المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الأَطعِمة 5589 - قول "المنهاج" [ص 539]: (حيوان البحر السمك - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌ ‌كتابُ الأَطعِمة 5589 - قول "المنهاج" [ص 539]: (حيوان البحر السمك

‌كتابُ الأَطعِمة

5589 -

قول "المنهاج"[ص 539]: (حيوان البحر السمك منه حلال كيف مات) يفهم توقف الحل على موته، وليس كذلك، وقد تقدم في "المنهاج" في (الصيد والذبائح) أنه يحل بلع سمكة حية في الأصح (1)، ولهذا قال "الحاوي" هنا [ص 633]:(وحيوان البحر حياً وميتاً).

5590 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (وما سواهما - أي: ما سوى السمك والضفدع - .. فقد قيل: يؤكل، وقيل: لا يؤكل، وقيل: ما أكل شبهه من البر أكل، وما لا يؤكل شبهه من البر لا يؤكل) فيه أمور:

أحدها: الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" فقال بعد ما تقدم [ص 539]:(وكذا غيره في الأصح) و"الحاوي" فأطلق حيوان البحر كما تقدم (2)، وظاهر كلامهم: حل ما يتقوى بنابه في البحر، ويوافقه تصحيحهم حل خنزير البحر.

ثانيها: أن كلام "التنبيه" و"المنهاج" صريح في انقسام حيوان البحر إلى سمك وغيره، وهو مخالف لتصحيحه في "أصل الروضة" أن السمك يقع على جميعها (3)، وقد يحمل كلام "الروضة" على الإطلاق اللغوي أو الشرعي، و"التنبيه" و"المنهاج" على العرف.

ثالثها: أن "المنهاج" و"الحاوي" لم يستثنيا من حيوان البحر شيئاً، واستثنى "التنبيه" الضفدع (4)، وذكره "الحاوي" هو والسرطان والسلحفاة في الحشرات (5)، وذكر "التنبيه" و"الحاوي" التمساح فيما يتقوى بنابه (6)، وذكر الرافعي أن تحريم التمساح للخبث والضرر (7)، وقال "المنهاج" عقب ما تقدم [ص 539]:(وما يعيش في بر وبحر كضفاع وسرطان وحية .. حرام).

واعترض: بأنه كان ينبغي أن يذكر التمساح هنا، وبأن الحية لا تعيش في البحر، واعترض على "التنبيه": بأنه لا يحتاج إلى استثناء الضفدع؛ لأن المراد بحيوان البحر: هو ما يعيش في الماء

(1) المنهاج (ص 532).

(2)

الحاوي (ص 633).

(3)

الروضة (3/ 274).

(4)

التنبيه (ص 84).

(5)

الحاوي (ص 636).

(6)

التنبيه (ص 83)، الحاوي (ص 635).

(7)

انظر "فتح العزيز"(12/ 143).

ص: 425

وعيشه خارجه عيش المذبوح، والضفدع ليس كذلك كما تقدم، وقد تحرر أنا إن اعتبرنا مجرد كونه في البحر .. استثنينا من الحل الضفدع والسرطان والسلحفاة والتمساح، وإن فسرنا حيوان البحر بما تقدم .. لم يحتج إلى استثناء شيء منها، وقد ظهر بهذا الاستثناء حل شيئين:

أحدهما: الحوت الرقيق المشبه للحية في البر، وهو: نوع من السمك لا سم فيه .. فإنه حلال بالاتفاق كما حكاه البغوي وغيره، وهو مستثنى من الوجه الثالث في "التنبيه" و"المنهاج" المفصل بين ما أكل شبهه في البر وغيره.

ثانيهما: القِرش بكسر القاف، ومنهم من ضبطه بفتحها وبالشين المعجمة، وهو: اللخَم بفتح الخاء المعجمة، وقد صرح المحب الطبري في "شرح التنبيه" بحله فقال: لا أرى التمساح يتقوى بنابه، ولا ينبغي تعليل تحريمه بذلك؛ فإن في البحر حيواناً كبيراً يفترس بنابه كالقرش ونحوه وهو حلال، ولا ريب في أن البحري مخالف للبري. انتهى.

وذكر ابن الأثير في "نهاية غريب الحديث" أن في الحديث حديث عكرمة: اللخَم حلال، وقال: وهو ضرب من سمك البحر يقال: اسمه القرش (1).

رابعها: كلام "التنبيه" و"المنهاج" يقتضي أن الخلاف أوجه، وليس كذلك؛ فالأول المرجح نص عليه في "الأم" و"المختصر"، والثاني والثالث ذكر القاضي أبو الطيب والإمام والغزالي وغيرهم أنهما قولان أيضاً، وعبارة "أصل الروضة": أنها ثلاثة أوجه، ويقال: أقوال (2)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": عندي أن الخلاف قولان ووجه؛ لأني لم أجد في نصوص الشافعي ما يقتضي هذا الثالث، وكذا فعل أبو الفرج الزاز في "تعليقه".

خامسها: كلامهما يقتضي أن الوجه الثاني: الحرمة مطلقاً ولو ذكّي، وفيه احتمالان للبغوي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأرجح: أنه حلال؛ لأن غايته أن يكون برّياً فتحرم ميتته وتحل ذبيحته.

سادسها: تمثيل "المنهاج" ما لا يؤكل مثله في البر بالحمار، تبع فيه "المحرر"(3)، وليس في "الشرح"، وحكاه في زيادة "الروضة" عن صاحبي "الشامل" و"التهذيب" وغيرهما (4)، ونازعه شيخنا في "تصحيح المنهاج" في النقل عن "الشامل"، وقال: إن الذي في "التهذيب" شذوذ، والصواب: إلحاقه بالوحشي؛ لأن هذا وحشي أيضاً، فإلحاق الوحشي بالوحشي أولى.

(1) النهاية في غريب الأثر (4/ 244).

(2)

الروضة (3/ 274).

(3)

المحرر (ص 468)، المنهاج (ص 539).

(4)

الروضة (3/ 275)، وانظر "التهذيب"(8/ 52).

ص: 426

5591 -

قول "التنبيه"[ص 83]: (وسنور البر قيل: يؤكل، وقيل: لا يؤكل) الأصح: الثاني، وعليه مشى "المنهاج"(1) ولذلك أطلق "الحاوي" تحريم الهرة (2)، فتناول الإنسية والوحشية.

5592 -

قول "الحاوي" فيما يحل [ص 633]: (والدلق) هو ابن مقرض، وهو في ذلك مخالف لكلام الرافعي في "شرح الكبير" فإنه قال بعد ذكر حل الأرنب واليربوع: والوجهان يجريان في ابن مقرض، وهو الدلق، وفي ابن آوى أيضاً، وفي "تعليق" الشيخ أبي حامد: أن الأشبه بالمذهب: حله، لكن الذي رجحه أبو على الطبري والبغوي والروياني: المنع؛ لأن رائحته كريهة، والعرب تستخبثه، وهذا ما حكى الإمام عن المراوزة القطع به. انتهى (3).

وتبعه في "الروضة" فقال: ويحرم ابن آوى وابن مقرض على الأصح عند الأكثرين. انتهى (4).

