المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه] - تحرير الفتاوي على التنبيه والمنهاج والحاوي - جـ ٣

[ابن العراقي]

فهرس الكتاب

- ‌كتاب الجِنايات

- ‌فصل [في اشتراك اثنين في فعل مزهق]

- ‌فصل [في قتل من ظن كفره]

- ‌فصل [في تغير حال المجني عليه من وقت الجناية]

- ‌فصلٌ [شروط قود الأطراف والجراحات وما يتعلق بها]

- ‌بابُ كيفيّة القصاص ومستوفيه والاختلاف فيه

- ‌فصلٌ [في الاختلاف]

- ‌فصلٌ [ثبوت حق القصاص للوارث]

- ‌فصلٌ [موجب العمدِ القودُ]

- ‌كتابُ الدّيات

- ‌فصلٌ [في الشجاج التي تجب فيها الحكومة]

- ‌فَرْعٌ [في دية المعاني]

- ‌فرعٌ [تداخل ديتين فأكثر]

- ‌فصلٌ [فيما تجب فيه الحكومة وقدرها]

- ‌باب ما تجب به الدّية من الجنايات

- ‌فصل [في الاصطدام]

- ‌باب العاقلة

- ‌فصلٌ [جناية العبد وتعلقها برقبته]

- ‌تَنْبِيهٌ [لو كان العبد المأمور بجناية مرهونًا مقبوضًا بالإذن]

- ‌بابُ ودية الجنين

- ‌بابُ كفّارة القتل

- ‌فَصْلٌ [ما يثبت به موجب القصاص]

- ‌كتابُ البُغاة

- ‌بابُ أدب السلطان

- ‌كتابُ الرِّدَّة

- ‌كتابُ الزِّنا

- ‌كتابُ حَدِّ القّذْف

- ‌كتابُ قطع السّرقة

- ‌فَصْلٌ [فيما يمنع القطع وما لا يمنعه]

- ‌فَصْلٌ [إقامة الحد على الذِّمِّيُّ والمعاهد]

- ‌فَصْلٌ [فيما تثبت به السرقة]

- ‌فَصْلٌ [في صفة القطع وما يتعلق بها]

- ‌كتابُ قاطع الطَّريق

- ‌فَصْلٌ [في اجتماع الحدود]

- ‌كتاب الأشربة

- ‌بابُ التَّعزير

- ‌كتابُ الصِّيال وضمان الولاة

- ‌فَصْلٌ [ضمان الولاة]

- ‌فَصْلٌ [ضمان الدواب والبهائم]

- ‌كتاب السير

- ‌فصل [في الاستعانة على الغزو]

- ‌فصل [حكم أسرى الكفار]

- ‌فصل [في الأمان]

- ‌فصل [في الجزية]

- ‌فصل [جملة من أحكام عقد الذمة]

- ‌باب الهدنة

- ‌كتابُ الصَّيُد والذّبائح

- ‌فصَلٌ [في بعض شروط الآلة والذبح والصيد]

- ‌فصَلٌ [فيما يملك به الصيد]

- ‌كتابُ الأضحية

- ‌بابُ العَقِيقة

- ‌كتابُ الأَطعِمة

- ‌كتاب المسابقة والمناضلة

- ‌تَنْبِيْهٌ [في بقية شروط المسابقة]

- ‌تَنْبِيْهٌ [لا تتعين صفات الرمي بالشرط]

- ‌كتابُ الأَيْمان

- ‌بابُ من يصح يمينه وما يصح به اليمين

- ‌كتابُ كفّارة اليمين

- ‌بابُ جامع الأيمان

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الحلف على الأكل وعدمه]

- ‌فَصْلٌ [في أنواع من الأيمان]

- ‌فَصْلٌ [فيما لو حلف على أمر فوكل غيره حتى فعله]

- ‌كتابُ النَّذْر

- ‌فصلٌ [في نذر المشي إلى مكة أو الحج والعمرة وما يتعلق به]

