الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَرْعٌ [في دية المعاني]
4767 -
قولهم: (في العقل دية)(1) كذا أطلقوه، وقال المتولي: ذلك إذا تحقق الزوال وعدم العود بقول أهل الخبرة، فإن توقع عوده .. انتظر، فإن مات .. ففي الدية وجهان كسن المثغور، كذا في "الروضة" وأصلها عنه (2)، وصوابه: كسن غير المثغور، وسيأتي في النطق ما يوافقه، لكن سيأتي في السمع أنه إنما ينتظر إذا قذر أهل الخبرة لعوده مدة، وأن الإمام استثنى: ما إذا قدروا مدة يغلب على الظن انقراض العمر قبل فراغها، وقال: الوجه: ألَاّ ينتظر هذه المدة، بل تؤخذ الدية (3).
4768 -
قول "التنبيه"[ص 225]: (فإن نقص ما يعرف قدره؛ بأن يجن يوماً ويفيق يوماً .. وجب بقسطه) يقتضي أنه لا يعرف قدره إلا بالزمان، لكن في "الروضة" وأصلها: أنه قد يتأتى بغير الزمان؛ بأن يقابل صواب قوله ومنظوم فعله بالخطأ المطروح منهما، وتعرف النسبة بينهما .. فيجب قسط الزائل (4).
واستبعده شيخنا الإمام البلقيني: بأن الأفعال والأقوال لا تنضبط، بخلاف الزمان.
4769 -
قوله: (فإن ذهب العقل بجناية لا أرش لها مقدر .. دخل أرش الجناية في دية العقل)(5) قال في "الكفاية": لم يوافقه عليه أحد من المصنفين إلا القاضي حسين في "تعلقيه"، وقد حكاه عنه الإمام، وقال: إنه ليس بشيء (6)، والجمهور على خلافه حكوا القولين في الصورتين ما إذا كان أرش الجناية مقدراً، وما إذا كان غير مقدر، والأصح فيهما: عدم الدخول، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 486]:(فإن زال بجرح له أرش أو حكومة .. وجبا، وفي قول: يدخل الأقل في الأكثر)، وقوله:(له أرش) أي: مقدر؛ فإن الحكومة أيضاً أرش، لكنه غير مقدر.
لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني طريقه "التنبيه"، وقال: إنها ظاهر نص "الأم"(7)، وفي كلام الشيخ أبي حامد ما يقتضيها، وعكس في "الروضة" وأصلها هذه الطريقة وهما، فقال:
(1) انظر"التنبيه"(ص 225)، و"الحاوي"(ص 559)، و"المنهاج"(ص 485).
(2)
فتح العزيز (10/ 386، 387)، الروضة (9/ 289، 290).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 435).
(4)
فتح العزيز (10/ 386)، الروضة (9/ 289).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 225).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 349).
(7)
الأم (6/ 82).
وقيل: إن لم يكن أرش الجناية مقدراً .. لم يدخل قطعاً (1)، وصوابه: دخل قطعاً.
وقوله: (يدخل الأقل في الأكثر) لا يفهم منه حكم المساوي؛ بأن قطع يديه فزال عقله، والحكم فيه على هذا القول التداخل أيضًا كما نقله شيخنا الإمام البلقيني عن مقتضى نص "الأم"، وحكاه في "الكفاية" عن النص صريحاً، وقال شيخنا: الظاهر أنه وَهِمَ فيه، وقطع في "المهذب" في التساوي بإيجاب ديتين (2)، ورُدّ.
4770 -
قول "المنهاج"[ص 486]: (ولو ادُّعي زواله؛ فإن لم ينتظم قوله وفعله في خلواته .. فله دية بلا يمين) فيه أمور:
أحدها: كيف يدعي وهو مجنون لا تصح دعواه؟ فينبغي أن يقرأ مبنيا لما لم يسم فاعله؛ أي: ادعى ذلك من له ولاية الدعوى، وهو الولي.
