الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: هذا مذهب الشافعي الذي ذكره في كتبه، وجرى عليه أصحابه، وما ذكره الرافعي والنووي في ذلك ليس بمعتمد (1)، وقد سبقهما إليه الماوردي وصاحب "المهذب"(2)، لكن صورة المسألة: بأن يكون الكفار مشاة ونخشى استرجاعهم الخيل وركوبها، والتقوي علينا بها، وهما في ذلك مخالفان لظاهر النص، والمعتمد ما قررناه، هذا معنى كلامه.
5291 -
قول "التنبيه"[ص 324]: (وتقتل الخنازير) أي: وجوبًا إن كانت تعدو على الناس، وإلا .. فوجهان، ظاهر نص الشافعي: أنه لا يجب، بل يتخير فيه، ذكره في البيع من "شرح المهذب"(3)، أما الاقتناء .. فلا يجوز بحال.
5292 -
قوله: (وتراق الخمور وتكسر الملاهي)(4) قد يخرج ظروف الخمر، والمنقول: أنها إن جاوزت قيمتها أو ساوت مؤنة حملها .. كسرت، وإلا .. حُملت.
5293 -
قوله: (ويتلف ما في أيديهم من التوراة والإنجيل)(5) قد يشمل الإحراق، والصحيح في "البحر": المنع؛ لما فيها من اسم الله تعالى، لكن هذا المعنى موجود فيما نقش عليه القرآن، وإحراقه جائز مع الكراهة.
فصل [حكم أسرى الكفار]
5294 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (نساء الكفار وصبيانهم إذا أسروا .. رقوا) لا يخفى أن المراد: النساء الكافرات؛ ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 233]: (وإن أسر امرأة .. رقت) و"الحاوي" بقوله [ص 605]: (رق غيرٌ) أي: غير الأسير الكامل الذي سنذكره، وعبارته أشمل؛ لدخول المجنون فيها، ولم يصرحوا بذكر الخنثى، وهو كالمرأة، وقال أبو الفتوح: يجوز المن عليه مجانا.
ثم محل ذلك في النساء: إذا لم يقاتلن، فإن قتلت حربية مسلمًا ثم ظفرنا بها .. جاز للإمام قتلها كما تقدم بيانه، فلو قتلت ذميًا .. فقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": أمكن أن يقال بقتلها أيضًا، ولكن الدلالة من السنة إنما وردت فيما إذا قتلت مسلمًا، وفي جواز سبي الراهبة وجهان بناء على قتل
(1) انظر "فتح العزيز"(11/ 423)، و"الروضة"(10/ 258).
(2)
الحاوي الكبير (14/ 190)، المهذب (2/ 240).
(3)
المجموع (221/ 9).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 234).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 234).
الراهب، كذا في "أصل الروضة"(1)، وقد عرفت أن الأظهر: قتله، فيكون الأرجح: سبيها.
5295 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (وكذا العبيد) و"الحاوي"[ص 605]: (ورق غير) فيه أمور:
أحدها: ظاهره أن المراد: عبيدهم الكفار كما سبق في النساء، وليس كذلك، بل المراد هنا: عبيدهم ولو كانوا مرتدين أو مسلمين؛ فإن عبد الحربي لو أسلم في دار الحرب ولم يخرج ولا قهر سيده .. لم يزل ملكه عنه، وإذا سُبي .. يسترق، ولا يجوز المن عليه.
ثانيها: أن العبد لا يتجدد له رق كالمرأة والصبي، بل يستمر رقه، وعبارتهما تُفهِم خلافه.
ثالثها: أن محل ذلك: إذا لم يقتل مسلماً، فإن قتل مسلمًا ثم سُبي .. فلنا قتله كما تقدم في المرأة.
5296 -
قول "التنبيه"[ص 233]: (وإن أسر حرًا) أي: بالغاً عاقلاً ذكراً؛ ولهذا عبر "المنهاج"[ص 521] بـ (الأحرار الكاملين) وزاده "الحاوي" إيضاحاً، فعبر [ص 604] ب (الأسير الكامل) وفسره بأنه الرجل الحر العاقل.
5297 -
قول "التنبيه"[ص 233]: (فللإمام أن يختار فيه ما يرى المصلحة فيه) و "الحاوي"[ص 604]: (بالمصلحة) المراد بها: الأحظ للمسلمين كما عبر به "المنهاج"(2)، قال في "أصل الروضة": وليس التخير بالتشهي، بل يلزم الإمام أن يجتهد، ويفعل من هذه الأمور الأربعة ما هو الحظ للمسلمين (3)، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص الشافعي في "الأم" في ترجمة الغلول: أنه مستحب (4)، ومال إليه شيخنا، وقال: كيف يلزم هذا وأبو عزة إنما نزله النبي صلى الله عليه وسلم لبناته، وأخذ عليه عهداً ألَّا يعود لقتاله، وليس للمسلمين في ذلك حظ. انتهى (5).
ويقوم مقام الإمام في هذا الاختيار أمير الجيش.
5298 -
قول "الحاوي" تبعاً لـ "المحرر": (والفداء بالرجال)(6) كذا في "الروضة" وأصلها (7)، ويرد عليه: أنه يجوز أن يفدي به امرأة أو صبياً؛ ولهذا قال "المنهاج"[ص 521]: (وفداء بأسرى).
ويرد عليهم معا: أنه لا بد من اعتبار الإسلام في ذلك؛ ولهذا قال في "التنبيه"[ص 234]:
(1) الروضة (10/ 244).
(2)
المنهاج (ص 521).
(3)
الروضة (10/ 251).
(4)
الأم (4/ 260).
(5)
انظر "الأم"(4/ 238).
(6)
المحرر (ص 449)، الحاوي (ص 604).
(7)
فتح العزيز (11/ 410)، الروضة (10/ 251).
(أو بمن أسر من المسلمين) وكذا نص عليه الشافعي والأصحاب.
5299 -
قول "الحاوي"[ص 607]: (وفي الكامل قبل الحكم) أي: تجب القيمة أيضاً في قتل الأسير الكامل قبل حكم الإمام فيه بشيء؛ لا يعرف هذا في مذهب الشافعي، وإنما حكاه الماوردي والعمراني عن الأوزاعي (1)، والمعروف في المذهب أنه لا شيء عليه سوى التعزير، نص عليه الشافعي وتابعه الأصحاب.
