المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها] - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌فصل [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

نظره في اليوم معروفًا، وإن قلت .. جعل يوم نظره معروفًا من الأسبوع، فإن تجدد في غير يوم النظر ما لا يمكن تأخيره فيه .. نظر (1)، وفي " التهذيب ": لا يجوز أن يؤخر النظر إذا وقعت لإنسان خصومة إلا لعذر. انتهى (2).

وفي " أدب القضاء " لشريح الروياني: إن كان يقضي برزق من بيت المال .. لزمه أن يقضي في كل نهاره، إلا في وقت قضاء الحاجة والطهارة والصلاة المفروضة والنافلة المؤكدة وتناول الطعام على الوجه الذي للأجير أن يشتغل عن العمل، وقيل: يلزم ذلك على حسب العادة والعرف بين القضاة، وإذا كان متبرعًا بالقضاء .. فقد قيل: يجلس أي وقت أراد، والصحيح: أنه يعقد على عادة الحكام، ثم هل تعتبر عادة سائر حكام البلاد أو عادة حاكم تلك البلد؟ وجهان.

‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

5976 -

قول " المنهاج "[ص 561] و" الحاوي "[ص 661]: (ليسوِّ بين الخصمين) و" التنبيه "[ص 253]: (ويسوي بين الخصمين) يحتمل الوجوب والاستحباب، والأول هو الصحيح الذي قطع به الأكثرون، كما في " أصل الروضة "، قال: واقتصر ابن الصباغ على الاستحباب (3).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الإيجاب هو ظاهر نص " الأم "، لكن نسبته لقطع الأكثرين ليس بمسلّم؛ فإنه قل من يصرح بالإيجاب، وقال بالاستحباب أيضًا القاضي أبو الطيب، وفي قصة زيد بن ثابت لما تحاكم إليه عمر وأبي بن كعب ما يشهد للاستحباب؛ فإنه وسع لعمر صدر فراشه، وقال: هاهنا يا أمير المؤمنين؛ ولم يفعل ذلك مع أبيّ، فقال له عمر: لقد جُرت (4)، يعني: خالفت المستحب؛ ولذلك لم يصرح بإثمه، ولا أمره بالاستغفار، ويمكن أن يقال: إن أبيًّا يعلم من زيد أنه لا يحمله ذلك على أنه يقضي بغير الحق، وكان إكرام أمير المؤمنين مطلوبًا، فلم يؤثر ذلك عند أبي، فلو علم الخصم من القاضي ما علمه أبيّ من زيد .. فلا يمتنع على القاضي تعاطي إكرام أحد الخصمين على الوجه اللائق به، ولكن التسوية مطلقًا تطلب سد الباب ما يفضي إلى انكسار قلب الآخر. انتهى.

5977 -

قولهما: (في الدخول عليه)(5) وهو داخل في إطلاق " الحاوي " التسوية في

(1) انظر " الحاوي الكبير "(16/ 28).

(2)

التهذيب (8/ 173).

(3)

الروضة (11/ 161).

(4)

أخرجه البيهقي في " سننه الكبرى "(20250).

(5)

انظر " التنبيه "(ص 253)، و" المنهاج "(ص 561).

ص: 583

الإكرام (1)، قال شيخنا أيضًا: محله فيما إذا جاءا معًا، ولم يكن للمدعي إلا خصم واحد، ولم يكن من أهل بيت القاضي، ودخل في حاجته، فإن حضر بطلب إحضار خصمه .. أدخله وإن كان وحده؛ لأنه ليس مقام دعوى، وإن كان للمدعي خصوم فدخل مع أحدهم وتأخر الباقون .. لم يمتنع ذلك، وفي " الأم ":(وإذا قدم الذي جاء أولًا وخصمه، وكان له خصوم فأرادوا أن يتقدموا معه .. لم ينبغ له أن يستمع إلا منه ومن خصم واحد، فإذا فرغا .. أقامه ودعا الذي جاء بعده، إلا أن لا يكون عنده كبير أحد)(2)، قال: وفي هذا النص الإشارة إلى ما قررناه، وإن كان من أهل بيت القاضي ممن يدخل عليه لمصلحته، فعرضت له به حاجة، فطلبه لها .. لم يحرم، لكن الأولى للقاضي إذا ظهر له أنه مع خصم له أن يمتنع عن طلبه ذلك الوقت حتى تنفصل الخصومة، قال: ولم أر من تعرض لذلك.

5978 -

قول " المنهاج "[ص 561]: (وقيام لهما) وهو داخل في إطلاق " الحاوي " الإكرام (3)، أي: إما أن يقوم لهما أو يتركه لهما، وقال ابن أبي الدم: عندي أنه يكره؛ فإنه قد يكون أحدهما شريفًا والآخر وضيعًا، فإذا قام .. علما أنه إنما قام للشريف، فترك القيام لهما أقرب إلى العدل وأنفى للتهمة، وعلى هذا جرى سنن الحكام الماضين، فإن دخل ذو هيئة فقام له ظنًا أنه لم يأت في خصومة .. فإما أن يقوم لخصمه كقيامه له، وإما أن يعتذر بأنه لم يشعر بمجيئه مخاصمًا، حكاه عنه في " المطلب "، وقال: وهو يؤخذ من منعه من ضيافة الخصمين.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إذا كان أحدهما ممن يعتاد القيام له دون الآخر .. فينبغي ترك القيام؛ لأنه إذا قام عند دخولهما .. ظهر للحاضرين وللخصم أن القيام إنما هو للكبير، فلا تحصل التسوية، قال: وهذا أخص بما قاله ابن أبي الدم، ولا بد منه (4).

5979 -

قول " المنهاج "[ص 561]: (وجواب سلام) هذا إذا سلّما معًا، فإن سلّم أحدهما دون الآخر .. فمقتضاه: أنه لا يجيبه، وكذا في " أصل الروضة " عن الأصحاب أنهم قالوا: يصبر حتى يسلّم الآخر، قال الرافعي: وقد يتوقف في هذا إذا طال الفصل، وقالوا: لا بأس بأن يقول للآخر: سلّم، فإذا سلّم .. أجابهما، وكأنهم احتملوا هذا الفصل للتسوية، وقيل: يجوز ترك الجواب مطلقًا واستبعده الإمام (5).

وفي " المهمات ": أن ما حكاه عن الأصحاب لم يقل به سوى القاضي والبغوي، وقال

(1) الحاوي (ص 661).

(2)

الأم (6/ 214).

(3)

الحاوي (ص 661).

(4)

انظر " حاشية الرملي "(4/ 309).

(5)

فتح العزيز (12/ 493)، الروضة (11/ 161)، وانظر " نهاية المطلب "(18/ 572).

