الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقوله: (وندب تسمية الله تعالى وحده)(1) أي: لا يقول: باسم الله، واسم محمد، كما صرح به "المنهاج"(2) فإن ذلك لا يجوز، وقال الرافعي: إن أراد: أذبح باسم الله وأتبرك باسم محمد .. فينبغي ألَاّ يحرم، وقول من قال: لا يجوز يحمل على كراهة اللفظة، قال: وتنازع جماعة من فقهاء قزوين فيه، هل تحل ذبيحته أم لا؟ وهل يكفر أم لا؟ والصواب ما بيناه (3).
ولم يرد "الحاوي" الاحتراز بذلك عن الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنها مستحبة كما صرح به "التنبيه" و"المنهاج"، ومقتضى كلامهما: أنها من سنن الذبح.
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي قاله الشافعي في "الأم": (والتسمية على الذبيحة باسم الله، فإذا زاد بعد ذلك شيئاً من ذكر الله عز وجل .. فالزيادة خير، ولا أكره مع تسميته على الذبيحة أن يقول: صلى الله على رسول الله، بل أحبه له، وأحب له أن يكثر الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم في كل الحالات)(4)، وبسط ذلك، قال شيخنا: وقصد الشافعي بذلك المبالغة في مخالفة مالك في قوله: لا يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة، لا أنه أثبت أن ذلك سنة من سنن الذبح، ولا توقف أن الإكثار من الصلاة والسلام عليه مطلوب، وإنما الكلام في السنن في محل خاص، ولم يذكر الشافعي ذلك في الوضوء والتيمم والغسل ونحوها.
فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]
5497 -
قول "المنهاج"[ص 534]: (يحل ذبح مقدور عليه) كذا في "المحرر"(5)، ولو عبر كما في "الروضة" بقوله:(لا يحل مقدور عليه إلا بالذبح في الحلق أو اللبة)(6) .. لكان أصوب وأحسن.
5498 -
قول "التنبيه"[ص 82]: (ويجوز الذبح بكل ما له حد يقطع إلا السن والظفر) مقتضاه: جواز الذبح بسائر العظام، وليس كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 534]:(إلا ظفراً وسناً وسائر العظام) و"الحاوي"[ص 624]: (بجارح لا عظم)، وقال في "شرح المهذب": ينكر على "التنبيه" قوله: (إلا السن والظفر) لاقتضائه جواز الذبح بالعظام المحددة سوى السن،
(1) الحاوي (ص 626) ذ.
(2)
المنهاج (ص 534).
(3)
انظر "فتح العزيز"(12/ 85).
(4)
الأم (2/ 239).
(5)
المحرر (ص 463).
(6)
الروضة (3/ 240).
وهذا لا يجوز بلا خلاف؛ فكان حقه أن يقول: إلا العظم والظفر أو إلا الظفر والسن وسائر العظام (1)، لكنه قال في "تصحيحه": الأصح: أن الذبح بالعظم لا يجزئ (2)، وذلك بدل على وجود الخلاف فيه، وظاهر نص "الأم" و"المختصر" الإجزاء في بقية العظام؛ فإنه لم يستثن فيهما سوى الظفر والسن (3)، وحكاه الماوردي عن الشافعي رضي الله عنه صريحاً أنه قال فيمن ذبح بالعظم: كرهته، ولا يبين لي أن يحرم؛ لأنه لا يقع عليه اسم سن ولا ظفر، قال الماوردي: وفيه عندي نظر (4).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": بل هذا النص هو المذهب المعتمد، وهو مقتضى نص "الأم" و"المختصر"، وعليه العمل في الطريقين. انتهى.
وفي الرافعي: لو ركب عظم على سهم وجعل نصلاً له فقتل به صيداً .. لم يحل، وعن "الحاوي": أن الشافعي قال: كرهته لي، ولا يبين لي أن يحرم (5)، ولم يذكر في "الروضة" المحكي عن "الحاوي"، وقال: لم يحل على المشهور (6)، وقد عرفت أن الذي في "الحاوي" عن الشافعي: حل الذبح بالعظم مطلقاً، سواء جعل نصل سهم وقتل به صيداً أم لا.
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قول "الروضة": (على المشهور) يقتضي إثبات قولين، ومن أثبت قولين في ذلك.
قال في "الكفاية": ويستثنى من السن والظفر: ما قتله الكلب بظفره ونابه. قلت: لا يصح الاستثناء؛ لأن الكلام في الذبح، وقتل الكلب بظفره ونابه ليس من الذبح؛ ولهذا قال النشائي: وفي إيراده على لفظ الذبح بُعْدٌ مع أنه يأتي في الكتاب (7).
