المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى] - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌فصل [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

6281 -

قوله: (فلو أنكر الصغير وهو مميز .. فإنكاره لغو)(1) قد يفهم أنه لو بلغ فأنكر .. قُبل إنكاره، وهو مقتضى قول "الحاوي"[ص 683، 684]: (وحلف مدعي حرية الأصل وإن سبق في الصغر قرينة)، وليس كذلك كما تقدم في "المنهاج" في اللقيط، وعبارته:(فإن بلغ وقال: "أنا حر" .. لم يقبل قوله في الأصح إلا ببينة)(2)، وعليه مشى "الحاوي" هناك (3)، وقد يفهم من قول "المنهاج" [ص 577]:(فإنكاره لغو) عدم تحليف المدعي، وليس كذلك.

6282 -

قول "المنهاج"[ص 577]: (ولا تسمع دعوى مؤجل في الأصح) يستثنى منه مسائل:

الأولى: إذا ادعى على القاتل بقتل خطأ أو شبه عمد .. سمع مع أن ذلك إنما يوجب دية مؤجلة، فلو ادعى ذلك على العاقلة .. لم تسمع جزماً؛ لأنه لم يتحقق لزومه لمن ادعى عليه به؛ لجواز موته أثناء الحول وإعساره آخره، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم أر من تعرض لذلك.

الثانية: إذا كان بعض الدين حالاً .. سمعت الدعوى بالجميع كما قاله الماوردي، ويكون المؤجل تبعاً.

الثالثة: إذا كان المؤجل في عقد قصد بدعواه تصحيح المطالبة؛ كالسلم المؤجل .. صحت دعواه، قاله الماوردي أيضاً.

‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

6283 -

قول "المنهاج"[ص 577]: (أصر المدعى عليه على السكوت عن جواب الدعوى .. جُعل كمنكرٍ ناكلٍ) محل جعله كناكل: ما إذا حكم القاضي بنكوله بعد عرض اليمين عليه، أو قال للمدعي: احلف، ولهذا قال "التنبيه" [ص 255]:(قال له الحاكم: إن أجبت، وإلا .. جعلتك ناكلاً، ويستحب أن يكرر عليه ثلاثاً، فإن أجاب، وإلا .. جعله ناكلًا) و"الحاوي"[ص 690]: (أو سكت، وقضى بالنكول، أو قال للمدعي: احلف .. فالمدعي) قال في "أصل الروضة": وإنما يحكم بأنه ناكل بالسكوت إذا لم يظهر كون السكوت لدهشة أو غباوة ونحوهما، وحينئذ .. يتعين عليه شرحه له ثم الحكم بعد ذلك. انتهى (4).

(1) انظر "المنهاج"(ص 577).

(2)

المنهاج (ص 333).

(3)

الحاوي (ص 408).

(4)

الروضة (12/ 44).

ص: 731

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا إذا لم يكن المدعى عليه نائبًا .. فالوكيل يجعل كالمنكر ولا يجعل كالناكل؛ لأن اليمين لا تتوجه إليه، قال: ولا يحل للولي السكوت، ويجب عليه أن يجيب بما يعرفه، فإن أصر على السكوت؛ فإن كان أبًا أو جدًا أو وصي أحدهما .. عرفه الحاكم قدح ذلك في ولايته؛ ولهذا السكوت شبه بعضل الولي، وإن كان المدعى عليه قيم الحاكم .. زجره وأقام غيره، فإن أصر .. جعل حينئذ ناكلًا (1).

6284 -

قول "المنهاج"[ص 577]: (فإن ادعى عشرة فقال: "لا تلزمني العشرة" .. لم يكف حتى يقول: "ولا بعضها"، وكذا يحلف، فإن حلف على نفي العشرة واقتصر عليه .. فناكلٌ، فيحلف المدعي على استحقاق دون عشرة بجزء ويأخذه) اقتصر "الحاوي" على ذلك في اليمين فقال [ص 687]: (حلف لنفي المدعى وأجزأئه) فقد يقال: يفهم منه مثل ذلك في الجواب، وقد يقال: هو موافق للقاضي حسين في أنه يكلف ذلك في اليمين لا في الإنكار، ثم محل ما ذكراه فيما إذا لم يسند المدعى إلى عقد، فإن أسنده؛ كما لو ادعت امرأة على رجل أنه نكحها بخمسين .. فإنه يكفيه أن يقول: ما نكحتها بخمسين، ويحلف عليه؛ لأن المدعي للنكاح بخمسين غير مدع للنكاح بما دونه، فإن نكل .. لم يمكنها أن تحلف على أنه نكحها ببعض الخمسين؛ لأنه يناقض ما ادعته أولًا، ذكره الرافعي (2).

