الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]
6342 -
قول "المنهاج"[ص 582]: (قال: "أجرتك البيت بعشرة"، فقال: "بل جميع الدار بالعشرة"، وأقاما بينتين .. تعارضتا، وفي قول: يقدم المستأجر) فيه أمور:
أحدها: قد يفهم من قوله: (تعارضتا) مجيء قول القسمة والوقف على الاستعمال، وليس كذلك على المشهور.
ثانيها: محل ذلك: ما إذا أطلقت البينتان أو إحداهما أو اتحد تاريخهما، فإن اختلف؛ بأن شهدت إحداهما أنه أجر كذا سنة من أول رمضان والأخرى من أول شوال .. قدم الأسبق في الأصح، لعدم المعارض حال السبق، وفي قول: المتأخر لفسخه الأول؛ فربما تخللت إقالة.
وأورد عليه شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما إذا كانت الأولى على البيت .. فالثانية صحيحة أيضًا في غير البيت بناء على تفريق الصفقة، وهو الأصح، وأجاب الرافعي عن ذلك: بأن هذا يقتضي ترجيح الأولى (1)، وفيه نظر؛ فلا تنافي بينهما فيما زاد على البيت تفريعًا على تفريق الصفقة.
ثالثها: قال الرافعي: لك أن تقول: وجب أن يقال: موضع التعارض في البينتين المطلقتين واللتين إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة: ما إذا اتفقا على أنه لم يجر إلا عقد واحد، فإن لم يتفقا عليه .. فلا تنافي بين البينتين؛ لجواز أن يكون تاريخ المطلقتين مختلفًا، وتاريخ المطلقة غير تاريخ المؤرخة، وإذا لم يكن تنافٍ .. ثبت أكثر الزيادة بالبينة الزائدة (2).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لا يجوز أن يقال ذلك؛ لأنهما إذا لم يتفقا .. فتارة يتعرضان لتعدد العقد وتارة لا يتعرضان لاختلاف ولا اتفاق، وقوله:(لجواز أن يكون تاريخ المطلقتين مختلفًا) قلنا: ويجوز أن يكون متفقًا، فلم عينت احتمال الاختلاف؟ وقوله:(وأن يكون تاريخ المطلقة غير تاريخ المؤرخة) قلنا: ويجوز أن يكون تاريخ المطلقة هو تاريخ المؤرخة، وقوله:(وإذا لم يكن تناف ثبت أكثر الزيادة بالبينة الزائدة) قلنا: هذا رجوع إلى قول ابن سريج الذي هو خلاف النص المعتمد (3).
رابعها: تقديم المستأجر ليس قولًا منصوصًا، وإنما هو ترجيح ابن سريج، ومحله: في غير مختلفي التاريخ، وتقدم في مختلفي التاريخ تقديم الأسبق أو المتأخر، ومحلها: إذا لم يتفقا على
(1) انظر "فتح العزيز"(13/ 251).
(2)
انظر "فتح العزيز"(13/ 252).
(3)
انظر "حاشية الرملي"(4/ 414).
أنه لم يجر إلا عقد واحد، فإن اتفقا عليه .. تعارضتا، حكاه في "أصل الروضة" عن صاحب "التقريب" وغيره (1)، وخص الماوردي تقديم المستأجر بأن تكونا مطلقتين، وفي "المطلب": أنه لا يظهر للتفرقة بين المطلقتين ومتفقتي التاريخ وجه، لأنه لا بد من تعيين المدة، وإذا لم يكن تاريخهما واحدًا .. لم يكن بينهما تعارض في كل المدة، إذ من شرط العقد أن تتصل به المدة؛ فالإطلاق إذًا والتقييد بتاريخ واحد سواء فيما نحن فيه.