5499 -
قول "المنهاج"[ص 534]: (فيما لو جرحه نصل وأثر فيه عُرْضُ السهم في مروره ومات بهما .. حَرُمَ) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع؛ فإنه إذا جرحه النصل ثم مر السهم فأثر فيه عرضه .. كان ذلك من ضرورة الرمي، فأشبه ما لو خرق بالنصل ونفذ السهم من ذلك الخرق؛ فإن مثل هذا لا يؤثر قطعاً، والذي في "الروضة" وأصلها: أن يصيب الصيد طرف من النصل، فيجرحه، ويؤثر فيه عُرْضُ السهم في مروره (8)، وهذا يمكن القول بتحريمه، والمعتمد
(1) المجموع (9/ 79).
(2)
تصحيح التنبيه (1/ 267).
(3)
الأم (2/ 235)، مختصر المزني (ص 282).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(15/ 29).
(5)
فتح العزيز (12/ 15)، وانظر "الحاوي الكبير"(15/ 29).
(6)
الروضة (3/ 243).
(7)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 75).
(8)
فتح العزيز (12/ 17)، الروضة (3/ 244).
عندنا في ذلك: أن كلاً من التصويرين لا تحريم فيه إذا كان الجرح لو انفرد .. كان مؤثراً، وأيضاً فقد يكون عرض السهم رقيقاً بحيث يكون محدداً، ولا توقف في حِله، وما ذكره الرافعي والنووي لم أقف عليه في كلام غيرهما، ونص "الأم" يقتضي خلافه.
5500 -
قوله: (أو أصابه سهم فوقع بأرض أو جبل ثم سقط منه)(1) لو عبر بدل أرض بسطح كما في "المحرر"(2) .. لكان أولى؛ لأن المتبادر إلى الفهم منه: وقع بأرض ولم ينتقل عنها، وأن قوله:(ثم سقط منه) يعود للجبل؛ لإفراده الضمير، وقد قال عقبه:(أنه لو أصابه سهم بالهواء فسقط بأرض ومات .. حل)(3) فإن حمل كلامه أولاً على أنه وقع بأرض عالية ثم سقط منها .. فليس في عبارته ما يدل عليه، ثم هنا أمران:
أحدهما: أن عبارة "المحرر": (فتدهور منه)(4)، ويفهم من ذلك التكرر، بخلاف لفظ السقوط، وقد جعل أبو الفرج الزاز موضع التحريم ما إذا كثر ترديه، وحكى فيما إذا لم يسقط إلا مرة واحدة وجهين، وقال: الظاهر أنه لا يحرم.
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو مقتضى كلام غيره؛ لأنهم يصورن هذا بالتدهور، وكذا في "الروضة" تبعاً لـ" الشرح"(5)، ولكن ظاهر نص "الأم" يخالفه؛ فإنه قال:(لو وقع على جبل فتردى من موضعه الذي وقع عليه قليلاً أو كثيراً .. كان متردياً لا يؤكل)(6)، فمقتضى هذا: أن عبارة "المنهاج" جيدة. انتهى.
ولهذا أطلق "التنبيه" التردي (7).
ثانيهما: محل ذلك: ما إذا لم يَنْتَه الصيد بإصابة السهم إلى حركة المذبوح، فإن كان كذلك .. لم يكن لما يعرض بعده أثر.
5501 -
قول "المنهاج"[ص 534]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 625]: (ولو أصابه سهم بالهواء فسقط بأرض ومات .. حل) فيه أمران:
أحدهما: محل ذلك: إذا جرحه السهم في الهواء جرحاً مؤثراً، فلو لم يجرحه، بل كسر جناحه، أو جرحه جرحاً لا يؤثر فعطل جناحه فوقع ومات .. لم يحل.
(1) انظر "المنهاج"(ص 534).
(2)
المحرر (ص 463).
(3)
المنهاج (ص 534).
(4)
المحرر (ص 463).
(5)
فتح العزيز (12/ 17)، الروضة (3/ 244).
(6)
الأم (2/ 236).
(7)
التنبيه (ص 83).
