الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أحدها: أن مقتضاه: صدور عقد صلح، وليس كذلك، وانما دخلها عليه الصلاة والسلام قهراً بغير قتال، إلا في أسفلها .. فإنه وقع فيه بعض قتال، ولم يكن له أثر في فتحها؛ لحصوله من غير احتياج إليه، وفي " مختصر البويطي " عن الشافعي رضي الله عنه: أنه عليه الصلاة والسلام دخلها عنوة، وقد كان تقدم منه بمر الظهران لأبي سفيان: من دخل داره .. فهو آمن، ومن أغلق بابه .. فهو آمن، ومن ألقى سلاحه .. فهو آمن، ومن أعطى أماناً على نفسه .. فهو آمن على نفسه وماله، واحتج بقوله عليه الصلاة والسلام:"وهل ترك لنا عقيل من رباع"(1) لأنه لا يورث إلا ما كان الميت مالكًا له، قال شيخنا: وللصلح حالتان:
إحداهما: أن يكون على أن تكون البلد للمسلمين، وتقر في أيدي أهليها بخراج يؤدونه.
والثانية: أن يكون البلد لهم يؤدون خراجه، قال: ولم يتفق شيء من الحالتين في مكة، ولو اتفقت الحالة الأولى .. كانت الأرض والدور وقفاً؛ إما بنفس الاستيلاء على الأصح عندنا، وإما بوقف الإمام على ما رجحه الرافعي والنووي (2)، فيؤدي ذلك إلى أنه لا تباع أرضها ولا دورها، وهو خلاف مذهب الشافعي، وأيضًا فالمشركون لا يضرب عليهم جزية، فلا يقر في أيديهم أرض بالخراج، ولكن من أسلم قبل الفتح .. فداره على ملكه لم تخرج عنه باستيلاء الكفار، ومن أسلم بعده .. أجرى عليه حكم الأمان.
ثانيها: أن تعبيره بالفاء يقتضي ترتب كونها ملكا على الصلح، وليس كذلك، بل مقتضى الصلح: أنها وقف؛ لأنها فيءٌ، وهو وقف إما بنفس حصوله، واما بإيقافه كما تقدم.
ثالثها: ومقتضاه: أنها على العنوة لا تباع، وليس كذلك؛ لأن المفتوح عنوة غنيمة مخمسة، والصواب: أنه عليه الصلاة والسلام أقرَّ الدّورَ بِيَدِ أهلها على الملك الذي كانوا عليه، ولا نظر في ذلك إلى أنها فتحت صلحاً أو عنوة، ولا يرد شيء من ذلك على قول "الحاوي" [ص 609]:(ومكة ملك) لأن ذلك ثابت لها على كل حال، وهو المقصود، وليس متفرعا على الصلح ولا على عنوة، والله أعلم.
فصل [في الأمان]
5341 -
قول "التنبيه"[ص 233]: (ومن أمنه مسلم بالغ عاقل مختار .. حرم قتله) فيه أمور: أحدها: أن محله أمان الآحاد في ما إذا كان المؤمّن واحدًا أو عددًا محصوراً كما صرح به
(1) أخرجه البخاري (2893)، (4032)، ومسلم (1351).
(2)
انظر "فتح العزيز"(11/ 450)، و"الروضة"(10/ 275).
"المنهاج" و "الحاوي"(1)، فلا يجوز أمان أهل ناحية وبلدة، وضابطه: ألَاّ ينسد به باب الجهاد في تلك الناحية، قال الإمام: ولو أمن مئة ألف من المسلمين مئة ألف من الكفار .. فكل واحد لم يؤمّن إلا واحداً، لكن إذا ظهر انسداد أو نقصان .. فأمان الجميع مردود (2)، قال الرافعي: ولك أن تقول: إن أمنوهم معاً .. فرد الجميع ظاهر، وإن آمنوا متعاقبين .. فينبغي أن يصح أمان الأول فالأول إلى ظهور الخلل، على أن الروياني ذكر أنه لو أمّن كل واحد واحداً .. جاز وإن كثروا حتى زادوا على عدد أهل البلدة (3)، قال النووي: المختار: أنه يصح أمان المتعاقبين إلى أن يظهر الخلل، وهو مراد الإمام. انتهى (4).
وفي النكاح عن الغزالي: أن كل عدد لو اجتمعوا في صعيد لعسُر على الناظر عددهم بمجرد النظر؛ كالألف .. فغير محصور، وإن سهل؛ كالعشرة والعشرين .. فمحصور؛ وبين الطرفين أوساط يلحق بأحدها بالظن، وما وقع فيه الشك .. استفتي فيه القلب (5).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": النظر إلى القلة والكثرة لا إلى الحصر وغيره، والرجوع في القلة والكثرة إلى العرف، هذا على مقتضى ما قاله الأصحاب، والأرجح عندنا: الجواز من غير تقييد بما ذكروه، لكن لا يصل إلى ما يتعلق بالولاية العامة، قال: ولم يقيد الشافعي أمان الآحاد من حر وعبد بالمحصور.
ثانيها: أنه لم يذكر سوى تحريم قتله مع أنه يفيد أيضًا منع الاسترقاق والمفاداة، وقد يفهم ذلك من إطلاق "المنهاج" و"الحاوي" صحة تأمينه، ومن تصريحهما بأنه لا يدخل في الأمان ما معه من أهله وماله إلا بالشرط (6).
ثالثها: يستثنى منه: من تامينه يضر المسلمين كجاسوس، كما صرح به "المنهاج" و"الحاوي"(7).
رابعها: يستثنى من كلام الثلاثة: الأسير، فلا يجوز للآحاد أمانه ولا المنّ عليه كما جزم به في "الروضة" وأصلها (8)، وقيده الماوردي بغير الذي أسره، فيجوز للذي أسره تامينه إذا كان باقياً في
(1) الحاوي (ص 611)، المنهاج (ص 523).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 474، 475).
(3)
انظر "فتح العزيز"(11/ 457).
(4)
انظر "الروضة"(10/ 279).
(5)
انظر "الروضة"(7/ 116، 117).
(6)
الحاوي (ص 611)، المنهاج (ص 523).
(7)
الحاوي (ص 611)، المنهاج (ص 523).
(8)
فتح العزيز (11/ 457)، الروضة (10/ 279).
يده لم يقبضه الإمام، كما يجوز قتله، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وقد يمنع جواز قتله، فيترتب عليه منع أمانه.
خامسها: يستثنى منه أيضًا: المرأة؛ ففي عقد الأمان لها استقلالًا وجهان في "أصل الروضة" بغير ترجيح (1)، وقياسه: جريانه في العبد، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": المعتمد عندنا الجزم بجواز عقد الأمان للمرأة والعبد استقلالاً.
5342 -
قول "التنبيه"[ص 233]: (ومن أمنه أَسِير قد أطلق باختياره .. حرم قتله) مخالف لقول "الحاوي"[ص 611]: (لا الأسير) و"المنهاج"[ص 523]: (ولا يصح أمان أسير لمن هو معهم في الأصح) ومحل الخلاف: في المختار، فلو كان مكرهاً .. لم يصح قطعاً، وذلك مفهوم من اشتراطه أولًا الاختيار؛ ولذلك قال شيخنا الإسنوي في "تصحيح التنبيه": الأصح: بطلان أمان الأسير الذي قد أُطلق من الحبس والقيد وبقي عندهم ممنوعا من الخروج، وإن كان أمانه باختيار، على عكس ما في "التنبيه" لأنه مقهور في أيديهم.
وقال النشائي في "نكته": الأسير نوعان:
أحدهما: أسير الدار، وهو الذي أُطلق من القيد والحبس، وأمنوه على أن لا يخرج من دارهم فبقي فيها عاجزأ عن الخروج، وهي مسألة "التنبيه"، وقوله:(باختياره) متعلق بقوله: (أمنه) فيصح أمانه كما صرح به في "الكفاية"، وإن حكى أن بعضهم أطلق الخلاف.
