الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]
4658 -
قول " المنهاج "[ص 479]: (الصحيح: ثبوته لكل وارث) فيه أمور:
أحدها: أن محل الخلاف: في قصاص النفس، أما قصاص الطرف: إذا مات مستحقه .. فإنه يثبت لجميع الورثة قطعًا، قال شيخنا الإمام البلقيني: ويحتمل جريان الخلاف الذي في النفس، لكن لم يذكروه.
ثانيها: كان ينبغي التعبير بالمنصوص؛ فقد نص عليه في كتبه كلها.
ثالثها: لو قال: (لجميع الورثة) .. لكان أولى؛ لإفهام عبارته ثبوت كل القصاص لكل وارث، وليس كذلك.
رابعها: قد يثبت القصاص لغير وارث، وذلك فيما إذا ارتد المجروح ومات بالسراية .. فالأظهر: وجوب القصاص في الجرح، ويستوفيه قريبه المسلم، فيستثنى ذلك من كلامه إن حمل كلامه على النفس والطرف.
خامسها: محل ذلك: في غير قطع الطريق، فأما فيه .. فالقصاص متحتم بشرطه، وهو متعلق بالإمام دون الورثة.
4659 -
قول " المنهاج "[ص 479]- والعبارة له - و" الحاوي "[ص 569]: (ويُنتظر غائبهم وكمال صبيهم ومجنونهم، ويحبس القاتل ولا يُخلى بكفيل) و" التنبيه "[ص 217]: (وإن كان القصاص لصبي أو معتوه .. حبس القاتل حتى يبلغ الصبي ويفيق المعتوه) محله: في غير قاطع الطريق كما تقدم.
4660 -
قول " التنبيه "[ص 217]: (فإن كان الصبي أو المعتوه فقيرين محتاجين إلى ما ينفق عليهما .. جاز لوليهما العفو على الدية) صحح في " الروضة " وأصلها في (كتاب اللقيط): أنه لا يجوز لولي الصبي، بخلاف المعتوه، ولم يذكراها هنا، بل أحالاها على المذكور هناك، وإطلاق الولي يشمل الوصي، والمنقول عن الجويني فيه المنع، وجعل " التنبيه " الخلاف فيما إذا كانا محتاجين، وجعله الرافعي مع الغنى، فأما مع الفقر .. فيجوز قطعًا (1).
4661 -
قول " المنهاج "[ص 479]: (وليتفقوا على مستوف) شرطه: أن يكون غير كافر فيما إذا كان المقتول مسلمًا.
4662 -
قوله: (وإلا .. فقرعة)(2) أي: عند التنازع، ومحله: ما إذا كان القصاص بجارح أو
(1) فتح العزيز (6/ 410)، الروضة (5/ 346).
(2)
انظر " المنهاج "(ص 479).
مثقل يحصل باجتماعهم عليه زيادة تعذبيه، فإن كان بإغراق أو تحريق أو رمي صخرة عليه .. فللورثة الاجتماع عليه، ولا حاجة لقرعة.
وقد يفهم منه أن من خرجت له القرعة .. استبد بالاستيفاء، وليس كذلك، بل الصحيح: أنه لا بد من إذن الباقين؛ لأن القصاص مبني على الإسقاط، بخلاف من خرجت له القرعة في التزويج .. فإنه لا يحتاج لإذن الباقين.
4663 -
قوله: (يدخلها العاجز)(1) تبع فيه " المحرر " فإنه قال: إنه الأظهر (2)، ونقل في " الشرح " تصحيحه عن البغوي، وتصحيح مقابله عن ابن كج وأبي الفرج والإمام (3)، فلذلك نقل في " أصل الروضة " تصحيح عدم دخوله عن الأكثرين (4)، وصححه في " الشرح الصغير "، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 569]:(ويقرع للقادرين) ونص عليه في " الأم "(5)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: هو المعتمد في الفتوى.
4664 -
قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ولو بدر أحدهم فقتله .. فالأظهر: لا قصاص)(6) لمحل الخلاف شروط:
أحدها: أن يكون عالمًا بتحريم القتل، فإن جهل .. فلا قصاص قطعًا كما في " الروضة " وأصلها (7)، لكن مال شيخنا الإمام البلقيني إلى جريانه مع الجهل بالترتيب، وأولى بعدم الوجوب؛ قال: وكلام الإمام ظاهر فيه (8)، وعلى إطلاق الخلاف جرى أكثر المصنفين، ويدل له جريان قول مخرج في الوكيل بجريان القصاص إذا قتل بعد عفو الموكل جاهلًا بذلك.
ثانيها: ألَّا يحكم حاكم بمنع المبادر من القود، فإن قتله بعد الحكم بذلك .. وجب القود قطعًا.
ثالثها: أن لا يحكم حاكم باستقلاله بالقود، فإن حكم له بذلك حاكم .. فلا قود عليه قطعًا، وفي كلام الماوردي ما يقتضي إجراء الخلاف في الصورتين معًا (9)، وهو مردود، قاله شيخنا الإمام البلقيني.
(1) انظر " المنهاج "(ص 479).
(2)
المحرر (ص 397).
(3)
فتح العزيز (10/ 257)، وانظر " نهاية المطلب "(16/ 147)، و" التهذيب "(7/ 28، 29).
(4)
الروضة (9/ 215).
(5)
الأم (6/ 20).
(6)
انظر " التنبيه "(ص 217)، و " المنهاج "(ص 479).
(7)
فتح العزيز (10/ 258)، الروضة (9/ 216).
(8)
انظر " نهاية المطلب "(16/ 149، 150).
(9)
انظر " الحاوي الكبير "(12/ 121).
4665 -
قول " التنبيه "[ص 217]: (وممن يأخذ؟ فيه قولان، أحدهما: من أخيه المقتص، والثاني: من تركة الجاني) الأظهر: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " و" الحاوي "(1).