لكن قول الرافعي: (والوجهان يجريان في ابن مقرض) يدل على سقوط شيء؛ لأنه لم يتقدم ذكر وجهين، وقد علم ذلك من "الشرح الصغير" فإنه حكى وجهين في ابن عرس، وقال: الأظهر: الحل، ثم قال: ويجري الوجهان في ابن مقرض، وهو الدلق، وفي ابن آوى، لكن الأظهر في ابن آوى التحريم. انتهى.

ومقتضاه: حل الدلق؛ فالذي في "الحاوي" هو الصواب، ولزم على السقوط الذي وقع في الرافعي أنه ليس فيه ولا في "الروضة" ذِكر ابن عرس، مع أنه في "الوجيز" وغيره من المختصرات (5).

5593 -

قول "التنبيه"[ص 83]: (ولا يؤكل ما يتقوى بنابه) و"الحاوي"[ص 635]: (وناب يعدو به) أحسن من قول "المنهاج"[ص 539]: (وكل ذي ناب من السباع) لكونه لم يذكر تقوّيه ولا عدوانه به.

5594 -

قول "التنبيه" في أمثلة ذلك [ص 83]: (والزرافة) قال في "شرح المهذب": إنها حرام بلا خلاف، وإن بعضهم عدّها من المتولد بين المأكول وغيره (6).

وفي "الكفاية": منع ما في "التنبيه"، وأن البغوي أفتى بحلها، ومنهم من غير لفظها فقال:

(1) المنهاج (ص 539).

(2)

الحاوي (ص 635).

(3)

فتح العزيز (12/ 132، 133)، وانظر "نهاية المطلب"(18/ 211)، و"التهذيب"(8/ 57، 58).

(4)

الروضة (3/ 272).

(5)

الوجيز (2/ 215).

(6)

المجموع (9/ 26).

ص: 427

ليست الزرافة بالفاء، بل بالقاف، وقال السبكي: إنه ليس بشيء، وحكى ابن يونس في "النبيه" فيها وجهين، وأنكر موفق الدين حمزة الحموي تحريمها، وقال السبكي في "الحلبيات": المختار: حلها، وهو ما في "فتاوى القاضي الحسين" و"تتمة التتمة"، قال: وليس في "فتاوى البغوي"، وعذر ابن الرفعة أنه أراد بـ"فتاوى البغوي": الفتاوى التي علقها البغوي عن شيخه القاضي الحسين، وهي "فتاوى القاضي حسين" المشهورة (1).

5595 -

قول "الحاوي" فيما يحرم [ص 636]: (واللقلق)(2) هو الأصح في "التهذيب"(3)، وهو ما أورده العبادي، وصححه النووي في "أصل الروضة"(4)، ومال الجويني إلى أنه حلال، وصححه الغزالي (5)، فهذا مما خالف فيه "الحاوي" الغزالي على خلاف عادته، فنبهنا عليه لذلك.

5596 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (وأما غراب الزرع والغداف .. فقد قيل: أنهما يؤكلان، وقيل: لا يؤكلان) صحح النووي في "تصحيح التنبيه" في الأول: أنه يؤكل، وفي الثاني: أنه لا يؤكل (6)، فأما حل الأول فعليه مشى "المنهاج"(7) و"الحاوي"، وعبر عنه بالزاغ (8)، وأما تحريم الثاني: فهو ظاهر كلام "الحاوي" لأنه بعد ذكر حل الزاغ أطلق تحريم الغراب .. فدخل فيه الغداف، وهو صغير رمادي اللون، ولا يستفاد من عبارة "المنهاج" في ذلك شيء؛ لأنه أطلق تحريم الغراب الأبقع، وصحح حل غراب الزرع، فبقي الغداف مسكوتاً عنه، والمفهومان فيه متدافعان؛ وكذلك سكت عن ذكر الغراب الأسود، ويقال له: الغداف الكبير، وقد ذكره "التنبيه" فاستوفى ذكر الأربعة (9)، ولسنا ننكر تحريم الغداف الكبير؛ فإنه الأصح وقطع به جماعة، وأما الغداف الصغير .. فإن النووي اعتمد في "تصحيحه" التحريم، على أنه الأصح في "أصل الروضة"(10).

وكلام الرافعي غير موافق له، بل مخالف؛ فإنه قال: فيه وجهان كالوجهين في النوع الذي

(1) قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 536، 537) مسألة (64).

(2)

اللقلق: طائر أعجمي طويل العنق يأكل الحيات، والجمع: اللقالق. انظر "مختار الصحاح"(ص 251).

(3)

التهذيب (8/ 64).

(4)

الروضة (3/ 273).

(5)

انظر "الوجيز"(2/ 215).

(6)

تصحيح التنبيه (1/ 271).

(7)

المنهاج (ص 539).

(8)

الحاوي (ص 634).

(9)

التنبيه (ص 84).

(10)

الروضة (3/ 273).

ص: 428

قبله؛ يعني: غراب الزرع (1)، وقد صحح فيه الحل كما تقدم، وعبارة "الشرح الصغير": فيه الوجهان، وفي "المطلب": أن الرافعي صحح في الغداف الصغير الحل، وعمدته في ذلك هذا التشبيه، وفي "شرح المهذب": أن الرافعي صحح فيه التحريم (2)، وأخذ ذلك من "الروضة"، وفي "المهمات": أن الذي في "الروضة" غلط، وذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لم يصر إليه أحد من الأصحاب، وكلامهم على خلافه.

5597 -

قول "التنبيه"[ص 83]: (والديك والدجاجة) من ذكر العام بعد الخاص، وهو سائغ، لكنه ينافي الاختصار، وقد اقتصر "المنهاج" على الدجاج (3).

5598 -

قول "المنهاج"[ص 539] و"الحاوي"[ص 636]: (ويحرم بَبَّغَا وطاووس) نقل تصحيحه في "الروضة" وأصلها عن البغوي فقط (4).

5599 -

قول "المنهاج"[ص 539]: (وحمام، وهو كل ما عب وهدر) في "الروضة" في جزاء الصيد: المراد بالحمام: كل ما عب الماء، وهو أن يشربه جرعاً، ولا حاجة إلى وصفه بالهدير مع العب؛ فإنهما متلازمان؛ ولهذا اقتصر الشافعي على العب (5).

5600 -

قوله: (وما لا نص فيه؛ إن استطابه أهل يسار وطباع سليمة من العرب في حال رفاهية .. حل، وإن استخبثوه .. فلا، وإن جُهل اسم حيوان .. سُئِلوا وعُمِل بتسميتهم، وإن لم يكن له اسم عندهم .. اعتبر بالأشبه به)(6) فيه أمور:

أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وإن أريد: نص كتاب أو سنة .. لم يستقم؛ فقد حكم بحل الثعلب واليربوع، وتحريم الببغا والطاووس وليس فيها نص كتاب ولا سنة، ولا يرجع في ذلك لاستطابة ولا استخباث، وإن أريد: نص كتاب أو سنة أو قول عالم .. فقول العالم ليس دليلاً يُعمل به، وإن أريد: نص كتاب أو سنة أو نص الشافعي أو أحد من أصحابه .. فهو بعيد؛ لأن مثل ذلك [لا](7) يطلق عليه نص في اصطلاح الأصوليين، وعبارة "أصل الروضة": لم يرد فيه نص بتحليل ولا تحريم، ولا أمر بقتله ولا نهي عنه (8)، ولنا فيه نزاع من وجهين:

(1) انظر "فتح العزيز"(12/ 136).