ص: 584

الإمام: إنه إفراط وسرف (1)، واستبعده الغزالي، وقال: إنه إفراط، قال في " المهمات ": ثم إن المذكور هنا يخالف قولهم في السير إن ابتداء السلام سنة كفاية، فإذا حضر جماعة وسلم أحدهم .. كفى ذلك عن سلام الباقين، وكذا قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما حكاه عن الأصحاب وجه ضعيف، والأصح: أنه يرد السلام، ويوجهه إليهما؛ لأن ابتداء السلام سنة كفاية، فإذا سلم أحدهما .. فقد قام بالسنة عن الآخر؛ فجواب الحاكم رد على المسلّم حقيقة وعلى الآخر حكمًا، وفي " المطلب ": قد يظهر بردّ سلام أحدهما ميل من حيث أن المسلّم إنما يتجرأ على ابتداء السلام مع هيبة الحاكم، وعدم مشروعية الابتداء به؛ لاشتغال القاضي لدالة بينه وبين القاضي، فردّه عليه يؤكد ذلك، ولو فرضنا أن الابتداء مشروع .. لم يبعد من الجاهل توهم ذلك.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو مردود؛ فإن الجرأة بذلك ليس مما يظهر الدالة، بل يظهر إقدام المسلّم على السلام، وإذا وجه القاضي السلام عليهما .. خرج ما ذكر من التوهم.

5980 -

قولهما: (ومجلس)(2) وهو داخل في إطلاق " الحاوي " الإكرام (3)، أي: يسوي بينهما في المجلس، فيجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره إن كانا شريفين، أو بين يديه، وهو الأولى على الإطلاق، ونازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في أن الأول تسوية؛ لأن الجالس على اليمين له مزية، وفي " سنن أبي داوود " ساكتا عليه من حديث ابن الزبير:(قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الخصمين يقعدان بين يدي الحَكَمِ)(4).

5981 -

قول " التنبيه "[ص 253]: (وإن كان أحدهما مسلمًا والآخر كافرًا .. قدم المسلم على الكافر في الدخول، ورفعه عليه في المجلس) اقتصر " المنهاج " و" الحاوي " رفعه عليه في المجلس، ولم يذكرا تقديمه عليه في الدخول (5)، وكذا في " أصل الروضة "، ثم قال: ويشبه أن يجري الوجهان في سائر وجوه الإكرام (6).

قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": فكلام الشيخ لا يوافق بحث الرافعي؛ إذ مقتضاه العموم، ولا نقله؛ لأنه لم يستثن تقديمه عليه في الدخول.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": في " الإبانة " للفوراني نقل الوجهين في الجميع؛ إذ

(1) انظر " نهاية المطلب "(18/ 572).

(2)

انظر " التنبيه "(ص 253)، و" المنهاج "(ص 561).

(3)

الحاوي (ص 661).

(4)

سنن أبي داوود (3588).

(5)

الحاوي (ص 661)، المنهاج (ص 561).

(6)

الروضة (11/ 161).

ص: 585

قال: ينبغي للقاضي أن يسوي بين الخصمين في المجلس والنظر والسلام وغير ذلك، فلو كان كافرًا .. فهل يسوي بينهما؛ فيه وجهان، قال: وهذا ظاهر أو صريح في أن الخلاف في الجميع. انتهى.

وسبقه إلى نقل ذلك عن الفوراني ابن الرفعة، وكذا في " المهمات "، وقد عرفت أنه لم يصرح في عبارته بالدخول.

قال في " التوشيح ": وقد يقال: لا ينبغي جريانهما في الدخول، بخلاف سائر وجوه الإكرام؛ فإن في تقديم أحد الخصمين في الدخول ريبة ليست في غيره، فإن الخصم يتهم السابق إلى الدخول بالاختلاء بالحاكم في شأنه.

قلت: لا يلزم من دخوله قبله الاختلاء بالحاكم، فإذا أذن لهما جميعًا .. تقدم المسلم في الدخول إكرامًا مع دخول الآخر وراءه على أثره من غير مضي زمن يأتي فيه خلوه، وأما تقدمه عليه بزمن يحتمل الخلوة .. فذاك في الحقيقة إذن لأحد الخصمين وحجب للآخر، وهذا لم يقل به أحد.

وعبارة الماوردي: أحدهما: يسوي بينهما فيه؛ أي: في المجلس كما يسوي بينهما في المدخل والكلام (1)، وذلك يقتضي أن المدخل والكلام محل اتفاق، وكذا في " الاستقصاء " وغيره.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأصح: تقديم المسلم في جميع وجوه الإكرام، قال: ولا خلاف أن القاضي لو جابَرَ (2) المسلم بالسلام دون الكافر، والكافر قاطع بأن القاضي يعظم المسلم ويذل الكافر .. فلا يحصل له في خصومته كسر قلب، ومن اقتصر على ذكر الرفع في المجلس .. فلاعتقاده أن الأثر إنما جاء فيه؛ أو لأن الرفع في المجلس مستمر حال المحاكمة، بخلاف الدخول وغيره مما لا يكون حال المحاكمة. انتهى.

قال في " المهمات ": ولو كان أحدهما مرتدًا والآخر ذميًا .. فيتجه تخريجه على التكافؤ في القصاص، والصحيح: أن المرتد يقتل بالذمي دون عكسه، وتعجب شيخنا في " تصحيح المنهاج " من هذا التخريج؛ فإن التكافؤ في القصاص ليس مما نحن فيه بسبيل، ولو اعتبرناه لرفع الحر على العبد والوالد على الولد (3).

5982 -

قول " التنبيه "[ص 253]: (ولا يعلّمه كيف يدعي) أقره عليه النووي في

(1) انظر " الحاوي الكبير "(16/ 276).

(2)

غير واضحة في النسخ، ولعل ما أثبت صواب، والله أعلم.

(3)

انظر " حاشية الرملي "(4/ 310).

ص: 586

" تصحيحه "، وفي " أصل الروضة " عن الإصطخري: إذا ادعى دعوى غير محررة .. بين له الدعوى الصحيحة، وعن غيره المنع، قال: وتعريف الشاهد كيفية أداء الشهادة على هذين الوجهين، قال في " العدة ": والأصح: الجواز (1).