5300 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (وإن أسلم في الأسر .. سقط قتله، وبقي الخيار في الباقي في أحد القولين، ويرق في الآخر) الأظهر: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(2)، وفيه أمور:
أحدها: أن محله: ما إذا لم يختر فيه الإمام قبل إسلامه المن أو الفداء، فإن اختار ذلك ثم أسلم .. لم يتخير في الباقي، بل يتعين ما اختاره.
ثانيها: شرط جواز الفداء في هذه الصورة: أن يكون له عزٌّ أو عشيرة يسلم بها دينه ونفسه.
ثالثها: أنكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" القول بتعين الرق، وقال: إنما أخذه من أثبته من نص "المختصر، (3)، وإن أسلموا بعد الإسار .. رقوا، وإنما أراد به: أن اختيار الإمام ذلك، ولا يمنع إسلامه الرق كما يمنع القتل؛ بدليل قوله في "الأم": (ولم يخرجه إسلامه من الرق إن رأى الإمام استرقاقه)(4).
5301 -
قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وإسلام كافر قبل ظفر به يعصم دمه وماله وصغار ولده)(5) كذا مجانينهم، وقد ذكره "الحاوي"(6) وسكت عن عصمة دمه؛ لوضوحه، والأنثى في ذلك كالذكر، والجد والجدة كذلك في الأصح، ولو كان الأقرب حيا، والمراد: الأولاد الأحرار، كما نبه عليه في "الكفاية".
5302 -
قول "المنهاج"[ص 521] و"الحاوي"[ص 604]: (لا زوجته) خالفه "المنهاج" حيث قال بعده [ص 521]: (وزوجته على المذهب)(7) أي: لا يجوز إرقاق زوجة مسلم، وفي
(1) انظر (البيان)(12/ 153)، و"الحاوي الكبير"(14/ 178).
(2)
الحاوي (ص 604)، المنهاج (ص 521).
(3)
مختصر المزني (ص 271).
(4)
الأم (4/ 253).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 233)، و"المنهاج"(ص 521).
(6)
الحاوي (ص 604).
(7)
في حاشية (ج): (فائدة: عبارة "المنهاج" مثل عبارة الحاوي؛ فإنه قال: (لا زوجته على المذهب)، وأما رجوع إحدى المسألتين إلى الأخرى .. فليس الكلام فيه، وإنما الكلام في أنها تخالف عبارة "الحاوي" وقد تبين لك أن لا مخالفة). انتهى.
"أصل الروضة": أن الخلاف في أن إسلام الحربي هل يعصم زوجته؟ يجيء في استرقاق حربية نكحها مسلم وهي في دار الحرب (1)، فالمسألتان عندهم واحدة، وغاير بينهما "المنهاج"(2)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والمذكور هنا هو المعتمد (3).
5303 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (فإن استرقت .. انقطع نكاحه في الحال) يقتضي أن في استرقاقها خيرة، وليس كذلك، بل ترق بمجرد الأسر، فكان صواب العبارة أن يقول: فإن قلنا: (لا يعصمها عن الرق) ولهذا قال "الحاوي"[ص 604]: (فإن سُبيت .. انقطع نكاحه).
5304 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (ويجوز إرقاق زوجة الذمي) يقتضي أنه لا بد من إرقاقها، وليس كذلك، بل ترق بمجرد سبيها، فصواب العبارة:(ويرق زوجة الذمي).
5305 -
قوله: (وكذا عتيقُهُ في الأصح)(4) كذا ينبغي أن يقول: على النص؛ لأنه منصوص "الأم" كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج".
5306 -
قوله: (لا عتيق مسلم)(5) أي: ولو كان حين أعتقه كافراً لكنه أسلم قبل الأسر، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقل من تعرض لهذا الفرع.
5307 -
قوله - والعبارة له - و"الحاوي": (وإذا سُبي الزوجان أو أحدهما .. انفسخ النكاح إن كانا حرين)(6) فيه أمور:
أحدها: أن محله في سبي الزوج: ما إذا كان صغيراً أو مجنونًا أو اختار الإمام رقه؛ ولهذا قال "التنبيه"[ص 234]: (وإن استرقه وكان له زوجة .. انفسخ نكاحها) أما لو مَنّ الإمام على الكبير أو فادى به .. استمرت الزوجية.
ثانيها: التقييد بكونهما حرين يقتضي عدم الانفساخ فيما إذا كان أحدهما حراً والآخر رقيقًا، وليس كذلك، فلو كانت حرة وهو رقيق وسبيت وحدها أو معه .. انفسخ أيضًا؛ لأن إطلاق الإخبار محل السبايا يشمل مَنْ زوجها عبد.
(1) الروضة (10/ 253).
(2)
في حاشية (ج): (تبعاً للمحرر؛ حيث قال قبل سطرين: (لا زوجته على المذهب)، وقال الزركشي: الصواب: أنهما على حد سواء، والتحاق الثانية بالأولى في عدم الاعتصام، وقد نقله في البحر عن النص، وجزم به جمهور العراقيين، منهم الجرجاني).
(3)
في حاشية (ج): (فائدة: نقل شيخنا قاضي القضاة علم الدين البلقيني أبقاه الله تعالى في "مختصر التدريب" عن "تصحيح المنهاج" لوالده خلاف ما نقله المصنف، فقال: والمذهب المعتمد: أنه لا فرق بين زوجة من أسلم قبل الأسر ومن كان مسلماً وله زوجة من الحكم برقها لمجرد السبي خلافاً لما في "المنهاج". انتهى ولعله
…
أراد أن يقول: هناك، فسقطت الكاف من الكتابة، فرفعت المخالفة في النقل).
(4)
انظر " المنهاج"(ص 521).
(5)
انظر "المنهاج"(ص 521).