ثانيها: قال شيخنا الإمام البلقيني: لا بد من كون الجناية تحتمل زوال العقل بها، وإلا .. لم تسمع الدعوى، ويحمل على الاتفاق كحصول الموت بصفعة خفيفة (3).
ثالثها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في هذا الحكم، وقال: لم يذكره الشافعي ولا متقدموا أصحابه، وإنما ذكره الإمام (4) والصواب: أنه لا بد من إقامة الولي البينة بجنونه.
قلت: وقد يقال: ذلك لا ينافي ما ذكره المصنف؛ لأنه ليس المراد: عدم انتظام قوله وفعله بمجرد الدعوى، بل لا بد من ثبوته عند القاضي ببينة أو بعلمه عند من يجوز الحكم بالعلم.
رابعها: محل عدم اليمين في المطبق كما هو فرض المسألة، فإن كان متقطعاً وادعى زمن الإفاقة .. حلف فيه، ويرد ذلك أيضًا على قول "الحاوي" [ص 560]:(ولا يُحلّف).
4771 -
قولهم: (وفي السمع دية)(5) فيه أمران:
أحدهما: أن محله: ما إذا لم يتوقع عوده، فإن توقع إلى مدة قدّرها أهل الخبرة .. انتظرت، قال الإمام: بشرط ألَاّ يظن استغراقها العمر فأكثر (6)، قال في "التهذيب": فلو مات قبل تلك المدة .. فهو كما لو انتظرنا البصر لمدة فمات قبلها (7)، وسيأتي.
ثانيهما: لو قال أهل الخبرة: لطيفة السمع باقية ولكن ارتتق بالجناية داخل الأذن ارتتاقاً
(1) فتح العزيز (10/ 388)، الروضة (9/ 290).
(2)
المهذب (2/ 202).
(3)
انظر "مغني المحتاج"(4/ 69).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 347).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 224)، و"الحاوي"(ص 559)، و"المنهاج"(ص 486).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 435).
(7)
التهذيب (7/ 149).
لا وصول إلى زواله .. فالأصح: وجوب حكومة لا دية، وقد ذكره "الحاوي" بقوله [ص 560]:(لا تعطيله).
4772 -
قول "المنهاج"[ص 486]: (ولو ادَّعَى زواله وانزعج للصباح في نومٍ وغفلةٍ .. فكاذب) يوهم أن حقه اندفع لمجرد ذلك، وكذا يقتضيه قول "التنبيه" [ص 225]:(سقط دعواه) وليس كذلك، بل لا بد من حلف الجاني؛ لاحتمال أن الانزعاج بسبب آخر، كذا في "الروضة" وأصلها (1)، ونص عليه في "الأم"(2).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر - والله أعلم - أنه لا يحلف خصمه عند ظهور كذبه قطعا، وأوّل النص على ما إذا لم يقطع بكذبه.
4773 -
قول "التنبيه"[ص 225]: (وإن جني عليه جناية فادعى فيها ذهاب البصر وشهد بذلك شاهدان من أهل الخبرة .. وجبت الدية) فيه أمران:
أحدهما: أن محله: في العمد، فأما في الخطأ .. فيكفي شهادة رجل وامرأتين، وشاهد ويمين.
ثانيهما: أنه يفهم أنه لا سبيل إلى معرفته إلا بالبينة، وفي "الحاوي" [ص 560]:(والحواس بصوتٍ منكرٍ بغنةً، وتقريبِ حديدةٍ) فلم يذكر البينة، بل اقتصر على الامتحان كالسمع، وفي "المنهاج" [ص 487]:(وإن ادعى زواله .. سُئل أهل الخبرة، أو يمتحن بتقريب عقرب أو حديدةٍ محماة من عينه بغتةً، ونُظرَ هل ينزعج؟ ) فخير بينهما، واقتضى ثبوته بكل منهما، وجعل ذلك في "أصل الروضة" خلافاً، فقال: وجهان:
أحدهما - وهو نصه في "الأم" -: يراجع أهل الخبرة؛ فإنهم إذ وقفوا الشخص في مقابلة عين الشمس ونظروا في عينيه .. عرفوا أن الضوء ذاهب أم موجود، بخلاف السمع لا يراجعون فيه؛ إذ لا طريق لهم إليه.
