المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

إن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل بأبصارهم يوم القيامة ثابتة بالكتاب والسنة المتواترة، واتفق على القول بها جميع الصحابة والتابعين وأئمة الإسلام على تتابع القرون

(1)

.

ورؤيته سبحانه وتعالى يوم القيامة هي أعلى مراتب نعيم الجنة وغاية مطلوبهم.

وقد قرر ابن رجب رحمه الله تعالى هذه المسألة واستدل لها بعدة أدلة من الكتاب والسنة فقال رحمه الله تعالى عند شرحه لحديث: "أنكم سترون ربكم

"

(2)

هذا الحديث نص في ثبوت رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة كما دل على ذلك قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (22) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ (23)}

(3)

، ومفهوم قوله في حق الكفار:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}

(4)

قال الشافعي وغيره: لما حجب أعداءه بالسخط دل على أن أولياءه يرونه في الرضا.

والأحاديث في ذلك كثيرة جدًا، وقد ذكر البخاري بعضها في أواخر الصحيح في كتاب التوحيد.

(1)

انظر: كتاب التوحيد لابن خزيمة (2/ 548) ومجموع الفتاوى (2/ 337).

(2)

تقدم تخريجه (ص 217).

(3)

سورة القيامة آية (22، 23).

(4)

سورة المطففين آية (15).

ص: 741

وقد أجمع على ذلك السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان من الأئمة واتباعهم

(1)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "

واتفق السلف الصالح على تلقي هذا الحديث بالقبول والتصديق قال يزيد بن هارون

(2)

: من كذَّب بهذا الحديث فهو بريء من الله ورسوله".

وقال وكيع: "من رد هذا الحديث فاحسبوه من الجهمية

"

(3)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وأعظم عذاب أهل النار حجابهم عن الله عز وجل وإبعادهم عنه وإعراضه عنهم وسخطه عليهم كما أن رضوان الله على أهل الجنة أفضل من كل نعيم الجنة، وتجليه لهم ورؤيتهم إياه أعظم من جميع أنواع نعيم الجنة قال الله تعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (14) كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الْجَحِيمِ (16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ (17)}

(4)

فذكر الله تعالى ثلاثة أنواع من العذاب حجابهم عنه، ثم صليهم الجحيم، ثم توبيخه بتكذيبهم به في الدنيا، ووصفهم بالران على قلوبهم، وهو صدأ الذنوب الذي سود قلوبهم فلم يصل إليها بعد ذلك في الدنيا، من معرفة الله ولا من إجلاله ومهابته وخشيته ومحبته فكما حجبت قلوبهم في الدنيا عن الله

(1)

فتح الباري (3/ 133).

(2)

يزيد بن هارون بن زاذي السلمي أبو خالد الواسطي الإمام الحافظ قال أحمد بن حنبل: كان يزيد حافظًا متقنًا.

وقال ابن أبي حاتم: يزيد ثقة إمام، لا يسأل عن مثله، توفي سنة 206 هـ.

الجرح والتعديل (9/ 295) تاريخ بغداد (14/ 337) وسير أعلام النبلاء (9/ 358).

(3)

فتح الباري (3/ 134).

(4)

سورة المطففين آية (14 - 17).

ص: 742

حجبوا في الآخرة عن رؤيته، وهذا بخلاف حال أهل الجنة قال الله تعالى:{لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (26)}

(1)

والذين أحسنوا هم أهل الإحسان، والإحسان أن يعبد العبد ربه كأنه يراه كما فسره النبي صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام، فجعل جزاء الإحسان الحسنى وهو الجنة والزيادة وهي النظر إلى وجه الله عز وجل كما فسره بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث صهيب وغيره"

(2)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وقد ثبت في صحيح مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم تفسير الزيادة بالنظر إلى وجه الله تعالى في الجنة وهذا مناسب لجعله جزاء لأهل الإحسان، لأن الإحسان هو أن يعبد المؤمن ربه في الدنيا على وجه الحضور والمراقبة، كأنه يراه بقلبه وينظر إليه في حال عبادته، فكان جزاء ذلك النظر إلى وجه الله عيانًا في الآخرة، وعكس هذا ما أخبر الله تعالى به عن جزاء الله للكفار في الآخرة:{كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ (15)}

(3)

، وجعل ذلك جزاء لحالهم في الدنيا وهو تراكم الران على قلوبهم حتى حجبت عن معرفته ومراقبته في الدنيا فكان جزاؤهم على ذلك أن حجبوا عن رؤيته في الآخرة"

(4)

.

