المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن فالجنة معدة للمتقين والنار معدة للكافرين كما جاء ذلك في كتاب الله عز وجل وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم، وأجمع عليه أهل السنة والجماعة:

فمن الأدلة في القرآن على خلقهما ووجودهما:

قوله تعالى عن الجنة: {أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}

(1)

.

وقوله تعالى: {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ}

(2)

.

وقوله تعالى: {وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى (15)}

(3)

.

وقال تعالى عن النار: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ}

(4)

.

وقال تعالى: {وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا (11)}

(5)

.

(1)

سورة آل عمران آية (133).

(2)

سورة الحديد آية (21).

(3)

سورة النجم آية (13 - 15).

(4)

سورة البقرة آية (24) وسورة آل عمران آية (131).

(5)

سورة الفرقان آية (11).

ص: 760

وقال تعالى: {إِنَّ جَهَنَّمَ كَانَتْ مِرْصَادًا (21) لِلطَّاغِينَ مَآبًا (22)}

(1)

.

وقال تعالى: {وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلَعَنَهُمْ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا}

(2)

.

ومن الأدلة التي وردت في السنة حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لما خلق الله الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد إلا دخلها، فحفها بالمكاره، فقال: اذهب فانظر إليها فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: وعزتك لقد خشيت أن لا يدخلها أحد، قال: ولما خلق الله النار قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، ثم جاء فقال: وعزتك لا يسمع بها أحد فيدخلها، فحفها بالشهوات، فقال: اذهب فانظر إليها، فذهب فنظر إليها، فلما رجع قال: وعزتك لقد خشيت أن لا يبقى أحد إلا دخلها

(3)

.

ومنها حديث أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفس محمد بيده لو رأيتم ما رأيت لضحكتم قليلًا وبكيتم كثيرًا" قالوا: وما رأيت يا رسول الله؟ قال: "رأيت الجنة والنار"

(4)

.

(1)

سورة النبأ آية (21، 22).

(2)

سورة الفتح آية (6).

(3)

أخرجه أبو داود: كتاب السنة، باب في خلق الجنة والنار (4744) والترمذي: كتاب صفة الجنة، باب ما جاء حفت الجنة بالمكاره وحفت النار بالشهوات وقال: هذا حديث حسن صحيح. والنسائي: كتاب الأيمان والنذور، باب الحلف بعزة الله تعالى (7/ 3) والحاكم (1/ 27) وقال: هذا حديث صحيح ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(4)

أخرجه مسلم: كتاب الصلاة، باب تحريم سبق الإمام بالركوع أو سجود ونحوهما (1/ 320).

ص: 761

ومنها حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "اطلعت في الجنة فرأيت أكثر أهلها الفقراء، واطلعت في النار فرأيت أكثر أهلها النساء"

(1)

.

ومنها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك الله عليه يوم القيامة"

(2)

.

فهذه النصوص وغيرها من الآيات والأحاديث تدل على أن الجنة والنار مخلوقتان موجودتان الآن.

وقد تكلم ابن رجب رحمه الله تعالى عن مسألة وجود الجنة والنار وأنهما موجودتان الآن معدتان وقرر ذلك بما يوافق معتقد أهل السنة والجماعة فقال رحمه الله تعالى: "إن الله تعالى خلق لعباده دارين يجزيهم فيها بأعمالهم مع البقاء في الدارين مع غير موت، وخلق دارًا معجلة للأعمال وجعل فيها موتًا وحياة وابتلى عباده فيها بما أمرهم به ونهاهم عنه وكلفهم فيها بالإيمان بالغيب ومنه الإيمان بالجزاء، والداران المخلوقتان له وأنزل بذلك الكتب وأرسل به الرسل وأقام الأدلة الواضحة على الغيب الذي أمر بالإيمان به وأقام علامات وأمارات تدل على وجود داري الجزاء فإن إحدى الدارين المخلوقتين للجزاء دار نعيم محض لا

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب صفة الجنة والنار (7/ 179) ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب أكثر أهل الجنة الفقراء وأكثر أهل النار النساء (4/ 2096).

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي (2/ 124) ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب عرض مقعد الميت من الجنة والنار عليه (8/ 160).

ص: 762

يشوبه ألم، والأخرى دار عذاب محض لا يشوبه راحة، وهذه الدار الفانية ممزوجة بالنعيم والألم، فما فيها من النعيم يذكر بنعيم الجنة، وما فيها من الألم يذكر بألم النار، وجعل الله تعالى في هذه الدار أشياء كثيرة تذكر بدار الغيب المؤجلة الباقية فمنها ما يذكر بالجنة من زمان ومكان، أما الأماكن فخلق الله بعض البلدان كالشام وغيرها فيها من المطاعم والمشارب والملابس وغير ذلك من نعيم الدنيا ما يذكر بنعيم الجنة، وأما الأزمان فكزمن الربيع فإنه يذكر طيبه بنعيم الجنة وطيبها، وكأوقات الأسحار فإن بردها يذكر ببرد الجنة

