الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بابُ القضاء على الغائب
6512 -
قول " المنهاج "[ص 563]: (هو جائز إن كان عليه بينة) يوهم جواز الدعوى على الغائب وإن لم يكن عليه بينة، وليس كذلك، فكان ينبغي أن يعتبر ذلك في صحة الدعوى؛ ولهذا قال " المحرر ":(وينبغي أن يكون للمدير على الغائب بينة)(1) و" التنبيه "[ص 255، 256]: (وإن ادعى على غائب وله بينة .. سمعها الحاكم) و" الحاوي "[ص 677]: (وعلى غائب - أي: حكم - كسماع الدعوى والبينة) فصرح بالأمور الثلاثة، على أن شيخنا في " تصحيح المنهاج " قد نازع في اشتراط ذلك في صحة الدعوى، وقال: الدعوى صحيحة بدونه، ولكن لا يحكم القاضي إلا أن يستند قضاؤه إلى الحجة المعتبرة من شاهدين أو شاهد ويمين أو علم القاضي، ولو ادعى ولا بينة له في علمه ثم اطلع عليها، أو ولا في الباطن ثم حدثت بشهادة على الغائب .. فقد صدرت صحيحة، فإذا قامت البينة عند القاضي .. حكم بها، ولو سافر القاضي بعد الدعوى إلى بلد الخصم التي هي في علمه والمدعي معه، فأخبره بالدعوى، فأقر أو أنكر .. فصل القاضي بينهما بتلك الدعوى المتقدمة، قال: وقد يتصور في الإرسال والنكول ورد اليمين ما يقتضي أن القاضي يقضي بحلف المدعي يمين الرد مع غيبة المدعى عليه، ولم أر من ذكره، وفيه نظر (2).
قلت: هذا كله بعيد، والقاضي إنما يشتغل بالمهمات الناجزة، وليس منها سماع الدعوى على غائب بلا بينة؛ لاحتمال حدوث شيء مما ذُكِرَ، والدعوى ليست مما يفوت، فإذا وجدت الحجة .. أوجد الدعوى، لكن قد يرد على اقتصار " التنبيه " و" المنهاج " على البينة: الشاهد واليمين، وقد ذكره " الحاوي "(3)، وقد يقال: هو داخل في مسمى البينة.
نعم؛ يرد عليهم جميعًا: علم القاضي إن سوغنا الحكم به؛ فكان ينبغي التعبير بالحجة.
6013 -
قول " المنهاج "[ص 563]- والعبارة له - و" الحاوي "[ص 677]: (فإن قال: هو مقر .. لم تسمع بينته) محله فيما إذا كان مراده إقامة البينة ليكتب القاضي به إلى حاكم بلد الغائب، فأما إذا كان للغائب مال حاضر وأراد إقامة البينة على دينه ليوفيه القاضي .. فإن القاضي يسمع بينته ويوفيه، سواء قال: هو مقر أو جاحد، حكاه في " أصل الروضة " عن " فتاوى القفال "(4).
وزاد عليه شيخنا في " تصحيح المنهاج " صورة أخرى، وهي: ما إذا كانت بينته شاهدة
(1) المحرر (ص 490).
(2)
انظر " حاشية الرملي "(4/ 316).
(3)
الحاوي (ص 677).
(4)
الروضة (11/ 175).
بالإقرار .. فإنه يقول عند إرادة مطابقة دعواه ببينته: أقر لي فلان بكذا ولي بينة بذلك، ثم قال: فإن قيل: لم يقل: هو مقر الآن بخلاف صورة القفال .. قلنا: قوله: (أقر) يقتضي دوام الإقرار؛ لأن الأصل بقاء الإقرار، لكنه ضمني؛ فيغتفر في الضمني ما لا يغتفر في الاستقلالي.