خامسها: لا يختص هذا القول ببينة المستأجر، بل مداره على تقديم بينة الزيادة، فلو كانت الزيادة في جانب المؤجر؛ بأن قال: أجرتك بعشرين، فقال: بعشرة .. قدمت على هذا القول بينة المؤجر، ولو كانت الزيادة من الجانبين؛ بأن قال: أجرتك هذا البيت بعشرين، فقال: بل جميع الدار بعشرة .. فلابن سريج رأيان، المصحح منهما: الرجوع إلى التعارض، والثاني: الرجوع إلى الزيادة في الجانبين، فيجعل الجميع مكري بعشرين، وهو فاسد؛ لأنه خلاف قول المتداعيين والشهود (2).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم يقل ذلك ابن سريج، وإنما حكاه عن غيره، وزيفه كما في "النهاية" و"البسيط"(3)، والذي أوقع الرافعي في حكايته عنه قول "التهذيب": ذكر ابن سريج (4)، ومراده: أنه ذكره عن غيره، لا لنفسه، والله أعلم.
6343 -
قول "التنبيه"[ص 263]: (وإن ادعى كل منهما أنه ابتاع هذه الدار من زيد وهي ملكه، وأقام بينة؛ فإن كان تاريخهما مختلفًا .. فهي للسابق منهما) مثل قول "المنهاج"[ص 582]: (ولو ادعيا شيئًا في يد ثالث، وأقام كل منهما بينة أنه اشتراه ووزن له ثمنه؛ فإن اختلف تاريخٌ .. حكم للسابق)، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 692]:(ثم السابقة تاريخًا).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ومحله إذا لم يصدر المتأخر حالة الخيار، فإن صدر في الخيار .. فسخ الأول، وكان هو صحيحًا، فإن تعرضت بينة الثاني لذلك .. قضي له بها، ويقضى للأول بالثمن قطعًا، وإن لم تتعرض لذلك، ولكن تعرضت لكونه ملكًا له وقت البيع، وشهدت بينة الأول بمجرد البيع .. فالأرجح: تقديم شهادة من شهدت بالملك حالة البيع.
ويختص "المنهاج" بأن وزن الثمن ليس شرطا للدعوى، ولكن فائدته أنه يتعين القول بماجبار البائع على التسليم، وفي "أصل الروضة" عن أبي عاصم: أنه لو ذكرت إحدى البينتين وزن الثمن
(1) الروضة (12/ 68).
(2)
انظر "الروضة"(12/ 67، 68).
(3)
نهاية المطلب (19/ 122).
(4)
التهذيب (8/ 343)، فتح العزيز (13/ 251).
دون الأخرى .. كانت مقدمة، سواء كانت سابقة أو مسبوقة؛ لأن النقد يوجب التسليم والأخرى لا توجبه؛ لبقاء حق الحبس للبائع (1).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": وليس ذلك بمعتمد، ووزن الثمن لا يفيد الترجيح، وكون إحداهما توجب التسليم والأخرى لا توجبه غير مقتض للترجيح، وقد يكون الثمن مؤجلًا فلا يتوقف وجوب التسليم على وزن الثمن؛ ولأن البينة السابقة مقتضاها بطلان البيع الثاني، فلا أثر لوزن الثمن في بيع باطل.
6344 -
قول "التنبيه"[ص 263]: (وإن كان تاريخهما واحدًا أو لم يعلم السابق منهما .. تعارضت البينتان، وفيهما قولان: أحدهما: تسقطان) هو الأظهر، وهو مفهوم من إطلاق "المنهاج" التعارض مع ما تقدم (2)، وداخل في كلام "الحاوي"(3).
ودخل في كلامهم: ما إذا كانت إحداهما مؤرخة والأخرى مطلقة، وبه صرح الأصحاب، واستدرك أبو الفرج الزاز أنا إذا قدمنا المؤرخة على المطلقة .. قضينا لصاحبها، ولا يجيء الأقوال.
وأجاب عنه شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن تقديم المؤرخة على المطلقة إنما هو حيث كانت المطلقة تنزل على الملك في حال الشهادة أو في حال الدعوى، وذاك لا يأتي في العقود؛ فاتجه إطلاق الأصحاب، وبطل ما استدركه أبو الفرج. انتهى.
