الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ الصِّيال وضمان الولاة
5188 -
كذا في "المنهاج"(1)، وكان ينبغي أن يزيد في التَّرجمة:(وإتلاف البهائم) كما في "الروضة"(2)، لذكره حكمه فيه، وأما حكم الختان .. فإنما ذكر توطئة لبيان حكم ما إذا ختنه فمات، وهو من ضمان الولاة.
5189 -
قول "التنبيه" - وهو في قتال أهل البغي -[ص 230]: (ومن قصد قتل رجل .. جاز للمقصود دفعه عن نفسه، وهل يجب ذلك؛ قيل: يجب، وقيل: لا يجب) فيه أمور:
أحدها: لا يخفى أن المراد القاصد بغير حق، وتعبير "المنهاج" و"الحاوي" بـ (الصيال)(3) يفهم ذلك.
ثانيها: محله: ما إذا لم يمكنه الهرب، فإن أمكن .. وجب، وقد ذكره "المنهاج" فقال [ص 515]:(فإن أمكن هربٌ .. فالمذهب: وجوبه) وقد يفهم منه إثبات طريقة قاطعة بالوجوب، وليس كذلك، وإنَّما فيه طريقة القولين، وهي الأصح، وحمل نص الهرب على ما إذا تيقن النجاة به، والنص الآخر على ما إذا لم يتيقن، ولو عبر بالأظهر .. لكان أحسن؛ وقد يقال: الهرب من جملة الدفع؛ ولهذا قال "الحاوي"[ص 601]: (بصياح وهرب) ومحل إيجاب الهرب: في غير الصائل الحربي والمرتد؛ ففيهما لا يجب الهرب، بل لا يجوز في الحالة التي يحرم فيها الفرار.
ثالثها: الخلاف قولان، والأظهر: أنَّه لا يجب الدفع كما ذكره "المنهاج"(4)، وكذا رجح في "الروضة" وأصلها أنَّه قولان (5)، لكن نازع فيه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: ليس بمعتمد، ولم يذكره إلَّا الإمام والغزالي والزاز (6)، والذي ذكره الشيخ أَبو حامد والعراقيون والماوردي والقاضي حسين والبغوي وغيرهم: أنَّه وجهان (7)، قال: والذي عندنا أن جواز الدفع منصوص "الأم" و"المختصر"(8)، وأما وجوبه: فلم أقف عليه في كلام الشَّافعي، وعن القاضي حسين: إن
(1) المنهاج (ص 515).
(2)
الروضة (10/ 177).
(3)
الحاوي (ص 600)، المنهاج (ص 515).
(4)
المنهاج (ص 515).
(5)
فتح العزيز (11/ 314)، الروضة (10/ 188).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 673، 368)، "الوجيز"(2/ 185).
(7)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 455)، و"التهذيب"(7/ 432).
(8)
الأم (6/ 177)، مختصر المزني (ص 268).
أمكن دفعه بغير قتله .. وجب، وإلَّا .. فلا، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى هذا، واستثنى: ما إذا أمكن الدفع بغير القتل من محل الخلاف، وقال: إنه يجب قطعًا، وحكاه عن "التتمة"، وقال: إنه لا بد منه، وأيده ترجيحهم وجوب الهرب.
رابعها: محل الخلاف: فيما إذا كان القاصد مسلمًا، فإن كان كافرًا أو بهيمة .. وجب الدفع، قال النووي في "تصحيحه": قطعًا (1)، وسبقه إليه نفي الخلاف القاضي حسين، وأشار الروياني إلى خلاف في الكافر، قال في "الروضة": وهو غلط، والصواب الأول، وبه قطع الأصحاب (2)، وقال في "المطلب": لعل ما قاله الروياني في الذِّمِّيُّ، فأما الحربي: فلا يجوز الاستسلام له أصلًا، وكذلك المرتد؛ لوجوب قتله.
وعبر "المنهاج" بقوله [ص 515]: (ويجب عن بُضْعِ، وكذا نفسٌ قصدها كافر أو بهيمةٌ، لا مسلمٌ في الأظهر) وظاهره عود الخلاف للكافر والبهيمة أيضًا؛ لذكره لهما بعد قوله: (كذا)، وليس كذلك، وعبارة "الحاوي" [ص 600]:(والبهيمة والمجنون والكافر عن النفس) فزاد ذكر المجنون، وفي معناه: الصبي، وإلحاق المجنون والصبي بالبهيمة والكافر طريقة حكاها الرافعي، ثم قال: والأشبه طرد القولين (3)، وعبر في "الروضة" بقوله: والمذهب: طرد القولين (4)، ومقتضاه: ترجيح جواز الاستسلام، لكن صحح شيخنا الإمام البلقيني تلك الطريقة، وحكاها عن جزم الماوردي (5)، وقال: هو الذي يقوى في التوجيه من جهة أنهما لم يبوءا بالإثم، فأشبها البهيمة.