4666 -
قول " التنبيه "[ص 217]: (وإن عفا أحدهما ثم اقتص الآخر قبل العلم بالعفو أو بعد العلم وقبل الحكم بسقوط القود .. ففيه قولان، أحدهما: أنه يجب القود، والثاني لا يجب) الأظهر: الأول، وعليه مشى " المنهاج "، لكنه عبر عن المرجوح بقوله:(وقيل: لا إن لم يعلم وبحكم قاضٍ به)(2) وفيه أمران:
أحدهما: أن مقتضاه: أن الخلاف في حالة الجهل بالعفو وجهان، وليس كذلك، بل هو قولان منصوصان في " الأم "(3).
ثانيهما: أن مقتضاه: اختصاص جريان هذا الوجه أو القول باجتماع الأمرين؛ انتفاءِ العلم بالعفو وانتفاءِ الحكم بالسقوط، وليس كذلك، بل أحدهما كاف كما دلت عليه عبارة " التنبيه "، وعبارة " أصل الروضة ": وإن لم يحكم به .. لزمه أيضًا على المذهب، وقيل: لا؛ لشبهة اختلاف العلماء، وإن جهله؛ فإن قلنا: لا قصاص إذا علمه .. فهنا أولى، وإلا .. فوجهان (4).
وليس فيها ترجيح في هذه الحالة، ومقتضى كلامهما: القطع بإيجاب القصاص فيما إذا كان بعد العلم بالعفو وبعد الحكم بالسقوط، به صرح في " الروضة " وأصلها (5).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو عندي مقيد بما إذا علم المبادر بالحكم، فإن لم يعلم .. اتجه الخلاف.
4667 -
قول " التنبيه "[ص 218]: (ولا يجوز استيفاء القصاص إلا بحضرة السلطان) المعتبر إذنه - كما عبر به " المنهاج "(6) - دون حضوره، وقول " الحاوي " [ص 573]:(ويقع دون الوالي وعُزِّر) يحتمل الإذن والحضور، وذكر الماوردي أنه إذا تعين لواحد استيفاء القصاص .. اعتبر في استيفائه عشرة أشياء، فذكر منها: حضور الحاكم الذي حكم له بالقود أو نائب عنه، ويوافقه قول الشافعي:(ينبغي للحاكم أن يعرف بموضع رجل مأمون على القود)(7) فإنه يشعر بحضوره أو بحضور نائب عنه.
(1) الحاوي (ص 570)، المنهاج (ص 479).
(2)
المنهاج (ص 479).
(3)
الأم (6/ 21).
(4)
الروضة (9/ 216).
(5)
فتح العزيز (10/ 259)، الروضة (9/ 216).
(6)
المنهاج (ص 479).
(7)
انظر " الأم "(6/ 56).
وقال في " الكفاية ": إلا بحضرة السلطان، أي: أو إذنه، فاكتفى بأحد الأمرين، وفي " المطلب " اعتبار الحضور والإذن معًا، وكذا في بعض نسخ " الكفاية "، ويندرج في تعبير " التنبيه " بـ (السلطان) و" المنهاج " بـ (الإمام) القاضي، وبه صرح الماوردي، ثم يستثنى من ذلك مسألتان:
أحدهما: السيد، فيقيم القصاص على عبده كما هو مقتضى تصحيح الرافعي والنووي أنه يقيم عليه حد السرقة والمحاربة، ثم قالا: وأجرى جماعة منهم ابن الصباغ الخلاف المذكور في القتل والقطع قصاصًا (1).
الثانية: قال الشيخ عز الدين بن عبد السلام في آخر " قواعده ": لو انفرد بحيث لا يرى .. ينبغي أن لا يمنع منه، ولا سيما إذا عجز عن إثباته (2)، ويوافقه قول الماوردي: أن من وجب له على شخص حد قذف أو تعزير وكان بعيدًا عن السلطان في بادية نائية .. أن له استيفاءه إذا قدر عليه بنفسه (3).
ويستثنى من ذلك أيضًا: المضطر حيث يقتله ليأكله كما سيأتي في بابه.
4668 -
قول " التنبيه "[ص 218]: (فإن كان من له القصاص يحسن الاستيفاء .. مكنه منه) محله: في النفس دون الطرف كما في " الحاوي " و" المنهاج "(4)، لكن تعبيره فيه بالأصح معترض؛ لأنه منصوص في " الأم "(5)، وقيد الرافعي منع تمكينه من الطرف بما إذا كان الطالب المجني عليه (6)، ولا معنى له؛ فإن الحيف متوقع من وارثه أيضًا إذا مات قبل الاستيفاء؛ فلذلك أطلقه غيره.
4669 -
قول " المنهاج "[ص 480]: (وإن قال: " أخطأت " وأمكن .. عزله ولم يعزره) و" الحاوي "[ص 573]: (وعُزل خطأً) قال شيخنا الإمام البلقيني: إنه مخالف لنص " الأم " ولما عليه الفتوى عند أئمة المذهب، قال في " الأم ":(ولو جاء يضرب عنقه فضرب رأسه مما يلي العنق أو كتفيه وقال: "أخطأت " .. أُحَلِّف ما عمد ما صنع ولم يُعاقب، وقيل: اضْرِب عنقه)(7)، قال: ولا يخالفه نص " المختصر " و" الأم " أيضًا، وهو قوله: (وجبره الحاكم على أن يأمر من
(1) انظر " فتح العزيز "(11/ 164، 165)، و" الروضة "(10/ 103).
(2)
قواعد الأحكام في إصلاح الأنام (2/ 327).
(3)
انظر " الحاوي الكبير "(13/ 454).
