الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ القضاء
5887 -
قول " المنهاج "[ص 557]: (هو فرض كفاية) أي: قبول التولية، أما إيقاع التولية للقاضي .. فهو فرض عين على الإمام وعلى قاضي الإقليم في المعجوز عنه، فإن لم يبلغ الإمام الخبر؛ لبعده عنه .. تعين فرض التولية على القاضي، وإن بلغه .. فالفرض عليهما، فأيهما ولى .. سقط الفرض، ذكره الماوردي (1).
وأما إيقاع القضاء بين المتنازعين .. ففرض عين على الإمام بنفسه أو نائبه، وإذا ارتفعا إلى النائب .. فإيقاع القضاء بينهما فرض عين عليه، ولا يحل له الدفع إذا كان فيه تعطيل وتطويل نزاع، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقول " التنبيه " [ص 251]:(ولاية القضاء فرض على الكفاية) يخرج هذا الأخير، لكنه ظاهر في إيقاع التولية؛ فيؤول على أن المراد: قبول ولاية القضاء.
5888 -
قول " المنهاج "[ص 557]: (فإن تعين - أي: إنسان - .. لزمه طلبه) فحذفه؛ للعلم به، ولو أفصح به .. لكان أولى، كما قال " التنبيه " [ص 251]:(فإن لم يكن من يصلح إلا واحد .. تعين عليه، ويلزمه طلبه) و" الحاوي "[ص 658]: (ولزم متعين البلد طلبه).
5889 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (فإن امتنع .. أجبر عليه) استشكل: بأنه بامتناعه من هذا الفرض الذي هو مناط المصالح العامة بعد تعينه فاسق.
وأجاب عنه الرافعي: بأنه يمكن أن يكون المراد أنه يؤمر بالتوبة أولًا، فإذا تاب .. ولي (2)، وهو مشكل؛ لأنه لا بد بعد توبته من مضي مدة الاستبراء، ولم يشترطوه؛ فالصواب ما أجاب به النووي: أنه لا ينبغي أن يفسق؛ لأن امتناعه غالبًا بتأويل، فلا يعصي وإن كان مخطئًا في تأويله (3).
5890 -
قوله: (وإن كان هناك غيره .. كره أن يتعرض له، إلا أن يكون محتاجًا .. فلا يكره لطلب الكفاية، أو خاملًا .. فلا يكره لنشر العلم)(4) فيه أمور:
أحدها: أن محل ذلك: فيما إذا كان ذلك الغير مساويًا له، فإن كان دونه .. استحب القبول،
(1) انظر " الحاوي الكبير "(16/ 7).
(2)
انظر " فتح العزيز "(12/ 412).
(3)
انظر " الروضة "(11/ 92).
(4)
انظر " التنبيه "(ص 251).
وكذا الطلب إذا وثق بنفسه، جزم به في " الروضة " وأصلها (1)، وذكره شيخنا الإسنوي في " تصحيحه " بلفظ الصواب (2)، وذكره " الحاوي " بقوله [ص 658]:(وندب للأصلح)، وهو مأخوذ من مفهوم " المنهاج " في ذكره ما إذا كان غيره أصلح، وما إذا كان مثله، وإن كان أصلح منه .. جاز القبول بناء على جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل، ولكن يكره الطلب، وقيل: يحرم (3)، وعلى الكراهة مشى " الحاوي " و" المنهاج "، لكنه قيد ذلك بما إذا كان ذلك الأصلح يتولاه (4)، ولا بد منه، فإن كان لا يتولى .. فهو كالمعدوم.
ولم تدرج هذه الصورة في عبارة " التنبيه " لاستثنائه من الكراهة الحاجة والخمول، وإنما استثنوها في صورة المساواة وأطلقوا الكراهة فيما إذا كان غيره أصلح، وظاهر عبارة الرافعي والنووي عدم كراهة القبول فيما إذا كان غيره أصلح؛ لأنهما إنما ذكرا الكراهة في الطلب (5)، لكن ذكر القاضي حسين: أنه يكره له القبول، ويكره للإمام أن يبتدأه بالتولية، ومحل الخلاف في ولاية المفضول مع الفاضل إذا لم يكن عذر، فإن كان؛ بأن كان أطوع في الناس وأقرب إلى القلوب .. انعقدت قطعًا، قاله الماوردي.
ثانيها: ما ذكره من الكراهة في هذه الحالة هو الذي في " شرحي الرافعي "(6)، ومشى عليه " الحاوي "(7)، وفي " المنهاج " من زيادته (8)، لكن الذي في " المحرر " أن الأولى تركه (9)، وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن تصحيح الكراهة ممنوع؛ لأنه ليس هناك متعين، والداخل من الذين يصلحون للقضاء مع التساوي في طلب القضاء داخل في طلب فرض كفاية، وذلك إن لم ينته إلى الإيجاب ولا إلى الندب .. فلا أقل من انتفاء الكراهة.
ثالثها: أنه اقتصر في الحاجة والخمول على انتفاء الكراهة؛ والذي في " المنهاج " و" الحاوي " ندب الطلب (10)، وهنا تنبيهات:
أحدها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يزاد على الخامل والمحتاج آخرين:
(1) فتح العزيز (12/ 413)، الروضة (11/ 93).
(2)
تذكرة النبيه (3/ 491).
(3)
المنهاج (ص 557).
(4)
الحاوي (ص 659)، المنهاج (ص 557).
