الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شبهة، وقد حكاه في " أصل الروضة" عن القاضي أبي الطيب وغيره، ثم قال: قال صاحب "الشامل": وليكن هذا تأكيدًا؛ لأن الأصل عدم الشبهة (1).
5125 -
قوله: (ولو اختلف شاهدان؛ كقوله: "سرق بكرة"، والآخر: "عشية" .. فباطلة)(2) أي: بالنسبة إلى القطع، وكذا قول "المحرر":"لم يثبت بشهادتهما شيء) (3) أي: من القطع، ولو قالا كـ "التنبيه" في اختلاف الشهود: (لم يجب الحد) (4) .. لكان أحسن؛ لأنه المقصود، قال في "التنبيه" [ص 273]: (فإن حلف المسروق منه مع الشاهد .. قضى له) أي: بالغرم، وعبارة "الروضة": وللمشهود له أن يحلف مع أحدهما فيغرمه (5)، والمراد: حلفه مع من وافقت شهادته دعواه والحق في زعمه كما بينه في "الكفاية".
5126 -
قوله: (وإن قامت البينة عليه من غير مطالبة .. فقد قيل: يقطع وهو المنصوص، وقيل: لا يقطع، وقيل: فيه قولان)(6) الأصح: أنَّه لا يقطع، وطريقة القطع بالقطع قال في "الكفاية": لا ذكر لها فيما وقفت عليه؛ أي: فضلًا عن أن يكون هي المنصوصة، وأورد الجيلي لفظ "التنبيه":(فقد قيل: لا يقطع، وهو المنصوص، وقيل: يقطع، وهذا هو الصواب) وعليه جرى في "المهذب"(7)، وهذا يقتضي أن شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى - ومنها السرقة - مسموعة، وهو الصحيح، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 591]:(وتسمع الشهادة بغيبته وتعاد للمال) أي: وتعاد الشهادة بعد حضور المسروق منه لإثبات المال لا للقطع؛ لأن شهادة الحسبة لا تقبل في الأموال، فيقطع بعد حضوره من غير إعادة بينة؛ لأنا قد سمعناها أولًا، وإنَّما انتظرنا؛ لتوقع ظهور ما يسقط ولم يظهر.
فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]
5127 -
قول "المنهاج"[ص 510]: (وتقطع يمينه) محله: فيما إذا لم تكن شلاء، فإن كانت شلاء .. رُجع لأهل الخبرة، فإن قالوا: ينقطع الدم وتستد أفواه العروق .. قطعت واكتُفي بها،
(1) الروضة (10/ 146).
(2)
انظر "المنهاج"(ص 510).
(3)
المحرر (ص 430).
(4)
التنبيه (ص 273).
(5)
الروضة (10/ 147).
(6)
انظر "التنبيه"(ص 246).
(7)
المهذب (2/ 282).
وإلَّا .. لم تقطع؛ لأنه يؤدي إلى فوات الروح (1)، وعلى الأول يحمل قول "الحاوي" [ص 591]:(واكتفي بالشلاء) وعلى الثاني يحمل قول "التنبيه"[ص 246]: (ومن سرق ولا يمين له أو كانت وهي شلاء .. قطع رجله اليسرى) فإطلاق كل منهما مدخول.
5128 -
قول "الحاوي"[ص 591]: (وكفان والأصلية إن أمكن) أي: لو كان على المعصَم كفان ولم تتميز الأصلية عن الزائدة، أو تميزت ولم يمكن استيفاء الأصلية بدونهاء. فإنهما يقطعان، هذا اختيار الإمام بعد أن حكى عن الأصحاب قطعهما مطلقًا (2)، وفي "التهذيب": أنَّه إن تميزت الأصلية .. قطعت، وإلا .. فإحداهما فقط، فإن سرق ثانيًا .. قطعت الأخرى، ولا يقطعان بسرقة واحدة، بخلاف الإصبع الزائدة؛ فإنه لا يقع عليها اسم يد (3).
قال الرافعي: وهذا أحسن (4)، وقال النووي: إنه الصحيح المنصوص، وقد جزم به جماعة منهم القاضي أَبو الطيب وصاحب "البحر" والشيخ نصر المقدسي وغيرهم، ونقله القاضي والمقدسي عن نص الشَّافعي رضي الله عنه (5).
قال في "شرح المهذب": وأما قول الغزالي في (كتاب السرقة): قال الأصحاب: نقطعهما جميعًا .. فغير موافق عليه، بل أنكروه، وردوه، فالصواب: التفاء بإحداهما. انتهى (6).
