المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

الرافعي: وفي كل منهما إشكال، والمتوجه أن يقال: تسمع لإثبات الأرش في ذمته لا لتعلقه في رقبته (1).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يخرج منه أن الأصح: أنه لا تسمع الدعوى على العبد بذلك؛ لأن الأصح: أنه لا يتعلق بالذمة، والأصح: أنه لا تسمع الدعوى بالدين المؤجل، وهو قد خرج هذه على تلك، قال شيخنا: والذي نقوله: إن المتوجه أن تسمع الدعوى عليه ليقر بالأرش فيتعلق بذمته أو ينكل، ويرد اليمين على المدعي، فيحلف، فيتعلق الأرش بذمته، ولا يتفرع على سماع الدعوى بالدين المؤجل؛ لأن الدين المؤجل وقع التأجيل فيه بالتراضي من المتعاقدين وله أمد ينتظر، بخلاف ما في ذمة العبد في الأمرين معًا.

‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

مقتضى كلامهم: أن اليمين غير واجبة، وبه صرح في "النهاية" فقال: لا تجب اليمين قط، وأقره عليه الرافعي، وقال الشيخ عز الدين في "قواعده الكبرى": هذا ليس إطلاقه، بل يتعين الحلف حيث يؤدي تركه إلى تعاطي ما لا يباح بالإباحة؛ كالدماء والقروح والضرب في الحدود والتعازير ونحوها بخلاف الأموال والمنافع (2).

‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

؟ ]

6295 -

قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (تغلظ يمين مدع ومدعى عليه فيما ليس بمال ولا يقصد به مال، وفي مال يبلغ نصاب زكاة)(3) فيه أمور:

أحدها: أورد عليه الحقوق كالسرجين وكلب الصيد ونحوهما ليست مالًا ولا يقصد منها المال ومع ذلك لا تغليظ فيها، والوكالة في المال تغلظ مع أن المقصود منها المال، وفي "الوسيط" تبعًا "للنهاية": التغليظ يجري في كل ما له خطر مما لا يثبت برجل وامرأتين، وجرى في عيوب النساء؛ لأن ثبوتها بقول النساء لا لنقصان الخطر (4).

(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 188).

(2)

قواعد الأحكام إصلاح الأنام (2/ 59).

(3)

انظر "التنبيه"(ص 267)، و"الحاوي"(ص 690)، و"المنهاج"(ص 579).

(4)

نهاية المطلب (18/ 648، 649)، الوسيط (7/ 417).

ص: 739

وفي "الكفاية" عن الماوردي وغيره: تقييد التغليظ في غير المال بما لا يثبت إلا بشاهدين، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أن الضابط لذلك أن الذي لا يثبت بالشاهد واليمين .. يغلظ فيه، وما يثبت بشاهد ويمين .. ففيه التفصيل.

ثانيها: ظاهره اعتبار نصاب الزكاة في المدعى به، فإن ادعى بإبل .. لم يغلظ إلا في خمس، أو ببقر .. ففي ثلاثين، أو بغنم .. ففي أربعين، أو بمعشر .. ففي خمسة أوسق، وهو وجه حكاه الماوردي (1)، والذي في "أصل الروضة" اعتبار عشرين دينارًا أو مائتي درهم (2)، والمنصوص عليه في "الأم" و"المختصر": اعتبار عشرين دينارًا عينا أو قيمة (3).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه الأصح المعتمد، حتى لو كان المدعى به من الدراهم .. اعتبر بالذهب، قال: ويخرج من كلام الماوردي الاتفاق على عدم إلحاق نصاب الدراهم وحده بنصاب الدنانير، بل إما أن يلحق به كل النصب وإما أن يخص ذلك بالذهب.

ثالثها: لو اختلفا في الثمن فقال البائع: عشرون دينارًا وقال المشتري: عشرة .. فلا تغليظ هنا؛ لأن الذي يتعلق به التفويت أو الإثبات عشرة دنانير وإن كان جملة الثمن عشرين دينارًا، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقال لم أر من تعرض له.

رابعها: لم يذكروا حقوق الأموال كالخيار والأجل وحق الشفعة والرد بالعيب، وحكمها أنها إن تعلقت بمال هو نصاب .. غلظ فيها، وإلا .. فلا.

خامسها: يرد على تقييد المال ببلوغه نصابًا ما لو رأى القاضي جرأة في الحالف .. فله حينئذ التغليظ وإن نقص عن نصاب، ذكره في "أصل الروضة"(4).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي يظهر أن التغليظ بذكر الأسماء والصفات يفعله القاضي فيما دون النصاب وإن لم تظهر جرأة الحالف.

6296 -

قول "المنهاج"[ص 579]: (وسبق بيان التغليظ في اللعان) يقتضي أنه سبق فيه التغليظ بزيادة الأسماء والصفات أيضًا، وليس كذلك؛ فإنما سبق فيه التغليظ بالمكان والزمان؛ ولهذا قال "التنبيه" [ص 267]: (غلظ عليه اليمين بالمكان والزمان واللفظ، أما المكان والزمان .. فقد بيناه في اللعان، وأما اللفظ .. فهو أن يقول: والله الذي لا إله إلا هو، عالم الغيب والشهادة، الرحمن الرحيم، عالم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وإن كان يهوديًا، حلف بالله الذي أنزل

(1) انظر الحاوي الكبير (17/ 111).

(2)

الروضة (12/ 32).

(3)

الأم (7/ 34)، مختصر المزني (ص 308).

(4)

الروضة (12/ 32).

ص: 740

التوراة على موسى ونجاه من الغرق، وإن كان نصرانيًا .. حلف بالله الذي أنزل الإنجيل على عيسى، وإن كان مجوسيًا أو وثنيًا .. حلف بالله الذي خلقه وصوره، وإن اقتصر على الاسم وحده .. جاز) وسبق في اللعان التغليظ بحضور جمع أقله أربعة، قال الرافعي: ولم يذكروه هنا، ويشبه مجيئه في يمين تتعلق بإثبات حد أو دفعه كاللعان (1)، وصوب النووي عدم اعتباره هنا (2).

ومال إليه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، ومنع ما قاله الرافعي؛ فإن اللعان وقع فيه أمور معضلة خارجة عن القياس، وما خرج عن القياس لا يقاس عليه، قال: وحضور جمع أقله أربعة يناسب النصاب الذي يثبت به حد الزنا؛ فكان ينبغي في بحث الرافعي التغليظ بحضور اثنين.

6297 -

قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ويحلف على البت في فعله، وكذا فعل غيره إن كان إثباتًا)(3) أورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج" صورًا:

منها: اختلاف المتبايعين في قدم عيب .. يحلف البائع على البت أنه لم يأبق عنده مثلًا.

