الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثامن الشفاعة
قال ابن الأثير: تكرر ذكر الشفاعة في الحديث فيما يتعلق بأمور الدنيا والآخرة، وهي السؤال في التجاوز عن الذنوب والجرائم بينهم، يقال:"شفع يشفع شفاعة فهو شافع وشفيع، والمشفِّع الذي يقبل الشفاعة، والمشفَّع الذي تقبل شفاعته"
(1)
.
وقال الراغب الأصفهاني: "الشفاعة الانضمام إلى آخر ناصرًا له وسائلًا عنه، وأكثر ما يستعمل في انضمام من هو أعلى حرمة ومرتبة إلى من هو أدنى
…
"
(2)
.
وقال الحافظ ابن حجر: الاستشفاع طلب الشفاعة وهي انضمام الأدنى إلى الأعلى ليستعين به على ما يرومه
(3)
.
فالشفاعة هي طلب وسؤال الخير للغير.
ومن عقيدة أهل السنة والجماعة أنهم يؤمنون بكل ما جاءهم عن الله عز وجل وعن رسوله صلى الله عليه وسلم في الشفاعة، ويثبتون جميع الشفاعات التي وردت الأدلة في الكتاب والسنة بإثباتها كشفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الموقف وأهل الكبائر من أمته وغير ذلك من أنواع شفاعاته صلى الله عليه وسلم التي ستأتي،
(1)
النهاية لابن الأثير (2/ 458).
(2)
المفردات في غريب القرآن (ص 263).
(3)
فتح الباري لابن حجر (11/ 433).
وشفاعات غيره من الأنبياء والملائكة والمؤمنين، وينفون الشفاعة التي نفتها الأدلة من الكتاب والسنة.
والشفاعة ملك لله وحده لا يشفع أحد لأحد إلا بعد إذنه سبحانه وتعالى للشافع أن يشفع ورضاه عن المأذون بالشفاعة فيه قال تعالى: {قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعًا لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (44)}
(1)
(2)
.
وقال تعالى: {يَوْمَئِذٍ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا (109)}
(3)
وغير ذلك من الآيات الواردة في الشفاعة.
ومن الأدلة الواردة في السنة في الشفاعة حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة مستجابة فتعجل كل نبي دعوته، وإني اختبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فهي نائلة إن شاء الله من مات من أمتي لا يشرك بالله شيئًا"
(4)
.
ومنها حديثه الآخر رضي الله عنه وهو حديث طويل وفيه ذكر الشفاعة العظمى حيث يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "أنا سيد الناس يوم القيامة، وهل تدرون بمَ ذاك؟ يجمع الله يوم القيامة الأولين والآخرين في صعيد واحد فيسمعهم الداعي وينفدهم البصر، وتدنو الشمس فيبلغ الناس من الغم والكرب ما لا يطيقون وما لا يحتملون فيقول بعض الناس لبعض: ألا ترون ما أنتم فيه؟ ألا ترون ما قد بلغكم؟ ألا تنظرون من يشفع لكم
(1)
سورة الزمر آية (44).
(2)
سورة النجم آية (26).
(3)
سورة طه آية (109).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب الدعوات (7/ 145) ومسلم: كتاب الإيمان (1/ 188).
إلى ربكم
…
" فذكر في الحديث أنهم يأتون آدم ونوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم الصلاة والسلام وكلهم يتبرأ ويقول: اذهبوا إلى غيري حتى يأتوا النبي صلى الله عليه وسلم كما جاء في الحديث: "فيأتوني فيقولون: يا محمد أنت رسول الله وخاتم الأنبياء، وغفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى ما نحن فيه؟ ألا ترى ما قد بلغنا؟ فانطلق فآتي تحت العرش فأقع ساجدًا لربي ثم يفتح الله علي ويلهمني من محامده وحسن الثناء عليه شيئًا لم يفتحه لأحد قبلي ثم يقال: يا محمد ارفع رأسك، سل تعطه، اشفع تشفع
…
"
(1)
الحديث.
ومنها حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله يخرج قومًا من النار بالشفاعة"
(2)
.
ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا أول الناس يشفع في الجنة، وأنا أكثر الأنبياء تبعًا"
(3)
.