الثاني: أسير القيد أو الحبس الذي قد أخرجه الشيخ بقوله: (قد أطلق) كما صرح به في "الكفاية"، والأصح: أنه لا يصح أمانه، وهذا هو النوع الذي في الرافعي كما أشار إليه في "الكفاية"، فليت المستدرك فهمه (2).
قلت: فإن صح ذلك .. ورد على إطلاق "المنهاج" و"الحاوي"، وقبلهما الرافعي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل تصحيح بطلان أمانه: ما إذا لم يكن في أمان ممن هو في أسره، فإن كان في أمان منه .. صح أمانه إياه إذا صدر منه مع معرفته وجه النظر، وفي كلام الرافعي ما يقتضيه؛ فإنه (3) وجّه المنع بأنه مقهور في أيديهم؛ لا يعرف وجه النظر والمصلحة، وبأن الأمان يقتضي أن يكون المؤمّن آمنّا، والأسير في أيديهم ليس بآمن (4)، وصرح الماوردي بذلك فقال بعد حكايته عن الشيخ أبي حامد: أنه إذا أمن غير مكره .. صح، وإن لم يكن في أمان منه ..
(1) الروضة (10/ 279).
(2)
نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 179).
(3)
في النسخ: (بأنه)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.
(4)
انظر "فتح العزيز"(11/ 464).
لم يصح أمانه؛ لأن الأمان ما اقتضى التساوي فيه.
5343 -
قول "المنهاج"[ص 523]: (ويصح بكل لفظ يفيد مقصوده) قسمه في "أصل الروضة" إلى صريح؛ كأجَرْتُكَ، أو أنت مُجَار، أو أمَّنتك، وأنت آمنٌ، أو في أماني، أو لا بأس عليك، أو لا خوف عليك، أو لا تخف، أو لا تفزع، وقال الماوردي: هما كناية، أو قال بالعجمية: مترس، وإلى كناية؛ كقوله: أنت على ما تحب، أو كن كيف شئت، ولا بد في الكناية من نية، ومنها الكتابة، ولا بد فيها من نية (1).
5344 -
قول "المنهاج"[ص 523]: (ويشترط علم الكافر بالأمان) تبع فيه القاضي والبغوي (2)، ونازع شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: لم يعتبره الشافعي ولا العراقيون، والسنة الصحيحة ترده، والمعتبر علم المسلمين لا علم ذلك الكافر، ومن العجيب ما ذكره الإمام والرافعي: أنه لو قتله المؤمّن قبل علمه بالأمان .. جاز (3).
5345 -
قوله: (وكذا - أي: يبطل الأمان - إن لم يقبل في الأصح)(4) و"الحاوي"[ص 611]: (بقبولٍ) نازع فيه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: إنه مخالف لمقتضى نصوص الشافعي رضي الله عنه؛ فإنه لم يعتبر القبول، ولما عليه السلف والخلف، قال: ولم أجد اعتباره في كلام العراقيين ومن تبعهم.
وقال شيخنا ابن النقيب: الذي في "الروضة" و"الشرحين": قال الإمام: فيه تردد، قال الإمام: والرأي الظاهر اشتراط قبوله، وبه قطع الغزالي، واكتفى البغوي بالسكوت؛ فإطلاق "المنهاج" الوجهين والتصحيح فيه نظر؛ فإن أصله تردد للإمام، والترجيح بحث له، والغزالي فرعه له، والمنقول ما في "التهذيب". انتهى (5).
5346 -
قول "المنهاج"[ص 523]: (وتكفي إشارة مفهمة للقبول) لا معنى لتقييده بالقبول؛ فالإيجاب كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي"[ص 611]: (ولو إشارة مفهمة فيهما) وفي معنى الإشارة: ما إذا بدتْ عليه مخايل القبول، كما صرح به الإمام (6).
5347 -
قول "المنهاج"[ص 523]: (ويجب ألَّا تزيد مدته على أربعة أشهر) و"الحاوي"[ص 611]:
(1) الروضة (10/ 279).
(2)
انظر "التهذيب"(7/ 480).
(3)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 472)، و "فتح العزيز"(11/ 461).
(4)
انظر "المنهاج"(ص 523).
(5)
السراج على نكت المنهاج (8/ 31)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 472)، و"الوجيز"(2/ 194)، و"التهذيب"(7/ 480)، و"فتح العزيز"(11/ 461)، و"الروضة"(10/ 280).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 472).
(أربعة أشهر) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه يقتضي أن أمان الآحاد لا بد من تقييده بهذه المدة فما دونها، وهذا لم يقله الشافعي ولا أحد من أصحابه القدماء، وإنما التبس ذلك على بعضهم، فخلط أمان الإمام بأمان الآحاد، وقد قال الماوردي في أمان الآحاد: إنه ليس له تقدير مدته، وينظر الإمام فيه، فإن كان من المصلحة إقراره .. أقرّه على الأمان، وقرر له مدة مُقامه (1).
5348 -
قول "المنهاج"[ص 523]: (وفي قول: يجوز ما لم تبلغ سنة) يقتضي أن بلوغه سنة محل قطع بالمنع، وكذا هو في "الروضة" وأصلها في الهُدنة (2)، لكن الرافعي هنا أدخل السنة في الخلاف (3)، فأصلحه في "الروضة" من غير تمييز، وعبر بالصواب كما هنا (4).
5349 -
قوله: (ولا يجوز أمان يضر بالمسلمين كجاسوسٍ)(5) و"الحاوي"[ص 611]: (لا جاسوساً) يقتضي أن شرط الأمان: انتفاء الضرر دون ظهور المصلحة، وبه صرح في "أصل الروضة"(6)، لكن قال القاضي حسين في " تعليقه ": قال أصحابنا: إنما يجوز إذا اتصل بالمصلحة، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو الأرجح في النظر، ثم لا يخفى أن ذلك في أمان الآحاد، أما أمان الإمام .. فلا يجوز إلا بالنظر للمسلمين، نص عليه.
5350 -
قول "المنهاج"[ص 523]: (وليس للإمام نبذ الأمان إن لم يخف خيانة) لا يختص ذلك بالإمام؛ فالمؤتمن له من الآحاد كذلك؛ ولذلك قال في "أصل الروضة": هو لازم من جهة المسلمين (7)، وقال القاضي حسين: هو لازم من جهة المؤمن، لا يجوز له نبذه إلا بعذر.
5351 -
قوله: (ولا يدخل في الأمان ماله وأهله بدار الحرب، وكذا ما معه منهما في الأصح إلا بشرط)(8) و"الحاوي"[ص 611]: (بأهل ومال معه إن شُرط) فيه أمور:
أحدها: كونه لا يدخل في الأمان أهله وماله بدار الحرب ذكره في "النهاية"(9)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أره لأحد قبله، ونصوص الشافعي تقتضي بإطلاقها حصول الأمان في المال حيث كان، وكذلك كلام أصحاب الطريقين.
ثانيها: كونه لايدخل في الأمان ما معه منهما إلا بشرط أطلق تصحيحه في
(1) انظر "الحاوي الكبير"(14/ 340).
(2)
الروضة (10/ 335).
(3)
انظر "فتح العزيز"(11/ 462).
(4)
الروضة (10/ 281).
(5)
نظر "المنهاج"(ص 523).
(6)
الروضة (10/ 281).
(7)
الروضة (10/ 281).
(8)
انظر "المنهاج"(ص 523).
(9)
نهاية المطلب (17/ 491).