5983 -

قوله: (إذا جلس بين يدي القاضي خصمان .. فله أن يقول لهما: تكلما، وله أن يسكت حتى يبتدئا)(2) في قوله: (تكلما) تجوّز، والمراد: ليتكلم المدعي منكما، كما عبر به " المنهاج " و" الحاوي "(3)، قال في " أصل الروضة ": وله أن يقول للمدعي إذا عرفه: تكلم (4).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": لكن في " الشامل ": أنه لا يقول لأحدهما بعينه تكلم؛ لأنه كسر للآخر، قال شيخنا: وهذا يعم ما إذا علم القاضي المدعي فقال له: تكلم، أو قال لواحد: تكلم ولم يعلم أنه المدعي، وهذه لا يوقف في المنع منها، وأما مع العلم .. فله وجه من الرجحان، ويوافقه إطلاق الشافعي وغيره: ليتكلم المدعي منكما، أو ما خطبكما وهنا أمران:

أحدهما: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محل هذا: ما إذا لم يكن كل منهما مدعيًا ومدعى عليه في قضية واحدة أو قضيتين، فإن كان .. فيقول تكلما؛ ولهذا عبر به في " الأم " و" المختصر "(5)، وحمله بعضهم على أنه يقول ليتكلم المدعي منكما، قال شيخنا: وعندى كلام الشافعي محمول على الأعم؛ فإنه قد يكون كل منهما مدعيًا ومدعى عليه في قضية واحدة؛ كما لو اختلف المتعاقدان، فإن كانا كذلك في قضيتين ولا سابق منهما .. فيقول: ليتكلم واحد منكما برضا الآخر بتقديمه، فإن لم يتفقا .. أقرع بينهما، فمن خرجت قرعته .. قال له: تكلم، قال شيخنا: ولم نر من تعرض لذلك.

ثانيهما: محل ذلك: ما إذا لم يكن سكوتهما لتعب ونحوه، قال الماوردي: إن كان السكوت للمَاهب في الكلام .. أمسك عنهما حتى يتحرر للمتكلم ما يذكر، وكذا إن كان سكوتهما لهيبة حضرتهما عن الكلام .. توقف حتى تسكن نفوسهما فيتكلما. انتهى (6).

قال في " أصل الروضة ": ولو خاطبهما بذلك الأمين الواقف على رأسه .. كان أولى (7).

(1) الروضة (11/ 162).

(2)

انظر " التنبيه "(ص 254).

(3)

الحاوي (ص 663)، المنهاج (ص 562).

(4)

الروضة (11/ 162).

(5)

الأم (6/ 214)، مختصر المزني (ص 302).

(6)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 279).

(7)

الروضة (11/ 162).

ص: 587

5984 -

قولهما - والعبارة " للمنهاج " -: (فإذا ادعى .. طالب خصمه بالجواب)(1) زاد " التنبيه "[ص 254]: (وقيل: لا يقول حتى يطالبه المدعى، وليس بشيء) وكذا في " أصل الروضة " في التسوية بين الخصمين: أنه ضعيف (2)، لكن في باب الدعاوى من " الشرح الصغير ": أنه أشبه، وعليه مشى " الحاوي " فقال [ص 665، 666]: (ولزم التسليم، أو مُرهُ بالخروج عن حقي أو سله جواب دعواي .. طالب بالجواب) فعلى هذا: طلب الجواب من شروط صحة الدعوى، وهذا الخلاف في الجواز كما صرح به الماوردي وصاحب " المهذب " وغيرهما؛ وعلل المنع بأنه حق المدعي، فلا يستوفى إلا بإذنه؛ والجواز بقرينة الدعوى (3).

وقال الرافعي بعد نقل الخلاف فيه: وسواء شرطنا هذا الاقتراح أو لم نشترطه، لكنه اقترح، فيمكن أن يقال: يغني ذلك عن قوله: ويلزمه التسليم إليَّ، قال: والذي شرط ذلك إنما شرطه جوابأ على أنه لا يشترط الاقتراح المذكور (4).

وأشار " الحاوي " لذلك بلفظة (أو)، لكن مقتضاه: جواز الاستغناء بالمعطوف عليه عن المعطوف، وهو خلاف القول باشتراط الطلب في صحة الدعوى.

5985 -

قول " المنهاج "[ص 562]: (فإن أقر .. فذاك) عبارة مجملة، وكأنه أراد بها: ثبوت الحق المدعى به كما صرح به " الحاوي " فقال [ص 667]: (فإن أقر .. ثبت) وهو الأصح في " أصل الروضة "، ومقابله: أنه لا يثبت بمجرد الإقرار، ولا بد من قضاء القاضي كالثبوت بالبينة (5).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هذا عندي مقيد بأن يكون الإقرار على صورة متفق عليها، فإن كان على صورة مختلف فيها .. فلا بد من القضاء بالإقرار من أجل الخلاف، وعبارة " التنبيه " [ص 254]:(وإن أقر .. لم يحكم حتى يطالبه المدعي) وهي عبارة حسنة.

وفسر بها شيخنا ابن النقيب قول " المنهاج ": (فذاك) فقال؛ فللمدعي أن يطلب من القاضي الحكم عليه؛ فحينئذ .. يحكم فيقول: أخرج من حقه، أو كلفتك الخروج منه، أو ألزمتك، وما أشبه ذلك (6).

والذي حمله على ذلك؛ كون هذا الكلام بعينه موضوعًا في " أصل الروضة " موضع قوله:

(1) انظر " التنبيه "(ص 254)، و " المنهاج "(ص 562).

(2)

الروضة (11/ 162).

(3)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 280)، و " المهذب "(2/ 300).

(4)

انظر " فتح العزيز "(13/ 159).

(5)

الروضة (11/ 162).

(6)

انظر " السراج على نكت المنهاج "(8/ 213).

ص: 588

(فذاك)، واستشكل الرافعي الخلاف المتقدم في الثبوت؛ لأنه إن كان الكلام في ثبوت الحق المدعى في نفسه .. فمعلوم أنه لا يتوقف على الإقرار؛ فكيف على الحكم بعد الإقرار؟ وإن كان المراد المطالبة والإلزام .. فلا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار، وللقاضي الإلزام (1).

وأجاب عنه شيخنا في " تصحيح المنهاج " باْن الكلام في ثبوت الحق المدعى به ظاهرًا عند القاضي الذي وقعت عنده الدعوى والإقرار من غير أن يقول قضيت عليه، ولا ثبت عندي الحق عليه.

واعترض في " المهمات " على قوله: (لا خلاف أن للمدعي الطلب بعد الإقرار) بأن الماوردي قال: له ملازمته بعد الحكم لا قبله (2).