(4)
الحاوي (ص 572)، المنهاج (ص 479).
(5)
الأم (6/ 61، 62).
(6)
انظر " فتح العزيز "(10/ 266).
(7)
الأم (6/ 20).
يحسن ضرب العنق) (1) فإنه يدل على أنه لا يحسن، وعلى اختلاف هاتين الحالتين - وهما الفرق بين أن يحسن أم لا - حمل العراقيون كلام الشافعي.
وفي " النهاية ": من عرفت مهارته في ضرب الرقاب .. ينبغي ألَّا يعزل في خطأ اتفق له بلا خلاف (2).
4670 -
قول " المنهاج "[ص 480] و" الحاوي "[ص 573]: (وأجرة الجلاد على الجاني) محله: ما إذا لم يمكن ذلك من سهم المصالح كما نص عليه في " الأم " و" المختصر "(3)، وعليه مشى " التنبيه " فقال [ص 218]:(إن لم يوجد من يتطوع .. استؤجر من خمس الخمس، فإن لم يكن .. استؤجر من مال الجاني) وقول " المنهاج "[ص 480]: (على الصحيح) فيه نظر؛ لأنه منصوص كما تقدم، ومقابله قول أيضًا كما رجحه شيخنا الإمام البلقيني.
4671 -
قول " المنهاج "[ص 480]: (ويقتص على الفور، وفي الحرم) يستثنى منه: ما إذا التجأ إلى المسجد الحرام، قال الإمام: أو إلى غيره من المساجد .. فيخرج منه ويقتل (4)؛ لأنه تأخير يسير، وفيه صيانة للمسجد؛ ولذلك قال " الحاوي " [ص 573]:(ويخرج من المسجد) وفيه وجه ضعيف أنه تبسط الأنطاع، ويقتل فيه تعجيلًا للوفاء، ولو التجأ إلى نفس الكعبة أو إلى ملك إنسان .. أخرج قطعًا.
قال شيخنا الإمام البلقيني: وكذلك لو التجأ إلى مقابر المسلمين ولا يمكن قتله إلا بإراقة الدم عليها.
4672 -
قول " المنهاج "[ص 480]: (والحر والبرد والمرض) ظاهره تناول قصاص النفس والطرف، وبه قطع الغزالي والبغوي وغيرهما، ونقل الروياني في " جمع الجوامع " أنه نص في " الأم " على أنه يؤخر قطع الطرف لهذه الأمور، كذا في " الروضة " وأصلها (5).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وظاهره ترجيح الأول، والنص الذي نقله الروياني موجود في " الأم "، وهو المعتمد، وفي " التتمة ": لا يجوز استيفاء الطرف في حر أو برد شديد إذا لم تقع الجناية في مثله، فلو وقعت في مثله .. استوفي قصاص ذلك قطعًا؛ للمماثلة، ومقتضاه: أن المرض كذلك، قال شيخنا: وقد لا تتحقق المماثلة في المرض والحر والبرد الشديدين؛ لاختلاف الأمزجة، فينبغي أن يتوقف عن القصاص مطلقًا في الحالات المذكورة كما أطلقه الشافعي.
(1) مختصر المزني (ص 240).
(2)
نهاية المطلب (16/ 148).
(3)
الأم (6/ 60)، مختصر المزني (ص 243).
(4)
انظر " نهاية المطلب "(16/ 306).
(5)
الأم (6/ 58)، فتح العزيز (10/ 270)، الروضة (9/ 225).
4673 -
قول " المنهاج "[ص 480]- والعبارة له - و" الحاوي "[ص 573]: (وتُحبس الحامل في قصاص النفس أو الطرف) محله: ما إذا طلبه المستحق، بخلاف الحبس لانتظار الغائب وكمال الصبي والمجنون؛ فإنه متعلق بنظر السلطان، وهذا بنظر المستحق.
4674 -
قول " الحاوي "[ص 573]: (وينتظر وضع الحمل، ووجود مرضعة) أي: بعد سقي اللبأ كما صرح به " التنبيه " و" المنهاج "(1)، وقد يفهم من التعبير بالمرضعة اعتبار كونها آدمية، وليس كذلك، فلو استغنى ببهيمة .. كان كذلك، وقد تناول هذا تعبير " التنبيه " و" المنهاج " بالاستغناء بغيرها (2).
وفي معنى ذلك: فطمه للحولين كما صرح به " المنهاج "(3)، وحمله في " المطلب " على ما إذا تضرر الولد بفطمه قبلهما، فإن لم يتضرر وفطم قبلهما إما بتوافق الأبوين أو برضا السيد في ولد الأمة .. جاز حينئذ قبلها.
واعلم: أن " المنهاج " صرح بأن ذلك في قصاص النفس والطرف، وهو ظاهر إطلاق " التنبيه " و" الحاوي "، ونازع فيه شيخنا الإمام البلقيني في الطرف، وقال: هو شيء ذكره القاضي حسين والبغوي، وهو مردود؛ فإن قصاص الطرف لا يقتضي فوات الروح، وكيف يؤخر قطع أنملة منها أو أذنها حتى يستغنى الولد بغيرها، أو فطام لحولين؟ فإن قيل؛ لأن فيه تغييرًا لمزاجها، فيخاف على الولد .. قلنا: التغيير في مثل هذا يسير، ولا يضر غالبًا، فيحتمل.
4675 -
قول " التنبيه "[ص 218]: (وإن ادعت الحمل .. فقد قيل: يقبل قولها، وقيل: لا يقبل حتى تقيم بينة بالحمل) الأصح: الأول، وعليه مشى " الحاوي "(4) و" المنهاج "، وعبارته:(والصحيح: تصديقها في حملها بغير مخيلة)(5) والمراد بالمخيلة: شهادة النسوة به أو إقرار المستحق كما صرح به الرافعي (6)، فهو كتعبير غيره بدعواها، وهنا أمور:
أحدها: أن القبول منصوص عليه في " الأم "(7)، فلا ينبغي التعبير عنه بالصحيح.