"الروضة"(1) أيضًا، وقال في "المحرر" و"الشرح الصغير": إنه رُجح (2)، ولم ينقل الترجيح في "الشرح الكبير" إلا عن الإمام، وقال: وفيه مزيد نورده في خاتمة الكتاب (3)، والذي ذكره هناك وجهان بلا ترجيح، ثم قال: وفي "البحر" تفصيل حسن، وهو أنه إذا أطلق الأمان .. يدخل فيه ما يلبسه من ثياب، وما يستعمله في حرفته من الآلات، وما ينعقد في مدة الأمان؛ للعرف الجاري بذلك، أو مركوبه إن كان لا يستغني عنه، ولا يدخل غير ذلك (4)، وقال الرافعي في أثناء الباب وتبعه في "الروضة": لو دخل كافر دارنا بأمان أو ذمة .. كان ما معه من المال والولد في أمان، فإن شرط الأمان فيهما .. فهو تأكيد (5).
وقال في "المهمات": إن الراجح: الدخول مطلقًا، وحكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج" عن نص البويطي أنه قال: ومن أعطي أماناً على نفسه .. فهو اَمن على نفسه وماله، قال شيخنا: وهذا النص يتناول ما حضر وما غاب في دار الحرب وغيرها، قال: وفي "الأم" في "سير الواقدي": (وإذا قَدِمَ الحربي دار الإسلام بأمان فمات .. فالأمان لنفسه وماله، ولا يجوز أن يُؤخذ من ماله شيء، وعلى الحاكم أن يرده إلى ورثته حيث كانوا)(6)، قال شيخنا: والمراد بما معه: ما في دار الإسلام وإن لم يكن معه، وبالأهل: صغار أولاده، وأما زوجته .. فلا تدخل، إلا إذا صرح بذكرها.
ثالثها: كلامهما يقتضي أنه لا يدخل بالشرط إلا ما معه، وليس كذلك، بل يدخل بالشرط ما بدار الحرب إذا كان ذلك من الإمام أو من يقوم مقامه بالولاية العامة، حكاه في "أصل الروضة" عن الماوردي، وأقره (7).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وعندنا يدخل في الإطلاق من أمان الآحاد؛ فعند الشرط أولى.
رابعها: مقتضى إطلاقهما أن الأهل والمال مقيدان بمدة أمان النفس، وليس كذلك؛ فقد ذكر الماوردي أن أمانه على ماله غير مقدر، وفي ذريته وجهان، قال شيخنا: والأرجح: أنه لا يتقدر في الذرية؛ إذ لا جزية عليهم.
(1) الروضة (10/ 281).
(2)
المحرر (ص 452).
(3)
فتح العزيز (11/ 463).
(4)
انظر "الروضة"(10/ 295).
(5)
فتح العزيز (11/ 475)، الروضة (10/ 289).
(6)
الأم (4/ 278).
(7)
الروضة (10/ 289).
خامسها: تعبير "الحاوي" بقوله [ص 611]: (أهل ومال) أحسن من تعبير "المنهاج" [ص 523، بـ (ماله وأهله) لأنه يخرج عنه ما إذا كان معه مال لغيره، وقد ذكر الربيع أنا لا نتعرض له في ماله ولا في مال غيره الذي معه.
5352 -
قول "التنبيه"[ص 231]: (من لا يقدر على إظهار الدين في دار الحرب وقدر على الهجرة .. وجب عليه أن يهاجر) أحسن من تعبير "المنهاج"[ص 524] بـ (دار الكفر) لأنه يدخل في تعبيره بلد الهُدنة؛ فهي دار كفر، إلا أن أهلها ليسوا أهل حرب، وقد ذكر شيخنا الإمام البلقيني: أنه لا تجب الهجرة منها؛ لأن شرط رد الرجال المسلمين إليهم، وردُّ النبي صلى الله عليه وسلم أبا جندل وأبا بصير - على معنى أنه مكنهم منها - دليلٌ على أنه لا تحرم الإقامة في بلد الهدنة لمن لا يقدر على إظهار دينه. انتهى
وعليه يدل تعبير "التنبيه" بدار الحرب، واستثنى شيخنا أيضًا من كلامهما: ما إذا كان في مقامه مصلحة للمسلمين، قال: فلا يجب عليه الهجرة، وتجوز له الإقامة، بل ترجح على الهجرة؛ فقد قيل: إن إسلام العباس كان قبل بدر، وكان يكتم إسلامه، ويكتب بأخبار المشركين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويتقوى به المسلمون، وكان يحب الهجرة، فكتب إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن مقامك بمكة خير"(1).
5353 -
قولهما: (ومن قدر على إظهار الدين .. استحب له أن يهاجر)(2) محله: ما إذا لم يرج ظهور الإسلام هناك بمقامه، فإن رجا .. فالأفضل أن يقيم، وإن قدر على الامتناع في دار الحرب والاعتزال .. وجب عليه المقام بها؛ لأن موضعه دار الإسلام، فلو هاجر لصار دار حرب .. فيحرم ذلك، حكاه في زيادة "الروضة" عن الماوردي، وأقره (3).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه معتمد، قال: وذكر الماوردي: أنه إذا تساوى حاله في المقام والهجرة؛ بأن لم يرج بهجرته نصره المسلمين ولا بمقامه ظهور الإسلام .. فهو بالخيار بين المقام والهجرة (4)، قال شيخنا: وفيه نظر؛ فالهجرة إلى دار الإسلام أرجح.
5354 -
قول "المنهاج"[ص 524]: (ولو أطلقوه على أنهم في أمانه .. حرم - أي: اغتيالهم - فإن تبعه قوم .. فليدفعهم) كذلك عكسه، وهو: ما إذا شرطوا أنه في أمان منهم ولم يستأمنوه .. فيحرم عليه اغتيالهم؛ لأن الأمان لا يكون في أحد الطرفين، وقد اقتصر "الحاوي" على الثانية،
(1) ذكره ابن عبد البر في "الاستيعاب"(2/ 812)، والمزي في "تهذيب الكمال"(14/ 226).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 231)، و "المنهاج"(ص 524).
(3)
الروضة (10/ 282)، وانظر "الحاوي الكبير"(14/ 104).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(14/ 104).
فقال [ص 614]: (وقتل تابعه دفعاً لا غيراً إن أمّنُوه) واستثنى الشافعي رضي الله عنه في "الأم" من ذلك: ما إذا قالوا: قد أمناك ولا أمان لنا عليك (1)، وهو يدل على أن الأمان قد يكون من جانب واحد، والذي في "المحرر": ما إذا أمنوه وأمنهم، وفي بعض نسخه عطفه ب (أو)، فيكون فيه التصريح بالمسألتين (2).
5355 -
قول "المنهاج"[ص 524]: (ولو شرطوا ألَّا يخرج من دارهم .. لم يجز الوفاء) لا يخفى أن محله: فيما إذا لم يقدر على إظهار دينه هناك؛ لكونه سبق قريبًا أن الهجرة للقادر على إظهار دينه مستحبة.
5356 -
قوله: (ولو عاقد الإمام علجاً يدل على قلعة وله منها جارية .. جاز)(3) فيه أمور:
أحدها: أن العلج هو: الكافر الغليظ الشديد كما في "أصل الروضة"(4) فالتقييد به يقتضي أنه لا يصح هذا العقد مع مسلم، وبه صرح "الحاوي" فقال [ص 613]:(وإن دل علج لا مسلم)، وهو الذي صححه الإمام (5)، لكن ذهب العراقيون إلى الجواز؛ ولهذا أطلق "التنبيه" قوله [ص 234]:(ويجوز أن يشرط لمن دله على قلعة جعلاً) لكنه قال بعده: (فإن كان المجعول له كافراً .. جاز أن يجعل له جعلاً مجهولاً)(6) فدل على أنه لا يجوز أن يجعل للمسلم جعلاً مجهولاً، وهو موافق لتصحيح الإمام، وذكر شيخنا الإسنوي في "التنقيح": أن الأصح في "الروضة": قول العراقيين، وأشار النشائي وصاحب "التوشيح" إلى توهيمه في ذلك، وأن التصحيح ليس في "الروضة"(7)، لكن كلامه في "الروضة" وأصلها فى (الغنيمة) يقتضيه؛ فإنه بعد أن ذكر أن النفل زيادة مال على سهم الغنيمة مثل للنفل بامور: منها المذكور هنا (8)، وقد علم أن السهم لا يكون إلا لمسلم؛ فيلزم من إطلاقه وتعبيره بالسهم جوازه مع المسلم.