(2)

المجموع (9/ 22).

(3)

المنهاج (ص 539).

(4)

الروضة (3/ 273)، وانظر "التهذيب"(8/ 65).

(5)

الروضة (3/ 158).

(6)

انظر "المنهاج"(ص 539).

(7)

في (ب): (مما).

(8)

الروضة (3/ 276).

ص: 429

أحدهما: أن في "سنن البيهقي" من حديث جماعة من الصحابة رضي الله عنهم: أنه عليه الصلاة والسلام قال: "وما سكت عنه .. فهو عفو"(1) ورواه أبو داوود بإسناد صحيح عن ابن عباس (2)، ومقتضاه: أن السكوت عنه عفو من غير مراجعة العرب.

ثانيهما: أن الذي ذكره الشافعي رضي الله عنه في ذلك: أن الله تعالى أحل لهم الطيبات وحرم عليهم الخبائث، لا على معنى: أنهم يراجعون، بل على معنى: أنه أحل لهم ما كانوا يستطيبونه ويأكلونه إلا ما استثنى، وحرم عليهم ما كانوا يستخبثونه (3).

قلت: الجواب عن الترديد المتقدم: أن المراد: نص كتاب أو سنة صريحاً أو استنباطاً ودلالة، ومن ذلك الأمر بقتله أو النهي عنه، فيوافق عبارة "الروضة".

وعن الحديث: أن المستخبث ليس مسكوتاً عنه، بل هو منصوص على تحريمه.

وعن النزاع الثاني: أنهم إنما يراجعون؛ لمعرفة أن هذا المشكوك فيه هل هو مما كانوا يستطيبونه أو يستخبثونه؟ وعبارة "الحاوي"[ص 636]: (وإن أشكل .. روجعت) أي: العرب؛ ولم يقيدهم بشيء، وفي "التنبيه" [ص 83]:(ولا يؤكل ما تستخبثه العرب من الحشرات) ولا حاجة لتقييده بالحشرات؛ فكل مستخبثهم حرام، واعتذر عنه في "الكفاية".

ثانيها: أنه يعتبر مع ذلك أن يكونوا سكان البلاد أو القرى دون أجلاف البوادي، وقد يقال: هذا هو مراد "المنهاج" بقوله [ص 539]: (أهل يسار وطباع سليمة).

ثالثها: المراد: العرب الذين كانوا في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الخطاب لهم، حكاه الرافعي عن جماعة، ثم قال: ويشبه أن يقال: يُرجع في كل زمان إلى العرب الموجودين فيه. انتهى (4).

والمحكي عن جماعة هو منصوص الشافعي رضي الله عنه، ورد شيخنا في "تصحيح المنهاج" بحث الرافعي: بأنا إذا رجعنا إلى عرب زمن فاستطابوه، ثم إن العرب في زمن بعده استخبثوه أو بالعكس؛ فإن قضينا للسابق .. لزم ألَاّ يعتبر عرب الزمن الثاني، أو للاحق .. لزم ألَاّ يعتبر عرب الزمن الأول، وكلاهما خلاف مدعاه، فإن قيل: يعتبر السابق وصار هذا معلوم الحكم بما ظهر من عرب ذلك الزمان .. قلنا: هذا خلاف إناطة الحكم بالرجوع إلى العرب الموجودين في كل زمن. انتهى.

(1) سنن البيهقي الكبرى (19175)، (19243)، (19506)، (19507)، (19508).

(2)

سنن أبي داوود (3800).

(3)

انظر "الأم"(2/ 241).

(4)

انظر "فتح العزيز"(12/ 144).

ص: 430

قلت: مراد الرافعي: أنه يرجع إلى العرب الموجودين في مجهول الأمر، وهذا قد عُرِفَ أمره فيما سبق، وأنه مستطاب أو مستخبث، والله أعلم.

رابعها: اعترض عليه: بأن عبارته تفهم اعتبار اجتماعهم على ذلك، والمعتبر إنما هو الأكثر، فإن استويا .. قال الماوردي وأبو الحسن العبادي: تتبع قريش، فإن اختلفت قريش ولا ترجيح، أو شكوا فلم يحكموا بشيء، أو لم يجدهم ولا غيرهم من العرب .. اعتبرناه بأقرب الحيوان شبهاً به، إما في الصورة، أو في الطبع من الصيالة (1) والعدوان، أو في طعم اللحم، فإن استوى الشبهان، أو لم نجد ما يشبهه .. فوجهان، أصحهما: الحل (2).

خامسها: قوله: (وإن جهل اسم حيوان .. سئلوا)(3) مقتضاه: عود الضمير للعرب الموصوفين بما تقدم، وليس كذلك؛ فمعرفة اسم الحيوان لا تتوقف على ذلك؛ فالضمير عائد على العرب بدون تلك الأوصاف.

5601 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (وتكره الشاة الجلالة) لا يختص بالشاة؛ فسائر الحيوانات كذلك؛ ولهذا عبر "المنهاج" و"الحاوي" بالجلالة من غير تقييد بالشاة (4)، وظاهر تعبير "التنبيه" و"الحاوي" بالكراهة أنها كراهة تنزيه، وهو الذي حكاه الرافعي عن الأكثرين، وصححه النووي في كتبه (5)، لكن صحح في "المحرر": التحريم (6)، فاستدرك عليه "المنهاج".

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المصحح في "المحرر" وهو ظاهر نص "الأم" حيث قال: والجلالة منهي عن لحومها (7)، قال شيخنا: وهو ظاهر النهي الذي جاءت به الأخبار، وقول "المنهاج" [ص 539]:(وإذا ظهر تغير لحم جلالة) فيه أمران:

أحدهما: أن مقتضاه: أنه لا اعتبار بكثرة العلف، بل بالرائحة والنتن، فإن وُجد في عرقها وغيره ريح النجاسة .. فجلالة، وإلا .. فلا، وهذا هو الصحيح في "أصل الروضة"(8)، لكن في "تحرير النووي" تبعاً لـ"المهذب": أن الاعتبار بكون أكثر أكلها النجاسة (9)، ولذلك نسب

(1) في النسخ: (الصيانة)، ولعل المثبت من "المجموع"(9/ 25) هو الصواب، والله أعلم.

(2)

انظر "الحاوي الكبير"(15/ 134).

(3)

انظر "المنهاج"(ص 539).

(4)

الحاوي (ص 636)، المنهاج (ص 539).

(5)

انظر "فتح العزيز"(12/ 150، 151)، و"الروضة"(3/ 278).

(6)

المحرر (ص 469).

(7)

الأم (2/ 242).

(8)

الروضة (3/ 278).

(9)

المهذب (1/ 250)، تحرير ألفاظ التنبيه (ص 170).

ص: 431

ابن الرفعة تصحيح هذا للنووي، لكن المصحح في بقية كتبه ما قدمته.

