المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كتابُ الشهادات 6110 - قول " المنهاج " [ص 568]: (شرط - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌ ‌كتابُ الشهادات 6110 - قول " المنهاج " [ص 568]: (شرط

‌كتابُ الشهادات

6110 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (شرط الشاهد: مسلم، حر، مكلف، عدل، ذو مروءة، غير متهم) فيه أمور:

أحدها: أنه تركيب فيه عجمة، فكان ينبغي التعبير بالإسلام والحرية كما في " المحرر " و" الروضة " وغيرهما (1)، وعبارة " التنبيه " [ص 269]:(ولا تقبل الشهادة إلا من حر، بالغ، متيقظ، حسن الديانة، ظاهر المروءة) و" الحاوي "[ص 668]: (أو سأل الحجة: ذكرًا، ناطقًا، مسلمًا، حرًا، عدلًا، ذا مروءة، غير متهم)، وليس فيهما من العجمة ما في " المنهاج "، ولا يقال: أخل " التنبيه " باشتراط؛ الإسلام لأنه مفهوم من جنس الديانة، ولا باشتراط العقل؛ لأنه مفهوم من التيقظ، ولم يذكر انتفاء التهمة هنا، لكنه فصله بعد ذلك، ولم يحتج " الحاوي " للتصريح بالتكليف؛ لاندراجه تحت العدالة.

ثانيها: أنه يشترط في الشاهد أيضًا النطق كما صرح به " الحاوي "(2)، وفي " التنبيه " [ص 269]:(وتقبل شهادة الأخرس، وقيل: لا تقبل، والأول أصح) لكن الأكثرون على الثاني، ونقل عن النص أيضًا، وهو الذي صححه الرافعي والنووي (3).

ومحل الخلاف: ما إذا فهمت إشارته، فإن لم تفهم .. ردت شهادته قطعًا.

واعترضه ابن الرفعة بأن المقصود ذكر الموانع من قبول الشهادة مع تصور وجودها، وسبب الرد في الخرس عدم تحقق المشهود به؛ فلذلك لم يعد من موانع الشهادة.

قال في " التوشيح ": وفيه نظر؛ فإن الرافعي: لم يعد النطق شرطًا إلا على القول بأنه وإن عقلت إشارته مردود، فكيف سبب الرد عدم تحقق المشهود به. انتهى.

ويشترط فيه أيضًا: التيقظ كما تقدم عن " التنبيه "، ثم أكده بقوله بعده [ص 269]:(فلا تقبل من مغفل) وكذا قال " المنهاج " بعد ذلك [ص 569]: (لا مغفل لا يضبط) وشاحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في هذه العبارة كما سيأتي، وقال في " الكفاية ": هذا إذا أطلق الشهادة، فلو أتى بها مفصلة ووصف الزمان والمكان وتأنق في ذكر الأوصاف .. قال الإمام: فالشافعي رحمه الله قد يقبلها؛ فإنه إذا فصلها وهو عدل .. لا يظن به اعتماد الكذب، وهذا ما أورده

(1) المحرر (ص 496)، الروضة (111/ 222).

(2)

الحاوي (ص 668).

(3)

انظر " فتح العزيز "(13/ 37، 38)، و" الروضة "(11/ 245).

ص: 646

الفوراني والمسعودي والغزالي. انتهى (1).

وهو الذي في " الروضة " وأصلها (2)، وإليه أشار " الحاوي " بقوله [ص 670]:(وتغافل حيث يحتمل الغلط)، وذكر الصيمري: أنه لا تقبل شهادة محجور عليه بسفه، فإن كان كذلك .. فهذا شرط آخر، ذكره في " أصل الروضة "(3).

واعترضه ابن الرفعة: بأن السفه في المال مشعر بخلل في العقل، فهو مندرج فيما سلف.

وقال في " التوشيح ": لو أشعر بذلك .. لعد حجر جنون، ولما ولي النكاح، لكنه يليه على وجه جيد، وقد يقول ابن الرفعة إشعاره به لا يؤدي إلى ثبوته من كل وجه، ولئن قال ذلك .. قلنا: فليس مندرجًا فيما سلف. انتهى.

وكلام الرافعي والنووي في (الوصايا) موافق للصيمري؛ فإنهما اشترطا في الوصي: أن لا يكون محجورًا عليه بسفه، ثم قالا: وحصروا الشروط جميعًا بلفظ مختصر، فقالوا: ينبغي أن يكون الوصي بحيث تقبل شهادته على الطفل. انتهى (4).

وتقدم عن " الحاوي " اشتراط الذكورة (5)، وليس بجيد؛ فإنها لا تعتبر في كل الشهادات، بل في بعضها، فلا يصح اشتراطها في مطلق الشهادة.

ثالثها: مقتضى إطلاقهم: الاكتفاء بالإسلام بطريق التبعية وبالحرية بالدار، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لو شهد بعد بلوغه قبل الإفصاح بالإسلام والإتيان بما ينافيه وقبل ظهور حريته بغير الدار .. لم أقبل شهادته وإن حكم بإسلامه وحريته؛ للاحتياط في الشهادة، ثم قال: فإن قيل: إذا ظهرت عدالته انكشف الحال في إسلامه وحريته .. قلنا: لا نسلم أنه ينكشف الحال في حريته لمجرد ذلك، وأما الإسلام: فقد يظهر انكشافه بذلك وقد لا يظهر. انتهى.

وجمعهم بين العدالة والمروءة جار على ما قال الرافعي: إنه الأشهر والأحسن من اصطلاح الأصحاب، وهو إخراج المروءة عن حد العدالة، وعدها صفة برأسها، ومنهم من يدرج المروءة والتكليف والإسلام والحرية فيها، فيقول: العدل هو الذي تعتدل أحواله دينًا ومروءة وأحكامًا؛ أي: لا يكون ناقص الحكم بصبًا أو جنونٍ أو رقٍّ (6).

6111 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (وشرط العدالة: اجتناب الكبائر والإصرار على صغيرة)

(1) انظر " نهاية المطلب "(19/ 9، 10).

(2)

فتح العزيز (13/ 31، 32)، الروضة (11/ 241).

(3)

الروضة (11/ 245).

(4)

انظر " فتح العزيز "(7/ 269)، و" الروضة "(6/ 311).

(5)

الحاوي (ص 668).

(6)

انظر " فتح العزيز "(13/ 21).

ص: 647

هذا نفس العدالة لا شرط فيها، وعبارة " التنبيه " [ص 269]:(ولا تقبل من صاحب كبيرة ولا مدمن على صغيرة) و" الحاوي " بعد قوله [ص 668]: (عدلًا: ما باشر كبيرة وما أصر على صغيرة) وقال بعضهم: لو عبر " الحاوي " بقوله: (ما أقدم) بدل (ما باشر) .. لكان أولى؛ ليدخل فيه من وطئ زوجته ظانًا أنها أجنبية .. فإنه غير عدل، ومرادهم بالكبيرة: غير الكبائر الاعتقادية التي هي البدع؛ فإن الراجح: قبول شهادة أهل البدع ما لم نكفرهم.

واستثنى الشافعي رضي الله عنه: الخطابية (1)؛ لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم اعتمادًا على أنهم لا يكذبون (2)، وحمله بعضهم على ما إذا لم يذكر في شهادته ما يقطع احتمال الاعتماد على قول المدعي، فإن ذكره؛ بأن قال: سمعته يقر لفلان بكذا .. قبلت.

وقال بعضهم: عطف الإصرار على الكبائر من ذكر الخاص بعد العام؛ لأنه كبيرة، وقال في " أصل الروضة ": وهل الإصرار السالب للعدالة المداومة على نوع من الصغائر، أم الإكثار من الصغائر سواء كانت من نوع أو أنواع؟ فيه وجهان، يوافق الثاني قول الجمهور: من غلبت طاعته معاصيه .. كان عدلًا وعكسه فاسق، ولفظ الشافعي رضي الله عنه في " المختصر " يوافقه، فعلى هذا لا تضر المداومة على نوع من الصغائر إذا غلبت الطاعات، وعلى الأول يضر (3).

واعترضه في " المطلب ": بأن مقتضاه: أن مداومة النوع الواحد مضر على الوجهين، أما على الأول فظاهر، وأما على الثاني فلأنه في ضمن حكايته، قال: إن الإكثار من نوع واحد كالإكثار من الأنواع، وحينئذ .. لا يحسن معه التفصيل.

نعم؛ يظهر أثرهما فيما لو أتى بأنواع من الصغائر، إن قلنا بالأول .. لم يضر؛ لمشقة كف النفس عنه، وهو ما حكاه في " الإبانة " وإن قلنا بالثاني .. ضر، وتبعه في " المهمات "، وقال: ويدل على ما ذكرناه أنه خالف المذكور هنا، وجزم في الكلام على الأولياء وفي الرضاع بأن المداومة على النوع الواحد يصيره كبيرة.

وأجاب عنه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": بأن الإكثار من النوع غير المداومة عليه؛ فإن المراد: الأكثرية التي تغلب بها معاصيه على طاعته، وهذا غير المداومة؛ فالمؤثر على الثاني إنما هو الغلبة لا المداومة، قال: فيزاد على قول " الروضة ": إن على الثاني لا تضر المداومة على نوع من الصغائر ولا على أنواع إذا غلبت طاعاته معاصيه، قال: فيكون الاحتمالان على هذا مختلفين

(1) انظر " مختصر المزني "(ص 258).

(2)

الخطابية: هم أصحاب أبي الخطاب الأسدي الكوفي، كان يقول بألوهية جعفر الصادق ثم ادعى الألوهية لنفسه. انظر " نهاية المحتاج "(8/ 305).

(3)

الروضة (11/ 225).

ص: 648

في حالة ومتفقين في حالة، فيختلفان فيما إذا داوم على نوع ولكن الأغلب طاعته، فعلى الأول يفسق، وعلى الثاني لا يفسق، ويختلفان فيما إذا أتى بأنواع وصارت أكثر من الطاعات ولم يداوم على نوع من المعصية، فعلى الأول لا يفسق، وعلى الثاني يفسق، ويتفقان فيما إذا داوم على نوع وهو أكثر من طاعاته على أنه يفسق، والرجوع في الغلبة للعرف؛ فإنه لا يمكن أن يزاد مدة العمر، فالمستقبل لا يدخل في ذلك، وكذلك ما ذهب بالتوبة وغيرها؛ ولهذا قال الشافعي في " المختصر ":(ليس من الناس أحد نعلمه إلا أن يكون قليلًا يمحّض الطاعة والمروءة [حتى لا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى لا يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة] (1)، فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة .. قبلت شهادته، وإذا كان الأغلب الأظهر من أمره المعصية وخلاف المروءة .. رددت شهادته) (2).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": واتفق الأصحاب على أن المراد الصغائر؛ فإن الكبيرة بمجردها تخرج عن العدالة وإن كان الأغلب الطاعة، فكان ينبغي أن يقال شرط العدالة اجتناب الكبائر وعدم غلبة الصغائر على الطاعة.

قول " الحاوي " في تفسير الكبيرة [ص 668]: (موجبة حدٍّ) اعتمد في الجزم به قول الرافعي: وهم إلى ترجيحه أميل، لكنه قال: إن الحد الآخر أنها ما لحق صاحبها وعيد شديد بنص كتاب أو سنة أوفق؛ لما ذكروه عند تفصيل الكبائر؛ أي؛ لأن الربا وأكل مال اليتيم وقطع الرحم والعقوق ونحوها من الكبائر مع أنه لا حد فيها، وقال الإمام في " الإرشاد " وغيره: كل جريمة تُؤذن بقلة اكتراث مرتكبها بالدين، وقيل: ما نص الكتاب على تحريمه، أو وجب في جنسه حد؛ من قتل أو غيره، وترك فريضة تجب على الفور، والكذب في الشهادة والرواية واليمين، فهذه أربعه أوجه (3).