ثم استثنى شيخنا أيضًا: من لا يقبل إقراره لسفه ونحوه .. فلا يمنع قوله: هو مقر من سماع بينة المدعي، وكذا المفلس يقر بدين معاملة بعد الحجر .. فإنه لا يقبل في حق الغرماء، فلا يضر قول المدعى عليه في غيبته أنه مقر؛ لأن إقراره لا يؤثر فيما يقصد له الدعوى، وهو المضاربة، وكذا لو قال: هذه الدار لزيد بل لعمرو، فادعاها عمرو في غيبته ليقيم بينة .. لا يضره قوله: وهو مقر؛ لأن إقراره غير مؤثر في القصد الذي وقعت به الدعوى، قال: ويتصور نحو ذلك في الرهن والجناية، ولم أر من تعرض لذلك.
ثم قال شيخنا المذكور: لو قال: هو مقر ولست آمن أن يجحد .. سمع بينته وحكم بها على الأرجح، بل ولو لم يقل: ولست آمن أن يجحد على الأشبه؛ لاحتمال الجحود، ولو قال: هو مقر ولكنه ممتنع .. سمع بينته أيضًا، وحكم بها، وهو قريب من منزع القفال في الصورة السابقة.
6014 -
قول " المنهاج "[ص 563]: (وإن أطلق .. فالأصح: أنها تسمع) تبع فيه " المحرر "(1)، وكذا رجحه في " الشرح الصغير "، ولم يحكه في " الكبير " إلا عن ميل الإمام، وصححه في " أصل الروضة "(2)، وذكر ابن الرفعة أن ميل الأكثرين إلى مقابله.
واستثنى الغزالي من الخلاف: ما لو اشترى شيئًا فخرج مستحقًا والبائع غائب .. فتسمع بينته وإدق لم يدع الجحود بلا خلاف؛ لأن تقدم البيع منه كالجحود (3)، وقال الإمام: إنه لا مراء فيه (4).
قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويحتمل أن يطرقه خلاف؛ لأنه قد يكون مبطلًا، فيعترف بالحق، ولا يكون تقدم البيع منه لجحوده، ولكن هذا بعيد.
6015 -
قوله: (وأنه لا يلزم القاضي نصب مسخر يُنكر عن الغائب)(5) تبع في ترجيحه " المحرر "(6)، وكذا صححه في " الشرح الصغير "، لكنه في " الروضة " وأصلها لم يحك تصحيحه إلا عن البغوي؛ وعلل بأن الغائب قد يكون مقرًا فيكون إنكار المسخر كذبًا، قال
(1) المحرر (ص 490).
(2)
فتح العزيز (12/ 511)، الروضة (11/ 175)، وانظر " نهاية المطلب "(18/ 502).
(3)
انظر " الوسيط "(7/ 323).
(4)
انظر " نهاية المطلب "(18/ 502).
(5)
انظر " المنهاج "(ص 563).
(6)
المحرر (ص 490).
الرافعي: ومقتضى هذا التوجيه: أنه لا يجوز نصب المسخر، قال: ولكن الذي أورده أبو الحسن العبادي وغيره أنه مخير بين النصب وعدمه (1).
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": من ذكر الخلاف في اعتبار دعوى الجحود لا يشترط نصب مسخر ينكر عن الغائب، وإنما يحكي الخلاف في اشتراطه من تحريم باعتبار دعوى جحوده؛ فالجمع بينهما في الخلاف غير موجود في كتب الأصحاب.
6016 -
قول " التنبيه "[ص 256]: (وحكم بها، وحلّف المدعي) قد يوهم تأخر الحلف عن الحكم، وليس كذلك، والواو لا تدل على ترتيب، وقد أفصح " المنهاج " بالمقصود فقال [ص 563]:(ويجب أن يحلفه بعد البينة) أي: بعد إقامتها وتعديلها كما صرح به في " أصل الروضة "(2)، لكن قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يمكن أن يتخرج جوازه بعد سماعها وقبل تعديلها على الخلاف في جواز الحبس بشهادة الشاهدين قبل تعديلهما، والأصح: الحبس، فينبغي أن يكون الأصح هنا: الجواز، ونظيره سماع بينة الداخل بعد إقامة الخارج البينة وقبل تزكيتها، وعبارة " الحاوي " [ص 677]:(إن حلف) فدل جعله شرطًا على تقدمه، وهي أحسن من تعبير " المنهاج " لكونه ذكر ذلك بعد البينة وشاهد ويمين، وقد لا تتناول عبارة " المنهاج " الشاهد واليمين كما تقدم.