ثانيهما: قد يخرج بقوله: (فسقط بأرض) ما لو سقط بماء، ويوافقه قول "التنبيه" [ص 83]:(وإن رمى صيداً فأصابه السهم ووقع في ماء فمات .. لم يحل) ومحله: في غير طير الماء؛ ففي "أصل الروضة" فيما إذا رمى طير الماء: إن كان على وجه الماء فأصابه ومات .. حل، والماء له كالأرض، وإن كان خارج الماء ووقع فيه بعد إصابة السهم .. ففي حله وجهان، ذكرهما في "الحاوي"، وقطع في "التهذيب" بالتحريم، وفي "شرح مختصر الجويني" بالحل، فلو كان الطائر في هواء البحر .. قال في "التهذيب": إن كان الرامي في البر .. لم يحل، وإن كان في سفينة .. حل. انتهى (1).
وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" فيما إذا كان الطير في هواء الماء عن أبي الفرج الزاز عن عامة الأصحاب: أنه لا يحرم، قال شيخنا: وهو الصحيح سواء كان الرامي في البر أم البحر، وحمل قوله عليه الصلاة والسلام في حديث عدي بن حاتم - وهو في "صحيح مسلم" -:"وإن وجدته قد وقع في الماء .. فلا تأكله"(2) على غير طير الماء، أو على طيره الذي لا يكون في هوائه.
5502 -
قول "المنهاج"[ص 534]: (ويحل الاصطياد بجوارح السباع والطير) المراد به: أن ما أخذته بشرطه الآتي يحل أكله، وتعبير "التنبيه" و"الحاوي" يدل على ذلك، فأما الاصطياد بمعنى إثبات الملك .. فلا يختص بذلك، بل يحصل بأي طريق تيسر.
5503 -
قول "المنهاج"[ص 534]: (ككلب وفهد وباز وشاهين) كذلك النمر، قال في "شرح المهذب": وقوله في "الوسيط": (فريسة الفهد والنمر حرام) غلط مردود، وليس وجهاً في المذهب، بل هما كالكلب، نص عليه الشافعي وكل الأصحاب، وقول الإمام: إن النمر يَبعُد تعلمه؛ لعدم انقياده، فإن تصور نادراً .. فكالكلب، لا يخالف ما قدمناه (3).
5504 -
قوله "التنبيه"[ص 82]: (وإن علم جارحة بحيث إذا أغراه على الصيد .. طلبه، وإذا أشلاه .. استشلى، وإذا أخذ الصيد .. أمسكه على صاحبه وخلى بينه وبينه) إلى أن قال: (حل) فيه أمور:
أحدها: فُسّر الإشلاء في كلامه: بأن يدعو الصيد للعود؛ ويدل لذلك ذكره له في مقابله الإغراء، لكن الشافعي في "الأم" و"المختصر" استعمله بمعنى الإغراء فقال:(أن يُدعى فيجيب، ويُشلى فيطير)(4).
(1) الروضة (3/ 245)، وانظر "التهذيب"(8/ 24، 25).
(2)
صحيح مسلم (1929).
(3)
المجموع (9/ 89)، وانظر "مختصر المزني"(ص 281)، و"نهاية المطلب"(18/ 109)، و"الوسيط"(7/ 110).
(4)
الأم (2/ 227)، مختصر المزني (ص 281).
وكلام أهل اللغة يوافق الأول، قال في "الصحاح": قال ثعلب: وقول الناس: أشليت الكلب على الصيد، خطأ، وقال أبو زيد: أشليت الكلب: دعوته، وقال ابن السكيت: لا يقال: أشليته؛ أي: بمعنى أغريته، إنما الإشلاء: الدعاء، ثم قال: وقول زياد الأعجم:
أتينا أبا عمرو فأشلى كلابه
…
علينا فكدنا بين بيتيه نؤكل
يُروى: فأغرى كلا به. انتهى (1).
وفي "المحكم": أشليت الشاة والكلب: دعوتهما باسمَيْهما؛ وكذلك استشليتهما، وأشلى دابته إذا أراها المخلاة لتأتيه، وأشليت الناقة إذا دعوتها لتحلبها. انتهى (2).
وعبر "المنهاج" و"الحاوي" عن ذلك بالانزجار (3)، وهو واضح.
