الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتابُ البُغاة
4953 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (هم مخالفو الإمام) و"الحاوي"[ص 580]: (فرقة خالفت الإمام) و"التنبيه"[ص 229]: (إذا خرج على الإمام طائفة) قيده في "الروضة" وأصلها بإمام العدل، ويؤخذ ذلك من تعريفه (1)، وكذا قيده الشافعي في "الأم" و، "المختصر"(2)، لكن في "الكفاية" عن القفال: أنه لا فرق في ذلك بين العادل والجائر، ويوافقه قول النووي في "شرح مسلم": إن الخروج عليهم وقتالهم حرام بإجماع المسلمين وإن كانوا فسقة ظالمين (3).
وادعاء الإجماع مردود؛ لخروج الحسين على يزيد بن معاوية، وابن الزبير على عبد الملك بن مروان، ومع كل منهما خلق كثير من السلف، والمختار: التفصيل بين أن يمكن خلع الجائر بلا حرب كثير ولا فتنة عظيمة، فيجوز، بل يجب، وبين ألَّا يمكن ذلك إلا بحرب كثير وفتنة عظيمة، ففيه توقف، ومال شيخنا الإمام البلقيني في هذه الحالة الثانية إلى أنه إن كانت المفاسد الصادرة منه ومن أتباعه تربو على الفتنة .. ففيه احتمال، والأرجح: جواز الخروج عليه، بل استحبابه، وإن كانت المفسدة في الفتنة والحرب أعظم .. فيقوي الاحتمال هنا، وعلى الأرجح: الأولى ألَّا يفعل.
4954 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (بخروج عليه وترك الانقياد أو منع حق توجه عليهم) تفصيل لمخالفته وبيان لها، فالمخالفة بأحد أمرين: إما الخروج عليه، وهو الذي عبر "التنبيه" عنه بقوله [ص 229]:(ورامت خلعه) وإما منع حق من غير خلع له، وقد ذكره "التنبيه" بقوله [ص 229]:(أو منعت الزكاة أو حقًا توجه عليها) وهو من ذكر العام بعد الخاص، ولكون هذا الكلام ليس فيه احتراز عن شيء ولا زيادة قيد لم يذكره "الحاوي".
وأورد شيخنا الإمام البلقيني أن من صور البغاة التي لم تتناولها عبارتهم: الفرقتين من المؤمنين اللتين اقتتلتا فاصلح بينهما المؤمنون غيرهما ثم بغت إحداهما على الأخرى، وقد نص عليها الشافعي في "الأم" و"المختصر"(4).
قلت: قد اندرجت هذه الصورة في مخالفة الإمام؛ فإن من الأمور التي يحمل الإمام الناس
(1) فتح العزيز (11/ 69)، الروضة (10/ 50).
(2)
الأم (4/ 216)، مختصر المزني (ص 256).
(3)
شرح مسلم (12/ 229).
(4)
الأم (4/ 214)، مختصر المزني (ص 255).
عليها ألَّا يمكن أحدًا من سل سيفه على أحد، واستيفاء أمور الدماء من متعلقات الإمام ليست للآحاد، فهذه الفرقة وإن لم تخرج على الإمام فقد منعت حقًا توجه عليها، وهو كف أيديهم عن إخوانهم إلا بعد الرفع للإمام، فلا يرد، واعتبر "التنبيه" في البغاة أن يكونوا مسلمين (1)، وكذا قال "الحاوي" [ص 580]:(لا المرتد) لكن قال في "التنبيه" في قتل المرتد [ص 231]: (وإن امتنع بالحرب وأتلف .. ففيه قولان كأهل البغي) ومقتضاه: تصحيح عدم الضمان في المتلف وقت الحرب، ولم يعترضه النووي في "تصحيحه"، وحكاه في "الروضة" عن بعضهم (2)، وقال شيخنا الإمام البلقيني: إنه المذهب المعتمد، لكن حكي ابن الرفعة عن الجمهور تصحيح الوجوب، وصححه في "المهمات"، وقال شيخنا الإمام البلقيني: يخرج من كلام الرافعي ثلاث طرق: قولان، والقطع بالتضمين وعدمه، ومن كلام غيره طريق رابع، وهي: أن فيهم قولين غير قولي البغاة، وأصحهما: الضمان، وإذا قلنا: إنهم كالبغاة .. فليس ذلك مطلقًا، وإنما هو بالنسبة إلى ضمان الإتلاف، وأيضًا فإن المرتدين لا تأويل لهم.