قلت: هو فعل عبده، فيحلف فيه على البت ولو كان نفيًا كما سيأتي.

ومنها: حلف مدعي النسب اليمين المردودة، فيحلف بتًا أنه ابنه ولا فعل له في النسب.

قلت: يرجع إلى الحلف على أنه ولد على فراشه، وهو إثبات، وقد عرف أن الحلف فيه على البت وإن لم يكن فعله.

ومنها: الإعسار، فيحلف فيه على البت، وليس فعل نفسه، وإنما هو صفة له.

قلت: بل هو نفي ملك نفسه زيادة على أمر مخصوص.

ومنها: حلف أحد الزوجين على عيب صاحبه اليمين المردودة، فهو على البت وإن لم يكن فعلًا لخصمه.

قلت: هو فعل الله تعالى به؛ فهو حلف على فعل غيره إثباتًا.

6298 -

قول "التنبيه" في الحلف على فعل غيره [ص 267]: (وإن كان على نفي .. حلف على نفي العلم) أورد عليه: أنه يحلف على نفي جناية بهيمته على البت قطعًا وعلى نفي جناية عبده على البت في الأصح، ذكرهما "المنهاج"(4)، وأورد في "تصحيحه" الأول بلفظ الصواب، والثاني بلفظ الأصح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 687]:(بتًا كما أجاب؛ كأرش جناية العبد، وإتلاف بهيمة قصَّر بتسريحها) ثم قال: (ونفي العلم لنفي فعل غيره)(5) ومقتضاه: أن فعل عبده

(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 190).

(2)

انظر "الروضة"(12/ 32).

(3)

انظر "التنبيه"(ص 267)، و"الحاوي"(ص 687)، و"المنهاج"(ص 579).

(4)

المنهاج (ص 579).

(5)

الحاوي (ص 690).

ص: 741

وبهيمته ليس فعل غيره، ووجهه في العبد: أنه ماله وفعله كفعله؛ ولذلك سمعت الدعوى عليه، وفي البهيمة: أنه لا ذمة لها، والمالك لا يضمن بفعل البهيمة، بل بتقصيره في حفظها، وذلك أمر يتعلق بنفس الحالف، وإليه أشار بقوله:(قصر بتسريحها).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج" وقوله: (قطعًا) قد لا يسلم له؛ ففي "الوسيط" ما يشعر بخلاف فيه؛ حيث قال: (فالظاهر أنه يلزمه)(1)، وأورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" مع ذلك مسائل عنها أجوبة كما قدمناه في الذي قبله؛ فلذلك لم أطول بذكرها، ثم قال: ومختصر هذا المبسوط: أن اليمين إن كانت في جانب المدعى عليه في الإثبات .. فعلى البت، أو في النفي والمطلوب بالدعوى لاقاه ابتداء، ويمكن اطلاعه على سبب الملاقاة حالة صدوره، وليس مما يغيب غالبًا عن المدعى عليه .. فالحلف فيه على البت وإن لم يلاقه ابتداء؛ لأنه وارث، أو لأنه لا تعلق له بالسبب المدعى به عند صدوره، أو لاقاه ابتداء لكن لا يمكن اطلاعه (2) على سبب الملاقاة، وليس من شأنه أن يشتهر؛ فالحلف فيه على نفي العلم، وإن كانت اليمين من جانب المدعي .. فهي على البت دائمًا، إلا إذا كانت لدفع معارض لا لإثبات المطلوب مع تصور الحلف فيه على نفي العلم، وفي "المطلب" ضبط مختصر، وهي أن كل يمين على البت إلا نفي فعل الغير قال: وقد قالها البندنيجي وغيره، واقتصر عليها في "الروضة"، وهي تنتقض بما إذا ادعى المودع التلف ولم يحلف .. فإن المذهب كما قاله الإِمام: أن المودع يحلف على نفي العلم، وقال شيخنا المذكور في حواشي "الروضة": الاختصار المعتبر أن يقال: يحلف على البت في كل يمين إلا فيما يتعلق بالوارث فيما ينفيه، وكذلك العاقلة بناء على أن الوجوب لاقى القاتل، ثم استثنى شيخنا المذكور من الخلاف في الحلف على نفي فعل عبده صورتين:

إحداهما: إذا كان العبد مجنونًا ضاريًا بطبعه كالبهيمة .. فعلى السيد حفظه، فإن قصر السيد فأتلف هذا الضاري شيئًا .. فهو كالبهيمة.

الثانية: إذا أمر عبده الذي لا يميز أو الأعجمي الذي يعتقد وجوب طاعه السيد في كل ما يأمره به .. فالجاني هو السيد ويحلف على البت قطعًا، ولا يأتي فيه ما تقدم في البهيمة؛ لوجود أمره المنزل منزلة فعله.

6299 -

قول "المنهاج"[ص 579]: (ولو ادعى دينًا لمورثه فقال: "أبرأني" .. حلف على نفي العلم بالبراءة) لا بد أن يضم إليه: (وأنت تعلم أنه أبرأني منه)، قال في "أصل الروضة":

(1) الوسيط (7/ 419).

(2)

في (ب)، (ج):(لكن يمكن اطلاعه)، والمثبت من (د). انظر "حاشية الرملي"(4/ 400).

ص: 742

كل ما يحلف المنكر فيه على نفي العلم يشترط في الدعوى عليه التعرض للعلم (1).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحل هذا: إذا علم المدعي أن المدعى عليه يعلم ذلك، فإن لم يعلم .. لم يسعه أن يقول: وهو يعلم ذلك، فإن قال الوارث: أستحق عليك ذلك .. حلف على إثبات الاستحقاق، وإن نكل .. ردت اليمين على مدعي البراءة، وإن كان له بينة بالبراءة .. أقامها وعمل بمقتضاها.

6300 -

قوله: (ويجوز البت بظن مؤكد يعتمد خطه أو خط أبيه)(2) فيه أمور:

أحدها: مقتضاه: البت إذا ظن ذلك برؤية خط نفسه وإن لم يتذكر، وهو مقتضى إطلاق "الحاوي" في قوله [ص 690]:(ويحل بظن خط)، ولم يقيده، وكذا في "أصل الروضة" هنا (3)، لكن فيها في الباب الثاني من القضاء في مستند القضاء: لو رأى بخط أبيه: لي على فلان كذا .. فله أن يحلف إذا وثق بخط أبيه وأمانته؛ لأنه لا يتوقع فيه يقين يتذكر، فلو وجد بخط نفسه: أن لي على فلان كذا أو أديت إليه دينه .. لم يجز الحلف حتى يتذكر (4).