ومنها ما يذكر بالنار فإن الله تعالى جعل في الدنيا أشياء كثيرة تذكر بالنار المعدة لمن عصاه وما فيها من الآلام والعقوبات من أماكن وأزمان وأجسام وغير ذلك، أما الأماكن فكثير من البلدان مفرطة الحر أو البرد، فبردها يذكر بزمهرير جهنم، وحرها يذكر بحر جهنم وسمومها

وأما الأزمان فشدة الحر والبرد يذكر بما في جهنم من الحر والزمهرير

وأما الأجسام المشاهدة في الدنيا المذكرة بالنار فكثيرة منها الشمس عند اشتداد حرها

(1)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "

وقد خلقت الجنة وما فيها وخلقت النار وما فيها خلقهما الله عز وجل وخلق الخلق لهما"

(2)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "اعلم أن الله خلق الجنة والنار ثم خلق بني آدم وجعل لكل واحدة من الدارين أهلًا منهم

وأشهد عباده في هذه الدار آثارًا من الجنة وآثارًا من النار"

(3)

.

(1)

لطائف المعارف (ص 333، 334).

(2)

أهوال القبور (19).

(3)

البشارة العظمى ورقة (3).

ص: 763

وقال رحمه الله تعالى وهو يذكر فوائد حديث الكسوف الذي رأى فيه النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار قال:

"ومنها أنه يدل على وجود الجنة والنار كما هو مذهب أهل السنة والجماعة"

(1)

.

فخلق الجنة والنار وأنهما موجودتان الآن من عقيدة أهل السنة والجماعة وهي من المسائل التي أجمعوا عليها، وقد حكى الإجماع غير واحد منهم، ومن ذلك قول الآجري رحمه الله تعالى في الشريعة:"اعلموا رحمنا الله وإياكم أن القرآن شاهد أن الله خلق الجنة والنار قبل أن يخلق آدم عليه السلام، وخلق للجنة أهلًا وللنار أهلًا قبل أن يخرجهم إلى الدنيا لا يختلف في هذا من شمله الإسلام وذاق حلاوة طعم الإيمان، دل على ذلك القرآن والسنة فنعوذ بالله ممن كذب بهذا"

(2)

.

فأهل السنة والجماعة اتفقوا على القول بخلق الجنة والنار، وقالوا: إنهما موجودتان الآن، خلاف ما قالته المبتدعة من الجهمية والمعتزلة وغيرهم ممن خالفوا الأدلة الواردة في ذلك، وحادوا عن طريق الصواب وقالوا: إن الجنة والنار غير موجودتين الآن بل ينشئهما الله يوم القيامة وقالوا: إنهما لو كانتا مخلوقتين الآن لوجب أن تفنيا يوم القيامة وأن يهلك كل من فيها ويموت لعموم قوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ

}

(3)

.

قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى: "وحملهم على ذلك أصلهم الفاسد الذي وضعوا به شريعة لما يفعله الله، وأنه ينبغي أن يفعل كذا ولا

(1)

فتح الباري ورقة (136/ أ).

(2)

الشريعة للآجري (ص 225).

(3)

سورة القصص آية (88).

ص: 764

ينبغي له أن يفعل كذا، وقاسوه على خلقه في أفعالهم، فهم مشبهة في الأفعال ودخل التجهم فيهم، فصاروا مع ذلك معطلة، وقالوا: خلق الجنة قبل الجزاء عبث، لأنها تصير معطلة مددًا متطاولة فردوا من النصوص ما خالف هذه الشريعة الباطلة التي وضعوها للرب تعالى، وحرفوا النصوص عن مواضعها وضللوا وبدعوا من خالف شريعتهم

(1)

.

وأما استدلالهم بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}

(1)

فلا حجة لهم فيه.

قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: ". . . فإن احتج مبتدع أو زنديق بقول الله عز وجل: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}

(1)

وبنحو هذا من متشابه القرآن، قيل له: كل شيء مما كتب الله عز وجل عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقهما الله للبقاء لا للفناء ولا للهلاك وهما في الآخرة لا من الدنيا"

(2)

.

وقال ابن أبي العز رحمه الله تعالى: ". . . . وأما احتجاجكم بقوله تعالى: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ}

(3)

فأتيتم من سوء فهمكم بمعنى الآية واحتجاجكم بها على عدم وجود الجنة والنار الآن نظير احتجاج إخوانكم على فنائهما وخرابهما وموت أهلهما، فلم توفقوا أنتم ولا إخوانكم لفهم معنى الآية، وإنما وفق لذلك أئمة الإسلام، فمن كلامهم أن المراد {كُلُّ شَيْءٍ} مما كتب الله عليه الفناء والهلاك هالك، والجنة والنار خلقتا للبقاء لا للفناء

(4)

.

(1)

شرح العقيدة الطحاوية (ص 476).

(2)

طبقات الحنابلة (1/ 28).

(3)

سورة القصص آية (88).

(4)

شرح العقيدة الطحاوية (ص 479 - 480).

ص: 765