ثانيهما: أن ذلك لا يختص بلحمها، بل لبنها وبيضها كذلك، بل صرح "الحاوي" بذكر اللبن (1)، ويكره الركوب عليها بلا حائل، وفي "المطلب": لا خلاف أنه ليس بحرام ولو أصابه من عرقها شيء؛ لأنه لا خلاف أنها طاهرة فعرقها طاهر.

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندي ليس كما قال، بل عرقها الذي فيه ريح النجاسة نجس؛ لتحلله من النجاسة، ولا يلزم من نجاسة عرقها نجاسة عينها؛ لأن عرقها يتحلل من النجاسة، فهو كفضلتها، فيتجه تحريم ركوبها حال عرقها؛ لتحريم التضمخ بالنجاسة، ويتنزل النهي على هذا، قال: ولم أر من تعرض لذلك. انتهى.

فلو قال: حرمَت أو كرهت كما عبر به "التنبيه" و"الحاوي" .. لكان أولى.

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وينبغي تعدي الحكم إلى شعرها وصوفها المنفصل في حياتها، فيكون نجسًا على القول بتحريمها تفريعًا على المذهب في نجاسة الشعر المنفصل من الحيوان غير المأكول في حياته.

قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام: ولو غذى شاة عشر سنين بمال حرام .. لم يحرم عليه أكلها ولا على غيره (2).

5602 -

قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (فإن علفت طاهرًا فطاب .. حل)(3) يقتضي أنه لو طاب بدون علف .. لم يحل، وكذا قال في "أصل الروضة": لو لم تعلف .. لم يزل المنع بغسل اللحم بعد الذبح، ولا بالطبخ وإن زالت الرائحة به، وكذا لو زالت بمرور الزمان عند صاحب "التهذيب"، وقيل بخلافه (4).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهذا في مرور الزمان على اللحم، فلو مر على الجلالة أيام من غير أن يأكل طاهرًا فزالت الرائحة .. حلت، وإنما ذكر العلف بطاهر؛ لأن الغالب أن الحيوان لا بد له من العلف.

5603 -

قول "الحاوي"[ص 637]: (لا زرع الزبل) أي: لا يكره الزرع النابت على الزبل وإن كثرت النجاسة في أصله، وليس في كلام الغزالي والرافعي نفي الكراهة، وإنما فيهما نفي التحريم (5)، ولا يلزم منه نفي الكراهة.

(1) الحاوي (ص 636).

(2)

انظر "قواعد الأحكام في اصلاح الأنام"(1/ 335).

(3)

انظر "التنبيه"(ص 84)، و"الحاوي"(ص 636)، و"المنهاج"(ص 540).

(4)

الروضة (3/ 278)، وانظر "التهذيب"(8/ 66).

(5)

انظر "الوجيز"(2/ 216)، و"فتح العزيز"(12/ 155، 156).

ص: 432

5604 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (ولو تنجس طاهر كخل) كذا سائر المائعات، ولو كانت دهنًا إذا قلنا: إنه لا يطهر بالغسل.

5605 -

قوله: (ودبس ذائب)(1) أخرج به الجامد؛ فإنه لا يحرم جميعه، بل يزيله وما حوله ويحل الباقي، وقوله:(حرم)(2) أي: أكله؛ فإنه يحل الاستصباح به كما تقدم، ومفهومه: أنه لا تحريم عند انتفاء التنجيس، لكن قال الغزالي: لو وقع في قدر طبيخ جزء من لحم آدمي ميت .. لم يحل منه شيء؛ لحرمة الآدمي، وقال في "شرح المهذب": المختار الصحيح: أنه لا يحرم؛ لأنه صار مستهلكًا (3).

5606 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (ولا يحرم كسب الحجام) لا يُعلم منه حكمه، وهو مكروه كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي"، وتعبيره بقوله:(ويكره الكسب بمخامرة النجاسة كالحجام)(4) أحسن من تعبير "المنهاج" بقوله [ص 540]: (وما كسب بمخامرة نجس؛ كحجامة وكنس .. مكروه) لأن ظاهره أن (ما) موصولة، فيكون معناه: أن المكسوب بذلك مكروه، ولا يظهر وصف نفس المكسوب بكراهة ولا غيرها، إنما تتعلق الكراهة بالكسب، فتُحمل (ما) في كلامه على أنها مصدرية، فيوافق تعبير "الحاوي"، ثم في تعبيرهما أمران:

أحدهما: أن ظاهره كراهة الكسب بمخامرة النجاسة على كل أحد، وليس كذلك، بل الكراهة مختصة بالحر، وقولهما بعد ذلك:(ويطعمه رقيقه وناضحه)(5) لا يدل على اختصاص ذلك بالحر؛ لأن المكاتب قد يكون له رقيق وناضح، فكان ينبغي التصريح بذلك.

ثانيهما: أن كلامهما صريح في أن علة الكراهة: مخامرة النجاسة، وفي "أصل الروضة": أنه الذي أطلقه جمهور الأصحاب (6)، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المذهب المعتمد المنصوص في "الأم" و"المختصر" وقال به جمع من الطريقين: أن النظر إلى دناءة الحرفة، وعبارة الشافعي:(لا معنى له - أي: للنهي - إلا واحد، وهو أن من المكاسب دنِيًّا وحسنًا، فكان كسب الحجام دنيًا، فأحب له تنزيه نفسه عن الدناءة؛ لكثرة المكاسب التي هي أجمل منه، فلما زاده في أمره .. أمره أن يطعم رقيقه ويعلفه ناضحه؛ تنزيهًا له، لا تحريما عليه) انتهى (7).

(1) انظر "المنهاج"(ص 540).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 540).

(3)

المجموع (9/ 35، 36).

(4)

الحاوي (ص 636، 637).

(5)

انظر "الحاوي"(ص 637)، و"المنهاج"(ص 540).

(6)

الروضة (3/ 280).

(7)

مختصر المزني (ص 286).

ص: 433

وقول "المنهاج"[ص 540]: (وكنس) أراد به: كنس النجاسة من المراحيض وغيرها؛ بناءً على ترجيحه التعليل بمخامرة النجاسة، وقول "التنبيه" [ص 84]:(والأولى أن يتنزه الحر من أكله) مثل قول "المنهاج"[ص 540]: (ويسن ألا يأكله ويطعمه رقيقه وناضحه)، وذلك لا يدل على كراهة أكل الحر له، والمنقول الكراهة، وعبارة "الحاوي" [ص 637]:(ويطعم رقيقه وناضحه) وليس فيه تصريح بحكمه.

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إطعامه ذلك لرقيقه وناضحه ليس بمسنون، وإنما هو جائز، وكذا قال الشافعي. انتهى.

وتبعا في التعبير بالرقيق والناضح لفظ الحديث (1)، وسائر الدواب كذلك.

5607 -

قول "المنهاج"[ص 540]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 633]: (ويحل جنينٌ وُجِد ميتًا في بطن مذكاة) فيه أمور:

أحدها: أن محله: في جنين ظهرت صورة الحيوان فيه؛ ففي حل المضغة وجهان في "أصل الروضة" مبنيان على وجوب الغرة فيها وثبوت الاستيلاد (2)، يعني: لو كان من آدمية، والأصح: أنه لا يجب الغرة ولا يثبت الاستيلاد، فلا تحل مضغة الحيوان المذكى.

