوي"(1)، ولا بالاعتياض كما ذكره "الحاوي"(2)، وهو يفهم صحة الاعتياض في الكتابة الصحيحة، وهو مفهوم كلام الغزالي كما نبه عليه الرافعي (3)، والأصح: المنع.
قال القونوي: فلا ينبغي أن يحمل كلامه على ذلك، بل على حصول العتق بالاعتياض في الصحيحة دون الفاسدة، وعلى ذلك حمله صاحبا "التعليقة" و"المصباح"، والمراد: أداء المسمى للمالك، فيعتق بحكم التعليق، فلو أداه لوكيل أو وارث .. لم يعتق، وقد صرح بذلك "التنبيه"(4)، وكذا لو دفعه للمالك قبل المحل .. فالأصح في "الروضة": أنه لا يعتق؛ لأن الصفة لم توجد (5).
6524 -
قول "المنهاج"[ص 599]: (وكالتعليق في أنه لا يعتق بإبراء، وتبطل بموت سيده، وتصح الوصية برقبته، ولا يصرف إليه سهم المكاتبين) محل بطلان التعليق بموته فيما إذا لم يقل: (إن أديت إلى وارثي كذا بعد موتي .. فأنت حر)، فإن قال ذلك .. عتق بالأداء إليه، جزم به في "أصل الروضة"(6)، ولم أدر معنى قول شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أر من تعرض لذلك، وقال بعد ذلك بعد نقله هذا عن كتب المتأخرين: وما ذكروه تعليق ليس عن كتابة فاسدة، ويرد على الحصر في الأربعة: صحة إعتاقه عن الكفارة، وبيعه، وهبته، والتصديق به، ومنعه من السفر، وأنه لا يمنع من وطء الأمة.
6525 -
قولهم - والعبارة لى "المنهاج" -: (وتخالفها في أن للسيد فسخها)(7) تعقب شيخنا في "تصحيح المنهاج" هذه العبارة من جهة أن الفسخ إنما يكون في العقد الصحيح، أما الفاسد .. فلا يرتفع بالفسخ؛ لأن الفسخ إنما يرفع الصحة، قال: وإنما يقال كما قال الشافعي: إن للسيد إبطالها (8).
6526 -
قول "المنهاج"[ص 599]: (وأنه لا يملك ما يأخذه، بل يرجع المكاتب به أن كان متقومًا، وهو عليه بقيمته يوم العتق) فيه أمور:
أحدها: مقتضاه: أنه لم يملكه وقت أخذه، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكلامهم
(1) الحاوي (ص 709)، المنهاج (ص 599).
(2)
الحاوي (ص 709).
(3)
انظر "فتح العزيز"(13/ 481).
(4)
التنبيه (ص 148).
(5)
الروضة (12/ 235).
(6)
الروضة (12/ 235).
(7)
انظر "التنبيه"(ص 148)، و"الحاوي"(ص 709)، و "المنهاج"(ص 599).
(8)
انظر "الأم"(8/ 75).
على هذا، وعندي ليس الأمر كذلك، بل يملكه، فإذا حصل العتق .. ارتفع ذلك الملك؛ واستشهد له بما إذا علق طلاق زوجته على إعطاء الدراهم فأعطته غير الغالب .. ملكه، وله رده وطلب الغالب، غير أنه في الكتابة يرتفع الملك قهرًا، وهنا يرتفع برد الزوج.
ثانيها: قال شيخنا أيضًا: يستثنى من ذلك: ما أخذه الكافر الأصلي من مكاتبة الكافر الأصلي حال الكفر .. فإنه يملكه ولا يراجع.
ثالثها: المراد بالمتقوم: ما له قيمة كما عبر به في "المحرر"(1)، لا ضد المثلي، وكذلك يرجع بما لا قيمة له إذا كان محترمًا كجلد الميتة قبل الدبغ، إلا أنه إذا تلف .. لم يرجع ببدله، وعبارة " التنبيه " أص 148، :(ورجع المولى عليه بالقيمة، ورجع هو على المولى بما دفع)، وعبارة "الحاوي" فيما خالفت فيه الفاسدة الصحيحة [ص 709]:(والرجوع إلى قيمته) فلا يرد عليهما الأمر الأول والثالث، ويرد على "التنبيه": أنه إنما يرجع على المولى بما دفع إذا كان محترمًا كما تقدم.
6527 -
قول "التنبيه"[ص 148]: (وإن كانا من جنس واحد .. سقط أحدهما بالآخر في أحد الأقوال، ولا يسقط في الثاني، ولا يسقط في الثالث إلا برضا أحدهما، ولا يسقط في الرابع إلا برضاهما) فيه أمور:
أحدها: الأظهر: الأول، وعبارة "المنهاج" من زيادته [ص 599]:(أصح أقوال التقاص .. سقوط أحد الدينين بالآخر بلا رضًا) وعليه مشى "الحاوي" في أوائل القضاء فقال [ص 663]: (وله جحد حقه إن جحد وتقاصّا كدينين تساويا صفة).