والثاني: يمتحن بتقريب حية
…
إلى آخره، ثم قال: وقال المتولي: الأمر إلى خيرة الحاكم؛ إن أراد مراجعتهم .. فعل، وإن أراد امتحانه .. فعل. انتهى (3).
وعبارة الرافعي في "الكبير": يمكن أن يقدر في هذا اختلاف قول أو وجه، ورد في "التتمة" الأمر إلى خيرة الحاكم. انتهى (4).
(1) فتح العزيز (10/ 395)، الروضة (9/ 291).
(2)
الأم (6/ 68).
(3)
الروضة (9/ 293).
(4)
فتح العزيز (10/ 392).
فتوقف في ذلك، وجزم في "المحرر" بالتخيير (1)، وفي "الشرح الصغير" بمقابله، فقال بعد ذكر المقالتين: وقيل: يتخير الحاكم.
وقال شيخنا الإمام البلقيني: ليس في المسألة خلاف، والذين قالوا: يمتحن أرادوا: في حالة ما إذا لم يظهر لهم شيء، أو عدموا .. فتتعين مراجعتهم عند إمكانها كما نص عليه، قال: والامتحان هنا لا يجدي شيئاً؛ فقد يحول بينه وبين الرؤية أغشية، فلا يبصر مع بقاء الضوء، فيتعين أهل الخبرة كما نص عليه.
وحاصل كلام شيخنا القطع بالبينة عند إمكانها، والخلاف عند تعذرها، وأن الصحيح مع تعذرها: أنه لا يكفي الامتحان.
واعلم: أن المراد: ذهاب البصر أصلاً، فلو قال أهل الخبرة بعوده بعد مدة .. انتظرت، وقد صرح بذلك "التنبيه" فقال [ص 225]:(وإن قالا: ذهب ولكن يرجى عوده إلى مدة .. انتظر إليها، وإن مات قبل انقضائها .. وجبت الدية) ونص الشافعي على إيجاب القصاص أيضاً، وفي "الروضة" وأصلها عن البغوي: أنه لا يجب للشبهة (2).
4774 -
قوله: (وإن نقص الضوء .. وجبت الحكومة)(3) محله: ما إذا لم يعرف قدره، فإن عرف .. وجب بقسطه من الدية؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 487]:(وإن نقص) ويدخل فيه ما إذا نقص ضوء إحداهما فقط، وفي "أصل الروضة" هنا بعد أن قال: لو أبصر بالصحيحة من مئتي ذراع وبالعليلة من مئة ذراع .. فموجبه التنصيف، لكن لو قال أهل الخبرة: إن المئة الثانية تحتاج إلى مثلي ما تحتاج إليه المئة الأولى؛ لقرب الأولى وبُعد الثانية .. وجب ثلثا دية العليلة، قال الشافعي: وما أرى ذلك يضبط (4).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وقياسه .. أن يجب ثلثا الدية الكاملة لو كان النقص من العينين.
4775 -
قول "المنهاج"[ص 487]: (وفي الشم دية على الصحيح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وبه صرح "المحرر"(5)، وكذا في الرافعي عن "التقريب"، وعن منصور التميمي قولان (6)، وقد نص على الدية في "الأم" و"المختصر"، وأشار في "الأم" إلى القول الآخر،
(1) المحرر (ص 406).
(2)
فتح العزيز (10/ 391)، الروضة (9/ 292)، وانظر "التهذيب"(7/ 149).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 225).
(4)
الروضة (9/ 294).
(5)
المحرر (ص 406).
(6)
فتح العزيز (10/ 394).
وهو الحكومة بقوله: قيل: فيه الدية (1).