ثانيها: قال في " النهاية ": لا أدري إن اعتمدوا قولها .. يؤمرون بالصبر إلى انقضاء مدة
(1) التنبيه (ص 218)، المنهاج (ص 480).
(2)
التنبيه (ص 218)، المنهاج (ص 480).
(3)
المنهاج (ص 480).
(4)
الحاوي (ص 573).
(5)
المنهاج (ص 480).
(6)
انظر " فتح العزيز "(10/ 272).
(7)
الأم (6/ 22).
الحمل وإلى ظهور المخايل، والأظهر: الثاني؛ فإن التأخير إلى أربع سنين من غير ثبت بعيد (1).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وما رجحه الإمام هو مقتضى نص " الأم "، فإذا حصل الاستبراء - كما قال الشافعي - وظهر عدم الحمل .. أقمنا القصاص عليها حينئذ، وذلك بمضي حيضة على مقتضى ما صححوه في (الطلاق) في قوله:(إن كنت حاملًا .. فأنت طالق) وفيه هناك وجهان آخران:
أحدهما: بطهر، والثاني: بثلاثة أطهار، والأوجه آتية هنا.
ثالثها: محل تصديقها: حيث أمكن أن تكون حاملًا عادة، فلو كانت آيسة .. لم تصدق، وهو معنى قول الشافعي: انتظر بالقود منها حتى تُستبرأ أو يعلم أنه لا حمل بها (2).
رابعها: كلام الإمام المتقدم يقتضي منع الزوج من وطئها؛ لئلا يقع حمل يمنع استيفاء حق ولي الدم؛ فإنه ما دام يغشاها فاحتمال الحمل موجود، وإن زادت المدة على أربع سنين.
4676 -
قول " التنبيه " فيما إذا اقتُص من الحامل فتلف الجنين من القصاص [ص 218]: (فإن لم يعلم واحد منهما .. فقد قيل: على الإمام، وقيل: على الولي) الأصح: الأول.
4677 -
قول " المنهاج "[ص 480]: (ومن قتل بمحددٍ أو خنقٍ وتجويعٍ ونحوه .. اقتص به) قد يفهم أنه لو قتل بمثقل؛ كحجر وخشب .. لم يقتل به، وليس كذلك، وكأنه ترك التصريح به؛ لدلالة ما ذكره في الخنق ونحوه، وقد صرح به " التنبيه " فقال [ص 219]:(وإن غرَّق أو حرّق أو قتل بالخشب أو بالحجر .. فله أن يقتله بالسيف، وله أن يفعل به مثل ما فعل) ودخل في قول " الحاوي "[ص 570]: (أو مثل فعله).
4678 -
قول " التنبيه "[ص 219]: (فإن قتل باللواط أو سقي الخمر .. فقد قيل: يقتل بالسيف، وقيل: يعمل في اللواط مثل الذكر من الخشب فيقتل به، وفي الخمر يسقى الماء فيقتل به) الأصح: الأول، وعليه مشى " الحاوي " و" المنهاج " وعبر ب (الأصح)(3)، وعبارة " الروضة ":(الصحيح)(4).
ولا يخفى أن شرط القصاص في اللواط: أن يقتل غالبًا؛ بأن يلوط بصغير، قال المتولي: ومحل القول بإيلاج خشبة فيه: أن يتوقع موته بذلك، وإلا .. فيتعين السيف، وصرح به أيضًا الإمام (5).
(1) نهاية المطلب (16/ 159).
(2)
انظر " الأم "(6/ 22).
(3)
الحاوي (ص 570)، المنهاج (ص 480).
(4)
الروضة (9/ 229).
(5)
انظر " نهاية المطلب "(16/ 182).
وقد تفهم عبارة " التنبيه " تعين الماء على القول الآخر، والذي في الرافعي وغيره: يوجر مائعًا من خل أو ماء أو نحوهما (1).
وقول " التنبيه "[ص 219]: (سقي الخمر) مثل قول " الحاوي "[ص 570]: (إيجار خمر) واقتصر " المنهاج " على قوله [ص 480]: (وخمر) فقال بعضهم: أراد: إدخال ما إذا غرقه في دن خمر .. فيجري فيه الخلاف، وتصحيح المنع، وليس كذلك، بل هذا داخل في قسم التغريق فيما يظهر، فيفعل به مثله قطعًا، وقد يخرج بتعبيرهم بالخمر: البول حتى يقتل به، ووجهه إباحته للضرورة، بخلاف الخمر، وفيه وجهان بلا ترجيح في كلام الرافعي، لكنه صحح في " أصل الروضة " من غير تمييز: تعيّن السيف (2).
4679 -
قول " الحاوي "[ص 570]: (لا باللواط، وإيجار خمرٍ، وسحرٍ، وبمسموم، ومُثلَةٍ) يقتضي منع القصاص بالسيف المسموم والمثلة ولو فعلهما الجاني، وعلى ذلك شرحه القونوي والبارزي، والذي في " الروضة " وأصلها تصحيح منع الاستيفاء بالسيف المسموم من غير تصويره بأن يكون الجاني فعل ذلك (3)، وذكر الماوردي فيما إذا قتل بسيف مسموم (4) يفتت ويمنع الغسل والدفن .. احتمال وجهين في جواز فعل مثل ذلك: الجواز؛ لإمكانه، والمنع؛ لتعذر غسله (5)، وهو حق لله تعالى، واحتمال تعدي ضرره إلى من يغسله ويكفنه، وحكى القاضي في (باب حد الزنا) وجهين فيما لو شهد أربعة على محصن بالزنا، فرجم، ثم رجعوا. أو واحد منهم .. هل يتعين في قتله السيف أو يجوز رجمه؟
4680 -
قول " التنبيه "[ص 219]: (فإن فعل به ذلك فلم يمت .. ففيه قولان، أحدهما: يقتل بالسيف، والثاني: يكرر عليه مثل ما فعل إلى أن يموت، إلا في الجائفة وقطع الطرف) صحح في " تصحيح التنبيه ": الثاني (6)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 480]:(ولو جوع كتجويعه فلم يمت .. زِيد) و" الحاوي " فقال [ص 571]: (ويزاد إن بقي) وتبعا فيه " المحرر " فإنه قال: (إنه رجح)(7)، لكنه لم ينقل في " الروضة " وأصلها تصحيحه إلا عن البغوي فقط، وقيل: يفعل به الأهون منهما.