ثانيها: صورة المسألة: أن يكون ما أداه العبد قد تلف؛ فإن التقاص إنما يكون في الدينين، كما صرح به "الحاوي" لا في دين وعين (2).
ثالثها: لا يكفي كونهما من جنس واحد، بل لا بد من اتفاقهما في الصفة أيضًا؛ كالصحة والتكسير والحلول والتأجيل؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 663]:(تساويا صفة) فاستغنى بذلك عن ذكر الجنس، فلو تساويا في الأجل .. فهل هما كالحّالين أو كمؤجلين باجلين مختلفين؟ وجهان، أرجحهما عند الإمام: الأول، وعند البغوي: الثاني، كذا في "أصل الروضة"(3)، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" الأول، وحكاه عن البندنيجي، قال: وفي نص الشافعي ما يدل عليه.
(1) المحرر (ص 529).
(2)
الحاوي (ص 663).
(3)
الروضة (12/ 273)، وانظر "نهاية المطلب"(19/ 451)، و"التهذيب"(8/ 461).
رابعها: صورة المسألة أيضًا: أن يكونا نقدين، فلا يحصل التقاص إلا في النقود على الأصح، وهذا وارد على "الحاوي" أيضًا؛ لإطلاقه الدينين، ويعتبر هنا أن يكون ما دفعه العبد نقدًا وهو من نقد البلد حتى يجانس ما يرجع به السيد من القيمة؛ فإنه إنما يرجع بقيمته من نقد البلد، واختصاص التقاص بالنقود، قال في "أصل الروضة": إنه المذهب الذي قطع به جمهور العراقيين وغيرهم (1).
قال في "المهمات": والمثليات قد نص عليها الشافعي رضي الله عنه، وحكم فيها بالتقاص، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ذكر البندنيجي أن الأصحاب لم يختلفوا في أن الخلاف في التقاص لا يجري إلا في الدراهم والدنانير، ولا فرق بين ما له مثل وغيره، وقال: وهم في ذلك مخالفون لنص الشافعي لا عن قصد، ولكن لقلة نظرهم في كتابه؛ فقد نص في باب الجناية على المكاتب من "الأم": أن التقاص يقع في الطعام فقال: فيما إذا كان للسيد على المكاتب مائة صاع حنطة حالة، وحرق له مثلها .. كانت قصاصًا، وإن كره سيد المكاتب (2)، قال البندنيجي: فقد نص على أن الأقوال تأتي في كل ما يثبت في الذمة من مثلي ومتقوم، قال شيخنا: وهذا الذي ذكره البندنيجي في المتقوم لم أقف عليه في كلام الشافعي، ولكن الحوالة تجوز في المتقومات على المشهور، وقياسه: دخول التقاص فيه لحصول التساوي، وإلا .. لما صحت الحوالة به، ويوافقه ذكرهم التقاص فيما إذا بادر أحد ابني المقتول وقتل الجاني، مع أن الواجب إبل، وهي متقومة غير موصوفة الوصف المعتبر في السلم، وفي "أصل الروضة" في آخر المسألة ما ذكرناه من صور مجيء الخلاف في التقاص (3)، كذا أطلقه الأصحاب، وفيه نظر؛ لأن شرط التقاص: استواء الدينين في الجنس والصفة حتى لا يجري إذا كان أحدهما مؤجلًا والآخر حالًا، أو اختلف أجلهما، وهنا أحد الدينين في ذمة الابن المبادر لورثة الجاني، والآخر يتعلق بتركة الجاني، ولا يثبت في ذمة أحد، وهذا الاختلاف أشد من الاختلاف في قدر الأجل. انتهى.
قال شيخنا: ولم يوردا أن الدينين متقومان، والتقاص لا يجري في المتقومات على ما صححاه، وأن مع كونهما متقومين فليسا موصوفين بصفة السلم، ويحتمل عند الدفع أن يكون أحد المدفوعين مغايرًا لصفات الآخر، وما كان كذلك .. فلا تقاص فيه؛ لعدم معرفة التساوي، قال: وعندي وقفة في ذلك من أجل نص للشافعي يشعر بدخول التقاص في ذلك، قال: ومما ينتظم في هذا السلك نفقة الزوجة وكسوتها، فإذا كان لزوجها عليها دين من المثليات في المثلي
(1) الروضة (12/ 274).
(2)
الأم (8/ 72).
(3)
الروضة (12/ 273، 274).
ومن المتقومات في المتقوم .. نفى دخول التقاص فيه ما إذا سبق في المثليات والمتقومات، وفيها سبق في إبل الدبة من جهة الجهالة في الصفات، وقد تقدم، قال: وصحح في "النهاية" التقاص في المثليات (1)، وجرى عليه في "البسيط".
خامسها: ظاهر كلامهم أنه لا فرق في ذلك بين دين السلم وغيره، وبه صرح في "أصل الروضة"(2).