قال في "التوشيح": وقد يقال: لا يتصور الظن المؤكد في خط نفسه ما لم يتذكر، بخلاف خط الأب؛ فلا إيراد.

ثانيها: قد عرفت من عبارة "الروضة" التي نقلناها أنه لا بد أن يكون موثوقًا بأمانة أبيه، وقد يفهم ذلك من لفظ الظن، ويقال: لا يحصل الظن إلا إذا كان بهذه الصفة، وعبارة الإِمام: أن يكون عدلًا (5).

ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": جواز البت بالظن المؤكد من خطه أو خط أبيه مخالف لظواهر نصوص "الأم" و"المختصر" وغيرهما؛ فإن فيها: (ولا يسع شاهدًا أن يشهد إلا بما علم، والعلم من ثلاثة وجوه: منها: ما عاينه، فيشهد بالمعاينة، ومنها: ما سمعه، فيشهد ما أثبت سمعًا من المشهود عليه، ومنها: ما تظاهرت به الأخبار مما لا يمكن في أكثره العيان وتثبت معرفته في القلوب، فيشهد عليه بهذا الوجه)(6)، ثم قال: وكذلك يحلف الرجل على ما يعلم بأحد هذه الوجوه مع شاهد، وفي رد يمين وغير ذلك، قال شيخنا: ففيه أنه لا يجوز اعتماد خطه وخط أبيه في الحلف؛ لأنه لا يجوز اعتماده في الشهادة.

(1) الروضة (12/ 35).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 579).

(3)

الروضة (12/ 36).

(4)

الروضة (11/ 159).

(5)

انظر "نهاية المطلب"(18/ 622).

(6)

الأم (7/ 90)، مختصر المزني (ص 304).

ص: 743

رابعها: أن ظاهر عبارته انحصار ذلك في خطه وخط أبيه، وليس كذلك، بل نكول خصمه مما يحصل به الظن المؤكد كما جزم به في "أصل الروضة"(1)، وعليه مشى "الحاوي" فقال بعد ما تقدم عنه [ص 690]:(وقرينة كنكول)، لكن نازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في ذلك؛ لأن الناكل قد ينكل عن اليمين تورعًا، فلا يسوغ لمجرد ذلك لخصمه الذي لا يعرف أن له حقًا عنده أن يحلف على أنه يستحق عليه ذلك، وهو ظاهر نص الشافعي رضي الله عنه المتقدم.

6301 -

قول "المنهاج"[ص 579]: (وتعتبر نية القاضي المستحلف، فلو ورَّى أو تأول خلافها أو استثنى بحيث لا يسمع القاضي .. لم يدفع إثم اليمين الفاجرة) فيه أمور:

أحدها: كذا تعتبر عقيدته، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 690]:(بنية القاضي واعتقاده) وفي قول "المنهاج"[ص 579]: (أو تأول خلافها) ما يشير إليه.

ثانيها: محل ذلك: إذا كان التحليف بالله تعالى، فإن كان القاضي يرى التحليف بالطلاق؛ كالحنفي، فحلف به .. نفعت التورية، ذكره النووي في "الأذكار" كما في "المهمات"، وليس في كلام النووي تصويرها بأن يرى القاضي ذلك، بل ظاهر كلامه يقتضي أن محله فيمن لا يراه؛ لأنه قال: لأنه لا يجوز للقاضي تحليفه بالطلاق، فهو كغيره من الناس (2).

ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": قوله: (وتعتبر نية القاضي المستحلف) عبارة ناقصة، وتمامها أن يقول:(الموافقة لظاهر اللفظ الواجب في الحلف) فلا أثر لنية تخالف ظاهر اللفظ الواجب في الحلف، فلو كان له دين بغير صك لم يقبضه ودين بصك قبضه، فأقام شاهدًا بالدين الذي بالصك وحلف معه، ونيته الحلف على الذي بلا صك ونية القاضي الذي بالصك .. فلا أثر لنية القاضي؛ لأن اللفظ الواجب في الحلف استحقاقه الدين المدعى به لا الدين الذي في الصك، وكذا حكم عين الرد والاستظهار، قال: وهذا مستمد مما لو جحد ما عليه من دين بغير صك وله عليه دين بصك قد قبضه وشهوده لا يعلمون قبضه .. فله أن يدعي ذلك الدين ويقيم البينة ويقبضه بدينه الآخر على الأصح في زيادة "الروضة" وفاقًا للهروي وخلافًا للقفال (3)، قال شيخنا: وفيه نظر؛ فإن المدعى عليه لو قال: إني قضيت ما في هذا الصك .. لم يكن للمدعي أن يحلف أنه لم يقبضه، وهذا يدل على التغاير، فلا ينبغي أن يتسامح في إقامة البينة بذلك حينئذ وإنما يتجه ذلك إذا لم يدع المدعى عليه ذلك، فحينئذ .. يحلف المدعي مع شاهد ويمين الاستظهار، وقصده بقوله: ما قبضه الدين الذي له في ذمته لا الذي بالصك.

(1) الروضة (12/ 36).

(2)

الأذكار (ص 304).

(3)

الروضة (12/ 7).

ص: 744

رابعها: قال شيخنا المذكور أيضًا: محله فيما إذا لم يكن الحالف محقًا في الذي نواه، فإن كان محقًا .. فالعبرة بنيته لا بنية القاضي، فإذا ادعى أنه أخذ من ماله كذا بغير إذنه، وسأل رده، وكان إنما أخذه في دين له عليه، فأجاب بنفي الاستحقاق، فقال خصمه للقاضي: حلفه أنه لم يأخذ من مالي شيئًا بغير إذني، وكان الحاكم يرى إجابته لذلك .. فللمدعى عليه أن يحلف أنه لم يأخذ من ماله شيئًا بغير إذنه وينوي بغير استحقاق، ولا يأثم بذلك، والعبرة هنا بنية الحالف المحق.

6302 -

قول "المنهاج"[ص 579]: (ومن توجهت عليه يمين لو أقر بمطلوبها لزمه فأنكر .. حُلِّف) فيه أمور:

أحدها: أنه مخالف لكلام "أصل الروضة" فإنه فسر فيها الحالف بأنه كل من يتوجه عليه دعوى صحيحة، ثم قال: وقيل:

فحكى ما في "المنهاج" حكايته الأوجه الضعيفة (1)، وعلى ما في "الروضة" مشى "الحاوي" فقال [ص 687]:(حلف من توجهت عليه) أي: الدعوى الصحيحة، لكن رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج" التفسير الذي في "المنهاج"، وهو المجزوم به في "الشرح الصغير"، إلا أن فيه خللًا سنذكره، ومال السبكي إلى أن المراد بالعبارتين شيء واحد، وقال: في عبارة الرافعي شيئان يقتضيان أنه لم يرد اختلاف المعنى:

أحدهما: قوله: (وقد قيل) فإنها ليست هي العبارة المألوفة في الخلاف.