وقد يفهم من سقوطهما أنه لا يرجع واحد منهما بالثمن الذي وزنه، وليس كذلك على الأصح، وقد صرح به "الحاوي" فقال [ص 692]:(وغرم الثمنين في البيع والشراء منه، وتوفيره)، ومحل ذلك: إذا لم تتعرض البينة لقبض المبيع، فإن تعرضت .. فلا رجوع بالثمن لاستقرار العقد بالقبض.
6345 -
قول "التنبيه"[ص 263]: (والثاني: تستعملان إما بالقرعة أو بالقسمة، ولا بجيء الوقف) الأصح في "أصل الروضة": مجيء قول الوقف أيضًا مع اعترافه بأن الأشهر عدم مجيئه (4)، ومجيئه ظاهر إطلاق "المنهاج"(5).
واعلم: أن محل ما تقدم: ما إذا لم يصدق البائع أحدهما، فإن صدق أحدهما .. فعلى
(1) الروضة (12/ 70، 71).
(2)
المنهاج (ص 582).
(3)
الحاوي (ص 692).
(4)
الروضة (12/ 69).
(5)
المنهاج (ص 582).
السقوط: يسلم للمصدق، وعلى الاستعمال: قيل: يقدم أيضًا، والأصح: لا، بل هو كما لو استمر على تكذيبهما.
6346 -
قولهما - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن كان في يد زيد دار فادعى كل منهما أنه باعها منه بألف، وأقام كل واحد منهما بينة على عقده؛ فإن كان تاريخهما واحدًا .. تعارضت البينتان)(1) فيه أمران:
أحدهما: قال في "أصل الروضة": قال الأكثرون: صورة المسألة: أن يقول كل واحد: بعتك بكذا وهي ملكي، وهكذا لفظ الشافعي في "المختصر"، وقال أبو الفياض: لا يشترط ذلك (2).
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ولفظ "المختصر" ليس صريحًا في ذلك؛ وكأنهم فهموا من قوله: (أنه ثوبه)(3) أن الإضافة للملك، لكن نص "الأم" يخالفه؛ لقوله فيه:(أو أنه باعه منه بألف درهم ولم تقل الشهود: إنه ثوبه)(4).
ثانيهما: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": مقتضاه: أنه لو اتخذ تاريخهما باليوم .. جرى التعارض، وليس كذلك، وإنما يحصل التعارض إذا عينا وقتًا واحدًا بحيث يعلم أن ذلك المعين يضيق عن وقوع عقدين فيه عقد عقب عقد، وليس اتحاد التاريخ هنا كاتحاد التاريخ في الصورة قبلها؛ لأن المطلوب في الصورة قبلها تحصيل، وفيه ذلك الذي وقعت الدعوى به، والعين الواحدة لا تتسع لتحصيل القرضين بأن يكون كل واحد مالكها، والمطلوب في هذه الصورة الثمن، وهو في الذمة، والذمة متسعة للزوم أثمان، نبه عليه الإِمام والغزالي (5)، وكلام غيرهما يدل عليه.
6347 -
قولهما: (وإن كان تاريخهما مختلفًا .. لزمه الثمنان)(6) في "أصل الروضة": شرطه: أن يكون بينهما زمن يمكن فيه العقد الأول، ثم الانتقال من المشتري إلى البائع الثاني، ثم العقد الثاني، فإن عين الشهود زمنًا لا يتأتى فيه ذلك .. لم يجب الثمنان (7).
ومثله شيخنا في "تصحيح المنهاج": بأن تقول: إحدى البينتين: إنه باعه منه عند بروز شيء
(1) انظر "التنبيه"(ص 263)، و"المنهاج"(ص 582).
(2)
الروضة (12/ 73، 74)، وانظر "مختصر المزني"(ص 316).
(3)
مختصر المزني (ص 316).
(4)
الأم (6/ 236).
(5)
انظر "نهاية المطلب"(19/ 158)، و"الوجيز"(2/ 266).
(6)
انظر "التنبيه"(ص 263)، و"المنهاج"(ص 582).
(7)
الروضة (12/ 73).
من الشمس بطلوعها، والأخرى: إنه باعه عند بروز نصفها (1).