قال في "المهمات": وليس كذلك بلا خلاف؛ لامتناع الاعتياض عن دين السلم، كذا صرح به القاضي حسين والماوردي، ونص عليه الشافعي.
سادسها: ولم يفرقوا بين أن يكون أحدهما معسرًا أم لا، وحكى في "البحر" عن "المجرد": أنه إذا كان أحدهما معسرًا ودينه متعين صرفه لنفقته كالزوجة .. فلا تقاص؛ لعدم توجه مطالبته، ثم قال: يجب أن يكون هذا على قولنا: إن التقاص لا يثبت إلا بالتراضي، فإن قلنا: يتقاصان بوجوبهما .. فيجب أن يسقط أحدهما بالآخر، قال شيخنا: وما ذكره ممنوع؛ لأن علة المنع ما ذكرناه، فلا يختص ذلك بقول التراضي.
سابعها: ما منع فيه التقاص قهرًا إن كان لاختلاف جنس أو صفة من صحة وتكسير .. امتنع فيه بالتراضي أيضًا، ولكن يدخله التعويض، وإن كان لحلول أحدهما وتأجيل الآخر .. فالمرجح في "أصل الروضة": أنه لا يدخله بالتراضي أيضًا (3)، وفي "المهمات": أن مذهب الشافعي جوازه؛ فقد نص عليه في "الأم" في باب الجناية على المكاتب؛ ولأجله قال البندنيجي: إن الأصحاب في ذلك مخالفون لنصوص الشافعي لا عن قصد، ولكن لقلة نظرهم في كتبه.
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن النص المذكور إنما هو فيما إذا كان للمكاتب على سيده دين حال من جناية، وعلى المكاتب شيء لم يحل، فرضي المكاتب أن يجعل حقه الحال قصاصًا عن الذي للسيد عليه من المؤجل، قال شيخنا: وما أجاز الشافعي ذلك من جهة أنه لا بد من اجتماعهما على التقاص، بل لما فيه من تحصيل العتق للمكاتب، وصرح بذلك في باب جناية المكاتب على سيده والسيد على مكاتبه فقال:(لم تكن قصاصا إلا أن يشاء المكاتب ذلك دون سيده)(4)، ولو فرض في غير المكاتب رضا صاحب الدين الحال .. فيحتمل جوازه كالمكاتب، ويحتمل الفرق، وعلى كل حال فالعبرة برضا صاحب الدين لا برضاهما.
(1) نهاية المطلب (19/ 452).
(2)
الروضة (12/ 273).
(3)
الروضة (12/ 273).
(4)
الأم (8/ 70).
ثامنها: هل المراد بالرضا أن يرضى في قلبه بذلك أم لا بد من التلفظ به؟ الأرجح: الثاني، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ويشهد له قول الشافعي: (لم يعتق حتى يقول: قد جعلت ما وجب لي قصاصًا)(1).
6528 -
قول "الحاوي"[ص 708]: (والفاسد كهو) أي: كالصحيح، ودخول الكاف على الضمائر قليل (لا في الحط، والسفر، والإيصاء، والإبراء، والاعتياض والانفساخ بالفسخ وموته، وحجره، وجنونه، ورد القاضي والفطرة والزكاة، والرجوع إلى قيمته)(2) فيه أمور.
أحدها: قوله: (والإيصاء) أي: تصح الوصية برقبة المكاتب كتابة فاسدة دون الصحيحة، وحكى فيه "التنبيه" قولين فقال [ص 148]:(وإن وصى بالمكاتب وهو لا يعلم بفساد الكتابة .. ففيه قولان، أحدهما: يصح، والثاني: لا يصح) وقد عرفت أن الأصح: الصحة، وبه جزم "المنهاج"(3)، وقيد محل الخلاف بأن لا يعلم فسادها، فإن علم .. صحت الوصية قطعًا، ومنهم من أجرى فيه القولين، وقد عرفت ما في قول "الحاوي":(والاعتياض).
وقوله: (والانفساخ بالفسخ) يتناول كلًا من السيد والمكاتب، وقد عرفت ما في فسخ المكاتب في كلام الرافعي من الاضطراب، والضمير في قوله:(وموته، وحجره، وجنونه) يعود للسيد، وأما موت العبد .. فلا تبقي معه كتابة صحيحة ولا فاسدة، ولا تنفسخ بجنونه وإغمائه، وقد أفصح بذلك "المنهاج" فقال [ص 599]:(والأصح: بطلان الفاسدة بجنون السيد وإغمائه والحجر عليه) ومسألة الإغماء ليست في "المحرر"، وهي في "الروضة" وأصلها (4)، والمراد: حجر السفه، فلو حجر عليه بالفلس .. لم تبطل الفاسدة، ولكنه يباع في الدين، فإذا بيع .. بطلت.
وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن بطلانها بهذه الأمور خلاف نص "الأم" حيث قال: (وكذلك لو كاتبه كتابة فاسدة وهو صحيح ثم خبل السيد فتاداها منه مغلوبًا على عقله .. لم يعتق (5)، قال شيخنا: فلو كانت تبطل بذلك .. لم يحتج لهذا الكلام لبطلانها بالجنون قبل التأدي.
ثانيها: قد يفهم من قوله: (ورد القاضي) أن له فسخها من غير طلب السيد، وليس كذلك، وإنما معناه: أن للسيد إذا أراد فسخ الكتابة الفاسدة أن فسخها بنفسه وأن يرفع الأمر إلى القاضي ليفسخها.
ثالثها: ذكر أن الفاسدة تنفسخ بأحد أمور خمسة، وبقي عليه: إعتاق السيد له لا عن جهة
(1) انظر "الأم"(8/ 71).
(2)
الحاوي (ص 708).
(3)
المنهاج (ص 599).
(4)
فتح العزيز (13/ 485)، الروضة (12/ 236).
(5)
الأم (8/ 49).
الكتابة كما لو أعتقه عن كفارته .. يجزيه، ويكون فسخًا للكتابة، فلا يتبعه كسبه وولده، بخلاف الصحيحة، قال الرافعي: وليكن الحكم كذلك لو باعه أو وهبه (1)، وقد يدعى اندراج هذه الصورة في الفسخ.
رابعها: قد عرفت الإشكال في كون السيد تلزمه فطرته دون نفقته، وقوله:(والزكاة) مكرر قد تقدم في قوله في قسم الصدقات: (صحيحي الكتابة)(2) وأعاده لبيان ما فارقت فيه الكتابة الفاسدة الصحيحة وفي معنى الزكاة: الوقف على الرقاب والوصية لهم، فلا يأخذ من ذلك شيئًا.
خامسها: يرد على حصره مسائل:
إحداها: أنه ليس له في الفاسدة معاملة السيد كما تقدم عن البغوي (3)، وأن الرافعي قال: لعله أقوى (4)، لكن تقدم عن الإمام والغزالي وغيرهما: أن له معاملته كالصحيحة (5).
الثانية: أنه لا يعتق بتعجيل النجوم كما صححه النووي من زيادة "الروضة"(6) وصاحب "الكفاية" لأن الصفة لم توجد على وجهها.
الثالثة: أنها لو عجزت فأرقّها أو فسخ الكتابة قبل عجزها .. لم يجب الاستبراء، بخلاف الصحيحة (7)، وقد ذكره "الحاوي" في الاستبراء فقال [ص 537]:(ورفع الكتابة الصحيحة)، واعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن الكتابة الفاسدة لا يحرم بها وطء المكاتبة ولا الاستمتاع بها؛ فذكر الاستبراء لا معنى له.
الرابعة: أنه لا تنقطع زكاة التجارة فيه، فيخرج عنه زكاتها؛ لتمكنه من التصرف فيه بالبيع وغيره بخلاف الصحيحة.
الخامسة: أن له منعه من صوم الكفارة إذا حلف بغير إذنه وكان يضعف بالصوم.
السادسة: أن له منعه من الإحرام وتحليله إذا حرم بغير إذنه، وله هو أن يتحلل حينئذ.
السابعة: إذا أسلم عبد لكافر فكاتبه كتابة فاسدة .. لم يكف في إزالة سلطنته عنه.
الثامنة: أن الكتابة الفاسدة في الخيار ليست فسخًا من البائع ولا إجارة من المشتري إلا أن يعتق بالأداء في الخيار.
(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 482).
(2)
الحاوي (ص 448).
(3)
انظر "التهذيب"(8/ 427).
(4)
انظر "فتح العزيز"(13/ 479).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(19/ 359)، و"الوجيز"(2/ 282).
(6)
الروضة (12/ 235).
(7)
انظر "الروضة"(12/ 235).
التاسعة: أنه لو اطلع على عيب بعبد اشتراه بعد أن كاتبه كتابة فاسدة .. لم يمتنع رده بالعيب.
العاشرة: أن الكتابة الفاسدة من المشتري لا تمنع عود المكاتب إلى البائع بإقالة أو فسخ بتحالف أو غيره.
الحادية عشر: أنه يجوز له جعله رأس مال سلم، وأداؤه عن سلم لزمه كما يجوز بيعه، ويكون فسخًا للكتابة.
الثانية عشر: أنه يجوز إقراضه، فإذا قبضه المقترض وملكه .. انفسخت الكتابة.
الثالثة عشر: أنه لا يجوز أن يكون وكيلًا عن المرتهن في قبض العين المرهونة من سيده، ولا عن معامل سيده في صرف أو سلم أو غيرهما.
الرابعة عشر: أن لبائعه فسخ البيع إذا أفلس المشتري وكان قد كاتبه كتابة فاسدة وبيع في الدين.
الخامسة عشر: أنه لا تصح الحوالة عليه بالنجوم.