(6)
انظر "الحاوي"(ص 604)، و"المنهاج"(ص 521).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكلام الشافعي في "الأم" في الاستبراء دال على ذلك، والحكم في عكسه كذلك إن كان الزوج غير مكلف أو مكلفاً وأرقّه الإمام؛ لأن العلة في انفساخ النكاح زوال ملكه عن أملاكه، فزوجته كذلك فلا يرد ذلك على "الحاوي" لأنه أطلق أولاً انفساخ النكاح بسبي الزوجين أو أحدهما، ثم قال:(لا الرقيقين)(1) فدخل في كلامه أولاً: ما إذا كان أحدهما حراً والآخر رقيقاً.
ثالثها: نازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما إذا كانا رقيقين، وقال: الأصح عندنا بمقتضى إطلاق الإخبار ونصوص الشافعي: أن النكاح ينفسخ بسبيهما أو بسبي الزوجة، فإن سبي الزوج وحده .. ففيه تردد، والأرجح: أنه لا ينفسخ، وتعليل الانفساخ في سبي الزوج الحر بزوال ملكه عن أملاكه؛ فزوجته أولى .. لا يأتي في العبد.
5308 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (وإذا أُرِقَّ وعليه دين .. لم يسقط) محله: ما إذا كان لمسلم، وكذا الذمي كما أجاب به الإمام والغزالي (2)، وذكر البغوي فيه وجهين، فإن كان لحربي .. سقط على الصحيح؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 605]:(لا لحربي).
5309 -
قولهما أيضًا: (فيُضَى من ماله إن غنم بعد إرقاقه)(3) أي: لا إن غنم قبله، وكذا لو غنم معه كما صححه في "أصل الروضة"(4)، وهو داخل في مفهومهما، لكن رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه يقضى مما غنم مع رقه، وأورد شيخنا أيضًا: ما إذا لم يغنم ماله أصلاً، بل عتق وأخذه، قال: فيقضى منه الدين المذكور، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وهو متعين.
قلتُ: هو واضح لا يحتاج لاستدراك؛ لأنهم إنما تكلموا على ما إذا تزاحم أرباب الدين والغنيمة، ولا مزاحمة هنا، فإذا كان الدين .. لم يسقط وماله بيده كيف لا يُقضى منه؟ !
5310 -
قول "الحاوي"[ص 605]: (وسقط له عنه) أي: سقط الدين للحربي عن الحربي فيما إذا استُرق أحدهما، حكاه في "الروضة" وأصلها عن "التهذيب"(5)، ونازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما إذا استرق صاحب الدين؛ لأن سقوط دينه عن الحربي لمجرد زوال الملك منتقض بالمرتد لا يسقط دينه وإن قلنا بزوال ملكه، قال: وهو الذي يقتضيه عموم لفظ "الوسيط" الذي نقله في "الروضة" وأصلها: فيما إذا استرق من له الدين .. من أنه لا تبرأ ذمة من عليه
(1) الحاوي (ص 604، 605).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 526)، و"الوجيز"(2/ 191، 192).
(3)
انظر "الحاوي"(ص 605)، و"المنهاج"(ص 521).
(4)
الروضة (10/ 255).
(5)
فتح العزيز (11/ 418)، الروضة (10/ 256).
الدين، بل هو كودائع الحربي المسبي (1)، قالا: ولم ينص في "الوسيط" على حال من عليه الدين، والإمام أجاب بذلك فيما إذا كان الذي عليه الدين مسلماً، قالا: وقد يفهم من هذه الجملة أنه إن كان دين المسترق على مسلم .. طولب به، أو على حربي .. سقط (2)، قال شيخنا: وهذا مخالف لتصريح صاحب "التهذيب" ولعموم لفظ "الوسيط" وللدليل الذي قررناه، قال: والمعتمد ما قررناه.
5311 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (ولو اقترض حربي من حربي أو اشترى منه ثم أسلما أو قبلا جزية .. دام الحق) قال الرافعي: لا يخفى أنه فيما إذا كان القرض أو الثمن مالاً، بخلاف ما إذا كان خمراً أو خنزيراً (3)، وذكره "الحاوي" فقال [ص 605]:(لا خمر) ومفهومهما: أنه لو أسلم أحدهما أو قبل جزية .. لا يدوم الحق، وليس كذلك فيما إذا أسلم صاحب الدين قطعًا، وفيما إذا أسلم المديون على الأظهر.
5312 -
قول "المنهاج"[ص 521]: (ولو أتلف عليه فأسلما .. فلا ضمان في الأصح) هو مفهوم قول "الحاوي"[ص 605]: (دينُ عقدهما) وفيه أمور:
أحدها: أن محل الخلاف: فيما إذا كان اعتقادهم ضمان ذلك المتلف، وإلا .. فلا ضمان قطعًا، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: هذا يخرج من توجيه مقابل الأصح بأنه لازم عندهم، فكأنهم ترضوا عليه.
ثانيها: لا يختص ذلك بما إذا أسلما، بل لو أسلم المتلف .. جرى الخلاف كما في "أصل الروضة"(4)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإذا ثبت الخلاف مع إسلام المتلف .. فمع إسلام المتلف عليه أولى، وقد أطلق ذلك في "الوجيز"(5)، قال شيخنا: وإن لم يسلم واحد منهما .. فلم يتعرض لها أحد من الأصحاب، والذي عندنا: أنه إن تحاكموا إلينا بعد الأمان .. جاء الخلاف، وإن لم يتحاكموا إلينا .. فلا نتعرض لهم بإلزام ولا بغيره.
ثالثها: أن تعبيره بالأصح يقتضي قوة الخلاف، وليس كذلك؛ فقد قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ضعيف جداً، بل لا يثبت نقله وجها، وبسط ذلك.
5313 -
قول "المنهاج"[ص 522]: (والمال المأخوذ من أهل الحرب قهراً غنيمة) تقدم الكلام عليه في (قسم الفيء والغنيمة).
(1) الوسيط (7/ 29).
(2)
فتح العزيز (11/ 418)، الروضة (10/ 256)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 526).
(3)
انظر "فتح العزيز"(11/ 419).
(4)
الروضة (10/ 257).
(5)
الوجيز (2/ 192).