كما أوضح ابن رجب رحمه الله تعالى أن أهل الجنة كلهم يشتركون في رؤية الله تبارك وتعالى إلا أنهم يتفاوتون في أوقات الرؤية ومقدارها حيث قال: "كل أهل الجنة يشتركون في الرؤية لكن يتفاوتون في القرب في حال الرؤية، وفي أوقات الرؤية، عموم أهل الجنة يرون يوم المزيد

(1)

سورة يونس آية (26).

(2)

التخويف من النار (ص 153).

(3)

سورة المطففين آية (15).

(4)

جامع العلوم والحكم (1/ 83).

ص: 743

وهو يوم الجمعة، وخواصهم ينظرون إلى وجه الله في كل يوم مرتين بكرة وعشيًا"

(1)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "

أما المقصود الثاني فحاصل لأهل الجنة على أكمل الوجوه وأتمها، ولا نسبة لما حصل لقلوبهم في الدنيا من لطائف القرب، والأنس والاتصال إلى ما يشاهدونه في الآخرة عيانًا، فتنعم قلوبهم وأبصارهم وأسماعهم بقرب الله ورؤيته وسماع كلامه، لاسيما في أوقات الصلاة في الدنيا كالجمع والأعياد، والمقربون منهم يحصل ذلك لهم كل يوم مرتين بكرة وعشيًا في وقت صلاة الصبح، وصلاة العصر، ولهذا لما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهل الجنة يرون ربهم، حض عقب ذلك على المحافظة على صلاة العصر، وصلاة الفجر لأن وقت هاتين الصلاتين وقت لرؤية خواص أهل الجنة ربهم وزيارتهم له

"

(2)

.

كما أوضح ابن رجب رحمه الله تعالى أن رؤية الله تبارك وتعالى هو أعظم نعيم أهل الجنة، وأنهم يحقرون كل نعيم أمام نعيم رؤية ربهم وخالقهم سبحانه وتعالى حيث قال:"إن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة واستدعاهم الرب سبحانه إلى زيارته ومشاهدته ومحاضرته يوم المزيد، فإنهم ينسون عند ذلك كل نعيم عاينوه في الجنة قبل ذلك، ولا يلتفتون إلى شيء مما هم فيه من نعيم الجنة حتى يحتجب عنهم سبحانه، ويحقرون كل نعيم في الجنة حين ينظرون إلى وجهه جل جلاله كما جاء في أحاديث يوم المزيد"

(3)

.

(1)

المحجة في سير الدلجة (ص 82).

(2)

جامع العلوم والحكم (2/ 378).

(3)

التخويف من النار (ص 196).

ص: 744

فقد أوضح ابن رجب رحمه الله تعالى في كلامه السابق أن رؤية المؤمنين لربهم عز وجل عيانًا بأبصارهم يوم القيامة حق لا مرية فيه، وهو ما عليه سلف هذه الأمة وأئمتها رحمهم الله تعالى.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله في معرض كلامه السابق بعض الأدلة التي استدل بها أهل السنة والجماعة على ثبوت رؤية الله تبارك وتعالى يوم القيامة.

وهناك أدلة أخرى تدل على ثبوت الرؤية لم يتعرض لها ابن رجب رحمه الله تعالى.

منها قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ}

(1)

وقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ}

(2)

.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "أجمع أهل اللسان على أن اللقاء متى نسب إلى الحي السليم من العمى والمانع، اقتضى المعاينة والرؤية"

(3)

.

أما الأحاديث الدالة على رؤية الله تبارك وتعالى ولقائه فهي كثيرة جدًا تصل إلى حد التواتر.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "ثبت بالسنة المتواترة واتفاق سلف الأمة وأئمتها من الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أئمة أهل الإسلام الذين ائتموا بهم في دينهم أن الله سبحانه وتعالى يري في الدار الآخرة بالأبصار عيانًا، وقد دل على ذلك القرآن في مواضع كما ذلك مذكور في مواضعه، والأحاديث الصحيحة في ذلك كثيرة متواترة في

(1)

سورة الأحزاب آية (44).

(2)

سورة البقرة آية (223).

(3)

حادي الأرواح (ص 204).

ص: 745

الصحاح والسنن والمسانيد

(1)

.

ومنها حديث أبي سعيد الخدري قال: قلنا: يا رسول الله، هل نرى ربنا يوم القيامة؟ قال: هل تضارون

(2)

في رؤية الشمس والقمر إذا كانت صحوًا؟ قلنا: لا، قال: فإنكم لا تضارون في رؤية ربكم يومئذ، إلا كما تضارون في رؤيتهما"

(3)

متفق عليه.