السادسة عشر: أنه لا يصح التوكيل بالفاسدة من السيد، فلا تصدر من الوكيل لغلبة التعليق، ويحتمل الجواز لشائبة المعاوضة، وفي توكيل العبد من يقبلها له تردد، فعلى المنع تخالف الصحيحة، والأرجح: الاستواء.
السابعة عشر: أنه لا يوكل السيد من يقبض له النجوم، ولا العبد من يؤديها عنه رعاية للتعليق بقوله: فماذا أديت إلى؟ ويشهد له ما إذا قال: (إن أعطيتني كذا .. فأنت طالق) .. فالمنقول: أنها إذا أرسلته مع وكيل فقبضه الزوج .. لم تطلق.
الثامنة عشر: أنه يصح إقرار السيد به كعبده القن.
التاسعة عشر: أنه لا يصح إقراره بما يوجب مالًا متعلقًا برقبته، بخلاف المكاتب كتابة صحيحة؛ ففيه اختلاف ترجيح، والأصح: القبول.
العشرون: أنه يقبل إقرار السيد على المكاتب كتابة فاسدة بما يوجب الأرش بخلاف الصحيحة.
الحادية والعشرون: أن للسيد أن يجعله أجرة في الإجارة وجعلًا في الجعالة ونفقة، ويكون ذلك فسخًا.
الثانية والعشرون: إذا كاتب الفرع ما وهبه له أصله كتابة فاسدة بعد قبضه بإذنه .. فللأصل الرجوع فيه، ويكون فسخًا.
الثالثة والعشرون: لا تصح الوصية بأن يكاتب عبده فلان كتابة فاسدة.
الرابعة والعشرون: أن الفاسدة الصادرة في المرض ليست من الثلث؛ لأخذ السيد القيمة عَنْ رقبته، بل هي من رأس المال.
الخامسة والعشرون: أنه لا يمتنع نظره إلى مكاتبته كتابة فاسدة.
السادسة والعشرون: أن المعتبر في الفاسدة جواب خطبتها من السيد، بخلاف الصحيحة "فإن المعتبر جوابها.
السابعة والعشرون: أن السيد يزوج المكاتبة كتابة فاسدة إجبارًا، وفي كون ذلك فسخا نظر، والأرجح: أنه يكون فسخًا للكتابة؛ لأن إجبار السيد يكون للقنة دون المكاتبة كتابة صحيحة فيصيرها بذلك كالقنة.
الثامنة والعشرون: أن للسيد منع الزوج من تسليمها نهارًا كالقنة، بخلاف المكاتبة كتابة صحيحة، فإنها يلزمها تسليم نفسها ليلًا ونهارًا كالحرة.
التاسعة والعشرون: أن السيد يسافر بالمكاتبة كتابة فاسدة، وله منع الزوج من السفر بها، بخلاف المكاتبة كتابة صحيحة إذا كان في سفرها مصلحة بها.
الثلاثون: أنه ليس للمكاتبة كتابة فاسدة حبس نفسها لتسليم المهر الحال، بخلاف الصحيحة.
الحادية والثلاثون: أن للسيد تفويض بضعها وله حبسها للفرض وتسليم المفروض لا لها.
الثانية والثلاثون: أنه إذا زوجها بعبده .. لم يجب المهر بخلاف الصحيحة.
الثالثة والثلاثون: أنه يجوز جعلها صداقًا، ويكون فسخًا.
الرابعة والثلاثون: إذا كاتبت الزوجة العبد الذي أصدقها الزوج إياه ثم وجد من الفرقة قبل الدخول ما يقتضي رجوع الكل أو النصف إلى الزوج .. فلا يرجع بذلك في الصحيحة، وعليها غرامة بدله، ويرجع به في الفاسدة، ويكون فسخًا للكتابة.
الخامسة والثلاثون: أنه يخالع على المكاتبة كتابة فاسدة ويكون فسخًا، وفي الرد بالعيب والتحالف والإقالة وغيرها ما سبق.
السادسة والثلاثون: أنها لا يجب لها المهر بوطء سيدها لها، ولا تعزير عليه، ويستمر تحريم أختها وعمتها وخالتها في الوطء بملك اليمين وفي عقد النكاح.
السابعة والثلاثون: أن أرش جنايته يتعلق برقبته ابتداء كالقن، ولا أرش له فيما إذا جنى عليه السيد.
الثامنة والثلاثون: أنه لا يدعي في قتل عبده في محل اللوث ولا غيره، ولا يقسم، وذلك يتعلق بالسيد بخلاف المكاتب كتابة صحيحة.
التاسعة والثلاثون: أنه إذا حجر على السيد بالردة، وقلنا: إنه حجر فلس - وهو الأصح - وماله لا يفي بديونه .. فلبائعه الرجوع فيه، ولا يمنعه من ذلك الكتابة الفاسدة.