6348 -
قول "التنبيه"[ص 263]: (وإن كانتا مطلقتين أو إحداهما مطلقة والأخرى مؤرخة .. فقد قيل: يلزمه الثمنان، وقيل: بلزمه ثمن واحد) الأصح: الأول، وعليه مشى "المنهاج" و"الحاوي"(2).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه مخالف لقضية التحقيق؛ فإن الأصل براءة الذمة، والمطلقتان يحتمل أن يتحد تاريخهما وأن يختلف، فلا يلزم بالشك، وممن صحح ذلك الشيخ أبو حامد.
6349 -
قول "المنهاج"[ص 582]: (ولو مات عن ابنين مسلم ونصراني فقال كل منهما: "مات على ديني" فإن عرف أنه كان نصرانيًا .. صدق النصراني، فإن أقاما بينتين مطلقتين .. قدم المسلم) هو داخل في قول "الحاوي"[ص 691]: (قدمت الناقلة)، وقد يفهم تصويرها بأن تشهد إحداهما بأنه مسلم والأخرى بأنه نصراني، والذي ذكره الأصحاب ومنهم "التنبيه": تصويرها بأن تشهد إحداهما أنه مات مسلمًا والأخرى أنه مات نصرانيًا (3).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": لم نر من تعرض للتصوير الأول، وعندي أن شهادة البينة أنه مسلم كاف في الحكم بإسلامه؛ لأنه ظهر بذلك انتقاله من التنصر الذي كان معروفًا به إلى الإِسلام، والأصل بقاءه عليه، وحدوث كفره يقتضي أن يكون مرتدًا لا يرثه أحد، وأما قول إحداهما: مات مسلمًا، والأخرى: مات نصرانيًا .. فهذا ليس إطلاقًا، وإنما هو تقييد بحالة الموت.
6350 -
قول "المنهاج"[ص 582]: (وإن قَيَّدت أن آخر كلامه إسلام وعكسته الأخرى .. تعارضتا) قال الرافعي: وتقييد البينتين بأن آخر كلامه كان كذا غير محتاج إليه؛ لحصول الترجيح بزيادة العلم، بل تقييد بينة النصراني بأن آخر كلامه النصرانية كاف فيه؛ أي: في التعارض، وإن أطلقت بينة المسلم .. فيكون كتقييدها. انتهى (4).
ولهذا عبر "التنبيه" بقوله [ص 264]: (وإن شهدت بينة النصراني أن آخر كلامه عند الموت النصرانية .. تعارضت البينتان).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": التعارض ممنوع؛ فإن آخر كلامه باعتبار ما شاهدته كل بينة لا تعارض فيه؛ لأنه يحتمل أن تشهد بينة النصرانية بأن آخر كلامه كلمة التنصر في الحالة التي
(1) انظر "حاشية الرملي"(4/ 415).
(2)
الحاوي (ص 692)، المنهاج (ص 582).
(3)
التنبيه (ص 264).
(4)
انظر "فتح العزيز"(13/ 264).
سكت فيها عن الكلام بحضرتهم، ثم إنها ذهبت واستصحبت السكوت وجاءت بينة الإِسلام فتكلم بحضرتها بالشهادتين؛ فإنه لا تعارض حينئذ، ويقضي ببينة الإِسلام، وإنما يقع التعارض لو شهدت كل منهما بأن آخر كلمة تكلم بها كذا، ومكثت عنده إلى أن مات ودفن، قال: ولو قالت بينة الإِسلام: علمنا الحالة التي شاهدته بينة التنصر فيها، ولكنه بعد ذلك تكلم بكلمة الإِسلام .. فإنه تقدم بينة الإِسلام بلا خلاف، كما لو قالت بينة التعديل: علمنا سبب الجرح ولكنه تاب منه .. فإنه تقدم بينة التعديل (1).
6351 -
قولهما: (وإن لم يعرف دينه وأقام كل بينة أنه مات على دينه .. تعارضتا)(2) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا عندي ممنوع، بل الصواب تقديم بينة المسلم؛ لأن الإِسلام يطرأ على التنصر فيقطعه، ولا يطرأ على الإِسلام فيقطعه إلا الردة، ولا ميراث معها.