فعلى ترجيح الرافعي والنووي قد ترد هذه الصورة على قول "التنبيه"[ص 246] و"المنهاج"[ص 510]- والعبارة له -: (فإن سرق ثانيًا بعد قطعهما .. فرجله اليسرى)، ويقال: محله ما إذا لم يكن له يد أخرى على المعصم الأيمن، وقد يقال: إنما تكلما على الخلقة المعتادة الغالبة.
5129 -
قول "التنبيه"[ص 246]: (فإذا قطع .. حسم بالنار) قد يفهم أنَّه يفعل به ذلك بغير دهن، فيخالف قولَ "المنهاج" [ص 510]:(ويغمس محل قطعه بزيتٍ أو دهنٍ مغلىً) و"الحاوي"[ص 591]: (يغمس في زيت مغلىً) وقد يقال: أراد: فعل ذلك بواسطة الدهن المغلى، وقد قال الماوردي في الغمس في الدهن المغلى: هذا إذا كان حضريًا، فإن كان بدويا .. حسم بالنار؛ لأنه عادتهم (7)، وقال في قاطع الطَّرِيقِ: وإذا قُطع .. حسم بالزيت المغلي وبالنار بحسب العرف فيهما. انتهى (8).
(1) في حاشية (ج): (قال في "الروضة" [10/ 150]: ويكون كمن لا يمين له، وحينئذ .. فيقطع رجله اليسرى).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 263).
(3)
التهذيب (7/ 863).
(4)
انظر "فتح العزيز"(11/ 247).
(5)
انظر "الروضة"(10/ 152).
(6)
المجموع (1/ 449، 450).
(7)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 243).
(8)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 363).
يدل على اعتبار عادة أهل تلك الناحية، ثم قد تفهم عبارة "التنبيه" وجوب ذلك، وفي "الحاوي" [ص 591]:(ندبًا) وفي "المنهاج"[ص 510]: (قيل: هو تتمة للحد، والأصح: أنَّه حق للمقطوع؛ فمؤنته عليه، وللإمام إهماله) وفيه أمور:
أحدها: كون مؤنته عليه إذا قلنا: إنه حق له، ذكره الإمام، واقتصر الرافعي على حكايته (1)، وذكر شيخنا الإمام البلقيني: أن المعروف في الطريقين أنَّها في بيت المال وإن قلنا: حق للمقطوع، وحكاه عن العراقيين والماوردي والروياني والقاضي حسين والبغوي (2).
ثانيها: أن مقتضاه: أنَّه على الوجه الأول، وهو كونه تتمة للحد ليست مؤنته على المقطوع، وليس كذلك؛ ففي "أصل الروضة" على هذا الوجه: أنَّه على الخلاف في مؤنة الجلاد، والأصح في مؤنة الجلاد: أنَّها على المجلود والسارق، فهو على طريقته على الوجهين معًا على المقطوع (3).
ثالثها: قيد شيخنا الإمام البلقيني كون الإمام له إهماله بما إذا لم يؤد إلى تلفه؛ بأن أغمي عليه وليس له من يقوم بحاله، أو كان على حال يتعذر عليه حسم نفسه .. فلا يجوز للإمام إهماله.
5130 -
قولهم - والعبارة لـ"التنبيه" -: (وإن كانت له يمين بلا أصابع .. قطع الكف)(4) في "المنهاج": (إنه الأصح) وفي "التنبيه": (إنه المنصوص) وفي الرافعي: إن الخلاف قولان، حكى الأول الحارث ابن سريج، والثاني القاضي أَبو حامد (5)، وعبارة "الروضة": وجهان أو قولان (6)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني: أنَّه لا يكتفي بها، وحكاه عن اختيار القاضي أبي حامد، وأن القاضي الحسين قال: إنه المذهب، ثم إن الخلاف لا يختص بذهاب الأصابع مع بقاء جميع الكف، بل هو جار وإن لم يبق إلَّا بعض الكف إذا بقي محل القطع كما في "الروضة" وأصلها (7).
5131 -
قول "المنهاج"[ص 510]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 591]: (وتقطع يد زائدة إصبعًا) يقتضي أنَّه لا تقطع زائدة إصبعين وأكثر، وليس كذلك؛ فالإصبع مثال، وَإِذا كان "الحاوي" يقطع كفين كما تقدم عنه (8) .. فكف واحدة زائدة خمس أصابع أولى بذلك، وقول
(1) انظر "نهاية المطلب"(17/ 264)، و"فتح العزيز"(11/ 243).
(2)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 243)، و"التهذيب"(7/ 843).
(3)
الروضة (10/ 149).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 246)، و"الحاوي"(ص 591)، و"المنهاج"(ص 510).
(5)
فتح العزيز (11/ 244، 245).
(6)
الروضة (10/ 150).
(7)
فتح العزيز (11/ 245)، الروضة (10/ 150).
