الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات
بينت فيما سبق من مباحث هذا الفصل تعريف توحيد الأسماء والصفات ومنهج السلف الصالح فيه وما قاله ابن رجب رحمه الله تعالى فيه والتي ملخصها: وجوب الإيمان بما ثبت لله عز وجل من الأسماء الحسنى والصفات العلى إثباتًا يليق بجلاله وعظمته وكبريائه، ونفي جميع النقائص والعيوب عنه عز وجل.
وقد وردت أدلة كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم تدل على ذلك كله.
(1)
.
ومنها قوله تعالى: {وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ (14) ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ (15) فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (16)}
(2)
.
(1)
سورة البقرة آية (255).
(2)
سورة البروج الآيات (14 - 16).
ومنها قوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (82)}
(1)
.
(2)
.
(3)
.
(4)
.
ومنها قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ
(1)
سورة يس آية (82).
(2)
سورة الحشر الآيات (22 - 24).
(3)
سورة الحديد الآيات (1 - 6).
(4)
سورة آل عمران الآيات (1 - 6).
فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا (111)}
(1)
.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: وقوله: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا} لما أثبت تعالى لنفسه الكريمة الأسماء الحسنى نزه نفسه عن النقائص فقال: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ} بل هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} أي ليس بذليل فيحتاج إلى أن يكون له ولي أو وزير أو مشير بل هو تعالى خالق الأشياء وحده لا شريك له ومدبرها ومقدرها بمشيئته وحده لا شريك له. قال مجاهد في قوله: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ} لم يحالف أحدًا ولم يبتغ نصر أحد {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} أي عظمه وأجله عما يقول الظالمون المعتدون علوًا كبيرًا
(2)
.
والآيات في هذا المعنى كثيرة، وكلها دالة على أن الله سبحانه وتعالى له الأسماء الحسنى والصفات العلى، وله الكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله لا شريك له.
وأما الأحاديث التي وردت في إثبات أسماء الرب الحسنى وصفاته العلى فهي كثيرة جدًا لا تقل عن أحاديث الصلاة والصوم والحج والجهاد وغير ذلك من مسائل الأحكام.
ومنها: حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يدعو من الليل: اللهم لك الحمد أنت رب السماوات والأرض لك الحمد أنت قيم السماوات والأرض، ومن فيهن، لك الحمد، أنت نور السماوات والأرض، قولك الحق ووعدك الحق ولقاؤك حق والجنة حق،
(1)
سورة الإسراء آية (111).
(2)
تفسير ابن كثير (3/ 69).
والنار حق والساعة حق اللهم لك أسلمت وبك آمنت وعليك توكلت وإليك أنبت وبك خاصمت وإليك حاكمت فاغفر لي ما قدمت وما أخرت وأسررت وأعلنت، أنت إلهي لا إله لي غيرك
(1)
.
وحديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: يد الله ملأى لا يغيضُها نفقة، سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض فإنه لم يغضْ ما في يده، وقال: عرشه على الماء وبيده الأخرى الميزان يخفض ويرفع
(2)
.
وحديث عبد الله بن مسعود أن يهوديًا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد إن الله يمسك السماوات على أصبع والأرضين على أصبع، والجبال على أصبع، والشجر على أصبع، والخلائق على أصبع، ثم يقول: أنا الملك فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه ثم قرأ: {وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ}
(3)
قال عبد الله: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم تعجبًا وتصديقًا له
(4)
.
قال البغوي
(5)
رحمه الله تعالى: والأصبع المذكورة في الحديث
(1)
أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ} (8/ 167).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (8/ 173).
(3)
سورة الزمر آية (67).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} (8/ 174).
(5)
أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد البغوي الفقيه المحدث المفسر، قال الذهبي: كان على منهاج السلف، وله القدم الراسخ في التفسير، والباع المديد في الفقه، له مصنفات مفيدة منها: شرح السنة، توفي سنة 516 هـ.
سير أعلام النبلاء (19/ 439) وطبقات المفسرين للداوودي (1/ 161).
صفة من صفات الله عز وجل، وكذلك كل ما جاء به الكتاب أو السنة من هذا القبيل في صفات الله تعالى، كالنفس، والوجه، والعين، واليد، والرجل، والإتيان، والمجيء، والنزول إلى السماء الدنيا، والاستواء على العرش، والضحك والفرح
…
فهذه ونظائرها صفات الله تعالى ورد بها السمع يجب الإيمان بها وإمرارها على ظاهرها معرضًا فيها عن التأويل مجتنبًا عن التشبيه، معتقدًا أن الباري سبحانه وتعالى لا يشبه شيئًا من صفاته صفات الخلق، كما لا تشبه ذاته ذوات الخلق، قال الله سبحانه وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(1)
(2)
.
