الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام
بعث الله سبحانه وتعالى الرسل عليهم الصّلاة والسّلام وكلّفهم بالدعوة إلى عبادته وإقامة دينه، وإفراده بجميع أنواع العبادة، والتحذير من الشرك والبدع ونبذ كل ما يعبد من دون الله، وعلى هذا اتّفق جميع الأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسلام، فما من نبيّ أرسله الله إلّا وكان أوّل ما يدعو قومه إليه هو عبادة الله وحده لا شريك له، قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
(1)
.
وقال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
(2)
.
(3)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء إخوة من علات، أمّهاتهم شتّى، ودينهم واحد"
(4)
.
(1)
سورة الأنبياء، آية (25).
(2)
سورة النحل، آية (36).
(3)
سورة الشورى، آية (13).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء - باب قول الله: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا} (4/ 142)، ومسلم: كتاب الفضائل - فضائل عيسى عليه السلام (4/ 1837).
وقد اهتمّ ابن رجب رحمه الله تعالى ببيان هذه المسألة، فقال رحمه الله تعالى:"بعث الله الرسل مبشّرين ومنذرين مبشّرين بالجنّة من آمن وعمل صالحًا ومنذرين بالنار من كفر وعصى، وأقام أدلّة وبراهين دلّت على صدق رسله فيما أخبروا به عن ربهم"
(1)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وقوله صلى الله عليه وسلم: "حتى يعبد الله وحده لا شريك له"
(2)
، هذا هو المقصود الأعظم من بعثته صلى الله عليه وسلم، بل من بعثة الرسل من قبله؛ كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
(3)
، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}
(4)
.
بل هذا هو المقصود من خلق الخلق وإيجادهم؛ كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}
(5)
، فما خلقهم إلّا ليأمرهم بعبادته، وأخذ عليهم العهد لما استخرجهم من صلب آدم على ذلك؛ كما قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا}
(6)
الآية.
وقد تكاثرت الأحاديث المرفوعة، والآثار الموقوفة في تفسير
(7)
هذه
(1)
البشارة العظمى ورقة (2).
(2)
أخرجه أحمد (3/ 50)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، المسند حديث رقم (5114).
(3)
سورة الأنبياء، آية (25).
(4)
سورة النحل، آية (36).
(5)
سورة الذاريات، آية (56).
(6)
سورة الأعراف، آية (172).
(7)
انظر شرح العقيدة الطحاوية (ص 265)، وما بعدها فقد ذكر فيها الشارح رحمه الله تعالى أقوال العلماء في تفسير هذه الآية، والأحاديث الواردة في ذلك.
الآية أنه تعالى استنطقهم حينئذ، فأقرّوا كلهم بوحدانيّته، وأشهدهم على أنفسهم وأشهد عليهم أباهم آدم والملائكة.
ثم أنه تعالى هداهم في كل زمان بإرسال رسله، وإنزال الكتب يذكّرهم بالعهد الأوّل، ويجدّد عليهم العهد والميثاق على أن يوحّدوه ويعبدون ولا يشركوا به شيئًا، وأشار في خطاب آدم وحوّاء عند هبوطهما من الجنّة إلى هذا المعنى في قوله تعالى:{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
(1)
، وفي سورة طه
(2)
نحو هذا، فما وفى بنو آدم كلهم بهذا العهد المأخوذ عليهم، بل نقضه أكثرهم وأشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانًا، فبعث الله الرسل تجدّد ذلك العهد الأوّل وتدعوا إلى تجديد الإقرار بالوحدانيّة"
(3)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "فالجهاد في سبيل الله دعاء الخلق إلى الإيمان بالله ورسوله بالسيف واللّسان بعد دعائهم إليه بالحجّة والبرهان، وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم في أوّل الأمر لا يقاتل قومًا حتى يدعوهم، فالجهاد به تعلو كلمة الإيمان وتتّسع به رقعة الإسلام، ويكثر الداخلون فيه، وهو وظيفة الرسل وأتباعهم، وبه تصير كلمة الله هي العليا، والمقصود منه أن يكون الدين كلّه لله، والطاعة له؛ كما قال تعالى:{وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ}
(4)
…
"
(5)
.
(1)
سورة البقرة، آية (38، 39).
(2)
وهي قوله تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا
…
} الآية، سورة طه، آية (123، 124).
(3)
الحكم الجديرة بالإذاعة (ص 21، 22).
(4)
سورة الأنفال، آية (39).
(5)
لطائف المعارف (ص 241).