6112 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (ويحرم اللعب بالنرد على الصحيح) فيه أمور:

أحدها: مقتضاه: أن الخلاف وجهان، وأن مقابل الراجح ضعيف، وليس كذلك؛ فالخلاف قولان، نص على التحريم في حرملة وعلى الكراهة في " الأم "" والمختصر "، فقال:(يكره من وجه الخبر اللعب بالنرد أكثر مما يكره اللعب بشيء من الملاهي)(4) وقد ظهر بذلك قوته، وصححه جماعة.

(1) ما بين القوسين سقط من (ج)، وفي (ب):(حتى يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة) وفي (د): (ولا يخلطهما بمعصية، ولا يمحض المعصية وترك المروءة حتى يخلطهما بشيء من الطاعة والمروءة)، والمثبت من " الأم " و " مختصر المزني ".

(2)

الأم (7/ 53)، مختصر المزني (ص 310).

(3)

انظر " فتح العزيز "(13/ 6).

(4)

الأم (6/ 208)، مختصر المزني (ص 311).

ص: 649

ثانيها: قد تفهم عبارته أن مقابله الإباحة، وليس كذلك، بل الكراهة كما تقدم.

ثالثها: لم يبين هل هو من الكبائر أو الصغائر؟ والأصح: الثاني، وعليه مشى " الحاوي "، لكنه قال بعده:(وحيث يعظم مرة)(1) وتبع في ذلك قول الإمام: أنه ينظر إلى عادة البلد، فحيث يستعظمون النرد وسماع الأوتار .. ترد الشهادة بمرة واحدة، هالا .. فلا (2)، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن هذا التفريق ضعيف.

6113 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (ويكره بشطرنج) عبارة " الأم ": (ولا أحب اللعب بالشطرنج)(3) وهذا صادق بأن يكون خلاف الأولى، وبأن يكون المراد: لا أحب فعله؛ لما يؤدي إليه.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": فلا نثبت الكراهة مذهب الشافعي، وأما قول " مختصر المزني ":(فاللاعب بالشطرنج والحمام بغير قمار وإن كرهنا ذلك أخف حالًا)(4) فإن المزني أخل في النقل. انتهى.

ثم لا يخفى أن محل ذلك: إذا لم يؤد الشغل به إلى ترك الصلاة، فإن أدى إلى تركها عامدًا .. فواضح، وإن شغله اللعب به حتى خرج الوقت وهو غافل

ففي " أصل الروضة ": أنه إن لم يتكرر منه .. لم ترد شهادته، وإن كثر منه .. فسق وردت شهادته، بخلاف ما إذا تركها ناسيًا مرارًا؛ لأنه هنا شغل نفسه بما فاتت به الصلاة، هكذا ذكروه، وفيه إشكال؛ لما فيه من تعصية الغافل اللاهي، ثم قياسه الطرد في شغل النفس بغيره من المباحات (5).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولا إشكال؛ فيه لأن تعصية الغافل اللاهي إذا كان بسبب أدخله على نفسه باختياره، وقد جربه وعرف أنه يوقعه في ذلك .. فإنه يأثم به، وقد أشار إلى ذلك الشافعي بقوله:(فلا يعود للعب الذي يورث النسيان، وإن عاد له وقد جربه يورثه ذلك .. فذلك استخفاف، فأما الجلوس والنسيان .. مما لم يجلب على نفسه فيه شيئًا إلا حديث النفس الذي لا يمتنع به منه أحد ولا يأثم به، وإن قبح ما يحدث به نفسه، والناس يمتنعون من اللعب) هذا نصه في " الأم "(6)، وفيه جواب الإشكال. انتهى.

وفي " التوشيح ": محل الكراهة: إذا لم يواظب ولم يلعب مع معتقد التحريم، فإن واظب

(1) الحاوي (ص 669).

(2)

انظر " نهاية المطلب "(19/ 21).

(3)

الأم (6/ 208).

(4)

مختصر المزني (ص 310).

(5)

الروضة (11/ 226).

(6)

الأم (6/ 208).

ص: 650

عليه .. ففي " الإحياء ": أنه يصير صغيرة (1)، وفي " الشامل " خلافه؛ ولعله الأشبه، وإن لاعب معتقد التحريم .. فالأرجح عند الوالد رحمه الله من وجهين حكاهما في " الحلبيات ": التحريم؛ لما فيه من الإعانة على انتهاك الحرمة والجرأة، وإن كان الفعل في اعتقادنا غير حرام؛ كمن تناول قدح جلاب لمن يشربه ظانًا أنه خمر .. فإنه يكون معينًا له على المعصية، قال: ونظير هذا لو تبايع رجلان وقت النداء، أحدهما تلزمه الجمعة، والثاني لا تلزمه، وفيها وجهان، الصحيح المنصوص: بأنه يحرم عليهما، قال: لكن مسألتنا أخف؛ فإن التحريم في البيع على من تلزمه الجمعة معلوم عندنا وعنده، وتحريم لعب الشطرنج غير معلوم عندنا ولا عنده، وإنما الحرام فعله مع اعتقاد حرمته، وهذا المجموع لم تحصل المعاونة عليه إنما حصلت على بعضه، قال: وهذه دقيقة ينبغي أن يتنبه لها (2).

قال في " التوشيح ": وسالت الوالد رحمه الله مرة: أيحرم على رجل أن يسقي غيره الخمر إذا كان الشارب يظنه غير خمر والساقي يعرفه خمرًا؛ فقال: نعم، فقلت: لم مع أن الساقي لم يشرب، ولم يعن علي معصية لأن الشارب لم يأثم؟ ، فقال: لأنه حقق المفسدة التي طلب الشارع درءها من كل أحد وإن عذر من لا يعلم. انتهى.

6114 -

قوله: (فإن شرط فيه مال من الجانبين .. فقمار)(3) محله: ما إذا كانا قريبًا من التكافؤ، فإن قطع بأن أحدهما غالب .. فليس بقمار، وإليه أشار الرافعي بقوله: وكان كل واحد منهما بين أن يغلب .. فيغنم، أو يغلب .. فيغرم (4)، وأسقطه في " الروضة ".

وقد يفهم الجواز إذا شرط المال من أحدهما، وليس كذلك؛ فإنه وإن لم يكن قمارًا .. لا يحل أخذ المال؛ لعدم صحة العقد كما جزم به في " أصل الروضة " في المسابقة، فإن أخذه .. ففي " تعليق الشيخ أبي حامد ": أنه ترد شهادته، وفي " الكافي " للروياني: أنه خطأ بتأويل، فلا ترد به الشهادة إلا إن أخذه قهرًا.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والمعتمد ما قاله الشيخ أبو حامد.

6115 -

قوله: (ويكره الغناء بلا آلة)(5) حمله شيخنا في " تصحيح المنهاج " على من اتخذه صناعة دون من غنَّى لطرب، وقال: إن الشافعي لم يذكر الكراهة إلا في تلك الحالة؛ فالعمل بنصه الموافق للدليل، وإن كان الموجود في التصانيف الإطلاق. انتهى.

(1) إحياء علوم الدين (2/ 283).

(2)

قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 185، 186) المسألة التاسعة.

(3)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(4)

انظر " فتح العزيز "(13/ 11).

(5)

انظر " المنهاج "(ص 568).

ص: 651

وكلام الرافعي في البيع والغصب والصداق يقتضى تحريم الغناء مطلقًا (1)، والقياس في الغناء المضموم للآلة المحرمة: بقاء الكراهة في الغناء وإن أوهمت عبارته خلافه فيه اضطراب، ولا يخفى تحريمه حيث كان السماع من امرأة أجنبية أو أمرد وخشي الفتنة فيهما.

6116 -

قول " الحاوي "[ص 669]: (وسماع شعار الشرب) قد يتناول اليراع، وهو الذي صححه النووي (2)، لكن صحح الرافعي: عدم تحريمه (3)، ومال إليه شيخنا في " تصحيح المنهاج " وقال: لا يثبت التحريم إلا بدليل معتبر، ولم يقم النووي دليلًا على ذلك.

وقال في " التوشيح ": لم يقم عندي دليل على تحريمه مع كثرة التتبع، والذي أراه الحل، فإن انضم إليه محرم .. فلكل منهما حكمه، ثم الأولى عندي لمن ليس من أهل الذوق: الإعراض عنه مطلقًا؛ لأنه قد يجره إلى ما لا ينبغي، وأدناه صرف الوقت فيما غيره أهم منه، وحصول اللذة به، وليست اللذة النفسانية في هذه الدار من المطالب الشرعية، وأما أهل الذوق .. فحالهم مسلم إليهم، وهم على حسب ما يجدون في أنفسهم، ونقل القاضي الحسين عن الجنيد: أنه قال: الناس في السماع على ثلاثة أضرب: العوام، وهو حرام عليهم؛ لبقاء نفوسهم، والزهاد، وهو مباح لهم؛ لحصول مجاهداتهم، والعارفون، وهم مستحب لهم؛ لحياة قلوبهم، وذكر نحوه أبو طالب المكي، وصححه السهروردي في " عوارف المعارف "، والظاهر أن الجنيد لم يرد التحريم الاصطلاحي، وإنما أراد: أنه لا ينبغي، ثم نقل عن والده شعرًا كتبه في جواب استفتاء بشعر، منه:

واعلم بأن الرقص والدف

الذي عنه سألت وقلت في أصوات

فيه خلاف للأئمة قبلنا

سرج الهداية سادة السادات

لكنه لم تأت قط شريعة

طلبته أو جعلته في القربات

والقائلون بحله قالوا به

كسواه من أحوالنا العادات

فمن اصطفاه لدينه متعبدًا

بحضوره فاعْدُدْه في الحسرات

والعارف المشتاق إن هو هزه

وجد فقام يهيم في سكرات

لا لوم يلحقه ويحمد حاله (4)

يا طيب ما يلقى من اللذات (5)

(1) انظر " فتح العزيز "(4/ 30)، (5/ 451).

(2)

انظر " الروضة "(11/ 228).

(3)

انظر " فتح العزيز "(13/ 15).

(4)

في (خ)، (د):(والحمد حالته).

(5)

انظر " طبقات الشافعية الكبرى "(10/ 182).

ص: 652

6117 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (ويجوز دف لعرس وختان) زاد شيخنا في " تصحيح المنهاج " على ذلك فقال: إنه مستحب؛ فإن مدار ما استدلوا به على الجواز على حديث: " أعلنوا النكاح، واضربوا عليه بالدف"(1)، وهو يقتضي زيادة على الجواز.

6118 -

قوله: (وكذا غيرهما في الأصح)(2) استثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من محل الخلاف: ضرب الدف في أمر مهم من قدوم عالم أو سلطان ونحوهما. انتهى.

وظاهر كلامه الجواز ولو انضم إليه اليراع عند من أباحه، وقال ابن الصلاح: اجتماع الدف والشبابة حرام، لم يثبت عن أحد ممن يعتد بقوله حله.

وقال في " التوشيح ": وهو غير موافَق عليه، بل ظاهر قول من يجوز هذه الأشياء منفردة تجويزها مجتمعة، وبه صرح أحمد الغزالي أخو حجة الإسلام، وكان من أئمة العلم والورع، ونقله محمد بن طاهر في تصنيفه في السماع عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي، وصح عن الشيخ عز الدين بن عبد السلام والشيخ تقي الدين بن دقيق العيد، وهما سيدا المتأخرين علمًا وورعًا. انتهى.

ومقتضى كلام الجمهور: أنه لا فرق في حل الدف بين الرجال والنساء، وصرح به السبكي في " الحلبيات "، وضعف قول الحليمي: إن إباحته تختص بالنساء (3).

6119 -

قوله: (ويحرم ضرب الكوبة، وهي: طبل طويل ضيق الوسط)(4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لا نص في تحريمه بخصوصه للشافعي، وإنما ذكره الشيخ أبو محمد وتبعه الغزالي، ولم يرتضه الإمام، والذي نص عليه الشافعي: تحريم طبل اللهو (5)، وقال الخطابي: غلط من قال: الكوبة: الطبل، بل هي: النرد (6)، وذكر مثله ابن الأعرابي والزمخشري، وصححه ابن الأثير في " النهاية "(7).

