الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الطريق، إلا أن القصاص إنما يلزم القاطع وإن علم الحال إذا لم يوجد من المخرج بدل وإباحة. انتهى (1).
فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]
4696 -
قول " المنهاج "[ص 481]: (موجب العمد القود، والدية بدل عند سقوطه، وفي قول: أحدهما مبهمًا) فيه أمران:
أحدهما: يستثنى من محل الخلاف: كل موضع وجب فيه القود ولا دية فيه؛ كقتل المرتد مرتدًا .. ففيه القود ولا دية في الأصح، وكذا إذا قطع يدي الجاني .. فإنه لم يبق له سوى حز رقبته، ولا يتمكن من العفو على الدية، فيقطع بوجوب القود، ولا يأتي القولان.
ثانيهما: قال شيخنا ابن النقيب: إذا قتل الوالد ولده، أو المسلم الذمي .. فهل نقول: الواجب الدية عينًا عكس القاعدة، أو هو كغيره فيجب القود عينًا في الأصح ويعدل إلى الدية؛ لأن الأبوة وشرف الدين مسقط؟ لم أر من تعرض له، وللنظر فيه مجال، والظاهر الأول (2).
4697 -
قول " التنبيه "[ص 217]: (وإن عفا مطلقًا .. ففيه قولان، أحدهما: لا تجب، والثاني: تجب وهو الأصح) هذا الخلاف مبني على أن الواجب القود عينا أو أحد الأمرين، فإن قلنا بالأول .. لم تجب الدية، وهو المصحح عند الرافعي والنووي والأكثرين (3)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 481]:(وعلى الأول لو أطلق العفو .. فالمذهب: لا دية).
واعترض عليه: بأن مقتضاه: ترجيح طريقة القطع، لكن الأرجح: طريقة الخلاف، وهو الذي في الرافعي.
وفي الاعتراض نظر؛ لأن اصطلاح " المنهاج " في التعبير بالمذهب الدلالة على أن في المسألة طريقين أو طرقًا من غير دلالة على الراجح منها، غير أن المذكور يكون هو الراجح في الجملة، وصحح النووي في " نكته على التنبيه ": أن الواجب أحد الأمرين، ولا اعتماد على ذلك.
ويستثنى من ذلك: ما لو اختار الدية بعد العفو على الفور .. ففي " أصل الروضة " عن ابن كج: أنه تثبت الدية، ويكون اختيارها بعد العفو كالعفو عليها، قال: وحكي عن النص أن هذا الاختيار يكون عقب العفو، وعن بعض الأصحاب: أنه يجوز فيه التراخي (4).
(1) الروضة (10/ 151).
(2)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(7/ 210).
(3)
انظر " فتح العزيز "(10/ 291)، و " الروضة "(9/ 241).
(4)
الروضة (9/ 241).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهذا المحكي عن بعض الأصحاب ذكره الماوردي قولًا للشافعي (1)، قال: وقضية كلام الرافعي والنووي أن هذا النص هو المعتمد تفريعًا على أنه لا تثبت الدية بنفس العفو.
4698 -
قول " التنبيه "[ص 217]: (وإن اختار القصاص ثم اختار الدية .. لم يكن له ذلك على المنصوص، وقيل: له ذلك) مفرع على أن الواجب أحد الأمرين، ومع ذلك فالأصح: أن له الدية؛ لأنه استحق أعلا الأمرين .. فله العدول إلى أدناهما، أما إذا فرعنا على الأصح: أن الواجب القود عينًا .. فله ذلك قطعًا.
4699 -
قول " المنهاج "[ص 481]: (ولو عفا على غير جنس الدية .. ثبت إن قبل الجاني، وإلا .. فلا) يقتضي أنه مختص بالتفريع على الأول، وليس كذلك، بل هو جار على القولين، فكان ينبغي تقديمه على قوله:(وعلى الأول لو أطلق العفو)(2).
4700 -
قوله: (ولو تصالحا عن القود على مئتي بعيرٍ .. لغا إن أوجبنا أحدهما، وإلا .. فالأصح: الصحة)(3) حمله في " المهمات " على ما إذا كانت تلك الإبل بالصفة الواجبة في جناية العمد، فإن كانت بغير صفتها؛ إما معينة أو في الذمة .. فينبغي الجزم بالصحة كما جزم به في " أصل الروضة " فيما لو صالح على عبد أو ثوب، وظاهره جواز ذلك ولو زادت قيمته على الدية؛ فإنه قال بالجواز وإن لم تكن الدية معلومة لهما (4).