فالشفاعة حق، وهي ثابتة للرسول صلى الله عليه وسلم ولمن يأذن الله له عز وجل من النبيين والملائكة والمؤمنين، والشفاعات
(4)
الثابتة على سبيل البسط ثمانية أنواع هي:
1 -
الشفاعة العظمى وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في الخلائق كلهم ليخلصوا
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء (4/ 106) ومسلم: كتاب الإيمان (1/ 185).
(2)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (1/ 178).
(3)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (1/ 188).
(4)
انظر: ذكر هذه الأنواع في كتاب التوحيد لابن خزيمة (1/ 588) وشرح مسلم للنووي (3/ 35) والتذكرة للقرطبي (ص 301) والنهاية في الفتن والملاحم (2/ 202 - 248) وشرح العقيدة الطحاوية (ص 253 - 260) وفتح الباري لابن حجر (11/ 427 - 429) ولوامع الأنوار (2/ 211).
من هول الموقف يوم القيامة، وليعجل الله حسابهم بعد طول الموقف، ويقضي بينهم في اليوم الذي تقف فيه الخلائق خاضعين أمام خالقهم لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابًا حيث تنتهي إليه صلى الله عليه وسلم بعد مراجعتهم الأنبياء للقيام بها، فيقول عليه الصلاة والسلام:"أنا لها" وقد سبق ذكر دليل هذا النوع
(1)
.
2 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم لأهل الجنة في دخولها بعد الفراغ من حسابهم. وقد تقدم دليل هذا النوع
(2)
.
3 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم في عمه أبي طالب في تخفيف العذاب عنه لأنه كان يحميه من أذى كفار قريش فيخفف عنه العذاب فيجعل في ضحضاح
(3)
من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم لا بعمله الذي عمله لأن الله سبحانه وتعالى أخبر أن الكافرين لا تنفعهم شفاعة الشافعين، وإنما الشفاعة لأهل التوحيد خاصة، ولكن شفاعته لعمه أبي طالب خاصة به، وخاصة لأبي طالب، ويدل على هذا النوع حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده عمه أبو طالب فقال:"لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من نار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه"
(4)
.
وهذه الأنواع الثلاثة السابقة من أنواع الشفاعة خاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم.
4 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم لقوم من عصاة الموحدين استحقوا دخول النار أن
(1)
انظر (ص 725).
(2)
انظر (ص 725).
(3)
الضحضاح في الأصل: ما رق من الماء على وجه الأرض ما يبلغ الكعبين واستعاره هنا للنار.
النهاية لابن الأثير (3/ 75).
(4)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (1/ 195).
لا يدخلوها، وقد استدل ابن حجر
(1)
رحمه الله تعالى لهذا النوع بقوله صلى الله عليه وسلم: "ونبيكم قائم على الصراط يقول رب سلم سلم حتى تعجز أعمال العباد"
(2)
.
5 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم في العصاة من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بذنوبهم أن يخرجوا منها، وقد تقدم دليل هذا النوع
(3)
.
6 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم في رفع درجات بعض أهل الجنة فوق ما كان يقتضيه ثواب أعمالهم يدل على ذلك حديث أم سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا لأبي سلمة بعدما توفي فقال: "اللهم اغفر لأبي سلمة وارفع درجته في المهديين
…
"
(4)
.
وحديث أبي موسى الأشعري أنه لما أصيب عمه أبو عامر في غزوة أوطاس دعا له النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "اللهم اجعله يوم القيامة فوق كثير من خلقك أو من الناس"
(5)
.
7 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم في قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم أن يدخلوا الجنة، وقد استدل ابن حجر رحمه الله تعالى لهذا النوع بما أخرجه الطبراني عن ابن عباس قال: السابق يدخل الجنة بغير حساب، والمقتصد برحمة الله، والظالم لنفسه، وأصحاب الأعراف يدخلونها بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم ثم ذكر الحافظ ابن حجر أن أصحاب الأعراف قوم استوت حسناتهم وسيئاتهم
(6)
.
(1)
انظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 428).
(2)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان (1/ 187).
(3)
انظر (ص 725).
(4)
أخرجه مسلم: كتاب الجنائز (2/ 634).