6017 -
قول " المنهاج "[ص 563]: (أن الحق ثابت في ذمته) و" التنبيه "[ص 256]: (أنه لم يبرأ إليه منه ولا من شيء منه) هو أقل ما يكفي في اليمين، والأكمل ما ذكره في " أصل الروضة ": أنه ما أبرأه من الدين الذي يدعيه ولا من شيء منه، ولا اعتاض، ولا استوفى، ولا أحال عليه هو ولا واحد من جهته، بل هو ثابت في ذمة المدعى عليه يلزمه أداؤه، ثم قال: ويجوز أن يقتصر، فيحلفه على ثبوت المال في ذمته ووجوب تسليمه (3).
ولذلك خير " الحاوي " بينهما فقال [ص 677]: (أنه في ذمته أو بنفي نحو الإبراء) وظاهره الاكتفاء بنفي نحو الإبراء مع أنه لا بد عند إرادة البسط من التصريح بنفي كل مسقط.
ويرد عليهم جميعًا: أنهم لم يذكروا وجوب التسليم، وقد ذكره في " الروضة "(4)، ولا بد منه؛ فإنه قد يكون ثابتًا في ذمته ولا يجب تسليمه لتأجيل ونحوه، وفي " المهمات " أنه مشكل من وجهين:
(1) فتح العزيز (12/ 512)، الروضة (11/ 175).
(2)
الروضة (11/ 176).
(3)
الروضة (11/ 176).
(4)
الروضة (11/ 176).
أحدهما: أن المدعى عليه لو كان حاضرًا فطلب بعد البينة تحليف المدعي على الاستحقاق .. لم يجب إليه؛ لأن فيه قدحًا في البينة، فكيف يحلفه عليه في غيبته وقد حلف على ثبوته في ذمته.
ثانيهما: أن المدعى عليه لو ادعى مسقطًا فأراد المدعي الحلف على استحقاق ما ادعاه .. لم يمكن منه، بل يحلف على ذلك المسقط؛ فكيف اكتفي به في حق الغائب؛ ولذلك أسقطه الماوردي فقال: وأقل ما يجزيه: أن يحلف أن حقه لثابت (1).
قال في " المهمات ": وهو واضح؛ فتعين العمل به وأورد شيخنا في " تصحيح المنهاج " أمرين آخرين:
أحدهما: أن المدعى به قد يكون عينًا .. فلا يحلف فيها كذلك، وإنما يحلف في كل دعوى على ما يليق بها.
ثانيهما: أن المدعى عليه لو كان حاضرًا وقال: الشهود فسقة أو كذبة وهو يعلم ذلك .. ففي تحليف المدعي على نفي العلم وجهان، طردًا في كل صورة ادعى ما لو أقر به الخصم لنفعه، لكن لم يكن المدعي عين الحق، ورجح في " الروضة " وأصلها: أن له التحليف (2)، ويؤيده نص الشافعي في " البويطي " على أنه لو قال: أنه يعلم أن الشهود شهدوا بغير حق .. حلف على أنه لا يعلم ذلك.
قال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": ويلتحق بذلك ما إذا قال: هو يعلم أن بيني وبين شهوده عداوة مانعة من قبول شهادتهم عليّ، أو أن فيهم رقًا، أو أن بينه وبينهم من النسب ما يمنع قبول شهادتهم، أو أنهم يجرون لأنفسهم بشهادتهم نفعًا، أو يدفعون بها عنهم ضررًا .. قال شيخنا: فعلى القاضي في القضاء على الغائب أن يحلفه على هذه الأمور كلها؛ لأنه لو طلب حلفه على ذلك .. أجيب إليه؟ فيحتاط الحاكم له في غيبته، ولم أر من تعرض لشيء من ذلك، إلا أن القاضي الحسين قال في اليمين: يقول: وأن شهوده شهدوا بالحق، قال شيخنا: وهو متعقب بأن المنصوص في " البويطي ": أنه في دعوى الحاضر ذلك يحلف على نفي العلم، فكذلك في الغائب.