4701 -
قوله: (ولو قال رشيدٌ: " اقطعني " ففعل .. فهدرٌ)(5) مقتضاه: أن السفيه ليس كذلك مع أنه لا فرق فيه بين الرشيد والسفيه، والذي لا تأثير لإذنه هو الصبي، وكذا العبد في إسقاط المال، وتقدم في إسقاط القصاص وجهان، وأن شيخنا الإمام رجح سقوطه، ولو قال " المنهاج ":(حر مكلف) .. لوفى بالمقصود، وعبارة " المحرر ":(المالك لأمره)(6).
4702 -
قوله: (فإن سرى أو قال: " اقتلني " .. فهدرٌ، وفي قولٍ: تجب ديةٌ)(7) يقتضي أنها دية كاملة، وهو كذلك في الثانية بناء على ثبوتها للورثة ابتداء، وأما في الأولى .. فإنما تجب نصف
(1) انظر " الحاوي الكبير "(12/ 99).
(2)
المنهاج (ص 481).
(3)
انظر " المنهاج "(ص 481).
(4)
الروضة (9/ 250).
(5)
انظر " المنهاج "(ص 481).
(6)
المحرر (ص 400).
(7)
انظر " المنهاج "(ص 481).
دية، كذا حكي عن ابن الرفعة، لكن صرح الرافعي والنووي بإيجاب الدية الكاملة على هذا القول في الصورتين (1).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو كذلك موجود في تصانيف الطريقتين، ولم يقل أحد منهم أن الواجب على هذا القول نصف الدية.
4703 -
قول " التنبيه "[ص 217]: (وإن قطع اليدين من الجاني ثم عفا عن القصاص .. لم تجب الدية، وإن قطع إحداهما ثم عفا عن القصاص .. وجب له نصف الدية) محله: ما إذا عفى على الدية، أو مطلقًا وقلنا: الواجب أحدهما، أما إذا قلنا: الواجب القود عينًا .. ففي استحقاقه طريقان، أحدهما: لا قطعا، والثانية: طرد الخلاف، ثم جميع ذلك فيما إذا استوت دية الجاني والمجني عليه، أما لو كانت دية الجاني أقل؛ بأن كان امرأة والمقتول رجلًا .. ففي الصورة الأولى؛ إن قلنا: موجب العمد أحد الأمرين .. فله مطالبتها بنصف الدية، وإن قلنا: موجبه القود .. لم يستحق شيئًا؛ لأنه لو قتلها .. لكان مستوفيًا، وقد استوفى ما يوازي نفسها، وفي الصورة الثانية إن قلنا: الواجب أحد الأمرين .. طالبها بثلاثة أرباع الدية، وإلا .. طالبها بنصفها.
4704 -
قوله: (وإن قطع إصبع رجل فقال: " عفوت عن هذه الجناية وما يحدث منها "
…
إلى آخره) (2) فيه أمران:
أحدهما: أنه يفهم اختصاص ما ذكره من الأحكام بأن يقول: وما يحدث منها، وليس كذلك، فسواء ذكرها أم لا.
ثانيهما: صور " المنهاج " و" الروضة " وأصلها المسألة بأن يعفو عن قوده وأرشه (3)، قال في " أصل الروضة ": ولو قال: (عفوت عن هذه الجناية) ولم يزد .. نص في " الأم " أنه عفو عن القصاص، وعن الأصحاب: أنه تفريع على قولنا: موجب العمد القود، فإن قلنا: أحد الأمرين .. ففي بقاء الدية احتمالان للروياني. انتهى (4).
وسبق الروياني إلى الاحتمالين المحاملي، وجزم الماوردي بأنه عفو عنهما على هذا القول (5).
(1) فتح العزيز (10/ 296)، الروضة (9/ 242، 243).
(2)
انظر " التنبيه "(ص 218).
(3)
المنهاج (ص 481)، الروضة (9/ 243).
(4)
الروضة (9/ 243)، وانظر " الأم "(6/ 15).
(5)
انظر " الحاوي الكبير "(12/ 98).
4705 -
قول " المنهاج " في المسألة [ص 481]: (وإن سرى .. فلا قصاص) المراد: إلى النفس كما صرح به " المحرر " و" التنبيه "(1)، فإنه لو سرى إلى بعض الأعضاء .. لم يجب قصاص مطلقاً وإن لم يعف، وعليه يدل قول " التنبيه " فيما لو سرى إلى الكف [ص 218]:(وجبت دية بقية الأصابع)، وقول " المنهاج " [ص 481]:(ضمن دية السراية في الأصح) فدل على أنه لا يجب قصاصها.
