الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها
وفيه عدة مطالب:
المطلب الأول بيان معنى كلمة إله
أله في اللغة معناه: عبد.
والإله: هو المعبود.
يقال أله يأله بالفتح فيهما بمعنى عبد يعبد.
قال ابن فارس: الهمزة واللام والهاء أصل واحد وهو التعبد فالإله الله تعالى، وسمي بذلك لأنه معبود، ويقال: تأله الرجل إذا تعبد
(1)
.
وقال الزجاج: معنى قولنا: "إله" إنما هو الذي يستحق العبادة وهو المستحق لها دون سواه
(2)
.
وقال ابن جرير الطبري: أله بمعنى عبد، والإله مصدره من قول القائل: آله الله فلان إلاهة كما يقال: عبد الله فلان عبادة
(3)
.
(1)
معجم مقاييس اللغة (1/ 127).
(2)
تفسير أسماء الله الحسنى (ص 26).
(3)
تفسير ابن جرير الطبري (1/ 54).
وقال الفيروزأبادي:
(1)
أله يأله ألهة وتالهًا كعبد يعبد عبادة وتعبدًا
(2)
.
بهذا يتضح لنا أن لفظة (إله) مأخوذة من التأله وهو التعبد ومعناه المعبود المطاع سواء كان بحق أو بغير حق، فكل ما عبد بأي نوع من أنواع العبادات ولو كان المعبود جمادًا فهو إله عند عابده كما قال تعالى:{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَمَا زَادُوهُمْ غَيْرَ تَتْبِيبٍ}
(3)
.
ولكن هذا اللفظ غلب على المعبود بحق وهو الله سبحانه وتعالى يقول الزمخشري
(4)
: والإله من أسماء الأجناس كالرجل والفرس اسم يقع على كل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق
…
(5)
.
وأما لفظ الجلالة (الله) فلا يطلق إلا على المعبود بحق وهو الله سبحانه وتعالى، فهو مختص به عز وجل ولا يطلق على غيره
(6)
.
(1)
هو مجد الدين أبو الطاهر محمد بن يعقوب بن محمد بن إبراهيم بن عمر الفيروزأبادي اللغوي، الأديب، ولي قضاء اليمن، وكان من العلماء الفضلاء، له مصنفات كثيرة منها "القاموس المحيط، وبصائر ذوي التمييز"، توفي سنة 817 هـ. بغية الوعاة (1/ 273) وشذرات الذهب (7/ 126) والبدر الطالع (2/ 280).
(2)
بصائر ذوي التمييز (2/ 14).
(3)
سورة هود آية (101).
(4)
محمود بن عمر بن محمد الزمخشري، أبو القاسم، كبير المعتزلة، وهو رأس في البلاغة والعربية والمعاني والبيان، وهو داعية إلى الاعتزال، له مؤلفات أظهر فيها هذا المذهب منها: الكشاف في التفسير، توفي سنة 538 هـ.
الأنساب (6/ 297) ووفيات الأعيان (5/ 168) وبغية الوعاة (2/ 279).
(5)
الكشاف (1/ 36).
(6)
انظر: لسان العرب (13/ 469).
وقد بين ابن رجب رحمه الله تعالى أن الإله الحق الذي يجب أن يطاع فلا يعصى هو الله سبحانه وتعالى فقال: "الإله هو الذي يطاع فلا يعصى هيبة له وإجلالًا، ومحبة وخوفًا ورجاء، وتوكلًا عليه، وسؤالًا منه ودعاءًا له، ولا يصلح ذلك كله إلا الله عز وجل"
(1)
.
وقال أيضا رحمه الله تعالى: فإن الإله هو المعبود الذي يطاع فلا يعصى خشية وإجلالًا ومهابة ومحبة ورجاء وتوكلًا ودعاء، والمعاصي قادحة كلها في هذا التوحيد، لأنها إجابة لداعي الهوى وهو الشيطان قال الله عز وجل:{أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ}
(2)
.
كما أشار رحمه الله تعالى إلى أن الإله قد يطلق على الهوى المتبع فقال: وقد ورد إطلاق الإله على الهوى المتبع
(3)
.
قال الله تعالى: {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} (2) قال: هو الذي لا يهوى شيئًا إلا ركبه.
وقال قتادة
(4)
: هو الذي كلما هوى شيئًا ركبه، وكلما اشتهى شيئًا أتاه. لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى
(5)
…
ويشهد لذلك الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم: "تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد
(1)
كلمة الإخلاص (ص 23).
(2)
سورة الجاثية آية (23).
(3)
جامع العلوم والحكم (2/ 129).
(4)
قتادة بن دعامة بن قتادة بن عزيز السدوسي أبو الخطاب البصري الحافظ، المحدث المفسر، كان من أوعية العلم، وممن يضرب به المثل في قوة الحفظ، توفي سنة 118 هـ رحمه الله تعالى.