5314 -
قوله: (وكذا ما أخذه واحدٌ أو جمعٌ من دار الحرب سرقةً على الأصح)(1) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك؛ فالأصح نص عليه في "الأم"، واقتضى كلامه أن مقابله أنه فيءٌ، والذي في "الروضة" وأصلها أن مقابله أنه للآخذ (2)، وعبارة "المنهاج" محتملة لهما، وقد يقال: قرينة قرنه باللقطة يقتضي أنه للآخذ، وعلى هذا الوجه: لو كان المسروق حراً بالغاً عاقلاً .. فهل ينفرد به الآخذ ويرق بالأخذ أو يتخير الإمام فيه؛ قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أر من تعرض له.
5315 -
قوله: (أو وُجد كهيئة اللقطة على الأصح)(3) فيه أمران:
أحدهما: أطلق محل الخلاف، وهو مقيد بقيدين:
أحدهما: ألَاّ يكون مأخوذاً بالقهر والغلبة، فإن كان كذلك .. فهو غنيمة قطعًا.
الثاني: ألَّا يكون مأخوذاً بقوة الجند، فإن أخذ بقوتهم .. لم يجيء فيه وجه باختصاصه بالآخذ، بل يكون فيئاً، صرح به الإمام والغزالي (4).
ثانيهما: تصحيح أنه غنيمة، قال في "أصل الروضة": إنه الصحيح المنصوص الذي قطع به الجمهور (5)، وليس كذلك، فلم ينص الشافعي على أنه غنيمة، وإنما نص على أنه لا يكون لمن أخذه، وذلك محتمل للغنيمة والفيء، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والأرجح: أنه فيء.
5316 -
قوله: (فإن أمكن كونه لمسلم .. وجب تعريفه)(6) فيه أمران:
أحدهما: أن مقتضاه: أنه بعد التعريف يمتلكه الآخذ كقاعدة اللقطة، وليس كذلك، بل الجمهور على أنه غنيمة، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي أقوله: أنه إن كان الانجلاء عنه بالإيجاف .. فغنيمة قطعا، أو بالإرهاب والإرعاب .. ففيء قطعا، فإن انتفى الأمران .. كان فيئاً على الأرجح.
ثانيهما: مقتضاه: وجوب تعريفه سنة، إلا أن يكون حقيراً كما في اللقطة، وهو ما في "أصل الروضة" عن "المهذب" و"التهذيب"، وعن الشيخ أبي حامد: يعرفه يوماً أو يومين، وعن الإمام: يكفي بلوغ الأخبار إلى الأجناد إذا لم يكن هناك مسلم سواهم، ولا ينظر إلى احتمال مرور التجار (7)،
(1) انظر "المنهاج"(ص 522).
(2)
فتح العزيز (11/ 425)، الروضة (10/ 260).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 522).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 445)، و"الوجيز"(2/ 192).
(5)
الروضة (10/ 260).
(6)
انظر "المنهاج"(ص 522).
(7)
الروضة (10/ 261)، وانظر "المهذب"(2/ 241)، و"نهاية المطلب"(17/ 441)، و"التهذيب"(5/ 179).
وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص "الأم" في "سير الواقدي" أنه قال: (يُعَرَّف، فإن عرفه المسلمون .. فهو لهم، وإن لم يعرفوه .. فهو مغنم)(1)، قال شيخنا: فهذا هو المعتمد، وهو خارج عن قاعدة اللقطة، فتستثنى هذه الصورة من إطلاق التعريف سنة في غير الحقير.
5317 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (ويجوز أكل ما أصيب في الدار من الطعام) قيده "المنهاج" بأن يعتاد أكله عموماً (2) و"الحاوي" بما يؤكل عادة (3)، للاحتراز عن الفانيذ والسكر والأدوية التي يندر الحاجة إليها؛ فإنه إن احتاج إليها مريض ممن شهد الوقعة .. أخذ ما يحتاج إليه بالقيمة، قال الرافعي: وينبغي أن يراجع أمير الجيش فيه (4)، ولم يفصح "التنبيه" عن الذي يجوز له ذلك، وقال في "المنهاج" [ص 522]:(وللغانمين) و"الحاوي"[ص 607]: (ويتبسط شاهد الوقعة) وظاهره تناول من له سهم ومن له رضخ، وهو ظاهر إطلاق الشافعي والأصحاب، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لكن مقتضى نص الشافعي: أن الذمي ليس له ذلك؛ حيث قيده بالمسلمين، وهو اللائق بالقواعد.
5318 -
قول "المنهاج"[ص 522]: (وذبح مأكولٍ لِلَحْمِهِ) أي: فيجب رد جلده إلى المغنم إلا ما يؤكل معه، ولا يتخذ منه سِقاء ولا شِرَاكا، وهو مثل قول "التنبيه" [ص 234]:(وذبح ما يؤكل للأكل) ولذلك قال "الحاوي"[ص 608]: (ورد الجلد).
ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في إطلاق ذبح المأكول، وقال: المعتمد منعه مع تيسر السوق، إلا عند الاضطرار كما هو مقتضى السنة الصحيحة الثابتة في "صحيح البخاري" وغيره عن رافع بن خديج قال:(كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة، فأصاب الناسَ جوعٌ، فأصبنا إبلاً وغنما، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخريات الناس، فعجلوا فذبحوا ونصبوا القدور، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقدور فأكفئت، ثم قسم فعدل عشراً من الغنم ببعير)(5)، قال: ونقله الشيخ أبو حامد عن نص الشافعي في "سير الواقدي"، وجرى عليه الشيخ أبو حامد، قال شيخنا: وقول "المنهاج" عطفاً على ما عبر فيه بالصحيح [ص 522]: (وأنه لا تجب قيمة المذبوح) يقتضي أنه لا خلاف في جواز الذبح، وإنما الخلاف في وجوب قيمة المذبوح، وهذا ضعيف.
5319 -
قول "المنهاج" عطفاً على ما عبر فيه بالصحيح [ص 522]: (وأنه لا يختص الجواز
(1) الأم (4/ 264).
(2)
المنهاج (ص 522).
(3)
الحاوي (ص 607).
(4)
انظر "فتح العزيز"(11/ 428).
(5)
صحيح البخاري (2356)، (2910)، (5179).
بمحتاجٍ إلى طعام وعلف) عبر عنه في "الروضة" بالأصح (1)، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص الشافعي في "الأم".