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه الأصح، وعليه مشى شيخنا الإسنوي في "تصحيح التنبيه"(9)، قال الإمام: والوجهان مفرعان على تجويز استئجار المسلم للجهاد، وإلا .. فلا
(1) الأم (4/ 247).
(2)
المحرر (ص 452).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 524).
(4)
الروضة (10/ 285).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 477).
(6)
التنبيه (ص 234).
(7)
انظر "نكت النبيه على أحكام التنبيه"(ق 180).
(8)
الروضة (6/ 368).
(9)
تذكرة النبيه (3/ 451).
تصح هذه المعاملة مع مسلم، ولا يستحق أجرة المثل (1).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وما قاله ممنوع؛ فإن هذا ليس من الاستئجار للجهاد في شيء، وإنما هذا نظير من يستأجره الإمام من المسلمين؛ لدلالة الطريق إلى الكفار، وذلك جائز.
ثانيها: المراد: الدلالة على قلعة بعينها كما صوره في "الروضة" وأصلها، وكلام الثلاثة يقتضي جوازه على قلعة مبهمة، وذكر شيخنا الإسنوي في "التنقيح": أن كلام "التنبيه" في قلعة مبهمة. انتهى.
فلو ذكرها مبهمة في قلاع معينة .. فكلام شيخنا في "تصحيح المنهاج" يميل إلى الجواز؛ لقلة الغرر في ذلك.
ثا لثها: تعبير "المنهاج"[ص 524] و"الحاوي"[ص 613] ب (الجارية) مثال، وتعبير "التنبيه"[ص 234] ب (الجعل) حسن؛ لشموله.
5357 -
قول "المنهاج"[ص 524]: (فإن فتحت بدلالته .. أعطيها) المراد: أن يفتحها من شارطه، فلو فتحها طائفة أخرى بالطريق التي دلنا عليها .. فلا شيء له؛ لأنه لم يجر معهم شرط؛ ولذلك قال "الحاوي" [ص 613]:(وفتحنا به لا غيرنا) وأن يكون الفتح عنوة، فلو فتحت صلحاً .. فقد ذكرها "الحاوي" بعد ذلك فقال [ص 613]:(وإن شرط زعيمها أمان أهله وهي منه، ولم يرض واحد بعوض .. رُدّ ورد إلى مامنه) وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل هذا: ما إذا كانت الجارية ملكاً لصاحب القلعة، فإن لم تكن ملكاً له .. فكيف يكون له أخذ العوض عن شيءٍ ليس في ملكه، والذي ينبغي في هذه الحالة: أن تسلم للدليل، ولا شيء لصاحب القلعة. انتهى.
ولا يرد ذلك على تعبير "التنبيه" لأنه قال [ص 234]: (وإن فتحت صلحاً فامتنع صاحب القلعة من تسليم الجارية وامتنع المجعول له من قبض قيمتها .. فسخ الصلح) فلم يذكر في عبارته أخذ صاحب القلعة عوضاً عن الجارية، لكن تعبير "الحاوي"[ص 613] ب (العوض) أعم من تعبير "التنبيه"[ص 234] ب (القيمة)، وعبر ابن يونس في "النبيه" ب (البدل)، وقال في "التنويه": هو أولى من القيمة؛ ليتناول غيرها من جواري القلعة؛ فإنه لو رضي بها .. جاز كما في "المهذب"(2).
5358 -
قول "المنهاج"[ص 524]: (أو بغيرها .. فلا في الأصح) وهو مفهوم لفظ "الحاوي" المتقدم، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع، بل ظواهر نصوص الشافعي رضي الله
(1) انظر "نهاية المطلب"(17/ 480).
(2)
المهذب (2/ 244).
عنه وإطلاق الأصحاب الاستحقاق، وهو الصواب، والرافعي إنما نقل هذا الترجيح في "شرحه" عن ابن كج (1).
5359 -
قول "الحاوي"[ص 613]: (وقيمتها إن ماتت) أي: بعد الظفر؛ ولهذا قال "المنهاج"[ص 524]: (أو بعد الظفر قبل التسليم .. وجب بدلٌ).
5360 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (وإن ماتت قبل الفتح .. ففيه قولان، أحدهما: يدفع إليه قيمتها، والثاني: لا شيء له) الأظهر: الثاني كما في "المنهاج"(2)، وكذا في الرافعي، ورجح في " أصل الروضة" طريقة القطع به (3)، ولولا تقييدنا كلام "الحاوي" بما بعد الظفر (4) .. لتناول هذه الصورة، ورجح شيخنا في "تصحيح المنهاج": القطع بوجوب البدل عكس المرجح في "الروضة"، وقال: إنه المنصوص في "الأم" و"المختصر"، وليس له نص يخالفه.
5361 -
قول "المنهاج"[ص 524]: (وإن أسلمت .. فالمذهب: وجوب بدل) يتناول إسلامها قبل العقد وبعده، سواء أكان قبل الظفر أم بعده؛ ولذلك أطلق "الحاوي" إسلامها (5)، واستثنى شيخنا في "تصحيح المنهاج" من ذلك مسألتين: إحداهما: أن تسلم قبل العقد، ويعلم بذلك، وبأنها قد فاتته .. فلا شيء له؛ لأنه عمل متبرعاً.
ثانيهما: أن يسلم بعد العقد والظفر .. ففي "الروضة" وأصلها بناؤه على شراء الكافر عبداً مسلماً إن جوزناه .. سلمناها إليه، ثم يؤمر بإزالة الملك، وإن لم نجوزه .. لم تسلم إليه (6).
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا البناء عندنا مردود؛ بل يستحقها قطعاً؛ لأنه استحقها بالظفر وقد كانت إذ ذاك كافرة، فلا يرتفع ذلك بإسلامها كما لو ملكها ثم أسلمت، ولكن لا تسلم إليه، بل يؤمر بإزالة الملك كما لو أسلم العبد الذي باعه المسلم للكافر قبل القبض، ولكن هناك يقبضه له الحاكم، وهنا لا يحتاج إلى قبض. انتهى.
ويوافق ذلك تقييد "التنبيه" إسلامها بكونه قبل الفتح (7).
5362 -
قول "المنهاج"[ص 524]: (وهو أجرة مثل، وقيل: قيمتها) فيه أمور:
(1) فتح العزيز (11/ 469).
(2)
المنهاج (ص 524).
(3)
فتح العزيز (11/ 471)، الروضة (10/ 286).
(4)
الحاوي (ص 613).
(5)
الحاوي (ص 613).
(6)
فتح العزيز (11/ 473)، الروضة (10/ 288).
(7)
التنبيه (ص 234).
أحدها: إنما ذكر في "المحرر" هذا الخلاف فيما إذا ماتت، وكذا في "الروضة" وأصلها (1)، فذكره في إسلامها غير مطابق لأصله.