وأجيب عن "التنبيه": بأن البهيمة لم تدخل في كلامه؛ لتعبيره ب (من)، وهي للعقلاء.
خامسها: قيد شيخنا الإمام البلقيني المسلم بكونه محقون الدم، فلو كان غير محقون؛ كالزاني المحصن وتارك الصلاة ومن تحتم قتله في قطع الطَّرِيقِ .. وجب الدفع قطعا، وحكى عن القاضي حسين والإمام والغزالي تقييد الخلاف بكونه محقون الدم (6).
سادسها: تعبيره بالمقصود يقتضي أن غيره ليس كذلك، مع أن أصح الطرق أن الدفع عن نفس غيره كالدفع عن نفسه وجوبًا وجوازًا؛ ولهذا لم يقيد "المنهاج" و"الحاوي" ذلك بنفسه، بل أطلق "الحاوي" [ص 600]:(النفس) بالتعريف، و"المنهاج" [ص 515]:(نفسًا) بالتنكير، ثم
(1) تصحيح التنبيه (2/ 192).
(2)
الروضة (10/ 188).
(3)
انظر "فتح العزيز"(11/ 315).
(4)
الروضة (10/ 189).
(5)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 455).
(6)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 673)، و"الوسيط"(6/ 529).
صرح به بعد ذلك، فقال:(والدفع عن غيره كهو عن نفسه، وقيل: يجب قطعًا)(1) ويزاد عليه طريقة ثالثة، وهي: أنَّه لا يجب قطعًا، حكاها في "أصل الروضة"، ومحل الخلاف: إذا لم يخف على نفسه كما جزم به في "أصل الروضة"، وحكاه الرافعي عن إبراهيم المروذي وغيره (2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: ولا بد منه، إلَّا إذا كان في قتال الحربيين أو المرتدين .. فلا يسقط الوجوب بذلك.
5190 -
قول "الحاوي"[ص 600]: (الصائلُ يُدفع ولو عن المال) هو في المال جائز؛ بدليل قوله بعده: (ويجب عن البضع)(3)، وقد صرح به "المنهاج" فقال [ص 515]:(لا يجب الدفع عن مال)، وهو أعم من تعبير "التنبيه" بقوله [ص 230]:(وإن قصد ماله) لتناوله مال غير الدافع، ولو أنَّه مال الصائل، ومحل ذلك: ما إذا كان لم يكن المال حيوانًا، فإن كان حيوانًا .. وجب الدفع عنه؛ كما إذا رآه يشدخ رأس حمار ولو أنَّه للشادخ على الأصح في "أصل الروضة"، وحكاه الرافعي عن البغوي (4).
5191 -
قول "المنهاج"[ص 515] و"الحاوي"[ص 600]: (ويجب عن البضع) أعم من قول "التنبيه"[ص 230]: (وإن قصد حريمه .. وجب عليه الدفع عنه) لتناوله بضعه وبضع أجنبية ولو أمة، وشرط البغوي للوجوب: ألَّا يخاف على نفسه (5)، ولم يتعقبه الرافعي والنووي، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو قيد معتبر، تقدم نظيره في الدفع عن غيره.
5192 -
قول "المنهاج"[ص 515]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 600]: (ولو سقطت جرة ولم تندفع عنه إلَّا بكسرها .. ضمنها في الأصح) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه لم يسبق الرافعي إلى تصحيحه أحد (6)، قال: والأصح عندنا: أنَّه لا ضمان على الكاسر؛ لأمور: منها: أنَّها كانت مشرفة على الانكسار لو سقطت على الأرض، وقد كانت تضرّ بالساقطة عليه لو لم يكسرها، فما كسرها إلَّا وهي آيلة إلى الكسر، مع أنَّه دافع للضرر عن نفسه، وأشار إلى ذلك القاضي حسين، فقال في تعليله؛ لأن من حقه أن يتأخر ولا يدفعه، فلم يُلْزمه بالضمان إلَّا حيث أمكنه أن يتأخر، ومقتضاه: أنَّه إذا لم يمكنه التأخر .. لا ضمان، وحاول في "المطلب" تخريجه على الخلاف فيما لو ألقاه من شاهق، فقده آخر بنصفين، حتَّى يجري وجه ثالث بوجوب الضمان عليها.