ثانيها: مقتضاه: اعتبار الاستشلاء، وهو الانزجار في جارحة السباع والطير، وهو مقتضى كلام "الحاوي" أيضاً (4)، لكن قال الإمام: لا مطمع في انزجار جوارح الطير بعد الطيران (5)، وعليه مشى "المنهاج" تبعاً لـ"المحرر"(6)، لكن مقتضى تعبيره: أنه لا يشترط في جارحة الطير شيء من هذه الشروط؛ حيث قال: (بأن تنزجر جارحة السباع بزجر صاحبه وتسترسل بإرساله، وتمسك الصيد ولا تأكل منه)(7) لكن لا شك في اعتبار الاسترسال بإرساله في جارحة الطير أيضاً، والأظهر أيضاً: اشتراط ترك الأكل منها، وقد ذكره "المنهاج" عقبه؛ فدل على أن ما اقتضاه تعبيره غير مقصود، وإنما قصد تخصيص الانزجار بجارحة السباع، لكن عبارته لا تؤديه؛ فكان حقه تقديم المشترك بينهما، ثم ذكر المقيد بجارحة السباع بعده على أن نص الشافعي رضي الله عنه في "الأم" مصرح بخلاف مقالة الإمام؛ فإنه قال بعد ذكر جارحة السباع والطير:(أن يُجمع أن يُدعى فيجيب، ويُستشلى فيطير، ويأخذ فيَحْبِس)، وفي "مختصر المزني" نحوه (8).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يخالف أحد من الأصحاب هذا النص، واعتبر في "البسيط" الانزجار في الطير أيضاً، ثم ذكر مقالة الإمام بلفظ: قيل.
(1) الصحاح (6/ 2395).
(2)
المحكم (8/ 104).
(3)
الحاوي (ص 624)، المنهاج (ص 534).
(4)
الحاوي (ص 624).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(18/ 105).
(6)
المحرر (ص 463)، المنهاج (ص 534).
(7)
المنهاج (ص 534).
(8)
الأم (2/ 227)، مختصر المزني (ص 281).
ثالثها: المراد بإمساك الصيد: ألَاّ تخليه يذهب، وقد ذكره "المنهاج" أيضًا (1) وأهمله "الحاوي"، ولا بد منه.
رابعها: الظاهر أنه أراد بتخليته بينه وبين عدم الأكل منه، وقد صرح باعتباره "المنهاج" و"الحاوي"، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإنما يمنع إذا كان عقب القتل أو قبله مع حصول القتل، فاما إذا كان أكل بعد أن أمسكه وقتله، أو أكل ولم يقتله .. فإن هذا لا يضر في التعليم كما لا يؤثر في تحريم ما أكل منه لو جرى ذلك بعد التعليم، ولم يتعرضوا لذلك هنا، ومقتضى تعبير "المنهاج" الجزم في جارحة السباع باعتبار عدم الأكل منه، وحكاية القولين في جارحة الطير، وحكى في "أصل الروضة" الخلاف فيهما، إلا أنه عبر في السباع بالمشهور، وفي الطير بالأظهر (2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا نعرف الخلاف في ذلك في شيء من كلام الشافعي.
خامسها: لم يذكر للتعليم حداً، وفي "المنهاج" [ص 534]:(يشترط تكرر هذه الأمور بحيث يظن تأدب الجارحة) قالوا: والرجوع في عدد ذلك إلى أهل الخبرة بطباع الجوارح، ومقتضى كلام البغوي والغزالي: اعتبار ذلك ثلاث مرات (3)، وقد يشير إليه قول "الحاوي" [ص 624]:(مراراً).
5505 -
قول "التنبيه"[ص 82]: (وإن أكل الجارحة من الصيد .. ففيه قولان) الأظهر: أنه يحرم؛ ولهذا قال "المنهاج"[ص 534]: (ولو ظهر كونه معلماً ثم أكل من لحم صيد .. لم يحل ذلك الصيد في الأظهر) و"الحاوي"[ص 626]: (لا ما أكل منه).
قال الإمام: وددت لو فُصّل بين أن يأكل بنفس الأخذ أو ينكف زماناً ثم يأكل، لكن لم يتعرضوا له (4).
قال النووي: فصل الجرجاني وغيره فقالوا: إن أكل عقب القتل .. فالقولان، وإلا .. حل قطعاً (5)، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن الشيخ أبي حامد والدارمي والماوردي، قال: وهو مقتضى كلام ابن الصباغ، وصرح به في "البيان"(6)، قال: ويلحق بهذا ما إذا أمسكه وأكل منه ولم يقتله .. فإنه لا يحرم قولاً واحداً. انتهى.
(1) المنهاج (ص 534).
(2)
الروضة (3/ 246).
(3)
انظر "الوسيط"(7/ 108)، و"الوجيز"(2/ 207)، و"التهذيب"(8/ 16).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(18/ 113).
(5)
انظر "الروضة"(3/ 247).
(6)
البيان (4/ 542).