4955 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (بشرط شوكة لهم) قيدها "الحاوي" بقوله [ص 580]: (يمكنها مقاومته) والظاهر أنه بيان للشوكة لا قيد فيها، فمتي لم يمكنها مقاومته .. لا يكون شوكة؛ ولهذا قال شيخنا الإمام البلقيني: إن تعبير "المنهاج" لا يعرف منه المقصود، وفي "المحرر":(أن يكون لهم عدد وشوكة بحيث يحتاج الإمام في ردهم إلى الطاعة إلى عدد من الرجال ونصب قتال)(3)، ولم يصرح "التنبيه" بهذه اللفظة، بل اكتفي بقوله [ص 229]:(وامتنعوا بالحرب)، والمقصود لا يختلف، ولم يعتبر "التنبيه" غير ذلك، وزاد "المنهاج" [ص 499]:(أن يكون لهم تأويل) لكنه ذكر بعد ذلك أنه إذا لم يكن لهم تأويل .. فهم كالبغاة (4).
وفي "أصل الروضة": أن في ضمان ما أتلفوه طريقين:
أحدهما: الوجوب قطعًا، وأصحهما: طرد القولين كالباغي (5)، وقيد "الحاوي" التأويل بأن يكون باطلًا ظنًا (6)، ليخرج المقطوع ببطلانه؛ كالمرتد ومانع حق الشرع والخوارج، والمراد: الحق المقطوع به كالزكاة اليوم؛ فإن المانع لها معاند لا تأويل له.
وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي يظهر من كلام الشافعي إطلاق التأويل، وهو الأرجح.
(1) التنبيه (ص 229).
(2)
الروضة (10/ 57).
(3)
المحرر (ص 422).
(4)
المنهاج (ص 499).
(5)
الروضة (10/ 56، 57).
(6)
الحاوي (ص 580).
4956 -
قول "المنهاج"[ص 499] و"الحاوي"[ص 580]: (ومطاع فيهم) حكاه الرافعي عن الإمام أنه قال: يجب القطع بأن الشوكة لا تحصل إذا لم يكن لهم متبوع مطاع؛ فإن رجال النجدة وإن كثروا .. فلا قوة لهم ولا شوكة إذا لم يصدروا ولم يجتمعوا على رأي. انتهى (1).
ومقتضاه: أن المطاع شرط لحصول الشوكة، وليس شرطًا آخر غير الشوكة.
4957 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (قيل: وإمام منصوب) يقتضي أنه وجه، وقيل: إنه قول، وعبارة "أصل الروضة": وجهان، ويقال: قو لان، أصحهما عند الأكثرين: لا يشترط (2)، وأسقط من كلام الرافعي: أن الجديد: الاشتراط، وإليه ميل صاحبي "التهذيب" و"التتمة"(3).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: ذكر الشافعي الإمام مرة، وسكت عنه أخرى، وهو عندنا محمول على أن الفرقة التي تريد خلعه لا بد فيها من إمام، والتي تمنع حقا لا يحتاج فيها لإمام، ولم أر من حرره كذلك.
4958 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (ولو أظهر قومٌ رَأْيَ الخوارج - كترك الجماعات وتكفير ذي كبيرة - ولم يقاتلوا .. تركوا، وإلا .. فقطاع طريق) أي: وإن قاتلوا .. فقطاع طريق، وهو مفهوم قول "التنبيه" [ص 230]:(وإن أظهر قوم رأي الخوارج ولم يتعرضوا لذلك بحرب .. لم يتعرض لهم) ويوافقه إطلاق "الحاوي" أن الخوارج ليسوا بغاة (4).