(5)
أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة (4/ 1944).
(6)
فتح الباري لابن حجر (11/ 428) وانظر: تفسير ابن كثير (2/ 216 - 218).
8 -
شفاعته صلى الله عليه وسلم في دخول بعض المؤمنين الجنة بغير حساب ولا عذاب كشفاعته صلى الله عليه وسلم في عكاشة بن محصن رضي الله عنه حيث دعا له النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون من السبعين ألف الذين يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل من أمتي الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، فقال رجل: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: اللهم اجعله منهم، ثم قام آخر فقال: يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، قال: سبقك بها عكاشة"
(1)
.
وهذه الأنواع الخمسة الأخيرة يشارك النبي صلى الله عليه وسلم فيها غيره من الأنبياء والملائكة والصديقين والشهداء. وأهل السنة والجماعة يؤمنون بهذه الشفاعات كلها ويثبتونها لثبوتها في الكتاب والسنة مع إيمانهم أن هذه الشفاعات لا تتحقق إلا بعد تمام شروطها وهي:
1 -
إذن الله سبحانه وتعالى للشافع أن يشفع، فإنه لا يشفع أحد حتى يأذن الله له كما قال عز وجل:{مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ}
(2)
وقال تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ}
(3)
وقال سبحانه: {مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ}
(4)
وأمثال ذلك من الآيات التي تدل بوضوح على انتفاء الشفاعة قبل الإذن من المولى عز وجل.
2 -
رضي الله سبحانه وتعالى عن المشفوع له كما قال تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ
(1)
تقدم تخريجه (ص 358).
(2)
سورة البقرة آية (255).
(3)
سورة سبأ آية (23).
(4)
سورة يونس آية (3).
لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى (26)}
(1)
، وقال سبحانه وتعالى:{وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ}
(2)
.
ففي هاتين الآيتين قيد الله عز وجل الشفاعة برضاه عن المشفوع له وهو لا يرضى إلا لأهل التوحيد الخاص.
وقد خالفت الجهميةُ، والمعتزلةُ والخوارجُ أهلَ السنة والجماعة في الشفاعة فأنكروا
(3)
بعض أنواع الشفاعات السابقة كشفاعته صلى الله عليه وسلم وشفاعة غيره في أهل الكبائر واحتجوا على ذلك بالآيات التي فيها نفي الشفاعة كقوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ (48)}
(4)
وقوله تعالى: {مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ}
(5)
، وقوله تعالى:{وَلَا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلَا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ}
(6)
.
وأمثال ذلك من الآيات التي تتضمن نفي الشفاعة.
والحقيقة أن هذا استدلال غير صحيح لأن الشفاعة المنفية هنا هي الشفاعة في أهل الشرك، فهم الذين لا تنفعهم شفاعة الشافعين، وأما المؤمنون فهم الذين تنفعهم الشفاعة بشروطها لثبوت الأدلة عليها من الكتاب والسنة، وهي التي وفّق الله سبحانه وتعالى أهل السنة والجماعة إلى القول بها، ولا عبرة بمخالفة أهل الزيغ والضلال.
وقد تكلم ابن رجب رحمه الله تعالى عن الشفاعة وبين أنواعها فقد
(1)
سورة النجم آية (26).
(2)
سورة الأنبياء آية (28).
(3)
انظر: شرح العقيدة الطحاوية (ص 260).
(4)
سورة المدثر آية (48).
(5)
سورة غافر آية (18).
(6)
سورة البقرة آية (123).
ذكر في كتاب التخويف من النار في باب ضرب الصراط على متن جهنم الشفاعة العظمى الخاصة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم من بين سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين فقال: أخرج مسلم من حديث أبي هريرة وحذيفة كلاهما عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر حديث الشفاعة وفيه قال: "فيأتون محمدًا صلى الله عليه وسلم فيقوم ويؤذن له
…
"
(1)
الحديث.