وعن أبي موسى قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمس كلمات فقال: "إن الله عز وجل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام يخفض القسط ويرفعه، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار، وعمل النهار قبل عمل الليل حجابه النور (وفي رواية أبي بكر: النار) لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه"
(3)
.
وعن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة"
(4)
.
(1)
سورة الشورى آية (11).
(2)
شرح السنة (1/ 168 - 170).
(3)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب قوله عليه السلام: "إن الله لا ينام
…
" (1/ 161).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم (8/ 202) ومسلم: كتاب الزكاة، باب الحث على الصدقة ولو بشق تمرة أو كلمة طيبة وأنها حجاب من النار (2/ 703).
وعن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ينزل الله إلى السماء الدنيا كل ليلة حين يمضي ثلث الليل الأول، فيقول: أنا الملك، أنا الملك من ذا الذي يدعوني فأستجيب له، من ذا الذي يسألني فأعطيه، من ذا الذي يستغفرني فأغفر له، فلا يزال كذلك حتى يضيء الفجر"
(1)
.
وعن جرير قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فنظر إلى القمر ليلة -يعني البدر- فقال: "إنكم سترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون
(2)
في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس، وقبل غروبها فافعلوا ثم قرأ {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}
(3)
".
قال إسماعيل
(4)
: افعلوا لا تفوتنكم
(5)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: يقول الله تعالى: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم وإن تقرب
(1)
أخرجه البخاري: كتاب التهجد، باب الدعاء والصلاة من آخر الليل (2/ 47) ومسلم: كتاب صلاة المسافرين وقصرها، باب الترغيب في الدعاء والذكر في آخر الليل والإجابة فيه (1/ 522).
(2)
لا تضامون: يروى بالتشديد والتخفيف للميم، فالتشديد معناه لا ينضم بعضكم إلى بعض، وتزدحمون وقت النظر إليه -ويجوز فتح التاء وضمها- ومعنى التخفيف لا ينالكم ضيم في رؤيته فيراه بعضكم دون بعض، والضم الظلم. النهاية لابن الأثير (3/ 101).
(3)
سورة ق آية (39).
(4)
هو إسماعيل بن أبي خالد، تقدمت ترجمته.
(5)
أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب فضل صلاة العصر (1/ 138) ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب فضل صلاتي الصبح والعصر والمحافظة عليهما (1/ 439).
إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا وإن تقرب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة)
(1)
.
وقد بين ابن رجب رحمه الله تعالى أن ما جاء في هذه الأحاديث وغيرها من الأحاديث التي تثبت صفات الله تبارك وتعالى أنها تثبت من غير تحريف ولا تشبيه ولا تمثيل بل على الوجه الذي يليق بجلال الله وعظمته، ومن فهم من هذه الأحاديث تشبيهًا أو حلولًا فإنما فهمه بسبب جهله وعدم معرفته بربه، والله ورسوله بريئان من ذلك.
قال رحمه الله تعالى بعد أن ذكر بعضًا من هذه الأحاديث التي ذكرتها:
…
ومن فهم شيئًا من هذه النصوص تشبيهًا أو حلولًا أو اتحادًا فإنما أتي من جهله، وسوء فهمه عن الله عز وجل وعن رسوله، والله ورسوله بريئان من ذلك كله، فسبحان من ليس كمثله شيء وهو السميع البصير
(2)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا في شرحه للحديث القدسي: وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه
…
(3)
"
…
فمتى امتلأ القلب بعظمة الله تعالى محا ذلك من القلب كل ما سواه ولم يبق للعبد شيء من نفسه وهواه، ولا إرادة إلا لما يريده منه مولاه، فحينئذ لا ينطق العبد إلا بذكره، ولا يتحرك إلا بأمره، فإن نطق نطق بالله، وإن سمع سمع به، وإن نظر نظر به وإن بطش بطش به، فهذا هو المراد بقوله: (كنت
(1)
أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قوله تعالى:{وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} (8/ 171) ومسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار، باب الحث على ذكر الله تعالى (4/ 2061).
(2)
جامع العلوم والحكم (1/ 89).
(3)
تقدم تخريجه (ص 168).
سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها) ومن أشار إلى غير هذا فإنما يشير إلى الإلحاد من الحلول، والاتحاد، والله ورسوله بريئان منه
…
"
(1)
.
(1)
جامع العلوم والحكم (3/ 167، 168).