- ‌كتابُ القضاء

- ‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

- ‌فصلٌ [في آداب القضاء وغيرها]

- ‌فصلٌ [في التسوية بين الخصمين وما يتبعها]

- ‌بابُ القضاء على الغائب

- ‌تَنْبِيْهٌ [لو أقام قيم الطفل بينة على قيم طفل آخر]

- ‌فصلٌ [في بيان الدعوى بعين غائبة]

- ‌فصلٌ [في بيان من يحكم عليه في غيبته وما يذكر معه]

- ‌بابُ القِسْمَة

- ‌كتابُ الشهادات

- ‌فصلٌ [فيما يحكم به بشهادة رجل واحد]

- ‌تَنْبِبيهٌ [أقسام المشهود به]

- ‌فَصْلٌ [في تحمل الشهادة في النكاح وغيره]

- ‌فَصْلٌ [في الشهادة على الشهادة]

- ‌فَصْلٌ [في الرجوع عن الشهادة]

- ‌كتابُ الدعوى والبيّنات

- ‌فَصْلٌ [فيما يترتب على سكوت المدعى عليه عن جواب الدعوى]

- ‌تنبيه [على وجوب اليمين وعدمه]

- ‌فصل [متى تغلظ يمين المدعي والمدعى عليه

- ‌فصل [في تعارض البينتين]

- ‌فصل [في اختلاف المتداعيين في العقود]

- ‌كتابُ إلحاق القائف

- ‌كتابُ العِتْق

- ‌فصَلٌ [في العتق بالبعضية]

- ‌فصَلٌ [في العتق في مرض الموت]

- ‌بابُ الولاء

- ‌كتابُ التَّدبير

- ‌كتابُ الكِتابة

- ‌فصل [فيما يلزم السيد بعد الكتابة]

- ‌فصل [في بيان لزوم الكتابة]

- ‌فصلٌ [في مشاركة الكتابة الفاسدةِ الصحيحةَ]

- ‌كتابُ أمّهات الأولاد

- ‌خاتمة النسخة

- ‌خاتمة النسخة (ج)

- ‌خاتمة النسخة (د)

- ‌أهم مصادر ومراجع التحقيق

الفصل: ‌فصل [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

‌فصلٌ [فيما يقتضي انعزال القاضي أو عزله وما يذكر معه]

5906 -

قول " المنهاج "[ص 558]: (جن قاضٍ، أو أغمي عليه، أو عَمِيَ، أو ذهبت أهلية اجتهاده وضبطه بغفلةٍ أو نسيان .. لم ينفذ حكمه) قد يُفْهِمُ بقاءه على ولايته وإن لم ينفذ حكمه؛ كمن هو في غير ولايته، وفائدته استمرار ثوابه، وليس كذلك، فلو قال:(انعزل) كما عبر به " الحاوي "(1) .. لكان أولى، وهذا هو مراده؛ لقوله بعده:(فإن زالت هذه الأحوال .. لم تعد ولايته في الأصح)(2).

ويستثنى من العمى: ما لو عمي بعد سماع البينة وتعديلها .. فالأصح: أنه ينفذ قضاؤه في تلك الواقعة إن لم يحتج إلى الإشارة، كما ذكره في " الروضة " في الشهادات (3)، ولا يخفى أن تعبير " المنهاج " بذهاب أهلية اجتهاده

إلى آخره، أعم من تعبير " الحاوي " عن ذلك بالنسيان.

5907 -

قول " المنهاج "[ص 558]: (وكذا لو فسق في الأصح) نازع شيخنا في " تصحيح المنهاج " في إثبات خلاف ذلك، وقال: لا يعرف في شيء من كتب الطريقين، وإنما حكى الإمام في " النهاية " عدم انعزاله عن بعض الأصوليين (4)، قال: والصواب الذي يقتضيه كلام الشافعي رضي الله عنه وأصحابه: القطع بالانعزال بالفسق المنافي لابتداء الولاية.