ويرد على الحالة الأولى: أن القاضي الحسين نقل عن الأصحاب: أنه إنما لا يتعرض لهم إذا لم يكن على المسلمين ضرر منهم، وإلا .. فيتعرض لهم حتى يزيل ذلك عن المسلمين، وعلى الحالة الثانية: أن شيخنا الإمام البلقيني قال: إن كونهم قطاع طريق انفرد به البغوي والمتولي (5)، وهو طريق حكاه القاضي حسين، ومذهب الشافعي أن الخوارج إذا تأولوا وقامت لهم الشوكة ونصبوا إمامًا ولم نجعلهم مرتدين وقاتلوا .. أن لهم حكم البغاة، وكلامه في "الأم" و"المختصر" يدل عليه (6)، وجرى عليه الشيخ أبو حامد وأتباعه.
4959 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (فإن ولوا قاضيًا .. نفذ من حكمه ما ينفذ من حكم الجماعة) و"الحاوي"[ص 580]: (وفي الشهادة والقضاء كالعدل) محله: فيما لم يستحل
(1) فتح العزيز (11/ 81)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 127).
(2)
الروضة (10/ 52).
(3)
فتح العزيز (11/ 81)، وانظر "التهذيب"(7/ 279).
(4)
الحاوي (ص 580).
(5)
انظر "التهذيب"(7/ 280).
(6)
الأم (4/ 217)، مختصر المزني (ص 257).
دماءنا، فإن استحلها .. لم تقبل شهادته، ولم ينفذ قضاؤه، وقد صرح بذلك "المنهاج"(1)، والاستثناء في كلامه عائد لمسألتي الشاهد والقاضي، وأورد عليه شيخنا الإمام البلقيني: أنه أطلق قبول شهادة البغاة، وفصل في قضاء قاضيهم، فجعل الاستثناء متعلقًا بالأخيرة فقط، وهو خلاف قاعدتنا، ويشترط أيضًا مع عدم استحلاله دماء أهل العدل: ألَّا يكون خطابيًا وهم صنف من الروافض يشهدون بالزور ويقضون به لموافقيهم، فمتى كان منهم .. لم تقبل شهادته، ولم ينفذ قضاؤه لموافقيه، ونازع شيخنا الإمام البلقيني في الشرط الأول، وقال: المذهب المعتمد: نفوذ قضاء قاضيهم ولو كان ممن يستحل دماء أهل العدل بالتأويل، وإنما يمتنع حكمه على أهل العدل إذا كان ممن يستحل الحكم عليهم بالباطل؛ ليتوصل بذلك إلى إراقة دم العادل وإتلاف ماله ونحوهما.
4960 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (ويحكم بكتابه بسماع البينة في الأصح) يقتضي أن الخلاف وجهان، وكذا في "المحرر"(2)، لكن في "الروضة" وأصلها أنه قولان، وفي "أصل الروضة" أيضًا: لو ورد من قاضي البغاة كتاب على قاضينا ولم يعلم أنه ممن يستحل دماء أهل العدل أم لا .. ففي قبوله والعمل به قولان، حكاهما ابن كج، قال: واختيار الشافعي منهما المنع (3).
وقال شيخنا الإمام البلقيني: محل قبول قضاء قاضيهم وكتابه في الفرقة التي خلعت الإمام ونصبت غيره، فأما الأخرى .. فلا قاضي لها ينفذ حكمه ولا يعمل بكتابه.
4961 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولو أقاموا حدًا وأخذوا زكاة وخراجًا وفرقوا سهم المرتزقة على جندهم .. صح)(4) قيده شيخنا الإمام البلقيني بقيدين:
أحدهما: أن محله: في إمام الفرقة الباغية، فأما آحاد رعيته التي لم يجعل له ذلك، أو الفرقة التي منعت واجبًا عليها من غير خروج على الإمام .. فلا يقع شيء من هذا الموقع بفعلها؛ ولهذا عبر [الشافعي](5) بإمامهم (6).
ثانيهما: أن محله: في الزكاة ما إذا كانت غير معجلة، أو كانت معجلة لكن استمرت شوكتهم حتى وجبت، فلو زالت شوكتهم قبل الوجوب .. لم يقع ما تعجلوه موقعه؛ لأن وقت الوجوب لم
(1) المنهاج (ص 499).
(2)
المحرر (ص 422).