واعلم: أن الاحتياج لذلك لا بد منه، والخلاف إنما هو في أنه هل يجوز ذلك مع إمكان الاستغناء عنه بغيره؛ فعبارته ليست وافية بذلك.
5320 -
قوله: (وأنه لا يجوز ذلك لمن لحق الجيش بعد الحرب والحيازة)(2) يقتضي جوازه لمن لحق بعد الحرب قبل الحيازة، وكذا تقتضيه عبارة "الروضة"(3)، لكن تخصيص "الحاوي" ذلك بشاهد الوقعة يقتضي خلافه (4)، ويوافقه أن الأصح: عدم استحقاقه في هذه الصورة من الغنيمة، فيحتاج على طريقة "المنهاج" إلى الفرق بين التبسط والغنيمة.
5321 -
قول "الحاوي"[ص 607]: (وملك مجاناً) أي: وملك شاهد الوقعة ما يتبسط فيه مما يجوز التبسط فيه مجاناً، كذا أوضحه البارزي وغيره تبعاً لـ "التعليقة"، وهو خلاف المنقول؛ فإن الذي في الرافعي وغيره في عدة مواضع أنه يباح له الأخذ ولا يملكه (5)، إلا أن يريد: أنه بعد الأخذ يصير ملكأله كما في الضيف على اختلاف فيه، ولم ير من تعرض لذلك، والله أعلم.
5322 -
قول "التنبيه"[ص 234، 235]: (وإن خرجوا إلى دار الإسلام ومعهم شيء من الطعام .. ففيه قولان، أحدهما: يجب رده إلى المغنم، والثاني: لا يجب) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي"، و"المنهاج"(6)، لكن عبارته تقضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، وإنما هو قولان كما في "التنبيه"، وكذا هو في "الروضة" وأصلها (7).
5323 -
قول "المنهاج"[ص 522]: (وموضع التبسط دارهم، وكذا ما لم يصل عمران الإسلام في الأصح) و"الحاوي"[ص 607]: (قبل الرجوع إلى عمران الإسلام) فيه أمور:
أحدها: أن محله: ما إذا كان الجهاد في دارهم، فإن كان في دار الإسلام .. جاز التبسط كما ذكره القاضي حسين، وارتضاه شيخنا في "تصحيح المنهاج".
ثانيها: يستثنى منه ما إذا لم يصل عمران الإسلام ولكن وصل لبلد كفار أهل هُدنة لا يمتنعون من متابعة من يطرقهم من المسلمين .. فقال الإمام: الظاهر وجوب الكف عن أطعمة المغنم في
(1) الروضة (10/ 263).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 522).
(3)
الروضة (10/ 263، 264).
(4)
الحاوي (ص 607).
(5)
فتح العزيز (11/ 430).
(6)
الحاوي (ص 607)، المنهاج (ص 522).
(7)
فتح العزيز (11/ 430، 431)، الروضة (10/ 264).
دارهم؛ لكونها في قبضة الإمام، حكاه عنه في "أصل الروضة" من غير اعتراض (1).
ثالثها: يستثنى من عمران الإسلام العمران الذي ليس فيه ما يحتاجون إليه من الطعام والعلف؛ فإنه لا أثر له في منع التبسط على الأصح؛ لبقاء المعنى.
5324 -
قول "المنهاج"[ص 522]: (ولغانم رشيد ولو محجور عليه بفلس الإعراض عن الغنيمة قبل قسمة) فيه أمور:
أحدها: أن اعتبار الرشد ليس في "المحرر"، وليس في كلام الشافعي، وقد اعتبره "الحاوي" أيضاً تبعاً لقول الإمام: في صحة إعراض السفيه تردد (2)، ولعل الظاهر المنع، فلو فك حجره قبل القسمة .. صح إعراضه، وقد حكاه عنه في "الروضة" وأصلها، وأقره (3)، وإنما فرعه الإمام على أنه يملك لمجرد الاغتنام؛ فإنه قال بعد كلامه المتقدم: وإن قلنا: لا ملك للغانم .. فقد ينقدح عليه تردد؛ بأن حقه من المغنم هل يسقط بالإعراض (4)؟ وصرح به في "البسيط" فقال: والسفيه يلزم حقه على قولنا: يملك، ولا يسقط بالإعراض إلا على قولنا: إنه لا يملك. انتهى.
وسيأتي أن الأصح: أنه لا يملك إلا بالقسمة؛ فيكون الأصح: صحة إعراضه؛ ولذلك لا يجب، قال - فيما إذا عفا السفيه عن القصاص وأطلق، وفرعنا على أن الواجب القود عيناً مع أنه كان يمكنه جلب المال بالعفو عنه -: وقد سوّوا بينه وبين المحجور عليه بالفلس هناك، فينبغي التسوية بينهما هنا؛ ولذلك قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المعتمد في المذهب: صحة إعراض السفيه قبل القسمة وقبل اختيار التملك؛ لأنه لم يملك شيئا، وإنما ثبت له حق التملك ونحن لا نلزمه بذلك، وكذا قال في "المهمات": الراجح: الجواز.
ثانيها: يستثنى منه: العبد؛ فلا يصح إعراضه، وإنما المعتبر إعراض مالكه؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 608]:(والمعرض المكلف الرشيد الحر أو السيد) ولو حذف التكليف .. لاستغني عنه بالرشد، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يصح إعراض المكاتب، ولا يتخرج على الخلاف في تبرعاته، إلا عند من اعتبر رشد المعرض، ولو أوصى بإعتاق عبده وهو يخرج من الثلث فاستحق الرضخ .. يصح إعراضه عنه، بناء على النص أن كسبه قبل إعتاقه يكون له إذا أعتق، والمبعض إن كان بينه وبين سيده مهايأة، فالاعتبار بمن وقع الاستحقاق في نوبته بناء على الأصح،
(1) الروضة (10/ 264)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 442).
(2)
الحاوي (ص 608).
(3)
فتح العريز (11/ 435)، الروضة (10/ 267)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 517).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 517).
وهو دخول الناذر في المهايأة، وإلا .. فيصح إعراضه عن المختص به دون المختص بالمالك، قال شيخنا: ولم أر في كلامهم التعرض لشيء من ذلك.