الجرح والتعديل (7/ 133) ووفيات الأعيان (4/ 85) وسير أعلام النبلاء (5/ 269).
(5)
أخرجه بنحوه ابن جرير الطبري في تفسيره (25/ 150).
القطيفة
(1)
تعس عبد الخميصة
(2)
تعس وانتكس وإذا شيك
(3)
فلا انتقش"
(4)
فدل هذا على أن كل من أحب شيئًا وأطاعه وكان غاية قصده ومطلوبه، ووالى لأجله، وعادى لأجله، فهو عبده، وكان ذلك الشيء معبوده وإلهه.
ويدل عليه أيضًا أن الله تعالى سمى طاعة الشيطان في معصيته عبادة للشيطان كما قال تعالى: {أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ}
(5)
وقال تعالى حاكيًا عن خليله إبراهيم عليه السلام لأبيه: {يَاأَبَتِ لَا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا (44)}
(6)
فمن لم يتحقق بعبودية الرحمن وطاعته فإنه يعبد الشيطان بطاعته له، ولم يخلص من عبادة الشيطان إلا من أخلص عبودية الرحمن
(7)
.
فالتفسير الصحيح لكلمة الإله هو المألوه والمعبود المطاع، ولا معبود بحق إلا الله سبحانه وتعالى.
وبهذا يتبين لنا خطأ المتكلمين ومن سار على نهجهم الذين يفسرون
(1)
القطيفة: هي كساء له خمل: أي الذي يعمل لها ويهتم بتحصيلها. النهاية لابن الأثير (4/ 84).
(2)
الخميصة: هي ثوب خز أو صوف معلم، وقيل لا تسمى خميصة إلا أن تكون سوداء معلمة، وكانت من لباس الناس قديمًا، وجمعها الخمائص. النهاية لابن الأثير (2/ 80، 81).
(3)
شيك: أي إذا أصابته شوكة لا يقدر على انتقاشها، وهو إخراجها بالمنقاش. النهاية لابن الأثير (2/ 510).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب الجهاد، باب الحراسة في الغزو في سبيل الله (4/ 222).
(5)
سورة يس آية (60).
(6)
سورة مريم آية (44).
(7)
كلمة الإخلاص (ص 25 - 27).
الإله بأنه الخالق والقادر على الاختراع، أو شبه ذلك من معاني الربوبية فجعلوا الألوهية بمعنى الربوبية.
وهذا التفسير لا شك أنه تفسير خاطىء مخالف للغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، ويؤدي إلى إغفال حقيقة التوحيد الذي من أجله أرسلت الرسل وأنزلت الكتب وخلق الله الخلق ألا وهو توحيد العبادة الذي ضل فيه كثير من الناس خصوصًا في هذا العصر.
يقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى بعد أن ذكر أن معنى الإله هو المعبود المطاع فيقول: وهذا كثير جدًا في كلام العلماء، وهو إجماع منهم أن الإله هو المعبود خلافًا لما يعتقده عباد القبور وأشباههم في معنى الإله أنه الخالق أو القادر على الاختراع أو نحو هذه العبارات، ويظنون أنهم إذا قالوها بهذا المعنى، فقد أتوا من التوحيد بالغاية القصوى، ولو فعلوا ما فعلوا من عبادة غير الله
…
وما شعروا أن إخوانهم من كفار العرب يشاركونهم في هذا الإقرار، ويعرفون أن الله هو الخالق القادر على الاختراع، ويعبدونه بأنواع من العبادات
…
فإن قيل: فما الجواب عن قول من قال: بأن معنى الإله القادر على الاختراع ونحو هذه العبارة؟ قيل الجواب من وجهين:
أحدهما: أن هذا قول مبتدع لا يعرف أحد قاله من العلماء ولا من أئمة اللغة، وكلام العلماء وأئمة اللغة هو معنى ما ذكرنا كما تقدم فيكون هذا القول باطلًا.
الثاني: على تقدير تسليمه، فهو تفسير باللازم للإله الحق، فإن اللازم له أن يكون خالقا قادرًا على الاختراع، ومتى لم يكن كذلك، فليس بإله حتى وإن سمي إلهًا، وليس مراده أن من عرف أن الإله هو القادر على الاختراع فقد دخل في الإسلام وأتى بتحقيق المرام من مفتاح
دار السلام، فإن هذا لا يقوله أحد، لأنه يستلزم أن يكون كفار العرب مسلمين، ولو قدر أن بعض المتأخرين أراد ذالك فهو مخطىء يرد عليه بالدلائل السمعية والعقلية
(1)
.
(1)
تيسير العزيز الحميد (ص 76 - 81).