5908 -

قوله: (فإن زالت هذه الأحوال لم تعد ولايته في الأصح)(5) قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": محله في غير المريض الذي حصل له ما يمنعه من الاجتهاد من غير حصول إغماء؛ فإنه وإن لم ينفذ حكمه فيه .. لا ينعزل إذا كان مرجو الزوال، فإذا زال المانع .. فولايته مستمرة قطعًا، ذكره الماوردي (6)، وهو الصواب، ولا توقف فيه.

5909 -

قوله: (وللإمام عزل قاض ظهر منه خللٌ، أو لم يظهر وهناك أفضل منه أو مثله وفي عزله به مصلحة كتسكين فتنة، وإلا .. فلا)(7) فيه أمور:

أحدها: أن ذلك لا يختص بالإمام؛ فالقاضي مع نوابه كذلك؛ ولذلك لم يقيده " الحاوي "

(1) الحاوي (ص 659).

(2)

المنهاج (ص 558).

(3)

الروضة (11/ 260، 261)، وفي حاشية (ج):(و " الحاوي " أيضًا فيها).

(4)

نهاية المطلب (18/ 586).

(5)

انظر " المنهاج "(ص 558).

(6)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 335).

(7)

انظر " المنهاج "(ص 558، 559).

ص: 551

بالإمام (1)، وقال الماوردي: للقاضي عزل خليفته من غير موجب بناء على انعزاله بموته (2)، وكذا قال السبكي في تصنيف له: له عزله لمصلحة وغيرها؛ لأنه يستعين به، ولو باشر الأحكام كلها بنفسه .. لجاز، فكيف يحجر عليه إذا استناب أن لا يعزل إلا لمصلحة، لكن الأولى أن لا يفعله إلا لمصلحة؛ لما فيه من كسر القلوب بغير فائدة، وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": الأرجح عندنا: خلاف ما ذكر الماوردي.

ثانيها: قد يفهم من قوله: (ظهر منه خلل) ثبوته، وليس كذلك؛ ففي " أصل الروضة " عن " الوسيط ": أنه يكفي فيه غلبة الظن (3)، وجزم به في " الشرح الصغير "، وعبارة " الحاوي " [ص 659]:(ويُعزل بخلل).

ثالثها: محل جواز عزله بالخلل ما إذا كان غير متعين، فإن لم يصلح غيره .. لم يعزل بمجرد الخلل الذي لا يقتضي انعزاله، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: وهذا لا توقف فيه وإن لم يصرحوا به، ولكنهم ذكروا ما يقتضيه.

رابعها: قد يفهم أن قوله: (وفي عزله به مصلحة) أن يعود للصورتين قبله، وليس كذلك؛ فإنما يعود للثانية فقط، وهي ما إذا كان هناك مثله، وعبارة " الحاوي " صريحة في ذلك؛ لقوله [ص 659]:(وأصلح، ومصلحة) فعطفها عليها يقتضي أنها غيرها.

خامسها: أن عبارته تقتضي أنه لا يعزل بدونه إذا كان فيه مصلحة، وليس كذلك، بل المثل والدون في هذا سواء، وقد تناول الدون قول " الحاوي " [ص 659]:(ومصلحة).

سادسها: ذكر في " المحرر " في العزل بالمثل قيدًا آخر أسقطه " المنهاج "، وهو: أن لا يكون في عزله به فتنة (4)، ولا يستغنى عنه بقوله:(وفي عزله به مصلحة) فقد يكون الشيء مصلحة من وجه ومفسدة من جهة أخرى.