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن ناسًا قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "هل تضارون في رؤية القمر ليلة البدر؟ " قالوا: لا يا رسول الله، قال:"هل تضارون في الشمس ليس دونها سحاب؟ " قالوا: لا يا رسول الله، قال: "فإنكم ترونه كذلك

" الحديث

(4)

.

والمراد من التشبيه في الأحاديث السابقة كما فسره علماء السلف رحمهم الله تعالى هو تشبيه الرؤية بالرؤية من حيث الوضوح والحقيقة

(1)

بيان تلبيس الجهمية (1/ 348).

(2)

تضارون: يروى بالتشديد والتخفيف للراء، فالتشديد بمعنى لا تتخالفون ولا تتجادلون في صحة النظر إليه لوضوحه وظهوره، يقال: ضاره يضاره مثل ضره يضره.

يقول الجوهري: "يقال أضرَّني فلان إذا دنا مني دنوًا شديدًا" فأراد بالمضارة الاجتماع والازدحام عند النظر إليه.

وأما التخفيف فهو من الضير لغة في الضرة والمعنى فيه كالأول.

الصحاح (2/ 721) والنهاية لابن الأثير (3/ 82).

(3)

أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} (8/ 181) ومسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى (1/ 167).

(4)

أخرجه البخاري: كتاب التوحيد (8/ 179) ومسلم: كتاب الإيمان (1/ 163).

ص: 746

وعدم التكلف والتزاحم حال الرؤية، لا تشبيه المرئى بالمرئي لأن الله تبارك وتعالى:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}

(1)

.

ومنها حديث صهيب بن سنان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة، قال: يقول الله تبارك وتعالى: تريدون شيئًا أزيدكم؟ فيقولون: ألم تبيض وجوهنا؟ ألم تدخلنا الجنة، وتُنَجِّنَا من النار؟ قال: فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئًا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل"

(2)

.

هذه الآيات والأحاديث التي ذكرتها وغيرها مما لم أذكره فيها دلالة لما ذهب إليه أهل السنة والجماعة من ثبوت رؤية الله تعالى حقيقة يوم القيامة.

ولا عبرة بمن خالف ذلك من الفرق الأخرى ممن حادوا عن الصواب وخالفوا نصوص الكتاب والسنة.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى في معرض الرد على المخالفين: "وإنما خالف فيه طوائف من أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ونحوهم ممن يرد النصوص الصحيحة لخيالات فاسدة، وشبهات باطلة، يخيلها لهم الشيطان فيسرعون إلى قبولها منه، ويوهمهم أن هذه النصوص الصحيحة تستلزم باطلًا، وتسميته تشبيهًا أو تجسيمًا فينفرون منه، كما خيل إلى المشركين قبلهم أن عبادة الأوثان ونحوها تعظيم لجناب الرب وإنه لا يتوصل إليه من غير وسائط تعبد فتقرب إليه زلفًا وأن ذلك أبلغ في التعظيم والاحترام، وقاسه لهم على ملوك بنى آدم فاستجابوا لذلك وقبلوه منه.

(1)

سورة الشورى آية (11).

(2)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب إثبات رؤية المؤمنين في الآخرة ربهم سبحانه وتعالى (1/ 163).

ص: 747

وإنما بعث الله الرسل وأنزل الكتب لإبطال ذلك كله، فمن اتبع ما جاءوا به فقد اهتدى، ومن أعرض عنه أو عن شيء منه واعترض فقد ضل

وقد ظن المريسي ونحوه ممن ضل وافترى على الله أن هذا الحديث يرد لما يتضمن من التشبيه فضل وأضل"

(1)

.

والحقيقة أن المتأمل لكلام النفاة للرؤية واستدلالاتهم يجد أن ذلك منهم مبني على التعسف وتحريف الكلم عن مواضعه، لأنه لا يشهد لمذهبهم سمع ولا عقل بل كل ذلك يرد عليهم.

وسأذكر أشهر أدلتهم التي استدلوا بها من القرآن والرد عليها:

الدليل الأول: قوله تعالى: {لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ}

(2)

.

قالوا: إن الله مدح نفسه بأنه لا يرى بالأبصار، وما كان نفيه تمدحًا راجعًا إلى ذاته كان إثباته نقصًا، والنقائص غير جائزة على الله تعالى في حال من الأحوال

(3)

.

