الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم
-
الإيمان بنبوّة محمد صلى الله عليه وسلم وأنّ الله أرسله إلى الثقلين بشيرًا ونذيرًا، وأنه عبد الله وصفيّه من خلقه أصل عظيم من أصول الإيمان، إذ لا يحصل لأحد الإيمان الصحيح حتى يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم رسول ربّ العالمين وسيّد الأوّلين والآخرين وخاتم النبيّين.
فيجب على كل عبد الاعتقاد الجازم بأنه عليه الصلاة والسلام إمام المتّقين الذي يقتدى به في الخير كلّه، وأنه وحده الذي تجب طاعته والاقتداء به دون سواه، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (31)}
(1)
.
ويجب الإيمان بأنه خليل الرحمن، وأن له أعلا مراتب محبّة الله عز وجل؛ كما في حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنّه قال:"لو كنت متّخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، ولكنه أخي وصاحبي وقد اتّخذ الله عز وجل صاحبكم خليلًا"
(2)
.
وكما في حديثه الآخر رضي الله عنه أيضًا، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا إني أبرأ إلى كل خليل من خلّته، ولو كنت متّخذًا
(1)
سورة آل عمران، آية (31).
(2)
أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة - باب مناقب أبي بكر الصديق رضي الله عنه (13/ 23).
خليلًا لاتّخذت أبا بكر خليلًا، إن صاحبكم خليل الله"
(1)
.
ويجب أن نعتقد أنه عليه الصلاة والسلام مبعوث إلى عامّة الجن والإنس بالحق والهدى والنور.
قال تعالى: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا}
(2)
.
وقال تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا (1)}
(3)
.
وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا}
(4)
.
وقد حكى الله سبحانه وتعالى عن الجنّ أنّهم قالوا: {يَاقَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (31)}
(5)
.
(6)
.
وقال صلى الله عليه وسلم: "أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجُعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيّما رجل من أمّتي أدركته الصلاة فليصلّ، وأحلّت لي الغنائم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبيّ يبعث إلى قومه خاصّة وبعثت إلى الناس عامّة"
(7)
.
قال ابن أبي العزّ رحمه الله تعالى: "وكونه صلى الله عليه وسلم مبعوثًا إلى الناس
(1)
أخرجه ابن ماجه: المقدمة - باب فضائل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم (1/ 36).
(2)
سورة الأعراف، آية (158).
(3)
سورة الفرقان، آية (1).
(4)
سورة سبأ، آية (28).
(5)
سورة الأحقاف آية (31).
(6)
سورة الجن، آية (1، 2).
(7)
أخرجه البخاري: كتاب التيمّم (1/ 86)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة (1/ 371).
كافّة معلوم من دين الإسلام بالضرورة"
(1)
.
ويجب علينا أن نقدّم محبّته صلى الله عليه وسلم على الوالد والولد والنفس والناس أجمعين؛ كما في حديث أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحبّ إليه من والده وولده والناس أجمعين"
(2)
.
ويجب علينا أن نؤمن بأن الله عز وجل قد أيّده بالمعجزات الباهرات والآيات البيّنات الدالّة على صدقه في كل ما جاء به صلى الله عليه وسلم، وهي كثيرة جدًا، وقد أُلّفت فيها مؤلّفات مستقلة، وذكر كثيرًا منها العلماء رحمهم الله تعالى في كتب التفسير والحديث والعقيدة ودلائل النبوّة والتاريخ وغيرها.
وقد تكلّم ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذه المسائل كلّها.
فقال عن وجوب الإيمان بما جاء به النبيّ صلى الله عليه وسلم والتسليم له في ذلك: "والرّضا بمحمد رسولًا يتضمّن الرضا بجميع ما جاء به من عند الله، وقبول ذلك بالتسليم والانشراح؛ كما قال تعالى:{فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ. . .}
(3)
الآية.
وفي الصحيحين عن أنس عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كنّ فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: من كان الله ورسوله أحبّ إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلّا لله، وأن يكره أن يرجع إلى الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار"
(4)
…
"
(5)
.
وقال عن ما قام به النبيّ صلى الله عليه وسلم من تبليغ رسالة ربّه والدعوة إليها: "وقد بلّغ رسول الله صلى الله عليه وسلم رسالات ربّه وعلّم أمّته مناسكهم وعباداتهم
(1)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 178).