5910 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (لكن ينفذ العزل في الأصح) و" الحاوي "[ص 659]: (ودونه نفذ) لا يخفى أن محله في غير المتعين، ثم في " النهاية " عن الأصحاب: أنه إن عزله بمن هو دونه .. لم ينفذ على ظاهر المذهب، أو بمن هو مثله .. فعلى قولين، كذا رتبه القاضي، وقال الإمام: الوجه القطع بنفوذه في كل صورة (5).

(1) الحاوي (ص 659).

(2)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 233).

(3)

الروضة (11/ 126)، وانظر " الوسيط "(7/ 295).

(4)

المحرر (ص 485).

(5)

نهاية المطلب (18/ 586).

ص: 552

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وظهر بذلك أن الذي ذكره في " المنهاج " مخالف للطريقين معًا.

5911 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (والمذهب: أنه لا ينعزل قبل بلوغه خبر عزله) يفهم انعزاله ببلوغ خبره، وبه صرح " الحاوي "(1)، واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج " ما إذا لم يبلغ نوابه خبر عزله .. فولايته مستمرة حكمًا، وإن كان لا ينفذ حكمه، ويستحق ما رتب له على الوظيفة لسدها بنائبه، قال: والقياس في عكسه: أن النائب لا ينعزل حتى يبلغ أصله خبر العزل، وينفذ حكمه كما ينفذ حكم أصله، قال: ولم أر من تعرض له.

5912 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (وإذا كتب الإمام إليه: " إذا قرأت كتابي .. فأنت معزول "، فقرأه .. انعزل) لا يتوقف ذلك على القراءة الحقيقية، فلو تأمله وعرف ما فيه .. انعزل، وفي " النهاية " في الطلاق: لم يختلف علماؤنا أنها إذا طالعته وفهمت ما فيه .. أنه يقع الطلاق وإن لم تتلفظ بشيء (2).

5913 -

قوله: (وكذا إن قُرئ عليه في الأصح)(3) مخالف لنظيره في الطلاق، قال في " المهمات ": والصواب التسوية بين البابين، وعدم الاكتفاء بها.

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": العزل بذلك قاله الصيدلاني، وفرق بينه وبين الطلاق: بأن تفاصيل الصفات مرعية في تعليق الطلاق، وأمر العزل يُرعى فيه الإعلام، ولا يرد على دقائق الصفات، ولو راعى الإمام غير الإعلام .. لكان في مقام [العابث](4)، قال الإمام: وهو حسن، ولكن اتفق الأصحاب على التسوية بين هذا وبين الطلاق في الوفاق والخلاف (5).

5914 -

قوله: (وينعزل بموت القاضي وانعزاله مَنْ أُذِنَ له في شغلٍ معينٍ كبيع مال [يتيم])(6)(7)، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إن كان له يتيم .. فهذا قيم يتيم، وقيم اليتيم لا ينعزل بموت القاضي ولا بانعزاله كما سيأتي.

قلت: قيم اليتيم متصرف في جميع أموره، وهذا مأذون له في قضية خاصة، وهي البيع، فلم يجعله القاضي قيمه، وإنما استعان به في أمر مخصوص، والله أعلم.

(1) الحاوي (ص 659).

(2)

نهاية المطلب (14/ 81).

(3)

انظر " المنهاج "(ص 559).

(4)

في (ج)، (د):(الغائب) والمثبت من (ب) و" نهاية المطلب ".

(5)

انظر " نهاية المطلب "(18/ 587).

(6)

في "المنهاج ": (ميت).

(7)

انظر " المنهاج "(ص 559).

ص: 553

5915 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (والأصح: انعزال نائبه المطلق إن لم يؤذن له في الاستخلاف، أو قيل له: " استخلف عن نفسك "، أو أطلق، فإن قيل له: " استخلف عني " .. فلا) و" الحاوي "[ص 659]: (وبنعزل ونائبه، لا العام عن الإمام) ما ذكراه في حالة الإطلاق مخالف ما صححاه في نظيره من الوكالة من أنه يكون نائبًا عن الأول حتى لا ينعزل بعزل الثاني.