4776 -
قوله: (وفي بعض الحروف قسطه)(2) أي: موزعاً على ما يحسنه منها كما صرح به "الحاوي" بقوله [ص 562]: (وما يحسن من ثمانية وعشرين حرفاً) ودل عليه قول "المنهاج" بعده [ص 487]: (ولو عجز عن بعضها خلقةً أو بآفةٍ سماويةٍ .. فدية، وقيل: قسط) وعلم منه أن محل كلام "الحاوي": ما إذا كان بغير جناية، فلو كان نقص بعض الحروف بجناية .. وزع على الكل.
ويرد عليهما: أن محل هذا: فيما إذا بقي بعد الذاهب كلام مفهوم، فإن لم يبق كلام مفهوم .. فكذلك، كما قال في "التتمة": إنه المشهور في المذهب، والمنصوص في "الأم"، لكن في "التهذيب": إنه يجب كمال الدية لفوات منفعة الكلام (3)، وهو المحكي عن أبي إسحاق والقفال. وعن الروياني: أنه المذهب، ونقل عن مقتضى إيراد الرافعي في "الشرح الصغير"، وصححه شيخنا الإمام البلقيني، ورد ما قاله المتولي، وقال: إن نص "الأم" بخلافه؛ فإنه قال: (وإذا ذهب بعض كلام الرجل .. اعتبر عليه بأصول الحروف من التهجي)(4)، قال: فلم يوزع على الحروف إلا مع بقاء بعض الكلام.
ويوافقه قول "التنبيه"[ص 225]: (وإن ذهب بعض الكلام .. وجب بقسطه يقسم على حروف لغته)، وهو أعم من قول "المنهاج" [ص 487]:(والموزع عليها ثمانية وعشرون حرفاً في لغة العرب) وهو أوضح من قول "الحاوي"[ص 562]: (وما يحسن من ثمانية وعشرين حرفاً) لاقتضاء إطلاقه اطراد ذلك في كل لغة، فعبارة كل منهما أحسن من الأخرى من وجه.
وأورد شيخنا الإمام البلقيني على قول "المنهاج"[ص 487]: (في لغة العرب) أنه لو عرف المجني عليه معها لغة غيرها، وذهب حروف من كل منهما، وكانت تلك اللغة أكثر حروفاً .. فالتوزيع على الأكثر، كما رجحه شيخنا؛ لأن الأصل براءة ذمة الجاني، فلا يلزم إلا باليقين، وفي "الروضة" وأصلها وجهان في المسألة بلا ترجيح: هل يوزع على الأكثر، أو الأقل؟ (5).
4777 -
قول "التنبيه"[ص 226]: (وإن قطع النصف وذهب ربع الكلام .. وجب نصف الدية) كذا عكسه كما صرح به "المنهاج"(6)، وتناولهما معاً قول "الحاوي" [ص 562]:(وأكثرهما للسان) والضمير لقسط الجرم وقسط ما يحسن، ونبه شيخنا الإمام البلقيني على أن تعبير الشافعي
(1) الأم (6/ 119)، مختصر المزني (ص 245).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 487).
(3)
التهذيب (7/ 154).
(4)
الأم (6/ 119).
(5)
فتح العزيز (10/ 396)، الروضة (9/ 296).
(6)
المنهاج (ص 487).
والأصحاب بربع الكلام مجاز، والمراد: ربع أحرف كلامه؛ لأن الكلام هو اللفظ المفيد فائدة يحسن السكوت عليها.
4778 -
قول "المنهاج"[ص 487] و"الحاوي"[ص 559]: (وفي الصوت دية) قال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكره غير الإمام (1)، وهو مردود، ويكاد أن يكون خرقاً للإجماع.