(5)
انظر " فتح العزيز "(12/ 412)، و" الروضة "(11/ 93).
(6)
فتح العزيز (12/ 414).
(7)
الحاوي (ص 659).
(8)
المنهاج (ص 557).
(9)
المحرر (ص 484).
(10)
الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 557).
أحدهما: أن يكون ذاك الذي هو مثله في الاجتهاد أو التقليد يرتكب أمورًا يضعف مدركها .. فهنا يندب الطلب، وقد يقوى الإيجاب ولا سيما إذا كانت تلك الأمور ينقض القضاء فيها.
ثانيهما: إذا كان الذي مثله لا يقوم بكفاية الناس في خصوماتهم وأحوالهم إلا بجهد وتعب وتكلف وربما تأخر بعض القضايا للكثرة .. فيندب الطلب لمن يقوم بالمصالح بحيث يزول ما ذكر.
ثانيها: قال شيخنا أيضًا: محل ولاية المفضول مع الفاضل في المجتهدين أو المقلدين العارفين بمدارك مقلدهما، فإن كان الفاضل مجتهدًا أو مقلدًا عارفا بمدارك إمامه والمفضول ليس كذلك .. لم يجز توليته ولا قبوله؛ ويدل لذلك توجيه الأصحاب الجواز: بأن تلك الزيادة خارجة عن الحد المطلوب.
ثالثها: قال شيخنا أيضًا: المثلية والأصلحية يتناولان القوة في القيام في الحق، فإذا كان أحدهما أقوى من الآخر في القيام في الحق .. فقد يقتضي الحال هنا تعين الأقوى، ولا يتخرج على الخلاف في جواز تولية المفضول مع وجود الفاضل؛ لأن الزائد هنا محتاج إليه، بخلاف ما يتعلق بالعلم.
رابعها: قال شيخنا أيضًا: في قول " المنهاج "[ص 557]: (وإن كان مثله .. فله القبول) اقتصر عليه مع أنه يندب له القبول؛ لأن في الوجوب وجهين، ومن عينه الإمام لفرض من فروض الكفايات .. يطلب منه موافقة الإمام إما وجوبًا وإما ندبًا.
خامسها: محل هذا التفصيل: فيما إذا لم يكن هناك قاض متول أو كان وهو غير صالح، فإن كان وهو صالح ولو كان مفضولًا؛ إن صححنا ولايته .. حرم الطلب والطالب مجروح، حكاه في " أصل الروضة " عن الماوردي، وأقره (1)، وذكره " الحاوي " بقوله [ص 659]:(وحرم قبول غير المتعين بعزل غيرٍ) وليس مطابقًا لكلام الماوردي؛ فإن الماوردي إنما ذكر تحريم الطلب لا تحريم القبول.
سادسها: جميع ما تقدم في الطلب بغير بذل فأما مع البذل .. فأطلق جماعة تحريمه، والصحيح: تفصيل ذكره الروياني، وهو: أنه إن تعين عليه أو ندب له .. جاز، وإلا .. فلا، لكن لهذا إذا كان متوليًا لبذل؛ لئلا يعزل، والبذل لعزل متول حرام إن كان صالحًا، وإلا .. فمندوب، والأخذ حرام مطلقًا.
5891 -
قول " المنهاج "[ص 557]: (والاعتبار في التعين وعدمه بالناحية) و" الحاوي "[ص 658]: (ولزم متعين البلد طلبه) ذكر الرافعي أن طرق الأصحاب متفقة عليه، قال: وقضيته أن
(1) الروضة (11/ 93)، وانظر " الحاوي الكبير "(16/ 12).
لا يجب على من يصلح للقضاء طلب القضاء ببلدة أخرى لا صالح بها ولا قبوله إذا وُلِّي، ويجوز أن يفرق بينه وبين القيام بسائر فروض الكفايات المحوجة إلى السفر؛ كالجهاد وتعلم العلم ونحوهما؛ بأنه يمكن القيام بتلك الأمور والعود إلى الوطن، وعمل القضاء لا غاية له؛ فالانتقال إليه هجرة، وترك الوطن بالكلية تعذيب (1).
قال في " المهمات ": ولم يتفقوا على ذلك؛ ففيه خلاف حكاه في " الكفاية " عن ابن الصباغ وغيره.
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هو عندنا متعقب نقلًا ودليلًا، أما النقل: فليس ما ذكره مصرحًا به في كتاب من كتب الأصحاب، لا العراقيين ولا المراوزة، وأما الدليل: فلأنه يلزم تعطل البلدة التي ليس فيها من يصلح للقضاء عن قاض، ولا يؤدي ذلك إلى هجر الوطن بلا غاية، بل الإمام ينظر فى المصالح العامة والخاصة، ويبعث قاضيًا بعد قاض، وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم عليًا إلى اليمن قاضيًا، وكذلك بعث أبا موسى ومعاذًا رضي الله عنهم، واستمر الخلفاء بعده على ذلك من غير أن يقول أحد من المبعوثين: إنه لا يتعلق بي أمر البلد التي تريد أن تبعثني إليها؛ لأنها ليست بلدي.
5892 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (وينبغي أن يكون القاضي ذكرًا، حرًا، بالغًا، عاقلًا، عدلًا، عالمًا بالأحكام) فيه أمور:
أحدها: أن قوله: (ينبغي) بمعنى: يشترط كما عبر به " المنهاج "(2).