4706 -
قول " المنهاج "[ص 481]: (وأما أرش العضو: فإن جرى لفظ وصية؛ كـ " أوصيت له بأرش هذه الجناية " .. فوصية لقاتل) قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا لا يناسب ما فرض الكلام فيه، من أنه عفى عن قود القطع وأرشه.
قلت: ولذلك لم يفصل " التنبيه "، وإنما حكى خلافًا فقال [ص 218]:(وهل تسقط الدية؟ فقد قيل: إن ذلك وصية للقاتل وفيها قولان، وقيل: هو إبراء، فيصح في أرش الأصبع ولا يصح في النفس، فيجب عليه تسعة أعشار الدية) والثاني هو الأصح.
4707 -
قول " المنهاج "[ص 481]: (أو لفظ إبراءٍ أو إسقاطٍ، أو عفوٍ سقط، وقيل: وصيةٌ) قال شيخنا الإمام البلقيني: هذا الذي ذكر أنه وجه ضعيف هو نص " الأم " حيث قال: (ولو جرحه رجل عمدًا ثم عفا المجروح عن القود القتل والقصاص في الجرح، ثم مات من الجرح؛ فمن لم يُجِز الوصية للقاتل .. أبطل العفو، وجعل الدية ثابتة؛ لأن هذه وصية لقاتل)(2)، قال شيخنا: وهذا هو الحق؛ فإنه لا فرق بين أن يوصي للقاتل، أو يهبه في مرض موته، أو يعفو عن دين له عليه، كما لا يفترق حال الوارث في ذلك. انتهى.
4708 -
قوله: (وتجب الزيادة عليه إلى تمام الدية، وفي قول: إن تعرض في عفوه لما يحدث منها .. سقطت)(3) محل هذا الخلاف: إذا جرى لفظ العفو أو الإبراء، أما إذا جرى لفظ الوصية؛ كقوله:(أوصيت بأرش هذه الجناية وبأرش ما يحدث منها) .. ففيه قولا الوصية للقاتل، أصحهما: الصحة، فيجيء في جميع الدية ما ذكر في دية العضو المجني عليه.
قال في " الروضة ": وهذا كله إذا كان الأرش دون الدية، أما إذا قطع يديه فقال:(عفوت عنها وما يحدث منها) فإن لم تصح الوصية .. وجبت الدية بكمالها، وإن صححناها .. سقطت بكمالها إن وفى بها الثلث، سواء صححنا الإبراء عما لم يجب أم لا (4).
(1) المحرر (ص 400)، التنبيه (ص 218).
(2)
الأم (6/ 10).
(3)
انظر " المنهاج "(ص 481).
(4)
الروضة (9/ 243، 244).
قال ابن الرفعة: وعلى من صحح العفو عن أرش الإصبع دون القدر الزائد عليه من الدية؛ لكونه إبراء سؤالٌ لا يكاد يندفع، ويحتاج في تقريره إلى تجديد العهد بأصلين:
أحدهما: أن الإبراء عن المجهول غير صحيح على المذهب.
والثاني: أن الجراحات إذا سرت إلى النفس وأفضى الأمر إلى الدية .. لا نظر إلى أروشها، سواء كانت مقدرة أو غير مقدرة، بل الواجب كما قال الإمام: دية واحدة عن النفس، لا عن الأطراف (1)، ولا يختلف مذهبنا في ذلك، وإذا كان كذلك .. فالإبراء حصل عما قابل الإصبع من الدية، وقد تبينا بآخر الأمر أن لا مقابل لها، ولو قيل: بأن لها مقابلًا .. فليس هو عشرًا من الإبل، بل جزء من الدية، وهو مجهول، وقضية ذلك أن لا يصح فيما ادعوه، ثم أطال ابن الرفعة في جواب ذلك ورد الأجوبة.
4709 -
قوله: (ومن له قصاص نفسٍ بسرايةِ طرفٍ لو عفا عن النفس .. فلا قطع له)(2) نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: المعتمد: أنه له القطع، وصرح به في " البسيط " فقال: فإن عفا عن النفس .. فله القطع؛ ويدل له نص الشافعي على أنه لو قطع مسلم يد مسلم فارتد المجروح ومات بالسراية .. أنه يقتص من الجاني المسلم في الطرف وإن كانت النفس قد سقط قصاصها (3)، فلم يجعل سقوط القصاص في النفس التي ماتت بالسراية مقتضيًا لسقوط القصاص في الطرف، قال شيخنا: وما ذكره " المنهاج " لم أره في كلام أحد قبل الرافعي إلا البغوي والخوارزمي (4)، وتعليل الرافعي بأن المستحق هو القتل، والقطع طريقه، وقد عفا عن المستحق مردود؛ فلا يتعين القطع في طريق القتل، بل له حز الرقبة ابتداء وقطع الطرف ثم حز الرقبة بعده (5).