4779 -
قول "المنهاج" في الذوق [ص 487]: (ويدرك به حلاوةٌ وحموضةٌ ومرارةٌ وملوحةٌ وعذوبةٌ) قال في "التوشيح": اعلم أن الحكماء قالوا: الجسم إما لطيف أو كثيف أو معتدل، والفاعل فيه إما الحرارة أو البرودة أو المعتدل بينهما، فيفعل الحار في الكثيف مرارة، وفي اللطيف حرافة، وفي المعتدل ملوحة، والبرودة في الكثيف عفوصة، وفي اللطيف حموضة، وفي المعتدل قبضاً، والكيفية المعتدلة في الكثيف حلاوة، وفي اللطيف دسومة، وفي المعتدل تفاهة، وكأن الفقهاء ذكروا أصول الطعوم؛ ولذلك قال بعض الحكماء: إن أصولها أربعة: الحلاوة، والمرارة، والحموضة، والملوحة، وأن ما عداها مركب منها، ولم يذكر الحكماء العذوبة، وقد يقال: إنها التفاهة، وفيه نظر.
وقال الماوردي: ربما فرعها الطبيب إلى ثمانية، ولا نعتبرها في الأحكام؛ لدخول بعضها في بعض كالحرافة مع المرارة (2).
قال في "التوشيح": كان الطب يشهد لأن هذه الزيادات توابع، وإذا فات متبوع واحد منها .. فاتت، وإذا أخذت دية المتبوع .. دخل التابع تحته، وقد يقال: ينبغي أن يجيء لنا خلاف في أنه هل تجب حكومة للتابع أو تدخل تحت دية المتبوع كما في نظائره؟ . انتهى (3).
4780 -
قول "المنهاج"[ص 487] و"الحاوي"[ص 559]: (وتجب الدية في المضغ) أي: بأن يجني على أسنانه فتخدر وتبطل صلاحيتها للمضغ، كتعذر البطش بإشلال اليد، أو بأن يصلب مغرس اللحيين فتمتنع حركتهما مجيئاً وذهاباً؛ كتعذر المشي لكسر الصلب.
قال الرافعي: ويشبه أن يجيء في تكميل الدية في السن المعطلة بتصلب المغرس الخلاف فى تكميل الدية في الرجل المعطلة بكسر الصلب (4).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: انفرد بإيجاب الدية في المضغ الفوراني والإمام والغزالي (5)، ولم يجيء فيه خبر ولا أثر، ولم ينص عليه الشافعي، بل نص على ما يرده، ثم بسط ذلك.
(1) انظر"نهاية المطلب"(16/ 370).
(2)
انظر "الحاوي الكبير"(12/ 264).
(3)
انظر "حاشية الرملي"(4/ 63، 64).
(4)
انظر "فتح العزيز"(10/ 403).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 434)، و"الوجيز"(2/ 148).
4781 -
قول "المنهاج"[ص 487]: (وقوة إمناءٍ بكسر صُلْبٍ) و"الحاوي"[ص 559]: (والإمناء) نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الأصح بل الصواب: خلافه؛ لأن الإمناء هو الإنزال. فإذا أبطل قوة الإنزال ولم يذهب نفس المني .. وجبت الحكومة دون الدية؛ فإنه قد يمتنع الإنزال بما يسد طريقه .. فيشبه ارتتاق الأذن بحيث لا يسمع، لكن السمع باق ولا دية فيه على الأصح، قال: ولم يذكر هذه العبارة إلا الغزالي في "الوسيط" و"الوجيز"(1)، وعبارة "البسيط": فأبطل منيه، وكذا تكلم الفوراني والإمام على إذهاب المني، والأرجح فيه: إيجاب الدية، ولا يلزم من ذهاب قوه الإمناء ذهاب المني بالكلية (2).
4782 -
قول "المنهاج"[ص 487]: (وقوة حَبَلٍ) تبع فيه "المحرر"(3)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: لم يذكره أحد، وإنما عبر الغزالي بقوله:(منفعة الإمناء والإحبال به)(4)، وأراد به: منفعة واحدة، وذكر الإحبال ليشير إلى فوات النسل .. فاعتقد الرافعي أنه للمرأة، فقال في "الشرح": ولو أبطل من المرأة قوة الإحبال .. وجبت عليه ديتها (5)، وعبر عنه في "المحرر" بـ (قوة الحبل)(6)، وعبارة "الحاوي" [ص 559]:(والإمناء، والإحبال) وهو محتمل للتأويل، بخلاف "المنهاج".