ثالثها: كان ينبغي أن يقول: (قبل قسمة واختيار بملك) كما عبر به "الحاوي"(1).
رابعها: لا يجوز جر قوله: (ولو محجور) على أنه صفة لغانم، بل هو منصوب بـ (كان) المحذوفة بعد لو، ورفعه على أنه خبر مبتدأ محذوف بعيد.
قول "المنهاج"[ص 522]: (والأصح: جوازه بعد فرز الخمس) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك؛ فالمصحح منصوص، ومقابله خرّجه ابن سريج عليه كما في "الروضة" وأصلها (2).
5325 -
قوله: (وجوازه لجميعهم)(3) وهو ظاهر إطلاق "الحاوي"(4)، نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: الصحيح عندنا: أنهم إن أعرضوا عنه دفعة واحدة .. لم يصح، وإن أعرضوا على الترتيب .. صح الإعراض، إلى أن يبقى واحد، فتستقر الأخماس الأربعة عليه، وليس له أن يعرض عنها، وفي "النهاية": أن الخلاف في إعراض السالب كالخلاف في إعراض جميع الغانمين (5)، وسيأتي تصحيح أنه لا يصح إعراض السالب.
5326 -
قول "الحاوي"[ص 608]: (لا كل ذوي القربى) يقتضي صحة إعراض بعضهم، وهو مقتضى تعبير "الوجيز" بلفظ الجميع (6)، وبه صرح البارزي تبعًا لـ "التعليقة"، وليس كذلك، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد، ولا فرق بين إعراض جميعهم وبعضهم؛ لأنهم يستحقونه بلا عمل؛ فاشبه الإرث، وقول "المنهاج" [ص 522]:(وبطلانه من ذوي القربى) يحتمل أن يريد: من كلهم؛ فيكون كـ"الحاوي"، وأن يريد: الجنس؛ فيتناول صدوره من بعضهم.
5327 -
قول "المنهاج"[ص 522]: (والمعرض كمن لم يحضر) و، "الحاوي" [ص 608]:(فُرض عدماً) يقتضي أن حصته لبقية الغانمين، لكن قال في "أصل الروضة" بعد تعبيره بمثل ذلك: وضم نصيبه إلى المغنم (7)، وذلك يقتضي أن خمسه لأهل الخمس، وأربعة أخماسه لبقية
(1) الحاوي (ص 608).
(2)
فتح العزيز (11/ 434)، الروضة (10/ 266).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 522).
(4)
الحاوي (ص 608).
(5)
نهاية المطلب (17/ 510، 511).
(6)
الوجيز (2/ 193).
(7)
الروضة (10/ 267).
الغانمين، وهو موافق لقول الرافعي: المراد بالباقين: باقي المستحقين، لا باقي الغانمين (1)، وصار آخر كلام "الروضة" - وهو قوله: وضم نصيبه إلى المغنم - مخالفاً لأوله، وهو قوله: قدر وكانه لم يحضر، والذي في "المنهاج" هو المعتمد، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن "النهاية"(2)، لكنه عبر بعد ذلك بعبارة أوقعت الرافعي في عبارته المتقدمة، وليست مأخوذة على ظاهرها.
5328 -
قول "التنبيه"[ص 235]: (ومتى يملك ذلك؛ فيه قولان، أحدهما: أنه بانقضاء الحرب، والثاني: بانقضاء الحرب وحيازة المال) قال في "المنهاج"[ص 522]: (ولا تملك إلا بقسمة، ولهم التملك) وأوضحه في "الروضة" بقوله: لكن لهم أن يتملكوا بين الحيازة والقسمة (3)، وذلك يقتضي حصول الملك بأحد الأمرين؛ ولذلك عبر في "تصحيح التنبيه" بأن الأصح: أنها لا تملك إلا بالقسمة أو اختيار التملك (4)، وعبارة "الحاوي" [ص 608]:(ولا ملك) أي: قبل القسمة، وعبارة "المحرر" و"الشرح": ولكن يملكون إن تملكوا (5)، ومعناها: أنه يثبت لهم حق التملك، فحولها في "الروضة" إلى ما حكيته.
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس هذا مراد صاحب هذا الوجه؛ فإنه يقول: لا ملك إلا بالقسمة، وفرف بين ثبوت حق التملك وبين أن لهم أن يتملكوا، وتعبير "المنهاج" يحتمل أن يوافق ما في "الروضة"، فلا يستقيم وأن يريد به: أن لهم حق التملك .. فهو صحيح، ثم قال في لا أصل الروضة": واعلم أن في كلام الأصحاب تصريحا بأن الغانمين وإن لم يملكوا الغنيمة؛ فمن قال منهم: اخترت ملك نصيبي .. ملكه؛ فإذت الاعتبار باختيار التملك لا بالقسمة، وإنما تعتبر القسمة؛ لتضمنها اختيار التملك، ثم ذكر بعد ذلك: أن للإمام أن يقسم الغنيمة قسمة تحكم، فيخص بعضهم ببعض الأنواع وببعض الأعيان، وحينئذ .. فقولنا: يملك بالقسمة معناه: في غالب الأمر، وهو إذا رضي الغانم بالقسمة أو قبل ما عينه له الإمام، فأما إذا رد .. فينبغي أن يصح رده، وذكر فيه البغوي خلافاً، فقال: إذا أفرز الإمام الخمس وأفرز نصيب كل واحد منهم، أو أفرز لكل طائفة شيئاً معلوماً .. فلا يملكونه قبل اختيار التملك على الأصح، حتى لو ترك بعضهم حقه .. صُرف إلى الباقين (6).
(1) انظر "فتح العزيز"(11/ 435).
(2)
نهاية المطلب (17/ 509).
(3)
الروضة (10/ 267).
(4)
تصحيح التنبيه (2/ 207).
(5)
المحرر (ص 451)، فتح العزيز (11/ 436).
(6)
الروضة (10/ 268).
قال في "المهمات": نص الشافعي وجماعة على أنهم يملكون أيضاً بإفراز الإمام مع قبضه لهم، وكذا بدون القبض مع حضورهم، وحكاه عنهم في (الزكاة) من "الكفاية".