والثاني: قوله: (ولا بد من استثناء صور عن هذا الضبط) وما قال: الضبطين (2).

قال: وشيء ثالث، وهو: أنه في "المحرر" اقتصر على العبارة الثانية، فلو كانت ضعيفة عنده .. لما اقتصر عليها. انتهى (3).

وتفسير "الروضة" الحالف بما تقدم أراد به: الحالف ابتداء، وهو المدعى عليه، ومن نزل من المدعين منزلة المدعى عليه كالأمناء، وأما أيمان القسامة واللعان .. فلا تدخل في ضابطه؛ لأن اليمين في جانب المدعين، ولم يتوجه إليهم دعوى تحقيقًا ولا تقديرًا، وكذلك الحالف مع شاهده والحالف يمين الرد لا يدخل في هذا الضابط.

ثانيها: قوله: (ومن توجهت عليه يمين) صوابه: (توجهت عليه دعوى) كذا صوبه الشيخ برهان الدين بن الفركاح، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن تعبيره باليمين وهم والتعبير بالدعوى هو الذي في "المحرر" و"الشرحين" و"الروضة" في التعبير عن الوجه الثاني (4)، ويلزم

(1) الروضة (12/ 37).

(2)

انظر "فتح العزيز"(13/ 200).

(3)

قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 117، 118) وانظر "المحرر"(ص 508).

(4)

المحرر (ص 508)، فتح العزيز (13/ 200)، الروضة (12/ 37).

ص: 745

على تعبير "المنهاج" اتحاد الشرط والجزاء، لكن صوب السبكي في "الحلبيات" تعبير "المنهاج" وقال: قد تطلب اليمين من غير دعوى كما إذا طلب القاذف يمين المقذوف أو وارثه على أنه ما زنا، وله غرض في أن لا يدعي الزنا حتى لا يصير قاذفا ثانيًا قال: لكن يحتاج أن يتأول توجهت عليه يمين، بمعنى: طلبت منه، أو يقال: لما ثبت أن اليمين على المدعى عليه، فتوجه الدعوى يقتضي توجه اليمين بمعنى وجوبها، فمعنى توجهت عليه يمين: وجبت، وأما توجه الدعوى .. فمعناه: إلزامها، قال: وأما قول "المنهاج": (فأنكر) فإنه غير متضح؛ لأن الإنكار يكون بعد الدعوى لا بعد طلب اليمين، إلا أن يريد أنه صمم على الإنكار. انتهى (1).

ثالثها: يستثنى من هذه القاعدة صور ذكر "المنهاج" منها ثلاثًا فقال [ص 579]: (ولا يحلف قاض على تركه الظلم في حكمه، ولا شاهد أنه لم يكذب، ولو قال مدعى عليه: "أنا صبي" .. لم يحلف، وَوُقِفَ حتى يبلغ)، وذكر "الحاوي" الأوليين وأربعًا معهما، فقال [ص 687]:(لا في حد الله تعالى، والقاضي وإن عُزِل، والشاهد، والوصي، والقيم، ومنكر الوكالة) أي: منكر أن المدعي وكيل صاحب الحق، وعدم تحليف القاضي بعد العزل مخالف "لتصحيح المنهاج" كما تقدم في القضاء.

ويستثنى من أن مدعي الصبا لا يحلف: ما إذا وقع في السبي من أثبت، فادعى عليه أنه بالغ، فأنكر، وقال: استعجلته بالدواء، وقلنا: إن الإثبات دليل البلوغ في حق الكفار وهو الأظهر .. فإنه يحلف على المنصوص المعتمد.

وبقي عليهم صور أخرى:

منها: السفيه في إتلاف المال؛ فلا يحلف على الأصح في باب القسامة.

ومنها: منكر العتق إذا ادعى على من هو في يده أنه أعتقه وآخر أنه باعه منه، فأقر بالبيع .. فإنه لا يحلف للعبد؛ إذ لو رجع .. لم يقبل ولم يغرم.

ومنها: ما إذا ادعت الجارية الوطء وأمية الولد وأنكر السيد أصل الوطء .. فالصحيح في "أصل الروضة": أنه لا يحلف (2).

لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الصواب: أنه يحلف سواء أكان هناك ولد أم لم يكن، وصوب السبكي حمل ما في "الروضة" وغيرها على ما إذا كانت المنازعة لإثبات النسب، فإن كانت لأمية الولد ليمتنع من بيعها وتعتق بعد الموت .. فيحلف، قال: وقد قطعوا بتحليف السيد إذا أنكر الكتابة، وكذا إذا أنكر التدبير وقلنا: ليس إنكاره رجوعًا، قال وفي كلام الرافعي في

(1) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 119: 121).

(2)

الروضة (8/ 440).

ص: 746

"الشرح" في آخر الفصل ما يزيل الإبهام عند قوله: [ويشبه](1). انتهى (2).

ومنها: ما إذا ادعى من عليه الزكاة ظاهرًا مسقطًا .. فإنه لا يحلف إيجابًا على الأظهر، مع أنه لو أقر بمطلوب الدعوى .. ألزم.

6303 -

قول "المنهاج"[ص 579]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 690]: (واليمين تفيد قطع الخصومة في الحال لا براءة، فلو حلَّفه ثم أقام بينة .. حكم بها) استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا أجاب المدعى عليه الوديعة بنفي الاستحقاق، وحلف على ذلك، فإن هذا الحلف يفيد البراءة، حتى لو أقام المدعي بينة بأنه أودعه الوديعة المذكورة .. لم يكن لها أثر؛ فإنها لا تخالف ما حلف عليه من نفي الاستحقاق.

6304 -

قول "المنهاج"[ص 579]: (ولو قال المدعى عليه: "قد حلفني مرة فليحلف أنه لم يحلفني" .. مكن في الأصح) محله: ما إذا قال: حلفني عند قاض آخر، أو أطلق، أما إذا قال: عندك؛ فإن حفظ القاضي ذلك .. لم يحلفه، ومنع المدعي ما طلبه، وإن لم يحفظه .. حلفه، ولا ينفعه إقامة البينة عليه في الأصح؛ لأن القاضي متى تذكر حكمه .. أمضاه، وإلا .. فلا يعتمد البينة.