وعبارة " أصل الروضة ": ولا يحرم من الطبول إلا الطبل الذي يسمى الكوبة (8).

وفي " المهمات ": أن الموجود لأئمة المذهب التحريم فيما عدا الدف، ذهب إليه القاضي

(1) أخرجه الترمذي (1089) وابن ماجه (1895) والبيهقي في " سننه الكبرى "(14476) عن سيدتنا عائشة رضي الله عنها مرفوعًا.

(2)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(3)

قضاء الأرب في أسئلة حلب (ص 199).

(4)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(5)

انظر " نهاية المطلب "(19/ 22، 23).

(6)

انظر " معالم السنن "(4/ 267).

(7)

النهاية في غريب الأثر (4/ 207).

(8)

الروضة (11/ 228).

ص: 653

حسين والبندنيجي والحليمي والماوردي وصاحب " المهذب " والحسين الطبري في " العدة " والروياني والبغوي والخوارزمي والعمراني والسهروردي في " الذخيرة " وابن أبي عصرون ومجلي، ونقله في " الاستقصاء " عن الشيخ أبي حامد. انتهى (1).

6125 -

قوله: (لا الرقص)(2) أي: فليس بحرام، واختلف فيه، فقال القفال: مكروه، وقال الأستاذ أبو منصور: إن تكلفه على الإيقاع مكروه، وقال الفوراني والغزالي: مباح، وهو مقتضى كلام الشيخ أبي على (3) والحليمي، وأشار القاضي حسين في " تعليقه " والغزالي في " الإحياء " إلى أنه إن كان من أهل الأحوال الذين يقومون بوجد .. فيباح لهم ويكره لغيرهم (4)، وصرح به الأستاذ أبو منصور، وجزم الجاجرمي في " الكفاية " بالتحريم إذا كان كثيرًا، ذكره كله في " المهمات ".

واعتمد شيخنا في " تصحيح المنهاج " كلام الجاجرمي في التحريم مع الكثرة بحيث يخل بالمروءة، وقال: لا يلزم من ذكر " المنهاج " بعده من مسقطات المروءة إدامة الرقص تحريمه، وقال: لا حاجة لاستثناء أصحاب الأحوال؛ لأنه ليس بالاختيار، فلا يوصف بإباحة ولا غيرها.

6121 -

قوله: (إلا أن يكون فيه تكسر كفعل المخنث)(5) أي: فيحرم على الرجال والنساء، حكاه في " أصل الروضة " عن الحليمي، وأقره (6)، وفي " المهمات ": أن عبارة الحليمي: إن لم يكن فيه تثن وتكسر .. فلا بأس به، ولا يلزم (7) منه التحريم مع التثني؛ فقد يكون مكروهًا، وبه صرح الشيخ أبو على كما حكاه عنه ابن أبي الدم.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن كان التحريم للتشبه بالمخنث المتشبه بالنساء .. فإنما يحرم على الرجال؛ للعن المتشبهين من الرجال بالنساء، ولا يحرم على المرأة؛ فإنه لا دليل يقتضي التحريم.

6122 -

قوله: (ويباح قول الشعر وإنشاده)(8) ذكر الماوردي أنه يستحب منه نوعان: ما حذر من الآخرة، وما حث على مكارم الأخلاق (9).

(1) انظر " حاشية الرملي "(4/ 345).

(2)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(3)

في (ج): (وهو الشيخ شهاب الدين).

(4)

إحياء علوم الدين (2/ 304، 305)، وفي النسخ:(ويكره لهم)، ولعل الصواب ما أثبتناه، والله أعلم.

(5)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(6)

الروضة (11/ 229).

(7)

في النسخ: (وإلا يلزم)، ولعل الصواب ما أثبتناه، والله أعلم.

(8)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(9)

انظر " الحاوي الكبير "(17/ 209).

ص: 654

6123 -

قوله: (إلا أن يهجو، أو يفحش، أو يُعَرِّض بامرأة معينة)(1) فيه أمور:

أحدها: أن ظاهره تحريم الهجو ولو كان صادقًا، وبه قال الروياني، لكن شاحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في ذلك وقال: إنما قال الروياني: رد الشهادة، ولا يلزم من رد الشهادة التحريم؛ فقد يكون لخرم المروءة، وفيه نظر، فلا خرم مروءة في ذلك، وإنما السبب التحريم، قال شيخنا: ومقتضى نص الشافعي في أن الشعر كلام حسنه كحسنه وقبيحه كقبيحه (2): أنه لا يحرم الهجو إذا كان صادقًا حيث لا يحرم الكلام بذلك، فإن كان فيه إشاعة فاحشة .. فهو حرام. انتهى.

قال الرافعي: ويشبه أن يكون التعريض هجوًا كالتصريح (3)، وجزم به في " الشرح الصغير "، وقال ابن كج: ليس التعريض هجوًا، وليس إثم حاكيه كإثم منشئه.

ثانيها: يستثنى: هجو الكفار، فيجوز كما صرح به الروياني وغيره، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": نص " الأم " يقتضيه، وصرح الشيخ أبو حامد بأنه مندوب إليه.

والمبتدع؛ ففي " الإحياء " أنه مباح (4)، قال في " المهمات ": والقياس في الفاسق المتظاهر كذلك، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح: تحريمه، إلا لقصد زجره؛ فإنه قد يتوب وتبقى عليه وصمة الشعر السائر.

ثالثها: محل تحريم التعريض بمعينة: ما إذا لم تكن حليلته، فإن كانت زوجته أو جاريته .. ففيه وجهان:

أحدهما: يجوز ولا ترد شهادته، فعلى هذا: إذا لم تكن معينة .. لا ترد شهادته؛ لاحتمال إرادة من تحل له، وأصحهما: رد شهادته إذا ذكرها بما حقه الإخفاء؛ لسقوط مروءته، كذا في " أصل الروضة "(5).

وقال في " المهمات ": نص الشافعي على خلافه صريحًا، فقال:(ومن شبب فلم يسم أحدًا .. لم ترد شهادته؛ لأنه يمكن أن يشبب بامرأته أو جاريته)(6) هذا لفظه، ونقل في " البحر ": عدم الرد عن جمهور الأصحاب، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو محمول على ما إذا لم يظهر منه ما يسقط مروءته من ذكر ما حقه الإخفاء، قال: وقضية هذا: أنه إذا

(1) انظر " المنهاج "(ص 568).

(2)

انظر " الأم "(6/ 207).

(3)

انظر " فتح العزيز "(13/ 17).

(4)

إحياء علوم الدين (2/ 282).

(5)

الروضة (11/ 229).

(6)

انظر " الأم "(6/ 207).

ص: 655

وصف أعضاء باطنة مع عدم التعيين .. أنه ترد شهادته؛ لأنه دائر بين ذكر ذلك من أجنبي أو من زوجة وأمة (1)، ويمكن أن يقال: إذا لم يعين وذكر أعضاء باطنة .. فإنه لا ترد شهادته؛ لأنه يحتمل أن تكون زوجته أو أمته، وعند الإبهام لا يكون وصف ذلك خارمًا للمروءة. انتهى.

ولما ذكر في " أصل الروضة ": أن الصحيح الذي عليه الجمهور: أن المدح إذا لم يمكن حمله على المبالغة وكان كذبًا محضًا .. ترد به الشهادة إن كثر، وعن القفال والصيدلاني خلافه؛ لأن الكاذب يوهم الكذب صدقًا، بخلاف الشاعر، فعلى هذا: لا فرق بين قليله وكثيره، قال: وهذا حسن بالغ، وينبغي على قياسه أن التشبيب بالنساء والغلمان بغير تعيين لا يخل بالعدالة وإن كثر منه؛ لأن التشبيب صنعة، وغرض الشاعر تحسين الكلام لا تحقيق المذكور، قال: وكذلك ينبغي أن يكون الحكم لو سمى امرأة لا يُدرى من هي (2).

رابعها: خرج بالمرأة: الغلام، لكن قال الروياني: لو شبب بغلام وذكر أنه يعشقه .. فسق وإن لم يعينه؛ لأن نظره بشهوة حرام، واعتبر في " التهذيب " وغيره فيه التعيين كالمرأة، حكاه عنهما في " أصل الروضة "(3)، وقد عرفت بحث الرافعي المتقدم، والله أعلم.

6124 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (والمروءة: تخلُّقٌ بخلق أمثاله في زمانه ومكانه) قريب من قول " الحاوي "[ص 669]: (تارك غير لائق به)، وعبارة " الروضة ": وهي: التوقي عن الأدناس (4)، وقال الرافعي: قيل: صاحب المروءة هو الذي يصون نفسه عن الأدناس، ولا يشينها عند الناس، وقيل: الذي يتحرز عما يسخر منه ويضحك، وقيل: الذي يسير بسيرة أمثاله في زمانه ومكانه، ولم يرجح شيئًا منها (5).

واعترض شيخنا في " تصحيح المنهاج " على تعريف " المنهاج " بأنه قد يكون خلق أمثاله: حلق اللحى؛ كالقلندرية (6) مع فقد المروءة فيهم، وقد يرتقي عن خلق أمثاله إلى ما هو أعلى منه، فهو ذو مروءة، وأنه يشمل فعل الطاعات واجتناب المحرمات مع أن المروءة زائدة على ذلك، واختار أنها: صون النفس عن تعاطي مباحات أو مكروهات غير لائقة بفاعلها عرفًا، أو دالة على قلة مبالاته بما يهتم به، ثم ذكر أن البيهقي روى بإسناده عن الشافعي أنه قال: المروءة أربعة

(1) في النسخ: (ومن زوجة أو أمة)، ولعل الأولى ما أثبت، والله أعلم.

(2)

الروضة (11/ 229).

(3)

الروضة (11/ 229)، وانظر " التهذيب "(8/ 268).

(4)

الروضة (11/ 232).

(5)

انظر " فتح العزيز "(13/ 21).

(6)

في (ب): (كالقرندلية)، وفي (ج):(كالفريدلية)، ولعل الصواب ما أثبت، والله أعلم.

ص: 656

أركان: حسن الخلق، والسخاء، والتواضع، والنسك (1)، ثم جوز شيخنا حمل ذلك على المروءة التي تعتبر في قبول الشاهد، وحمله على المروءة الكاملة التي يكون بعضها غير قادح في الشهادة، وقسَّم الماوردي المروءة إلى شرط في العدالة، وهو مجانبة ما سخف من الكلام المؤذي أو المضحك، وترك ما قبح من الفعل الذي يلهو به، وغير شرط فيها، وهو الإفضال بالمال والطعام، والمساعدة بالنفس والجاه، ومختلف فيه، وهو أن يقتدي بأهل الصيانة دون أهل البذلة في ملبسه ومأكله وتصرفه؛ فقيل: يعتبر في العدالة، وقيل: لا، وقيل إن نشأ عليها من صغره .. لم تقدح في عدالته، وإلا .. قدحت، وقيل: إن اختصت بالدين .. قدحت، أو بالدنيا .. فلا، فهذه أربعة أوجه.

6125 -

قول " المنهاج " في أمثلة مسقط المروءة [ص 568]: (الأكل في سوق) و" التنبيه "[ص 269]: (ومن يأكل في الأسواق) فيه أمور:

أحدها: أن محله في غير السوقي، كما قاله في " الروضة "(2)، وسبقه إليه القاضي حسين وغيره، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وكذا يستثنى من أكل داخل حانوت مستترًا.

ثانيها: قيده في " الكفاية " بأن يكون بنصب مائدة، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولم أجد ذلك في كلام غيره، ولا فرق بين نصب مائدة وغيره قاعدًا كان أو قائمًا أو ماشيًا أو راكبًا؛ لأنه خلاف عادة المروءة.