الأربعون: أنه إذا سرقه سارق وهو نائم وكان بحيث لو انتبه لم يقدر على دفع السارق .. فإنه يثبت الاستيلاء عليه، والأرجح: أنه يقطع؛ لأنه مال أخذ من حرز، بخلاف المكاتب كتابة صحيحة، فإنه ليس بمال، فلا قطع فيه.
الحادية والأربعون: أنه يحنث سيد المكاتب كتابة فاسدة في حلفه أنه لا مال له ولا عبد، ولو حلف لا يكاتب أو ليكاتبن أو لا يكلم مكاتب فلان .. تعلق البر والحنث بالكتابة الصحيحة دون الفاسدة.
الثانية والأربعون: أنه يكاتبه السيد كتابة صحيحة ويكون فسخًا للفاسدة.
الثالثة والأربعون: في ثبوت العوض في الكتابة الفاسدة في الذمة إذا أمكن ذلك تردد، فمن نظر إلى معنى المعاوضة .. أثبته في الذمة، ومن نظر إلى غلبة التعليق .. لم يثبته في الذمة، وعلى هذا: فتخالف الفاسدة الصحيحة في ذلك، قال شيخنا: والأرجح: ثبوته في الذمة، ويصح الإبراء منه، ولكن لا يعتق المكاتب، ويبطل التعليق، ولم أر من تعرض لذلك.
الرابعة والأربعون: أنه لا يعتق في الكتابة الفاسدة بأداء غيره عنه تبرعًا إلا إذا فسدت لصدورها مع غير العبد، فيعتق من صدرت الكتابة معه بمقتضى التعليق.
الخامسة والأربعون: أنه إذا أعتق لا عن جهة الكتابة .. لم يستتبع كسبًا ولا ولدًا.
السادسة والأربعون: أن له إعتاقه عن الكفارة على المنصوص.
السابعة والأربعون: أنه يعتق بأخذ السيد في حال جنونه، كذا ذكروه، وقال الرافعي: ينبغي أن لا يعتق؛ لأنه لم يأخذ من العبد (1)، قال شيخنا: ويزاد عليه: أن العبد لم يؤده.
الثامنة والأربعون: أن العيب في المدفوع في الكتابة الفاسدة لا يضر ولا يرد به؛ إذ المرجع إلى القيمة.
التاسعة والأربعون: إذا كاتب عبيدًا صفقة كتابة فاسدة وقال: (إذا أديتم إليّ كذا .. فأنتم أحرار) .. لم يعتق واحد منهم بأداء حصته على الأقيس.
الخمسون: أنها تنفسخ بموت غير السيد وغير المكاتب، وهو من جعل القبض منه أو قبضه شرطًا في العتق.
الحادية والخمسون: أن له حمل المكاتب كتابة فاسدة إذا كان كافرًا إلى بلاد الحرب.
الثانية والخمسون: أنها لا تستحب إذا طلبها العبد مطلقًا، بل تحرم إذا طلبها على عوض محرم.
الثالثة والخمسون: أنه يكتفى في الكتابة الصحيحة بنية قوله: (فإذا أديت إليّ .. فأنت حر) وإن لم يتلفظ به، بخلاف الفاسدة لا يكتفى فيها بنية ذلك؛ لأن التعليق لا يصح بالنية، وإنما صح في الكتابة الصحيحة لغلبة المعاوضة، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم أر من تعرض لذلك، وهو من النفائس.
(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 486).
وفي "النهاية": أن قوله: (فإذا أديت .. فأنت حر) ليس المقصود منه التعليق على الحقيقة، إنما هو نطق بمضمون العقد على الغالب، والغرض إزالة التردد في لفظ الكتابة؛ ولذلك قد يحصل العتق بغير الأداء، ويكتفى بالنية من غير لفظ التعليق، ولو كان التعليق مقصودًا .. لبعد حصوله بالنية. انتهى (1).
الرابعة والخمسون: أنه لو عين في الفاسدة موضعًا للتسليم .. تعين مطلقًا من أجل التعليق، بخلاف الصحيحة؛ فإنه إذا أحضره في غير المكان المعين، فقبضه .. وقع العتق.
الخامسة والخمسون: أنه لو قال السيد: هذا حرام .. لم يؤثر في الفاسدة المشتملة على الحرام بخلاف الصحيحة.
السادسة والخمسون: أن المكاتب لو اشترى في الفاسدة من يعتق على سيده .. عتق في الحال، بخلاف الصحيحة لا يعتق فيها إلا إذا رق.
السابعة والخمسون: أنهما يتحالفان في الصحيحة عند الاختلاف، بخلاف الفاسدة لا تحالف فيها؛ لأنها جائزة من الجانبين، فلو اختلفا بعد العتق .. فلا تحالف أيضًا؛ لثبوت التراجع، وهذه الصور المزيدة على "الحاوي" ما عدا الثلاث الأول من "تصحيح المنهاج" لشيخنا الإمام البلقيني.