ثانيها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله: ما إذا لم يوجد قبل الذبح سبب يحال عليه موته، فلو ضرب حاملًا على بطنها وكان الجنين متحركًا فسكن حتى ذبحت فوجد ميتًا .. لم يحل، فلو لم يتحرك قبل ذلك ولم يعرف حاله وذبحنا الأم فوجدنا الجنين ميتًا مع احتمال أن يكون لم يدخله الروح، أو دخلته وخرجت بالضرب .. فيرجح التحريم أيضًا، قال: ولم أر من تعرض لشيء من ذلك.

ثالثها: قوله: (ميتًا) كذا لو كان في حكمه؛ بأن يوجد وبه حركة مذبوح، فإن كان به حياة مستقرة .. لم يحل بدون ذبح.

رابعها: مقتضاه: أنه لو أخرج الجنين رأسه وبه حياة مستقرة فلما فتح كرش الأم وُجد ميتًا .. أنه يحل، وهو الأصح في زيادة "الروضة"(3)، لكن صحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" مقابله.

(1) عن ابن محيصة عن أبيه أنه استأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم في إجارة الحجام، فنهاه عنها، فلم يزل يسأله ويستأذنه حتى أمره أن اعلفه ناضحك ورقيقك. أخرجه أبو داوود (3422)، والترمذي (1277)، ومالك (1756)، وأحمد (23740)، وابن حبان (5154).

(2)

الروضة (3/ 280).

(3)

الروضة (3/ 279، 280).

ص: 434

5608 -

قول "الحاوي"[ص 637]: (ويباح لخوف ومرض مخوف أكل الحرام، ويجب) المراد بالخوف الذي أطلقه أولًا: الخوف على نفسه، فلو صرح بذلك كما فعل "المنهاج" فقال [ص 540]:(ومن خاف على نفسه موتًا أو مَرضا مخوفًا) .. لكان أولى، ومرادهما: مع الاضطرار لذلك، ثم في كلامهما أمور:

أحدها: يستثنى منه العاصي بسفره؛ فليس له أكل الميتة عند الاضطرار على المذهب، وضم إليه شيخنا في "تصحيح المنهاج": مراق الدم؛ كالمرتد والحربي، قال: فلا يجوز لهما تناول الميتة حتى يسلما، قال: وكذا مراق الدم من المسلمين وهو متمكن من إسقاط القتل بالتوبة؛ كتارك الصلاة ومن قتل في قطع الطريق .. فلا يأكلان من الميتة حتى يتوبا، قال: ولم أر من تعرض له، وهو متعين.

ثانيها: يستثنى منه أيضًا: ما إذا أشرف على الموت .. فلا يلزمه أكل، بل ولا يحل له؛ فإنه حينئذ لا ينفع، ذكره في "أصل الروضة"(1).

ثالثها: يضم إلى خوف الموت أو المرض المخوف ما لو خاف طول المرض على الأصح أو الأظهر في "أصل الروضة"، وما لو عيل صبره وأجهده الجوع على الأظهر من زيادة "الروضة"، قال في "أصل الروضة": ولا خلاف في الحل إذا كان يخاف على نفسه لو لم يأكل منه من جوع أو ضعف عن المشي والركوب، وينقطع عن رفقته ويضيع ونحو ذلك (2)، ولو جوز تلف نفسه وسلامتها على السواء .. حلت له أيضًا كما حكاه الإمام عن صريح كلامهم، وأقره عليه في "الكفاية"، وصوبه بعضهم.

رابعها: قال في "المطلب": إن الجزم باعتبار خوف المرض المخوف هنا مع حكاية الخلاف في إباحة التيمم به لا يستقيم، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه يخرج من نص "الأم" وظاهر نص "المختصر" في ذلك قولان، ونص "الأم" الإباحة، قال: وإذا جريا في هذه الصورة .. فجريانهما فيما إذا خاف طول المرض أولى.

خامسها: أنهما أطلقا وجوب أكل، والواجب منه سد الرمق دون الشبع، حكاه في "شرح المهذب"عن الدارمي وصاحب "البيان" وآخرين (3)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وينبغي أن يقيد هذا القيد بما إذا لم يخف الهلاك لو ترك الشبع؛ فإنه يلزمه الشبع على الأصح.

سادسها: ظاهر إطلاقهما التخيير بين أنواع الحرام، لكن لو كانت الميتة نوعين: أحدهما من

(1) الروضة (3/ 282).

(2)

الروضة (3/ 282).

(3)

المجموع (9/ 38).

ص: 435

جنس المأكول والآخر من غيره؛ كشاة وحمار، أو إحداهما طاهرة في الحياة دون الأخرى؛ كشاة وكلب .. فهل يتخير بينهما أو تتعين الشاة؟ وجهان، قال النووي: ينبغي أن يكون الراجح: ترك الكلب والتخيير في الباقي. انتهى (1).

وحكى الماوردي الوجه الثاني: أنه يتخير إلا أن يكون خنزيرًا (2)، واستحسنه شيخنا في "تصحيح المنهاج".

واعلم: أنه لو عم الأرض الحرام .. جاز استعمال ما يحتاج إليه ولا يقتصر على الضرورة، قال الإمام: ولا يتبسط فيه كما يتبسط في الحلال، بل يقتصر على الحاجيّ، قال الشيخ عز الدين: صورة المسألة: أن يتوقع معرفة المستحقين في المستقبل، أما عند الإياس .. فلا يتصور؛ لأن المال حينئذ يكون للمصالح العامة (3).

ولو اضطرت المرأة إلى الطعام فامتنع المالك من بذله إلا بوطئها زنا .. قال المحب الطبري في "شرح التنبيه": لم أر فيه نقلًا، والذي ظهر لي أنه لا يجوز لها تمكينه، وخالف إباحة الميتة في أن الاضطرار فيها إلى نفس المحرم وقد تندفع الضرورة، وهنا الاضطرار ليس إلى المحرم، وإنما جعل المحرم وسيلة إليه، وقد لا تندفع به الضرورة؛ إذ قد يُصِرُّ على المنع بعد وطئها.

5609 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (فإن اضطر إلى الميتة .. أكل منها قدر ما يسد به الرمق في أحد القولين، وقدر الشبع في الآخر) الأظهر: الأول، وعليه مشى "الحاوي" و"المنهاج"(4)، وقيده بقيدين:

أحدهما: ألَّا يتوقع حلالًا، فإن توقع حلالًا .. لم يجز غير سد الرمق.

ثانيهما: ألَّا يخاف تلفًا إن اقتصر على سد الرمق (5)، فإن خاف من ذلك تلفًا .. فله الشبع، وإليه أشار "الحاوي" بقوله [ص 637]:(وإن عجز عن السير ويهلك الشبع) وفيه أمور:

أحدها: مقتضى كلام "المنهاج" في القيد الأول القطع عند توقع الحلال بأنه لا يجوز غير سد الرمق، وليس محل قطع، وإنما هو طريقة للإمام؛ ففي "أصل الروضة": أن أكثرهم أطلق الخلاف، وفصل الإمام والغزالي تفصيلًا حاصله: أنه إن كان ببادية وخاف إن لم يشبع لم يقطعها ويهلك .. وجب القطع بالشبع، وإن كان ببلد وتوقع الحلال قبل عود الضرورة .. وجب القطع بعدمه، وإن كان لا يظهر حصول الحلال وأمكنه الرجوع إلى الحرام مرة بعد مرة إن لم يجد

(1) انظر "الروضة"(3/ 290)، "المجموع"(9/ 44).