وفهم من كلامهما: أنه لا ينعطف التحريم على ما اصطاده قبله، وهو كذلك، وقد يفهم من عبارة "المنهاج" أن الذي يأكل منه بعد هذا الصيد حرام قطعاً، وليس كذلك، إلا أن يصير الأكل له عادة .. فيحرم ما أكل منه الآن جزماً، وفي تحريم ما أكل منه من قبل وجهان، قال في "الروضة" وأصلها: قد يرجح منهما التحريم (1)، وجعله في "الشرح الصغير" أقوى؛ ولهذا قال في "الحاوي" [ص 626]:(وما قبله إن اعتاد) وقد يخرج بتعبير "المنهاج" باللحم: الحشوة، وهي طريقة؛ لأنها غير مقصودة، والأصح: أنه على القولين؛ فلذلك أطلق "التنبيه" و"الحاوي" الأكل منه.
5506 -
قول "المنهاج"[ص 534]: (ويشترط تعليم جديد) أورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج" أنه إن كان مفرعاً على القولين .. خالف المنقول؛ فإنه إنما يحتاج إلى الاستئناف عقب هذه المرة إذا فرعنا على التحريم، وإن كان مفرعاً على الأظهر .. اقتضى أن على مقابله لا يشترط تعليم جديد مطلقاً، وليس كذلك، بل متى فرعنا على مقابل الأظهر وتكرر الأكل بحيث يصير عادة له، أو اكتفينا بالتكرر مرتين أو ثلاثاً .. احتاج إلى استئناف التعليم على هذا القول أيضاً.
5507 -
قول "التنبيه"[ص 82، 83]: (وإن كان الجارحة كلباً .. غسل موضع الظفر والناب) يجب تتريبه أيضاً وقد ذكره "المنهاج"(2)، ومرادهما: الغسل سبعاً، وقد صرح "الحاوي" بذلك في الطهارة (3)، وتعبير "المنهاج" يفهم أنه لا خلاف في نجاسته، وليس كذلك؛ فالخلاف فيه في "الروضة" وأصلها، ومقتضى تعبيره بالأصح أن الخلاف في العفو (4) وجهان، وكذا حكاه الرافعي عن أكثرهم، قال: وقال الصيدلاني: قولان منصوصان (5)، ورجحه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: إن في "الأم" كلاماً يشهد له (6).
5508 -
قول "التنبيه"[ص 82]: (وإن قتل الجارحة الصيد بثقلها .. ففيه قولان) الأظهر: الحل، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(7)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": جزم الشافعي رضي الله عنه في "مختصر البويطي" بالتحريم، فهو مذهبه، واختاره المزني، والعمل به أولى من العمل بمقابله، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم تجرح الصيد، فإن جرحت ثم تحاملت
(1) فتح العزيز (12/ 22)، الروضة (3/ 247).
(2)
المنهاج (ص 534).
(3)
الحاوي (ص 119).
(4)
في النسخ: (العقود)، ولعل الصواب ما أثبت، انظر "فتح العزيز"(12/ 23).
(5)
فتح العزيز (12/ 23)، الروضة (3/ 248).
(6)
الأم (2/ 227).
(7)
الحاوي (ص 625)، المنهاج (ص 534).
عليه وقتلته .. حل بلا خلاف، وكلام "الروضة" وأصلها يدل لذلك (1)، ونص عليه في "الأم" و"المختصر"(2).
5509 -
قول "المنهاج"[ص 535]: (فيما لو استرسل كلب بنفسه فأغراه صاحبه فزاد عدوه .. لم يحل في الأصح) كان ينبغي أن يقول: (على النص) فقد نص عليه في "الأم"(3)، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ومحله: ما إذا لم ينعرج، فإن انعرج .. حل، نص عليه في "الأم"، ولم أر من تعرض له من الأصحاب.
قلت: في "أصل الروضة": أنه لو زجره صاحبه لما استرسل، فانزجر ووقف، ثم أغراه فاسترسل وقتل الصيد .. حل بلا خلاف، فانعراجه هو معنى انزجاره ووقوفه، قال في "أصل الروضة": فإن كان الإغراء وزيادة العدو بعد ما زجره فلم ينزجر .. فعلى الوجهين، وأولى بالتحريم، وبه قطع العراقيون (4).