(1) انظر " فتح العزيز "(10/ 276).
(2)
فتح العزيز (10/ 276)، الروضة (9/ 229).
(3)
فتح العزيز (10/ 276)، الروضة (9/ 222).
(4)
في النسخ: (بالسيف مسموم)، ولعل الصواب ما أثبت.
(5)
انظر " الحاوي الكبير "(12/ 140)، وفي حاشية (ج):(قال الزركشي: وأصحهما: الجواز).
(6)
تصحيح التنبيه (2/ 165).
(7)
المحرر (ص 298).
قال الرافعي: وترجيح هذا قريب، وعبر في " الروضة " بقوله: وهذا أقرب (1).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: ما صححه " المنهاج " في التجويع مخالف لنص " الأم " و" المختصر "، وإنما هو قول خرجه المزني، وتخريجه مرجوح، وعبارة الشافعي في منع الشراب:(فإن مات في تلك المدة، وإلا .. قتل بالسيف)(2)، فقال المزني:(القياس على ما مضى أول الباب: أن يمنعه الطعام والشراب حتى يموت، كما قال في النار والحجر والخنق بالحبل: حتى يموت)(3)، قال شيخنا: وليس هذا بالقياس؛ فإن النار محرقة تتلفه بإسراع، وكذا الخنق بالحبل، وليس الجوع من المتلف بإسراع، وكم ممن يجوع أيامًا كثيرة ولا يموت، لا سيما من ألفه؛ فالصواب كما قال الشافعي في صورة الجوع: أنه يقتل بالسيف. انتهى.
والاستثناء في قول " التنبيه "[ص 219]: (إلا في الجائفة وقطع الطرف) منقطع؛ لأن كلامه فيما إذا غرّق أو حرّق أو قتل بالخشب أو الحجر، وليسا داخلين في ذلك، وقد يدخل في قول " الحاوي " [ص 571]:(ويزاد) الجائفة أيضًا، والأصح خلافه.
4681 -
قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ومن عدل إلى سيفٍ .. فله)(4) هو مبني على أن السيف أسهل في الصور كلها، وهو المشهور، وأشار الإمام إلى وجه أنه لا يعدل من الخنق إلى السيف، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى مثل ذلك، فقال: إذا عدل من الأخف من السيف إلى السيف؛ كما إذا عدل من التغريق إلى السيف .. منع من ذلك؛ لأن في السيف زيادة لم يصنع الجاني مثلها، فلا يجوز العدول عن المثل الذي هو أسهل من السيف.
واعلم: أن المراد بالسيف: حز الرقبة على المعهود، فلو عدل إلى ذبحه؛ كالبهيمة .. لم يجز؛ لهتك الحرمة، قاله الماوردي (5) وابن الرفعة في " المطلب "، وحمله بعضهم على ما إذا لم يكن القاتل قد فعل ذلك.
4682 -
قول " التنبيه "[ص 218]: (وإن قطعه فمات منه .. قطعت يده؛ فإن مات، وإلا .. قتل) فيه أمران:
أحدهما: أنه لا يتعين ذلك؛ فله قتله ابتداء.
ثانيهما: أنه لا يتعين بعد قطع يده انتظار السراية؛ فله بعد ذلك المبادرة إلى حز رقبته، قاله
(1) فتح العزيز (10/ 277، 278)، الروضة (9/ 230)، وانظر " التهذيب "(7/ 94).
(2)
الأم (6/ 7).
(3)
مختصر المزني (ص 241).
(4)
انظر " التنبيه "(ص 219)، و " الحاوي "(ص 570)، و" المنهاج "(ص 480).
(5)
انظر " الحاوي الكبير "(12/ 110، 111).
الرافعي وغيره (1)، لكن في " الكفاية ": أن مقتضى كلام غير الشيخ من العراقيين أيضًا انتظار السراية، وفي " المطلب ": أنه ظاهر النص في " المختصر "، وعليه جرى البندنيجي والمحاملي، لكن اختلفوا في أنه واجب أم لا؟ وجهان، حكاهما ابن داوود، وفي " التتمة ": له قتله قبل مضي المدة إن اندمل الجرح أو ظهرت أماراته، وإلا .. فلا.
وهذا الإيراد مبنى على أن معنى قوله: (فإن مات) أي: بعد مضي مثل المدة التي سرت فيها جنايته، وقد يقال: لا دلالة له على ذلك، وعبارة " المنهاج " [ص 480]:(ولو قطع فسرى .. فللولي حز رقبته، وله القطع ثم الحز، وإن شاء .. انتظر السراية).
وبنى شيخنا الإمام البلقيني انتظار السراية على أنها تقع قصاصًا، وهو المرجح كما سيأتي، فإن قلنا: لا يقع قصاصًا - وهو ما حكاه ابن كج عن عامة الأصحاب - .. لم تنتظر السراية، قال: ولم أر من تعرض له.