(2)

انظر "الحاوي الكبير"(15/ 177).

(3)

قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 314)، وانظر "غياث الأمم في التياث الظلم"(ص 391).

(4)

الحاوي (ص 637)، المنهاج (ص 540).

(5)

المنهاج (ص 540).

ص: 436

الحلال .. فهو موضع الخلاف، قال النووي: هذا التفصيل هو الراجح، والأصح من الخلاف: الاقتصار على سد الرمق (1).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا طريق ضعيف مخالف لظواهر نصوص الشافعي رضي الله عنه ولطريقة الجمهور، ثم هو مقيد بالخائف من الموت، فأما من خاف حدوث مرض مخوف أو طول المرض ولا يندفع إلا بالشبع .. فلا يتعين عليه الاقتصار على سد الرمق.

ثانيها: أنه اقتصر في القيد الثاني على خوف التلف، فيزاد عليه: خوف حدوث مرض مخوف أو طوله إن اقتصر.

ثالثها: رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": قول الشبع؛ للأخبار الدالة عليه، قال: وقد قال الشافعي في "اختلاف أهل المدينة وأبي حنيفة" كما نقله المزني: أن الاقتصار على سد الرمق ليس بالبيّن، وصرح في ذبائح بني إسرائيل بأن الأحب إليه أن يكون أكله على ما يقطع عنه الجوع، وأنه لا يتبين له تحريم الشبع، ويظهر من هذا أنه حيث يقول: يقتصر على ما يرد نفسه، محتمل أن يريد بذلك: الاستحباب كما صرح به؛ فقد ترجح بهذا قول الشبع، وأيضًا فإنه إذا خاف التلف إن لم يشبع .. تعيّن الشبع قطعًا، ولا يأتي قول سد الرمق، وليس لنا حالة يقطع فيها بسد الرمق، وحالة توقع الحلال تقدم ردّها، فإن قيل: فقد ذكر البندنيجي والقاضي حسين أن القول بسد الرمق مختار الشافعي .. قلنا: مختاره من جهة الاستحباب لا من جهة تحريم الشبع، وإن أجزأه ما دونه. انتهى.

وهنا تنبيهان:

أحدهما: ليس المراد من الشبع: ألَّا يبقى للطعام مساغ؛ فإن هذا حرام قطعًا، صرح به البندنيجي وأبو الطيب وغيرهما، بل المراد كما قال الإمام: أن يأكل حتى يكسر سورة الجوع بحيث لا يطلق عليه اسم جائع (2).

ثانيهما: المشهور في سد الرمق: أنه بالسين المهملة، وفي "المهمات": أنه بالشين المعجمة؛ لأن الرمق بقية الروح كما قاله جماعة، وقال بعضهم: القوة.

5610 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (وله أكل آدمي ميت) يستثنى منه: ما إذا كان الميت نبيًا .. فلا يجوز الأكل منه قطعًا، حكاه في "أصل الروضة" عن إبراهيم المروذي، وهو واضح، ولا يأكل من غير النبي إلا سد الرمق قطعًا، حكاه في "أصل الروضة" عن الماوردي (3).

(1) الروضة (3/ 283)، وانظر "نهاية المطلب"(18/ 226)، و"الوجيز"(2/ 216).

(2)

انظر "نهاية المطلب"(18/ 224).

(3)

الروضة (3/ 284)، وانظر "الحاوي الكبير"(15/ 175).

ص: 437

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو متعقب بالقدر الذي يدفع الخوف، ولا يأكله إلا نيًا؛ لأن في طبخه أو فيه هتك حرمته، حكاه في "الروضة" عن الماوردي أيضًا (1)، ولو كان المضطر ذميًا والميت مسلمًا .. فهل له أكله؟ فيه وجهان، قال في زيادة "الروضة": القياس: تحريمه (2)، ولا بد من فقد الميتة ونحوها كما في قطع بعض المضطر.

5611 -

قوله: (وقتل مرتد وحربي)(3) أي: لأكلهما، قد يفهم أنه ليس له قتل الزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة، وليس كذلك، بل له قتلهم في الأصح، وهو مفهوم من قول "الحاوي" [ص 637]:(لا معصوم) وله قتل من له عليه قصاص وأكله وإن لم يحضره السلطان.

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وكذا لو كان له قصاص في طرفه .. فيجوز له قطعه وأكله.

5612 -

قول "المنهاج" من زيادته مستدركا على "المحرر"[ص 540]: (الأصح: حل قتل الصبي والمرأة الحربيين لمل) و"الحاوي"[ص 637]: (وقتل صبي الحربي) تبعا فيه الإمام والغزالي (4)، وصحح شيخنا في "تصحيح المنهاج" تبعًا للبغوي و"المحرر" منعه (5)، قال: ومحل الخلاف: ما إذا لم يستول عليهما قبل القتل، فإن استولى عليهما .. صارا رقيقين معصومين، ولا يجوز له حينئذ قتلهما قطعًا.

5613 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (ولو وجد طعام غائب .. أكل وغرم) فيه أمور:

أحدها: استثنى منه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا كان الغائب مضطرًا يحضر عن قرب .. فليس له أكله، ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 637]:(كطلب طعام غير المضطر).

ثانيها: المعتبر في المحجور غيبة الولي وحضوره دون المحجور، فلا عبرة به، فلو غاب المالك وله وكيل حاضر .. فقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هل نقول: لا أثر لحضوره كما يظهر من نص "الإملاء" في حضور وكيل الولي الغائب في النكاح، أو نقول: هنا ينزل الوكيل منزلة الحاضر، فيكون كالولي؟ الثاني أرجح.

ثالثها: أسقط من "المحرر" قوله: (وغرم قيمته) وهو محمول على غير المثلي، فأما المثلي .. فيغرم مثله، وذلك مقرر في (الغصب).

(1) الروضة (3/ 284)، وانظر "الحاوي الكبير"(15/ 175، 176).

(2)

الروضة (3/ 284).

(3)

انظر "المنهاج"(ص 540).

(4)

انظر "نهاية المطلب"(18/ 221)، و"الوجيز"(2/ 216).

(5)

التهذيب (8/ 69)، المحرر (ص 469).

ص: 438

5614 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (أو حاضرٍ مضطر .. لم يلزمه بذله إن لم يفضل عنه) يستثنى منه: ما إذا كان المضطر نبيًا .. فإنه يجب على المالك المضطر بذله، وكذلك يستثنى هذا من قول "الحاوي" [ص 637]:(كطلب طعام غير المضطر).

5615 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (فإن آثر مسلمًا .. جاز) أي: غير مُراق الدم، فلا يجوز أن يؤثر مراق الدم ويترك نفسه المعصومة تهلك.