ثانيها: ذكر الإمام أن إيجاب أجرة المثل مبني على أنه مضمون ضمان عقد، وقيمتها مبني على ضمان اليد (2)، وتبعه في "المحرر"(3)، فمشى عليه "المنهاج"، لكنه قال في "الشرح" وتبعه في "الروضة": هكذا قاله الإمام، ولكن الأظهر من قولي الصداق: وجوب مهر المثل، والموجود لجمهور الأصحاب هنا قيمة الجارية (4)، وعليه مشى "التنبيه" فقال [ص 234]:(وإن فتحت عنوة وأسلمت الجارية قبل الفتح .. دفع إليه قيمتها) و"الحاوي" فقال [ص 613]: (وقيمتها إن ماتت أو أسلمت) ونص عليه في "الأم" في آخر (سير الواقدي) فقال: (وإن كانت الجارية قد أسلمت قبل أن يُظفر بها .. فلا سبيل إليها، ويعطى قيمتها، كأن ماتت .. عُوِّض منها بالقيمة)(5) حكاه في "المهمات"، وقال: كأن الرافعي حالة تصنيف "المحرر" لم يستوعب المسألة من الشرح، بل نظر أوائلها فقط.
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن المعتمد القطع به، قال: والسبب في امتناع مجيء أجرة المثل هنا: أن هذه المعاملة سومح فيها للحاجة إلى نكاية الكفار والفتح على المسلمين، فنظر فيها إلى الذي انصب قصد الدال إليه، وهو الجارية؛ فحيث غرمنا عوضها .. فهو قيمتها؛ لأن الدال إنما يشترط شيئاً زائداً كثيراً على أجرة مثله في العادة، فإذا تخيل أنه لا يحصل له إلا أجرة مثله .. يفر وفات المقصود.
ثالثها: قوله: (وقيل: قيمتها) يقتضي أنه وجه، وهو في "المحرر" قول (6)، ولهذا وقع في بعض نسخ "المنهاج":(وفي قول).
رابعها: قال في "أصل الروضة": محل الخلاف: إذا كانت جارية معينة، فإن كانت مبهمة ومات كل من فيها من الجواري وأوجبنا البدل .. فيجوز أن يقال: يرجع بأجرة المثل قطعاً؛ لتعذر تقويم المجهول، ويجوز أن يقال: تسلم إليه قيمة من تسلم إليه قبل الموت (7).
5363 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (فإن كان المجعول له كافراً .. جاز أن يجعل له جعلاً مجهولاً)
(1) المحرر (ص 453)، فتح العزيز (11/ 471)، الروضة (10/ 286، 287).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 478، 479).
(3)
المحرر (ص 453).
(4)
فتح العزيز (11/ 472، 473).
(5)
الأم (4/ 285).
(6)
المحرر (ص 453).
(7)
الروضة (10/ 287).
محله: فيما إذا كان من القلعة، فإن كان مما في أيدي المسلمين .. لم يجز أن يكون مجهولاً؛ للقدرة على نفي الجهالة، وتقدم أن الراجح: جواز الجعل المجهول من القلعة ولو مع مسلم.
5364 -
قوله: (وإن حاصر قلعة فنزل أهلها على حكم حاكم .. جاز، ويجب أن يكون الحاكم حراً مسلماً ثقة من أهل الاجتهاد)(1) ظاهره أن المراد: الاجتهاد في الأحكام الشرعية: وقد قال الرافعي: أطلقوا أنه يشترط كونه عالماً، وربما قالوا: فقيهاً، وربما قالوا: مجتهداً، قال الإمام: ولا أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي؛ ولعلهم أرادوا: التهدِّي إلى طلب الصلاح وما فيه النظر للمسلمين. انتهى (2).
ولهذا قال "الحاوي"[ص 613]: (بصير بمصالح القتال) ويشترط فيه أيضًا: الذكورة، والبلوغ، والعقل، وقد ذكرها "الحاوي"(3)، وقد تستنبط من كونه من أهل الاجتهاد.
5365 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (فإن حكم بعقد الذمة .. لم يلزم، وقيل: يلزم) الأصح: الثاني، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 613]:(وبالجزية .. أُجبر).
5366 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (وإن حكم بقتل الرجال ورأى الإمام أن يمن عليهم .. جاز) قد يفهم جواز استرقاقهم، وليس كذلك؛ ولهذا قال "الحاوي" [ص 613]:(وبه - أي: بالقتل - لم يُرق) وهذا أسير يجوز قتله والمن عليه والاسترقاق.
5367 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (وإن أسلموا بعد الحكم .. سقط القتل وبقي الباقي) صوره القاضي أبو الطيب بما إذا حكم بقتل الرجال وسبي الذرية وأخذ الأموال، ويجوز أن يكون مراده: سقط القتل إن كان قد حكم به، وبقي الباقي إن كان المحكوم به غير القتل، وكذا صور الجيلي والنووي في "نكته"، وعبارة "الحاوي" [ص 613]:(ويُرق المحكوم به إن أسلم).
5368 -
قول "التنبيه"[ص 234]: (وإن مات الحاكم قبل الحكم .. رُدوا إلى القلعة) محله: ما إذا لم يتفقوا على حاكم غيره.
5369 -
قوله فيما إذا غلب الكفارُ المسلمين على أموالهم وغنمت: (وإن لم يعلم حتى قسم .. عوّض صاحبها من خمس الخمس)(4) المراد بصاحبها: من وقعت في سهمه، وليس المراد به: مالكها كما في قوله أولاً: (فإن استرجعت .. وجب ردها على أصحابها)(5) فإن المراد هناك: ملاكها.
(1) انظر "التنبيه"(ص 234).
(2)
فتح العزيز (11/ 479، 480)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 541).
(3)
الحاوي (ص 613).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 235).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 235).
باب (1) عقد الذمة وضرب الجزية
5370 -
كذا في "التنبيه"(2)، وحذف ابن يونس في "النبيه" ضرب الجزية؛ لأنها من موجبات عقد الذمة، فلا يترجم بها بابه، واقتصر "المنهاج" على الجزية (3).
5371 -
قول "المنهاج"[ص 525]: (صورة عقدها: "أقركم بدار الإسلام أو أذنت في إقامتكم على أن تبذلوا جزية وتنقادوا لحكم الإسلام") فيه أمور:
أحدها: عبارة "المحرر" و"الروضة" وأصلها: (أقررتكم)(4) بصيغة الماضي، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يكفي المضارع، إلا أن يقصد به العاقد الحال والمستقبل؛ لانسلاخه عن معنى الوعد.
ثانيها: لا يختص ذلك بدار الإسلام؛ فقد يقرهم بالجزية في دار حرب؛ ولذلك لم يقيده "الحاوي" بدار الإسلام، وحينئذ .. فيجب الذب عنهم إن اتصلت دارهم بدار الإسلام أو شرط الذب عنهم، وإلا .. فلا.
ثالثها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يتعرض فيه لعصمة الدماء، ولا بد منه في عقد الجزية، وقد ذكره في "الأم". انتهى.
ولم يتعرض لذلك في "الحاوي" أيضاً.
رابعها: أطلق دار الإسلام، ولا ينبغي إطلاقه في العقد، بل يقيد بغير الحجاز وإن ذكر ذلك في الأحكام، لكن الشأن في ذكره في العقد؛ ولذلك قال "الحاوي"[ص 615، 616]: (إذن الإمام ونائبه القرار في غير مكة والمدينة واليمامة وقُراها كالوَجّ والطائف) كذا وقع في "الحاوي": (الوج) بألف ولام؛ وهي عجمة، وصوابه:(وج) بحذفها كما نطق به في (الحج).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": فإن قيل: فإذا أطلق ولم يستثن .. يفسد العقد أو يفسد الإطلاق ويتقيد بغير الحجاز؟
قلنا: هذا محتمل، والأرجح: الثاني.