6352 -
قول "المنهاج"[ص 582، 583]: (ولو مات نصراني عن ابنين مسلم ونصراني فقال المسلم: "أسلمت بعد موته .. فالميراث بيننا"، فقال النصراني: "بل قبله" .. صدق المسلم بيمينه، وإن أقاماهما .. قدم النصراني) قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل تقديم النصراني: إذا لم تشهد بينة المسلم بأنها علمت منه دين النصرانية حين موت أبيه وبعده، وأنها لم تستصحب، فإذا قالت ذلك .. قدمت بينة المسلم؛ لأنا لو قدمنا بينة النصراني .. للزم أن يكون مرتدًا حالة موت أبيه، والأصل عدم الردة.
6353 -
قول "التنبيه"[ص 264، 265]: (وإن مات رجل وخلف ابنين واتفقا على إسلام الأب وإسلام أحدهما قبل موت الأب واختلفا في إسلام الآخر هل كان قبل موت الأب أو بعده؟ فالقول قول الابن المتفق على إسلامه) محله عند عدم البينة، فلو أقام كل منهما بينة على ما ادعاه .. قدمت بينة المختلف في إسلامه على الأصح؛ لأنها ناقلة، وذلك مفهوم مما ذكره "المنهاج" في الصورة التي قبلها (3).
6354 -
قول "المنهاج"[ص 583]: (فلو اتفقا على إسلام الابن في رمضان، وقال المسلم: "مات الأب في شعبان"، وقال النصراني: "في شوال" .. صدق النصراني، وتقدم بينة المسلم على بينته) يستثنى منه: ما إذا شهدت بينة النصراني في هذه الحالة بأنهم عاينوه حيًا في شوال .. فإنهما يتعارضان، كذا في "أصل الروضة"(4).
(1) انظر "حاشية الرملي"(4/ 416).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 264)، و"المنهاج"(ص 582).
(3)
المنهاج (ص 582، 583).
(4)
الروضة (12/ 79).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": تقدم بينة النصراني؛ لاحتمال استناد بينة شعبان لإغماء أو استفاضة موت.
6355 -
قول "التنبيه"[ص 265]: (وإن مات رجل وخلف أبوين كافرين وابنين مسلمين فقال الأبوان: "مات كافرًا"، وقال الابنان: "مات مسلمًا" .. ففيه قولان، أصحهما: أن القول قول الأبوين) كذا فيما وقفنا عليه من نسخ "التنبيه"، وكذا هو في "المنهاج" وغيره (1)، وفي "شرح ابن يونس" أن الذي في "التنبيه":(أصحهما: أن القول قول الابنين)، ويوافقه قول ابن عمه في "التنويه": حذفنا قوله: (الأصح: أن القول قول الابنين) لأنه وإن وجّه بأن الإِسلام يغلب بالدار .. فهو بعيد في الحكاية؛ ولهذا لم يذكره في "المهذب" أصلًا، ولا هو في مشاهير الكتب، والوجه الثابت في المسألة هو الوقف، والخلاف من تخريج ابن سريج؛ فإنه قال: تحتمل المسألة قولين، وحقيقته وجهان. انتهى.
ويوافق ذلك أيضًا قولُ النووي في "الروضة": أنكروا على صاحب "التنبيه" ترجيح تصديق الابن، وهو ظاهر الفساد (2)، واعتراضُه عليه في "تصحيحه" أيضًا (3)، وتبعه شيخنا الإسنوي في "تصحيحه" في استدراك ذلك على "التنبيه" أيضًا (4)، وقال النووي في "الروضة": الوقف أرجح دليلًا، لكن الأصح عند الأصحاب: تصديق الأبوين (5).
قال شيخنا الإسنوي في "التنقيح": فإذا تقرر أنه الأرجح في الدليل .. فينبغي أن يقول: المختار.