4783 -
قول "المنهاج"[ص 487]: (وذهاب جماع) صوّروه بما إذا لم ينقطع ماؤه وبقي الذكر سليماً، فكأنهم أرادوا بذهابه: بطلان الالتذاذ به والرغبة فيه؛ ولذلك عبر "الحاوي"[ص 559] بـ (التلذذ بالجماع) وصورها الإمام والغزالي بإبطال شهوته، واستبعدا إبطالها مع حركة الذكر وسيلان المني (7)، وعبارة "الثنبيه" [ص 226]:(وإن كسر صلبه فعجز عن الوطء .. لزمته الدية) وعبارة الشافعي رضي الله عنه مثله (8).
4784 -
قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (وفي إفضائها من الزوج وغيره دية - وهو: رفع ما بين مدخل ذكر ودبر، وقيل: ذكر وبول -)(9) كذا صحح الأول في "أصل الروضة"(10)، وهو
(1) الوسيط (6/ 352)، الوجيز (2/ 149).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 436، 437).
(3)
المحرر (ص 407).
(4)
انظر "الوسيط"(6/ 352).
(5)
فتح العزيز (10/ 404).
(6)
المحرر (ص 407).
(7)
انظر "نهاية المطلب"(16/ 434).
(8)
انظر "الأم"(6/ 81).
(9)
انظر "التنبيه"(ص 227)، و"الحاوي"(ص 559)، "المنهاج"(ص 487).
(10)
الروضة (9/ 303).
الأظهر في "المحرر"(1)، والأشبه في "الشرح الصغير"، لكن جزم بالثاني في "الروضة" وأصلها في مثبتات الخيار في النكاح (2)، ونقل في "الشرح الكبير" هنا كلاً منهما عن جماعة، ولم يصرح بتصحيح (3)، وصحح المتولي أن كلاً منهما إفضاء يوجب كمال الدية، فإن أزالهما .. فديتان.
وقال الماوردي ما معناه: إن من أوجب الدية في الثاني .. أوجبها في الأول من طريق الأولى، بخلاف العكس (4)، ووافقه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: الأصح: هو المذكور هنا، وأما الذي في (النكاح) .. فاقتصر فيه على تفسير الشيخ أبي حامد وأتباعه؛ لأنه الغالب في الإفضاء، والقصد منه عدم ثبوت الخيار، وإذا قلنا بالثاني، فصار بولها لا يستمسك .. لزم الجاني مع الدية حكومة، صرح به في "أصل الروضة"(5).
وقياسه: إيجاب الحكومة على الأول أيضاً إذا لم يستمسك الغائط، وهو واضح.
4785 -
قول "التنبيه"[ص 227]: (وفي إذهاب العذرة الحكومة) أي: إذا أذهبها غير الزوج بغير الوطء؛ ولذلك قال "المنهاج"[ص 487]: (ومن لا يستحق افتضاضها فأزال البكارة بغير ذَكَرٍ .. فأرشها، أو بذَكَرٍ لشبهةٍ أو مكرهةً .. فمهر مثل ثيباً وأرش البكارة) وكذا في "الروضة" وأصلها هنا (6)، لكنهما جزما في البيوع المنهي عنها بوجوب مهر بكر وأرش بكارة فيما إذا وطئ الجارية في الشراء الفاسد (7)، واختاره السبكي في (الغصب) من "شرح المنهاج".
وقول "التنبيه" فيما لا يجوز بيعه [ص 90]: (وإن كانت جارية فوطئها .. لزمه المهر وأرش البكارة إن كانت بكراً) يحتمل التصحيحين؛ فقد يريد مهر ثيب كالتصحيح الأول، ومهر بكر كالتصحيح الثاني، وكذا قول "الحاوي" هنا [ص 559]:(بالمهر؛ كأرش البكارة لا على الزوج) يحتملها، لكن دخل في عبارته ما إذا طاوعت، ولا مهر إذاً ولا أرش إن لم تكن أمة كما سيأتي.