ثانيها: أنه أهمل من الأوصاف المشترطة فيه الإسلام، وقد ذكره " المنهاج "(3)، وحذفه في " الروضة " استغناء عنه بالعدالة.
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": اشتراط الإسلام إنما هو في قاضي المسلمين أو المطلق، فأما قاضي الكفار .. فلا يشترط إسلامه، وللإمام أن ينصب بينهم قاضيًا كافرًا، ثم ذكر قول " أصل الروضة ": إنه لا يصح تولية الكافر ولو على كافر، وقول الماوردي: إن ما جرت به عادة الولاة من نصب رجل بين أهل الذمة .. فهو تقليد رياسة وزعامة، لا تقليد حكم وقضاء، ولا يلزمهم حكم بإلزامه (4)، ثم قال شيخنا: إنه ممنوع؛ لمخالفة نصوص الشافعي رضي الله عنه، وما اشتهر بين الأصحاب، وأهمل أيضًا: كونه سميعًا بصيرًا ناطقًا، وقد ذكرها " المنهاج "(5)، وجمع ذلك
(1) انظر " فتح العزيز "(12/ 414).
(2)
المنهاج (ص 557).
(3)
المنهاج (ص 557).
(4)
الروضة (11/ 96، 97)، وانظر " الحاوي الكبير "(16/ 158).
(5)
المنهاج (ص 557).
" الحاوي " بقوله [ص 658]: (أهل القضاء والنيابة العامة أهل للشهادات)، ويستثنى من اشتراط البصر: القاضي الذي ينزل أهل القلعة على حكمه؛ فيجوز كونه أعمى كما هو مذكور في موضعه، وأهمل كونه كافيًا، وقد صرح به " المنهاج " و" الحاوي "(1)، وأخرجا به المغفل الذي اختل رأيه بكبر أو مرض ونحوهما، مع أنه خرج بذكر الاجتهاد، فمن هو كذلك .. ليس من أهل الاجتهاد، قاله في " المهمات ".
ثالثها: المراد: كونه عالمًا بالأحكام بالاجتهاد كما صرح به " المنهاج " و" الحاوي "(2)، ويستثنى منه مسألتان:
أحدهما: المولّى في واقعة معينة يكفيه أن يعرف الحكم فيها بطريق الاجتهاد المتعلق بتلك الواقعة بناء على أن الاجتهاد يتجزأ، وهو الأرجح، وقد أشار إلى ذلك " الحاوى " بقوله [ص 658]:(والنيابة العامة).
ثانيهما: الحاكم الذي ينزل أهل القلعة على حكمه؛ ففي " أصل الروضة ": أنهم أطلقوا أنه يشترط كونه عالمًا، وربما قالوا: فقيهًا، وربما قالوا: مجتهدًا، قال الإمام: ولا أظنهم شرطوا أوصاف الاجتهاد المعتبرة في المفتي؛ ولعلهم أرادوا: [المهتدي](3) إلى طلب الصلاح وما فيه النظر للمسلمين (4).
رابعها: أهمل هو " والمنهاج " أيضًا أن يكون ممن تجوز شهادته، فمن لا تجوز شهادته من أهل البدع .. لا يجوز تقليده القضاء، وقد تناوله قول " الحاوي " [ص 658]:(أهل للشهادات)، قال الماوردي: وكذا لا يجوز تقليد من لا يقول بالإجماع أو بأخبار الآحاد، وكذا حكم نفاة القياس الذين لا يقولون بالاجتهاد أصلًا، بل يتبعون النصوص، فإن لم يجدوا .. أخذوا بقول سلفهم كالشيعة، حكاه عنه في " أصل الروضة "، وأقره (5)، وفيها أيضًا عن الصيمري: أنه يشترط في الشاهد أن يكون غير محجور عليه بسفه (6).
قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويشترط ذلك في القاضي قطعًا؛ لأن مقتضى القضاء التصرف على المحجور عليهم، قال: وأما الإكراه .. فإنه مانع من صحة القبول، إلا فيما تعين عليه.
(1) الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 557).
(2)
الحاوي (ص 658)، المنهاج (ص 557).
(3)
في " نهاية المطلب "، و" الروضة ":(التهدي).
(4)
الروضة (10/ 291)، وانظر " نهاية المطلب "(17/ 541).
(5)
الروضة (11/ 98).
(6)
الروضة (11/ 245).
5893 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (وقيل: يجوز أن يكون أميًا، وقيل: لا يجوز)، الأصح: جوازه، وهو مفهوم من عدم اشتراط " المنهاج " و" الحاوي " الكتابة.