6305 -

قوله: (وإذا نكل .. حلف المدعي وقُضِي له)(3) محله فيما إذا أمكن حلفه: بأن يكون معينًا، قال في "التنبيه" [ص 266]:(فإن كان الحق لغير معين كالمسلمين والفقراء .. حبس المدعي حتى يحلف أو يعطي، وقيل: يقضى عليه بالنكول) وذكر شيخنا الإسنوي في "التنقيح": أن هذا مخالف لما في كتب الرافعي والنووي؛ فإن الأصح فيها: أن الحق يؤخذ منه، وقال في "الشرح" و"الروضة": إنه الأصح الأشهر (4)، وقال في "تصحيح التنبيه": الأصح: استيفاء الحق من المدعى عليه إذا نكل عن اليمين وكان الحق لغير معين على عكس ما في "التنبيه" من كونه يحبس. انتهى.

وما ذكره شيخنا المذكور في كتابيه المذكورين وهم، وإنما في "الروضة": أن هذا الأصح الأشهر فيما إذا طولب بزكاة فادعى مسقطًا، وألزمناه اليمين فنكل، وسيأتي، قال في "أصل الروضة": قال الجمهور: ليس حكمًا بالنكول، لكن مقتضى ملك النصاب ومضي الحول

(1) في (ب)، (د):(ونسبه)، والمثبت من (ج)، و"فتح العزيز"(9/ 548)، و"قضاء الأرب في أسئلة حلب"(ص 124).

(2)

في حاشية (ج): (قال السبكي: ولو صح هذا الإبهام .. لكانت هذه المسألة تستثنى من الضابطين جميعًا). انظر "قضاء الأرب في أسئلة حلب"(ص 123، 124).

(3)

انظر "المنهاج"(ص 579).

(4)

فتح العزيز (13/ 215)، الروضة (12/ 48).

ص: 747

الوجوب، فإذا لم يثبت دافع .. أخذنا الزكاة (1)، وقال بعد ذلك: الأصح في مسألة من لا وارث له؛ أي: إذا ادعى القاضي أو منصوبه دينًا له على رجل وجده في تذكرته، فأنكر المدعى عليه ونكل .. أنه لا يقضي بالنكول، بل يحبس ليحلف أو يقر، قال: وإنما حكمنا فيما قبلها بالمال؛ لأنه سبق أصل يقتضي الوجوب ولم يظهر دافع (2)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 691]:(وحبس في دين من لا وارث له ليقر أو يحلف).

6306 -

قول "المنهاج"[ص 579]: (والنكول: أن يقول: "أنا ناكل"، أو يقول له القاضي: "أحلف"، فيقول: "لا أحلف") و"الحاوي"[ص 690]: (فإن نكل بأن قال: "لا أحلف"، أو "أنا ناكل") يرد على الحصر ما لو قال له: قل: بالله، فقال: بالرحمن؛ ففي "أصل الروضة": أنه نكول، ذكره في القاعدة الثانية أنه يشترط كون اليمين مطابقة للإنكار، قال: ولو قال: قل: بالله، فقال: والله، أو تالله .. فهل هو نكول كالصورة الأولى، أم لا؛ لأنه حلف بالاسم الذي حلفه به؟ وجهان، ويجريان فيما لو غلظ عليه باللفظ وامتنع واقتصر على قوله: والله، وفيما لو أراد التغليظ بالزمان والمكان فامتنع، قال القفال في امتناعه من التغليظ اللفظي: الأصح: أنه ناكل؛ لأنه ليس له رد اجتهاد القاضي، وقطع بعضهم بأنه ناكل في الامتناع من المكاني والزماني دون اللفظي (3).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فيما لو قال: قل: بالله، فقال: والله .. الأصح: أنه لا يكون ناكلًا، نص عليه، وقال: في كلام "أصل الروضة" في العدول عن قول القاضي: والله، إلى: والرحمن، أنه يشعر بأن القاضي لو حلفه ابتداء بالرحمن .. كان كافيًا، وليس كذلك، بل يتعين الحلف بالله، ولا يعتد بقول القاضي: قل: والرحمن، قال: ولم أر من تعرض له، ولا بد منه، وقال أيضًا: الأرجح عندنا خلاف ما صححه القفال؛ لأن التغليظ بذلك ليس واجبًا، فلا يكون الممتنع منه ناكلًا، وقد تفهم عبارة "المنهاج" الاكتفاء في النكول بقوله:(أنا ناكل) وإن لم يقل له القاضي: احلف، وليس كذلك، ولا يرد ذلك على "الحاوي".

وعبارة " المحرر": (وإنما يحصل النكول بأن يعرض القاضي اليمين عليه فيمتنع، وفسر العرض بأن يقول: قل: والله، والامتناع بأن يقول: لا أحلف، أو أنا ناكل) فاعتبر العرض فيهما، وفسر بأن يقول: قل والله، وعدل عنه "المنهاج" إلى قوله:(احلف)، وهذه مسألة

(1) الروضة (12/ 48).

(2)

الروضة (12/ 50).

(3)

الروضة (12/ 34).

ص: 748

مختلف فيها؛ ففي "أصل الروضة" عن البغوي: أنه ليس بنكول، وعن الإِمام: أنه نكول، قال: وهو أوضح (1).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس كذلك؛ لأن قول القاضي للمدعى عليه: (احلف) يحتمل الحلف بالطلاق؛ لأن من القضاة من يحلف بالطلاق، فلا يلزم من الامتناع في اللفظ المحتمل للطلاق أن يكون ممتنعًا لو قال له: احلف بالله، أو قل: والله.

6307 -

قول "المنهاج"[ص 580]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 690]: (فإن سكت .. حكم القاضي بنكوله) فيه أمور:

أحدها: محله: إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة أو غباوة ونحوهما، ويستحب للقاضي أن يعرض اليمين على المدعى عليه ثلاث مرات، والاستحباب فيما إذا سكت أكثر منه فيما إذا صرح بالنكول، ولو تفرس فيه سلامة جانب .. شرح له حكم النكول (2)، قال في "الحاوي" [ص 691]:(ندبًا)، وفي "المهمات" عن الماوردي الوجوب، وعن الروياني وتبعه في "الكفاية" الاستحباب، فإن لم يشرح وحكم بأنه ناكل، فقال المدعى عليه: لم أعرف حكم النكول .. ففي نفوذ الحكم احتمالان للإمام، أصحهما: النفوذ (3)، وكان من حقه أن يسأل ويعرف قبل أن ينكل (4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 691]:(وإن قضي به وقال: لا أعرف حكمه).

وفي "المهمات" أن مقتضى كلام الإِمام: أن محل الاحتمالين مع علم القاضي بأنه لا يدري حكم النكول، ومقتضى كلام الغزالي أن محلهما عند جهل القاضي بحاله.