5986 -

قولهما: (وإن أنكر .. فله أن يقول: " ألك بينة؟ " وله أن يسكت)(3) فيه أمور:

أحدها: أن محل قوله: (ألك بينة؟ " في غير ما يثبت بالشاهد واليمين، فإن ثبت بشاهد ويمين .. فيقول: (ألك بينة أو شاهد مع يمينك) فإن علم جهله به .. وجب أن يقول له، وإلا .. ندب، ومحله أيضًا فيما إذا لم يكن في جانب المدعي للوث .. فيقول له: أتحلف خمسين يمينًا، وكذا الزوج المدعي على زوجته الزنا يقول له: أتلاعنها، ذكر ذلك كله شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم أر من تعرض له.

قلت: وقد تناوله قول " الحاوي "[ص 668]: (وإلا .. سكت أو سأل الحجة)، وتناول أيضًا كل أمين تقبل دعواه، فيقول له: أتحلف؛ لأن المذكورين حجتهم ما ذكرناه من غير توقف على البينة؛ فهي عبارة حسنة شاملة.

ثانيها: استثني أيضًا منه: القاذف، فيندب للقاضي أن يبين له الحال من أول الأمر تغليظًا عليه، فيقول: ألك أربعة من الشهداء يشهدون بالمعاينة؛ لعله أن يرجع عما ادعاه.

ثالثها: محل السكوت: ما إذا كان المدعي يعلم ذلك الحكم، فإن جهله .. وجب إعلامه به، قال في " المطلب ": أفهم كلام " المهذب " قول ذلك للجاهل على وجه الوجوب (4).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": هو الذي يقتضيه القواعد.

(1) في حاشية (ج): (وإن نظر ناظر إلى وجه ذكرناه في الإقرار: أن الإقرار المطلق لا يكفي للمؤاخذة، بل يسأل المقر عن سبب اللزوم، وقال: إذا كان الإقرار المطلق مختلفًا .. كان في محل النظر والاجتهاد، فاعتبر قضاء القاضي على رأي، فهذا شيء لا يختص بالإقرار بعد الدعوى في مجلس القاضي، بل ينبغي أن يطرد في محل الإقرار. هذه تكملة استشكال الرافعي). انظر " فتح العزيز "(12/ 495، 496).

(2)

انظر " الحاوي الكبير"(16/ 309).

(3)

انظر " التنبيه "(ص 254)، و " المنهاج "(ص 562).

(4)

المهذب (2/ 300).

ص: 589

قال في " المهمات ": ومقتضى كلام " النهاية ": أن الأصح: أنه يقول للمدعي: ألك بينة مطلقًا سواء كان عالمًا أو جاهلًا (1)، وكلام الماوردي يقتضي أنه مخير بين أن يقول: قد أنكرك فلك بينة، أو فما عندك، والأول أولى مع الجهل، والثاني أولى مع العلم (2).

رابعها: ظاهره التخيير بينهما، وليس كذلك، بل إن علم علمه بذلك .. فالسكوت أولى، وإن شك .. فالقول أولى، وإن علم جهله به .. وجب إعلامه كما سبق.

5987 -

قول " المنهاج "[ص 562]: (فإن قال: " لي بينة وأريد تحليفه " .. فله ذلك) وهو المراد بقول " التنبيه "[ص 254]: (وإن حضرت البينة لم يطالب بإقامتها) أي: وله طلب يمين الخصم، ثم قال بعد ذلك:(فإن قال المدعي: " لي بينة غائبة " .. فهو بالخيار، فإن شاء أحلف المدعى عليه، وإن شاء صبر حتى تحضر البينة)(3) وقد عرفت أن هذا التخيير لا يختص بما إذا كانت البينة غائبة.

واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما إذا ادعى لغيره بطريق الولاية أو النظر أو الوكالة، أو لنفسه ولكن كان محجورًا عليه بسفه أو فلس، أو مأذونًا له في التجارة، أو مكاتبًا .. فليس له ذلك في شيء من هذه الصور؛ لئلا يحلف ثم يرفعه لحاكم يرى منع البينة بعد الحلف، فيضيع الحق، إلا أن يكون غير وكيل بيت المال، ويأذن له موكله في ذلك، أو يأذن السيد للمأذون له في ذلك، وكذا الغرماء إن ركبه دين، أو يأذن السيد للمكاتب، قال: ولم أر من تعرض لذلك.

قلت: قد يقال: المطالبة متعلقة بالمدعي، فلا يرفع غريمه إلا لمن يسمع البينة بعد الحلف بتقدير أن لا يفصل أمره عند القاضي الأول، إلا أن يقال: قد يضطر عند تيسير البينة إلى قاضي بهذه الصفة؛ لعدم وجود غيره، والله أعلم.

ولا يرد شيء من ذلك على قول " الحاوي "[ص 690]: (وتقام البينة عنده).

5988 -

قول " المنهاج "[ص 562]: (أو " لا بينة لي "، ثم أحضرها .. قبلت في الأصح) مقتضاه: جريان الوجهين في اقتصاره على قوله: (لا بينة لي) كما لو زاد عليه: (لا حاضرة ولا غائبة)، وهو الذي رجحه في " الشرح الصغير "، لكن جزم البغوي بأنه كما لو قال:(لا بينة لي حاضرة)(4) حتى يجزم فيها بالقبول كما هو مجزوم به في " الروضة " و" الشرحين " في التقييد

(1) نهاية المطلب (18/ 574).

(2)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 310).

(3)

التنبيه (ص 255).

(4)

انظر " التهذيب "(8/ 253).

ص: 590

بالحضور (1)، فلو قال " المنهاج ":(لا حاضرة ولا غائبة) كما فعل " الحاوي " .. لطابق " الروضة "وأصلها في جعلها محل الوجهين، وفهمت منه بقية الصور من طريق الأولى.

ثم اعلم: أن شرط الوجه الآخر: أن لا يذكر لكلامه تأويلًا من جهل أو نسيان، فإن ذكر .. قبل قطعا، وشرط شيخنا في " تصحيح المنهاج " لجريان الخلاف أيضًا: أن يكون قائل ذلك مقبول الإقرار، فلو كان محجورًا .. قبلت البينة بعد ذلك بلا خلاف، وكذا لو قال ذلك وليٌّ أو وكيل؛ لأن إقرارهما لا يبطل حق غيرهما.

5989 -

قول " التنبيه "[ص 254]: (وإن قال المدعى عليه بعد النكول: " أنا أحلف " .. لم يسمع) الأصح: تمكينه من الحلف إذا لم يحكم القاضي به، أو يقل للمدعي: احلف؛ ولهذا قال " الحاوي "[ص 690]: (وقضى بالنكول، أو قال للمدعي: احلف .. فالمدعي) فلم ينقل اليمين للمدعي إلا عند وجود أحد الأمرين، ولو رضي المدعي بتحليفه بعد الحكم بالنكول .. فالأصح: أن له أن يعود ويحلف.

