الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الثاني الإيمان بالكتب
إن الإيمان بالكتب التي أنزلها الله عز وجل على أنبيائه ورسله ركن من أركان الإيمان الستّة، وقد دلّت آيات كثيرة على أن الله سبحانه وتعالى أنزل القرآن على نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم، كما أشارت إلى إنزال الكتب السابقة قبله على من سبقه من الأنبياء والمرسلين، قال تعالى:{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ (23)}
(1)
.
(2)
.
(3)
.
هذه الآيات تدلّ على وجوب الإيمان بالكتب السماوية المنزلة من عند الله، ووجوب التصديق بها والعمل بمقتضى ما كلفنا به منها.
وقد مدح الله عز وجل من آمن بها جميعًا، وجعل لهم الهداية
(1)
سورة الزمر، آية (23).
(2)
سورة الزمر، آية (41).
(3)
سورة الزمر، آية (71).
والفلاح؛ كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}
(1)
، والقرآن الكريم هو كلام الله عز وجل المعجز المنزل على النبيّ صلى الله عليه وسلم.
وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى وصف القرآن الكريم، وأنه أعظم الكتب السماوية، فقال: "وقوله تعالى: {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ}
(2)
، يعني يتلو عليهم ما أنزل الله عليه من آياته المتلوّه وهو القرآن وهو أعظم الكتب السماوية، وقد تضمّن من العلوم والحكم والمواعظ والقصص والترغيب والترهيب وذكر أخبار من سبق وأخبار ما يأتي من البعث والنشور والجنّة والنار ما لم يشتمل عليه كتاب غيره، حتى قال بعض الحكماء: لو أن هذا الكتاب وجد مكتوبًا في مصحف في فلاة من الأرض ولم يعلم من وضعه هناك لشهدت العقول السليمة أنه منزل من عند الله وأن البشر لا قدرة لهم على تأليف ذلك، فكيف إذا جاء على يدي أصدق الخلق وأبرّهم وأتقاهم، وقال: إنه كلام الله وتحدّى الخلق كلّهم أن يأتوا بسورة مثله فعجزوا فيه، فكيف يبقى مع هذا شك؛ ولهذا قال تعالى:{ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ}
(3)
.
وقال تعالى: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ}
(4)
، فلو لم يكن من المعجزات الدالّة على صدقه غير هذا الكتاب لكفاه، فكيف وله من المعجزات الأرضية والسماوية ما لا يحصى"
(5)
.
(1)
سورة البقرة، آية (4، 5).
(2)
سورة الجمعة، آية (2).
(3)
سورة البقرة، آية (2).
(4)
سورة العنكبوت، آية (51).
(5)
لطائف المعارف (ص 85).
وقال رحمه الله تعالى أيضًا في شرح حديث: "مثل الإسلام"
(1)
: "
…
لما كانت النفس والهوى داعيين إلى فتح أبواب المحارم وكشف ستورهما وارتكابها جعل الله عز وجل لها داعيين يزجران من يريد ارتكاب المحارم وكشف ستورهما، أحدهما: داعي القرآن وهو الدّاعي على رأس الصراط يدعو الناس كلهم إلى الدخول في الصّراط والاستقامة عليه وأن لا يعوجوا عنه يمنة ويسرة، ولا يفتحوا شيئًا من تلك الأبواب التي عليها الستور المرخاة، قال الله عز وجل حاكيًا عن عباده المؤمنين أنهم قالوا:{رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا}
(2)
الآية، والمراد به القرآن عند أكثر السلف، وقال حاكيًا عن الجن الذين سمعوا القرآن أنّهم لما رجعوا إلى قومهم، قالوا:{إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (30) يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ}
(3)
..... "
(4)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا عن القرآن: "وهو أشرف الكتب وأفضلها وهو يحثّ على الإحسان ومكارم الأخلاق، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب له خلق
(5)
يرضى لرضاه ويسخط لسخطه،
(1)
أخرجه أحمد (4/ 182)، والحاكم (1/ 73) من حديث النواس بن سمعان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ضرب الله مثلًا صراطًا مستقيمًا، على جنبتي الصراط سوران فيها أبواب مفتحة وعلى الأبواب ستور مرخاة
…
" الحديث. قال الحاكم هذا حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي، وذكره السيوطي في الجامع الصغير (2/ 52)، وعزاه لأحمد والحاكم، ورمز له بالصحة.
(2)
سورة آل عمران، آية (193).
(3)
سورة الأحقاف، آية (30، 31).
(4)
شرح حديث مثل الإسلام ورقة (9).
(5)
أخرجه مسلم في صحيحه (1/ 513) أن سعد بن هشام بن عامر سأل عائشة رضي الله عنها، فقال: يا أم المؤمنين، أنبئيني عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: ألست تقرأ القرآن؟ قلت: بلى، قالت: فإن خلق نبيّ الله صلى الله عليه وسلم كان القرآن".
ويسارع إلى ما حثّ عليه ويمتنع ممّا زجر عنه"
(1)
.
وبهذا يتبيّن لنا أهميّة العناية بهذا القرآن والحرص على قراءته والعمل بما فيه لما يترتّب على ذلك من حصول الهداية والسعادة والنجاة والفلاح في الدنيا والآخرة.
(1)
لطائف المعارف (ص 175).