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح عندنا: أن القاضي لا يقدم على الحكم مع معرفته أن المدعى عليه لا يدري أن امتناعه يوجب رد اليمين، بل على القاضي إعلامه، فإن لم يعلمه وحكم بنكوله .. لم ينفذ حكمه، فإن غلب على ظنه أنه يدري (5) .. ففيه احتمال، والأرجح: أنه لا ينفذ أيضًا؛ لأنه يمكنه إزالة المحتمل بإظهار حكم النكول (6).

ثانيها: أفهم كلامه أنه لا يحتاج مع تصريحه بالنكول إلى حكم القاضي بنكوله، وبه صرح في "المحرر"(7)، وعليه يدل قول "التنبيه" [ص 254]: (وإن قال المدعى عليه بعد النكول: أنا

(1) الروضة (12/ 44)، وانظر "نهاية المطلب"(18/ 660).

(2)

انظر "الروضة"(12/ 44).

(3)

انظر "نهاية المطلب"(18/ 660).

(4)

انظر "الروضة"(12/ 44).

(5)

في (د): (لا يدري).

(6)

انظر "حاشية الرملي"(4/ 405).

(7)

المحرر (ص 509).

ص: 749

أحلف .. لم يسمع)، وحكاه في "أصل الروضة" عن الإِمام وغيره (1)، وإنما قاله الإِمام من عنده لا نقلًا، وخالفه في الإقرار، فقال: لو بدأ منه النكول ثم عاد فرغب .. فله أن يحلف قبل جريان القضاء بنكوله، ثم قال: فالتعويل إذًا على القضاء بالنكول (2).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأرجح؛ لأنه مختلف فيه، فلا بد فيه من الحكم في محل الاجتهاد، ويوافقه قول القاضي حسين والبغوي: لو هرب الناكل قبل الحكم بنكوله .. لم يكن للمدعي أن يحلف يمين الرد، وحكاية الماوردي خلافًا في أنه هل يفتقر إلى حكم القاضي بالنكول قبل رد اليمين أم لا؟ لأن ردها عليه حكم بالنكول، قال في "المطلب": وحاصله أنه لا بد من القضاء بالنكول، لكن صريحًا أو ضمنًا.

ثالثها: ظاهره اعتبار مطلق السكوت، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أن المعتبر أن يمضي من سكوته زمن يسع قوله: لا أحلف، أو أنا ناكل.

رابعها: مقتضاه: أنه لا يتمكن من الحلف بعد الحكم بنكوله، وهو كذلك، إلا أن يرضى المدعي بحلفه .. فله ذلك في الأصح، وقد ذكره "الحاوي"(3).

6308 -

قول "المنهاج"[ص 580]: (واليمين المردودة في قول كبينة) يعني به: مجموع النكول واليمين المردودة، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" هذا القيد مقيد بقيود نذكرها في معرض التنبيهات:

الأول: أنها كالبينة في حق المدعى عليه؛ فلا يتعدى لثالث في الأصح.

الثاني: أنها ليست كالبينة في حد الزنا.

الثالث: أن يكون الحلف في المردودة على الإثبات، فلو كان على النفي كما في مثالين:

أحدهما: الرد من المدعي كالموح ونحوه ممن يصدق في الرد إذا رد اليمين على المودع فحلف على أنه لم يرد عليه شيئًا .. لم يكن كالبينة؛ لأن البينة لا تسوغ بالنفي في مثل هذا، بل هي كالإقرار قطعًا.

المثال الثاني: لو قال المديون لصاحب الدين: أبرأتني من دينك، أو قضيته، فأنكر ونكل، فحلف المدعي .. اتجه أنه كالإقرار؛ لأن البينة لا تسوغ بالنفي في مثل هذا، قال: ولم أر من تعرض له، بل كلامهم فيما لو أقام مدعي الإبراء أو الأداء بينة به بعد نكوله عن اليمين، وحلف المدعي يخالف هذا.

(1) الروضة (12/ 44).

(2)

انظر "نهاية المطلب"(7/ 88).

(3)

الحاوي (ص 691).

ص: 750

قلت: هذا المثال الثاني ليست يمين الرد فيه على النفي، بل على الإثبات، والله أعلم.

ثم قال الشيخ: الرابع: أنها ليست كالبينة بالنسبة لتعارضها مع البينة التحقيقية، بل تقدم البينة التحقيقية عليها على الصواب خلافًا للشيخ أبي على؛ حيث جعله من تعارض البينتين، قال الإِمام: وهو على نهاية البعد (1)، قال شيخنا: ومذهب الشافعي أنها كالبينة الكاملة، ولو كانت كالناقصة .. لاختصت بما يثبت بشاهد ويمين.

6309 -

قوله: (وفي الأظهر: كإقرار المدعى عليه)(2) و"الحاوي"[ص 691]: (وحلفه كإقراره) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يقيد بقيدين هما تنبيهان على هذا القول:

أحدهما: أن هذا في غير حد الزنا كما تقدم في التفريع على القول الآخر.

ثانيهما: أنه لا ينزل منزلة الإقرار الحقيقي في إبطال البينة الشاهدة للمدعى عليه بما يخالف إقراره الحقيقي كما سيأتي.

6310 -

قوله: (فلو أقام المدعى عليه بعدها بينة بأداء أو إبراء .. لم تسمع)(3) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": كذا في "الروضة" وأصلها (4)، وهو شيء انفرد به القاضي حسين، وهو ضعيف والأصح: سماعها؛ لأن قولنا: إنه كالإقرار أمر تقديري، والبينة شهدت بأمر تحقيقي، فيعمل بمقتضاها، وقد ذكره بعد ذلك في "أصل الروضة" على الصواب في الباب الخامس في فروع أكثرها عن ابن سريج، فقال: فلو لم تكن بينة ونكل الداخل عن اليمين، فحلف الخارج وحكم له، ثم جاء الداخل ببينة .. سمعت على الصحيح كما لو أقامها بعد بينة الخارج، وقيل: لا تسمع بناء على أن اليمين المردودة كالإقرار. انتهى (5).

ونص على ذلك الشافعي فقال: (فيما إذا غصب جارية وهلكت في يده واختلفا في القيمة

فالقول قول الغاصب بيمينه، فإذا قال الغاصب: لا أحلف .. قلنا: فَرُدّ اليمين عليه، فيحلف ويستحق ما ادعى، فهذا حلف المدعي وجاء المدعى عليه ببينة على أقل مما حلف المدعي أعطيتاه بالبينة، وكانت البينة أولى من اليمين الفاجرة) (6)، قال شيخنا: وتعليل الشافعي يقتضي أنه لم يفرعه على أن اليمين المردودة كالبينة.

(1) انظر "نهاية المطلب"(19/ 115).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 580).

(3)

انظر "المنهاج"(ص 580).