5329 -
قول "المنهاج"[ص 522]: (وقيل: يملكون) أي: قبل القسمة وبعد الحيازة.
5330 -
قوله: (وقيل: إن سلمت إلى القسمة .. بأن ملكهم، وإلا .. فلا)(1) قد يفهم أن كلاً منهم يملك حصته على التعيين، وهو ضعيف كما في "أصل الروضة" بعد حكايته عن الإمام: أنهم إذا اقتسموا .. بأن أنهم ملكوا الغنيمة ملكاً مشاعا، ثم بالقسمة تميزت الحصص (2).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والتحقيق عندنا: أنهم إذا اقتسموا باختيارهم .. بأن أنهم ملكوا الغنيمة ملكا مبهما، ثم بالقسمة ينزل الملك على ذلك المعين.
5331 -
قوله: (ويملك العقار بالاستيلاء كالمنقول)(3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ليس بمعتمد؛ ففي ملكهم العقار الأوجه السابقة، وقوله:(كالمنقول) كلام متهافت؛ لأن المنقول لا يملك بالاستيلاء، بل فيه الأوجه، وهي جارية في العقار؛ ولو قال:(ويملك العقار بما يملك به المنقول) .. لكان وافياً بالمقصود.
5332 -
قول "الحاوي"[ص 609]: (ولَا حَدَّ إن وطئ - أي: بعض الغانمين - ويجب كل المهر) محل إيجاب كل المهر: إذا لم ينحصر الغانمون ولم يفرز الخمس، فإن انحصروا .. سقطت حصة الواطئ، وغرم حصة الخمس وحصة غيره من الغانمين، وإن أفرز الإمام الخمس وعين لكل طائفة شيئاً وكانت الجارية معينة لجماعة مخصوصين فوطئها أحدهم قبل اختيارهم تملكها .. غرم حصة غيره من الغانمين لا الخمس، وإن كان بعد اختيارهم التملك .. فهو كوطء الجارية المشتركة، فيغرم قسط شركائه.
5333 -
قوله: (والولد حر نسيب)(4) هو ما صححه الرافعي في "الشرح الصغير"، واقتضاه كلامه في "الكبير"(5)، وقيل: إن كان معسراً .. فالحر منه قدر حصته، والباقي رقيق، وهو موافق لما ذكره "الحاوي" في النكاح في وطء الأب جارية الابن (6).
5334 -
قوله: (ونفذ إيلاد نصيبه)(7) المذهب في "أصل الروضة": أنه لا ينفذ موسراً كان أو
(1) انظر "المنهاج"(ص 522).
(2)
الروضة (10/ 267)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 508).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 522).
(4)
انظر "الحاوي"(ص 609).
(5)
فتح العزيز (11/ 442).
(6)
الحاوي (ص 473).
(7)
انظر (الحاوي)(ص 609).
معسراً، لكن لو ملكها بسهمه أو بسبب آخر .. فالأظهر: نفوذه (1)، وفي "المهمات": أنه انعكس ذلك على صاحب "الروضة"، والذي في الرافعي ترجيح نفوذه (2)، وبتقدير عدم النفوذ في الحال .. فهل يثبت إذا ملكها بعد ذلك؛ لا ترجيح فيها في الرافعي هنا، والصحيح في نظائره: عدم النفوذ، فوهم في "الروضة" في الموضعين.
5335 -
قوله في آخر (قسم الغنيمة): (والكلاب قُسِمت عدداً، وإن لم يمكن .. أُقرع)(3) المراد: الكلاب المنتفع بها، ومحل قسمتها: عند المشاححة، فلو أرادها بعضهم ولم ينازع .. أعطيها، وقد صرح بذلك "المنهاج" فقال [ص 522]:(ولو كان فيها كلبٌ أو كلابٌ تنفع وأراده بعضهم ولم يُنازع .. أعطيه، وإلا .. قسمت إن أمكن، وإلا .. أقرع) ولم يبين كيفية قسمتها، وصرح "الحاوي" بأنه بالعدد، وهو المنقول، قال الرافعي: وقد مر في (الوصية) أنه يعتبر قيمتها عند من يرى لها قيمة وينظر إلى منافعها، فيمكن أن يقال بمثله هنا (4).
والمراد: أرادها بعض الغانمين أو أهل الخمس كما هو مصرح به في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (5)، ولكن نص الشافعي على خلافه، فقال في "الأم" في "سير الواقدي":(وما أصيب من الكلاب .. فهو مغنم إن أراده أحد لصيد أو ماشية أو زرع، وإن لم يكن من الجيش من يريده لذلك .. لم يكن لهم حبسه؛ لأن من اقتناه لغير هذا .. كان آثماً، وإنما رأيت لصاحب الجيش أن يخرجه ويعطيه أهل الأخماس من الفقراء والمساكين ومن ذُكر معهم إن أراده أحد منهم لزرع أو ماشية أو صيد، فإن لم يرده .. قتله أو خلاه)(6) حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الأرجح: ما أطلقه الشافعي وقدماء العراقيين من تفويض ذلك إلى رأي الإمام؛ يخص به من شاء من الغانمين لما يظهر له، فإن لم يُرِدْه أحد من الغانمين .. أعطاه لبعض أهل الخمس، فإن لم يُرِدْه أحد منهم .. خلاه أو قتله، وليس لأهل الغنيمة في ذلك نزاع، والأمر مفوض إلى رأي الإمام.
5336 -
قول "التنبيه"[ص 240، 241]: (أرض السواد: ما بين حديثة الموصل إلى عبَّادان طولاً، وما بين القادسية إلى حلوان عرضاً) قال الرافعي: كذا أطلقه مطلقون، وفيه تساهل؛ لأن أرض البصرة كانت سبخة أحياها عثمان بن أبي العاص وعتبة بن غزوان بعد فتح العراق، وهي
(1) الروضة (10/ 270).
(2)
فتح العزيز (11/ 440، 441).
(3)
انظر "الحاوي"(ص 445).
(4)
انظر "فتح العزيز"(11/ 424).
(5)
المحرر (ص 450)، فتح العزيز (11/ 424)، الروضة (10/ 259).
(6)
الأم (4/ 264).