(3)
فتح العزيز (11/ 83)، الروضة (10/ 54).
(4)
انظر "التنبيه"(ص 230)، و "الحاوي"(ص 580)، و "المنهاج"(ص 499).
(5)
في (ب)، (ج):(الحاوي).
(6)
انظر "الأم"(4/ 220).
يكونوا أهلًا للأخذ، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وقد أشار الشافعي رضي الله عنه إليه بقوله: بصدقة عامة (1).
4962 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (فإن ادعى من عليه زكاة أنه دفع الزكاة عليهم .. قُبل قوله مع يمينه، وقيل: يحلف مستحبًا، وقيل: يحلف واجبًا) الأصح: الأول، وهو خلاف ظاهر قول "المنهاج" [ص 500]:(صدق بيمينه) وينبغي حذف الواو من (قيل) الأولى، أو جعلها فاء، ونص في "الأم" على أن تحليفه عند الارتياب به (2).
4963 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (وإن ادعى من عليه خراج أنه دفعه إليهم .. فقد قيل: بقبل قوله، وقيل: لا يقبل) الثاني هو الأصح، وعليه مشى "المنهاج"(3)، ومحل الخلاف: في المسلم، أما الكافر .. فلا يقبل فيه قوله كما صرح به الماوردي (4)، ثم لا يخفي أن المراد: الدفع إلى إمامهم أو من فوض إمامهم إليه ذلك.
4964 -
قول "المنهاج"[ص 500]: (ويصدق في حد إلا أن يثبت ببينة، ولا أثر له في البدن) حكاه في "أصل الروضة" عن المتولي (5).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وهو ضعيف؛ فإن الأثر لم يتعين أن يكون من الحد، فلا يصدق إذا ثبت ببينة إلا أن يقيم بينة على استيفائه.
4965 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (وما أتلفه باغ على عادل وعكسه إن لم يكن في قتال .. ضمن، وإلا .. فلا، وفي قول: يضمن باغ)(6) فيه أمور:
أحدها: نازع شيخنا الإمام البلقيني في ضمان الباغي ما أتلفه على العدل في غير القتال، وقال: إن مذهب الشافعي المنصوص عليه في كتبه: أن الذي تتلفه البغاة على أهل العدل مع قيام شوكة البغاة وتأويلهم ونصبهم الإمام من دم ومال على التاويل لا يجب عليهم ضمان شيء منه وإن لم يكن في حال القتال، وإنما الذين يعتبر في عدم ضمانهم أن يكون الإتلاف في حال القتال هم أهل العدل أو البغاة المانعون للحق، ثم بسط وذكر أن كلام "التنبيه" موافق له، فإنه قيد إتلاف أهل العدل بحال الحرب، ولم يقيد إتلاف أهل البغي بذلك، لكن شارحه ابن الرفعة قيده بذلك، وقال: لو أتلف كل من الفريقين على الآخر شيئًا في غير القتال .. ضمنوه وجهًا واحدًا.
(1) انظر "الأم"(4/ 220).
(2)
الأم (4/ 220).
(3)
المنهاج (ص 500).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 133، 134).
(5)
الروضة (10/ 55).
(6)
انظر "التنبيه"(ص 230)، و"الحاوي"(ص 580)، و"المنهاج"(ص 499).
ثانيها: قال الإمام: القولان فيما أتلف بسبب القتال وتولد منه هلاكه، فلو أتلف في القتال ما ليس من ضرورة القتال .. وجب ضمانه قطعًا كالمتلف قبل القتال، حكاه عنه في "أصل الروضة"، وأقره (1)، وذكر نحوه أبو الفرج الزاز في "تعليقه"، حكاه عنه شيخنا الإمام البلقيني، وقال: إنه ظاهر، لكنه حمله على العادل والباغي مانع الحق دون الباغي الذي خلع الإمام ونصب غيره؛ فإنه لا ضمان عليه عنده مطلقًا كما تقدم.
ثالثها: ظاهره طرد القول بضمان الباغي في القصاص، وهو المصحح في "الروضة" وأصلها (2)، وفيه طريقة قاطعة بإسقاط القصاص، صححها شيخنا الإمام البلقيني.