قال في " المهمات ": ولعل العكس أقرب، لكن حكيا عن تصحيح البغوي فيما لو قال الموصي للوصي: أوص، وأطلق .. أنه كما لو قال:(عنك) حتى لا يصح، وصححا فيما لو قال: أعتق عبدك على ألف .. أنه كما لو قال: (عن نفسك).

وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن التفصيل المذكور هنا لا يعرف في شيء من كتب المذهب، إلا في كلام البغوي والخوارزمي، قال: والأرجح عندنا: ما حكاه الشيخ أبو حامد عن عامة أصحابنا: بأنه لا ينعزل مطلقًا كالإمام إذا مات.

وفي " أصل الروضة " عن السرخسي: أن الإمام لو نصب نائبًا عن القاضي .. لا ينعزل بموت القاضي وانعزاله؛ لأنه مأذون له من جهة الإمام، قال الرافعي: ويجوز أن يقال: إذا كان الإذن مقيدًا بالنيابة ولم يبق الأصل .. لم يبق النائب. انتهى (1).

ويوافق هذا البحث حكاية الماوردي وجهين في أنه هل للقاضي عزل هذا الذي استنابه الإمام عن القاضي؟ فإنه متى كان له عزله .. انعزل بموته (2).

5916 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (ولا ينعزل قاضٍ بموت الإمام) زاد " الحاوي "[ص 659]: (وانعزاله) واستثنى منه شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ما إذا أقامه قاضيًا ليحكم بين الإمام وبين خصمائه .. فإنه ينعزل بموت الإمام؛ لزوال المعنى المقتضي لذلك، قال: ولم أر من تعرض لذلك، وفقهه واضح.

قلت: ليس هذا قاضيًا عامًا، وإنما هو مأذون له في شغل معين، فينعزل بموته، ولو لم يتعذر ذلك الشغل، فكيف وقد تعذر بموت أحد الخصمين، والله أعلم.

5917 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (ولا يقبل قوله بعد انعزاله: " حكمت بكذا ") فيه أمران:

أحدهما: يستثنى منه: ما إذا انعزل بالعمى .. فتقدم إن له إنشاء الحكم إذا استوفى الشروط قبله، ولم يحتج لإشارة؛ فالإقرار به أولى، ذكره شيخنا في " تصحيح المنهاج "، وقال: لم من أر من تعرض له، وهو فقه دقيق.

(1) فتح العزيز (12/ 443).

(2)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 8).

ص: 554

ثانيهما: في معنى قوله: (حكمت بكذا) ثبت عندي كذا، وعقدت نكاح فلانة على فلان، وبعت كذا على محجوري بالحكم، فلو قال:(صرفت مال الوقف لجهته العامة، أو في عمارته التي تقتضيها الحال) .. قبل قوله بلا يمين، ولو قال: المال الذي في يد هذا الأمين سلمته له زمن قضائي، وهو لزيد، وصدقه الأمين على أنه تسلمه منه، وادعى أنه لعمرو .. فالقول قول القاضي بلا يمين، وهل يغرم الأمين لعمرو؟ فيه وجهان، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": والأرجح: أنه لا يغرم له شيئًا، ولو لم يصدقه الأمين في تسلمه منه فالقول قول الأمين.

5918 -

قوله: (فإن شهد مع آخر بحكم حاكم جائز الحكم .. قبلت في الأصح)(1) و" الحاوي "[ص 660]: (ويشهد بشاهدٍ إن قضى به قاضٍ) محله: ما إذا لم يعلم القاضي أنه يعني نفسه؛ فإن للرافعي احتمالين في أن الخلاف فيما إذا لم يعلم القاضي أنه يعني نفسه، فإن علم .. فهو كما لو أضاف إلى نفسه، أو الخلاف فيما إذا علم، وإلا .. قبل قطعًا، وصحح النووي: الأول (2).

لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": قد يظهر أن الثاني أرجح؛ لأن القاضي إذا علم .. جاز الوجهان في الرد وعدمه، فإذا لم يعلم .. فالقبول مقطوع به؛ إذ لا خلل في لفظ الشاهد ولا في علم القاضي. انتهى.

وفي " المهمات ": أن الاحتمال الثاني لا يتصور هنا؛ لأنه علل المنع؛ فإنه قد يريد نفسه، ولو كان محلهما: ما إذا علم .. لم يصح هذا التعليل؛ لأنه تعليل لمحل النزاع، ثم قال: إن كلام الأصحاب يدل على الاحتمال الثاني؛ فإن الإمام علل وجه المنع بأن الظاهر أنه يعني نفسه (3)، وعلله الماوردي بجواز أن يكون هو الحاكم به (4)، وعلل البغوي القبول بأن الظاهر أنه يريد حكم غيره (5)، ويوافقه قوله في " فتاويه " فيما لو باع دارًا، فغصبت من المشتري، فشهد له البائع بالملك .. يقبل، ولا يرد القاضي شهادته بعلمه أنه باعها كما لا ترد شهادة من علم أنه شهد بالملك بظاهر اليد، وإن كان لو صرح لم يقبل، فلو صرح الشاهد الآخر بأن المعزول حكم به .. قبل على الاحتمال الثاني؛ لأنا لا نعتني تفريعًا عليه إلا بتصحيح الصيغة، قاله الرافعي (6).

قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو مردود؛ فإن الشهادة على حاكم واحد لم يتم النصاب

(1) انظر " المنهاج "(ص 559).

(2)

انظر " فتح العزيز "(12/ 445).

(3)

انظر " نهاية المطلب "(18/ 588).

(4)

انظر " الحاوي الكبير "(16/ 338).

(5)

انظر " التهذيب "(8/ 194).

(6)

انظر " فتح العزيز "(12/ 445).

ص: 555

فيها، ولو علم القاضي أن المعزول يريد نفسه .. فليس قاطعًا بذلك عند أداء الشهادة؛ لجواز أن يريد غيره، فلم تتفق الشاهادتان على حاكم واحد تعين في أداء شهادتهما وَحْدَتُه.

5919 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (ولو ادعى شخصٌ على معزولٍ أنه أخذ ماله برشوةٍ أو شهادة عبدين مثلًا .. احضر وفُصِلَتْ خصومتهما) و " التنبيه "[ص 253، 254]: (فإن ادعى عليه مالًا غصبه أو رشوة أخذها على حكم .. أحضره) فيه أمران:

أحدهما: قد يفهم تعين إحضاره، وليس كذلك، فله إرسال وكيله، ذكره في " المطلب "، قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": وهو واضح؛ لأن في إحضاره من [الإهانة](1) ما لا يستحقه بمجرد الدعوى.

ثانيهما: قال شيخنا أيضًا: مقتضاه: أنه يحلفه هنا بلا خلاف، بخلاف الصورة التي ستأتي بعدها، وليس كذلك؛ فقد قال القاضي أبو الطيب: إن فيها الخلاف الآتي بعدها، وبه جزم ابن الصباغ، فقال: كان القول قول المعزول بلا يمين.

5920 -

قول " التنبيه "[ص 254]: (وإن قال: " حكم عليّ بشهادة فاسقين أو عبدين " .. فقد قيل: يحضره، وقيل: لا يحضره حتى يقيم المدعي بينة أنه حكم عليه) فيه أمور:

أحدها: محل الخلاف: ما إذا لم يذكر مالًا، وقد قيده به " المنهاج "(2)، فإن ادعى أنه أخذه منه بشهادتهما ودفعه إلى فلان .. أحضره قطعًا.