5894 -
قول " المنهاج "[ص 557، 558]: (فإن تعذر جمع هذه الشروط فولَّى سلطان له شوكة فاسقًا أو مقلدًا .. نَفَذَ قضاؤه للضرورة) و" الحاوي "[ص 658]: (فإن تعذر من ولاه ذو شوكة) فيه أمور:
أحدها: هذا الكلام قاله الغزالي (1)، واستحسنه الرافعي (2)، وجزم به في " المحرر "(3)، وقال ابن الصلاح وابن أبي الدم وابن شداد: لا نعلم أحدًا ذكر ما ذكره الغزالي، والذي قطع به العراقيون والمراوزة: أن الفاسق لا تنفذ أحكامه، ورد في " المهمات " ما قالوه؛ بأن الرافعي حكى في البغاة عن المعتبرين: أنه إن كان قاضيهم لا يستحل دماء أهل العدل وأموالهم .. نفذ حكمه، وإن استحلها .. لم ينفذ، ومنهم من أطلق نفوذه (4)، وبأن في " البحر " .. يحتمل وجهين: أحدهما: لا ينفذ ويتحاكمون إلى من هو أهل القضاء، فإن لم يجدوا أهلًا له .. نفذت أحكامه للضرورة، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": سبق الدارمي الغزالي إلى كلام أعم مما قال، فقال: في " الاستذكار ": إن ولي من ليس بأهل .. فعلى كل واحد عزله وتولية غيره، فإن لم يقدروا .. قضى بهم، قال: فقوله: (قضى بهم) يعني: نفذ قضاؤه للضرورة. انتهى.
وقال ابن الرفعة: الحق أنه إذا لم يكن ثَمّ من يصلح للقضاء .. نفذ حكمه قطعًا، وإلا .. فتردد.
ثانيها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": السلطان ذو الشوكة إذا ولى فاسقًا .. نفذ قضاؤه للضرورة، وإن لم يتعذر جمع هذه الشروط، هاذا تعذر جمع هذه الشروط .. فتولية المقلد صحيحة، وإن صدرت من غير ذي الشوكة.
قلت: إذا تعذر جمع هذه الشروط .. لم تكن السلطنة إلا بالشوكة؛ فإن من شرطها: الاجتهاد، والفرض تعذره، فلا يوجد مع ذلك خلافة صحيحة، والله أعلم.
ثالثها: قال شيخنا أيضًا: إن قاضي الضرورة لا يستحق جامكية على القضاء من بيت المال؛ لأن ذلك يتعلق به خاصة ولا ضرورة للناس تتعلق بذلك، وإذا زالت شوكة من ولاه .. انعزل؛ لزوال المقتضي لدوام ولايته.
(1) انظر " الوجيز "(2/ 237)، و" الوسيط "(7/ 291).
(2)
انظر " فتح العزيز "(12/ 418).
(3)
المحرر (ص 484).
(4)
انظر " فتح العزيز "(11/ 82).
رابعها: قال في " المهمات ": التقييد بالفاسق والجاهل يشعر بأنه لا ينفذ من المرأة والكافر، وهو ظاهر، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": تنفذ أحكامها للضرورة، وفي " البحر " عن جده رواية وجهين في أن المرأة إذا قلدت القضاء على مذهب أبي حنيفة فيما يجوز أن تكون شاهدة فيه فحكمت .. هل يحل للحاكم الشافعي نقض حكمها؟
أحدهما: نعم وهو اختيار الإصطخري.
والثاني: لا؛ لأنه مجتهد فيه (1)، قال شيخنا: وكذا ينفذ حكم الأعمى للضرورة فيما يعرفه وينضبط له، قال: ومقتضى كلام الخوارزمي في العبد والصبي: المنع جزمًا، قال: والذي عندي في العبد أنه ينفذ أحكامه للضرورة، بخلاف الصبي، لعدم صحة عبارته، وقد دخل جميع هذه الصور في قوله:(من ولاه ذو شوكة)(2).
5895 -
قول " المنهاج "[ص 558]: (ويُندب للإمام إذا ولى قاضيًا أن يأذن له في الاستخلاف) قيده الشافعي رضي الله عنه في " مختصر المزني " بالأطراف فقال: (وأحب للإمام إذا ولى القضاء رجلاً أن يجعل له أن يولي القضاء في الطرف من أطرافه)(3).
قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضاه أنه لا يندب له ذلك إلا بهذا القيد، وهو المعتمد.
5896 -
قول " التنبيه "[ص 252]: (وإن احتاج إلى أن يستخلف في أعماله لكثرتها .. استخلف) فيه أمران:
أحدهما: محله ما إذا لم ينهه عن ذلك، وقد صرح به " المنهاج " فقال [ص 558]:(فإن نهاه .. لم يستخلف) فلو كان المفوض إليه مما لا يمكنه القيام به .. ففي " الشامل " عن القاضي أبي الطيب: أن هذا النهي كالعدم، والأقرب أحد أمرين، إما بطلان التولية، وإما اقتصاره على الممكن وترك الاستخلاف، قال النووي: هذا أرجحهما (4)، وقال في " الكفاية ": إنه المشهور.
قال شيخنا ابن النقيب: والذي يظهر أن الأقرب من كلام الرافعي أو ابن الصباغ (5)، وجزم في " التوشيح " بأنه من كلام الرافعي (6).
(1) بحر المذهب (11/ 254).
(2)
الحاوي (ص 658).
(3)
مختصر المزني (ص 302).
(4)
انظر " الروضة "(11/ 119).
(5)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(8/ 190).
(6)
انظر " فتح العزيز "(12/ 433).
وقال في " المهمات ": إطلاقهم يقتضي أنه لا فرق في تعاطي الممكن بين أن يكون إمكانه مقارنًا للتولية أو طارئًا عليها.
وقال في " التوشيح ": قوله: (لم يستخلف)(1) يحتمل شيئين:
أحدهما: شمول ولايته للممكن وغيره، ولكن لا يجوز له الاستخلاف، وهو أظهر الاحتمالين في عبارة " المنهاج ".