رابعها: يستثني من إطلاقه: ما لو أتلف الباغي على العادل بُضْع أمته بالوطء .. ففي "أصل الروضة": أنه يلزمه الحد، فإن أولدها .. فالولد رقيق غير نسيب، وإن كانت مكرهة .. فهل يجب المهر؟ قيل: فيه القولان في ضمان المال، وقال البغوي: ينبغي أن يجب قطعًا كما لو أتلف المأخوذ بعد الانهزام (3).
ومنع شيخنا الإمام البلقيني لزوم الحد، وكون الولد رقيقًا غير نسيب في المتأول الذي يعتقد حل الوطء، قال: وتخريج ذلك على القولين في ضمان المال متعقب؛ لأن محلهما على طريقتهم فيما تلف حال القتال بمقتضي الضرورة، ويعتبر على طريقتنا التأويل مع الشوكة. انتهى.
والحق أن ذلك لا يرد؛ لأن إتلاف البضع بالوطء لا تعلق له بالقتال، والكلام إنما هو فيه.
4966 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (وعكسه - أي: ذو الشوكة بلا تأويل - كباغ) أي: فلا يضمن في الأظهر، وقال شيخنا الإمام البلقيني: انفرد به الإمام والغزالي، وهو مخالف لنصوص الشافعي والأصحاب في الطريقين أنه ضامن كقطاع الطريق (4).
4967 -
قولهما - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا يقاتل البغاة حتى يبعث إليهم أمينًا) إلى أن قال: (فإن أصروا .. نصحهم ثم آذنهم بالقتال)(5) أهمل من "الروضة" وأصلها بعد النصح وقبل الإيذان بالقتال دعاءهم إلى المناظرة (6)، وأجمل "الحاوي" ذلك بقوله [ص 580]:(ونُقدِّم النذير).
4968 -
قول "المنهاج"[ص 499]: (ولا يقاتل مدبرهم ولا مثخنهم وأسيرهم) لو قال: (لا
(1) الروضة (10/ 56)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 136).
(2)
فتح العزيز (11/ 86)، الروضة (10/ 55).
(3)
الروضة (10/ 56)، وانظر "التهذيب"(7/ 282).
(4)
انظر "نهاية المطلب"(17/ 131، 132)، و "الوجيز"(2/ 164).
(5)
انظر "التنبيه"(ص 229)، و "المنهاج"(ص 499).
(6)
فتح العزيز (11/ 90)، الروضة (10/ 57).
يقتل) .. لكان أحسن، وقد عبر "المحرر" في الأولى بالقتال، وفي الآخرين بالقتل (1)، وقد يتجه في المدبر المقاتلة بخلاف المثخن والأسير، واستعمال قاتل هنا؛ كعاقبت اللص وطارقت النعل ونحوهما غير معروف، والذي ورد في الأثر:"لا يتبع مدبرهم"(2)، وفي رواية:"لا يقتل مدبرهم"(3)، وبذلك عبر الشافعي وأصحابه (4)، وعبارة "التنبيه" [ص 229]:(ولا يتبع في الحرب مدبرهم، ولا يذفف على جريحهم) و"الحاوي"[ص 580]: (ولا يَتْبَعُ المدبر) والمراد: المدبر غير متحرف لقتال أو متحيز إلى فئة قريبة، فإن كان إلى فئة بعيدة .. فلا يتبع في الأصح، وقد يقال: هذا ليس بمدبر، وكما لا يقتل مدبرهم لا يقتل من ألقي سلاحه وأعرض عن القتال، وقد يفهم من منع قتل هؤلاء وجوب القصاص بقتلهم، وفي الرافعي في قتل الأسير وجهان، وصحح النووي: أنه لا قصاص (5)، ونص عليه في "البويطي" كما حكاه الروياني في "البحر".