5990 -

قول " التنبيه "[ص 254]: (وإن قال المدعي بعد النكول: أنا أحلف .. لم يسمع، إلا أن يعود في مجلس آخر ويدعي وينكل المدعى عليه) قال الرافعي: هو ما أورده العراقيون والروياني والهروي، والمنع أحسن وأقوى (2)، وفي " الشرح الصغير ": إنه الأظهر، وفي " أصل الروضة ": إنه الأصح (3)، وعليه يدل قول " الحاوي " [ص 691]:(ونكول المدعي كحلف الخصم).

5991 -

قولهم - والعبارة " للمنهاج " -: (وإذا ازدحم خصوم .. قُدِّم الأسبق)(4) فيه أمور:

أحدها: قال في " أصل الروضة ": الاعتبار بسبق المدعي دون المدعى عليه، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ليس كذلك، بل لا بد أن يسبق المدعي وخصمه، فلو سبق المدعي وتأخر خصمه ثم جاء مدع آخر مع خصمه ثم حضر خصم الآخر .. فإنه يقدم المدعي الذي حضر خصمه قبل حضور خصم الآخر.

ثانيها: تقديم الأسبق واجب كما هو مقتضى نص " الأم " و" المختصر "، ولفظه:(لا يقدم رجلًا جاء قبله غيره)(5)، وصرح الماوردي بعدم جوازه (6)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ":

(1) فتح العزيز (12/ 496)، الروضة (11/ 163).

(2)

انظر " فتح العزيز "(13/ 182).

(3)

الروضة (12/ 46).

(4)

انظر " التنبيه "(ص 253)، و " الحاوي "(ص 661)، و " المنهاج "(ص 562).

(5)

الأم (6/ 214)، مختصر المزني (ص 302).

(6)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 289).

ص: 591

وهو مقيد بما إذا تعين على القاضي فصل الخصومات، فإن لم يتعين عليه .. فله أن يقدم من شاء كما صرحوا به في المدرس في العلم الذي لا يجب تعليمه، وفي " أصل الروضة " عن الشيخ أبي حامد والقاضي أبي الطيب وغيرهما: أن القاضي إذا لم يكن له رزق من بيت المال فقال للخصمين لا أقضي بينكما حتى تجعلا لي رزقًا، فجعلا له رزقًا .. جاز، قال: وهذا نحو ما نقل الهروي: أن القاضي إذا لم يكن له رزق من بيت المال، وهو محتاج، ولم يتعين عليه القضاء .. أن له أن يأخذ من الخصم أجرة عمله (1)، قال شيخنا: وقضية هذا: أن له تقديم من جعل له الرزق وإن كان مسبوقًا.

ثالثها: استثنى شيخنا في " تصحيح المنهاج " من تقديم السابق: ما إذا كان كافرًا .. فلا يقدم على المسلمين، قال: وهذا لا توقف فيه، ولم أر من تعرض له.

5992 -

قولهم - والعبارة " للمنهاج " -: (فإن جُهِل أو جاؤوا معًا .. أُقرع)(2) محله: ما إذا لم يعسر، فإن كثروا وعسر الإقراع .. كتب أسماءهم في رقاع، ووضعت بين يديه؛ ليأخذ واحدة واحدة، فيسمع دعوى من خرج اسمه (3).

5993 -

قول " التنبيه "[ص 253]: (فإن كان فيهم مسافرون .. قدمهم، إلا أن يكثروا .. فلا يقدمهم) قيده " المنهاج " و " الحاوي " بأن يكونوا مستوفزين (4)، وفسره في " أصل الروضة " بقوله: قد شدوا الرحال ليخرجوا، ولو أخروا .. لتخلفوا عن رفقتهم (5)، واستثنى " المنهاج " أيضًا: ما إذا كثروا (6)، ولم يبينا حد الكثرة، ومثله بعضهم: بأن يكونوا مثل المقيمين أو أكثر كالحجيج بمكة، وأهمله " الحاوي ".

5994 -

قول " الحاوي "[ص 661]: (ثم المرأة) أحسن من قول " المنهاج "[ص 562]: (ونسوة) لإفادته أنه إذا اجتمع مسافر وامرأة .. قدمت المرأة، ولم يتعرض " التنبيه " لتقديم المرأة، وعبارة " أصل الروضة ": لو كان في الحاضرين نسوة ورأى المَاضي تقديمهن لينصرفن .. قدمهن على الصحيح، بشرط أن لا يكثرن، وتقديم المسافر والمرأة رخصة غير واجب على الصحيح، ومنهم من يشعر كلامه بالوجوب، واختار النووي أنه مستحب لا يقتصر به على

(1) الروضة (11/ 142، 143).

(2)

انظر " التنبيه "(ص 253)، و " الحاوي "(ص 661)، و " المنهاج "(ص 562).

(3)

انظر " السراج على نكت المنهاج "(8/ 214).

(4)

الحاوي (ص 661)، المنهاج (ص 562)، المستوفز: المستعجل، والوفزة: العجلة. انظر " لسان العرب "(5/ 430).

(5)

الروضة (11/ 164).

(6)

المنهاج (ص 562).

ص: 592

الإباحة، قال في " أصل الروضة ": وينبغي أن لا يفرق بين أن يكون المسافر والمرأة مدعيًا أو مدعى عليه (1).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو ممنوع، بل هو مختص بالمدعي؛ لأن الدعوى له، وظاهر كلامهم أنه لا تقديم بغير ذلك، لكن ذكر الماوردي: أن القاضي يقدم المريض المسبوق الذي يستضر بالصبر إن كان مطلوبًا، ولا يقدمه إن كان طالبًا؛ لأن المطلوب مجبور والطالب مخير (2).

5995 -

قول " التنبيه "[ص 253]: (ولا يقدم السابق في أكثر من حكومة) كذلك من خرجت له القرعة؛ ولهذا قال " المنهاج "[ص 562]: (ولا يقدم سابق ولا قارع إلا بدعوى) وخرج به المقدم بالسفر، فقال الرافعي: يحتمل أن لا يقدم إلا بدعوى، ويحتمل أن يقدم بجميع دعاويه، ويحتمل أن يقال: إذا عرف أن له دعاوى .. فهو كالمقيم؛ لأن البعض لا يفيده والكل يضر غيره (3).

وقال النووي: الأرجح: إن كانت قليلة أو خفيفة بحيث لا تضر بالباقين إضرارًا بينًا .. قدم بجميعها، وإلا .. فيقدم بواحدة؛ لأنها مأذون فيها، وقد يقنع بواحدة ويؤخر الباقي إلى أن يحضر (4).