ثانيها: الأصح في " المنهاج " و" التصحيح " الأول (3)، وكذا صححه في " أصل الروضة "(4)، مع أن الرافعي إنما نقل تصحيحه في " الشرح " عن الروياني وغيره، وتصحيح مقابله عن البغوي (5)، وكلامه في " الشرح الصغير " يقتضي ترجيح الثاني؛ فإنه اقتصر على حكاية ترجيحه عن البغوي، ولم ينقل ترجيح الأول عن أحد، وكذا قال في " المحرر " عن الثاني: رجحه مرجحون (6).

قال في " الدقائق ": وليس ما في " المنهاج " مخالفًا لما في " المحرر " لأنه لا يمنع أن الأول رجحه آخرون أو الأ كثرون، قال: وقد صحح هو الأول في "الشرح " وصححه آخرون. انتهى (7).

(1) في (ب)، (د):(الاهنة)، وفي (ج):(الاهبة).

(2)

المنهاج (ص 559).

(3)

المنهاج (ص 559)، تصحيح التنبيه (2/ 263).

(4)

الروضة (11/ 129، 130).

(5)

فتح العزيز (12/ 447)، وانظر " التهذيب "(8/ 194).

(6)

المحرر (ص 486).

(7)

الدقائق (ص 76).

ص: 556

وقد عرفت أنه لم يصححه في " الشرح "، وإنما حكى تصحيحه عن الروياني وغيره مع نقل تصحيح مقابله عن البغوي، وعادته في " المحرر " إذا اقتصر على حكاية ترجيح أحد الوجهين ولو مبهمًا بقوله:(رجح) .. اعتمد في " المنهاج " ترجيحه، فما باله خالف هنا عادته.

وقال شيخنا الإسنوي في " التنقيح ": إن اقتضى ما في " المحرر " عكس ما صححه في " المنهاج " .. فالمخالفة واضحة، وإن لم يقتض تصحيحه من غير تنبيه عليه.

وقال في " التوشيح ": هذا الثاني هو الذي ظهر من كلام الوالد رحمه الله تعالى ترجيحه، ذكره في كتاب التعريف.

ثالثها: ليس المراد على الوجه الثاني: أن البينة تقام في غيبته ويحكم بها، بل المراد: أن لا يحضره إلا بعد التثبت؛ بأن يقيم بينة بعلم القاضي بها أن لدعواه حقيقة، فإذا حضر وادعى عليه .. شهدوا في وجهه.

5921 -

قول " التنبيه "[ص 254]: (فإن حضر وقال: " حكمت عليه بشهادة حرين عدلين " .. فالقول قوله مع يمينه، وقيل: القول قوله من غير يمين، والأول أصح) كذا صححه في " المنهاج " من زيادته (1)، ولم يصرح في " الروضة " بتصحيح، وعبارته: صدق بيمينه على الأصح عند العراقيين والروياني كالمودع وسائر الأمناء، وقيل: يصدق بلا يمين، وبه قال ابن القاص والإصطخري وصاحب " التقريب " والماوردي، وصححه الشيخ أبو عاصم والبغوي (2).

وحكى النشائي في " نكته ": أن الرافعي قال: والأحسن ما صححه الشيخ أبو عاصم

إلى آخره (3)، وهو تحريف، وإنما قال: وهذا أحسن وأصح عند الشيخ أبي عاصم

إلى آخر كلامه (4)، فأسقط في " الروضة " لفظة (أحسن)، وفهم في " المهمات " أن قوله: إنه أحسن من عند الرافعي غير منقول عن أبي عاصم؛ ولذلك اقتصر عليه في " الشرح الصغير " و" المحرر " فقال: أحسنهما بلا يمين (5)، ولم يذكر فيهما ترجيح غيره عن أحد، ويوافقه كلام " أصل الروضة " في الباب الثالث من الدعوى والبينات (6)، وحكى في " التوشيح " عن والده: أنه صححه، وعليه مشى " الحاوي " فقال فيمن لا يحلف [ص 687]:(والقاضي وإن عُزِلَ).

وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": إنه الأصح المعتمد؛ فإن منصب القضاء والشهادات شرع

(1) المنهاج (ص 559).

(2)

الروضة (11/ 130).

(3)

نكت النبيه على أحكام التنبيه (ق 191).

(4)

انظر " فتح العزيز "(12/ 447).

(5)

المحرر (ص 486).

(6)

الروضة (12/ 38).

ص: 557

للمصلحة العامة، فلا يليق بمن يقوم به تحليفه فيما يتعلق به؛ لئلا يؤدي إلى الرغبة عنه؛ ولهذا لا يحلف المتولي كما سيأتي، ثم نازع شيخنا في نسبة تصحيح التحليف للعراقيين؛ بأن صاحب " الشامل " حكى الوجهين بلا ترجيح، وجزم فيما إذا قال المدعي: أخرج عقارًا أو عينًا من يدي دفعها لفلان بغير حق، فقال المعزول: فعلت هذا بحق من بينة أو إقرار .. أن القول قول المعزول بلا يمين.

5922 -

قول " المنهاج "[ص 559]: (ولو ادُّعِيَ على قاضٍ جورٌ في حكمٍ .. لم تسمع، وتشترط بينة) علله الرافعي وغيره: بأن هذا الباب لو فتح .. لاشتد الأمر، ورغب القضاة والشهود عن القضاء والشهادة (1).

وعلله السبكي: بأن القاضي نائب الشرع، والدعوى على النائب كالدعوى على المستنيب، والدعوى على الشرع لا تسمع، فإن فرض قيام بينة عادلة .. فقد خرج عن نيابة الشرع، فتسمع إذ ذاك، قال: وهذه العلة ترد على الشيخ أبي حامد قوله: إن قياس المذهب: تحليف القاضي كسائر الأمناء، فيقال: الفرق بينه وبينهم أنه أمين الشرع، بخلافهم.

وذكر شيخنا في " تصحيح المنهاج ": أن محل عدم إحضاره عند فقد البينة: إذا لم يكن المشكو إليه الإمام .. فللإمام إحضاره إن رأى ذلك؛ لأنه ليس نقصًا في حقه، قال: وكذا نائب الإمام العام، فأما قاض مثله .. فليس له ذلك، إلا إذا اشتهر جور ذلك القاضي .. فيستغنى بذلك عن البينة.

5923 -

قوله: (وإن لم تتعلق بحكمه .. حَكَمَ بينهما خليفته أو غيره)(2) قال السبكي: هذا إذا كانت الدعوى بما لا يقدح فيه، ولا يخل بمنصبه، ولا يوجب عزله، فإن كانت بقادح .. فالقطع بأنها لا تسمع، ولا يحلف، ولا طريق للمدعي حينئذ إلا البينة، قال: ولا يعارض قولهم بسماع الدعوى على المعزول بالغصب والإتلاف؛ لأمرين:

أحدها: أن الإتلاف والغصب قد يكون بغير تعمد للباطل، فليس بقادح.

والثاني: أنه بعد العزل، وكلامنا هنا في حال الولاية، فالمتولي نائب الشرع، والمعزول ليس نائب الشرع الآن، قال: وسواء كانت الدعوى تتعلق بالحكم أم خارجة عنه .. فإن يده يد الشرع، ثم قال: بل أقول: سواء أكان يقدح فيه أم لا يقدح .. ينبغي أن يصان منصبه عن الابتذال بالدعوى والتحليف ما لم يظهر للقاضي عنده صحة دعوى المدعي، ومتى لم يظهر .. يبنى الأمر على الظاهر، ومتى ثبت عنده من أمانته، قال: بل أقول: كل من ثبتت عدالته وادعي عليه بدعوى ..

(1) انظر " فتح العزيز "(12/ 449).

(2)

انظر " المنهاج "(ص 559).

ص: 558