خامسها: مقتضاه: أنه لو ضم إلى ذلك: ما شئت أو ما شاء الله أو ما شئتم .. لم يصح، وهو في الأوليين كذلك، ويصح في الثالثة؛ ولذلك قال "الحاوي"[ص 615، 616]: (مطلقاً أو ما شاء، لا الإمام).
(1) في (ج)، (د):(كتاب).
(2)
التببيه (ص 236).
(3)
المنهاج (ص 525).
(4)
المحرر (ص 454)، فتح العزيز (11/ 492)، الروضة (10/ 297).
سادسها: مقتضى هذا التعبير: اختصاصه بلفظ الخطاب، وليس كذلك، فلو عقد لغائبين فرضوا بذلك عند بلوغ الخبر .. جاز، وكلام الشافعي رضي الله عنه يدل له؛ ولذلك لم يعبر "الحاوي" بلفظ الخطاب.
سابعها: أطلق هو و"التنبيه" بذل الجزية، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا بد من اشتراط القيام بها رأس كل سنة من العقد؛ لئلا يؤدي إلى الجهالة بوقت استحقاق الأداء. انتهى.
ويوافقه قول "الحاوي"[ص 616]: (كل سنة) وظاهره اشتراط ذكر ذلك في العقد، وقال شيخنا: ويحتمل على بعد أن لا يحتاج إلى ذكره، وينزل العقد عليه.
ثامنها: أطلق الثلاثة الانقياد لأحكام الإسلام، وهو مقيد في النص بما رأيناه يلزمهم، وقيده في "المهذب" بحقوق الآدميين في الحقوق والمعاملات وغرامات المتلفات (1)، وفي "النهاية": قال العراقيون: المراد بإجراء الأحكام: أنهم إذا فعلوا ما هو محظور في دينهم .. فيجري حكم الله تعالى عليهم إذا كان لا يتعلق بدعوى؛ كما لو زنا أحدهم وثبت زناه عند حاكمنا .. فإنه يقيم عليه الحد ولا حاجة لرضاه، وهذا حسن، ولم أر للمراوزة خلافه، فأما ما يستحلونه: فمنقسم للخمر وغيره .. فلا يقيم عليهم حدًا لشرب كان رضوا بحكمنا
…
إلى آخر كلامه (2).
5372 -
قول "المنهاج"[ص 525]: (والأصح: اشتراط ذكر قدرها) فيه أمران:
أحدهما: أنه يفهم قوة مقابله، وهو الصحة والتنزيل على الأقل، وليس كذلك، بل هو ضعيف، وقد استبعده في "النهاية"(3).
ثانيهما: أنه يفهم أنه لا خلاف في اشتراط الانقياد لأحكام الإسلام، وليس كذلك، بل فيه خلف ذكره القاضي حسين والإمام (4).
5373 -
قوله: (ولا يصح مؤقتاً)(5) يستثنى منه: ما لو قال: ماشئتم .. فإنه يصح كما تقدم، وقد ذكره "الحاوي"(6).
5374 -
قول "المنهاج"[ص 525] و"الحاوي"[ص 616]: (ويشترط لفظ قبول) لذا يكفي الاستيجاب والإيجاب؛ بأن يقول: قرّرني، فيجيبه.
قلت: لو قال: سألتك أن تؤمنني على كذا فأمنه .. كان كافياً كما ذكره الشافعي، وفي معناه:
(1) المهذب (2/ 253).
(2)
نهاية المطلب (18/ 34، 35).
(3)
نهاية المطلب (18/ 33، 34).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(18/ 33، 34).
(5)
انظر "المنهاج"(ص 525).
(6)
الحاوي (ص 615).
أن تقررني، قال شيخنا في"تصحيح المنهاج": وليس قوله: سألتك أن تبيعني استيجاباً فدل على أن المقصود هنا ما يدل على الرضا وإن لم يكن قبولاً في غيره.
5375 -
قول "المنهاج"[ص 525]: (ولو وُجد كافرٌ بدارنا فقال: "دخلت لسماع كلام الله تعالى" أو "رسوله" أو "بأمان" .. صُدّقَ) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محله: فيما إذا ادعى ذلك قبل أن يصير في قبضة الإمام، فإن صار في قبضته أسيراً .. فلا يصدق إلا ببينة، قال الروياني: وما اشتهر أن الرسول آمِنٌ .. هو في رسالة فيها مصلحة المسلمين من هدنة وغيرها، فإن كان في وعيد وتهديد .. فلا، ويتخير فيه بين الخصال الأربع كالأسير.
وقال النووي: ليس ما ادعاه بمقبول، والصواب: أنه لا فرق، وأنه آمن مطلقاً (1).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وهو المعتمد؛ فإن رسولَي مسيلمة حضرا بكتابه وليس فيه مصلحة للمسلمين، وقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم:"لولا أن الرسل لا تقتل .. لضربت أعناقكما" رواه البيهقي (2).
5376 -
قوله: (وعليه الإجابة إذا طلبوا، إلا جاسوساً نخافه)(3) قال الرافعي: فلو خاف غائلتهم وأن ذلك مكيدة .. لم يجبهم (4)، ولعله المراد بقوله:(إلا جاسوساً نخافه) واستثنى مع ذلك أموراً:
أحدها: الأسير الكامل يتخير فيه الإمام بين الأمور الأربعة ولا تجب عليه إجابته لعقد الجزية كما نص عليه في "الأم"، حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، والأظهر في "أصل الروضة" في هذه الصورة: تحريم القتل دون الاسترقاق (5)، ومقتضاه: أنه لا يجب تقريره بالجزية، وتردد شيخنا في جواز إجابته لذلك، ثم رجح: أنه إن كان له من يحارب عنه؛ كملك له جيش أو مطاع صاحب عشيرة .. جاز تقريره؛ لأن له قوة في المعنى، وإلا .. فلا، قال: ولم أر من تعرض له.
ثانيها: ظاهر كلام الأصحاب أن الذمي إذا انتقض عهده كذلك تفريعاً على الأظهر أنه كالأسير، ورجح شيخنا: أنه أولى بأن لا يجاب إلى الجزية من الأسير؛ لزيادته عليه بنقضه العهد، ولو اطلعنا على حربي دخل دارنا بغير أمان فبذل الجزية .. وجب قبولها على المذهب في "أصل الروضة"(6)، ورجح شيخنا: أنه لا يجب إجابته، بل لا يجوز، إلا إذا كان له بعشيرته قوة كما تقدم في الأسير.
(1) انظر "الروضة"(10/ 299).
(2)
سنن البيهقي الكبرى (18556).
(3)
انظر "المنهاج"(ص 525).
(4)
انظر "فتح العزيز"(11/ 497).
(5)
الروضة (10/ 298).
(6)
الروضة (10/ 298).
ثالثها: إذا نزل أهل قلعة على حكم حاكم فحكم بالقتل أو الإرقاق .. لم يجب تقريرهم بالجزية لو طلبوا، وهل للإمام تقريرهم؟ تردد فيه شيخنا، وقال: لم أره منقولًا، والأرجح هنا: الجواز؛ لأنهم في قوة؛ بدليل أنهم إذا لم يتم الأمر .. يردون إلى قلعتهم.
5377 -
قوله: (ولا تعقد إلا لليهود والنصارى والمجوس وأولاد من تهود أو تنصر قبل النسخ أو شككنا في وقته)(1) فيه أمور:
أحدها: اعترضه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأنه كلام لا يظهر منه المقصود، وصواب العبارة: (ولا تُعقد إلا ليهودي أو نصراني أو مجوسي إن دخل هو أو أحد أصوله في التهود أو التنصر قبل النسخ
…
إلى آخره) وعبارة "التنبيه" مثلها؛ فإنه قال [ص 237]: (ويجوز أن يعقد لليهود والنصارى والمجوس ولمن دخل في دين اليهود والنصارى ولم يعلم هل دخل قبل النسخ والتبديل أو بعده) بخلاف عبارة "الحاوي" فإنه قال [ص 615]: (زعم التمسك بكتاب كالمجوس لم يعلم اختيار (2) جده حين نُسِخ) فجعل ذلك قيداً لا معطوفاً على ما تقدم.
