المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تنببيه [أقسام المشهود به] - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌تنببيه [أقسام المشهود به]

شرط أداء الشهادة في الأقوال .. قلنا: أداء الشهادة مبني على صحة التحمل، وإذا لم يصح التحمل .. لا يصحُّ أداء الشهادة. انتهى.

6194 -

قول "التنبيه"[ص 269]: (وتقبل شهادة الأعمى فيما تحمله قبل العمى) و"الحاوي"[ص 672]: (أو سمع قبله) محله: ما إذا كان المشهود له وعليه معروفي الاسم والنسب كما صرح به "المنهاج"(1)، وكذا لو عمي ويد المقر في يده .. فيشهد عليه لمعروف الاسم والنسب.

قال شيخنا ابن النقيب: ويظهر مع جهالتهما أيضاً إن كانت يدهما بيده، وضبط المشهود له من المشهود عليه (2).

ولا يرد على "المنهاج" و"الحاوي" شهادة الأعمى فيما يشهد فيه بالاستفاضة بشرط أن لا يحتاج إلى تعيين وإشارة؛ فإنها مقبولة، وقد ذكرها "التنبيه"(3) لأن كلامهما فيما يحتاج إلى الإبصار.

ويرد على "التنبيه" و"المنهاج": شهادة الأعمى بالترجمة؛ فإنها مقبولة، وقد ذكرها "الحاوي"(4).

ويرد على قول "المنهاج"[ص 571]: (إلا أن يقر في إذنه فيتعلق به حتى يشهد عند قاض به) وقول "التنبيه"[ص 269]: (وبحمله إلى القاضي) أن لنا غاية أخرى، وهي أن يشهد على شهادته بصيراً، أو يسترعيه حيث تسوغ الشهادة، على الشهادة ولا يرد ذلك على قول "الحاوي" [ص 672]:(إن تعلق بالمقر) لعدم ذكره الغاية.

‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

في "أصل الروضة" عن الشافعي والأصحاب أنهم قسموا المشهود به إلى ثلاثة أقسام: ما يكفي فيه السماع بدون إبصار، وهو ما يشهد فيه بالاستفاضة، وما يكفي فيه الإبصار، وهو الأفعال، وما يحتاج إليهما كالأقوال (5).

قال في "المهمات": وليس بحاصر؛ لجواز الشهادة بما علم ببقية الحواس الخمس؛ كما لو اختلفا في حموضة المبيع أو تغير رائحته أو حرارته ونحوها.

(1) المنهاج (ص 571).

(2)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(8/ 275).

(3)

التنبيه (ص 269).

(4)

الحاوي (ص 672).

(5)

الروضة (11/ 259).

ص: 688

قلت: والشهادة بالحمل وبالقيمة خارجة عن ذلك كله، والله أعلم.

6195 -

قول "المنهاج"[ص 571]: (ومن سمع قول شخص أو رأى فعله؛ فإن عرف عينه واسمه ونسبه .. شهد عليه في حضوره إشارةً، وعند غيبته وموته باسمه ونسبه) فيه أمران:

أحدهما: ظاهر إطلاق النسب الاكتفاء بالأب، لكن في "أصل الروضة": إن كان يعرفه باسمه واسم أبيه دون جده .. قال الغزالي: يقتصر عليه في الشهادة، فإن عرفه القاضي بذلك .. جاز، ثم قال: ويحتمل أن يقال هذه شهادة على مجهول؛ فلا تصح كما سبق في القضاء على الغائب أن القاضي لو لم يكتب إلا: (أني حكمت على محمد بن أحمد) .. فالحكم باطل، وقد ذكر الشيخ أبو الفرج أنه إذا لم يعرف نسبه قدر ما يحتاج إلى رفعه .. لا يحل له أن يشهد إلا بما عرف، لكن الشهادة و - الحالة هذه لا تفيد، وقال الإمام: لو لم يعرفه إلا باسمه .. لم يتعرض لاسم أبيه، لكن الشهادة على مجرد الاسم قد لا تنفع في الغيبة. انتهى (1).