4969 -
قول "التنبيه"[ص 229]: (وإن أسر منهم رجلًا .. حبسه إلى أن تنقضي الحرب) اعتبر في "المنهاج" مع انقضاء الحرب تفرق جمعهم (6)، وزاد "الحاوي" على ذلك: أن يؤمن اجتماعهم ولا يتوقع عودهم فقال [ص 580]: (إن أُمِنْ) وفي ذلك وجهان، وعبارة "أصل الروضة": فإن توقع عودهم .. ففي الإطلاق الوجهان السابقان؛ أي: فيما لو بطلت شوكتهم في الحال ولم يؤمن اجتماعهم في المال (7)، ورجح شيخنا الإمام البلقيني أنه لا يطلق حتى يؤمن اجتماعهم أخذًا بالاحتياط، قال: ويدل له ما ذكروه في رد السلاح والخيل من اعتبار أمن غائلتهم بعودهم إلى الطاعة أو تفرق شملهم، وقال الرافعي هنا: وهو وقت إطلاق الأسرى (8)، وأسقطه في "الروضة"، وهو صريح في أن وقتهما واحد.
4970 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (وإن أسر امرأة أو صبيًا .. خلاه على المنصوص، وقيل: يحبس) الأصح: حبسهما أيضًا إلى انقضاء الحرب، وعليه مشى "الحاوي" فقال [ص 581]:(وغيرًا كالنساء بعد الحرب) وهو الذي في "المحرر" و"الروضة" وأصلها (9)، لكن خالف في "المنهاج" فجعلهما كغيرهما في أنه لا يكتفى في إطلاقهما بانقضاء الحرب، بل لا بد من تفرق
(1) المحرر (ص 423).
(2)
أخرجه الحاكم (2662)، والبيهقي في "الكبرى"(16532).
(3)
أخرجه البيهقي في "الكبرى"(16523).
(4)
انظر "الأم"(4/ 216).
(5)
فتح العزيز (11/ 91)، الروضة (10/ 58).
(6)
المنهاج (ص 499).
(7)
الروضة (10/ 59).
(8)
انظر "فتح العزيز"(11/ 92).
(9)
المحرر (ص 423)، فتح العزيز (11/ 91)، الروضة (10/ 59).
جمعهم (1)، ثم ظاهر عبارة "التنبيه": أن العبد البالغ كالحر، وأن المراهق كغيره من الصبيان، لكن في "أصل الروضة": أطلق جماعة أن العبيد والمراهقين كالنساء، وقال الإمام والمتولي: إن كان يجيء منهم قتال .. فهم كالرجال في الحبس والإطلاق، وهذا حسن (2).
قال شيخنا الإمام البلقيني: وما استحسنه مخالف لمقتضي نص الشافعي في تسوية العبيد والمراهقين إذا لم يقاتلوا بالنساء. انتهى.
ثم لا يخفي أن محل الحبس فيمن لم يطع باختياره، وقد صرح به "المنهاج"(3)، وأن الصبي والمرأة إذا قاتلا .. التحقا بالرجال؛ ولهذا عبر "الحاوي"[ص 580، 581] بـ (أهل القتال وغيرهم).
4971 -
قول "الحاوي"[ص 580]: (كردِّ السلاح والخيل بلا استعمال إن أُمن) محل منع الاستعمال في غير الضرورة؛ ولهذا قال "المنهاج"[ص 500]: (ولا يُستعمل في قتال إلا لضروره) لكنه يفهم منع استعماله في غير القتال ولو لضرورة، وفيه انظر، وفي "أصل الروضة" تشبيه ذلك بأكل مال الغير لضرورة (4)، ومقتضاه: لزوم أجرة الاستعمال على المستعمل.
4972 -
قول "التنبيه"[ص 230]: (ولا يقاتلهم بما يعم؛ كالمنجنيق والنار إلا لضرورة) أحسن من قول "المنهاج"[ص 500]: (بعظيم) لأنه لا يلزم من كونه عظيمًا أن يعم، وعبارة "أصل الروضة": بما يعم ويعظم أثره (5)، وهذا مراد "المنهاج" بالعظم، وفسر "المنهاج" الضرورة فقال [ص 500]:(بأن قاتلوا به أو أحاطوا بنا) وفي كلا الصورتين انظر، أما الأولى: فلا يكفي قتالهم به حتى ينضم إليه تعذر دفعهم بغيره؛ كالانتقال إلى موضع آخر، وإليه أشار في "أصل الروضة" بقوله: واحتجنا إلى المقاتلة بمثلها دفعًا (6)، وأما الثانية: فلا بد مع الإحاطة بنا إلى الاضطرار إلى ذلك لخوف الاصطدام؛ ولهذا قال في "الروضة": أحاطوا بنا واضطررنا إلى الرمي بالنار ونحوها (7)، وعبارة الشافعي:(أو يحيطون به فيخاف الاصطدام على من معه)(8) ولهذا قال "الحاوي"[ص 581]: (ويقاتل بالمنجنيق والنار إن خيف الاصطدام) ولم يذكر
(1) المنهاج (ص 499).