(4)

فتح العزيز (13/ 211)، الروضة (12/ 45).

(5)

الروضة (12/ 61).

(6)

انظر "الأم"(3/ 253).

ص: 751

6311 -

قوله: (فإن لم يحلف المدعي ولم يتعلل بشيء .. سقط حقه من اليمين)(1) ظاهره سقوط حقه من اليمين المردودة وغيرها في هذا المجلس وغيره، وكذا يقتضيه قول "الحاوي" [ص 691]:(فإن أخر أو بشاهد .. لم يحلف)، لكن قال في "التنبيه" [ص 254]:(وإن قال المدعي بعد النكول: أنا أحلف .. لم يسمع، إلا أن يعود في مجلس آخر ويدعي وينكل المدعى عليه)، وحكاه في "أصل الروضة" عن العراقيين والهروي والروياني، ثم حكى عن الإِمام والغزالي والبغوي: أنه لا يتمكن من ذلك، ولا ينفعه بعده إلا البينة، قال: وهو أحسن وأصح؛ لئلا تتكرر دعواه في القضية الواحدة (2)، وعبارة الرافعي أحسن وأقوى (3)، وفي "الشرح الصغير": إنه الأظهر، وفي "أصل الروضة" في الباب الرابع في الشاهد مع اليمين: لو لم يحلف المدعي مع شاهده وطلب يمين الخصم .. فله ذلك، فإن حلف .. سقطت الدعوى، قال ابن الصباغ: وليس له أن يحلف بعد ذلك مع شاهده، بخلاف ما لو أقام بعد يمين المدعى عليه بينة .. فتسمع، وإن نكل المدعى عليه فأراد المدعي يمين الرد .. مكن منها على الأظهر، ويجري القولان فيما لو ادعى مالًا ونكل المدعى عليه ولم يحلف المدعي يمين الرد ثم أقام شاهدًا واحدًا وأراد أن يحلف معه؛ فإن قلنا: ليس له أن يحلف يمين الرد .. فالمنقول: أنه يحبس المدعى عليه حتى يحلف أو يقر؛ لأن يمينه حق المدعي، فلا يتمكن من إسقاطها، لكن التقصير منه حيث لم يحلف مع شاهده، فينبغي أن لا يحبس المدعى عليه، وقد ذكر ابن الصباغ نحو هذا، ولو أن المدعي بعد امتناعه من الحلف مع شاهده واستحلافه الخصم أراد أن يعود فيحلف مع شاهده .. نقل المحاملي: أنه ليس له ذلك؛ لأن اليمين صارت في جانب صاحبه، إلا أن يعود في مجلس آخر فيستأنف الدعوى ويقيم الشاهد، فحينئذ .. يحلف معه. انتهى (4).

قال في "المهمات": وحاصله أن الراجح خلاف قول المحاملي؛ لأن الراجح خلاف ما ذهب إليه العراقيون كما تقدم، ومحله: إذا لم يحلف المدعى عليه اليمين المردودة ولا نكل عنها، فإن حلف .. انقطعت الخصومة، وإن نكل .. حلف على الأظهر كما يقتضيه كلام الرافعي في آخر القسامة. انتهى.

ونص الشافعي على المسألة فقال في "المختصر": (وإن حلف المدعى عليه أو لم يحلف ونكل المدعي وأبطلنا يمينه ثم جاء بشاهدين أو بشاهد .. حلف مع شاهده وأخذنا له بحقه)(5)،

(1) انظر "المنهاج"(ص 580).

(2)

الروضة (12/ 46).

(3)

فتح العزيز (13/ 212).

(4)

الروضة (11/ 279).

(5)

مختصر المزني (ص 309).

ص: 752

والأصح في القسامة: أنه لو ادعى قتلًا في غير محل لوث ونكل المدعى عليه عن اليمين ونكل المدعي عن اليمين المردودة ثم ظهر لوث .. أنه يحلف، وفي "الأم":(ومن كانت له اليمين على حق مع شاهده .. قيل له: إن حلفت .. استحققت، وإن امتنعت عن اليمين .. سألناك لم تمتنع؟ فإن قلت: لآتي بشاهد آخر .. تركناك حتى تأتي به فتأخذ حقك بلا يمين، أو لا تأتي به .. فنقول: احلف وخذ حقك، وإن امتنعت بغير أن تأتي بشاهد أو تنظر في أصل كتاب لك أو لسبب ما .. أبطلنا حقك في اليمين، لا في الشاهد الآخر ولا الأول)(1).

6312 -

قول "المنهاج"[ص 580]: (وليس له مطالبة الخصم) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مقيد بقيدين:

أحدهما: أن يكون حلف المدعي يثبت له حقًا يأخذه من المدعى عليه، فإن كان حلفه يسقط حقًا - يعني: للمدعى عليه - فإنه إذا نكل عن اليمين .. فله مطالبة خصمه بالحق الذي ادعى به؛ كما إذا ادعى على شخص ألفًا من ثمن خمر مبيع فقال: أقبضته لك، فأنكر البائع .. فالقول قوله بيمينه في عدم القبض، فإن حلف .. استحق الألف، وإن نكل وحلف المشتري .. انقطعت الخصومة، وإن نكل المشتري عن اليمين أيضًا وهو المدعي للقبض .. فالصحيح في "أصل الروضة" في الشركة: أن المشتري يلزم بالألف (2)، قال الرافعي: وليس هذا حكمًا بالنكول، وإنما هو مؤاخذة له بإقراره بلزوم المال بالشراء ابتداء (3).

ثانيهما: أن لا يكون هناك حق لله تعالى مؤكد يسقط عن المدعي بحلفه، فإن كان .. لم يسقط بنكول المدعي؛ كما إذا ولدت وطلقها ثم اختلفا، فقال الزوج: ولدت ثم طلقتك فعليك عدة الطلاق، وقالت: ولدت بعد الطلاق فانقضت عدتي .. فالقول قول الزوج بيمينه، فإن حلف .. فعليها العدة، وإن نكل وحلفت هي .. فلا عدة عليها، وإن نكلت .. فعليها العدة كما في "أصل الروضة" في العدد، ثم حكى عن الأصحاب: أنه ليس قضاء بالنكول، بل الأصل بقاء النكاح وآثاره، فيعمل بهذا الأصل ما لم يظهر دافع (4).

6313 -

قول "الحاوي"[ص 690]: (ويمهل بطلبه ثلاثة، لا خصمه) محله فيما إذا استمهل لسبب، وإلا .. فهو ناكل؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 580]:(وإن تعلل بإقامة بينة أو مراجعة حساب .. أمهل ثلاثة أيام، وقيل: أبدًا) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله في غير

(1) الأم (6/ 258).