ولا منافاة بين كلام الغزالي وبحث الرافعي؛ فإن كلام الغزالي فيما إذا عرف بذلك، وتصويرهم في الغائب لمحمد بن أحمد يدل على عدم معرفته بذلك؛ لكثرة التسمية بهذين الاسمين، فالمدار على المعرفة؛ ويدل لذلك قول الرافعي قبله بعد ذكر اسمه واسم أبيه وجده وحليته وصنعته وإذا حصل الإعلام ببعض ما ذكرناه .. اكتفي به. انتهى (2).

فيدخل فيه ما إذا حصل الإعلام بذكر أبيه خاصة، بل قد يدخل فيه ما إذا حصل الإعلام باسمه خاصة؛ كالشهادة في زمننا على سلطان الديار المصرية والشامية برقوق لا يحتاج معه إلى شيء آخر ولو كان بعد موته، وبهذا يزول الإشكال في الشهادة على عتقاء السلطان والأمراء وغيرهم ببلادنا وغيرها؛ فإنه لا يعرف أنسابهم غالباً، فيكتفي بذكر أسمائهم مع ما حصل به التمييز من أوصافهم، وعليه العمل عند الحكام ببلادنا.

وقال شيخنا في "تصحمِح المنهاج" بعد ذكر هذه النقول: وظهر منها أن المدار على ذكر ما يعرف به كيف ما كان، وقال: إن مقتضى كلام الإمام: أن الشهادة على مجرد الاسم قد تنفع عند الشهرة وعدم المشارك. انتهى.

ثانيهما: مقتضاه: أن مجرد الموت مانع من الشهادة على عينه، وتتعين فيه الشهادة على الاسم والنسب، وليس كذلك؛ فإنه متى أمكن إحضاره بعد موته؛ ليشهد على عينه .. فُعل، فإن دفن .. لم ينبش، وقد تعذرت الشهادة عليه، قاله في "أصل الروضة"، وقال: كذا قاله القاضي حسين والإمام والغزالي، لكن استثنى الغزالي: ما إذا اشتدت الحاجة إليه ولم يطل العهد بحيث يتغير

(1) الروضة (11/ 261).

(2)

انظر "فتح العزيز"(12/ 502).

ص: 689

منظره، وهذا احتمال ذكره الإمام ثم قال: والأظهر: ما ذكره القاضي (1)، وجزم في "الشرح الصغير" بأنه الأظهر.

6196 -

قوله: (فإن جهلهما - أي: اسمه ونسبه - .. لم يشهد عند موته وغيبته)(2) قد يفهم أنه إذا عرف أحدهما .. شهد، قال شيخنا ابن النقيب: لكنه لم يرد ذلك (3).

قلت: فكانت العبارة المحصلة لمقصوده: (فإن جهل أحدهما).

6197 -

قوله: (ولا يصح تحمل شهادة على متنقبة؛ اعتماداً على صوتها)(4) قال في "أصل الروضة": ولك أن تقول: ينبغي أن لا يتوقف جواز التحمل على كشف الوجه، ولا على المعرفة؛ لأن من أقرت تحت نقاب ورفعت إلى القاضي والمتحمل ملازمها .. أمكنت الشهادة على عينها، وقد يحضر قوم يكتفى بإخبارهم في التسامع قبل أن تغيب المرأة إذا لم يشترط في التسامع طول المدة، فيخبرون عن اسمها ونسبها، فيتمكن من الشهادة على اسمها ونسبها، بل ينبغي أن يقال: لو شهد اثنان تحملا الشهادة على امرأة لا يعرفانها أن امرأة يوم كذا حضرت مجلس كذا فأقرت لفلان بكذا، وشهد عدلان أن المرأة الحاضرة يومئذ في ذلك المكان هي هذه .. ثبت الحق بالبينتين؛ كما لو قامت بينة أن فلان ابن فلان الفلاني أقر بكذا وقامت أخرى على أن الحاضر هو فلان بن فلان .. ثبت الحق، وإذا اشتمل التحمل على هذه الفوائد .. وجب أن يجوز مطلقاً، ثم إن لم يحصل ما يفيد جواز الشهادة على العين أو على الاسم والنسب أو لم ينضم إليه ما يتم به الإثبات .. فذاك لشيء آخر. انتهى (5).

وفي "المهمات": هذا ليس محل خلاف، بل يجوز التحمل فيه قطعاً، وقد صرح بجوازه الروياني وغيره مع حكايتهم الخلاف في أصل المسألة، وقد استدركه عليه ابن الرفعة.

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": هذا البحث مستقيم وفقهه ظاهر.