(2)
الروضة (10/ 59)، وانظر "نهاية المطلب"(17/ 146، 147).
(3)
المنهاج (ص 499).
(4)
الروضة (10/ 59).
(5)
الروضة (10/ 59).
(6)
الروضة (10/ 59، 60).
(7)
الروضة (10/ 60).
(8)
انظر "الأم"(4/ 219).
الأولى؛ لدخولها في الثانية بالشرط المتقدم، فالمدار حينئذ على خوف الاصطدام خاصة، والله أعلم.
وعبارتهم تقتضي منع قتالهم بالعام بلا ضرورة، لكن عبارة الشافعي:(أَحَبُّ إليّ أن يتوقَّي ذلك منهم ما لم تكن ضرورة)(1)، ومقتضاها: الجواز، إلا أنه فرض ذلك في المتحصنين، فالذين هم في صحراء يحرم قتالهم بعام، ذكره شيخنا الإمام البلقيني، وفيه انظر؛ فالمتحصنون أولي بالمنع؛ لأنه لا يمكنهم الهرب، بخلاف الذين في صحراء، والله أعلم.
4973 -
قولهم - والعبارة لـ "المنهاج" -: (ولا يستعان عليهم بمن يري قتلهم مدبرين)(2) يستثني منه: ما لو احتاج إلى الاستعانة بهم .. فيجوز بشرطين:
أحدهما: أن يكون فيهم جرأة وإقدام.
والثاني: أن يتمكن من منعهم لو اتبعوه، كذا في "الروضة" وأصلها (3)، وفي "تعليق القاضي حسين" عن الأصحاب عن الشافعي: التفصيل بين أن يكون بالإمام قوة تضبطهم أم لا، فاقتضي على شرط واحد، وقال شيخنا الإمام البلقيني: الذي نص عليه في "الأم" اعتبار القوة للإمام، وألَّا يوجد غيرهم يكفي كفايتهم، وأن يكونوا أَجْرَأ في قتالهم من غيرهم. انتهى.
وزاد الماوردي: اشتراط أن يثق بما شرط عليهم ألَّا يتبعوا مدبرًا، ولا يقتلوا جريحًا (4)، والاستعانة عند عدم الحاجة غير جائزة كما في "الروضة" وأصلها (5)، لكن عبارة الشافعي:(ولا أحب أن يقاتلهم) مع تعبيره في الاستعانة بالكافر بعدم الجواز (6).
4974 -
قول "المنهاج"[ص 500]- والعبارة له - و"الحاوي"[ص 581]: (ولو استعانوا علينا بأهل حرب وأمّنوهم .. لم ينفذ أمانهم علينا، ونفذ عليهم في الأصح) المراد: أمّنوهم على أن يقاتلونا معهم، فلو أمنوهم أولًا .. صح الأمان علينا أيضًا، فإذا استعانوا بهم علينا .. انتقض أمانهم علينا، نص عليه.
ويستثنى من عدم نفوذ الأمان: ما إذا قالوا: ظننا أنه يجوز لنا أن نعين بعض المسلمين على بعض، أو أنهم المحقون، أو أنهم استعانوا بنا في قتال كفار .. فالأصح في "أصل الروضة": أنا
(1) انظر "الأم"(4/ 219).
(2)
انظر "التنبيه"(ص 230)، و"الحاوي"(ص 581)، و"المنهاج"(ص 500).
(3)
فتح العزيز (11/ 93)، الروضة (10/ 60).
(4)
انظر "الحاوي الكبير"(13/ 130).