5616 -

قوله: (أو غير مضطر .. لزمه إطعام مضطر مسلم أو ذمي)(1) كذا المستأمن، ومحله: في غير مراق الدم؛ كالزاني المحصن والمحارب وتارك الصلاة، فلو كان المضطر من صبيان أهل الحرب أو نسائهم أو خنثى منهم أو مجنونًا .. فالقياس: أنه يلزمه إطعامهم، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، قال: ومحل التردد: ما لم يستول عليهم، فإن استولى عليهم بحيث رقوا .. لزمه ذلك قطعًا.

ودخل في غير المضطر ما لو كان كذلك في الحال وإن كان قد يحتاج إليه في ثاني الحال، وهو الأصح.

5617 -

قوله: (فإن امتنع .. فله قهره وإن قنله)(2) و"الحاوي"[ص 638]: (وقتله إن دفع هدرٌ) في معنى الامتناع: ما لو بذله بأكثر من ثمن المثل، وهذا بخلاف ما لو قتل المالك المضطر في الدفع .. فإنه يلزمه القصاص، وإن منعه فمات جوعًا .. لم يضمنه، وفيه احتمال للماوردي (3).

5618 -

قول "الحاوي"[ص 637]: (ويجب؛ كطلب طعام غير المضطر وغصبه) تبع الغزالي في وجوب غصب طعام غير المضطر (4)، وقال الرافعي: إن الخلاف فيه مرتب على الخلاف في وجوب أكل من الميتة، وأولى بأن لا يجب، وخصص البغوي الخلاف بما إذا لم يكن خوف في الأخذ قهرًا، فإن كان .. لم يجب قطعًا، قال: والمذهب: أنه لا يجب القتال كما لا يجب دفع الصائل وأولى (5).

5619 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (وإنما يلزمه بعوض ناجز إن حضر، وإلا .. فبنسيئة) قال القاضي أبو الطيب: إن لم يحتمل الحال التأخير إلى الاتفاق على العوض فأطعمه .. لم يلزمه العوض، ثم ظاهر كلامه لزوم المسمى وإن زاد على ثمن المثل، وهو الأقيس في "أصل الروضة" والأصح عند القاضي أبي الطيب، والأصح عند الروياني: لا يلزمه إلا ثمن المثل؛ لأنه كالمكره،

(1) انظر "المنهاج"(ص 540).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 540).

(3)

انظر "الحاوي الكبير"(15/ 173).

(4)

انظر "الوجيز"(2/ 216).

(5)

فتح العزيز (12/ 165، 166)، وانظر "التهذيب"(8/ 70).

ص: 439

واختار الماوردي: إن كانت الزيادة لا تشق على المضطر ليساره .. لزمته، وإلا .. فلا (1)، فهذه ثلاثة أوجه، وظاهر هذا الإطلاق جريانها في شراء الولي للمحجور المضطر، ويوافقه ما في "الروضة" في (الجزية) عن الغزالي: أن للولي أن يعقد له بالزيادة على الدينار، وليس للسفيه المنع كما يشتري له الطعام في المخمصة بثمن غال صيانة لروحه (2)، ويمكن أن يكون كلامه هناك في غير المضطر.

وقال في "المهمات": لا وجه لوجوب البيع نسيئة، بل الصواب الجاري على القواعد: جوازه بثمن حال، غير أنه لا يطالب به في هذه الحالة، لإعساره، وفائدة الحلول: جواز المطالبة عند القدرة.

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج" في البيع نسيئة: ينبغي فيما إذا كان له مال غائب أن يكون الأجل ممتدًا إلى وصوله إليه كما في نظيره من التيمم، وإن لم يكن له مال أصلًا؛ فالنسيئة هنا ليست على ظاهرها، بل المراد بها: مجرد التأخير والرضا بالذمة.

5620 -

قوله: (فإن أطعمه ولم يذكر عوضًا .. فالأصح: لا عوض)(3) لا يخفى أن محل الخلاف: ما إذا لم يصرح بالإباحة، قال شيخا في "تصحيح المنهاج": وكذا لو ظهرت قرينة إباحة أو تصدق .. فلا عوض قطعًا.

واعلم: أنه يشكل على تصحيح عدم العوض ما في "أصل الروضة" بعد ذلك من أنه لو أوجر المالك المضطر قهرًا أو وهو مغمى عليه .. استحق القيمة في أحسن الوجهين؛ لأنه خلصه من الهلاك، ولما فيه من التحريض على مثل ذلك (4)، وفرع في "أصل الروضة" على الأول أنهما لو اختلفا فقال: أطعمتك بعوض، فقال: بل مجانًا .. فهل يصدق المالك؛ لأنه أعرف بدفعه، أم المضطر؛ لبراءة ذمته؟ وجهان، أصحهما: الأول (5).

ويخالفه ما في "أصل الروضة" في أوائل (القرض): أنهما لو اختلفا في ذكر رد البدل .. فالقول قول الآخذ (6)، وفي أواخر (الصداق): لو بعث إلى بيت من لا دين له عليه شيئًا ثم قال: بعثته بعوض، وأنكر المبعوث إليه .. فالقول قول المبعوث إليه (7)، ولا يخفى أن محل لزوم

(1) الروضة (3/ 287)، وانظر "الحاوي الكبير"(15/ 172).

(2)

الروضة (10/ 301).

(3)

انظر "المنهاج"(ص 540).

(4)

الروضة (3/ 288).

(5)

الروضة (3/ 288).

(6)

الروضة (4/ 32).

(7)

الروضة (7/ 330).

ص: 440

العوض بذكره: ما إذا لم يكن المضطر صبيًا؛ فإنه ليس من أهل الالتزام، لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يحتمل أن يلزم في هذه الصورة؛ لما فيه من تحريض صاحب الطعام على بذله للمضطر ولو صبيًا، والأول أقيس. انتهى.

5621 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (فإن وجد المضطر الميتة وطعام الغير .. أكل طعام الغير وضمن بدله إذا قدر، وقيل: يأكل الميتة، وإن وجد صيدًا وميتة وهو محرم .. ففيه قولان، أحدهما: يأكل الميتة، والثاني: يأكل الصيد) الأظهر في الصورتين: أنه يأكل الميتة؛ وعليه مشى "الحاوي"، وتعبيره بقوله:(أولى)(1) أراد به: التعيُّن، و"المنهاج" وعبر بالمذهب (2).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تعبيره بالمذهب لا يستقيم في صورة طعام الغائب؛ فليس فيها طريقان ولا طرق، وإنما فيها ثلاثة أوجه، وقيل: أقوال: ثالثها: يتخير، ولا في صورة الحاضر؛ لأنه إذا بذل طعامه مجانًا أو بثمن مثله .. لزم المضطر قبوله، ولا يأكل الميتة، وإن لم يرض إلا بزيادة كثيرة .. لم يلزمه الشراء، ويعدل إلى الميتة، وفي صورة ضعف المالك وسهولة دفعه يكون على الخلاف فيما إذا كان المالك غائبًا. انتهى.

لكن في "الكفاية" في صورة الغائب طريقة قاطعة بأكل الميتة، وفي "شرح المهذب" عن نص الشافعي: أنه إذا خاف المضطر أن الطعام الذي أحضره له غيره مسموم .. فإنه يجوز له تركه والانتقال إلى الميتة (3).