واعلم: أن محل ترجيح وجوب التحليف: إذا لم يكن للغائب وكيل حاضر؛ ففي " أصل الروضة ": لو كان للمتمرد وكيل نصبه بنفسه .. فهل يتوقف التحليف على طلبه؛ فيه جوابان لأبي العباس الروياني؛ لأن الاحتياط والحالة هذه من وظيفة الوكيل، وكذا لو كان للغائب (3)
(1) انظر " الحاوي الكبير "(16/ 236).
(2)
فتح العزيز (13/ 161)، الروضة (12/ 12).
(3)
في النسخ: (الغائب)، والتصويب من " روضة الطالبين ".
وكيل (1)، ولم يرجحا شيئًا، لكنهما ذكرًا قبل ذلك في توجيه أحد الوجهين فيما لو تعلق المدعي برجل وقال: أنت وكيل فلان الغائب ولي عليه كذا، وأدعي عليك، وأقيم البينة في وجهك .. أن للمدعي إقامة البينة على ذلك؛ ليستغني عن ضم اليمين إلى البينة؛ وليكون القضاء مجمعًا عليه (2)، وهذا يقتضي ترجيح أحد الجوابين، وهو عدم التحليف، وقال في " المطلب ": إنه المشهور، وجزم شيخنا في " تصحيح المنهاج " بعدم التحليف في حضور الوكيل المطلق، قال: فإن لم يكن وكيلًا في طلب الحلف، بل في رد جواب الدعوى خاصة .. جاء الخلاف في الإيجاب والاستحباب.
وقال في " التوشيح ": لم أفهم هذا الخلاف؛ فإن الغائب إذا كان له وكيل .. فالحكم عليه ليس بحكم على الغائب، ولا يمين فيه جزمًا.
وقال شيخنا في " تصحيح المنهاج ": يجوز للقاضي أن يسمع الدعوى على الغائب وإن كان وكيله حاضرًا؛ لأن الغيبة المسموعة للحكم على الغائب موجودة، ولا يمنع من ذلك كون الوكيل حاضرًا؛ لأن القضاء إنما يقع على الغائب، ونظير ذلك: أن الولي إذا غاب الغيبة التي يجوز للقاضي أن يزوج المرأة بسببها .. فإنه يجوز أن يزوجها وإن كان وكيل الغائب حاضرًا، وفي نص الشافعي رضي الله عنه في " الإملاء " ما يشهد له، فقال: زوج السلطان أو وكيل الغائب، ذكره ابن بشري في " المختصر المنبه ".
6018 -
قول " المنهاج " بعد ذكر الخلاف في وجوب هذه اليمين واستحبابها [ص 563]: (ويجريان في دعوى على صبي أو مجنون) رجح شيخنا في " تصحيح المنهاج ": القطع بالوجوب في الدعوى عليهما؛ لإمكان الغائب الاستدراك بخلافهما، وتبع في ذلك نقل الإمام له عن الأئمة (3)، وحكى في " البسيط " اتفاق الأصحاب عليه.
6019 -
قول " التنبيه "[ص 255] و" الحاوي "[ص 677]: (وميت) أي: ليس له وارث خاص، فإن كان .. فالتحليف موقوف على طلبه.
6020 -
قول " الحاوي "[ص 677]: (ومتوارٍ ومتعزِّزٍ) حكى الرافعي في حلف المدعي عليهما وجهين، ثم قال: وقطع صاحب " العدة " بأنه لا يحلف؛ لأن الخصم قادر على الحضور (4)، وحكاه في " الكفاية " عن الماوردي (5).
(1) الروضة (11/ 194).
(2)
الروضة (11/ 177).
(3)
انظر " نهاية المطلب "(18/ 504).
(4)
انظر " فتح العزيز "(12/ 534).
(5)
انظر " الحاوي الكبير "(16/ 302).