والجواب عن ذلك أن يقال: إن الآية تدل على كمال عظمة الله تعالى وأنه أكبر من كل شيء وأنه لكمال عظمته لا يدرك، وهذا ما مدح الله به سبحانه وتعالى نفسه ولم يذكر أنه لا يرى، والإدراك هو الإحاطة بالشيء وهو قدر زائد على الرؤية، كما قال تعالى:{فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ (61) قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ (62)}

(4)

فلم ينف موسى عليه السلام الرؤية، وإنما نفى الإدراك ولا

(1)

فتح الباري (3/ 134).

(2)

سورة الأنعام آية (103).

(3)

انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار (ص 233) والإبانة في أصول الديانة لأبي الحسن الأشعري (ص 79).

(4)

سورة الشعراء آية (61، 62).

ص: 748

يمكن أن يقال إن موسى عليه السلام نفى الرؤية لأن الله تعالى سبحانه وتعالى صرح بإثبات الرؤية بقوله: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ} .

فالرؤية والإدراك كل منهما، يوجد مع الآخر وبدونه، والرب تبارك وتعالى يرى ولا يدرك كما يعلم ولا يحاط به علمًا، وهذا هو الذي فهمه الصحابة والأئمة من هذه الآية

(1)

.

ومما يدل على أن الإدراك قدر زائد على الرؤية أن هذه الشمس وهذه السماء المخلوقتان يتمكن كل إنسان من رؤيتهما ولا يتمكن أن يدركهما على ما هما عليه

(2)

.

الدليل الثاني: استدلوا بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي} الآية

(3)

.

قالوا: إن "لن" كلمة تدل على التأبيد فقوله: {لَنْ تَرَانِي} نفى فيه أن يكون مرئيًا البتة، وهذا يدل على استحالة الرؤية عليه

(4)

.

والجواب عن ذلك: أن هذه الآية كالآية السابقة لا حجة لهم بها، وادعاؤهم بأن لن تفيد النفي المؤبد غير صحيح لأن غاية ما تدل عليه "لن" النفي في المستقبل، ولا تفيد التأبيد حتى ولو قيدت بالتأبيد فكيف إذا أطلقت. والدليل قوله تعالى عن الكفار:{وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا}

(5)

ومع ذلك أخبر سبحانه وتعالى أنهم يتمنونه يوم القيامة كما قال تعالى: {وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ}

(6)

.

(1)

انظر: حادي الأرواح لابن القيم (ص 207) وتفسير ابن كثير (2/ 160).

(2)

انظر: الشريعة للآجري (ص 276) وحادي الأرواح (ص 210).

(3)

سورة الأعراف آية (143).

(4)

انظر: شرح الأصول الخمسة (ص 264).

(5)

سورة البقرة آية (95).

(6)

سورة الزخرف آية (77).

ص: 749

ولأنها لو كانت للتأبيد المطلق لما جاز تحديد الفعل بعدها، وقد جاء ذلك في قوله تعالى:{فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}

(1)

.

ولأنها لو كانت للتأبيد لم يقيد منفيها باليوم في قوله تعالى: {فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا}

(2)

.

فثبت أن لن لا تقتضي النفي المؤبد

(3)

.

إضافة إلى أن أئمة هذا الشأن وهم النحاة قالوا إن (لن) لا تفيد النفي المؤبد، قال ابن مالك

(4)

في الكافية:

ومن رأى النفي بـ (لن) مؤبدًا

فقوله أردد وخلافه أعضدا

ثم يقول في الشرح: ثم أشرت إلى ضعف قول من رأى تأبيد النفي بلن وهو الزمخشري في "أنموذجه" وحامله على ذلك اعتقاد أن الله تعالى لا يرى، وهو اعتقاد باطل بصحة ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعني ثبوت الرؤية -جعلنا الله من أهلها وأعاذنا من عدم الإيمان بها"

(5)

.

وما ذهب إليه أهل السنة والجماعة ووافقهم عليه ابن رجب رحمه الله تعالى في رؤية المؤمنين ربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما أخبر الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم عنها هو الحق الذي لا يجوز اعتقاد غيره لوضوح الأدلة عليه من الكتاب والسنة، وإجماع السلف عليه.

(1)

سورة يوسف آية (80).

(2)

سورة مريم آية (26).

(3)

انظر: حادي الأرواح (ص 205) وشرح العقيدة الطحاوية (ص 208).

(4)

جمال الدين محمد بن عبد الله بن مالك أبو عبد الله الطائي النحوي صاحب التصانيف المشهورة المفيدة، ومنها الكافية الشافية وشرحها، كان إمامًا في اللغة والنحو والقراءات، توفي سنة 672 هـ.

البداية والنهاية (13/ 254) وبغية الوعاة (1/ 130).

(5)

شرح الكافية الشافية (3/ 1515، 1531).

ص: 750