الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى الخلاف في المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (71)}
(1)
وعقد له فصلًا في كتاب التخويف من النار بعنوان "الباب السابع والعشرون في ذكر ورود النار" قال فيه:
اختلف الصحابة ومن بعدهم في تفسير الورود ثم ذكر بعد ذلك أقوال العلماء في ذلك على النحو التالي:
1 -
قول الذين قالوا إن المراد بالورود المرور على الصراط، قال ابن رجب رحمه الله تعالى:"قالت طائفة: الورود هو المرور على الصراط وهذا قول ابن مسعود وجابر والحسن وقتادة وغيرهم .. ".
2 -
القول الثاني: قول ابن عباس رضي الله عنهما ومن وافقه من الصحابة وغيرهم في أن المقصود من الورود في الآية هو الدخول في النار، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "وقالت طائفة: الورود هو الدخول، وهذا هو المعروف عن ابن عباس، روي عنه من غير وجه، وكان يستدل لذلك بقول الله تعالى في فرعون {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ}
(2)
وبقوله: {وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (86)}
(3)
(1)
سورة مريم آية (71).
(2)
سورة هود آية (98).
(3)
سورة مريم آية (86).
وكذلك قوله تعالى: {لَوْ كَانَ هَؤُلَاءِ آلِهَةً مَا وَرَدُوهَا}
(1)
…
"
(2)
.
3 -
القول الثالث: قول الذين قالوا إن المراد بالورود هو ما يصيب المؤمن في الدنيا من حمى ومرض، قال ابن رجب رحمه الله تعالى:"وقد فسر بعضهم الورود بالحمى في الدنيا"، روي عن مجاهد وعثمان بن الأسود
(3)
، وفيه حديث مرفوع:"الحمى حظ المؤمن من النار"
(4)
وإسناده ضعيف.
4 -
القول الرابع: قول الذين قالوا إن الورود ليس عامًا وإنما هو
(1)
سورة الأنبياء آية (99).
(2)
التخويف من النار (ص 193).
(3)
عثمان بن الأسود بن موسى المكي، وثقه يحيى القطان وابن أبي حاتم وابن سعد وغيرهم، توفي سنة 150 هـ، وقيل غير ذلك.
الجرح والتعديل (6/ 144) وسير أعلام النبلاء (6/ 339) تهذيب التهذيب (7/ 107).
(4)
أخرجه بهذا اللفظ القضاعي في مسند الشهاب (1/ 71) من حديث عبد الله بن مسعود، وفي سنده صالح بن أحمد الهروي قال أبو أحمد الحاكم: فيه نظر، وفي سنده أيضًا أحمد بن راشد الهلالي قال الذهبي: أتى بخبر باطل.
ميزان الاعتدال (2/ 288) و (1/ 97) ولسان الميزان (3/ 165)، (1/ 171).
وأخرجه أحمد (5/ 264) والبزار كما في كشف الأستار (1/ 364) والطبراني في الكبير (8/ 93).
وهو عند أحمد والطبراني من حديث أبي أمامة بلفظ: "الحمى كير من جهنم، فما أصاب المؤمن منها كان حظه من النار".
قال المنذري في الترغيب والترهيب (4/ 155): رواه أحمد بإسناد لا بأس به، والبزار بإسناد حسن، وكذا قال الهيثمي في المجمع (2/ 306).
وانظر: ألفاظ هذا الحديث وشواهده في الجامع الصغير للسيوطي (1/ 152) وشرحه فيض القدير (3/ 419 - 421) وفي سلسلة الأحاديث الصحيحة للألبانى (4/ 435) وما بعدها.
خاص بالمحضرين حول جهنم، قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "وقالت طائفة: الورود ليس عامًا وإنما هو خاص بالمحضرين حول جهنم المذكورين في قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا (68)} إلى قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(1)
كأنه يقال لهؤلاء الموصوفين: "وإن منكم إلا واردها" روى هذا التأويل عن زيد بن أسلم
(2)
وهو بعيد جدًا"
(3)
.
ويبدو لي أن ابن رجب رحمه الله تعالى يرجح القول الأول الذي يقول أن المراد بالورود هو المرور على الصراط، ويدل على ذلك ما يأتي:
1 -
عند ذكره للقول الأول قال: "ومما يستدل به على أن الورود ليس هو الدخول ما خرّجه مسلم من حديث جابر قال: أخبرتني أم بشر أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول عند حفصة: "لا يدخل النار إن شاء الله من أصحاب الشجرة أحد من الذين بايعوا تحتها" قالت: بلى يا رسول الله فانتهرها، فقالت حفصة:{وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(4)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: قد قال الله عز وجل: {ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (72)}
(5)
......
(6)
"
(7)
. فهذا يشعر برده للقول الثاني
…
(1)
سورة مريم الآيات (68 - 71).
(2)
زيد بن أسلم أبو عبد الله العدوي العمري مولاهم الإمام الحافظ الفقيه، كان من العلماء العاملين وكان عالمًا بتفسير القرآن الكريم، توفي سنة 136 هـ.
سير أعلام النبلاء (5/ 316) وتهذيب التهذيب (3/ 395) وطبقات المفسرين للداوودي (1/ 182).
(3)
التخويف من النار (ص 200).
(4)
سورة مريم آية (71).
(5)
سورة مريم آية (72).
(6)
صحيح مسلم: كتاب فضائل الصحابة، باب فضائل أصحاب الشجرة (4/ 1942).
(7)
التخويف من النار (ص 194).
2 -
أنه بعد أن ذكر بعض الآثار التي تدل على القول الثاني رد عليها بقوله: "ولكن هذا والذي قبله قد يدلان على أن الورود هو المرور على الصراط كالقول الأول"
(1)
.
3 -
أنه صدر به الأقوال.
والقول بأن الورود في هذه الآية هو المرور على الصراط ذهب إليه كثير من المفسرين والعلماء.
قال ابن أبي العز رحمه الله تعالى: "اختلف المفسرون في المراد بالورود المذكور في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}
(2)
ما هو؟ والأظهر الأقوى أنه المرور على الصراط"
(3)
.
وقال الشوكاني: "وقد توقف كثير من العلماء عن تحقيق هذا الورود وحمله على ظاهره لقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ (101). . .}
(4)
ولا يخفى أن القول بأن الورود هو المرور على الصراط
…
فيه جمع بين الأدلة من الكتاب والسنة فينبغي حمل الآية على ذلك"
(5)
.
(1)
التخويف من النار (ص 197).
(2)
سورة مريم آية (71).
(3)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 471).
(4)
سورة الأنبياء آية (101).
(5)
فتح القدير (3/ 344).