ثانيها: يرد عليهم جميعًا: إذا تهود الأصل أو تنصر قبل النسخ لكن انتقلت ذريته عن دين أهل الكتاب بعد نزول القرآن أو قبله .. فلا تعقد لهم جزية كما نص عليه في "الأم"(3).
ثالثها: دخل في تعبير "المنهاج" بالأولاد و"الحاوي"(بالجد) ما إذا كان الداخل في التهود أو التنصر قبل النسخ أباً له أو أماً، وهو مقتضى قول "المنهاج" الآتي [ص 525]:(ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني على المذهب) لكن عبارة "الروضة" وأصلها: دخل آباؤهم (4)، وهكذا في نص الشافعي (5)، ومقتضاه: أنه لو دخل الأب في التنصر بعد النسخ ودخلت الأم فيه قبله .. لم يقر المتولد منهما بالجزية، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه المعتمد في الفتوى.
رابعها: لم يذكر "التنبيه" و "المنهاج" إلا التهود والتنصر قبل النسخ دون التمجس؛ لأنه لم ينتقل أحد من العرب إلى المجوسية، ولو ذكر ليعرف حكمه .. لكان أحسن، وقد تناولته عبارة "الحاوي" المتقدمة، وعبارة الشافعي رضي الله عنه تتناوله أيضاً.
خامسها: ذكر شيخنا في "تصحيح المنهاج" أن الشافعي رحمه الله إنما علق ذلك على نزول الفرقان لا على النسخ، وهو المعتمد؛ لتأخر النسخ في الأحكام عن البعثة.
سادسها: ظاهر قولهم: (بعد النسخ) أن التهود بعد بعثة عيسى عليه السلام لا يقر بالجزية،
(1) انظر "المنهاج"(ص 525).
(2)
في "الحاوي": (اختار).
(3)
الأم (4/ 175).
(4)
فتح العزيز (11/ 507)، الروضة (10/ 305).
(5)
انظر "الأم"(4/ 175).
وهو الأصح في "الروضة" وأصلها (1)، لكن نص في "الأم" على اعتبار الدخول قبل نزول الفرقان مطلقاً (2).
سابعها: الأصح: تقرير الداخل بعد التبديل مطلقاً، وذكر "التنبيه" له مع النسخ يفهم خلافه؛ ولهذا اقتصر "المنهاج" و"الحاوي" على النسخ.
5378 -
قول "التنبيه"[ص 237]: (ومن تمسك بدين إبراهيم وشيث وغيرهما من الأنبياء عليهم السلام .. فقد قيل: يعقد لهم، وقيل: لا يعقد لهم) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 525]:(وكذا زاعم التمسك بصحف إبراهيم وزبور داوود عليهم السلام وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 615]: (زعم التمسك بكتاب)، وقال الماوردي بعد ذكر الوجهين: وإطلاقهما عندي غير صحيح، والواجب اعتبار كتابهم، فإن تضمن تعبداً وأحكاماً يكتفي به أهله عن غيره .. كان كالتوراة والإنجيل في ثبوت حرمته وإقرار أهله، وإلا .. لم يجز إقرارهم عليه (3)، وهو المفهوم من تعبير "التنبيه" بالدين؛ لأنه لا يمكن التمسك بدين إلا بعد معرفة أحكامه.
5379 -
قول "المنهاج"[ص 525]: (ومن أحد أبويه كتابي والآخر وثني على المذهب) لا يخفى أن محله: ما إذا اختار دين أهل الكتاب، فإن اختار التوثن .. لم يقر، وإن لم يختر شيئاً .. فهل نقول: لا يعقد له حتى يختار دين أهل الكتاب، أو طلبه عقد الجزية اختيار لدين أهل الكتاب؟
قال شيخنا في "تصحيحه": هذا محتمل، والأرجح: الأول، ولم أَرَ مَنْ تعرض لذلك، وتقدم أن نصوص الشافعي على اعتبار الآباء، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم أجد له نصاً شاهداً لجواز تقرير من أبوه وئني وأمه كتابية بالجزية ويوافق ما ذكره شيخنا: قول "التنبيه"[ص 237]: (ولا يعقد لمن ولد بين وثني وكتابية، وفيمن ولد بين كتابي ووثنية قولان، أصحهما: أنه يعقد له) فجعل الثانية محل الخلاف، وقطع في الأولى بالمنع.
5380 -
قوله: (وأما السامرة والصابئة .. فقد قيل: يجوز أن يعقد لهم، وقيل: لا يجوز)(4) المذهب في "أصل الروضة": أنهم إن خالفوا اليهود والنصارى في أصول دينهم .. فليسوا منهم، وإلا .. فمنهم، وهكذا نص عليه، وعليه يحمل النصان الآخران، وهذا فيما إذا لم يكفرهم اليهود والنصارى، فإن كفروهم .. لم يقروا قطعاً، فإن أشكل أمرهم .. ففي تقريرهم احتمالان ذكرهما الإمام، الأصح: الجواز (5).
(1) فتح العزيز (11/ 507)، الروضة (10/ 305).
(2)
الأم (4/ 175).
(3)
انظر "الحاوي الكبير"(14/ 288).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 237).
(5)
الروضة (10/ 306)، وانظر "نهاية المطلب"(18/ 11).
5381 -
قول "التنبيه"[ص 237]: (ولا يؤخذ من امرأة) كذلك الخنثى، كما صرح به "المنهاج"(1)، ويدل عليه تعبير "الحاوي" بالذكر، فلو بانت ذكورة الخنثى .. ففي الأخذ منه للسنين الماضية وجهان، قال النووي: ينبغي تصحيح الأخذ (2)، وجزم به في شرح "المهذب" في (نواقض الوضوء)(3).
وقال في "المهمات": ينبغي تصحيح عكسه؛ فإنه لو دخل حربي دارنا وبقي سنة ثم اطلعنا عليه .. لا نأخذ منه شيئاً لما مضى على الصحيح؛ لعدم التزامه، فهذا أولى؛ لتحققنا الأهلية هناك دون هنا.
قلت: لعل صورته أن يكون صدر معه عقد جزية في حال إشكاله، ثم تبين بظهور حاله صحة العقد كما لو عقد النكاح بخنثيين ثم بانت ذكورتهما، وقد أشار لذلك شيخنا الإمام البلقيني.
5382 -
قول "التنبيه"[ص 237]: (ولا عبد) كذلك المبعض؛ ولذلك قال "المنهاج"[ص 525]: (ومن فيه رق) ويوافقه تعبير "الحاوي" بالحر (4).