وفي "التعليقة" على "الحاوي": أنها إذا أرادت الدعوى بما دونه .. استأنفت دعوى أخرى، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج" في حلف المدعي على ما دون العشرة بجزء، وقال: المدعى عليه إنما نكل عن شيء منها، لا عن كلها إلا شيء منها، فالذي يحلف عليه المدعي إنما هو استحقاق شيء منها لا استحقاق [ما دونها](3) بجزء، ولكن إذا ادعى عليه ثانيًا بما دون العشرة بجزء، فأنكر ونكل عن اليمين .. فهنا يحلف (4) المدعي على استحقاق ما دون العشرة بجزء، وكذا لو قال في الجواب: ولا ما دون العشرة، ونكل في الحلف عن قوله: ولا ما دون العشرة .. فهنا يحلف على استحقاق ما دون العشرة بجزء ويأخذه. انتهى.

وفيه نظر؛ فقد نكل عن كلها إلا شيء منها وهو العشرة التي حلف عليها، وقوله في الجواب: ولا شيء منها، ليس المراد به: شيئًا مخصوصًا، بل هو نكرة في سياق النفي، فَعَمَّ كل جزء من أجزائها، ولم يحلف إلا على نفي جزء واحد، وهو تمام العشرة، فصار ناكلًا عن اليمين فيما عدا

(1) انظر "حاشية الرملي"(4/ 395).

(2)

انظر "فتح العزيز"(13/ 174).

(3)

في (ب): (كلها إلا شيء منها)، وفي (ج):(شيء منها).

(4)

في (ب): (فهنا لم يحلف).

ص: 732

ذلك، ولا تفاوت بين المذكور في كلام الرافعي والنووي من قوله: ولا بعضها، أو ولا شيء منها، وبين اللفظ الذي ذكره شيخنا، وهو قوله: ولا ما دون العشرة؛ لتناول كل من هذه الألفاظ كل جزء من الأجزاء الناقصة عن تمام العشرة، والله أعلم.

6285 -

قول "المنهاج"[ص 578]: (أو شفعة .. كفاه: "لا تستحق عليّ شيئًا") عبارة "المحرر": (لا تستحق عليّ شفعة)(1)، وعبارة "الروضة" وأصلها:(لا شفعة لك عندي)(2).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الظاهر أنه لا يكتفى في الشفعة بقوله: لا تستحق عليّ شيئًا؛ لأن الناس لا يعدون الشفعة مستحقة على المشتري؛ لأنها ليست في ذمته كالدين، ولا تعلق به ضمانها كالغصب وغيره؛ فالجواب المعتبر:(لا شفعة لك عندي) ولمَّا صرح في تعبير "المحرر" بالشفعة .. سومح في قوله على قوله: (ولو كان بيده مرهون أو مكرىً وادعاه مالكه .. كفاه: "لا يلزمني تسليمه")(3)، رجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": أنه لا يكفيه ذلك؛ لأنه قد يكون مبطلًا في دعواه، فيتعطل على المالك الوصول إلى ملكه.

وفيه نظر؛ فإن المالك يصل إلى ملكه بإقامة البينة على ذلك، فيجب على صاحب اليد حينئذ التسليم كما قاله القاضي حسين، واعتراض الغزالي عليه مردود، فإن لم يكن للمدعي بينة بالملك .. فلا سبيل إلى تصديقه بمجرد دعواه، والله أعلم.

6286 -

قوله: (فلو اعترف بالملك وادعى الرهن أو الإجارة .. فالصحيح: أنه لا يقبل إلا ببينة)(4) لا يفهم منه أن مقابل الصحيح قبوله بلا بينة بالنسبة إلى مدة الإجارة والدين المرهون به وقدره؛ فإن ذلك لم يقل به أحد، وإنما قبل قوله على هذا الوجه بالنسبة إلى عدم انتزاعه منه فقط.