4710 -
قوله: (ولو قطعه ثم عفا عن النفس مجانًا، فإن سرى القطع .. بان بطلان العفو، وإلا .. فيصح)(6) لا حاجة لقوله: (مجانًا) فإنه لا فرق بين العفو مجانًا أو على عوض غير الدية أو على ما بقي من الدية بعد المقطوع، وتبين بطلان العفو مبني على أن السراية تقع قصاصًا، وهو الذي في " المنهاج " كما تقدم، فإن قلنا بما حكاه ابن كج عن عامة الأصحاب، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه القياس أنها لا تقع قصاصًا .. فلا يتبين بطلانه، بل إن كان مجانًا .. فالسراية مهدرة، أو على عوض غير الدية أو على ما بقي من الدية .. استقر العوض.
(1) انظر " نهاية المطلب "(16/ 435، 436).
(2)
انظر " المنهاج "(ص 482).
(3)
انظر " الأم "(6/ 45).
(4)
انظر " التهذيب "(7/ 126).
(5)
انظر " فتح العزيز "(10/ 303).
(6)
انظر " المنهاج "(ص 482).
4711 -
قوله: (ولو وكل ثم عفا فاقتص الوكيل جاهلًا .. فلا قصاص عليه، والأظهر: وجوب دية)(1) قيده الماوردي بأن يكون على مسافة يمكن إعلام الوكيل بالعفو فيها، فلو كان على مسافة عشرة أيام وعفا الموكل قبل القصاص بخمسة أيام .. كان عفوه باطلًا لا حكم له (2).
قال شيخنا الإمام البلقيني: ومقتضاه: أن لا يجب على الوكيل الدية قطعًا، وهذا وإن لم يتعرض له غيره فتعليلهم قد يرشد إليه.
4712 -
قوله: (وأنها عليه لا على عاقلته)(3) يقتضى أن الخلاف في ذلك قولان، وعبر في " الروضة " بالأصح، ثم الوجهان مفرعان على قولنا: إنها مغلظة كما هو أظهر القولين، فإن قلنا: مخففة .. فهي على العاقلة (4).
4713 -
قوله: (والأصح: أنه لا يرجع على العافي)(5) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في " الروضة "(6)، لكنه في " شرح الرافعي " طريقان: قولان، والقطع بعدم الرجوع (7).
ورجح شيخنا الإمام البلقيني طريقة القطع، قال: وفي بعض نسخ " المنهاج ": (وأنه لا يرجع بها على العافي) فيكون من جملة ما الخلاف فيه قولان، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم ينسب الموكِل إلى تقصير في الإعلام، فإن نسب إلى تقصير .. فالأرجح: أن الوكيل يرجع عليه؛ لأنه لم ينتفع بشيء، بخلاف الزوج المغرور لا يرجع بالمهر على من غرّه في الأظهر؛ لانتفاعه بالوطء، وكذا إذا قدم طعامًا مغصوبًا ولم يقل: هو مغصوب .. فإن الآكل لا يرجع في الأظهر؛ لانتفاعه بالأكل.
4714 -
قوله: (ولو وجب قصاص عليها فنكحها عليه .. جاز وسقط، فإن فارق قبل الوطء .. رجع بنصف الأرش، وفي قول: بنصف مهر المثل)(8) أنكر شيخنا الإمام البلقيني هذا القول الثاني، وقال: لم أقف عليه في شيء من كتب الطريقين إلا في " تهذيب البغوي " ومن تبعه (9)، وهو شذوذ من البغوي مردود عليه خارج عن قاعدة المذهب؛ فإن المستحق للزوج عند الفراق قبل
(1) انظر " المنهاج "(ص 482).
(2)
انظر " الحاوي الكبير "(12/ 113).
(3)
انظر " المنهاج "(ص 482).
(4)
الروضة (9/ 248).
(5)
انظر " المنهاج "(ص 482).
(6)
الروضة (9/ 249).
(7)
فح العزيز (10/ 306، 307).
(8)
انظر " المنهاج "(ص 482).
(9)
التهذيب (7/ 130).
الدخول إنما هو بدل التالف لا بدل البضع، وقد نص في " الأم " على المسألة بعينها، وصرح بأنه يرجع بنصف الأرش (1).
قلت: ويوافقه ما في " أصل الروضة " فيما لو أصدقها تعليم سورة، فعلمها ثم طلقها قبل الدخول .. أنه يرجع عليها بنصف أجرة التعليم (2).
(1) الأم (6/ 17).
(2)
الروضة (7/ 307).