(1) المنهاج (ص 515).
(2)
فتح العزيز (11/ 316، 317)، الروضة (10/ 189).
(3)
الحاوي (ص 600).
(4)
فتح العزيز (11/ 317)، الروضة (10/ 189)، وانظر "التهذيب"(7/ 433).
(5)
انظر "التهذيب"(7/ 431، 432).
(6)
انظر "فتح العزيز"(11/ 313).
ورده شيخنا الإمام البلقيني: بأن الإلقاء في صورة القد كان مضمونًا، وقيد شيخنا محل الخلاف بقيدين: أن يكون على غير روشن ونحوه، وألَّا يضعها صاحبها مائلة أو على وجه يغلب على الظن سقوطها؛ ففي هاتين الصورتين لا ضمان قطعًا.
5193 -
قول "الحاوي"[ص 600]: (وبهيمة تمنع الجائع من طعام) أي: فيضمن كالجرة، قال الرافعي: ويمكن أن يجعل الأصح هنا: الإهدار؛ كما إذا عم الجراد المسالك، فوطئه المُحْرِم (1).
5194 -
قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ويُدفع الصائل بالأخف)(2) فيه أمران:
أحدهما: قال الماوردي: هذا التدريج في غير الفاحشة، أما من أولج في الفرج .. فيجوز أن يبدأ بالقتل؛ فانه في كل لحظة مواقع، ثم فيه وجهان محتملان:
أحدهما: للدفع، فيختص بالرجل ولو بكرًا.
والثاني: حد، فتقتل المرأة الثيب وتجلد البكر، وأما الرجل .. فيقتل كذلك، والأظهر: قتله مطلقًا (3).
ثانيهما: قال شيخنا الإمام البلقيني: محله: ما إذا كان معصومًا فإن لم يكن معصومًا؛ كالحربي والمرتد .. فلا يجب عليه مراعاة الأخف، وله العدول إلى القتل؛ إذ لا حرمة له تقتضي مراعاة الأخف، وكذا حكم كل من لا يقتل به من تارك الصلاة وزانٍ محصن.
5195 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (وإن عض يد إنسان، فنزعها منه، فسقطت أسنانه .. لم يضمن) محله: ما إذا لم يمكن تخليصها بدون ذلك، فإن أمكن بدونه .. ضمن؛ ولذلك قال "المنهاج" [ص 515]:(خلصها بالأسهل من فك لحييه وضرب شدقيه، فإن عجز فسلها فندرت أسنانه .. فهدرٌ) و"الحاوي"[ص 601]: (وفك لحيي من عض يده أو ضرب شدقيه، ثم سل يده وإن ندرت أسنانه) لكن مقتضى "الحاوي": التخيير بينهما، وليس كذلك؛ فالفك مقدم على الضرب؛ لأنه أسهل.
فإن قلت: وقد ذكره "التنبيه" أيضًا فقال [ص 230]: (وإن لم يقدر على تخليصها إلَّا بفك لحييه، ففكهما .. لم يضمن).
قلت: أراد "المنهاج" و"الحاوي" بفك لحييه: رفع أحدهما عن الآخر بلا جرح، وهذا مقدم على ضرب شدقيه، فليس له ضربهما إذا أمكن التخليص بالرفع، وأراد "التنبيه": فك
(1) انظر "فتح العزيز"(11/ 313).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 230)، و"الحاوي"(ص 601)، و"المنهاج"(ص 515).
(3)
انظر " الحاوي الكبير"(13/ 458).
أحدهما عن الآخر بفصل وإبانة، وهذا أشد من سل اليد حتَّى تندر الأسنان؛ ولهذا اعتبر في عدم الضمان به ألَّا يقدر على تخليصها إلَّا بذلك، ورفع أحد اللحيين عن الآخر أهون الأمور، فيفعل بلا شرط.
وظاهر عبارة "المنهاج" و"الحاوي"الحصر فيما ذكر اه، وليس كذلك؛ فالصحيح في "أصل الروضة": أنَّه إذا لم يمكنه التخلص إلَّا ببعج بطنه أو فقأ عينه أو عصر خصييه .. جاز (1)، وهذا كفك اللحيين الذي ذكره "التنبيه".
فإن قلت: ففي "مختصر المزني" عن الشَّافعي: فإن بعج بطنه بسكين أو فقأ عينيه بيديه أو ضربه في بعض جسده .. ضمن، قال المزني: قلت أنا: لا يضمن (2).