6529 -
قول "المنهاج"[ص 599]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 709]: (لا بجنون العبد) أي: لا تنفسخ الفاسدة بجنون العبد، فلو أفاق وأدى .. عتق، وثبت التراجع، قالوا: وكذا لو أخذه السيد في جنونه، قال الرافعي: وينبغي أن لا يعتق بأخذ السيد هنا بخلاف الصحيحة؛ لأن المغلب هنا التعليق والصفة هنا أداء العبد، ولم يوجد (2).
6530 -
قول "المنهاج"[ص 599]: (ولو ادعى كتابة فأنكر سيده أو وارثه .. صُدِّقا) لو قال: (صدق المنكر) .. لكان أولى؛ لأن التثنية لا تناسب مع العطف بأو.
6531 -
قوله: (ولو اختلفا في قدر النجوم أو صفتها .. تحالفا)(3) لا فرق في ذلك بين الصحيحة والفاسدة، لكن قوله في تفريع ذلك:(وإن كان قبضه وقال المكاتب: "بعض المقبوض وديعة" .. عتق، ورجع هو بما أدى، والسيد بقيمته)(4) يقتضي أن كلامه في الصحيحة؛ لأن التراجع في الفاسدة لا يتوقف على ذلك، كذا أورده شيخنا في "تصحيح المنهاج".
(1) نهاية المطلب (19/ 345، 346).
(2)
انظر "فتح العزيز"(13/ 486).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 599).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 599).
وقد يقال: لا يلزم من ذكر التراجع في هذه الصورة الخاصة نفيه فيما عداها، ولو كان قال:(ورجع إن كان كذا) فجعله شرطًا فيه؛ لأمكن هذا الإيراد، والله أعلم.
6532 -
قوله في المسألة: (بل إن لم يتفقا .. فسخ القاضي)(1) يقتضي تعينه لذلك، والأصح في التحالف: أنه لا يتعين القاضي للفسخ، بل هما يفسخان أو أحدهما، وإنما يفسخ الحاكم إذا أصرا على النزاع ولم يفسخا أو التمسا الفسخ، فلو أعرضا عن الخصومة .. فالأرجح: أنه يعرض عنهما إلى أن يطلبا أو أحدهما ذلك، أو يتفقا على أمر.
وفي "الروضة": التحالف في أمور: منها: الكتابة، وأعقبه بهذا التفريع، ولم يفرق بين الصحيحة والفاسدة (2).
6533 -
قوله: (ولو قال: "كاتبتك وأنا مجنون أو محجور عليّ")(3) أي: بسفه طارئ أو بفلس، فلو كان لصبى أو سفه مقارن للبلوغ .. لم يحتج لقوله:(إن عرف سبق ما ادعاه)(4).
6534 -
قوله: (ولو مات عن ابنين وعبد فقال: "كاتبني أبوكما" فإن أنكرا .. صدقا، وإن صدقاه .. فمكاتب، فإن أعتق أحدهما نصيبه .. فالأصح: لا يعتق، بل يوقف. قلت: بل الأظهر: العتق)(5) كان ينبغي أن يقول في الأول: (الأظهر) لأن "المحرر" لم يذكر أن الخلاف وجهان وتعبيره بالأصح لا يدل على ذلك؛ إذ لا اصطلاح له فيه، وقوله في زيادته:(الأظهر) يدل على أن الخلاف قولان، وعبارة "أصل الروضة": إن نفوذ الإعتاق في نصيب المعتق قطع به الأصحاب، وإن البغوي قال: مقتضى سياق "المختصر" حصول قولين في عتق نصيبه، أظهرهما: المنع (6).
ومقتضى ذلك أن: يعبر في زيادته هنا بالمذهب؛ لأن الذي في "المحرر" أجراه على طريقة البغوي، فناسبه الأظهر (7)، والذي في "المنهاج" جارٍ على قطع الأصحاب، فناسبه المذهب، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" الوقف، وقال: لسنا نستند لما قاله البغوي، بل إلى نصوص الشافعي، وما يقتضيه كلام أهل الطريقين، ثم بسط ذلك.
6535 -
قوله تفريعًا على الوقف: (وإن عجز .. قُوّم على المعتق إن كان موسرا)(8) يفهم اعتبار
(1) انظر "المنهاج"(ص 599).
(2)
الروضة (3/ 576، 581، 582).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 599).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 599).
(5)
انظر "المنهاج"(ص 600).
(6)
الروضة (241/ 12)، وانظر "مختصر المزني"(ص 324)، و"التهذيب"(8/ 435).
(7)
المحرر (ص 530).
(8)
انظر "المنهاج"(ص 600).
يساره عند إعتاق نصيبه، وليس كذلك بل العبرة بيساره وقت العجز؛ لأنه وقت نفوذ ذلك العتق والتقويم فيعتبر حينئذ، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: في كلامهم ما يقتضي هذا.