ولشيخنا هنا في "تصحيح المنهاج" تنبيهات:
أحدها: ظاهره قصور ذلك على الأبوين، وليس كذلك، فلو وطئ مجوسي أخته من أبويه الكافرين الأصليين، فولدت ولدًا فمات عن جديه أبي أبيه وأم أمه وهي أم أبيه أيضًا، وتنازعا مع ولد له مسلم في كفره وإسلامه .. كان كذلك، قال: وإنما فرضنا ذلك في نكاح المجوس؛ لأن هنا أصلًا مستصحبًا، وهو كفر الأصل الأدنى؛ فإنه لو تخلل أب وأم وكان التنازع بين الجدين والابنين .. لم يكن هناك أصل مستصحب للكفر؛ فلا يكون القول فيه قول الجدين، قال: وقد يفرض مثل ذلك في الوطء بشبهة الكفار.
(1) المنهاج (ص 583).
(2)
الروضة (12/ 80).
(3)
تصحيح التنبيه (2/ 284).
(4)
تذكرة النبيه (3/ 517، 518).
(5)
الروضة (12/ 80).
ثانيها: لا حاجه في التصوير لذكر الابنين، بل الابن الواحد كاف، وكذا ابن الابن والبنت وبنت الابن.
ثالثها: استشكله شيخنا بأنه إن كان كفر الأبوين الأصلي ثابتًا بالبنية أو بإقرار المنازع .. فلا خلاف في تصديقهما، وإلا .. فينبغي أن تكون الفتوى على الوقف لزوال الاستصحاب، قال: ولم أر هذا الذي حققناه في كلام أحد، وقول النووي: إن الوقف أرجح دليلًا (1) إنما يكون إذا لم يثبت لنا أصل في الأبوين نستصحبه، فإن ثبت .. فقول الأبوين قطعًا (2).
6356 -
قول "التنبيه"[ص 264]: (وإن شهد شاهدان أنه أعتق سالمًا وهو ثلث ماله وشهد آخران أنه أعتق غانمًا وهو ثلث ماله، ولم يعلم الأول منهما .. ففيه قولان:
أحدهما: أنه يعتق من كل واحد منهما نصفه، والثاني يقرع بينهما) فيه أمور:
أحدها: المراد: حصول الإعتاق في مرض موته، وعبارة "المنهاج" [ص 583]:(في مرضه)، ولو قال:(مرض موته) كما في "المحرر"(3) .. لكان أولى.
ثانيها: فهم من قوله: (ولم يعلم الأول) تحقق الترتيب، فخرج ما إذا اتخذ التاريخ، وقد ذكره "المنهاج" وقال [ص 583]:(أقرع).
وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": يستثنى منه: ما إذا كان الاتحاد بمقتضى تعليق وتنجيز؛ بأن يقول: إن أعتقت غانمًا .. فسالم حر، ثم يعتق غانمًا .. فيعتق سالم مع عتق غانم بناء على أن الشرط والمشروط يقعان معًا وهو المرجح، وهذا تاريخ متحد، ولا إقراع، ويتعين السابق.
ثالثها: الأصح: أنه يعتق من كل نصفه، وعليه مشى "الحاوي"(4)، وفي زيادة "المنهاج" [ص 583]:(أنه المذهب)، وعبارة "المحرر":(قيل: يقرع، وقيل قولان: أحدهما: هذا، والثاني: يعتق من كل منهما نصفه، ورجح كلًا منهما طائفة من الأصحاب)(5)، واختصره "المنهاج" بقوله [ص 583]:(قيل: يقرع، وقيل: في قول: يعتق من كل نصفه)، ومقتضاه: أنهما وجهان، وقد عرفت أنهما طريقان، وأصلها أنه متى علمت المعية .. أقرع، أو الترتيب ولم يعلم السابق .. فهل يقرع أو يقسم؟ قولان، قال في "أصل الروضة": أظهرهما: الثاني، قال: ورجح جماعة الأول، فإذا أطلقت البينتان أو إحداهما .. احتمل المعية، فيقرع، قاله البغوي،
(1) انظر "الروضة"(12/ 80).
(2)
انظر "حاشية الرملي"(4/ 417).
(3)
المحرر (ص 512).
(4)
الحاوي (ص 692).
(5)
المحرر (ص 512).