والثاني: اقتصار ولايته على الممكن، فلا يكون قاضيًا فيما زاد، وهو أظهر الاحتمالين في قول " الروضة ":(وإما اقتصاره على الممكن وترك الاستخلاف)(2)، ويظهر أثر هذا فيما لو كان عاجزًا عن الولاية عن شيء ثم قدر عليه .. فعلى الأظهر من عبارة " المنهاج ": له القضاء فيه، وعلى الأظهر من عبارة " الروضة ": ليس له؛ لأن ولايته لم تشمله.
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وما رجحه النووي ممنوع فيما إذا كان ذلك لاتساع العمل؛ كمصرين متباعدين كالبصرة وبغداد؛ فإنه إن قيل: صحت الولاية فيهما .. كان تصحيحًا لها مع عدم إمكان القيام بها، وإن قيل: صحت في مصر منهما غير معين .. صار كأنه قال: وليتك القضاء في إحدى البلدين، وهذا لا يصح، فلم يبق إلا بطلان التولية.
وفي " الحاوي " للماوردي: هو بالخيار في النظر في أيهما شاء، فإذا نظر في أحدهما .. ففي انعزاله من الآخر وجهان محتملان (3).
ثانيهما: قد يفهم جواز الاستخلاف في الكل، والأصح: أنه لا يجوز الاستخلاف إلا في القدر المعجوز عنه؛ ولهذا قال " المنهاج "[ص 558]: (استخلف فيما لا يقدر عليه لا غيره في الأصح).
قال الرافعي: والقياس فيما إذا أذن له في الاستخلاف: أن يكون في القدر المستخلف فيه هذان الوجهان، إلا أن يصرح بالاستخلاف في الجميع، وقطع ابن كج بالجواز في الكل عند مطلق الإذن (4).
وذكر في " التوشيح " أن عبارة " التنبيه " هنا أحسن من عبارة " المنهاج " لأن قوله: (وإن احتاج)(5) ينبي عن كونه لا يمكنه القيام بما تولاه.
قلت: قول " المنهاج ": في القدر المعجوز عنه أشد دلالة على ذلك.
(1) المنهاج (ص 558).
(2)
الروضة (11/ 119).
(3)
الحاوي الكبير (16/ 330).
(4)
انظر " فتح العزيز "(12/ 433).
(5)
التنبيه (ص 252).
5897 -
قول " التنبيه "[ص 252]: (وإن لم يحتج .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز إلا أن يؤذن له في ذلك) الثاني هو الأصح، وعليه مشى " المنهاج "(1).
5898 -
قول " التنبيه "[ص 252]: (استخلف من يصلح أن يكون قاضيًا) قيده " المنهاج " فقال [ص 558]: (وشرط المستخلف كالقاضي، إلا أن يستخلف في أمر خاص - كسماع بينة - فيكفي علمه بما يتعلق به)، وظاهره اشتراط الاجتهاد في ذلك الخاص، وهو قياس قاعدة الباب، لكن في " الروضة " وأصلها: أنه لا يشترط رتبة الاجتهاد فيه، وحكاه عن الشيخ أبي محمد وغيره (2)، واستحسن في " النهاية " كلام شيخه، ثم قال: ولكن ينبغي أن يكون مستقلًا بما يليق بسماع الدعوى وأحكام البينات، وهذا يحْوِج إلى حظ صالح من الفقه (3).
وظاهر كلام " المنهاج " أن الخلاف في الاستخلاف جار في الأمور الخاصة أيضًا، وهو مقتضى إطلاق الأكثرين، وقطع القفال بجوازه في الخاصة للضرورة، ويوافقه جزم " الروضة " وأصلها بانعزال الخليفة في شيء خاص بموت القاضي وانعزاله، وجعل الخلاف في انعزال الخليفة العام (4).
5899 -
قول " المنهاج "[ص 558]: (ويحكم باجتهاده أو اجتهاد مقلده إن كان مقلدًا، ولا يجوز أن يشرط عليه خلافه)، لم يبين فيما إذا شرط عليه خلافه .. هل تصح ولايته أم لا؟ وفي " أصل الروضة ": عن " الوسيط " فيما لو شرط القاضي الحنفي على النائب الشافعي الحكم بمذهب أبي حنيفة .. له الحكم في المسائل التي اتفق عليها الإمامان دون المختلف فيها، قال: وهذا حكم منه بصحة الاستخلاف، لكن قال الماوردي وصاحبا " المهذب " و" التهذيب " وغيرهم: لو شرط الإمام على القاضي مذهبًا عينه .. بطلت الولاية، وهذا يقتضي بطلان الاستخلاف هناك، وفي " فتاوى القاضي حسين ": لو شرط أن لا يقضي بشاهد ويمين ولا على غائب .. صحت التولية ولغا الشرط؛ فيقضي باجتهاده، ومقتضاه: أن لا يراعي الشرط هناك، قال الماوردي: ولو لم يقع صيغة شرط؛ كوليتك فاحكم بمذهب الشافعي، أو لا تحكم به .. قال الماوردي: صح التقليد ولغا الأمر والنهي، وفيه احتمال، قال: ولو قال: لا تحكم في قتل المسلم بالكافر والحر بالعبد .. جاز، وقد قصر عمله على باقي الحوادث، وحكى وجهين فيما لو قال: لا تقض فيهما بقصاص: أنه يلغو، أم يكون منعًا له من الحكم بالقصاص نفيًا وإثباتًا؟ انتهى (5).