6287 -

قوله: (فإن عجز عنها وخاف أولًا إن اعترف بالملك جَحْدَهُ الرهن والإجارة .. فحيلته أن يقول: "إن ادعيت ملكًا مطلقًا .. فلا يلزمني تسليمه، وإن ادعيت مرهونًا .. فاذكره لأجيب")(5)، كان ينبغي تأخير قوله:(أولًا) عن قوله: (اعترف) أو عن قوله: (بالملك) فإن تقديمه يفهم تعلقه بخاف، ولا معنى له، وهذه الحيلة حكاها الرافعي عن القفال والفوراني وترجيح "الوجيز"، وقال القاضي حسين: لا يقبل الجواب على التردد، بل حيلته أن يجحد ملكه

(1) المحرر (ص 507).

(2)

فتح العزيز (13/ 175)، الروضة (12/ 21).

(3)

المحرر (ص 507)، المنهاج (ص 578).

(4)

انظر "المنهاج"(ص 578).

(5)

انظر "المنهاج"(ص 578).

ص: 733

إن جحد صاحبه الدين والرهن؛ أخذًا من الظفر بغير جنس الحق (1).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذه الحيلة ليست صحيحة، ولا حاجة إليها مع سبق الاكتفاء بجواب جازم، وهو قوله: لا يلزمني تسليمه، وما ذكره القاضي حسين من عدم سماع الجواب المردد هو الصحيح.

6288 -

قوله: (وإن ادعى عليه عينًا فقال: "ليست لي"، أو "هي لرجل لا أعرفه"، أو "لابني الطفل"، أو "وقف على الفقراء"، أو "مسجد كذا" .. فالأصح: أنه لا تنصرف الخصومة ولا تُنزع منه، بل يُحلفه المدعي على أنه لا يلزمه التسليم إن لم تكن بينة)(2) فيه أمور:

أحدها: أن مقتضاه: أن قوله: (ليست لي) جواب كاف، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الصواب: أنه ليس بكاف؛ لأنه ليس مضادًا للدعوى، فيقال للمدعى عليه: إن أصررت عليه .. صرت منكرًا وجعلت بعد عرض اليمين عليك ناكلًا، فيحلف المدعي ويحكم له، قال: هذا هو الفقه المعتبر البخاري على قواعد الباب، وسيأتي التصريح بنظيره من كلام الأصحاب في الإضافة إلى مجهول.

ثانيها: وما ذكره من الاكتفاء بقوله: (هي لرجل لا أعرفه) مشى عليه "الحاوي" أيضًا، وهو مخالف لقول "التنبيه" [ص 261]:(وإن أقر به لمجهول .. لم يقبل، وقيل له: إما أن تقر لمعروف أو نجعلك ناكلًا) وسكت عليه النووي في "تصحيحه"، واعتمده شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وحكاه عن العراقيين مطلقًا، قال: ولم يوضح المراوزة الكلام على هذه الصورة، وتبعهم الرافعي فلم يفصح بالمقصود. انتهى.

ثم قال "التنبيه" في هذه الصورة [ص 261]: (وقيل: يقال له: إما أن تقر به لمعروف أو لنفسك أو نجعلك ناكلًا) ومقتضاه: ترجيح أنه لا تقبل دعواه لنفسه، وأقره النووي فلم يستدركه في "التصحيح"، وحكى فيه في "أصل الروضة" وجهين من غير ترجيح (3).

ثالثها: قوله: (أو لابني الطفل) كذا لو قال: إنه لغير ابنه ممن هو تحت حجره، وفي معنى الطفل: المجنون والسفيه، فلو قال:(لمحجوري) .. كان أشمل، ومنه يعلم أن قوله:(وقف على الفقراء، أو مسجد كذا) مقيد بأن يكون هو الناظر، فإن كان النظر لغيره .. انصرفت الخصومة إليه.

رابعها: مقتضاه: إثبات وجه قوي بانصراف الخصومة عنه فيما إذا قال: (ليست لي)، وكذا

(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 176، 177).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 578).

(3)

الروضة (12/ 24).

ص: 734

هو في "الروضة" وأصلها (1)، وأنكره شيخنا في "تصحيح المنهاج".