(8)
الحاوي (ص 591).
"المنهاج"[ص 510]: (في الأصح) يقتضي قوة الخلاف، وليس كذلك، بل هو ضعيف نقلًا ومعنى كما ذكر شيخنا الإمام البلقيني.
5132 -
قول "المنهاج"[ص 510] و"الحاوي"[ص 591]: (ولو سرق فسقطت يمينه بآفة .. سقط القطع) كذا بجناية؛ ولهذا أطلق "التنبيه" ذهابها (1).
فإن قيل: الجناية آفة أيضًا .. قلنا: هذا خلاف المتبادر إلى الفهم منه، وبتقدير صحته .. فلا حاجة للتقييد بالآفة.
5133 -
قول "التنبيه"[ص 246، 247]: (وإن وجب عليه قطع اليمين فقطع اليسار عمدًا .. قطعت يمينه، وأقيد من القاطع من يساره، وإن قطع سهوًا .. غرم الدية، وفي يمين السارق قولان: أحدهما: يقطع، والثاني: لا يقطع) قال النووي في "تصحيحه": الأصح: أنَّه إذا قطعها الجلاد عمدًا أو سهوًا .. أجزأت عن اليمين ولا قصاص على القاطع ولا دية (2).
قال في "المهمات": وهو يقتضي بعمومه تصحيح الإجزاء في صورتين:
إحداهما: إذا قطع الجلاد من غير إخراج السارق، وليس كذلك اتفاقا.
الثانية: إذا قال المخرج: علمت أنَّها اليسار وأنها لا تجزئ، مع أنَّه ليس الأمر أيضًا كذلك، وكلام الرافعي في القصاص يقتضي أنَّه لا فرق في الصورة الثانية بين أن يكون الإخراج على قصد حسبانها عن اليمين أم لا (3)، وهو واضح؛ لأن القصد المذكور مع علمه بأنه لا يقع لا أثر له.
قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ويزاد عليه اعتراض ثالث، وهو: أنَّه في "التنبيه" ألزم الجلاد دية اليد، وحكى في قطع اليمين قولين، فصحح في "التصحيح" إجزاء اليسار؛ وقضيته أن يكون مع إيجاب الدية، ولكن الجديد: الإجزاء ولا دية.
قلت: وقد صرح في "التصحيح" بأنه لا دية، فكيف يقال: إن قضيته إيجاب الدية؟ والله أعلم.
وكان ينبغي للنووي أن يبين أن محل ما صححه في صورة خاصة، وهي: أن يقول الجلاد للسارق: أخرج يمينك، فيخرجها ظانأ أنَّها اليمين أو أن اليسار تجزئ عن اليمين؛ فإنه محل الخلاف، والصحيح كما تقدم.
5134 -
قوله: (ولا يقطع السارق - أي: الحرّ - إلَّا الإمام أو من فوض إليه الإمام)(4) قد يفهم
(1) التنبيه (ص 246).
(2)
تصحيح التنبيه (2/ 244).
(3)
انظر "فتح العزيز"(10/ 285).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 246).
أنَّه لو قطعه قاطع بغير إذن الإمام .. فعليه القصاص، وهو مقتضي قول "الحاوي" في أول (الجنايات) [ص 548]:(إن يد السارق معصومة على غير المستحق) لكن المنقول: أنَّه لا قصاص عليه، قال الرافعي: هكذا أطلق، ويشبه جعل وجوب القصاص على الخلاف في الزاني المحصن (1).
قال ابن الرفعة: والذي جزم به الماوردي الوجوب، ثم حمل كلام الماوردي على ما إذا لم يقصد القاطع استيفاء الحد، وكلام غيره على ما إذا قصد.
قال في "المطلب": ويرشد إليه ما ذكره الماوردي فيما إذا قتل قاطع الطَّرِيقِ مرتدًا فإن علم بردته .. لم يقتل جزما، وإلَّا .. ففيه الخلاف في قتل غير المكافئ، قال: ويستأنس له بما إذا قتل الإمام عبدًا اشتراه مرتدًا في يد البائع قبل القبض، فإن قصد قتله عن الردة .. وقع عنها وانفسخ البيع، وإن لم يقصد .. جعل قابضأ للمبيع واستقر عليه الثمن، كما حكاه الرافعي قبيل (الديات) عن "فتاوى البغوي"(2)، ثم قال: ولو قيل: يحمل ما أطلقه الماوردي على ما إذا كان القاطع ذميًا والسارق مسلمًا، وكلام غيره على ما إذا كان القاطع مسلمًا .. لم يبعد كما قلنا بمثله في قتل الزاني المحصن.
* * *
(1) انظر "فتح العزيز"(11/ 245).
(2)
انظر "فتح العزيز"(10/ 311).