(1) المنهاج (ص 558).
(2)
فتح العزيز (12/ 434)، الروضة (11/ 119).
(3)
نهاية المطلب (18/ 585).
(4)
فتح العزيز (12/ 433)، الروضة (11/ 119).
(5)
الروضة (11/ 120)، وانظر " الحاوي الكبير "(16/ 25)، و " المهذب "(2/ 291)، و " الوسيط "(7/ 292)، و" التهذيب "(8/ 195).
قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والأرجح: أنه يلغو، وإذا كان القاضي ألغا الشرط .. فإلغاء النهي أولى، قال: وتلخص من ذلك أن المعتمد في التولية بشرط أن يقضي بمذهب غيره: أن التقليد باطل، وأنه يلغو ما صدر من أمر ونهي مخالفين لعقيدة الحاكم.
5900 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (فإن تحاكم رجلان إلى رجل يصلح للقضاء، فحكماه في مال .. ففيه قولان، أحدهما: أنه لا يلزم ذلك الحكم إلا أن يتراضيا به بعد الحكم، والثاني: يلزم بنفس الحكم) الأظهر: الثاني كما في " المنهاج "، فقال [ص 558]:(ولا يُشترط الرضا بعد الحكم في الأظهر) و" الحاوي " فقال [ص 667]: (والحكم على [التراضي] (1) برضاه الأول)، وهل يستثنى من ذلك: ما إذا كان لا يحكم لكل منهما كالأبعاض؟ فيه وجهان حكاهما الرافعي عن السرخسي (2)، وينبغي ترجيح المنع؛ لأنه لا يزيد على الحاكم بالولاية.
واستثنى من ذلك شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الوكيلين؛ فلا يكفي تحكيمهما، بل المعتبر تحكيم الموكلين، والوليين، فلا يكفي تحكيمهما إذا كان مذهب المحكم يضر بأحدهما، والمحجور عليه بالفلس، فلا يكفي رضاه إذا كان مذهب المحكم يضر بغرمائه، والمأذون له في التِّجارة وعامل القراض لا يكفي تحكيمهما، بل لا بد من رضا المالك، وإن كان هناك ديون .. فلا بد من رضا الغرماء، والمكاتب إذا كان مذهب المحكم يضر به .. لا بد من رضا السيد، والمحجور عليه بالسفه لا أثر لتحكيمه، قال: ولم أر من تعرض لذلك (3).
وفي كلام " التنبيه " و" المنهاج " أمور:
أحدها: أنه خرج بقول " التنبيه "[ص 251]: (رجلان)" والمنهاج "[ص 558]: (خصمان) التحكيم في التزويج فلا خصومة، وليس هناك إلا رجل واحد، وفي النص الذي حكاه يونس ابن عبد الأعلى ما يقتضي الاكتفاء بتحكيم المرأة من غير نظر إلى إدخال الزوج في التحكيم، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وكذا قال به جمع من الأصحاب، والأرجح: اعتبار إدخال الزوج في التحكيم؛ لأنه الذي يقبل، وهو ركن في النكاح، ولو كان الزوج سفيهًا .. فلابد من إذن وليه له في النكاح، والتحكيم من وليه، فإن صدر من السفيه بعد إذن الولي .. ففي الاكتفاء به تردد، والأرجح: المنع.
ثانيها: مقتضى تعبيرهما برجل: أنهما لو حكما رجلين .. لم يجز، وليس كذلك، بل يجوز كما هو مجزوم به في تحكيم أهل القلعة.
(1) في " الحاوي ": (الراضي).
(2)
انظر " فتح العزيز "(12/ 437).
(3)
انظر " حاشية الرملي "(4/ 288).
ثالثها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل الخلاف في غير النازلين من القلعة على حكم المحكم؛ فإنه إذا حكم بأمر .. لم يحتج بعد الحكم قطعًا، قال: ويستثنى منه أيضًا: اللعان، فإذا قلنا بدخول التحكيم فيه وهو الأظهر .. لم يشترط الرضا بعد صدور اللعان من الزوج قطعًا؛ لحصول الفرقة باللعان؛ ولهذا قال الماوردي: إذا قلنا: لابد من الرضا بعد الحكم .. لا يدخل التحكيم في اللعان.
رابعها: قال شيخنا أيضًا: من العراقيين من يحكي هذا الخلاف قولين، ومنهم من يحكيه وجهين، ولم أجد للشافعي ما يقتضي إثبات القولين، وقال الماوردي: إنه نص عليهما في اختلاف العراقيين (1)، وليس كذلك؛ فالموجود في اختلاف العراقيين جواز هذا التحكيم وعدمه، لا اعتبار رضا جديد.
5901 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (وإن رجع فيه أحدهما قبل أن يحكم .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز) الأصح: الأول، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي "(2).