خامسها: قال شيخنا أيضًا: الخلاف في التبرع لا يصح في مجرد قوله: ليس لي؛ لأنه ليس فيه التصريح بما يقتضي رفع يده، ولم أره في طريقة العراقيين، وإنما هو مذكور في طريق المراوزة، وهو مزيف، وكيف يزيل اليد التي لم يظهر لنا السبب لإزالتها؟ ! هذا مما لا يمكن القول به فضلًا عن أن يكون قويًا.

سادسها: نازع شيخنا المذكور أيضًا في إثبات خلاف في انصراف الخصومة عنه في قوله: (هي لرجل لا اعرفه) وقال: الذي ذكره ليس بجواب قطعًا، فيستحيل انصراف الخصومة عنه، ولم يذكر جوابًا مقنعًا.

سابعها: ونازع أيضًا في الخلاف في الانتزاع في الصورة المذكورة، وقال: إنه مردود فضلًا عن أن يكون قويًا؛ لأنه يجوز أن يكون عنده برهن لازم وينسى الراهن، وكذا في الإيداع ونحوه، وقال: قل من رأيته حكى الخلاف في ذلك، وهو في "النهاية" و"التهذيب"(2)، ولعل قائله قاله في صورة وجد فيها ما يقتضي أن لا بد له، فحينئذ .. يأتي هذا الوجه.

ثامنها: قال شيخنا المذكور أيضًا: إثبات الخلاف في انصراف الخصومة في قوله: (هي لابني الطفل) ذكره الرافعي (3)، وعندي أنهما ليسا وجهين، وأنهما منزلان على حالين:

أحدهما: أن يكون الكلام بالنسبة إلى رقبة المدعي به، وهذا تنقطع فيه الخصومة قطعًا، ويبقى النظر في بقاء الخصومة بالنسبة إلى تحليف المدعى عليه، وفي "النهاية" ما يقتضيه (4).

ثانيهما: أن لا ينظر إلى الرقبة، وإنما ينظر إلى الخصومة من حيث هي وهي باقية بالنسبة إلى قيام البينة وإلى تحليف القيم أنه لا يلزمه التسليم.

تاسعها: قال شيخنا أيضًا: كلامه يقتضي إثبات خلاف في قوله: (لابني الطفل) في النزع، وهذا لم يقله أحد من الأصحاب فيما إذا كان الأب وليًا للطفل، ولا يمكن القول به؛ لظهور فساده بما يقتضيه من إبطال الحقوق بغير مستند، وليس ذلك في "المحرر"، ولا في "الشرح" و"الروضة"، وهو واضح الفساد فإن لم يكن الأب المذكور أهلًا للولاية .. انتزع منه قطعًا.

عاشرها: قال شيخنا المذكور أيضًا: إثبات الخلاف في انصراف الخصومة في قوله: (وقف على الفقراء، أو مسجد كذا) لا نسلمه، وقد أثبته الرافعي من نقلين، وقد قدمنا أنه لا خلاف

(1) الروضة (12/ 24).

(2)

نهاية المطلب (19/ 131)، التهذيب (8/ 332).

(3)

انظر "فتح العزيز"(13/ 179).

(4)

نهاية المطلب (19/ 131).

ص: 735

بينهما في نظيره (1)، وقوله فيهما:(الأصح: أنه لا ينزع منه) يقال عليه: إن كان المقر المذكور ناظر الوقف .. فلا ينزع منه قطعًا، وإلا نزع منه قطعًا؛ فإثبات الخلاف في ذلك غير مستقيم.

حادي عشرها: قوله: (بل يحلفه المدعي أنه لا يلزمه التسليم) يقتضي تعلقه بالصور الخمس، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يقله أحد من الأصحاب، بل الحكم في الأولى والثانية ما قدمناه عند ذكر أنه لا يقنع منه بهذا الجواب، وبقية الصور لا يحلف فيها على ما ذكر.