قال في " المطلب ": وقياس ما ذكره: أن يقدم بما لا يضر كما له أن يستوفيه، وعبارة " الحاوي " [ص 661]:(وقدم المسافر المستوفز، ثم المرأة، ثم السابق، ثم بالقرعة بخصومةٍ) وظاهره عود التقييد إلى جميع الصور، ولا يصح حمله على الأخيرة فقط؛ لأن السابق كذلك بلا شك.

5996 -

قول " التنبيه "[ص 252]: (ولا يتخذ شهودًا مرتين لا يقبل غيرهم) ظاهره الكراهة؛ لعدّه في الآداب وعطفه على قوله: (ولا يتخذ حاجبًا)(5)، وهو وجه في " الكفاية "، لكن جزم في " المنهاج " بالتحريم (6)، وهو المذكور في " الروضة " وأصلها (7).

5997 -

قول " المنهاج "[ص 562]: (وإذا شهد شهودٌ فعرف عدالةً أو فسقًا .. عمل به) و" الحاوي "[ص 675]: (واستزكى إن شك) و" التنبيه "[ص 255]: (وإن جهل عدالتهم .. سأل)

(1) الروضة (11/ 164).

(2)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 290).

(3)

انظر " فتح العزيز "(12/ 498).

(4)

انظر " الروضة "(11/ 165).

(5)

التنبيه (ص 252).

(6)

المنهاج (ص 562).

(7)

فتح العزيز (12/ 500)، الروضة (11/ 167).

ص: 593

محل الاكتفاء في التعديل بعلمه: في غير أصله وفرعه، وفيهما وجهان في " أصل الروضة " بلا ترجيح.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح عندنا تفريعًا على أنه لا يقبل تزكيته لأصله ولا فرعه كما هو الصحيح في زيادة " الروضة "(1): أنه لا يجوز أن يحكم بشهادة أصله ولا فرعه إذا علم عدالته ولم يقم عنده بينة بها.

5998 -

قول " التنبيه "[ص 254]: (فإن شهدوا وكانوا فساقًا .. قال للمدعي: " زدني في الشهود ") قال في " الكفاية ": ظاهره أنه يصغي لسماع شهادتهم وإن علم فسقهم قبل الأداء، وقد توجه: بأنه لو منعهم .. لكان هتكًا، لكن الذي صححه الرافعي والنووي: أنه لا يصغي إليهم (2).

5999 -

قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (أن يكتب ما يتميز به الشاهد والمشهود له وعليه)(3) فيه أمران:

أحدهما: قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الواجب طلب بيان عدالة الشاهد؛ ليرتب الحكم على شهادته بالطريق المعتبرة عنده، وسواء طلب البيان بهذا الطريق أم بغيره، وفي " النهاية ": لا يستريب فقيه في أن كتابة ذلك ليس أمرأ مستحقًا، فلو اتفق الهجوم على السؤال لفظًا .. لما امتنع، غير أن الأحسن ما قدمناه، وإن لم يكن في زمن الماضين .. لخبث الزمان (4).

ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: كتابة المشهود له وعليه [ليس من الواجب في الاستزكاء](5) وإن ذكره الشافعي رضي الله عنه والأصحاب، وفي " المطلب ": أن اعتباره لينجز الحكم، ولا يقف على استكشاف عداوة ولا قرابة ولا شركة تمنع من قبول الشهادة، وإلا .. فذاك ليس من أمر الاستزكاء في شيء، حتى لو أغفله وثبتت العدالة .. بقي على القاضي النظر فيما وراء التعديل (6).

6000 -

قول " الحاوي "[ص 676]: (وقدر المال) أحسن من قول " التنبيه "[ص 255] و" المنهاج "[ص 562]: (وقدر الدين) لشموله الأعيان، ومع ذلك فلو قال:(وما شهدوا به) .. لكان أعم؛ ليتناول النكاح والقتل وغيرهما، وقول " المنهاج " [ص 562]:(على الصحيح) يقتضي أن الخلاف وجهان، مع أن الأول منصوص " الأم " و" المختصر "، ويقتضي ضعف مقابله مع أنه قوي، وفي " النهاية ": الذي ذهب إليه معظم الأئمة أنه احتياط وليس باشتراط؛ فإن العدل

(1) الروضة (11/ 172).

(2)

انظر " فتح العزيز "(13/ 33)، و " الروضة "(11/ 242).

(3)

انظر " التنبيه "(ص 255)، و" الحاوي "(ص 676)، و" المنهاج "(ص 562).

(4)

نهاية المطلب (18/ 491).

(5)

في (ج): (ليس من الواجب إلا في الاستزكاء)، وفي (د):(ليس من الاستزكاء).

(6)

انظر " حاشية الرملي "(4/ 313).

ص: 594

في اليسير عدل في الكثير (1)، وقال الغزالي: إنه الأشهر (2)، وصححه صاحبا " المرشد " و" روضة الحكام ".

6001 -

قول " المنهاج "[ص 562]: (ويبعث به مزكيًا) كذا بخط النووي، وصوابه:(إلى مزك) كما في " المحرر "(3)، والمبعوث إنما هم أصحاب المسائل؛ ولذلك قال " التنبيه " [ص 255]:(ويدفعها إلى أصحاب المسائل) وقد قال " المنهاج " عقبه [ص 562]: (ثم يشافهه المزكي بما عنده) فإن أراد المبعوث أولًا .. لم يطابق كلام " المحرر " ولا كلام الأصحاب، وإن أراد غيره .. لزم عليه لتسميته الأول مزكيًا اتحاد المبعوث والمبعوث له، وعبارة " أصل الروضة ": ويكتب إلى كل مزك كتابًا، ويدفعه إلى صاحب مسألة، ثم قال: وهل الحكم بقول المزكين أم بقول أصحاب المسائل؟ وجهان، صحح الشيخ أبو حامد والقاضي أبو الطيب وغيرهما الثاني، قال ابن الصباغ: وهذا وإن كان شهادة على شهادة فتقبل للحاجة؛ أي: مع كون شهود الأصل في البلد؛ لأن المزكي لا يلزمه الحضور فعلى هذا لا بد من اثنين من أصحاب المسائل، وعلى الأول يكفي واحد (4)، وحاول الرافعي نفي الخلاف فقال: إن ولي صاحب المسألة الجرح والتعديل .. فالحكم مستند إليه وحده، وإن أمره بالبحث، فبحث وشهد بما عرف .. استند إليه أيضًا، لكن يشترط هنا العدد، وإن أمره بمراجعة مزكين وإعلامه بما قالاه .. استند إليهما لا إليه، فليحضرا وليشهدا، ولا يشهد على شهادتهما؛ لأن الفرع لا يقبل مع حضور الأصل. انتهى بمعناه (5).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ومقتضى كلامه في التنكير والتعريف: أنه يكتفي في البعث والتزكية بواحد، وهو خلاف نص " الأم " و" المختصر " وما عليه الأصحاب، وعبارة الشافعي رضي الله عنه:(ولا يقبل تعديله إلا من اثنين، ولا المسألة عنه إلا من اثنين)(6) ولهذا عبر " التنبيه " بأصحاب المسائل كما تقدم: ثم قال: (واقلهم اثنان)(7).