وفي الباب الثامن والعشرين في ذكر حال الموحدين وخروجهم منها برحمة أرحم الراحمين وشفاعة الشافعين ذكر نوعا آخر من أنواع الشفاعة وهي شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من أمته ممن يدخلون النار ويخرجون منها فيقول:
وفي الصحيحين
…
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجمع الله الناس يوم القيامة" فذكر الحديث بطوله، وفيه ذكر جواز الناس على الصراط ثم قال: "حتى إذا فرغ الله من القضاء بين العباد وأراد أن يخرج برحمته من أراد من أهل الكبائر من النار، أمر الملائكة أن يخرجوا من النار من كان لا يشرك بالله شيئا ممن دخل النار يعرفون بأثر السجود، تأكل النار ما من ابن آدم إلا أثر السجود، حرم الله على النار أن تأكل أثر السجود فيخرجون من النار قد امتحشوا
(2)
فيصب عليهم ماء الحياة، فينبتون منه كما تنبت الحِبَّة
(3)
في حَمِيل السيل
…
"
(4)
وذكر
(1)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب أدنى أهل الجنة منزلة فيها (1/ 187).
(2)
امتحشوا: احترقوا، والمحش: احتراق الجلد وظهور العظم. النهاية لابن الأثير (4/ 302).
(3)
الحبة: بكسر الحاء هي بزر ما لا يقتات من البقول مثل بزور الرياحين. المصباح المنير (1/ 117).
(4)
حميل السيل: بفتح الحاء وكسر الميم وهو ما جاء به السيل من طين أو غثاء، ومعناه محمول السيل. النهاية لابن الأثير (1/ 442).
بقية الحديث
(1)
.
وخرج مسلم من حديث جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن قومًا يخرجون من النار يحترقون فيها إلا دارات
(2)
وجوههم حتى يدخلوا الجنة
(3)
.
وخرج أيضًا .. عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أما أهل النار الذين هم أهلها فلا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس أصابتهم النار بذنوبهم -أو قال بخطاياهم- فأماتهم الله إماتة حتى إذا كانوا فحمًا أذن في الشفاعة فجيء بهم ضَبائِر
(4)
ضبائِر فبثوا على أنهار الجنة، ثم قيل لأهل الجنة: أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحِبَّة في حَمِيل السيل"
(5)
…
(6)
.
وقال رحمه الله تعالى عند قوله صلى الله عليه وسلم: "حلت له شفاعتي"
(7)
معناه
(1)
صحيح البخاري: كتاب الرقاق (7/ 202) وصحيح مسلم: كتاب الإيمان (1/ 165).
(2)
دارات: جمع دارة وهي ما يحيط بالوجه من جوانبه، ومعناه أن النار لا تأكل دارة الوجه لكونه محل السجود. النهاية لابن الأثير (2/ 139).
(3)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان (1/ 178).
(4)
ضبائر: جمع ضبارة بفتح الضاد وكسرها، أشهرها الكسر، ومعنى ضبائر جماعات متفرقة. النهاية لابن الأثير (3/ 71).
(5)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات الشفاعة وإخراج الموحدين من النار (1/ 172، 173).
(6)
التخويف من النار (ص 207، 208).
(7)
هذا جزء من حديث فضل إجابة المؤذن أخرجه البخاري: كتاب الآذان (1/ 152) من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه.
ومسلم: كتاب الصلاة (1/ 288) من حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.
نالته وحصلت له ووجبت، وليس المراد بهذه الشفاعة الشفاعة في فصل القضاء فإن تلك عامة لكل أحد ولا الشفاعة في الخروج من النار ولابد، فإنه قد يقول ذلك ممن لا يدخل النار، وإنما المراد والله أعلم أنه يصير في عناية رسول الله صلى الله عليه وسلم بحيث تتحتم له شفاعته، فإن كان ممن يدخل النار بذنوبه شفع له بإخراجه منها أو في منعه من دخولها وإن لم يكن من أهل النار فيشفع له في دخوله الجنة بغير حساب أو في رفع درجته في الجنة"
(1)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "
…
وأما الشفاعة التي اختص بها النبي صلى الله عليه وسلم من بين الأنبياء فليست هي الشفاعة في خروج العصاة من النار، فإن هذه الشفاعة شاركه فيها الأنبياء والمؤمنون أيضًا كما تواترت بذلك النصوص، إنما الشفاعة التي يختص بها دون الأنبياء أربعة أنواع:
1 -
أحدها: شفاعته للخلق في فصل القضاء بينهم.