ثاني عشرها: قوله: (إن لم تكن بينة) يقتضي أنه إنما يحلفه على ما ذكر إن لم تكن بينة، قال شيخنا المذكور: وهذا قيد غير معتبر، والذي في "المحرر":(بل يقيم المدعي البينة أو يحلفه أنه لا يلزمه تسليمه)(2) وقد تقدم أنه إنما تسمع البينة حيث كان المدعى عليه قيم الطفل أو ناظر الوقف، قال: واعلم: أنه يخرج في الصور الخمس عشرون موضعًا على "المنهاج" من جهة الأحكام الأربعة التي أثبتها في الصور الخمس وهي: تصحيح عدم انصراف الخصومة، وعدم النزع، وتحليف المدعى عليه أنه لا يلزمه التسليم، وقيد أن لا يكون له بينة، وقد يزداد العدد إذا نظر إلى ما قررناه. انتهى.

6289 -

قول "المنهاج"[ص 578]: (وإن أقر به لمعين حاضر تمكن مخاصمته وتحليفه .. سئل، فإن صدقه .. صارت الخصومة معه) فيه أمور:

أحدها: أنه يفهم أنه إذا أقر به لمن لا تمكن مخاصمته وهو المحجور .. لا تنصرف الخصومة عنه، وليس كذلك، بل تنصرف عنه إلى وليه؛ ولهذا أطلق "التنبيه" فقال [ص 261]:(وإن أقر به لغيره وصدقه المقر له .. انتقلت الخصومة إليه)، وقد يقال: أفهم بقوله: (وصدقه) أن كلامه في غير المحجور، ولم يستثن "الحاوي" إلا المجهول والمكذب (3)، فدل على أن المصدق بخلافه.

ثانيها: لو اقتصر على إمكان المخاصمة أو إمكان التحليف .. حصل الغرض، ولا حاجة للجمع بينهما.

ثالثها: فهم من قوله: (صارت الخصومة معه) انصرافها عن المدعى عليه، وليس كذلك؛ فللمدعي طلب يمين المدعى عليه؛ بناء على أنه يغرم (4) له البدل لو أقر له، وهو الأظهر (5)، وقد ذكره "التنبيه" فقال [ص 261]:(وهل يحلف المدعى عليه؟ فيه قولان) وقد عرفت أن الأظهر:

(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 179).

(2)

المحرر (ص 507).

(3)

الحاوي (ص 667).

(4)

في (د): (لا يغرم)، والمثبت هو الصواب.

(5)

انظر "مغني المحتاج"(4/ 471).

ص: 736

التحليف، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 667]:(فإن أقر .. ثبت، ولغير لا مجهول ومكذب .. حُلّف) وتبع فيه "الوجيز"(1)، ولم يتعرض له في "الروضة" وأصلها.

6290 -

قول "التنبيه"[ص 261]: (وإن كذبه المقر له .. أخذه الحاكم وحفظه إلى أن يجيء صاحبه) الأصح: أنه يترك في يد المقر، وهو الذي صدر به "المنهاج" كلامه ثم قال [ص 578]:(وقيل: يسلم إلى المدعي، وقيل: يحفظه الحاكم لظهور مالك) وقول "الروضة": فيه الأوجه الثلاثة السابقة في الإقرار (2)، يقتضي أن منها إجبار المقر له على أخذه لا تسليمه للمدعي كما تقدم في الإقرار.

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولم يقل ذلك أحد هنا، وكأنهم لما رأوا أن المدعي قائم بالدعوى والمقر له مكذب .. رجح عندهم جانب المدعي على جانب المقر له، فجعلوا بدل ذلك الوجه تسليمه للمدعي، ولو قيل به هنا .. لم يبعد، وهو أولى من الوجه الصائر إلى تسليمه للمدعي، وفي "المطلب": إنه بعيد لا أصل له؛ وليس ببعيد؛ لأنه مقتضى إقرار من العين في يده، وعبارة "الحاوي" توافق "المنهاج" فإنه ذكر تحليف المقر له إذا كان غير مجهول أو مكذب (3)، فدل على عدم انصراف الخصومة عن المقر إذا كان المقر له أحدهما، وذلك يدل على تركه في يده، ولو أخذه الحاكم منه أو سلم للمدعي .. لا تنصرف الخصومة عنه.

6291 -

قول "التنبيه"[ص 261]: (وإن أقر به لغائب .. انتقلت الخصومة إليه) و"المنهاج"[ص 578]: (فالأصح: انصراف الخصومة عنه) هو بالنسبة إلى رقبة العين المدعاة، أما بالنسبة إلى تحليف المدعى عليه .. فلا تنصرف على الأصح، بل له تحليفه من أجل تغريم البدل لو أقر له بها تفريعًا على التغريم للثاني فيمن قال: هذه الدار لزيد، ثم قال: هي لعمرو، وهو الأصح.