6536 -
قول "الحاوي"[ص 705]: (وإن أعتق وارث .. عتق بكتابة الميت؛ كأن أبرأ أو قبض) ما ذكره من العتق بكتابة الميت فيما إذا قبض أحد الابنين نصيبه مفرع على صحة القبض؛ فقد صرح الرافعي بأن صحة العتق في نصيب أحد الشريكين مبني على صحة القبض، وهو وجه ضعيف؛ فقد صرح الرافعي أيضًا بأن قبض أحد الابنين كقبض أحد الشريكين، إن كان بغير إذنه .. لم يصح، وإن كان بإذنه .. فقولان، أصحهما: أنه لا يصح أيضًا (1)، وصرح "الحاوي" قبل ذلك بأنه لا يعتق شيء بقبض أحد الشريكين فقال [ص 704]:(لاشيء بقبض سيد وإن قُدّم)، وتبع "الحاوي" في التفريق بينهما الغزالي؛ فإنه قال: لا يعتق شيء بقبض أحد الشريكين (2)، بخلاف مسألة الابنين، وقد تعقبه فيه الرافعي.
6537 -
قول "المنهاج"[ص 600]: (وإن صدقه أحدهما .. فنصيبه مكاتب، ونصيب المكذب قن، فإن أعتقه المصدق .. فالمذهب: أنه يقوم عليه إن كان موسرًا) أخرج بإعتاقه: ما إذا أعتق عليه بقبض حصته من النجوم أو بإبرائه عنها .. فإنه لا يسري، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 705]:(وسرى - أي: العتق - لا هما - أي: الأداء والإبراء - إلى نصيب منكرها).
ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في السراية فيما إذا أعتقه المصدق، وقال: نص "الأم" و"المختصر" على أن نصيب المصدق إذا عتق .. لا يقوم عليه، وهو يعم عتقه بالقبض والإبراء والإعتاق، والذي علل به الشافعي: أنه إنما أقر بشيء فعله الأب، وهذا يعم الصور الثلاث، ومن شرط السراية: أن يكون ما أعتقه المعتق يثبت له عليه الولاء، وفي "أصل الروضة" في هذه الصورة طريقان: قال الأكثرون: قولان كما لو صدقاه، إلا إذا قلنا بالسراية .. ثبت هنا في الحال، ولا يجيء القول الآخر؛ لأن صاحبه ينكر الكتابة، فلا يمكن التوقف إلى العجز (3)، وصحح الرافعي فيما إذا صدقاه: عدم السراية، فيكون الأصح هنا: أنه لا سراية. انتهى (4).
وقال في "التوشيح": قد يستشكل تصحيح السراية من جهة أن نصيب المصدق محكوم في الظاهر بأنه مكاتب، وهو يزعم أن نصيب شريكه مكاتب أيضًا، ومقتضى كونه مكاتبًا: أن لا يسري؛ فكيف يلزم المصدق حكم السراية مع كونه لم يعترف بما يوجبها، قال أبي رحمه الله:
(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 493).
(2)
انظر "الوجيز"(2/ 286).
(3)
الروضة (12/ 244).
(4)
انظر "فتح العزيز"(13/ 495).
والجواب عن هذا الإشكال: أن المكذب يزعم أن الكل قن، ومقتضى ذلك: أن إعتاق شريكه نافذ سارٍ كما لو قال لشريكه في العبد القن: أنت أعتقت نصيبك، وأنت موسر .. فإنا نؤاخذه ونحكم بالسراية إلى نصيبه، لكنا هناك لا نلزم شريكه القيمة؛ لعدم ثبوت إعتاقه بإقراره ولا ببينة، وهنا لما ثبتت السراية بإقرار المكذب، وهي من أثر إعتاق المصدق وإعتاقه ثابت .. فهو بإعتاقه متلف لنصيب شريكه بالطريق المذكور، فيضمن قيمة ما أتلفه، قال: ويزيد ذلك وضوحًا أنا في العبد المكاتب كله إنما لم نقل بالسراية؛ لما فيها من إبطال حق الشريك في كتابته، وهذه العلة مفقودة هنا، فلا محذور في السراية؛ فلذلك كان الأصح: القول بها، ولا يمكن أن نقول: يسري ولا يغرم. انتهى.
6538 -
قول "التنبيه"[ص 147، 148]: (وإن حبس السيد المكاتب مدة .. لزمه أجرة المثل في أحد القولين، وتخليته مثل ذلك المدة في القول الآخر) الأصح: الأول.
6539 -
قوله: (وإن أسلم عبد لكافر .. أمر بإزالة الملك عنه، فإن كاتبه .. ففيه قولان، أحدهما: يجوز، والثاني: لا يجوز)(1) الأصح: الأول؛ لأنه بالكتابة كالخارج عن ملكه، والمراد: الكتابة الصحيحة دون الفاسدة كما تقدم، والخلاف في "الروضة" وأصلها وجهان (2).
* * *
(1) انظر "التنبيه"(ص 148).
(2)
فتح العزيز (13/ 465)، الروضة (12/ 223).