ويرد عليهم جميعًا: أن محل الخلاف في صورة الميتة والصيد مقيد بقيدين:

أحدهما: ألَّا يجد المحرم حلالًا يذبحه، فإن وجد .. لم تحل الميتة قطعًا؛ لأنه إن لم يذبحه للمحرم .. فواضح، وإن ذبحه لأجل المحرم .. فهو حرام على المحرم دون غيره؛ فتحريمه أسهل من الميتة، ذكره الشيخ أبو حامد.

ثانيهما: تتعين الميتة قطعًا فيما إذا كان الصيد غير مأكول؛ كالمتولد بين الذئب والضبع وبين حماري الوحش والإنس .. فإنه يحرم على المحرم التعرض له، ويجب الجزاء فيه، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وعلله: بأن في قتله إذهاب روحه وإيجاب الفدية على المحرم، ثم هو حرام على كل أحد بلا خلاف، قال: ولم أر من تعرض لذلك. انتهى.

واعلم: أن ما ذكرناه في الصيد للمحرم يجري أيضًا في صيد الحرم، ذكره في "الكفاية"، وهو واضح.

(1) الحاوي (ص 638).

(2)

المنهاج (ص 540).

(3)

المجموع (9/ 45).

ص: 441

5622 -

قول "الحاوي" عطفًا على المنفي [ص 637]: (وقطع فلذة منه) تبع فيه "المحرر" فإنه صحح فيه تحريم قطع بعضه لا كله (1)، لكنه قال في "الشرح الصغير": إن مقابله أظهر، وفي "الكبير": يشبه أن يكون أظهر، وبه قال الشيخ أبو حامد وغيره (2)، فلذلك أطلق تصحيحه في "أصل الروضة"(3)، واستدركه "المنهاج" فقال [ص 540]:(قلت: الأصح: جوازه).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والخلاف مقيد بما إذا لم يكن ذلك المقطوع يجوز قطعه في غير الاضطرار، فإن كان؛ كالسلعة واليد المتآكلة حيث جاز قطعها .. فيجوز قطع ذلك في حالة الاضطرار قطعًا، قال: ويجب تقييد الجواز بما يسد الرمق إلا إذا خاف تلفًا كما سبق، فيقطع بقدر الحاجة.

قلت: في "أصل الروضة" هنا جعل محل الخلاف فيما إذا كان الخوف في القطع دون الخوف في ترك أكل، فإن كان أشد أو استويا .. لم يجز (4)، وصحح في قطع السلعة عند تساوي الخطرين (5) الجوازَ، مع جزمه في المضطر في هذه الحالة بالمنع، وهذا ينافي ما قيد به شيخنا رحمه الله موضع الخلاف، وإن كان المذكور في "الروضة" وأصلها مشكلًا.

5623 -

قول "المنهاج"[ص 540]: (ومن معصوم) يفهم منه أن غير المعصوم يجوز للمضطر قطع عضو منه ليأكله، وهذا ممتنع كما صرح به الماوردي في المرتد وقاطع الطريق والزاني المحصن، وعلله بما فيه من تعذيبه، قال: فإن أكل لحمه حيًا .. كان مسيئًا إن قدر على قتله، ومعذورًا إن لم يقدر على قتله؛ لشدة الخوف على نفسه (6).

5624 -

قول "الحاوي"[ص 633]: (حلّ الطعام الطاهر) أورد عليه أمور:

أحدها: أنه لا بد من تقييده بأن يكون من غير مضر؛ ولذلك قال "التنبيه"[ص 84]: (وكل طاهر لا ضرر في أكله يحل أكله) وقال "الحاوي" بعد ذلك [ص 636]: (لا الضار؛ كالحجر والنبات).

وقد أورد بعضهم على قول "التنبيه" بعده [ص 84]: (وما ضر أكله؛ كالسم وغيره .. لا يحل أكله) أنه يستثنى منه ما ينفع يسيره للدواء، وكذا من فرض أن أكل السم لا يضره.

وأجيب عنه: بأنه إنما حرم المضر، فخرج من لا يضره، وما لا يضره، وضر به السم مثلًا

(1) المحرر (ص 469).

(2)

فتح العزيز (12/ 164).

(3)

الروضة (3/ 284، 285).

(4)

الروضة (3/ 285).

(5)

في النسخ: (التساوي الخطر)، ولعل المثبت هو الصواب، والله أعلم.

(6)

انظر "الحاوي الكبير"(15/ 176).

ص: 442

لا يقتضي أنه يكون مضرًا لكل شخص في كل حالة، بل هو على الأغلب.

ثانيها: استثنى البغوي وغيره من ذلك: المستقذر؛ كالمخاط والمني؛ فإنه لا يحل تناوله على الأصح، والآدمي، وابتلاع الحيوان حيًّا سوى السمك والجراد، وأورد النووي في "تصحيحيه" الأولى على "التنبيه"(1)، وأورد غيره الأخيرتين أيضًا عليه، والحق أنه لا يرد شيء منها على "الحاوي" لخروج المستقذر والآدمي بلفظ (الطعام) فإنه لا يسمى طعامًا، ودلالة قوله بعده:(وحيوان البحر حيًّا وميتًا)(2) على أن حيوان البحر يحل وحيوان البر لا يحل حيًا.

ولا على "التنبيه" لأن المستقذر مضر فيدخل في كلامه، وكذلك الآدمي؛ ولقوله:(ولا يحل من الحيوان المأكول شيء من غير ذكاة إلا السمك والجراد)(3).

قال في "المهمات": واستثنى المحاملي في "اللباب" من تحريم المستقذر: الماء المستقذر؛ كالحاصل من غسل الأيدي عقب الأكل ونحو ذلك، فقال: وما يستقذر في الغالب فإنه حرام إلا الماء الآجن (4)، قال في "المهمات": والظاهر أن العلة في المأكول الاستقذار عارضًا، بخلاف المخاط ونحوه، وحينئذ .. فيتعدى إلى المأكول أيضًا كاللحم المنتن، وقد صرحوا به.

ثالثها: أن مفهومه تحريم النجس، وبه صرح "التنبيه"(5)، ويستثنى منه: الدود المتولد من المأكول؛ كالفاكهة والجبن والخل إذا مات فيه؛ فإن الأصح: أنه يحل أكله معه لا منفردًا، ولا كراهة في أكل البيض المسلوق بماء نجس كما نقله في "الروضة" عن ابن الصباغ، وأقره (6).

5625 -

قول "التنبيه"[ص 84]: (إلا جلد ما يؤكل إذا مات ودبغ .. فإنه لا يجوز أكله في أحد القولين، ويجوز في الآخر) الأول هو القديم، وصححه النووي (7)، والثاني هو الجديد، وصححه الرافعي (8)، وعليه مشى "الحاوي"(9)، وخرج بالمأكول: جلد ما لا يؤكل إذا دبغ .. فإنه لا يحل قطعًا، وطرد بعضهم فيه الخلاف.

(1) تصحيح التنبيه (1/ 272).

(2)

الحاوي (ص 633).

(3)

التنبيه (ص 82).

(4)

اللباب (ص 390).

(5)

التنبيه (ص 84).

(6)

الروضة (3/ 279).

(7)

انظر "الروضة"(1/ 42).

(8)

انظر "فتح العزيز"(1/ 85، 86).

(9)

الحاوي (ص 633).

ص: 443