5902 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (وإن تحاكما إليه في النكاح واللعان والقصاص وحد القذف .. فقد قيل: يجوز، وقيل: لا يجوز، وقيل: على القولين) الأصح: طريقة الخلاف، والأصح منه: الجواز في غير عقوبة لله تعالى من حد وتعزير، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 558]:(ولو حكم خصمان رجلًا في غير حد لله تعالى .. جاز مطلقًا) ثم قال: (وقيل: يختص بمال دون قصاص ونكاح ونحوهما)، والتقييد بغير حد الله تعالى ليس في " المحرر "(3)، ولا بد منه، وكان ينبغي التعبير بالعقوبة كما عبرت به؛ ليتناول التعزير، ومسألة العقوبة واردة على إطلاق " الحاوي "، وطريقة القطع بالجواز غريبة ليست في الرافعي و" الروضة "، ونسبها في " الكفاية " عن حكاية ابن الصباغ وغيره عن الأكثرين، وأن النووي صححها، ولم يصحح إلا الجواز من حيث هو، وأما القطع به .. فلم يذكره، وظاهر كلامهم أن الخلاف جار في تعاطي ذلك وإثباته، وفرض ذلك في " الكفاية " في الإثبات، ثم قال: ولو كان الترافع في النكاح لأجل العقد .. فالأصح عند الروياني وغيره: الصحة مع القدرة على الحاكم، وصور الجيلي مسألة القصاص وحد القذف بما إذا طلب المستحق .. هل له إثباته بالبينة واستيفاؤه؟ والمصحح في " الروضة " وأصلها: أنه ليس للمحكم الحبس، بل غايته الإثبات والحكم (4)، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 667]:(بلا حبس وعقوبة).
(1) انظر " الحاوي الكبير "(16/ 326).
(2)
الحاوي (ص 667)، المنهاج (ص 558).
(3)
المحرر (ص 484).
(4)
فتح العزيز (12/ 437)، الروضة (11/ 122).
قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضاه: أنه ليس له أن يوكل بالمستحق عليه من يلازمه، وصرح في " النهاية " عن والده الشيخ أبي محمد بأنه ليس إليه استيفاء العقوبات، وإنما إليه إثباتها؛ فإن إقامتها استقلالٌ عظيم وخرمٌ لأبهة الولاية، وصحح ما قاله والده (1)، وتبعه عليه الغزالي (2)، وحمل شيخنا في " تصحيح المنهاج " قوله:(في غير حد لله تعالى) على ما إذا كان مستقلًا، فإن كان في ضمن تحكيم في حق آدمي .. تناوله حكم المحكم، قال: وذلك في صورتين:
أحدهما: إذا حكم الزوجان في اللعان، فلاعن الزوج بأمر المحكم .. توجب حد الزنا على الزوجة ضمنًا، ولها رفعه باللعان، قال: وإنما قلنا هذا؛ لأنهم وجهوا منع التحكيم في العقوبة المتمحضة لحق الله تعالى بأنه لا طالب لها متعين، فيتعذر التحكيم فيها، وفي هذه الصورة الزوج طالب لنفي حد القذف عنه، والزوجة طالبة لحد القذف، فإذا لاعن .. سقط عنه حد القذف ووجب حد الزنا عليها؛ لصحة التحكيم من الزوجين في اللعان المتضمن لإثبات حد الزنا، قال: ولم أر من تعرض لذلك، قال: ولو حكماه في أمر القذف، فأقام الزوج بنية بزناها .. سقط حد القذف عن الزوج، وفي وجوب حد الزنا عليها تردد؛ لتضمن اللعان إيجاب حد الزنا، وقد يسقط حد القذف ولا يجب حد الزنا.
الثانية: حكم السارق والمالك في المال المسروق، فأنكر ونكل وحلف المالك، وقلنا: يثبت القطع باليمين المردودة عند الحاكم .. فكذلك المحكم، ولو أقام بينة .. ففي ثبوت القطع تردد.
5903 -
قول " المنهاج "[ص 558]: (وفي قول: لا يجوز) جرى على طريقة القولين، ولم يحك الرافعي غيرها، لكن طريقة العراقيين القطع في المال، وحكاها في " الكفاية " عن الجمهور، وعليها مشى " التنبيه "، فلم يحك خلافًا في التحكيم في المال، وإنما حكى الخلاف في أنه يلزم بنفس الحكم أم لا (3).
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل هذا القول فيما إذا لم يكن أحد المحكمين الإمام والآخر منازعه في الإمامة .. فيجوز هنا التحكيم قولًا واحدًا؛ لإجماع الصحابة في قضية على ومعاوية رضي الله عنهم، وكذا لا خلاف في تحكيم الإمام وأهل قلعة من الكفار في نزولهم على حكم فلان، وكذا إذا خلا الزمان عن قيام الإمام بأحكام الإسلام فينفذ حكم المحكم قطعًا، ذكره الإمام في " الغياثي "، قال شيخنا: وينبغي هنا أن يستوفي العقوبات المتعلقة بالآدميين ويحبس في حقوقهم.
(1) نهاية المطلب (18/ 584).
(2)
انظر " الوجيز "(2/ 238).
(3)
التنبيه (ص 251).
5904 -
قوله: (ولا ينفذ حكمه إلا على راض به)(1) و" الحاوي "[ص 667]: (والحكم على الراضي) قال في " أصل الروضة ": قال السرخسي: وإنما يشترط رضا المتحاكمين إذا لم يكن أحدهما القاضي نفسه، فإن كان .. فهل يشترط رضا الآخر؛ فيه اختلاف نص، والمذهب: أنه لا يشترط، وليكن هذا مبنيًا على جواز الاستخلاف إن جاز؛ فالمرجوع إليه نائب القاضي (2).
وقال ابن الرفعة: لا يحسن هذا البناء؛ فإن ابن الصباغ وغيره قالوا: إن التحاكم إلى الشخص لا يكون تولية.