قلت: إنما قال الشَّافعي هذا فيما إذا أمكن دفعه بدون ذلك؛ بدليل أنَّه قال في "الأم": (فإن ترك شيئًا مما وصفنا له وبعج بطنه
…
إلى آخره) (3) فدل على أن صورته فيما إذا ترك ما هو أسهل من ذلك مع التمكن منه، وإنَّما خالفه المزني؛ لظنه أنَّه قال ذلك مع العجز عما هو دونه، ذكره شيخنا الإمام البلقيني بمعناه، ثم قال: وعندي في فقأ العينين نظر؛ فإن مثل ذلك لا يدوم كعصر الخصية، فلا يكون حاملًا للعاض على ترك العض؛ فالإقدام عليه مع هذا الاحتمال ممتنع، ثم ذكر شيخنا: أن شرط هذه المسألة: ألَّا يكون المعضوض مرتدًا ولا متحتم القتل في قطع الطَّرِيقِ ونحوهما، فمن هو كذلك .. ليس له أن يفعل بالعاض ما يؤدي إلى سقوط أسنانه، قال: ولا توقف عندي فيه، وإن وقف من وقف فيه، ولا يخفى أن ذكر اليد مثال، فعض سائر الأعضاء كذلك؛ ولهذا لم يذكر اليد في بعض نسخ "الحاوي".
5196 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (وإن اطلع رجل في بيت رجل وليس بينهما محرمية .. جاز رمي عينه) فيه أمور:
أحدها: الأصح: أنَّه لو كان الناظر امرأة أو مراهقًا .. كان الحكم كذلك؛ ولهذا قال "المنهاج"[ص 515]: (ومن نظر) و"الحاوي"[ص 601]: (ناظر) لكن يدخل في عبارتهما: غير المراهق، مع أنَّه لا يجوز رميه ولو كان مميزًا، وقال الشيخ زين الدين بنُ الكتناني: كيف يجوز رمي المراهق وهو غير مكلف؟ قال: ولو كان في الدار محرم للناظر أو زوجة أو متاع .. لم يُرم؛ لأجل الشبهة فأي شبهة أقوى من عدم التحريم، فالقول بجواز رميه غفلة، مع أن نظره لا يحرم.
(1) الروضة (10/ 188).
(2)
مختصر المزني (ص 268).
(3)
الأم (6/ 29).
قال في "التوشيح": وجوابه: أن كونه غير مكلف لا يعصمه من الرمي؛ فإن الرمي ليس للتكليف، بل لدفع مفسدة النظر، فسواء أوقع النظر من مكلف أو غيره ممن يحصل به المفسدة، وقوله:(ولو كان في الدار محرم .. لم يُرْمَ لأجل الشبهة) قلنا: تلك شبهة في المحل المنظور فيه، وأما المراهق .. فلا شبهة له في المحل، وقوله:(نظر المراهق لا يحرم) الصحيح عند الرافعي والنووي: أن نظره كنظر البالغ (1)، وفي الحقيقة الوجهان في رمي المراهق هما الوجهان في نظره؛ إن جوزناه .. لم يرمِ، وإن لم نجوزه وهو الأصح: جاز رميه؛ فلا اعتراض على الرافعي، ولا غفلة منه، بل ممن قال: إن نظر المراهق لا يحرم.
وقال شيخنا الإمام البلقيني: المراهق في حرمة النظر كالبالغ، وهذا تعزير له، والتعزير لا يتوقف على التكليف، وقيد شيخنا المذكور مسألة المرأة بما إذا كانت الناظرة كافرة والمنظور إليها مسلمة، وفرعنا على منع نظر الكافرة للمسلمة، أو نظرت المرأة المسلمة لما يمتنع عليها أن تنظر إليه، فحينئذ .. تُرمى.
ثانيها: لا يخفى أن ذكر الرجل ثانيًا مثال؛ فالمرأة أولى بذلك.
ثالثها: محله: ما إذا كان صاحب البيت مكشوف العورة، وإلَّا .. فالأصح: أنَّه لا يجوز الرمي، إلَّا أن يكون هناك امرأة فيرمي، ولو كانت مستترة؛ ولهذا قال "المنهاج" [ص 515]:(ومن نظر إلى حُرَمِهِ في داره) و"الحاوي"[ص 601]: (ورمي عين ناظر حرمه) ويرد عليهما: الرجل المكشوف العورة، وتردد شيخنا فيما لو كان المنظور إليه خنثى مشكلًا؛ أي: إلى غير عورته، وقال: الأقرب أنَّه لا يرميه.