داخلة في هذا الحد، فلا بد من استثنائها (1)، وقد استثناها البغوي وغيره (2)، وفي إطلاقه تساهل أيضاً، والثابت وعبر عنه في "الروضة" بالصحيح: ما أورده صاحب "المهذب" وغيره: أن البصرة ليس لها حكم السواد إلا في موضع من شرقي دجلتها يسمى الفرات، وموضع من غربي دجلتها يسمى نهر الصراة (3)، ولم يذكر ذلك في "المحرر" فاستدركه عليه "المنهاج" فقال [ص 523]:(الصحيح: أن البصرة وإن كانت داخلة في حد السواد .. فليس لها حكمه إلا في موضع غري دجلتها وموضع شرقيها) وعبر في "الروضة" بعذيب القادسية (4)، وكذا عبر به الماوردي والروياني (5)، وهو مخالف لتعبير "التنبيه" و"المنهاج" وغيرهما بالقادسية، وفي "الشامل": أنه في العرض من منقطع الجبال بحلوان إلى طرف القادسية المتصل بالعذيب من أرض العرب، ومن تخوم الموصل إلى ساحل البحر ببلاد عبَّادان من شرقي دجلة.
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومن قيد .. فكلامه مقدم على من أطلق؛ لزيادة العلم، قال: وأغرب أبو الفرج الزاز فقال: حده من القادسية إلى حلوان طولاً، ومن تكريت إلى أهواز عرضا، وفي "الاستذكار" للدارمي: من القادسية إلى عقبة حلوان، ومن الموصل إلى الخشبات، وليست الأهواز منها، وفي "الشامل" لابن الصباغ إدخال شرقي دجلة في حد السواد دون غربيها الذي يلي البصرة، وتعبير "المنهاج" بسواد العراق يريد به: سواد كسرى، ولكنه اشتهر بسواد العراق، وسواد كسرى أزيد منه، والعراق أقصر من السواد بخمسه، والسواد أطول من العراق بربعه؛ لأن جملة سواد العراق بالتكسير عشرة آلاف فرسخ، وسواد كسرى اثنا عشر ألف فرسخ وخمس مئة فرسخ، فزاد سواد كسرى بخمس نفسه، ونقص سواد العراق ربع نفسه، ذكره الماوردي (6).
5337 -
قول "المنهاج"[ص 522، 523]: (والصحيح: أن سواد العراق فُتح عنوة وقُسِّم ثم بذلوه وَوُقِفَ على المسلمين) يقتضي أنه وجه، وليس كذلك، بل هو نص الشافعي؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 241]:(وهي وقف على المسلمين على المنصوص) وظاهر قول "المنهاج": (وقسم ثم بذلوه) دخول أهل الخمس في ذلك، وفي قول "المحرر":(بين الغانمين)(7) إخراج
(1) انظر "فتح العزيز"(11/ 453).
(2)
انظر "التهذيب"(7/ 489).
(3)
المهذب (2/ 264)، الروضة (10/ 276).
(4)
الروضة (10/ 276).
(5)
انظر "الحاوي الكبير"(6/ 77)، (14/ 256).
(6)
انظر "الحاوي الكبير"(14/ 256، 257).
(7)
المحرر (ص 451).
أهل الخمس، وفيهما إشكال، أما الأول؛ فلأن في مستحقي الخمس من لا يمكن البذل منه، وأما الثاني: فكيف يمنع أهل الخمس منه بغير طريق شرعي، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندي أن عمر رضي الله عنه استنزل الغانمين عن الأخماس الأربعة وفعل في أربعة أخماس الخمس، وهي ما عدا سهم المصالح طريقة شرعية أخرجتهم عن حقهم في الأرض، ثم صيّر الكل لمصالح المسلمين، ولم يحتج أن يخرج الخمس عن المصالح بطريق شرعي ثم يعيده إليها، لكن لما صدر منه الوقف .. احتمل أن يكون على أربعة وعشرين خمسًا، واحتمل أن يكون على الكل، وهو الظاهر، فإن كان سهم المصالح لا يصير وقفًا إلا بالإيقاف .. فقد فعله، وإلا .. فإطلاق وقف الكل فيه اختيار في سهم المصالح وإنشاء فيما عداه، قال: ولم أر من حرر ذلك على هذا الوجه.
5338 -
قول "الحاوي"[ص 609]: (أوجر مؤبدًا للحاجة) أحسن من قول "المحرر": (أوجرت من ساكنيها)(1) و"التنبيه"[ص 241]: (وما يؤخذ منها باسم الخراج أجرة) و"المنهاج": (وخراجه أجرة تؤدَّى كل سنة) لإفصاحه بالمقصود؛ لصدق الأجرة على أجرة المثل، والمنقول: أنها مسماة، ولكن استشكله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: المعتمد عندنا في ذلك: أنه لم يصح عن عمر رضي الله عنه أنه أوقع [إجارة](2) على ما ذكروه ولا بيعاَ، وإنما أقرها في أيدي أهلها بالخراج المضروب وهو أجرة، وليس ذلك بإجارة لازمة على التأبيد.
5339 -
قول "المنهاج" عطفًا على ما عبر فيه بالصحيح [ص 523]: (وأن ما في السواد من الدور والمساكن يجوز بيعه) وهو مفهوم قول "التنبيه"[ص 240]: (أرض السواد) و"الحاوي"[ص 609]: (أرض العراق) وإن أورده النووي في "تصحيحه" على "التنبيه"(3) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقال: الذي نقطع به على مذهب الشافعي الذي نص عليه في "سير الواقدي": أن الدور والمساكن التي وقع الفتح وهي موجودة .. لا يجوز بيعها؛ فهي من الغنيمة، ويجوز بيع ما علم إنشاء عمارته بعده، وأما المشكوك فيه .. فظاهر اليد يدل على الملك، وكون الأصل أنها موجودة عند الفتح يرده أنه استصحاب معكوس، وهو ضعيف جداً.
5340 -
قوله: (وفتحت مكة صلحًا، فدورها وأرضها المحياة ملك يباع)(4) أورد عليه شيخنا في "تصحيحه" أموراً:
(1) المحرر (ص 451).
(2)
في (ج): (تجارة)، وفي (د):(الإجارة).
(3)
تصحيح التنبيه (2/ 224).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 523).