4683 -
قول " التنبيه "[ص 218]: (وإن قطع يد رجل من الذراع، أو أجافه فمات .. ففيه قولان، أحدهما: يقتل، والثاني: يجرح كما جرح؛ فإن مات، وإلا .. قتل) صحح في " المنهاج " الأول تبعًا لقول " المحرر ": إنه رجحه كثيرون (2)، وصحح في " تصحيح التنبيه ": الثاني (3)، وعليه مشى " الحاوي " بقوله [ص 570]:(أو مثل فعله) وقال في " أصل الروضة ": إنه الأظهر عند الأكثرين؛ لكون الرافعي نقل تصحيحه عن الشيخ أبي حامد وغيره من العراقيين والروياني، ولم ينقل تصحيح مقابله إلا عن البغوي (4)، ولم يذكر في " الشرح الصغير " ترجيح البغوي أصلًا.
وقال شيخنا ابن النقيب: كأنه انقلب عليه في " المحرر "(5) وكذا قال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر أن الذي في " المحرر " وهم، وأنه أراد أن يقول: رجح كثير الأول، فانتقل إلى الثاني سهوًا، قال: والمعتمد في الفتوى: أنه يفعل به كفعله؛ فإن الشافعي جزم به في موضع، ونص على القولين في موضع آخر (6)، وذلك يدل على ترجيح المجزوم به.
ويستثنى من محل الخلاف: ما إذا قال: (افعل به مثل ذلك، فإن لم يمت .. عفوت عنه) ..
(1) انظر " فتح العزيز "(10/ 281).
(2)
المحرر (ص 399)، المنهاج (ص 480).
(3)
تصحيح التنبيه (2/ 164).
(4)
فتح العزيز (10/ 279)، الروضة (9/ 231).
(5)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(7/ 204).
(6)
انظر " الأم "(6/ 12)، و " مختصر المزني "(ص 240).
فلا يمكن منه كما قاله الماوردي (1)، وحكاه الرافعي عن البغوي في الجائفة (2).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه ظهر من كلام الشافعي؛ حيث قال: وإن قالوا: نجرحه جائفة ولا نقتله .. لم يتركوا ذلك (3).
واعلم: أن تعبير " التنبيه " يوهم أن المراد: قطع جميع الذراع بفصله من المرفق، وليس كذلك، وإنما المراد: كسره؛ ولهذا عبر في " النبيه " مختصره بـ (كسر الذراع) و" المنهاج " بـ (كسر العضد)(4).
4684 -
قول " المنهاج "[ص 480]: (فإن لم يمت .. لم تزد الجوائف في الأظهر) تبع " المحرر " في أن الخلاف قولان (5)، وهو في " الروضة " وأصلها وجهان، وصوب شيخنا الإمام البلقيني القطع بأنه لا تزاد الجوائف.
4685 -
قوله: (ولو اقتص مقطوعٌ ثم مات سرايةً .. فلوليه الحز وله عفوٌ بنصف دية)(6) فيه أمران:
أحدهما: أن القطع قد لا يوجب نصف الدية، فكان ينبغي التعبير بقطع اليد كما عبر به " الحاوي "(7)، ولا يخفى أنه مثال.
ثانيهما: محل ما ذكره هو و" الحاوي " من العفو بنصف دية: أن تستوي الديتان، فلو قطعت امرأة يد رجل، فاقتص منها ثم مات الرجل .. فالأصح في " الروضة " وأصلها في أواخر (باب العفو عن القصاص): أن لوليه العفو على ثلاثة أرباع الدية؛ لأنه استحق دية رجل سقط منها ما استوفاه، وهو يد امرأة بربع يد رجل، ومثله لو قطع ذمي يد مسلم فاقتص منه ثم مات المسلم .. فعلى الأصح: يستحق خمسة أسداس دية مسلم (8).
قال شيخنا ابن النقيب: وقياس ذلك في عكس المسألة إذا قطع رجل يد امرأة فاقتصت منه ثم ماتت بالسراية .. أن الأصح: أن وليها إذا أراد العفو على مال .. لم يكن له شيء، ولم أر ذلك مسطورًا (9).
(1) انظر " الحاوي الكبير "(12/ 146).
(2)
فتح العزيز (10/ 279)، وانظر " التهذيب "(7/ 94).
(3)
انظر " الأم "(6/ 12).
(4)
المنهاج (ص 480).
(5)
المحرر (ص 399).
(6)
انظر " المنهاج "(ص 480).
(7)
الحاوي (ص 567).
(8)
فتح العزيز (10/ 304)، الروضة (9/ 247).
(9)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(7/ 205).
وقال شيخنا الإمام البلقيني في " حواشيه ": عندي أن الأرجح خلافه؛ لأنه لم يكن مستحقًا لغير قطع اليد وإزهاق روح الآدمي، فإذا قطع يده .. فقد استوفى ما يقابل نصف النفس، فيجب له نصف الدية الكاملة، وقال الماوردي: إنه أشبه (1).
4686 -
قول " المنهاج "[ص 480]- والعبارة له - و" الحاوي "[ص 567]: (ولو قطعت يداه فاقتص ثم مات .. فلوليه الحز، فإن عفا .. فلا شيء) محله أيضًا: إذا استوت الديتان، فلو كان الجاني امرأة على رجل .. وجب نصف دية رجل على الأصح.
قال شيخنا الإمام البلقيني: واعلم أن التصوير بأن يقتص ثم يموت بالسراية ليس بقيد، حتى لو مات بالسراية قبل أن يقتص فقطع وارثه في الصورة الأولى يدًا وفي الثانية اليدين .. فالحكم فيهما سواء.