6198 -

قوله: (ولا يجوز التحمل عليها بتعريف عدل أو عدلين على الأشهر، والعمل على خلافه)(6) يحتمل أن مراده: أن العمل على التحمل عليها بتعريف عدل، وأن العمل على التحمل عليها بتعريف عدلين، وقد حكاهما في "أصل الروضة" وجهين، وحكى الأول منهما عن جماعة

(1) الروضة (11/ 262).

(2)

انظر "المنهاج"(ص 571).

(3)

انظر "السراج على نكت المنهاج"(8/ 276).

(4)

انظر "المنهاج"(ص 571).

(5)

الروضة (11/ 265).

(6)

انظر "المنهاج"(ص 572).

ص: 690

من المتأخرين (1)، وحكى شيخنا في "تصحيح المنهاج" الأول عن الشيخ أبي محمد، والثاني عن اقتضاء كلام الشيخ أبي حامد، وقال: إن الأول هو المراد بقول "المحرر": (والعمل على خلافه)(2) يعني: عمل جماعة من المتأخرين، أو أن المراد: ما حكاه القاضي حسين أن عادة أهل هراة وغيرها من البلدان أن يأتي المخدرة مع شاهدين يقولان: نشهد أن هذه بنت فلان، وهي تقر بأن لفلان عليّ كذا، فيكتب شهادته على الصك، ثم يؤدي الشهادة. انتهى.

وقد ظهر بذلك أنه ليس المراد: عمل الأصحاب، بل: عمل بعض الشهود في بعض البلدان، ولا اعتبار بذلك، والله أعلم.

6199 -

قوله: (ولو قامت بينة على عينه بحق فطلب المدعي التسجيل .. سجل القاضي بالحلية لا الاسم والنسب ما لم يثبتا)(3) أي: بالبينة، ولا يكفي في ذلك إقرار من قامت عليه البينة؛ لأن نسب الإنسان لا يثبت بإقراره، كذا في "أصل الروضة"(4).

لكن قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إنه ممنوع؛ لأمور:

منها: قولهم في القضاء على الغائب فيما إذا شهد شهود الكتاب على المسمى فيه: لا على عينه: فاعترف المحضر بأن ذلك اسمه ونسبه، أو أنكر ونكل فحلف المدعي على ذلك .. توجه له الحكم، فدل على ثبوت نسبه بإقراره.

ومنها: ما عليه العمل من أن المشهود عليه يسأل عن اسمه ونسبه، ويجعل ذلك حجة عليه.

ومنها: أن الناس مؤتمنون على أنسابهم، ومن ائتمن على شيء .. رجع إليه فيه.

قلت: إنما ذلك فيما عليه لا فيما له، ولو ثبت نسبه بإقراره .. لا يسشحق المسطور الذي أقر فيه لشخص مسمى منسوب بدعواه أنه ذلك المسمى والمنسوب، وليس كذلك، بل لا بد من معرفته بذلك بالبينة، والله أعلم (5).

6200 -

قول "التنبيه"[ص 271]: (وإن كان نسبا أو موتاً أو ملكاً .. جاز أن يتحمل بالاستفاضة) قيده ابن يونس في النسب بالأب، وهو وجه صححه شيخنا في "تصحيح المنهاج"، والأصح: أن النسب من الأم كذلك، وقد صرح به "المنهاج"، وهو داخل في إطلاق "الحاوي" أيضًا (6)، وقول "المنهاج" [ص 572]:(من أب وقبيلة) من تفصيله، واستحسن، والذي في

(1) الروضة (11/ 264).

(2)

المحرر (ص 499).

(3)

انظر "المنهاج"(ص 572).

(4)

الروضة (11/ 266).

(5)

انظر "حاشية الرملي"(4/ 367).

(6)

الحاوي (ص 671)، المنهاج (ص 572).

ص: 691

"المحرر" إطلاق النسب (1)، وشرطه عدم الريبة، فإن وجدت؛ بأن كان المنسوب إليه حياً فأنكر .. لم تجز الشهادة، فإن كان مجنوناً .. جازت على الصحيح كالميت، ولو طعن بعض الناس في ذلك النسب .. امتنعت الشهادة في الأصح، وقد ذكره "الحاوي" فقال [ص 671]:(بلا معارض؛ كإنكار المنسوب إليه، وطَعْنٍ).