وقول "المنهاج"[ص 487]: (وقيل: مهر بكر) يحتمل أن يريد: مع أرش البكارة، فيوافق ما في (البيوع المنهي عنها)، ويحتمل الاقتصار عليه، وهو المصحح في "أصل الروضة" في (الرد بالعيب)(8).
(1) المحرر (ص 407).
(2)
فتح العزيز (8/ 136) ، الروضة (7/ 178).
(3)
فتح العزيز (10/ 405).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(12/ 293).
(5)
الروضة (9/ 303).
(6)
فتح العزيز (10/ 407)، الروضة (9/ 304).
(7)
فتح العزيز (4/ 123)، الروضة (3/ 409).
(8)
الروضة (3/ 490).
وفرق الماوردي بين الحرة والأمة، فجعل في الأمة في البيع الفاسد مهر بكر وأرش بكارة، وفي الحرة مهر بكر فقط؛ لأن الحرة لا تدخل تحت اليد (1)، وحكى شيخنا الإمام البلقيني عن نص "الأم" أنه قال: فإن افتضها رجل بفرجه .. فعليه مهر مثلها؛ لإصابته وحكومةٌ على ما وَصَفْتُ (2)، قال: فالضمير في قوله: (مهر مثلها) يعود على البكر، ولم يقبل تأويل القاضي حسين وغيره لذلك، قال: والمذهب المعتمد: أنه يجب مهر بكر وأرش بكارة في المكرهة ونحوها كما تقدم عن النص، ومهر بكر فقط في صورة الشبهة تنزيلاً لذلك منزلة وطء البكر في النكاح الصحيح.
قال شيخنا: ويستثنى من الشبهة: شبهة النكاح الفاسد؛ فإنه لا خلاف أن الواجب فيه مهر بكر؛ لقوله عليه الصلاة والسلام في النكاح بلا ولي: "فإن أصابها .. فلها المهر بما استحل من فرجها"(3) ولم يوجب لها أرشاً، قال: ومقتضى "المنهاج": أن لا يجب شيء من ذلك عند انتفاء الشبهة والإكراه، وهو صحيح في الحرة، أما الأمة: فيجب الأرش إذا قلنا: يفرد عن المهر كما ذكروه في (الغصب).
وفي إيجاب الزيادة على مهر مشلها وهي ثيب إذا طاوعت عالمة بالحال وجهان بلا ترجيح في "الروضة"(4)، ورجح شيخنا الوجوب، قال؛ لأن الذي يسقط بمطاوعة الأمة إنما هو المهر المتمحض للوطء، أما ما فيه شيء متعلق بإذهاب شيء من الجسد .. فلا.
4786 -
قول "الحاوي"[ص 560]: (كالنطق) أي: لا تجب الدية بتعطيله كما إذا أذهب سمع صبي فتعطل لذلك نطقه؛ لأن نطق الصبي إنما هو بواسطة سماعه من أبويه وغيرهما.
4787 -
قوله: (والمشي)(5) أي: وكذا المشي لو تعطل بكسر صلب إنسان .. لم تجب فيه إلا الحكومة، كذا في "التعليقة"، وقال في "المصباح": لا تجب الدية على الأصح، بل الحكومة، ويوافقه ما حكاه الرافعي في أثناء الكلام على النطق عن "التتمة": أنه لو كسر صلبه فتعطل مشيه والرجل سليمة .. لم يلزمه بتعطل المشي دية أخرى (6)، وأسقطه في "الروضة".
ومقتضاه: وجوب الدية في كسر الصلب دون إبطال المشي، ويخالفه فيهما قول الرافعي بعد
(1) انظر "الحاوي الكبير"(5/ 317، 318).
(2)
الأم (6/ 79).
(3)
أخرجه أبو داوود (2083) والترمذي (1102) وابن ماجه (1879) وأحمد (24251) من حديث سيدتنا عائشة رضي الله عنها.
(4)
الروضة (5/ 60).
(5)
الحاوي (ص 560).
(6)
انظر "فتح العزيز"(10/ 396).