رابعها: يمتنع أيضًا فيما إذا كان له هناك مَحْرَم أو زوجة، ذكره "المنهاج" و"الحاوي"(2)، وعبر عنه في "التصحيح" بالصواب (3)، وفيه نظر؛ فالخلاف موجود في ذلك، وشرطه في المحرم: أن تكون غير متجردة، وإلَّا .. فيرمي، وفي معناهما: ما لو كان له هناك متاع، ذكره في "أصل الروضة"(4).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ممنوع؛ فإن مثل ذلك لا يقتضي الشبهة؛ بدليل ما لو كان الساكن في الدار مستأجرًا والناظر المالك .. فإنه يجوز رميه كما قاله أَبو الفرج السرخسي، وأقره عليه في "أصل الروضة"، وكذا المستعير على أحد وجهين في "أصل
(1) انظر "فتح العزيز"(11/ 325)، و"الروضة"(10/ 193).
(2)
الحاوي (ص 601)، المنهاج (ص 515).
(3)
تصحيح التنبيه (2/ 193).
(4)
الروضة (10/ 193).
الروضة" بلا ترجيح (1)، لكن صححه شيخنا الإمام البلقيني، قال: وقد ذكر القاضي الحسين صورة المؤجر والمعير، وقال: إن ذلك يقرب من السرقة، والصحيح في السرقة: القطع، وكذا يمتنع الرمي فيما إذا كان محرمًا لحرم صاحب الدار وما بين سرتهن وركبتهن مستور.
خامسها: شرط الرمي: ما إذا كان النظر من كوة أو نَقْب كما عبر به "المنهاج"(2)، وعبر "الحاوي"[ص 601] بـ (الثقبة)، وهي فيما يظهر أعم؛ لأنه يدخل فيها شىّ الباب، ولا بد من تقييد ذلك بالضيق، فلو كانت واسعة بحيث يُنسب صاحب الدار إلى تفصير في ذلك؛ فإن نظر مارًا .. لم يجز رميه، وكذا لو وقف ونظر متعمدًا في الأصح، وكذا لو نظر من باب الدار المفتوح .. لا يجوز، لكن قيده "الوجيز" بما إذا لم يقدم الإنذار، فله الرمي مع تقديم الإنذار (3)، وتبعه الرافعي (4) و"الحاوي" فقال [ص 601]:(فإن فتح الباب .. قدم الإنذار)، وأسقطه في "الروضة".
سادسها: استثنى شيخنا الإمام البلقيني من كلامهم: ما إذا كان النظر بقصد الخطبة أو شراء الأمة حيث يباح النظر، فلا يجوز رميه، وهو واضح.
سابعها: ظاهر كلامهم أن هذا أمر مستحق لصاحب الدار، ولكن لو كان الحاضر أبا الزوجة أو أخاها أو غيرهما من محارمها .. فالقياس: ثبوت هذا الأمر له، ولا يتعدى إلى الأجنبي، نبه عليه شيخنا الإمام البلقيني.
قلت: ولا ينبغي أن يتوقف في جواز الرمي للمرأة المنظورة أيضًا، والله أعلم.
ثامنها: اعتبر "المنهاج" أن يكون النظر عمدًا، فليس له رمي من وقع بصره اتفاقًا، لكن شرطه: أن يعلم بذلك صاحب الدار، فلو ادعى المرمي عدم القصد .. فلا شيء على الرامي؛ لأن الاطلاع حصل والقصد باطن، قال الرافعي: وهو ذهاب إلى جواز الرمي من غير تحقق القصد، وفي كلام الإمام ما يدل على المنع حتَّى يتبين الحال، وهو حسن (5).
5197 -
قول "المنهاج" بعد قوله [ص 515]: (بشرط عدم مَحْرَمٍ وزوجة للناظر): (قيل: واستتار الحُرَمِ، قيل: وإنذار قبل رميه) عبارة ملتبسة؛ لأنه اعتبر في الشرط الأول العدم، فإن اعتبرناه في الوجهين الآخرين .. لم يستقم في الثاني؛ إذ ليس الشرط على ذلك الوجه في جواز الرمي: عدم الإنذار، بل وجود الإنذار وإن لم نعتبره في الوجهين .. لم يستقم في الأول؛ إذ ليس
(1) الروضة (10/ 193، 194).
(2)
المنهاج (ص 515).
(3)
الوجيز (2/ 186).
(4)
انظر "فتح العزيز"(11/ 326).
(5)
فتح العزيز (11/ 323)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 376).