5510 -
قوله: (ولو أرسل سهماً لاختبار قُوَّته أو إلى غرضٍ فاعترض صيد فقتله .. حرم في الأصح)(5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وليس كذلك، بل هو قولان، والأصح: منصوص "الأم" و"المختصر"، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: وقوله: (فاعترض صيد) إنه قيد لمحل الوجهين وإنه لو كان هناك صيد .. حل، وليس كذلك، وإنما المعتبر أن ينوي أنه يصطاد كما نص عليه في "الأم" و"المختصر"(6)، وفي "أصل الروضة" من صور الخلاف: ما إذا كان يرى الصيد ولكن رمى إلى الهدف أو ذئب ولا يقصد الصيد (7).
5511 -
قول "التنبيه"[ص 83]: (وإن أرسل كلباً - أي: على شيء يحسبه حجراً فكان صيداً - .. فقد قيل: يحل، وقيل: لا يحل) الأصح: الحل، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 625]:(وظن ثوباً وبشراً وخنزيراً).
5512 -
قول "التنبيه"[ص 83]: (وإن أرسل كلباً أو سهماً على صيد فقتل غيره .. حل) و"المنهاج"[ص 535]: (وإن قصد واحدة فأصاب غيرها .. حلت في الأصح) و"الحاوي"[ص 625]: (أو نوعه) قال في "المهمات": هو خلاف ما نص عليه الشافعي في "البويطي" فقال:
(1) فتح العزيز (12/ 16)، الروضة (3/ 244).
(2)
الأم (2/ 236)، مختصر المزني (ص 282).
(3)
الأم (2/ 229).
(4)
الروضة (3/ 249).
(5)
انظر "المنهاج"(ص 535).
(6)
الأم (2/ 228)، مختصر المزني (ص 281).
(7)
الروضة (3/ 250، 251).
وإن نوى صيداً بعينه في جماعة صيد فقتل غيره .. فلا يأكل، وقد قيل: يأكل.
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الذي صححه منصوص "الأم" و"المختصر"(1)، ومقابله نص عليه في "البويطي" فالخلاف قولان.
5513 -
قول "التنبيه"[ص 83]: (وإن أصاب صيداً فجرحه جرحاً لم يقتله ثم كاب عنه فوجده ميتاً .. حل في أحد القولين، ولا يحل في الآخر) الأظهر كما في "المنهاج": التحريم (2)، وعليه مشى "الحاوي"(3)، وذكر الرافعي أن أصحابنا العراقيين وغيرهم إلى ترجيحه أميل (4)، لكن في "الروضة" من زيادته: أن الحل أصح دليلاً، وثبتت فيه أحاديث صحيحة، ولم يثبت في التحريم شيء، وقد علق الشافعي الحل على صحة الحديث (5)، وعبر عنه في "التصحيح" بالمختار (6)، وفي "شرح المهذب" بالصحيح أو الصواب (7)، وفي "شرح مسلم" بأنه أقوى وأقرب إلى الأحاديث الصحيحة (8).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المذهب المعتمد هو التحريم كما هو الأصح عند جمهور الأصحاب من العراقيين، وقول النووي: إنه لم يثبت في التحريم شيء، ممنوع؛ ففي "سنن البيهقي" بطريق حسنة في حديث عدي بن حاتم:"إذا رأيت سهمك فيه ولم تر فيه أثراً غيره وتعلم أنه قتله"(9) فهذا تقييد لبقية الروايات المطلقة، وهو دال على التحريم في محل النزاع، وصحح في "الروضة" من زيادته في المحرم يجرح الصيد ثم يغيب عنه ثم يجده ميتاً، ولم يدر أمات بجراحته أو بحادث: أنه يغرم أرش الجرح (10)، وقياس ما صححه هنا من الحل: أنه يلزمه الجزاء كاملاً إحالة على السبب الظاهر، فإن قيل: الغرم لا يثبت إلا بيقين .. قلنا: وكذلك الحل. انتهى.
ويوافق التحريم في المدرك ما إذا مشط المحرم رأسه فانتتف منه شعر وشك هل انتتف بالمشط أم كان منتتفاً؛ فإن الأصح: أنه لا فدية، ولم يحيلوه على السبب، كما أن المحرم هنا لم يحمل
(1) الأم (2/ 228)، مختصر المزني (ص 281).
(2)
المنهاج (ص 535).
(3)
الحاوي (ص 626).
(4)
انظر "فتح العزيز"(12/ 35).
(5)
الروضة (3/ 253).
(6)
تصحيح التنبيه (1/ 269).
(7)
المجموع (9/ 110).
(8)
شرح مسلم (13/ 79).
(9)
سنن البيهقي الكبرى (18686).
(10)
الروضة (3/ 162).