والترتيب من غير تعيين، قال جماعة منهم الإمام والغزالي: وهو أقرب وأغلب؛ فيجيء القولان (1)، قال الرافعي: ورجح الروياني وغيره القسمة، ونظم "الوجيز" يشعر به، وهو يوافق ما رجح في نظيره من الجمعتين، ورجح آخرون القرعة، وهو يوافق ما رجح في النكاحين (2).
وخالف شيخنا في "تصحيح المنهاج" هذا الترجيح وقال: المذهب المعتمد عند الأصحاب: الإقراع، ونص عليه في "الأم" في الحدود، وهو موضع خفي على كثير من المصنفين، ولم يصح لي عن أحد من الأصحاب ترجيح القول بالقسمة في صورة البينتين من المطلقتين.
6357 -
قول "المنهاج"[ص 583]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 692، 693]: (ولو شهد أجنبيان أنه أوصى بعتق سالم وهو ثلثه، ووارثان حائزان أنه رجع عن ذلك ووصَّى بعتق غانم وهو ثلثه .. يثبت لغانم، فإن كان الوارثان فاسقين .. لم يثبت الرجوع فيعتق سالم ومن غانم ثلث ماله)، قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": الأصح: أنه يعتق غانم كله؛ فإن الوارثين الفاسقين يعتقدان أن سالمًا ملكهما، وإنما منعهما من التصرف فيه ظاهرًا الشهادة التي هي عندهما غير معمول بها؛ لما عرفناه من الرجوع، وقطع به الدارمي، ونص في "الأم" و"المختصر" على ما يشهد له، ثم بسط ذلك.
6358 -
قول "التنبيه"[ص 263]: (وإن قال لعبده: "إن قتلت .. فأنت حر"، فأقام العبد بينة أنه قتل وأقام الورثة بينة أنه مات .. ففيه قولان:
أحدهما: يتعارضان ويرق العبد، والثاني: تقدم بينة القتل) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "الحاوي"(3).
6359 -
قول "التنبيه"[ص 263]: (وإن قال: "إن مت في رمضان .. فعبدي حر، وإن مت في شوال .. فجاريتي حرة"، ومات، وأقام العبد بينة بالموت في رمضان، والجارية بينة بالموت في شوال .. ففيه قولان، أحدهما: يتعارضان ويرقان، والثاني: تقدم بينة رمضان) الأصح: الثاني، وهو داخل في قول "الحاوي" [ص 692]:(ثم السابقة تاريخًا)، وقول "التنبيه":(ويرقان) أي: على قول التساقط، أما إذا قلنا بالاستعمال .. فالأقوال.
6360 -
قول "التنبيه"[ص 262]: (وإن تداعيا عرصة لأحدهما فيها بناء أو شجر؛ فإن كان قد ثبت البناء والشجر له بالبينة .. فالقول قوله في العرصة مع يمينه، وإن ثبت ذلك بالإقرار .. فقد قيل: القول قوله، وقيل: هو بينهما) الأصح: الأول، وفي بعض نسخ "التنبيه" ذكره بالجزم، وذكر الثاني بلفظ (قيل).
(1) الروضة (12/ 85).
(2)
انظر "فتح العزيز"(13/ 274).
(3)
الحاوي (ص 691، 692).
6361 -
قوله: (وإن تداعيا سلمًا منصوبًا .. حلف صاحب العلو، وقضي له)(1) محله: ما إذا كان مثبتًا بالتسمير ونحوه، فإن كان منقولًا غير مثبت .. فحكى ابن كج عن الأكثرين: أنه لصاحب العلو أيضًا، وعن ابن خيران: أنه لصاحب السفل، قال الرافعي: وهو الوجه (2).
6362 -
قوله: (وإن كان بينهما صبي لا يعقل فادعى كل واحد منهما أنه مملوكه .. حلفا وجعل بينهما)(3) محله: ما إذا لم يعرف سبب يدهما، فإن عرف .. لم يقبل فيه قول صاحب اليد إلا ببينة في الأصح.
* * *
(1) انظر "التنبيه"(ص 262).
(2)
انظر "فتح العزيز"(5/ 123، 124).
(3)
انظر "التنبيه"(ص 262).