قال شيخنا المذكور في " حواشيه ": فلو لم يمت المجني عليه بالسراية، بل بحز الرقبة من الجاني .. فالذي يظهر بمقتضى القواعد: أن للولي العفو على مال؛ لعدم التداخل إذا فرعنا عليه، والأصح فيما لو قطع يد رجل فعفى المجني عليه على ديتها ثم عاد الجاني وحز رقبته قبل الاندمال: وجوب القصاص، لكن الأصح: أنه لا يصح عفوه إلا على الباقي من الدية لا على جميعها.
4687 -
قول " التنبيه "[ص 219]: (ومن اقتص في الطرف ثم سرى إلى نفس الجاني .. لم يجب ضمان السراية) أحسن من قول " المنهاج "[ص 480]: (إنه هدر) لمخالفته لما ذكره بعد ذلك من وقوعه قصاصًا في صورة موتهما معًا. وصورة سبق المجني عليه؛ فإنه لم يقع في هاتين الصورتين هدرًا مع كونه لم يجب ضمانه.
4688 -
قولهما - والعبارة لـ" التنبيه " -: (وإن اقتص في الطرف ثم سرى إلى نفس المجني عليه ثم إلى نفس الجاني .. فقد استوفى حقه)(2) وهو مفهوم قول " الحاوي "[ص 572]: (وإن مات الجاني أولًا .. لم يقع قصاصًا) هو المشهور كما قال الرافعي، وصححه النووي، لكن حكى ابن كج عن عامة الأصحاب: أنه لا يقع قصاصًا (3).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه القياس؛ لأن سراية الجاني مهدرة، والمهدر لا يقع قصاصًا، وسراية المجني عليه مضمونة. انتهى.
وسوّى في " المنهاج " بين هذه الصورة وبين ما إذا ماتا معًا سرايةً، وهو مفهوم قول " الحاوي " المتقدم، وصحح شيخنا الإمام البلقيني في هذه الصورة: أنه لا يقع قصاصًا؛ لأن
(1) انظر " الحاوي الكبير "(12/ 125).
(2)
انظر " التنبيه "(ص 219)، و" المنهاج "(ص 280).
(3)
فتح العزيز (10/ 281)، الروضة (9/ 233).
القصاص إنما يقع بعد وجوبه، فإذا ماتا معًا .. فقد مات الجاني قبل وجوب قصاص النفس؛ فالحكم بأنه اقتص منه بعيد.
4689 -
قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وإن تأخر .. فله نصف الدية في الأصح)(1) أي: والصورة في قطع يد، فإن كانت في قطع يدين .. فلا شيء، وإن كانت في موضحة .. فتسعة أعشار دية ونصف عشرها؛ فإنه أخذ بقصاص الموضحة نصف العشر.
4690 -
قول " المنهاج "[ص 480]: (ولو قال مستحق يمين: " أخرجها " فأخرج يسارًا وقصد إباحتها .. فمهدرة) فيه أمور:
أحدها: لا يخفى أنه لا بد أن يكون المخرج عاقلًا؛ ويدل لذلك قوله: (وقصد إباحتها) ولهذا قال " التنبيه "[ص 219، 220]: (وإن كان القصاص على مجنون فقال: " أخرج يمينك " فأخرج اليسار فقطعها؛ فإن كان المقتص عالمًا .. وجب عليه القصاص، وإن كان جاهلًا .. وجبت عليه الدية) وصورته: أن يجني عاقلًا ثم يُجنّ.
ثانيها: وصورته أيضًا: أن يكون حرًا، فلو كان عبدًا .. لم تهدر يساره بإباحتها قطعًا، وفي سقوط القصاص إذا كان القاطع عبدًا وجهان في "الروضة " وأصلها في مسائل الإكراه بلا ترجيح (2).
قال شيخنا الإمام البلقيني: والأرجح: سقوطه.
ثالثها: اعتبر في " الروضة " وأصلها مع قصد إباحتها: أن يعلم أنها اليسار، وأنها لا تجزئ، وتردد شيخنا الإمام البلقيني في أن ذلك قيد لا بد منه، فيرد على " المنهاج "، أو تصوير لا يحتاج له؛ فالمعتبر: قصد الإباحة، وأما علمه بأنها تجزئ أم لا .. فلا يحتاج إليه؛ لأنه لم يجعلها قصاصًا، والأقرب عندي: الثاني، وبنى شيخنا ابن النقيب على أنه قيد، وقال: إنه يفهم مما ذكره في " المنهاج " عقبه (3)، وفيه نظر.
رابعها: لم يتعرض لقصاص اليمين، وهو باقٍ كما كان، صرح به في "المحرر"(4)، وقد يقال: قوله بعد الصورة التي بعدها: (ويبقى قصاص اليمين)(5) راجع إليهما، فلم يسقطه، وهو محمول على ما إذا لم يظن القاطع إجزاءها، فإن ظن ذلك .. فالأصح: سقوطه قصاصًا، ويعدل إلى ديتها، وطردا فيما إذا علم القاطع عدم الإجزاء شرعًا، لكنه جعلها عوضًا، وهذه أولى بالسقوط.
(1) انظر " التنبيه "(ص 219)، و " الحاوي "(ص 572)، و " المنهاج "(ص 480).
(2)
الروضة (9/ 235).
(3)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(7/ 206).
(4)
المحرر (ص 399).
(5)
المنهاج (ص 480).