6201 -

قول "التنبيه"[ص 271]: (وأما النكاح والوقف والعتق والولاء .. فقد قيل: يشهد فيها بالاستفاضة، وقيل: لا يُشهد) كذا حكى الخلاف في هذه الأربعة، وجزم في الملك بثبوته بالاستفاضة، والذي في كتب الرافعي والنووي حكاية الخلاف في الخمسة (2)، وقال في " المحرر":(رجح منهما المنع)(3)، وعبر عنه "المنهاج" بالأصح (4)، وفي "الشرح الصغير" فيما عدا الملك رجحه كثيرون، وصححه في الملك الغزالي وغيره، وهو الذي يفهم من كون "الحاوي" لم يذكر سوى النسب والموت (5)، واستدرك في "المنهاج" فقال [ص 572]:(الأصح عند المحققين والأكثرين في الجميع: الجواز) قال شيخنا ابن النقيب: كذا رأيته في أصل المصنف: في الجميع، لكنه على كشط، ويوجد في بعض النسخ: في الوقف، والذي في "الروضة" وأصلها: في العتق والولاء والوقف والزوجية وجهان، قال الإصطخري وابن القاص وابن أبي هريرة وأبو على الطبري: نعم، ورجحه ابن الصباغ، وقال أبو إسحاق: لا، وبه أفتى القفال، وصححه الإمام وأبو الحسن العبادي والروياني، وفي "العدة": هو ظاهر المذهب، لكن الفتوى الجواز؛ للحاجة، قال النووي: والجواز أقوى وأصح، وهو المختار. انتهى (6).

وصححه في "تصحيح التنبيه" أيضًا (7)، وأما الملك .. ففي "أصل الروضة": فيه وجهان، أقربهما إلى إطلاق الأكثرين: الجواز، والظاهر أنه لا يجوز، وهو محكي عن نصه في حرملة، واختاره جماعة، ثم قال: والجواز مشهور في المذهب، فلعل المانع يكتفي بانضمام اليد، أو التصرف إليه، أو بانضمامهما وإن لم تطل المدة، وإلا .. فهما كافيان إذا طالت في الأصح؛ فلا أثر معهما حينئذ للاستفاضة (8).

(1) المحرر (ص 499).

(2)

انظر "فتح العزيز"(13/ 71، 72)، و"الروضة"(11/ 269).

(3)

المحرر (ص 499).

(4)

المنهاج (ص 572).

(5)

الحاوي (ص 671، 672).

(6)

الروضة (11/ 267، 268).

(7)

تصحيح التنبيه (2/ 298).

(8)

الروضة (11/ 269).

ص: 692

قال شيخنا ابن النقيب: فائدتهما معا الجزم بالجواز حينئذ؛ كما ذكره في "الروضة" قبله بسطر (1).

وقال في "المهمات": الصواب الذي عليه الفتوى: المنع؛ فقد نص عليه الشافعي، وحكاه عنه في "الكفاية".

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": ما نسبه "المنهاج" إلى الأكثرين في المسائل الخمس لا يعرف إلا في الملك، وما صححه من الجواز مخالف لنصوص الشافعي، والفتوى عندنا في الأربعة الباقية على المنع، قال: وظاهر كلامه استواء الجميع في الخلاف، وليس كذلك؛ فالولاء له قرب من النسب، والعتق دونه، والوقف دون العتق، والزوجية دون الكل؛ لما يطرق الزوجية من وجوه الفراق المقتضية لخروجها من الزوجية. انتهى.

وهنا أمور:

أحدها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل الخلاف في الولاء: ما لم يشتهر اشتهاراً شائعاً في الآفاق؛ كنافع مولى ابن عمر، وعكرمة مولى ابن عباس.

قلت: قد اشتهر في مقسم أنه مولى ابن عباس، وليس مولاه كما قرر في علوم الحديث، فينبغي إجراء الخلاف مطلقاً، والشهرة في المثالين الذين ذكرهما إنما هو لشهرة المذكورين، والله أعلم.

ثانيها: قال شيخنا أيضاً: محل الخلاف: في الوقف الذي لم يشتهر اشتهاراً شائعاً كأرض السواد؛ فإن الشافعي قال فيها بما اشتهر عنده من وقف عمر رضي الله عنه.

