الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]
5117 -
قول "المنهاج"[ص 509]: (وتثبت السرقة بيمين المدعي المردودة في الأصح) تبع فيه "المحرر"(1)، وحكاه الإمام عن الأصحاب (2)، وقطع به الغزالي وإبراهيم المروزي (3)؛ لكن ذهب ابن الصباغ والعمراني وغيرهما إلى خلافه (4)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 592]:(وتثبت بالمردودة لا القطع) وجزم به في "الروضة" وأصلها في اليمين في (الدعاوى)(5).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المعتمد؛ لنص الشَّافعي رضي الله عنه في "الأم" و"المختصر" على أنَّه لا يثبت القطع إلَّا بشاهدين أو إقرار السارق.
5118 -
قول "المنهاج"[ص 509]: (والمذهب: قبول رجوعه) أي: بالنسبة إلى القطع دون المال.
5119 -
قول "الحاوي"[ص 592]: (وللقاضي تعريض بإنكاره؛ كما إخالك سرقت، ما لم تظهر) أي: السرقة باعترافه بها، تبع فيه الغزالي (6)، وحكاه الإمام عن الجمهور (7)، وليس كما قال كما نبه عليه الرافعي (8)، بل الذي أجاب به المعظم: أن له التعريض بالرجوع بعد الاعتراف، وعليه مشى "المنهاج" فقال [ص 509]:(ومن أقر بعقوبة لله تعالى .. فالصحيح: أن للقاضي أن يعرض له بالرجوع)، وحكى الرافعي عن الأصحاب تقييد ذلك بأن يكون المقر جاهلًا بالحد؛ إما لقرب عهده بالإسلام أو لكونه نشأ في بادية بعيدة عن أهل العلم (9)، وأسقط ذلك في "الروضة".
وقال شيخنا الإمام البلقيني: معناه: أن يكون جاهلًا بأن حد الله تعالى يندب إلى ستر موجبه، وأنه يسقط برجوعه؛ في ن عبارة النص في "المختصر":(ولو ادعى على رجل من أهل الجهالة بالحد .. لم أر بأسًا أن يعرّض له؛ بأن يقول: لعله لم يسرق)(10) وشرحه الشيخ أَبو حامد في "تعليقه": بأن يكون ممن لا يعرف أنَّه مندوب إلى ستر ذلك، وأنه إذا اعترف به فثبت عليه ..
(1) المحرر (ص 436).
(2)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 270).
(3)
انظر "الوجيز"(2/ 175).
(4)
انظر "البيان"(12/ 484، 485).
(5)
الروضة (12/ 38).
(6)
انظر "الوجيز"(2/ 176).
(7)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 279).
(8)
انظر "فتح العزيز"(11/ 233).
(9)
انظر "فتح العزيز"(11/ 233).
(10)
مختصر المزني (ص 312).
سقط برجوعه، وشرحه الماوردي على أنَّ المراد: الجهل بوجوب الحد، واستبعده شيخنا الإمام البلقيني، ثم أورد على نفسه: أن الفرق بين الجاهل بجواز الرجوع وعدمه وجه ضعيف، وقد ذكره في "الشرح" و"الروضة" ثالث الأوجه (1)، ثم أجاب عنه: بأنه ضعيف في طريقة الإمام الذي تحكي ثلاثة أوجه، وينقل عن الجمهور أنَّه لا يعزض بعد الإقرار، وأما في الطريقة التي حكاها الرافعي عن عامة الأصحاب .. فإنه متعين فيها، ولزم من إسقاطه هذا القيد في "الروضة" عن عامة الأصحاب أن يكون الثالث ضعيفًا مطلقًا، وليس كذلك، بل هو ضعيف في طريقة الإمام، وهو المجزوم به في طريقة غيره.
واعلم: أنَّه يستثنى من التعريض بالإنكار قبل الاعتراف ما إذا كان ذلك في سرقة ادعاها صاحبها .. فلا يعرّض بالإنكار المطلق، بل بالإنكار المقتضي لعدم القطع خاصة، حكاه القاضي حسين عن الأصحاب، ولا يخفى أن محله: في الرشيد؛ فإن السفيه لا يقبل اعترافه بالنسبة إلى المال.
5120 -
قول "المنهاج"[ص 509]: (ولا يقول: "ارجع") يُوهم أنَّه من تتمة ما قال: إنه الصحيح، وليس كذلك، بل هو مجزوم به في الرافعي وغيره (2)، وقول "التنبيه" في (الإقرار) [ص 274]:(ويستحب للإمام أن يلقنه الرجوع عن ذلك) أراد به: التعريض دون التصريح، ومع ذلك: فالأصح: أنَّه لا يستحب، وإنَّما يباح خاصة كما تقدم عن "المنهاج" وغيره، وهل يجوز التعريض للشهود بالتوقف في حدود الله تعالى؛ صحح النووي: الجواز إن رأى المصلحة فيه، وإلا .. فلا (3).