(5)
فتح العزيز (11/ 93)، الروضة (10/ 60).
(6)
انظر "الأم"(4/ 219).
نبلغهم المأمن ونقاتلهم قتال البغاة، ولا نتعرض لهم مدبرين (1)، ولهذا قال "الحاوي" [ص 581]:(وإن ظنها المحقة .. نترك المدبر) لكن يشترط مع ظنها المحقة: أن يقولوا: وظننا أن لنا إعانة المحق؛ ذكره الرافعي، وأهمله في "الروضة"(2).
4975 -
قول "المنهاج"[ص 500]: (ولو أعانهم أهل الذمة عالمين بتحريم قتالنا .. انتقض عهدهم، أو مكرهين .. فلا، وكذا إن قالوا: "ظننا جوازه" أو "أنهم محقون" على المذهب، ويُقَاتَلون كبغاةٍ) فيه أمور:
أحدها: أن قوله: (انتقض عهدهم) وقول "الحاوي"[ص 581]: (بطل) يقتضي انتقاضه مطلقًا حتى في حق أهل البغي، وهو الذي ذكره البغوي وغيره (3)، وفي "البيان": أنه ينبغي أن يكون في انتقاضه في حق البغاة الخلاف في أهل الحرب (4)، لكنا نقول: كان الأمان هناك خاصًا ابتداءً بأهل البغي .. فنفذ عليهم خاصة، والذمة هنا كانت مطلقة .. فانتقضت مطلقًا.
ثانيها: أن قوله: (عالمين بتحريمه) احترز به عما ذكره آخرًا من قولهم: ("ظننا جوازه" أو "أنهم محقون") ويخالفه قول "الحاوي"[ص 581]: (وإن جهل الحق) لكنه عقبه بقوله: (إن لم يبد عذرًا) وحمله من تكلم عليه على قولهم: ("ظننا جوازه" أو "أنهم محقون") وهذه هي صورة جهل الحق، فكيف اجتمع هذان الكلامان المتناقضان؟ ينبغي النظر في هذا.
ثالثها: عبارته تقتضي أنه لا خلاف في أن المكره لا ينتقض عهده، وليس كذلك، بل فيه الطريقان، وعبارة "الروضة" فيه: وإن قالوا: كنا مكرهين .. لم ينتقض على المذهب (5)، فكان ينبغي لـ "المنهاج" الجمع بين هذه المسألة والتي بعدها بعبارة واحدة.
رابعها: أن تعبيره بقوله: (أو مكرهين) مع قوله في التي بعدها: (قالوا: ظننا) وتعبير "الحاوي" بقوله [ص 581]: (وإن أكره .. فكهي) أي: كالباغية، مع قوله في الأخرى:(إن لم يبد عذرًا) يقتضي ثبوت الإكراه، وليس كذلك، بل يكفي ذكرهم ذلك.
خامسها: قوله: (ويقاتلون كبغاة) قد يفهم أنهم لا يضمنون ما أتلفوه في حال القتال كالبغاة، وليس كذلك، وأقوي من ذلك في هذا الإيهام قول "الحاوي" [ص 581]:(وإن أكره .. فكهي) لأن "المنهاج" صرح بأن تشبيههم بالبغاة في قتالهم، وضمان الإتلاف شيء آخر، بخلاف
(1) الروضة (10/ 61).
(2)
فتح العزيز (11/ 94).
(3)
انظر "التهذيب"(7/ 285).
(4)
البيان (12/ 32).
(5)
الروضة (10/ 61).
"الحاوي" فإنه أطلق تشبيه المكره بالباغي، فالظاهر منه استواء جميع الأمور في ذلك، وهل يجب عليهم القصاص؟ فيه وجهان بلا ترجيح في "الروضة" وأصلها (1)، وصحح شيخنا الإمام البلقيني الوجوب، وقال: إنه ظاهر نص الشافعي رحمه الله.
4976 -
قول "التنبيه"[ص 229]: (ويتجنب قتل ذي رحمه) قال في "الكفاية": إلا أن يقصد المحرم قتله .. فلا يكره إذ ذاك قتله.
* * *
(1) فتح العزيز (11/ 95)، الروضة (10/ 62).