6502 -

قول " التنبيه "[ص 255]: (فإن عادوا بالتعديل .. أمر من عدلهم في السر أن يعدَّلهم في العلانية) هذا على سبيل الوجوب أو الاستحباب؛ فيه خلاف في " الكفاية "، وصحح كلًا منهما طائفة، وصحح الماوردي والروياني: الاستحباب إن كان مشهورًا بين الناس بما يتميز به في الاسم

(1) نهاية المطلب (18/ 492).

(2)

انظر " الوسيط "(7/ 318).

(3)

المحرر (ص 489).

(4)

الروضة (11/ 169).

(5)

انظر " فتح العزيز "(12/ 503).

(6)

الأم (6/ 205)، مختصر المزني (ص 300).

(7)

التنبيه (ص 255).

ص: 595

والنسب، والإيجاب في غيره، وقوله:(كما عدلهم سرًا)(1)، قال في " الكفاية ": ظاهره إعادة التزكية، وهو ظاهر كلام الشافعي، وصرح القاضي أبو الطيب والماوردي والبندنيجي وغيرهم بأن المراد به: جمع المزكي والمعدلين، ويقول للمزكي: هؤلاء هم الذين سئلت عنهم وزكيتهم، فيقول: نعم، أو نحوه، قال القاضي الحسين: ويشترط في التزكية سؤال القاضي عنها، فلو عدل من غير سؤال .. لم يصغ القاضي لقوله؛ لأن التعديل حسبة لا يسمع.

وفي " أصل الروضة " قبيل القضاء على الغائب: تقبل شهادة الحسبة على العدالة والفسق؛ لأن البحث عن حال الشهود ومنع الحكم بشهادة الفاسق حق لله تعالى (2).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الذي اشتهر عند الأصحاب ترجيح ما ذهب إليه الإصطخري وغيره من أن الحكم إنما هو مستند إلى شهادة أصحاب المسائل عند الحاكم بالتزكية، وقال أبو إسحاق: إنما يحكم الحاكم بتزكية المزكين الذين يسألهم أصحاب المسائل.

6003 -

قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (شرطه خبرة باطن من يعدله)(3) قال في " الكفاية ": أي في وقت الأداء أو قريبًا منه، كما قال الشافعي رضي الله عنه، قال: وهذا في المعدلين، أما أصحاب المسائل إذا اكتفينا بتعديلهم كما هو الصحيح .. فلا يشترط أن يكونوا من أهل الخبرة الباطنة، قال الماوردي: ولا يسألهم الحاكم من أين علمتم الجرح والتعديل (4)، وكلام ابن الصباغ قريب منه، وكذا قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن الذي اشتهر عند الأصحاب ترجيح إسناد الحكم إلى شهادة أصحاب المسائل عند الحاكم بالتزكية مع أن أصحاب المسائل لا يخبرون باطن من يعدلونه، وقال: إن الذي في " المنهاج " إنما يجيء على وجه أبي إسحاق أن التزكية من المزكين الذين يسألهم أصحاب المسائل.

قلت: بتقدير ترجيح الأول .. فقد صار أصحاب المسائل يخبرونهم الخبرة الباطنة ببحثهم وتنقيبهم عنه وإن لم يطل الزمان في ذلك، وقد قال الرافعي: إن ظاهر لفظ الشافعي اعتبار التقادم في المعرفة الباطنة، ثم قال: ويشبه أن شدة الفحص كالتقادم، فليس ذكر التقادم للاشتراط، بل لكون الغالب أن الباطن لا يعرف إلا به (5).

6004 -

قولهم - والعبارة لـ " المنهاج " -: (وأنه يكفي: " هو عدل "، وقيل: يزيد: " عليَّ

(1) التنبيه (ص 255).

(2)

الروضة (11/ 174).

(3)

انظر " التنبيه "(ص 255)، و" الحاوي "(ص 672)، و " المنهاج "(ص 562).

(4)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 188).

(5)

انظر " فتح العزيز "(12/ 504).

ص: 596

ولي ") (1) نص في " الأم " و" المختصر " على الثاني، ولفظه: (ولا يقبل التعديل إلا بأن يقول: عدلٌ عليّ ولي) (2)، وقال في " الشامل ": قال أكثر أصحابنا بظاهر لفظه، وفي " أصل الروضة ": أن الأولين تأولوه، وجعلوه تأكيدًا لا شرطًا (3).

ورجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن المعنى في هذه الزيادة تعميم تعديله وانتفاء تخصيص عدالته بشيء دون شيء، قال: وعلى هذا: فلو قال: عدل لا تختص عدالته بشيء دون شيء .. كان ذلك كافيًا؛ لتصريحه بالمقصود من: (عليّ ولي)، قال: وقد يكون بينه وبين المعدّل عداوة تمنع من قبول شهادته عليه .. فلا ينبغي أن يلزم المعدّل أن يقول: (على) لوجود العداوة المانعة من قبول قوله عليه، ولو قال المعدل ذلك على قصد التعميم .. لم يكن ذلك مقتضيًا لانتفاء العداوة بينه وبينه.

وقال شيخنا ابن النقيب: ينبغي إن لاحظنا ما بين الشاهد والمزكي .. اتجه اشتراط: (لي) فقط، أو ما بينه وبين المشهود له من قرابة .. اتجه اشتراط:(له) فقط، ويشير إليه أو يسميه، وإن لوحظ الاحتياط .. اشترط:(لي وللمشهود له وعلى المشهود عليه). انتهى (4).

6005 -

قول " التنبيه "[ص 255]: (ولا يقبل الجرح إلا مفسرًا) و" المنهاج "[ص 562]: (ويجب ذكر سبب الجرح) يقتضي أنه لا يجعل بذكر الزنا قاذفًا، وهو كذلك للحاجة كالشاهد، لكن لو لم يوافقه غيره .. فقال الرافعي: ليكن كما لو شهد ثلاثة بالزنا في كونهم قذفة قولان (5)، قال النووي.