5383 -
قول "الحاوي"[ص 616]: (دون زمن الجنون المتقطع) محله: ما إذا كثر زمنه، فإن قل؛ كساعة من شهر .. فلا عبرة به؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 525]:(فإن تقطع جنونه قليلاً؛ كساعة من شهر .. لزمته، أو كثيراً؛ كيوم ويوم .. فالأصح: تلفيق الإفاقة، فإذا بلغت سنة .. وجب) وفرض "التنبيه" الخلاف أيضاً في الكثير فقال: (وإن كان منهم من يجن يوما ويفيق يوماً .. فالمنصوص: أنه تؤخذ منه الجزية آخر الحول، وقيل: تلفق أيام الإفاقة، فإذا بلغ قدرها حولاً .. وجبت عليه الجزية وهو الأظهر)(5)، وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": والذي نقوله: أن جنونه أياماً في أثناء الحول لا يؤثر، ويجب عليه جميع الجزية، ولا يحسب له نظير أيام الجنون من السنة الثانية كما نص عليه، فإن أكثر التقطع .. قضي بموجب النص الآخر، والأرجح: اعتبار التلفيق، وليس في عبارة "التنبيه" و"المنهاج" ولا غيرهما ضابط القليل والكثير، وظاهر كلامهما في الكثير التعليق على الأيام التي بلغت سنة، فتكون عددية، وليس كذلك، وإنما هي سنة هلالية، ومهما كان فيها من أيام الجنون يحسب ويؤخذ بقدره من الإفاقة التي بعدها، فإذا كان في السنة الهلالية سبعة أشهر ناقصة وخمسة تامة .. فالناقصة خارجة من البين، ويلفق أيام الجنون من السنة التي بعدها، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وقال: ليس هذا كالأشهر المنكسرة، فينكسر
(1) المنهاج (ص 525).
(2)
انظر "الروضة"(10/ 302).
(3)
المجموع (2/ 65).
(4)
الحاوي (ص 615).
(5)
التنبيه (ص 238).
الجميع؛ لأن الأشهر هناك أجل والأجل هنا سنة، فلا يكون التلفيق من الأشهر مقتضياً لانكسارها.
5384 -
قولهما: (فيما لو بلغ ابن ذمي وبذلها .. عقد له)(1) يتناول ما إذا بلغ سفيهاً، وفيه تفصيل، حاصله أن للسفيه أن يعقد بدينار بغير زيادة، وأن عقده إنما يكون عند إباء وليه، ذكره شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وعبارة "أصل الروضة": المذهب: أنه لا يصح عقد السفيه والولي بالزيادة (2).
5385 -
قول "التنبيه"[ص 237، 238]: (وفي الشيخ الفاني والراهب قولان، وفي الفقير الذي لا كسب له قولان، أحدهما: لا تجب عليه، والثاني: تجب، ويطالب به إذا أيسر) الأظهر في الكل: الوجوب، وهو ظاهر إطلاق "الحاوي"(3)، وصرح به "المنهاج" فقال [ص 526]:(والمذهب: وجوبها على زَمِنٍ وشيخٍ هرمٍ وأعمىً وراهبٍ وأجيرٍ وفقيرٍ عجز عن كسبه، فإذا تمت سنة وهو معسر .. ففي ذمته حتى يوسر) وفي تعبيره في الفقير بالمذهب نظر؛ فليس فيه إلا قولان، كذا في "الروضة" وأصلها (4)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحل الخلاف في الشيخ ونحوه: إذا لم يكن ذا رأي، فإن كان ذا رأي .. فإنه تضرب عليه الجزية قولاً واحداً، وقد قيد محل الخلاف بذلك الشيخ أبو حامد والقاضي حسين.
5386 -
قول "المنهاج"[ص 526]: (ويُمنع كل كافر من استيطان الحجاز) لو عبر بالمقام كما في "التنبيه"(5)، أو بالإقامة كما في "الروضة"(6)، أو بالقرار كما في "الحاوي"(7)، أو بالسكنى كما عبر به الشافعي رضي الله عنه (8) .. لكان أولى؛ فإن الاستيطان أخص منها، ولا يتقيد الحكم به، فمطلق الإقامة كذلك، ثم محل هذا في غير حرم مكة، فأما حرم مكة .. فيمنعون من دخوله مطلقاً، وقد ذكره الثلاثة بعد ذلك.
5387 -
قولهما: (وهو مكة والمدينة واليمامة وقُرَاها)(9) وعبارة "التنبيه"[ص 238]: (ومخاليفها)، وهي عبارة الشافعي رضي الله عنه (10)، وهي بمعناها.
(1) انظر "التنبيه"(ص 237)، و"المنهاج"(ص 525).
(2)
الروضة (10/ 301).
(3)
الحاوي (ص 617).
(4)
فتح العزيز (11/ 504)، الروضة (10/ 307).
(5)
التنبيه (ص 238).
(6)
الروضة (10/ 308).
(7)
الحاوي (ص 615).
(8)
الأم (4/ 177).
(9)
انظر "التنبيه"(ص 238)، و"المنهاج"(ص 526).
(10)
انظر "الأم"(4/ 178).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إن الضمير في قوله: (وقراها) يعود على الحجاز، وهذه بلاد الحجاز لا نفس الحجاز، وفيما ذكره نظر، والظاهر عوده على مكة والمدينة واليمامة، وأن قراها من نفس الحجاز، ويوافق ذلك قول "الحاوي" [ص 616]:(في غير مكة والمدينة واليمامة وقراها) فإنه ليس في كلامه ذكر الحجاز حتى يتخيل عود الضمير إليه، وأيضاً فالحجاز مذكر فكيف يعاد عليه الضمير مؤنثًا؟ !
5388 -
قول "المنهاج"[ص 526]: (وقيل: له الإقامة في طرقه الممتدة) كان ينبغي التعبير عنه بما بين البلاد مما ليس موضع إقامة عادة؛ فإن الطرق الممتدة لا يجوز إقامة أحد بها، لا مسلم ولا كافر، ومحل هذا الوجه: في الذمي وفي غير الحرم؛ فإن الكلام ليس فيه؛ بدليل ذكره بعد ذلك.
5389 -
قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (فإن أذن لهم في الدخول لتجارة أو رسالة .. لم يقيموا أكثر من ثلاثة أيام)(1) المراد: غير يومي الدخول والخروج؛ ولذلك قال "الحاوي"[ص 616]: (ومن إقامة الحجاز مدتها) أي: مدة الإقامة، والثلاثة غير يومي الدخول والخروج، وليست مدة إقامة، ثم محل ما ذكروه في التجارة: في الذمي، أما الحربي .. فلا يمكن من دخول الحجاز للتجارة، قاله شيخنا في "تصحيح المنهاج"، وحكى نصاً للشافعي يقتضيه، قال: وعلى مقتضاه جرى الأصحاب، ودخل في عبارتهم المرأة؛ فهي في ذلك كالرجل، وقد نص عليه، وقل من ذكره، ولو تنقل من قرية إلى قرية وأقام بكل واحدة ثلاثاً .. لم يمنع، وقد يفهم كلامهم خلافه.
5390 -
قول "المنهاج"[ص 526]: (ويمنع دخول حرم مكة، فإن كان رسولاً .. خرج إليه الإمام أو نائب يسمعه) هو المراد يقول "الحاوي"[ص 616]: (وللرسولِ خرجَ سامعٌ).
5391 -
قولهم: (فإن دُفن .. نُبِشَ وأُخرج)(2) محله: ما لم يتقطع، فإن تقطع .. لم ينبش كما قاله الجمهور ونص عليه الشافعيَ (3)، وفي "الكافي" للخوارزمي بعد ذكر هذا: وقيل: قال الشافعي في موضع: إن أمكن النبش وجمع عظامه .. نُبِش ورمي عظامه إلى الحل.
5392 -
قول "المنهاج"[ص 526]: (وإن مرض في غيره من الحجاز وعظُمت المشقة في نقله .. تُرك) عبارة "الحاوي"[ص 616]: (لا إن مرض وشق نقله) فاعتبر مطلق المشقة لا عظمها، والأول هو الموافق لتعبير "الروضة"، وقوله: وجواب جمهور الأصحاب أنه لا ينقل مطلقاً (4)، أي: مع عظم المشقة في نقله، وإن كانت عبارته توهم خلاف ذلك، وترد هذه
(1) انظر "التنبيه"(ص 238)، و"المنهاج"(ص 526).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 239)، و"الحاوي"(ص 616)، و"المنهاج"(ص 526).
(3)
انظر "الأم"(4/ 178).
(4)
الروضة (10/ 310).