(2)
تقدم تخريجه (ص 372).
(3)
سورة النساء، آية (65).
(4)
تقدم تخريجه (ص 372).
(5)
جامع العلوم والحكم (1/ 75، 76).
وتركهم على البيضاء ليلها كنهارها
…
"
(1)
.
وقال عن كمال ما جاء به من الهدى والخير مما يدلّ على وجوب محبّته وطاعته: "
…
ما أعطيت أمّة ما أعطيت هذه الأمة ببركة متابعة نبيّها صلى الله عليه وسلم حيث كان أفضل الخلق، وهديه أكمل هدي مع ما يسّر الله على يديه من دينه ووضع به من الآصار والأغلال عن أمّته، فمن أطاعه فقد أطاع الله، وأحبّه الله، واهتدى بهدي الله"
(2)
.
وقال عن أوصاف النبيّ صلى الله عليه وسلم: "سمّاه الله مبشّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.
فقيل سراجًا للمؤمنين ومنيرًا للمذنبين يوم القيامة بالشفاعة"
(3)
.
وقال أيضًا: "وقد وصف الله نبيّه صلى الله عليه وسلم بأنه يدعو الخلق بالكتاب إلى الصّراط المستقيم؛ كما قال الله تعالى: {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}
(4)
.
(5)
.
وقد كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يدعو الخلق بالقرآن إلى الدخول في الإسلام الذي هو الصّراط المستقيم، وبذلك استجاب له خواص المؤمنين كأكابر المهاجرين والأنصار، ولهذا المعنى قال مالك:"فتحت المدينة بالقرآن"، يعني أن أهلها إنما دخلوا الإسلام بسماع القرآن كما بعث النبيّ صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير قبل أن يهاجر إلى المدينة، فدعا أهل المدينة إلى
(1)
تفسير سورة النصر (ص 76).
(2)
المحجة في سير الدلجة (ص 57).
(3)
لطائف المعارف (ص 10).
(4)
سورة إبراهيم، آية (1).
(5)
سورة المؤمنون، آية (73، 74).
الإسلام بتلاوة القرآن عليهم فأسلم كثير منهم"
(1)
.
كما بيّن ابن رجب رحمه الله تعالى أن المخالفين لأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ينقسمون إلى قسمين: قسم يردّون ما جاء به ولا يعتقدون وجوب طاعته، فهؤلاء خارجون عن الملّة.
وقسم يعتقدون وجوب طاعته ولكنهم يخالفون أمره تهاونًا وكسلًا، فهؤلاء لهم نصيب من الهوان والذلّة بحسب ما هم عليه.
فقال رحمه الله تعالى: "ومخالفة الرسول على قسمين:
أحدهما: مخالفة من لا يعتقد طاعة أمره كمخالفة الكفار، وأهل الكتاب الذين لا يرون طاعة الرسول، فهم تحت الذلّة والصغار، ولهذا أمر الله بقتال أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وعلى اليهود الذلّة والمسكنة لأن كفرهم بالرسول كفر عناد.
والثاني: من اعتقد طاعته ثم يخالف أمره بالمعاصي التي يعتقد أنها معصية، فله نصيب من الذلّة والصغار.
وقال الحسن: إنهم إن طقطقت
(2)
بهم البغال، وهملجت
(3)
بهم البراذين
(4)
، فإن ذلّ المعصية في رقابهم، أبى الله أن يذلّ إلّا من عصاه.
وكان الإمام أحمد يدعو: "اللهمّ أعزّنا بالطاعة ولا تذلّنا بالمعصية" ....
(5)
.
(1)
شرح حديث مثل الإسلام ورقة (9، 10).
(2)
الطقطقة: هي صوت قوائم الخيل على الأرض الصلبة - لسان العرب (10/ 225).
(3)
الهملجة: هي مشية البراذين - لسان العرب (2/ 393).
(4)
البراذين: جمع برذون، وهو يطلق على غير العربي من الخيل والبغال، والأنثى منه يقال لها: برذونة، لسان العرب (13/ 51)، المعجم الوسيط (ص 48).
(5)
الحكم الجديرة بالإذاعة (42، 43).