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج " وقضية هذا البحث: أنا إن لم نجوز الاستخلاف .. اشترط الرضا من الجانبين، وهو ظاهر، قال: وقضية ذلك: أن يشترط الرضا من الجانبين في التنازع مع الإمام في مال إذا جعلناه محكمًا من متنازعين ولم يجعله نائب الإمام، وقال الشيخ أبو حامد في تحاكم عمر وأبَيّ إلى زيد بن ثابت رضي الله عنهم: فدل على أن حكمه لازم إجماعًا منهم على ذلك، وقال في " الشامل ": لا يصير برضا الإمام بحكمه حاكمًا.
5905 -
قول " التنبيه "[ص 251]: (ويجوز أن يكون في البلد قاضيان وأكثر، ينظر كل واحد منهم في موضع) كذا لو اختص أحدهما بزمن أو نوع، ذكره " المنهاج "، قال [ص 558]:(وكذا إن لم يخص في الأصح، إلا أن يشرط اجتماعهما على الحكم) وفيه أمور:
أحدها: أن عبارة " المنهاج "[ص 558]: (ولو نصب قاضيين) فقد يفهم اختصاص ذلك باثنين، ورفع " التنبيه " هذا الإبهام بقوله:(وأكثر) ولكنه لم يذكر لذلك حدًا، وقد قال الماوردي: إن كثروا - يعني: والصورة إثبات الاستقلال لكل واحد - .. لم يصح جزمًا، ولم يحد الكثرة بشئ، وفي " المطلب " بعد حكايته لجواز أن يناط ذلك بقدر الحاجة .. وعندي أن يرجع في ذلك إلى العرف.
ثانيها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن ظاهره التخصيص بمكان الحكم، وهذا لا يخلص في الجزم بالجواز؛ لأنه إذا خصص مكان الحكم، ولكن عمم مكان الطلب .. فلا يجزم فيه بالجواز؛ لأن المعنى المذكور في توجيه المنع من تنازع الخصمين في اختيارهما وفي إجابة داعيهما موجود هنا، قال: فالصواب أن يقال: وخصص كلًا منهما بمكان حكمًا وطلبًا.
ثالثها: أن محل الخلاف: فيما إذا جعلهما أصلين، فإن جعل أحدهما .. أصلًا والآخر خليفة عنه .. جاز قطعًا؛ لأن المعنى المقتضي للمنع: تنازع الخصمين في اختيارهما وإجابة داعيهما، وهنا يجاب داعي الأصل كالإمام مع القاضي.
(1) انظر " المنهاج "(ص 558).
(2)
الروضة (11/ 122).
رابعها: أن تعبيره بالأصح يقتضي أنه وجه، وقد نص عليه الشافعي كما حكاه في " البحر "، وقوة مقابله مع أنه ضعيف جدًا.
خامسها: دخل في قوله: (وكذا إن لم يخص)(1) قسمان: أحدهما: أن ينص على التعميم، ويثبت لكل منهما الاستقلال، وفيه الوجهان، والآخر: أن يطلق، فلا يشرط اجتماعًا ولا استقلالًا؛ فقال صاحب " التقريب ": يحمل على إثبات الاستقلال تنزيلًا للمطلق على ما يجوز، وقال غيره: التولية باطلة، قال النووي: الأول أصح، وبه قطع في " المحرر "(2).
قال شيخنا ابن النقيب: وليس في " المحرر " إلا هذا الإطلاق الذي في " المنهاج "، فهو ظاهر في التعميم (3).
وقال في " المهمات ": ما ذكره من قطع " المحرر " غلط، بل حكى وجهين.
قلت: لم يقل النووي أن " المحرر" قطع بالجواز، بل قال: إنه قطع بما قاله في " التقريب "، وهو إلحاق صورة الإطلاق بصورة إثبات الاستقلال، وتلك فيها وجهان؛ فهذه أيضًا كذلك، فلا إيراد عليه.
قال في " المهمات ": ويحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة وبين ما إذا قال الموصي: أوصي (4) إلى من شئت أو إلى فلان، ولم يقل: عني ولا عنك .. فصحح البغوي: أنه يحمل على كونه عن الوصي حتى لا يصح، ولم ينزل المطلق على ما يجوز.
قلت: ويمكن الفرق: بأن الأصل منع وصاية الوصي إلا إن صرح الموصي بأن يوصي عنه، بخلاف تولية القضاء؛ فإنه جائز، والظاهر من اللفظ إرادة الاستقلال.
سادسها: ما ذكره من البطلان عند شرط اجتماعهما على الحكم قاله في " النهاية "(5)، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه ليس بمعتمد، والذي نقوله أحد وجهين إما صحة التولية وإلغاء الشرط [وهو الأرجح](6)، وإما صحة الشرط ولا يحكمان إلا بما يتفقان عليه، وهو الذي في زوائد العمراني عن القاضي أبي حامد، وقال: إنهما يجريان مجرى القاضي الواحد؛ ويؤيده صورة النزول من القلعة على حكم اثنين؛ فإنه جائز، ولا يحكمان إلا بما يتفقان عليه.
(1) المنهاج (ص 558).
(2)
الروضة (11/ 121)، وانظر " المحرر "(ص 485).
(3)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(8/ 192).
(4)
كذا في النسخ، وهو لغة لبعض العرب، انظر " البحر المحيط "(5/ 343).
(5)
نهاية المطلب (18/ 535).
(6)
في (د): (وهو الأصح).