والمختار بل الصواب: أنه غير قاذف هنا وإن انفرد؛ لأنه مسؤول، فهو في حقه فرض كفاية أو عين، بخلاف شهود الزنا؛ فإنهم مندوبون إلى الستر، فهم مقصرون (6).

وفي " المهمات ": أن ما ذكره النووي هو المعروف في المذهب، وكيف يجتمع وجوب ذكر الزنا ووجوب الحد عليه؟ وفرق الماوردي بين أصحاب المسائل، فلم يجعلهم قذفة، والجيران إذا لم يكمل بهم النصاب، فجعلهم قذفة؛ لأن أصحاب المسائل ندبوا للإخبار بما سمعوه ولم تندب الجيران إليه (7).

واستحسنه شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: إنه المعتمد، لكنه ذكر أن محل إيجاب ذكر

(1) انظر " التنبيه "(ص 255)، و " الحاوي "(ص 676)، و" المنهاج "(ص 562).

(2)

الأم (6/ 205) مختصر المزني (ص 300).

(3)

الروضة (11/ 173).

(4)

انظر " السراج على نكت المنهاج "(8/ 218).

(5)

انظر " فتح العزيز "(12/ 505).

(6)

انظر " الروضة "(11/ 171).

(7)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 192).

ص: 597

سبب الجرح في غير أصحاب المسائل، فلا يجب على أصحاب المسائل، فيقال عليه إذا ندبوا لذلك ولم يخشوا حد القذف، فهم أولى من غيرهم بوجوب بيان السبب، وهل يشترط ذكر رؤية السبب أو سماعه؛ بأن يقول: رأيته يزني أو سمعته يقذف؛ وجهان، أشهرهما: نعم، وأقيسهما: لا.

واعلم: أن الجرح الذي ليس مفسرًا وإن لم يقبل يفيد التوقف عن الاحتجاج به إلى أن يبحث عن ذلك الجرح، ذكره ابن الصلاح والنووي في الرواية، ولا فرق بين الرواية والشهادة في ذلك فيما يظهر.

6006 -

قول " المنهاج "[ص 562]: (وتُعتمد فيه المعاينة أو الاستفاضة) حمله شيخنا في " تصحيح المنهاج " على غير أصحاب المسائل، فأما هم .. فإنما يعتمدون المزكين.

6007 -

قول " التنبيه "[ص 255]: (فإن عدله اثنان وجرحه اثنان .. قدم الجرح) قال في " المنهاج "[ص 562]: (فإن قال المعدل: " عرفت سبب الجرح وتاب منه وأصلح " .. قدم) وفي " الكفاية " استثناء صورة أخرى، وهي: ما لو جرحه اثنان ببلد ثم انتقل لأخرى فعدله اثنان، ثم قال: كذا أطلقوه، وينبغي أن يخص بما إذا تخللت مدة الاستبراء.

6008 -

قول " الحاوي "[ص 675]: (لا إن أقر الخصم بعدالته) أي: فإنه لا يجب الاستزكاء، تبع فيه " الوجيز "(1)، لكن قال في " المنهاج " [ص 562]:(والأصح: أنه لا يكفي في التعديل قول المدعى عليه: " هو عدلٌ وقد غَلِط ") وهو يقتضي أن مقابله الاكتفاء بذلك في التعديل، ولم يقم به أحد، وإنما مقابله الاكتفاء به في الحكم على المدعى عليه بذلك.

ثم محل الخلاف: ما إذا كان المدعى عليه أهلًا للإقرار بالحق المدعى به، فإن كان سفيهًا أو عبدًا أو وكيلًا .. لم يكن لكلامه أثر بلا خلاف.

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وقوله: (وغلط) لا يحتاج إليه، بل اعترافه بعدالته يقتضي جريان الوجهين وإن لم نقل: غلط.

قلت: ذكر ذلك إنما هو تصوير للمسألة؛ بأن يكون مع اعترافه بعدالة الشاهدين باقيًا على الإنكار، والله أعلم.

6009 -

قول " الحاوي "[ص 676]: (فإن ارتاب .. فليستفصل) فيه أمران:

أحدهما: أن ظاهره ونجوب ذلك، وكذا قال الإمام والغزالي (2)، لكن عامة الأصحاب على أنه

(1) الوجيز (2/ 241).

(2)

انظر " نهاية المطلب "(18/ 481)، و " الوجيز "(2/ 241).

ص: 598

مستحب (1)، وقد صرح به " التنبيه " فقال [ص 254]:(فإن كانوا عدولًا وارتاب بهم .. استحب أن يفرقهم).

ثانيهما: ظاهر كلامهما تقديم التزكية على الاستفصال، وكذا قال الغزالي (2)، والمشهور عكسه، وهو الذي حكاه الرافعي عن أصحابنا العراقيين وغيرهم، وقال: إنه الوجه، وظاهر كلام الأصحاب رد شهادتهم إذا اختلف كلامهم، وبه صرح الماوردي، وعليه يدل قول الرافعي: في تعليل تقديم التفريق على الاستزكاء: فإنه إن اطلع على عورة .. استغنى عن الاستزكاء والبحث. انتهى (3).

وقد يقال: يمكن حمل الاختلاف في الكيفية على الغلط في ذلك، فيقضي القاضي بالقدر المشترك الذي وقعت به الشهادة، ولا يضر الاختلاف؛ ويؤيده أن القاضي يقضي مع الريبة، والله أعلم.

6010 -

قول " التنبيه "[ص 255]: (وإن عاد أحدهما بالتعديل والآخر بالجرح .. أنفذ آخرين) قال في " الكفاية ": وفي " المهذب " تبعًا للماوردي الاكتفاء بواحد (4)، واستحسنه ابن يونس، والذي أورده القاضي أبو الطيب والبندنيجي وابن الصباغ الأول.

6011 -

قوله: (فإن جهل إسلامهم .. رجع فيه إلى قولهم)(5) كذا في " أصل الروضة " هنا (6)، لكن فيها في الردة: أن الكافر إذا قال: أسلمت .. لا يحكم بإسلامه حتى يتلفظ بالشهادتين؛ لأنه قد يسمى دينه الذي عليه إسلامًا (7).

قال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": ولا أثر لكونه غير محقق الكفر؛ لأن المطالبة لاحتمال أن يكون كافرًا، وبتقدير هذا الاحتمال لا يفيد قوله: إني مسلم.

(1) انظر " فتح العزيز "(12/ 509).

(2)

انظر " الوجيز "(2/ 241).

(3)

انظر " فتح العزيز "(12/ 509).

(4)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 190)، و" المهذب "(2/ 296).

(5)

انظر " التنبيه "(ص 255).

(6)

الروضة (11/ 168).

(7)

الروضة (10/ 85).

ص: 599