ثالثها: مقتضى عبارة " المنهاج ": سقوطها بمرة واحدة، ولا سيما وقد قال بعد ذلك [ص 568]:(وإكثار حكايات مضحكة)، وقد يقال: عبارة " التنبيه " تقتضي تكرر ذلك واعتياده، وقال شيخنا ابن النقيب: فيه نظر (3).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي يعتمد في ذلك أنه لا بد من تكرره تكررًا دالًا على قلة المبالاة، وقد قال الشافعي رضي الله عنه:(فإذا كان الأغلب على الرجل الأظهر من أمره الطاعة والمروءة .. قبلت شهادته)(4).

رابعها: عبارة " الوسيط ": الأكل في الطريق (5)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو القياس إذا كان الطريق مطروقًا؛ فإن المعنى الذي في السوق موجود هنا.

(1) انظر " سنن البيهقي الكبرى "(10/ 195، 20601).

(2)

الروضة (11/ 232).

(3)

انظر " السراج على نكت المنهاج "(8/ 259).

(4)

انظر " الأم "(7/ 53).

(5)

الوسيط (7/ 353).

ص: 657

خامسها: خرج بالأكل: الشرب، وفي " أصل الروضة " التسوية بينهما، إلا أن يشرب لغلبة عطش (1).

6126 -

قول " المنهاج "[ص 568]: (والمشي مكشوف الرأس) عبارة " أصل الروضة ": المشي في السوق مكشوف الرأس والبدن إذا لم يكن ممن يليق به مثله (2)، وكان ينبغي أن يقول:(أو البدن) لأن أحدهما كان كاف، والمراد: غير العورة؛ فإن ذلك من المحرمات.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الوقوف مكشوف الرأس في السوق أو الطريق أو ببابه ونحو ذلك بحيث لا يليق به كذلك.

6127 -

قوله: (وقبلة زوجة أو أمة بحضرة الناس)(3) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": المراد: الناس الذين يستحي منهم في ذلك، والتقبيل الذي يستحي من إظهاره، فلو قبل زوجته بحضرة جواريه أو بحضرة زوجات له غيرها .. فإن ذلك لا يعد من ترك المروءة، وما يعتاد من تقبيل العروس ليلة جلائها في عدِّه من ترك المروءة توقف؛ لأن اعتياد ذلك أخرجه عن مقام الاستحياء، وأما تقبيل الرأس ونحوه .. فلا يخل بالمروءة انتهى (4).

وقرن بذلك في " أصل الروضة ": أن يحكي ما جرى بينهما في الخلوة (5)، وكذا صرح في " المنهاج " بكراهته، لكن في " شرح مسلم ": أنه حرام (6).

6128 -

قوله: (وإكثار حكايات مضحكة)(7) يقتضي أن ما عداه لا يتقيد بالإكثار، وفيه ما تقدم.

6129 -

قوله: (ولبس فقيه قباء وقلنسوة حيث لا يعتاد)(8) قيده في " أصل الروضة " بأن يتردد فيهما (9)، ومقتضاه: أن لبسهما في البيت ليس كذلك.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهذا إذا كان لا ينتابه الناس في بيته وهو على هذه الحالة، وإلا .. فهو كالتردد في البلد، قال شيخنا: فلو اعتاد ذلك في بلده وجاء إلى بلد لا يعتاد ذلك فيها .. فهل يتبع عادة البلد المنتقل إليها أو يترك على سجيته؟ الثاني أظهر، قال: وعلى

(1) الروضة (11/ 232).

(2)

الروضة (11/ 232).

(3)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(4)

انظر " حاشية الرملي "(4/ 347).

(5)

الروضة (11/ 232).

(6)

شرح مسلم (8/ 10).

(7)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(8)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(9)

الروضة (11/ 232).

ص: 658

هذا: فينبغي أن يقال: حيث لا يعتاد لمن لم يعتده في بلده (1).

6130 -

قوله: (وإكباب على لعب شطرنج)(2) و" الحاوي "[ص 669]: (من إدامة لعب الشطرنج)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا مخالف لظواهر نصوص الشافعي، ولطريقة العراقيين، وللمعتمد في الدليل إذا سلم من ارتكاب كبيرة وإصرار على صغيرة، ولا يقوم عليه دليل، والأصح: أن الشهادة لا ترد بمجرد هذا، فإن أخل بالمروءة، كلعب به على طريق ونحوه .. التحق بتارك المروءة.

قلت: وكذا ذكره " التنبيه " في مسقطات المروءة كما سيأتي (3).

6131 -

قول " التنبيه "[ص 269]: (والذي يلعب بالحمام) أي: بالتطيير والمسابقة.

يقتضي رد شهادته مطلقًا، لكن قيده " الحاوي " بالإدامة (4)، وكذا في " أصل الروضة " فقال: فمن داوم على اللعب بالشطرنج والحمام .. ردت شهادته وإن لم يقترن به ما يوجب التحريم، لما فيه من ترك المروءة (5)، لكنه قال قبله بيسير: الصحيح: أنه مكروه، ولا ترد الشهادة بمجرده، فإن انضم إليه قمار ونحوه .. ردت (6).

واعتمد شيخنا الإسنوي هذا الثاني المذكور في " الروضة " أولًا، واقتصر عليه في " تنقيحه " وقال في " تصحيحه ": الأصح: قبول شهادة من يلعب بالحمام على عكس ما في " التنبيه ". انتهى (7).

وقد يقال: تعبير " التنبيه " يدل على الاعتياد والمداومة كما تقدم فيمن يأكل في الأسواق.

6132 -

قول " التنبيه "[ص 269]: (ولا تقبل ممن لا مروءة له، كالكناس، والنخال، والقمام، والقيم في الحمام، والذي يلعب بالحمام، والقوال، والرقاص، والمشعوذ، ومن يأكل في الأسواق، ويمد [رجله] (8) عند الناس، ومن يلعب بالشطرنج على الطريق) ثم قال:(وأما أصحاب المكاسب الدنيئة؛ كالحارس والحائك والحجام .. فقد قيل: تقبل شهادتهم إذا حسنت طريقتهم في الدين، وقيل: لا تقبل، والأول أصح) فيه أمران:

(1) انظر " حاشة الرملي "(4/ 347).

(2)

انظر " المنهاج "(ص 568).

(3)

التنبيه (ص 269).

(4)

الحاوي (ص 669).

(5)

الروضة (11/ 230).

(6)

الروضة (11/ 227).

(7)

تذكرة النبيه (3/ 526).

(8)

في (ب): (رجليه).

ص: 659

أحدهما: أنه أخرج الكناس والمذكورين معه أولًا عن أصحاب الحرف الدنيئة، والمنقول في الأربعة المذكورين أولًا: أنهم من أهل الحرف الدنيئة، وممن صرح بذلك هو في " المهذب "(1)، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 569]:(وحرفة دنيئة كحجامة وكنس ودبغ) فسوّى بين الكناس والحجام.

ثانيهما: أنه أطلق محل الخلاف في أصحاب المكاسب الدنيئة، وكذا فعل الجمهور، وقال الغزالي: الوجهان في أصحاب الحرف هما فيمن يليق به وكان ذلك صنعة آبائه، فأما غيره فتسقط مروءته بها (2)، قال الرافعي: وهذا حسن، ومقتضاه: أن يقال: الإسكاف والقصاب إذا اشتغلا بالكنس .. بطلت مروءتهما، بخلاف العكس (3)، وعليه مشى " المنهاج " فقيد رد شهادة ذي الحرفة الدنيئة بأن لا يليق به، ثم قال:(فإن اعتادها وكانت حرفة أبيه .. فلا في الأصح)(4)، وكذا في " الشرح الصغير "، وعلى ذلك يحمل إطلاق " الحاوي " في عد مسقط المروءة وحرف دنيئة.

لكن قال النووي في " الروضة ": لم يتعرض الجمهور لهذا القيد، وينبغي أن لا يقيد بصنعة آبائه، بل ينظر هل يليق به هو أم لا (5).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أنه لا خلاف في رد شهادة من لم يعتدها ولا كانت حرفة أبيه، وهذا لا يعرف في كلام أحد من الأصحاب في الطريقين إلا في " الوسيط " و" الوجيز "(6)، ثم بسط ذلك، وقال قبل ذلك: الخياطة ليست حرفة دنيئة قطعًا، والحرفة التي فيها مخامرة النجاسة دنيئة قطعًا، وما بينهما فيه التردد، لكن ترجح في الصباغ والصواغ القطع بالقبول، وفي الحائك إجراء الخلاف، والأرجح عندي: القطع فيه بالقبول أيضًا، وكذا الأرجح في النحال: قبول شهادته خلافًا لمن قطع بردها كـ " التنبيه "، ولا يظهر فيه ما يقتضي رد شهادته ولا دناءة حرفته. انتهى.

وقول " التنبيه ": (والقوال) موافق لنقل الرافعي من مسقطات المروءة الاكتساب بالشعر والغناء ثم قال: وقد يقال: إذا استمرت العادة أن الشاعر يكتسب بشعره والمغني يتخذ صنعة الغناء حرفة ومكسبًا .. فالاشتغال به ممن يليق بحاله لا يكون تركًا للمروءة، وكلام الأصحاب محمول

(1) المهذب (2/ 325).

(2)

انظر " الوسيط "(7/ 353).

(3)

انظر " فتح العزيز "(13/ 22).

(4)

المنهاج (ص 569).

(5)

الروضة (11/ 233).

(6)

الوسيط (7/ 353)، الوجيز (2/ 248).

ص: 660

على من لا يليق به، قال: وقد رأيت ما ذكرته في الشاعر يكتسب بشعره لابن القاص (1).

قول " الحاوي " في مسقط المروءة عطفًا على ما اعتبر فيه الإدامة وسماع الغناء والدف [ص 669]: (وبصنج) أراد بالصنج: الجلاجل؛ أي: أن سماع الدف ولو كان فيه جلاجل ليس بحرام، لكن إدامته تسقط المروءة، فلا ينافي ذلك عد الرافعي الصنج في المحرمات التي هي من شعار شاربي الخمر (2)؛ لأن مراده به: ذو الأوتار الذي يختص به العجم.

6133 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (والتهمة: أن يجر إليه نفعًا أو يدفع عنه ضرًا) فيه أمران:

أحدهما: كان ينبغي أن يقول: (إلى نفسه، أو يدفع عن نفسه) فإنك لو قلت: جر زيد إليه .. كان ركيكًا؛ لأنه يصير التقدير: جر زيد إلى زيد، وزيد هو الاسم، وجر النفع ليس للاسم، إنما هو للمسمى، وينضم إليه احتمال عود الضمير لغيره.

ثانيهما: كذا لو جر إلى أصله أو فرعه، أو دفع عن أصله أو فرعه كما لو شهد للأصيل الذي ضمنه ابنه بالأداء أو الإبراء، ولا يقال: سيأتي أنها لا تقبل لأصل ولا فرع؛ لأن ذاك فيما شهد لهما به مقصودًا، وهنا ليس كذلك، وقد سلم " الحاوي " من الأمرين بقوله [ص 669]:(غير متهم بجر ودفع) و" التنبيه " من الأول بقوله [ص 269، 270]: (ولا تقبل شهادة الجار إلى نفسه نفعًا ولا الدافع ضررًا).

6134 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (فترد شهادته لعبده) أي: المأذون، كما قيده في " المحرر " و" الروضة " وأصلها؛ لأنه متى لم يكن مأذونًا .. كانت شهادة لنفسه (3).

واستثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من ذلك: شهادته له على شخص بأنه قذفه .. فتقبل، قاله تخريجًا، قال: ولو شهد لعبده بأن زوجته تسلمت منه الصداق من كسبه في أيام بائعه أو مشتريه، وقلنا: إنه يعود للبائع كله بالفسخ قبل الدخول أو شطره بالطلاق قبل الدخول وهو الأصح في أيام بائعه خلافًا للمصحح في " أصل الروضة " في الصداق .. فتقبل؛ لأن النفع لا ينجر للمشتري بل للبائع، قال: والعبد الموصَى بإعتاقه إذا قلنا: يكون كسبه قبل الإعتاق له دون الوارث لو شهد له الوارث على شخص استوفى منفعته مدة .. قبلت وإن كان عبده؛ لأنه لا يجر إلى نفسه نفعًا، ولو استلحق عبده لقيطًا وقلنا: لا يصح استلحاقه، فشهد له مالكه .. قبلت؛ لأنه لا يجر إليه نفعًا، ولو قذف عبذ زوجته بزنا فشهد مالكه بذلك مع غيره .. ففيه تردد، والأرجح: أنها

(1) انظر " فتح العزيز "(13/ 18).

(2)

انظر " فتح العزيز "(13/ 15).

(3)

المحرر (ص 497)، فتح العزيز (13/ 23)، الروضة (11/ 234).

ص: 661

لا تقبل؛ لأنه يدفع الحد عن عبده، فيجر لنفسه نفعًا. انتهى (1).

6135 -

قول " التنبيه " في أمثلة ذلك [ص 269]: (وشهادة الغرماء للمفلس بالمال) محله: ما إذا كان بعد الحجر كما قيدها المنهاج " (2)، وأجاب عنه في " التوشيح ": بأن المفلس في اصطلاح الفقهاء: من حجر عليه.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ظاهره تخصيصه بما إذا كان للشاهد دين موجود؛ لأنه الغريم حقيقة، فلو استوفى الدين لحدوث مال المفلس أو جوزنا الحجر بالدين المساوي للمال .. قبلت شهادته، قال: وقد يمنع؛ لاحتمال ظهور غريم، قال: والتقييد بحجر الفلس يخرج حجر السفه والمرض ونحوهما، لكن المرتد يقضي ديونه من ماله على الأقوال كلها، فلو شهد غريم المرتد له بمال .. لم تقبل شهادته؛ لأن حاله أشد من المفلس، وهو قريب من الميت.

6136 -

قول " التنبيه "[ص 269، 270]: (والوكيل للموكل) أي: بما هو وكيل فيه كما قيده به " المنهاج "(3)، ولو عبر بقوله:(فيما هو وكيل فيه) كما فعل في "المحرر" و"أصل الروضة "(4) .. لكان أولى؛ ليتناول من وكل في شيء بخصومة أو تعاطي عقد فيه أو حفظه أو نحو ذلك .. فإنه لا تقبل شهادته لموكله في ذلك؛ لأنه يجر لنفسه نفعًا باستيفاء ماله في ذلك من التصرف، وإن لم يشهد بنفس ما وكل فيه، وقد يفهم من كلامهما القبول فيما إذا عزل نفسه، ومحله: ما إذا لم يخاصم، فإن خاصم ثم عزل نفسه وشهد .. لم تقبل، وفي " أصل الروضة " في الوكالة عن " النهاية " من غير مخالفة: أن وكيل المدعى عليه لا تقبل تزكيته لبينة المدعي؛ لأنها كالإقرار في قطعها للخصومة، وليس للوكيل ذلك (5).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو عندي متعقب؛ لعدم النفع والضر، فردها لا وجه له، ومجرد التعديل لا يقطع الخصومة؛ لما يقوم بعده من الدوافع. انتهى.

وذكر " التنبيه " مع شهادة الوكيل: شهادة الوصي لليتيم (6)، وفي معناه: قيم الحاكم، والمراد: الشهادة في محل التصرف.

6137 -

قول " المحرر "[ص 497]: (والضامن للأصيل بالإبراء أو الأداء) أحسن من قول " المنهاج "[ص 569]: (وببراءة من ضمنه) لاحتمال شهادة الأصيل ببراءة من ضمنه، وهي

(1) انظر " حاشية الرملي "(4/ 349).

(2)

المنهاج (ص 569).

(3)

المنهاج (ص 569).

(4)

المحرر (ص 497)، الروضة (11/ 234).

(5)

الروضة (4/ 321)، وانظر " نهاية المطلب "(7/ 37).

(6)

التنبيه (ص 269).

ص: 662

مقبولة، والممنوعة إنما هي شهادة الضامن ببراءة مضمونه الذي هو الأصيل ولإسقاطه الأداء، وفي معنى ذلك: من ضمنه عبده، أو مكاتبه، أو غريم له ميت، أو محجور عليه بفلس، ومن ضمنه أصله أو فرعه.

6138 -

قول " المنهاج "[ص 569] و" الحاوي "[ص 670]: (وبجراحة مورثه) أي: قبل الاندمال، كما صرح به " المنهاج " في دعوى الدم (1)، وصرح به " التنبيه " هنا (2)، وفي معنى المندملة: ما إذا كانت بحيث لا تسري إلى النفس، وفي كلامهم أمور:

أحدها: محله: فيما إذا كان وارثًا عند الشهادة، وإليه أشار " الحاوي " بقوله [ص 670]:(لداها) فإن كان محجوبًا .. قبلت، ولا يضر زوال الحجب وارثه بعد الحكم.

ثانيها: لو قالوا: (إن فلانًا جرح مورثه) كما في " المحرر "(3) .. لكان أولى؛ فقد يشهد بجراحة مورثه على غير معين؛ لإيقاع عتق أو طلاق أو غير ذلك من قيام عذر للمجروح في ترك حضور وظيفة أو مجلس حكم .. فتقبل شهادته.

ثالثها: قال ابن أبي عصرون: لو كان على المجروح دين يستغرق أرش الجراحة .. قبلت شهادة وارثه بها؛ لانتفاء التهمة، قال في " المهمات ": وفيه نظر؛ لأن الدين لا يمنع الإرث، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه مردود، قال: ولو كان المجروح عبدًا ثم أعتقه سيده بعد الجرح، فادعى السيد بالجرح على الجارح، وأنه هو المستحق لأرشه؛ لأنه كان في ملكه فشهد له وارث المجروح .. فإنه تقبل شهادته، لعدم المعنى المقتضي للرد، قال: ولم أر من تعرض لهذه الصورة.

6139 -

قول " التنبيه "[ص 270]: (وإن شهد الوارث للمورث في المرض - أي: بمال - .. لم تقبل، وقيل: تقبل) الأصح: القبول، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 670]:(لا بمال)، و" المنهاج " فقال [ص 569]:(ولو شهد لمورث له مريض أو جريح بمال قبل الاندمال .. قبلت على الأصح) وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه مشكل؛ فإن الجراحة القائمة التي من شأنها أن تسري إلى النفس مانعة من قبول الشهادة بها، فكذلك ينبغي أن تكون مانعة من قبول الشهادة بمال غير أرشها؛ لاشتراكهما في التهمة، وليست الشهادة بالجرح المذكور أقوى من الشهادة بالمال للمجروح المذكور، بل الشهادة بالمال ناجزة بخلاف الجرح. انتهى.

وعلى الأصح: لو مات المشهود له؛ إن كان بعد الحكم .. أخذ الوارث المال، وقبله ..

(1) المنهاج (ص 497).

(2)

التنبيه (ص 269).

(3)

المحرر (ص 497).

ص: 663

فلا، ذكره البغوي في " فتاويه "، وتقدم نظيره، وأطلق " التنبيه " و" المنهاج " محل الخلاف، ومحله: أن يكون في مرض الموت، كما قيده به " المنهاج " في دعوى الدم (1)، ووقع في " شرح ابن يونس " بعد قول " التنبيه ":(في المرض) زيادة: (ثم برأ)، وليست في " الكفاية "، واعترض صاحب " التنويه " على إثباتها؛ بأنه لا فرق بين أن يبرأ من ذلك المرض أو لا، قال: ولم يذكره في " المهذب " ولا مشاهير الكتب. انتهى.

وكان "المنهاج " غنيًا عن ذكر هذه المسألة والتي قبلها؛ لتقدمهما في دعوى الدم أبسط وأصوب.

6140 -

قولهما - والعبارة لـ " التنبيه " -: (ولا تقبل شهادة الدافع عن نفسه ضررًا؛ كشهادة العاقلة على شهود القتل بالفسق)(2) محله: ما إذا كان غير عمد بحيث تحمله العاقلة؛ ولهذا قال " الحاوي "[ص 670]: (والعاقلة بفسق شهود الخطأ) ومثله شبه العمد، وقد عبر " المنهاج " في دعوى الدم بعبارة شاملة، فقال [ص 497]:(بفسق شهود قتل يحملونه)، ومع ذلك فأورد عليه: أنهم لو كانوا فقراء .. لم يحملوه، ومع ذلك فلا تقبل شهادتهم بذلك كما نص عليه، ونص في الأباعد على السماع، والأصح: تقريرهما؛ لأن الغني غير مستبعد، بخلاف موت القريب؛ ولهذا قال " الحاوي " [ص 670]:(ولو فقراء لا أباعد).

6141 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (وغرماء مفلس بفسق شهود دين آخر) استثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما إذا كان للغريم الشاهد رهن بدينه ولا مال للمفلس غيره، أو له مال ويقطع بأن الرهن يوفي الدين المرهون به .. فتقبل؛ لفقد ضرر المزاحمة، قال: ولم أر من تعرض له، والقواعد تقتضيه (3).

6142 -

قوله: (ولو شهدا لاثنين بوصية فشهدا للشاهدين بوصية من تلك التركة .. قبلت الشهادتان في الأصح)(4) عبر في " الروضة " بالصحيح (5).

6143 -

قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ولا تقبل لأصل ولا فرع)(6) محله: ما إذا لم يكن ضمنيًا؛ كأن ادعى شخص شراء عبد في يد زيد من عمرو بعد ما اشتراه عمرو من زيد وشهد له أبناء زيد .. فالأظهر في " أصل الروضة ": القبول (7).

(1) المنهاج (ص 497).

(2)

انظر " التنبيه "(ص 270)، و" الحاوي "(ص 670)، و " المنهاج "(ص 569).

(3)

انظر " حاشية الرملي "(4/ 350).

(4)

انظر " المنهاج "(ص 569).

(5)

الروضة (11/ 236).

(6)

انظر " التنبيه "(ص 269)، و" الحاوي "(ص 671)، و " المنهاج "(ص 569).

(7)

الروضة (11/ 2356).

ص: 664

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولا يحتاج عندي لهذا التصوير، بل لو ادعى على زيد أنه باعه فشهد ابناه .. قبلت شهادتهما.

ولا عامًا؛ كأن ادعى السلطان على شخص بمال لبيت المال فشهد بذلك فرعه أو أصله .. قبلت، قاله الماوردي.

ولا مما يقبل فيه قول الفرع أو الأصل؛ كما إذا ادعى أن زيدًا وكله فشهد له بذلك أصله أو فزعه .. فتقبل وفاقًا لابن الصباغ خلافًا للشيخ أبي حامد، وذكر شيخنا: أن القبول أرجح.

6144 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (وتقبل عليهما) لا يخفى أن محله: إذا لم يكن مع كونها عليهما لأصل أو فرع؛ كأن يشهد لأحد ابنيه على الآخر بمال، لكن في " فتاوى القاضي حسين ": لو أتت زوجة رجل بولد فنفاه فشهد أبوه مع أجنبي أنه أقر أنه ولده .. يحتمل وجهين، والأصح: القبول، احتياطًا للنسب؛ ولأنه شهد على ابنه وإن كان في ضمنه الشهادة لحفيده.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والظاهر أن صورته بعد دعوى، فقبلها ينبغي قبوله قطعًا إذا قبلنا شهادة الحسبة في النسب، وهو المذهب. انتهى.

ولو شهد على أبيه أنه طلق أمه؛ فإن كان قبل دعواها .. قبلت، وإلا .. فلا، كما في " أصل الروضة "(1).