2 -
والثاني: شفاعته لأهل الجنة في دخول الجنة.
3 -
الثالث: شفاعته في أهل الكبائر من أهل النار، فقد قيل إن هذه يختص هو بها.
4 -
الرابع: كثرة من يشفع له من أمته، فإنه وفر شفاعته وأدخرها إلى يوم القيامة، وقد ورد التصريح بهذه الشفاعة. وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لكل نبي دعوة يدعو بها، فأريد أن أختبئ دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة"
(2)
.
وفي صحيح مسلم عن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لكل نبي دعوة
(1)
فتح الباري (3/ 369 - 370).
(2)
صحيح البخاري: الدعوات (7/ 145) وصحيح مسلم: كتاب الإيمان (1/ 189).
قد دعا بها في أمته، وخبأت دعوتي شفاعة لأمتي يوم القيامة"
…
(1)
.
وعن عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى أيقظني فقال: يا محمد إني لم أبعث نبيًا ولا رسولًا إلا وقد سألني مسألة أعطيتها إياه فاسأل يا محمد تعط، فقلت: مسألتي شفاعة لأمتي يوم القيامة، فقال أبو بكر: يا رسول الله، وما الشفاعة؟ قال: أقول يا رب شفاعتي التي اختبأت عندك، فيقول الرب تبارك وتعالى: نعم فيخرج ربي تبارك وتعالى بقية أمتي من النار فينبذهم في الجنة"
(2)
.
والمراد من هذه الأحاديث والله أعلم أن كل نبي أعطي دعوة عامة شاملة لأمته فمنهم من دعا على أمته المكذبين له فهلكوا، ومنهم من سأل في الدنيا ملكًا له كسليمان عليه السلام، واختص النبي صلى الله عليه وسلم بأن أدخر تلك الدعوة العامة الشاملة لأمته شفاعة لهم يوم القيامة.
وقد ذكر بعضهم شفاعة خامسة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي شفاعته في تخفيف عذاب بعض المشركين كما شفع لعمه أبي طالب، وجعل هذا من الشفاعة المختص بها صلى الله عليه وسلم.
وزاد بعضهم شفاعة سادسة خاصة بالنبي صلى الله عليه وسلم وهي شفاعته في سبعين ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب
…
(3)
.
كما بيّن ابن رجب رحمه الله تعالى أن هناك أعمالًا تشفع لصاحبها يوم القيامة ومنها الصيام وقراءة القرآن فقال: "الصيام يشفع لمن منعه الطعام والشهوات المحرمة كلها سواء كان تحريمها يختص بالصيام كشهوة الطعام والشراب والنكاح ومقدماتها، أو لا يختص به كشهوة فضول
(1)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان (1/ 190).
(2)
أخرجه أحمد (5/ 326).
(3)
فتح الباري (2/ 22 - 25).
الكلام المحرم والسماع المحرم والنظر المحرم والكسب المحرم، فإذا منعه الصيام من هذه المحرمات كلها، فإنه يشفع له عند الله يوم القيامة، ويقول: يا رب منعته شهواته فشفعني فيه، فهذا لمن حفظ صيامه، ومنعه من شهواته، فأما من ضيع صيامه، ولم يمنعه عما حرمه الله عليه، فإنه جدير أن يضرب به وجه صاحبه، ويقول له: ضيعك الله كما ضيعتني
…
وكذلك القرآن إنما يشفع لمن منعه من النوم بالليل فإن من قرأ القرآن وقام به فقد قام بحقه فيشفع له
…
كما في المسند عن عبد الله بن عمرو عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوات بالنهار فشفعني فيه، ويقول القرآن: منعته النوم بالليل فشفعني فيه فيشفعان"
(1)
…
(2)
.
(1)
مسند أحمد (2/ 174) وأخرجه الحاكم (1/ 554) وقال: هذا حديث صحيح ووافقه الذهبي.
وقال المنذري في الترغيب والترهيب (2/ 84): رواه أحمد والطبراني في الكبير، ورجاله محتج بهم في الصحيح، ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب الجوع وغيره بإسناد حسن.
(2)
لطائف المعارف (ص 182).