ثالثها: قال شيخنا أيضاً: ومحله عندي فيما إذا أضيف إلى ما يصح الوقف عليه، فأما مطلق الوقف .. فلا يجوز أن يكون مالكه وقفه على نفسه واستفاض أنه وقف، وهو وقف باطل، وهذا مما لا توقف فيه.

رابعها: قد يفهم ثبوت شروط الوقف وتفاصيله بذلك، وليس كذلك كما ذكره النووي في "فتاويه"، قال: بل إن كان وقفاً على جماعة معينين أو جهات متعددة .. قسمت الغلة بين الجميع بالتسوية، وإن كان على مدرسة مثلاً وتعذرت معرفة الشروط .. صرف الناظر الغلة على ما يراه من مصالحها (2).

واعترض في "المهمات لا على إطلاقه، وقال: الأرجح ما في " فتاوى ابن الصلاح ": أنه إن شهد بها منفردة .. لم تثبت، أو ذاكراً لها في شهادته بأصل الوقف في معرض بيان شرط الواقف ..

(1) انظر "السراج على نكت المنهاج"(8/ 279).

(2)

فتاوى النووي (ص 122) مسألة (200).

ص: 693

سمعت؛ لرجوعه إلى بيان كيفية الوقف، ونُقل من خط ابن الصلاح: أنه لو شهد بالنظر على الوقف الفلاني لزيد من لم يشهد على الواقف ولم يذكر مستنده .. حمل على أن مستنده الاستفاضة، والشروط لا تثبت بمثل ذلك (1).

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": إطلاق أن الشروط لا تثبت بالاستفاضة غير محقق؛ فالشروط لا تستفيض أصلًا، فإن اتفق شرط يستفيض غالباً؛ ككونه وقفاً على حرم مكة ونحوه .. ففيه الخلاف في ثبوت أصل الوقف بالاستفاضة، وصرح الماوردي بما يقتضيه.

خامسها: قال شيخنا في "تصحيح المنهاج": محل الخلاف في غير حدود العقار؛ فإن الحدود لا تثبت بالاستفاضة كما ذكره ابن عبد السلام في تسجيل له في بركة الحبش وقفت عليه، وفيه: ولم يثبت حدودها؛ إذ الحدود لا تثبت عنده بالاستفاضة، قال شيخنا: وهو معمول به غير أن الحدود لا تستفيض، وفي "تعليق الشيخ أبي حامد" ما يقتضي ثبوتها بالاستفاضة، وهو ممنوع.

سادسها: الخلاف في الملك قولان، أما المنع .. فقد تقدم من كلام "الروضة" أنه محكي عن نصه في حرملة، وأما الجواز .. فهو نصه في "الأم" و"المختصر" كما حكاه شيخنا في "تصحيح المنهاج".

سابعها: قيد في "الأم" و"المختصر" الجواز في الملك بألَّا يَرَى منازعاً في ذلك.

6202 -

قول "التنبيه"[ص 271]: (وأقل ما يثبت به الاستفاضة اثنان) أي: عدلان، قيده بذلك "المنهاج" لما حكاه وجهًا، وصدر كلامه بأن شرطه: سماعه من جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب (2)، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 671]:(ممن لا ينحصر)، وعبارة "الروضة": جمع كثير يقع العلم أو الظن القوي بخبرهم ويؤمن تواطؤهم على الكذب، قال: وينبغي أن لا يشترط فيهم العدالة ولا الحرية والذكورة (3).

قال في "المهمات": وما ذكره بحثًا جزم به الماوردي بالنسبة للعدالة، والروياني بالنسبة للحرية والذكورة، وحكى وجهين في انفراد الصبيان به مع شواهد الحال بانتفاء المواطأة.

وقال شيخنا في "تصحيح المنهاج": اعتبار أن يؤمن تواطؤهم على الكذب لم يذكره الشافعي، وإنما اعتبر بظاهر الأخبار بحيث يثبت في قلب السامع معرفته، وهو المعتمد، وقيد ابن الصباغ وجه الاكتفاء بعدلين بأن يسكن قلبه إلى خبرها، وحكاه عن أصحابنا المتأخرين.

(1) فتاوى ابن الصلاح (2/ 518) مسألة (513).

(2)

المنهاج (ص 572).

(3)

الروضة (11/ 268).

ص: 694