6145 -

قول " التنبيه "[ص 269]: (ولو شهد على أبيه أنه طلق ضرة أمه أو قذفها .. ففيه قولان، أحدهما: تقبل شهادته، والثاني: لا تقبل) الأظهر: القبول، وعليه مشى " المنهاج "(2)، وأطلقا الخلاف، ومحله: أن تكون أمه تحت أبيه، فإن لم تكن تحته .. قبلت قطعًا، ورجح شيخنا في " تصحيح المنهاج " في صورة القذف: القطع بالقبول على الجديد، وإن جرى في صورة الطلاق على الجديد .. قولان.

6146 -

قول " التنبيه "[ص 270]: (وإن جمع في الشهادة بين ما يقبل وما لا يقبل .. ففيه قولان، أحدهما: ترد في الجميع، والثاني: تقبل في أحدهما دون الآخر) الأظهر: الثاني، وعليه مشى " المنهاج " فقال [ص 569]:(وإذا شهد لفرع وأجنبي .. قبلت للأجنبي في الأظهر)، وعبارة " الروضة ": في الأصح أو الأظهر (3).

قال شيخنا في "تصحيح المنهاج ": ومحل هذا: ما إذا لم يكن في مشترك بحيث ينفرد الأجنبي بما شهد له به، فأما في مشترك لا ينفرد الأجنبي بشيء منه، كالإرث .. فلا تقبل فيه الشهادة للأجنبي أيضًا. انتهى.

(1) الروضة (11/ 236).

(2)

المنهاج (ص 569).

(3)

الروضة (11/ 237).

ص: 665

ويرد على إطلاق " التنبيه ": ما إذا قال: قذفني وفلانًا .. فالصحيح في " الكفاية ": منع طرد القولين في هذه الصورة للعداوة، بل ترد في الجميع.

6147 -

قول " التنبيه "[ص 270]: (وتقبل شهادة الزوج لزوجته) يفهم منع شهادتها له، وهو وجه، الأصح: خلافه؛ ولذلك قال " المنهاج "[ص 569]: (وتقبل لكل من الزوجين) ويستثنى منه: ما إذا شهد لزوجته بأن فلانًا قذفها على أحد وجهين، ذكرهما في " النهاية "، وأشعر كلامه بترجيحه.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو الأرجح، وقد يفهم منع قبول شهادة أحدهما على الآخر، وليس كذلك، إلا إذا شهد عليها بالزنا .. فلا تقبل، وقد صرح به " التنبيه " و" الحاوي ".

6148 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (ولأخ) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله ما إذا لم يشهد له بالنسب على المنكر من الورثة، فإن شهد بذلك .. فالأرجح: أنه لا تقبل شهادته؛ لأن فيها الشهادة لنفسه بنسب المشهود له، قال: وفي " تعليق الشيخ أبي حامد " ما يخالف ذلك، وفي زيادة " الروضة " في آخر الإقرار بالنسب عن القاضي أبي الطيب من غير مخالفة قبول شهادة الأخوين على المنكِر بأخوة رابع؛ لأن فيها ضررًا عليهما؛ فشهادتهما أولى من شهادة الأجنبيين (1)، قال شيخنا: وهو مردود بما إذا شهد ابنان من الورثة بزوجية أمهما وبقية الورثة منكرون .. فإنه لا تقبل شهادتهما لأمهما وإن كان فيها ضرر عليهما، كذلك لا تقبل شهادتهما لنفسهما بالأخوة وإن كان في ذلك ضرر عليهما.

6149 -

قولهم - والعبارة لـ " التنبيه " -: (ولا تقبل شهادة العدو على عدوه)(2) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أن محل رد الشهادة: ظهور العداوة، وليس كذلك، بل ما دل على العداوة من المخاصمة ونحوها كاف في ذلك كما نص عليه في " مختصر المزني " فقال في كتاب الشهادات:(لا تجوز شهادته على خصمه؛ لأن الخصومة موضع عداوة)(3).

6150 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (وهو من يبغضه بحيث يتمنى زوال نعمته، وبحزن بسروره، ويفرح بمصيبته) فيه أمور:

أحدها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ذكر البغض ليس في " المحرر " و" الروضة " وأصلها، ولم يذكره أحد من الأصحاب، ولا معنى لذكره في هذا الموضع؛ لأن العداوة غير البغضاء، قال الله تعالى:{وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ} ، والفرق بينهما: أن البغضاء

(1) الروضة (4/ 425).

(2)

انظر " التنبيه "(ص 270)، و" الحاوي "(ص 670)، و" المنهاج "(ص 569).

(3)

مختصر المزني (ص 310).

ص: 666

بالقلب، والعداوة بالفعل، وهي أغلظ، فلا يفسر الأغلظ بالأخف.

ثانيها: قال شيخنا أيضًا: تمني زوال نعمته ليس تفسيرًا لعداوة، وإنما هو الحسد، وهو حرام، وقد ينتهي الحال فيه إلى الفسق، والكلام في عداوة لا يفسق بها.

قلت: ولذلك لم يذكر " الحاوي " البغض ولا تمني زوال النعمة، بل اقتصر على الفرح بحزنه والحزن بفرحه (1).

ثالثها: ذكر شيخنا المذكور أيضًا: أن تعريف العداوة بالحزن بسروره، والفرح بمعصيته، ذكره القاضي حسين والإمام والغزالي (2)، وهو مخالف لمقتضى نصوص الشافعي وكلام أصحابه. انتهى.

واعلم: أنه يرد على إطلاق " التنبيه " و" الحاوي ": أن العداوة التي ترد بها الشهادة هي الدنيوية لا الدينية، وقد أشار بذلك " المنهاج " بقوله [ص 569]:(وتقبل له، وكذا عليه في عداوة دين ككافر ومبتدع).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضى كلامه: عدم قبول شهادة المبتدع على السني؛ كشهادة الكافر على المسلم، وليس كذلك، بل تقبل على السني إذا لم يكفر ببدعته، ولم يستحل الشهادة لموافقه بما لا يعلمه، ولا أن ينال من بدن مخالفه أو ماله شيئًا يجعل الشهادة بالباطل ذريعة إليه، وقد نص على ذلك الشافعي رضي الله عنه (3).

6151 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (وتقبل شهاده مبتاع لا نُكَفِّره) نص الشافعي رحمه الله على قبولهم إلا الخطابية (4)، أي: إذا شهد الواحد منهم لمثله كما صرح به الرافعي في قتال البغاة (5)، وهم قوم يجوزون الشهادة لصاحبهم إذا سمعوه يقول: لي على فلان كذا .. فالجمهور أجروا النص على ظاهره، وقبلوا الجميع، حتى من يسب الصحابة، ومنهم من رد شهادة الجميع وتأول هؤلاء النص على المخالفين في الفروع، وجعلوهم أولى بالرد من الفسقة، ومنهم من فرق، فرد أبو إسحاق شهادة من أنكر إمامة أبي بكر دون من فضل عليًا عليه، ورد الجويني شهادة من يسب الصحابة ويقذف عائشة، وعليه جرى الإمام والغزالي والبغوي (6)، واستحسنه الرافعي (7)، وفي " الرقم ": رد شهادة الخوارج، وصوب النووي قول الفرقة الأولى، وهو قبول

(1) الحاوي (ص 669).

(2)

انظر " نهاية المطلب "(19/ 12، 13)، و" الوجيز "(2/ 249).

(3)

انظر " الأم "(4/ 217).

(4)

انظر " مختصر المزني "(ص 258).

(5)

انظر " فتح العزيز "(11/ 82).

(6)

انظر " نهاية المطلب "(19/ 18)، و" الوجيز "(2/ 249)، و" التهذيب "(8/ 269).

(7)

انظر " الروضة "(11/ 240)، و" الأم "(6/ 205).

ص: 667

الجميع؛ يعني: إلا الخطابية، وإلا قاذف عائشة؛ فإنه كافر، وحكى عن النص قبول شهادته ولو استحل الدم والمال.

وهو مخالف لكلام الرافعي في قتال البغاة: أنه ترد شهادة الواحد منهم إذا استحل دماء أهل العدل أو أموالهم، ولو ذكر الخطابي في شهادته ما يقطع الاحتمال فقال: سمعته يقر له بكذا أو رأيته يقرضه .. قبل في الأصح، وعبارة " المنهاج " تدل على انقسام الابتداع إلى مكفر وغيره، والجمهور على عدم تكفير مبتدعي أهل القبلة، لكن اشتهر عن الشافعي تكفير نافي علم الله بالشيء قبل خلقه، قال النووي: ولا شك في كفره، ونقل عنه تكفير نافي رؤية الله تعالى مطلقًا، والقائل بخلق القرآن، وتأوله الإمام بإلزامهم الكفر في مناظرة (1).

قال النووي: فالمختار تأويله، واستحسن تأويل الإمام، وتأوله البيهقي وآخرون (2)، وفي صفة الأئمة من " شرح المهذب " تكفير المجسمة (3).

ومال شيخنا في " تصحيح المنهاج " إلى عدم تأويل تكفير القائل بخلق القرآن، وقال: كيف تؤول الفتوى بالقتل، وإن قيل: يحمل على التهويل لا على الحقيقة .. قلنا: هذا تأويل باطل؛ للتصريح بما يبطله، وقد صرح جمع السلف بعدم الإرث، وعدم حل المناكحة، والتفريق بينه وبين زوجته، ووجوب قتله، وغير ذلك. انتهى.

6152 -

قولهما: (لا مغفل)(4) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه لا يستقيم التعبير به؛ لأن المعنى: غفّله غيره، وما كان تعديه بالتضعيف لا يكون التضعيف فيه دالًا على كثرة ذلك الشيء من الذي وقع عليه هذا الفعل، فلا يناسب المقام، قال: وفي " تفسير ابن عطية " ما يقتضي أن البناء المذكور يقتضي المبالغة، فقال في قوله في البقرة:(مسلَّمة)، أنه بناء مبالغة من السلامة (5)، قال شيخنا أبو حيان: وقاله غير ابن عطية (6)، وليس كما ذكرا؛ لأن التضعيف الذي في مسلّمة ليس لأجل المبالغة، بل هو تضعيف النقل والتعدية، فليس إذًا بناء مبالغة، بل هو المرادف للبناء المعدَّى بالهمزة، وما قاله شيخنا هو الصواب، والذي اعتبره الشافعي في ذلك كثرة الغفلة. انتهى.

6153 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (ولا مبادر) أي: بالشهادة قبل الدعوى، وكذا بعدها

(1) انظر " نهاية المطلب "(19/ 18).

(2)

انظر " الروضة "(11/ 239).

(3)

المجموع (4/ 222).

(4)

انظر " التنبيه "(ص 269)، و " المنهاج "(ص 569).

(5)

المحرر (1/ 164).

(6)

انظر " البحر المحيط "(1/ 422).

ص: 668

وقبل أن يستشهد في الأصح؛ ولذلك قال " الحاوي "[ص 670]: (ومبادرة قبل الطلب) وقد يفهم من " المنهاج " رد شهادة المبادر مطلقًا، وليس كذلك، فالأصح: أنه ليس مجروحًا، فلو أعاد التي بادر فيها بعد الطلب ولو في ذلك المجلس .. قبلت؛ ولذلك صرح " الحاوي " بأنه إذا زال البدار .. قبلت (1).

6154 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (وتقبل شهادة الحسبة في حقوق الله تعالى، وفيما له حق مؤكد) اقتصر " الحاوي " على الثاني (2)؛ لفهم الأول من طريق الأولى؛ ولذلك قيد ذكره في " أصل الروضة "، فحكى عن " الفتاوى " أنه لو شهدا بأن فلانًا أخو فلانة من الرضاع .. لم يكف حتى يقولا: وهو يريد أن ينكحها، وأنه لو شهد اثنان بطلاق وقضى القاضي بشهادتهما ثم شهد آخران بأخوة بين المتناكحين .. لم تقبل هذه الشهادة؛ إذ لا فائدة لها في الحال، ولا عبرة بأنهما قد يتناكحان بعد، وأن الشهادة على أنه أعتق عبده إنما تسمع إذا كان المشهود عليه يسترقه، ثم قال: وهذه الصُوَرُ تفهمك أن شهادة الحسبة إنما تسمع عند الحاجة (3).

ونازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في الصورة الثانية، وقال: الأرجح فيها: قبول الشهادة الآن دفعًا لما يتوهم في المستقبل من إرادة نكاح من كانت زوجته، فتقطع المادة في ذلك بإثبات الأخوّة، وفي الثالثة أيضًا، وقال: لا يتوقف سماعها على الاسترقاق، بل تسمع حيث حصلت فائدة.

6155 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (كطلاق) أي: بلا عوض، أما الخلع .. فأطلق البغوي المنع فيه، وقال الإمام: تسمع في الفراق دون المال، قال: ولا أبعد ثبوته تبعًا، ولا إثبات الفراق دون البينونة، كذا في " أصل الروضة "(4).

قال في " المهمات ": وجزم الخوارزمي أيضًا بمقالة البغوي، والراجح: ما قاله الإمام؛ فقد سبقه إليه القاضي حسين، واختاره في " الوسيط " وغيره، وعليه مشى " الحاوي " فجعل الخلع مما يقبل فيه شهادة الحسبة، لكن في كلامه إيهام ثبوت المال أيضًا (5).

6156 -

قول " المنهاج "[ص 569]: (وكذا النسب على الصحيح) كان ينبغي التعبير بالأصح؛ لقوة مقابله؛ فقد جزم به القاضي حسين وغيره، ومحل الخلاف: ما إذا لم تتعذر الدعوى به من مدّعيه، فإن تعذرت .. ثبت قطعًا، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج ".

(1) الحاوي (ص 670).

(2)

الحاوي (ص 670).

(3)

الروضة (11/ 244، 245).

(4)

الروضة (11/ 243)، وانظر " نهاية المطلب "(19/ 85).

(5)

الحاوي (ص 671).

ص: 669

6157 -

قول " الحاوي "[ص 671]: (لا الوقف) أي: على معين، فإن كان على جهة عامة .. قبلت فيه شهادة الحسبة، وفي " فتاوى البغوي ": لو وقف دارًا على أولاده ثم على الفقراء، فاستولى عليها ورثته وتملكوها، فشهد شاهدان حسبة قبل انقراض أولاده على وقفيته .. قبلت شهادتهما؛ لأن آخره على الفقراء ومما يستغرب قوله في الفتاوى المذكورة: أنه تقبل الشهادة حسبة بالسفه، ويجوز للقاضي أن يحجر عليه في غيبته؛ لأنه يتعلق به حقوق الله تعالى.

6158 -

قولهما - والعبارة لـ " المنهاج " -: (ومتى حكم بشاهدين فبانا كافرين أو عبدين أو صبيين .. نقضه هو وغيره، وكذا فاسقان في الأظهر)(1) فيه أمور:

أحدها: أنه لو بأن أحدهما كذلك .. كان الحكم كذلك، ولا يستثنى منه: ما إذا كان الحق مما يثبت بشاهد ويمين، وحلف يمين الاستظهار، وتبرع بأن تعرض فيها لصدق شاهديه على الأرجح عند شيخنا في " تصحيح المنهاج " من تردد له؛ لأن مستند الحكم لا بد أن يتعين للحاكم، ولم يتعين له أن الشاهد واليمين مستند الحكم.

ثانيها: المراد: أنهما بانا بهذه الصفة عند أداء الشهادة أو عند الحكم، ولا تأثير لذلك بعد الحكم بلا خلاف، وفي " أصل الروضة ": أن لو فسق الشاهدان أو ارتدا بعد الحكم وقبل الاستيفاء .. فهو كرجوع الشاهدين، وهو مردود (2).

ثالثها: لو كان من عقيدة الحاكم الحكم بشهادة العبد أو الكافر إما على مثله أو بالوصية في السفر .. لم ينقض، ذكره في " أصل الروضة " في العبد (3)، وقاس عليه شيخنا في " تصحيح المنهاج " الكافر، ثم حكى عن " البحر " أنه خالف فيه؛ لعدم علم الحاكم بأنه عبد حتى يكون حاكمًا به في محل الخلاف، وقال: لا فرق بين أن يكون الحاكم بقوله ممن يرى قبول قوله أو لا، قال شيخنا: والأرجح: أن عقيدة الحاكم إذا لم يمنع من ذلك .. لا يكون حكمه منقوضًا عنده، وكذا عند غيره إذا لم يكن هناك دليل يقتضي النقض.

رابعها: مقتضاه: الاحتياج إلى نقض، وليس كذلك، وإنما يتبين أن الحكم لم يصادف محلًا، وعبارة " المختصر " الرد، ولم يذكر النقض.

خامسها: حكى الماوردي طريقة القطع بالنقض في الفاسقين عن الجمهور (4)، وصححها شيخنا في " تصحيح المنهاج "، قال: وينبغي النقض قطعًا إذا كان فسقه باعتراف المحكوم له،

(1) انظر " التنبيه "(ص 273)، و " المنهاج "(ص 569).

(2)

الروضة (11/ 251).

(3)

الروضة (11/ 251).

(4)

انظر " الحاوي الكبير "(17/ 250).

ص: 670

واستند القاضي في عدالته إلى علمه، ثم يذكر فسقه، ولو أثبتنا الخلاف في غير هاتين الصورتين، قال: ولم أر من تعرض له.

6159 -

قول " التنبيه "[ص 273]: (ومتى نقض الحكم؛ فإن كان المحكوم به إتلافًا كالقتل والقطع .. ضمنه الإمام) قد يفهم أنه عليه، والأصح: أنه على عاقلته، وقد تقدم ذلك في باب العاقلة، ومحله: إذا لم يقصر في البحث عن حال الشاهدين، فإن قصر في ذلك .. فالضمان عليه، بل رجح الإمام: وجوب القصاص.

6160 -

قولهم: (ولو شهد كافر ثم أعادها بعد كماله .. قبلت)(1) محله في المعلن بكفره، فأما المسر بكفره .. فلا تقبل منه إذا أعادها على الأصح في " أصل الروضة "(2)، وقال في " المطلب ": فيه نظر؛ لأنه إذا ظهر كفره .. يعيّر بإخفاء دينه لا بنفس كفره، والفاسق يعير بفسقه لا بإخفائه، ثم للاجتهاد في الفسق والعدالة أثر لا يظهر مع الإسرار به إلا بالاجتهاد، والكفر والإسلام لا اجتهاد فيه؛ فإن الحاكم إذا جهل ذلك .. استنطقه بالشهادتين.

وتعقبه شيخنا في " تصحيح المنهاج " بأن المسر لكفره إذا ظهر .. يعير بكفره الذي كان عليه من الزندقة، فهو والفاسق في ذلك سواء، وأما استنطاقه بالشهادتين .. فلا يخلص إلا في دفع القتل عنه، لا في مصيره مسلمًا مقبول الشهادة.

6161 -

قولهم - والعبارة لـ " التنبيه ": (ولو شهد الفاسق ثم تاب وأعاد تلك الشهادة .. لم تقبل)(3) محله: ما إذا كان مخفيًا فسقه، أو معلنًا وأصغى القاضي إلى شهادته ثم ردها، فأما إذا لم يُصغ إليها وهو الأصح .. فلا ترد شهادته بها بعد التوبة، وهو مفهوم من قولهم: شهد وأعاد، وألحق شيخنا في " تصحيح المنهاج " بذلك: ما لو كان فسقه مختلفًا فيه، أو كان مع فسقه أهلًا للشهادة عند قوم محكي عنهم قبول شهادة الفاسق الذي لا يكذب، وشهد عند من يرى فسقه أو يرى أنه لا تقبل شهادته وإن كان لا يكذب ولم يحكم برد شهادته، وإنما توقف ليستبرئ حاله ثم تاب وأعاد تلك الشهادة .. فإنها تقبل؛ لأنه لا يدفع عن نفسه عار الكذب، ولا عار الرد؛ لأنه لم يوجد رد. انتهى.

وذكر " التنبيه " مع الفاسق: من لا مروءة له ثم حسنت حاله (4)، ويندرج فيه أصحاب المكاسب الدنيئة إذا رددنا شهادتهم.

(1) انظر " التنبيه "(ص 270)، و" الحاوي "(ص 670)، و " المنهاج "(ص 570).

(2)

الروضة (11/ 242).

(3)

انظر " التنبيه "(ص 270)، و " الحاوي "(ص 670)، و " المنهاج "(ص 570).

(4)

التنبيه (ص 270).

ص: 671

6162 -

قوله: (وإن شهد الوارث لمورثه بالجراحة قبل الاندمال، فردت شهادته ثم اندمل الجرح وأعاد الشهادة .. فقد قيل: تقبل، وقيل: لا تقبل)(1) الأصح: أنها لا تقبل، وذكر " الحاوي " عدم القبول أيضًا فيما لو شهد على عدوه ثم زالت العداوة وأعادها (2)، أو لمكاتبه ثم أعتقه وأعادها.

6163 -

قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وتقبل شهادته غيرها بشرط اختباره بعد التوبة مدة يظن صدق توبته)(3) استثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " خمسة لا يشترط فيهم الاختبار:

أحدهم: شاهد الزنا إذا وجب عليه الحد لعدم تمام العدد، فإذا تاب .. قبلت شهادته في الحال من غير استبراء على المذهب في " أصل الروضة "(4)، وخالف في ذلك " الحاوي " فقال:(كالقاذف يقول: تبتُ ولا أعود إن لم يقر بالكذب) أي: فإذا أقر بالكذب .. فهو فاسق يجب استبراؤه، وتبع في ذلك الغزالي، وهو خلاف قول الجمهور (5).

الثاني: قاذف غير المحصن؛ لمفهوم قول الشافعي في " الأم ": (فأما من قذف محصنة .. فلا تقبل شهادته حتى يُختبر)(6).

الثالث: الصبي إذا فعل ما يقتضي تفسيق البالغ ثم تاب وبلغ تائبًا .. لم يعتبر فيه الاختبار كما يظهر من كلام الشافعي والأصحاب.

الرابع: مخفي الفسق إذا تاب وأقر وسلّم نفسه للحد، قاله الماوردي والروياني، قال في " المهمات ": وهو ظاهر، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو متجه.

الخامس: المرتد، ذكره الماوردي (7)، وهو مقتضى كلام غيره، واعتبر الماوردي فيه أن يسلم غير متوق للقتل، ولا يعد مع ذلك الكافر الأصلي إذا أسلم؛ لأن الكلام فيمن أتى بمعصية مع كونه مسلمًا، واحترز " التنبيه " عن الكفر فقال [ص 270]:(ومن ردت شهادته بمعصية غير الكفر)، وفي " روضة الحكام " لشريح الروياني ثلاثة أوجه:

أحدها: يجب الاستبراء في الكافر مطلقًا.

والثاني: لا.

(1) انظر " التنبيه "(ص 270).

(2)

الحاوي (ص 670).

(3)

انظر " التنبيه "(ص 270)، و " الحاوي "(ص 669)، و " المنهاج "(ص 570).

(4)

الروضة (11/ 248، 249).

(5)

انظر " الوجيز "(2/ 250).

(6)

الأم (7/ 45).

(7)

انظر " الحاوي الكبير "(17/ 31).

ص: 672

والثالث: إن كان مرتدًا .. وجب، وإلا .. فلا.

قال شيخنا أيضًا: وبقي اثنان أنبه على حالهما:

أحدهما: العدو إذا زالت العداوة وكانت كبيرة فتاب منها .. فهل يشترط الاختبار؛ لأنه تاب من فسق، أو لا؛ لأن النفوس لا تميل للعداوة غالبًا، بل تكرهها، محل نظر، والأرجح: الثاني، وإذا قال صاحب " المطلب " بالاختبار في العداوة المجردة عن الفسق .. ففي المفسقة أولى.