ويرد على "المنهاج": أن محل الخلاف: ما إذا لم يقم بينة بأنها للغائب، فإن أقامها .. ففي "أصل الروضة": أنه تنصرف الخصومة عنه لا محالة، ولا يجيء فيه الوجهان (4)، وعبارة "الحاوي" [ص 667]:(وتسمع بينته للغائب، ولا يثبت ملكه) أي: لا يحكم للغائب بالملك بهذه البينة؛ أي: سواء شهدت البينة بأنه في رهن المدعي أو إجارته أم لا، وعند التعرض لذلك وجه موجه بأنه مدع لنفسه حقا وقد أقام البينة عليه، فلا بد من إثباته، ولا يثبت إلا بثبوت الملك للغائب، قال الرافعي: ولا بأس بهذا الوجه وبتوجهه، والناقلون رجحوا الوجه الآخر (5).

(1) الوجيز (2/ 260).

(2)

الروضة (12/ 24).

(3)

الحاوي (ص 667).

(4)

الروضة (12/ 26).

(5)

انظر "فتح العزيز"(13/ 183).

ص: 737

6292 -

قول "المنهاج"[ص 578]: (ويوقف الأمر حتى يقدم الغائب، فإن كان للمدعي بينة .. قُضي بها) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه كلام متهافت؛ لأن وقف الأمر حتى يقدم الغائب ينافيه قوله: (فإن كان للمدعي بينة .. قضي بها)، وعبارة "المحرر" سالمة من هذا؛ فإنه قال:(فإن لم يكن للمدعي بينة .. توقف الأمر إلى أن يحضر الغائب، وإن كان له بينة .. فيقضى له)(1)، قال شيخنا: ووقف الأمر على ما قررناه محله بالنسبة إلى رقبة العين لا إلى تحليف صاحب اليد كما تقدم في الانصراف.

6293 -

قوله: (وهو قضاء على غائب، فيحلف معها)(2) في "أصل الروضة": إنه أقوى وأليق بالوجه المفرع عليه، واختاره الإِمام والغزالي، وأن العراقيين والروياني رجحوا أنه قضاء على حاضر (3).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن كونه قضاء على غائب مخالف لنص "الأم" و"المختصر" ولكثير من الأصحاب في الطريقين ولمقتضى الدليل بحيث يتبين أنه غلط، وأن مقابله هو المذهب المعتمد، ثم بسط ذلك.

6294 -

قول "المنهاج"[ص 578]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 666]: (وما قُبل إقرار عبدٍ به كعقوبة .. فالدعوى عليه، وعليه الجواب، وما لا كأرش .. فعلى السيد) فيه أمران:

أحدهما: أنه يرد عليه أمور لا تسمع الدعوى بها على أحدهما منفردًا، وإنما تسمع عليهما، منها: النكاح لا يثبت إلا بإقرارهما جميعًا، فتكون الدعوى به عليهما ما لم يعتق العبد.

ومنها: ضمان الإحضار؛ فإنه لا يقبل إقرار العبد فيه ومع ذلك لا تكون الدعوى فيه على السيد؛ لأنه لم يتعلق بمحض ذوات المنفعة المستحقة للسيد من جهة ما فيه من إتعاب العبد نفسه والسعي في إحضار المضمون، وذلك يعتبر فيه اجتماع العبد والسيد.

ومنها: النسب لا بد فيه من النظر إلى العبد بالإقرار وإلى السيد بالتصديق، ذكر ذلك شيخنا في "تصحيح المنهاج".

ثانيهما: مقتضى قوله: (وما لا كأرش .. فعلى السيد) أنه لو وجهت الدعوى هنا على العبد .. لم تسمع، وفيه وجهان، اختار الإِمام والغزالي إلى المنع (4)، والمقطوع به في "التهذيب" السماع إن كان للمدعي بينة أو لم تكن وقلنا: المردودة كالبينة، وإلا .. فلا، قال

(1) المحرر (ص 508).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 578).

(3)

الروضة (12/ 25).

(4)

انظر "نهاية المطلب"(19/ 199)، و"الوجيز"(2/ 260).

ص: 738