4691 -
قوله: (وإن قال: " جعلتها عن اليمين وظننت إجزاءها " فكذبه .. فالأصح: لا قصاص في اليسار، وتجب دية، ويبقى قصاص اليمين)(1) ليس مطابقًا لما في " المحرر " ولا لـ" الروضة " وأصلها، وعبارة " المحرر ":(وقال القاطع: عرفتُ أن المخرج اليسار، وأنها لا تجزئ)(2) فظنه النووي بفتح التاء في قوله: (عرفت) فعبر عنه بقوله: (فكذبه)، وهو وهم، وإنما هو بضمها، ولو كان كما توهمه .. لم يكن معرفة المخرج بأنها اليسار مضادًا لقوله:(جعلتها عن اليمين) حتى يُجعل تكذبيًا له، وليست الصورة التي في " المنهاج " مذكورة في " الروضة " في أحوال المسألة؛ فإنه لما ذكر قول المخرج: جعلتها عن اليمين وظننت إجزاءها .. قال: (فيسأل المقتص)، وله في جوابه ألفاظ:
أحدها: أن يقول: (ظننت أنه أباحها بالإخراج) .. فلا قصاص عليه في اليسار، وفيه احتمال للإمام، ويبقى قصاص اليمين قطعًا.
الثاني: فذكر الصورة المتقدمة عن " المحرر ".
الثالث: أن يقول: (قطعتها عن اليمين وظننتها تجزئ كما ظنه المخرج) .. فالصحيح: أنه لا قصاص في اليسار، وأنه يسقط قصاص اليمين، ولكل واحد منهما دية ما قطعه الآخر (3).
وظن شيخنا ابن النقيب أن هذه صورة " المحرر "، وأخذ يناقش " المنهاج " في تعبيره فيها بالأصح مع تعبير " الروضة " فيها بالصحيح (4)، وهو مردود كما عرفته.
ثم قال في " الروضة ":
الرابع: أن يقول: (ظننت المخرجة اليمين) .. فلا قصاص في اليسار على المذهب، وتجب الدية على الأصح، ويبقى قصاص اليمين على المذهب (5).
وقد ظهر لك استواء الصور كلها في بقاء قصاص اليمين إلا الثالثة التي ظنها ابن النقيب صورة "المحرر" و"المنهاج "، وذلك مما يقوى التعجب منه؛ لاختلاف حكمهما مع اختلاف تصويرهما.
4692 -
قول " التنبيه "[ص 219]: (فإن وجب له القصاص في اليمين فقال: " أخرج يمينك " فأخرج يساره عمدًا فقطعه .. لم يجزئه عما عليه) يقتضي بقاء قصاص اليمين، وقد زاده إيضاحًا بقوله:(غير أنه لا يقتص منه في اليمين حتى تندمل المقطوعة)(6) ويستثنى منه: ما لو قال كل من
(1) انظر " المنهاج "(ص 480).
(2)
المحرر (ص 399).
(3)
الروضة (9/ 235، 236).
(4)
انظر " السراج على نكت المنهاج "(7/ 208).
(5)
الروضة (9/ 236).
(6)
التنبيه (ص 219).
المخرج والقاطع: (ظننت إجزاءها عن اليمين) .. فالصحيح: سقوط قصاصها، وهي التي ظنها ابن النقيب صورة " المحرر " كما تقدم.
4693 -
قول " الحاوي "[ص 575]: (ومن استُحِق يمينه وأخرج اليسار .. لا قصاص فيها) يستثنى منه مسألتان:
إحداهما: أن يقول المخرج: دُهشتُ فظننتها اليمين، ويقول المقتص: ظننت أن المخرج قصد الإباحة .. فالذي حكاه الرافعي عن البغوي: وجوب القصاص، وقال: إنه المتجه، قال: وقياس مثله في الحال الثاني: أن لا يجب (1)، ومال شيخنا الإمام البلقيني إلى هذا القياس فقال: إنه القياس السديد، وما ذكره البغوي ممنوع.
الثانية: ما لو علم المقتص في صورة دهشة المخرج أنها اليسار، وأنها لا تجزئ عن اليمين .. فالأصح: وجوب القصاص، وترد هذه الثانية أيضًا على " التنبيه " فإنه قال في صور منها [ص 219]:(ما إذا قال المخرج: فعلت ذلك غلطًا، وإن قطع - أي: المقتص - وهو عالم .. فالمذهب: أنه لا قصاص).
4694 -
قول " الحاوي "[ص 575]: (وفي اليمين إن أخذ عوضًا بل الدية) يستثنى من وجوب الدية: ما إذا قصد بإخراجها الإباحة؛ فإنها مهدرة كما تقدم.
4695 -
قوله: (ويقع حدًا بدهشةٍ، وظنٍّ)(2) أي: يجزئ قطع اليسار عن اليمين في حد السرقة إذا أخرجها بدهشة أو ظن إجزائها عن اليمين، أما لو قصد بإخراجها الإباحة .. فإنها لا تقع حدًا؛ كذا استدركه القاضي حسين على الأصحاب، وحمل إطلاقهم عليه، وتبعه في " الوجيز "(3)، وإطلاق الأصحاب يقتضي وقوعه حدًا مطلقًا، وفي " أصل الروضة " في حد السرقة قال القاضي أبو الطيب وآخرون: إن قال المخرج: (ظننتها اليمين، أو أن اليسار تجزئ) .. سقط بها القطع على الأظهر، وإن قلنا: لا يسقط فقال القاطع: (علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ) .. لزمه القصاص، وإن قال:(ظننت أنها اليمين، أو أنها تجزئ) .. لزمته الدية، وقال الشيخ أبو حامد: يراجع القاطع أولًا، فإن قال:(علمت أنها اليسار وأنها لا تجزئ) .. لزمه القصاص وبقي القطع واجبًا في اليمين، وإن قال:(ظننتها اليمين، أو أن اليسار تجزئ) .. لزمه الدية، وفي سقوط قطع اليمين القولان، وكلام القاضي (4) وغيره يوافق
(1) فتح العزيز (10/ 286)، الروضة (9/ 123، 124).
(2)
انظر " الحاوي "(ص 575).
(3)
الوجيز (2/ 139).
(4)
كذا في النسخ، وقال في " الروضة ": (وكلام الإمام
…
) فليتنبه.