الثاني: المبادر بناء على أنه مجروح، والأصح خلافه لا يحتاج لاستبراء، قاله البغوي. انتهى.

واعلم: أن " المنهاج " و" الحاوي " لم يذكر الاختبار إلا في الفسق، وذكره " التنبيه " في خوارم المروءة أيضًا فقال:(ومن ردت شهادته لمعصية غير الكفر أو لنقصان مروءة فتاب .. لم تقبل شهادته حتى يستمر على التوبة سنة)(1) وفي " المطلب ": ألحق الأصحاب ذلك بالفسق في وجوب الاستبراء.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لم أقف على التصريح به في كلام الأصحاب، وله وجه؛ لأن خارم المروءة صار باعتياده سجيّة له، فلا بد من اختبار حاله، ويحتمل خلافه. انتهى.

وقد عرفت أنّه في " التنبيه "، وذكر في " المطلب " الاحتياج إلى الاستبراء في العداوة أيضًا، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وعندي لا يحتاج.

6164 -

قول " الحاوي "[ص 669]: (أو تاب وصلح بالقرائن) تبع الغزالي في عدم تقديره بمدة، وأن المعتبر غلبة الظن بصدقه (2)، وكذأ صحح القاضي حسين والإمام والعبادي، وقد عرفت أن " التنبيه " قدّره بسنة، وحكاه في " المحرر " و" المنهاج " عن الأكثرين (3)، وصحح شيخنا في " تصحيح المنهاج " عدم التقدير، فإن عبارة الشافعي في " الأم ":(فلا تقبل شهادته إلا بمدة أشهر يختبر فيها بالانتقال من الحال السيئة إلى الحال الحسنة والعفاف عن الذنب الذي أتى)(4) قال: فلم يذكر إلا أشهرًا، وهو جمع قلة يصدق على ثلاثة إلى عشرة، فمن اعتبر سنة .. فقد خالف النص، قال: ثم ظاهر التقدير بسنة أنه تحديد حتى لو نقصت يومًا أو دونه .. لا يكفي ذلك، وهو غريب، فاعتبار السنة لم يقم عليه دليل، والقياس على الزكاة والجزية غير صحيح،

(1) التنبيه (ص 270).

(2)

انظر " الوجيز "(2/ 250).

(3)

المحرر (ص 498)، المنهاج (ص 570).

(4)

الأم (7/ 45).

ص: 673

وعلى أجل العنة يقتضي التحديد قطعًا، وفيه وجهان حكاهما الماوردي، قال شيخنا: والأرجح على اعتبارها: التقريب.

6165 -

قول " المنهاج "[ص 570]: (ويشترط في توبة معصية قولية القول، فيقول القادف: " قذفي باطل وأنا نادم عليه ولا أعود إليه "، وكذا شهادة الزور) و" الحاوي "[ص 669]: (كالقاذف يقول تبت ولا أعود) استشكل الرافعي اشتراط القول في توبة القذف، وقال: ليس كتوبة الردة؛ فإن الشهادتين فيها شرط في القولية والفعلية كإلقاء المصحف في القاذورات، ويلزمهم اشتراط القول في كل قولي كشهادة الزور والغيبة والنميمة، قال: وصرح صاحب " المهذب " به في شهادة الزور فقال: التوبة منها أن يقول: كذبت ولا أعود. انتهى (1).

وحكاه الغزالي في المبادرة بالشهادة أيضًا عن بعض الأصحاب، ونقله الرافعي في موضعه، وأسقطه في " الروضة ".

وأجاب في " المطلب " عن إشكال الرافعي: بأن الردة بالقول هي الحقيقة والفعل ملحق به، فقاس الشافعي على الأصل، قال: ولا نسلم الاكتفاء في الردة الفعلية بالقول إذا لم يزل المصحف من ذلك مع إمكانه، ثم الفرق بين القذف وغيره أنه أشد ضررًا؛ لأنه يكسبه عارًا، بخلاف شهادة الزور والنميمة والغيبة.

وأجاب شيخنا في " تصحيح المنهاج " عن ذلك كما سيأتي عنه من أن اعتبار القول في المعاصي القولية إنما هو فيما أبرزه قائله على أنه محق فيه، ولا يأتي ذلك في معاصي الأفعال؛ لأنه متى أبرزه على أنه حق .. كفر، وقال: إنه من النفائس، وهنا أمور:

أحدها: حمل شيخنا في " تصحيح المنهاج " كلامهم على ما أتى به على صورة أنه محق فيه، فأما غيره؛ كاللعن وقوله: يا خنزير ونحوه .. فلا يشترط في التوبة منه القول قطعًا؛ لعدم المعنى المقتضي لذلك، قال: ولم أر من نبه على ذلك.

ثانيها: أن عبارة الشافعي رضي الله عنه في " الأم " و" المحرر " و" الروضة " وأصلها: القذف باطل (2)، وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج " أن الذي في " المنهاج " لا يساويه؛ لاحتمال الإضافة للمفعول.

ثالثها: ذكر الشيخ أبو حامد عن أبي إسحاق أنه يقول: القذف باطل حرام، قال شيخنا: وظاهره اعتبار الجمع بينهما، وله وجه قوي؛ فإن الباطل يطلق على الهدر، ومنه: ذهب دمُهُ

(1) فتح العزيز (13/ 42)، وانظر " المهذب "(2/ 331).

(2)

الأم (7/ 89)، المحرر (ص 498)، فتح العزيز (13/ 40)، الروضة (11/ 148).

ص: 674

بُطْلا، وعلى اللهو، وممن اعتبر الجمع بينهما ابن الصباغ في " الشامل " واقتصر المحاملي في " التجريد " على قوله: حرام، وهو حسن.

رابعها: مقتضى عبارة " المنهاج ": تعين قوله: (قذفي باطل)، لكن في " أصل الروضة " عن الجمهور: أنه يكفيه أن يقول: ما كنت محقًا في قذفي وقد تبت منه، ونحو ذلك (1)، واكتفى الغزالي بقوله: تبت من القذف (2)، وتبعه " الحاوي " كما تقدم، وحكاه الرافعي من غير تعقب، وأسقطه في " الروضة " قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويشهد له نص " الأم " وهو قوله: (فإن كان عدلًا يوم شهد فساعة يقول: قد تبت وكذب نفسه .. تقبل شهادته مكانه)(3) هذا لفظه، وقوله:(وكذب نفسه) يعني: بما أظهر من التوبة، ولئن كان كلام الشافعي في الشاهد .. فهو لا يفرق في كيفية القول بين الشاهد وغيره. انتهى.

خامسها: قد عرفت أن " الحاوي " لم يتعرض لقوله: وأنا نادم عليه، وكذا لم يذكرها في " الأم " و" المختصر "، ولا الشيخ أبو حامد ولا أتباعه، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وقل من ذكرها، والظاهر أنها تأكيد، والمذهب: أنها لا تعتبر؛ لأن المدار على إظهار ضد القذف كما في إظهار ضد الكفر.

سادسها: ذكر شيخنا في " تصحيحه ": أن الأرجح: عدم اعتبار قوله: ولا أعود، قال: وهو مقتضى نصوص الشافعي، فلم يعتبر في شيء منها هذه المقالة، قال شيخنا: عندي يكتفي من الشاهد بأن يقول: رجعت عن شهادتي عليه بالزنا؛ لما روى الشافعي رضي الله عنه: أن عمر رضي الله عنه لما جلد الثلاثة .. استتابهم، فرجع اثنان، فقبل شهادتهما (4).

سابعها: مقتضي قول " المنهاج "[ص 570]: (وكذا شهادة الزور) أن يقول: شهادتي باطلة وأنا نادم عليها ولا أعود إليها، والذي في " المهذب ": كذبت فيما فعلت (5) ولا أعود إلى مثله (6)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وإذا ثبت زور الشاهد بإقراره .. فقد اعترف بلسانه بزوره؛ فأي فائدة في إعادته، وإن ثبت بغير إقراره .. فيكفيه أن يقول: تبت من شهادة الزور، ولا يعتبر في القول شيء غير ذلك، ثم قال شيخنا: والمعتمد أنه لا يعتبر في شاهد الزور القول، بخلاف القذف؛ لظهور زوره بالطريق المعتبر، فلا حاجة إلى أن يقول ذلك في توبته، حتى أن

(1) الروضة (11/ 248).

(2)

انظر " الوجيز "(2/ 250).

(3)

الأم (7/ 45).

(4)

انظر " الأم "(7/ 26).

(5)

في المهذب: (كذبت فيما قلت).

(6)

المهذب (2/ 331).

ص: 675

شاهد الزور لو ظهر زوره في شهادة القذف؛ بأن شهد أنه رآه يزني أول يوم من المحرم سنة كذا بحلب، وظهر بالطريق المعتبر أن الشاهد ذلك اليوم كان بمصر أو أن المشهود عليه كان بمكة .. فلا أعتبر في التوبة من ذلك القول؛ لظهور بطلانه بغير ذلك، وزال ما كان يلحق المقذوف من العار بما هو أشد في الإزالة من القول. انتهى.

6166 -

قول " المنهاج "[ص 570]: (وغير القولية يشترط إقلاع، وندم، وعزم ألا يعود، ورد ظلامة آدمي إن تعلقت به) فيه أمور:

أحدها: أنه يفهم عدم اشتراط ذلك في القولية، وليس كذلك، بل هذا معتبر في التوبة الباطنة، وهي التي مقصودها سقوط الإثم قولية كانت أو غير قولية، وأما الظاهرة وهي التي مقصودها عود أهلية الشهادة .. فيشترط فيها الاستبراء إلا ما استثني على ما تقدم بيانه.

ثانيها: قال في " المهمات ": أهمل شرطًا رابعًا، وهو: أن يكون ذلك لله تعالى، حتى لو عوقب على جريمة فندم وعزم على عدم العود لما خل به وخوفًا من وقوع مثله .. لم يكف، قاله أصحابنا الأصوليون، ومثلوه بما إذا قتل ولده وندم لكونه ولده، أو بذل شحيح مالًا في معصية وندم للغرم، ولا بد منه.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا الإيراد عندنا غير معتبر؛ لأن التوبة عبادة، والعبادة لا بد أن تكون لله تعالى، وإذا لم يكن ذلك .. فلا توبة ولا عبادة.

قلت: هذا التوجيه فيه اعتراف باعتبار الإيراد، والله أعلم.

ثم قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ولصحة التوبة شرط، وهو: أن لا يصل إلى الغرغرة أو الاضطرار بظهور الآيات كطلوع الشمس من مغربها، وهو واضح.

ثالثها: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": مقتضاه: أنه لا يعتبر في غير القولية القول، وليس كذلك، بل يعتبر فيها الاستغفار أيضًا، جزم به القضاة أبو الطيب والحسين والماوردي وغيرهم، قال شيخنا: والذي يظهر - والله أعلم - من القرآن والسنة أن الذنب المذكور وإن كان ذنبه باطنًا .. لا بد أن يظهر قولًا يظهر منه ندمه على ذنبه؛ بأن يقول: أستغفر الله من ذنبي، أو رب اغفر لي خطيئتي، أو تبت إلى الله تعالى من ذنبي، ثم بسط ذلك.

رابعها: قوله: (ورد ظلامة آدمي) أراد به شمول المال والقصاص وحد القذف، وفي شمول الأخيرين نظر، فلو قال:(والخروج مما عليه من ظلامة آدمي) .. لكان أولى، وأيضًا فقد يعفو المستحق عن حقه، فيدخل ذلك في لفظ الخروج ولا يدخل في لفظ الرد، وقال الإمام في " الإرشاد ": إذا ندم القاتل .. صحت توبته في حق الله تعالى قبل تسليمه نفسه للقصاص، وكان تأخير ذلك معصية أخرى تجب التوبة منها لا يقدح في الأولى، ونازع في ذلك شيخنا في

ص: 676