5121 -
قولهم - والعبارة لـ"المنهاج" -: (ولو أقر بلا دعوى أنَّه سرق مال زيدٍ الغائب .. لم يقطع في الحال، بل ينتظر حضوره في الأصح)(4) استثنى منه شيخنا الإمام البلقيني: ما إذا كان الغائب سفيهًا .. فإنه لا ينتظر حضوره؛ لأنه لو اعترف بأنه أباحه له .. لم يؤثر، وإذا طلب وليه المال .. قطع، وقال: هذا هو الذي تقتضيه القواعد، واحتمال إسقاط القطع بإباحة السفيه بعيد، قال: وأما ما في "الروضة" وأصلها عن ابن كج من انتظار بلوغ الصبي وإفاقة المجنون عند سرقة مالهما: إذا انتظرنا حضور الغائب (5)، فهو غير معتمد؛ لتعذر الإباحة منهما، فيكفي طلب الولي، وتختص عبارة "المنهاج" بأمور:
أحدها: أنَّه لا معنى لقوله: (بلا دعوى) فلو تقدم إقراره دعوى حِسبة إذا سمعناها كما قاله
(1) فتح العزيز (11/ 233)، الروضة (10/ 145).
(2)
انظر فتح العزيز" (11/ 233).
(3)
انظر "الروضة"(10/ 145).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 246)، و "الحاوي"(ص 591)، و"المنهاج"(ص 510).
(5)
فتح العزيز (11/ 241)، الروضة (10/ 148).
القاضي حسين، أو دعوى وكيل الغائب الذي وكله وكالة تتناول هذه القضية من غير شعور له بها .. كان كذلك، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، ثم قال: فإن قيل: يحترز به عن دعوى وكيل الغائب الذي وكله بعد علمه بالسرقة؛ فإنه لا ينتظر حضور الغائب؛ لاندفاع احتمال الإباحة بتوكيله بعد علمه بذلك .. قلنا: فيكون المفهوم عامًا والمراد به خاص، فإن قيل: يكون المفهوم أنَّه إذا تقدمت دعوى فيه تفصيل .. قلنا: الظاهر تعميم المفهوم أو إطلاقه، فتعين ذكر ما يخالف الظاهر، قال: وفي "الاستذكار" للدارمي: إن قلنا: من شرطه حضوره، فحضر وكيله .. فوجهان.
ثانيها: أنَّه لا يكفي حضوره، بل لا بد من طلبه.
ثالثها: في تعبيره بالأصح نظر؛ لأن المسألة ذات نصوص وطرق، وقد عبر "التنبيه" فيها بالمذهب، ولكن لا اصطلاح له في ذلك، وإنَّما يفهم بذلك الترجيح خاصة.
5122 -
قول "المنهاج"[ص 510]: (أو أنَّه أكره أمة غائبٍ على الزنا .. حد في الحال) يوهم أن الإكراه قيد في المسألة، وليس كذلك، فلو قال:(زنيتُ بأمة فلان) ولم يذكر إكراهًا .. كان الحكم كذلك، غير أن ذكر الإكراه فيه حق للسيد، وهو المهر، وهذا منفصل عن الحد، وعبارة "الحاوي" [ص 591]:(بطلب المالك لا في الزنا).
5123 -
قول "المنهاج"[ص 510]: (فلو شهد رجل وامرأتان .. ثبت المال ولا قطع) محله: ما إذا شهدوا بعد دعوى المالك أو وكليه، فلو شهدوا حسْبة .. لم يثبت بشهادتهم المال أيضًا؛ لأن شهادتهم مفضية إلى المال، وشهادة الحسبة بالنسبة إلى المال غير مقبولة.
5124 -
قوله: (ويشترط ذكر الشاهد شروط السرقة)(1) استثنى شيخنا الإمام البلقيني من إطلاقه مواضع:
أحدها: أن من شروط القطع كون المسروق نصابًا، وهذا لا يشترط أن يذكره الشاهد، بل يكفي تعيين المسروق، ثم الحاكم ينظر فيه، فإذا ظهر له أنَّه نصاب .. عمل بمقتضاه.
قلتُ: لا بد من قيام البينة بأن قيمته نصاب، فرجع الأمر إلى شاهدي السرقة أو غيرها.
ثانيها: ومن شروط السرقة: كون المسروق ملكًا لغير السارق، وهذا لا يشترط في شهادة الشاهد، بل يكفي أن يقول: سرق هذا، ثم المالك يقول: هذا ملكي، والسارق يوافقه، فيقطع.
قلت: لم يحصل القطع بمجرد البينة، بل مع ضميمة اعتراف السارق بأنه ملك المسروق منه.
ثالثها: ومن شروطها: عدم الشبهة، ومقتضاه: اعتبار أن يقول في شهادته: ولا أعلم له فيه
(1) انظر "المنهاج"(ص 510).