(2)

الروضة (4/ 287).

(3)

انظر "فتح العزيز"(5/ 199).

(4)

الروضة (8/ 383).

ص: 753

ما فيه حق مؤكد لله تعالى؛ فإنه بعد ثبوته لا يسقط بالتراضي من الآدميين، فإذا قال في صورة العدة التي ذكر الزوج فيها أن الولادة سبقت الطلاق: إن الأمر كما قالت المرأة من تقدم الطلاق على الولادة .. لم يسمع منه؛ لأنه قد ادعاه والقول قوله فيه، فلا يقبل رجوعه عنه، قال: وأظهر من ذلك: لو ادعت المجبرة أن بينها وبين زوجها محرمية وقلنا: القول قولها بيمينها وهو المرجح؛ فإذا نكلت عن اليمين .. حلف الزوج اليمين المردودة، فإذا نكل عنها .. حكم بالفرقة كما سبق في صورة العنة.

6314 -

قول "المنهاج"[ص 580]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 691]: (وإن استمهل المدعى عليه حين استحلف لينظر حسابه .. لم يمهل) لا يخفى أن محله: إذا لم يرض المدعي، فإن رضي .. جاز.

6315 -

قول "المنهاج"[ص 580]: (وإن استمهل في ابتداء الجواب .. أمهل إلى آخر المجلس)، عبارة "المحرر":(ذكر أنه يمهل)(1)، وحكاه في "الروضة" وأصلها عن الهروي: إن شاء (2)، يعني: المدعى عليه، وهو تأكيد غير محتاج إليه؛ فإنه ما استمهل إلا وهو يشاء ذلك، وإن كان مراده إن شاء المدعي .. فلا فائدة فيه؛ لأن المدعي إذا شاء ترك الطلب .. لم يعترض عليه.

وقال في "التعليقة على الحاوي": إن شاء القاضي.

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا شيء لم يقله الشافعي ولا أحد من أصحابه إلا الهروي، وهو مخالف لما يظهر من كلام الشافعي وأصحابه ولمقتضى القواعد؛ فإن الدعوى توجهت إليه، فيحتاج إلى الجواب على الفور، والإمهال إلى آخر المجلس توقيت لا دليل عليه، وهو غير منضبط؛ فإن المجلس يطول ويقصر، وقد يكون للمدعي شهود يخاف موتهم أو غيبتهم. انتهى.

ويوافق ذلك قول "التنبيه"[ص 255]: (وإن قال: لي حساب وأريد أنظر فيه .. لم يلزم المدعي إنظاره) فإنه شامل لاستمهاله في الجواب وفي اليمين.

6316 -

قول "المنهاج"[ص 580]: (ومن طولب بزكاة فادعى دفعها إلى ساع آخر أو غلط خارص وألزمناه اليمين) أشار به إلى خلاف فيما إذا ادعى مسقطًا واتهمه الساعي .. فيحلفه وجوبًا أو استحبابًا، وقد ذكر ذلك "التنبيه" في قسم الصدقات فقال [ص 61]:(وإن قال: بعته ثم اشتريته ولم يحل عليه الحول وما أشبه ذلك مما يخالف الظاهر .. حلف عليه، وقيل: يحلف استحبابًا)

(1) المحرر (ص 509).

(2)

فتح العزيز (13/ 214)، الروضة (12/ 47).

ص: 754

والتحليف استحبابًا هو الذي صححه النووي ثم قال "التنبيه"[ص 61]: (وإن قال: لم يحل عليه الحول بعد وما أشبه ذلك مما لا يخالف الظاهر .. حلف استحبابًا) وظهر بذلك أن المذكور في "المنهاج" هنا مفرع على الضعيف؛ فإن الأصح: أنا لا نلزمه اليمين لاستحبابها، وكذلك قول "الحاوي" [ص 691]:(وأخذت الزكاة والجزية في الإِسلام قبل السنة) هو في الزكاة مفرع على الضعيف.

وقول "المنهاج"[ص 580]: (وتعذر رد اليمين) أي: بأن لا ينحصر المستحقون في البلد، أو ينحصروا ويجوز النقل؛ فإن الرد على السلطان أو الساعي متعذر، فأما إذا انحصروا ومنعنا النقل .. فإن اليمين لا يتعذر ردها عليهم.

وقوله: (فالأصح: أنها تؤخذ منه)(1) قال الأكثرون: ليس ذلك حكمًا بالنكول، ولكن مقتضى ملك النصاب ومضيّ الحول: وجوب الزكاة، فإذا لم يأت بدائع .. أخذت بمقتضى الأصل، ولو عدل "المنهاج" عن هذا المثال إلى مثال الجزية - وهو ما إذا قال: أسلمت قبل تمام السنة، وقال العامل: بعد تمامها - .. لكان التفريع فيه جاريًا على الأصح؛ فإن الأصح: أنه يحلف إيجابًا، وأنه إذا نكل .. يقضي عليه بالجزية.

6317 -

قول "المنهاج"[ص 580]: (ولو ادعى ولي صبي دينًا له فأنكر ونكل .. لم يحلف الولي، وقيل: يحلف، وقيل: إن ادعى مباشرة سببه .. حُلِّف) قال في "أصل الروضة": ميل الأكثرين إلى ترجيح المنع من الأوجه الثلاثة، ولا بأس بوجه التفصيل، وقد رجحه أبو الحسن العبادي، وبه أجاب السرخسي في "الأمالي"(2).

وعلى التفصيل مشى "الحاوي" فقال [ص 690]: (لا الولي فيما لا بتصرفه كدعواه إتلاف مال الطفل) وهو الذي في "المنهاج" في الصداق، فقال [ص 402]:(ولو اختلف في قدره زوج وولي صغيرة أو مجنونة .. تحالفا في الأصح)، وكذا في "الروضة" وأصلها هناك (3).

وقال في "المهمات": وعليه الفتوى؛ فقد نص عليه في "الأم" فقال بعد ذكره تحالف الزوجين عند اختلافهما في الصداق: (وهكذا إذا اختلف الزوج وأبو الصبية البكر)(4).

وشاحح شيخنا الإِمام البلقيني "المنهاج" في قوله: (وقيل: ان ادعى مباشرة سببه) وقال: المعتبر ادعاء الدين بسبب باشره، وعبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: ادعى ثبوته بسبب باشره (5).

(1) انظر "المنهاج"(ص 580).

(2)

الروضة (12/ 50).

(3)

فتح العزيز (8/ 337)، الروضة (7/ 326).

(4)

الأم (5/ 72).

(5)

المحرر (ص 509)، فتح العزيز (13/ 217)، الروضة (12/ 49).

ص: 755