الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع تدريسه
لم يقتصر ابن رجب رحمه الله تعالى على التعلم وحده دون نشره وتعليم الناس له بل حرص على تدريس الناس وتوعيتهم بأمور دينهم، وهذا هو منهج السلف الصالح رحمهم الله تعالى.
فهو رحمه الله تعالى بعد رحلاته العلمية استقر بدمشق يدرس بمدارسها ويعقد المواعيد الوعظية، والحلقات العلمية وينهض بمسؤوليته نحو الدين والعلم والمجتمع.
فقد كان له حلقات من الدروس يجتمع فيها حوله عدد غفير من الطلاب يرتشفون من علومه ويسألونه ويناقشونه ويستمعون إلى محاضراته ويسمع لهم قراءاتهم عليه ليجيزهم أو يدقق عليهم.
فقد ولي ابن رجب رحمه الله تعالى حلقة الثلاثاء بعد وفاة ابن قاضي الجبل
(1)
سنة إحدى وسبعين وسبعمائة، ودرس بالمدرسة الحنبلية بعد وفاة ابن التقي
(2)
سنة ثمان وثمانين وسبعمائة، قال العليمي: "درس
(1)
تقدمت ترجمته (ص 88).
(2)
شمس الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن محمد بن محمود بن أحمد المرداوي الحنبلي المعروف بابن التقي، اشتغل بالعلم وتميز فيه، ودرس وأفتى، وكان عالمًا زاهدًا تقيًا ورعًا، توفي سنة 788 هـ.
الجوهر المنضد (141) وشذرات الذهب (6/ 304).
بحلقة الثلاثاء والمدرسة الحنبلية"
(1)
.
وقال ابن عبد الهادي: "ولي حلقة الثلاثاء بعد وفاة ابن قاضي الجبل في رجب إحدى وسبعين، ودرس بالحنبلية بعد وفاة ابن التقي، ثم أخذ منه"
(2)
.
كما أن الشيخ عز الدين ابن شيخ السلامية وقف درسًا وعين له الحافظ ابن رجب، قال النعيمي في معرض كلامه عن ابن شيخ السلامية:"ووقف درسًا بتربته بالصالحية وكتبًا، عين لذلك الشيخ زين الدين بن رجب رحمه الله تعالى"
(3)
.
ومعنى هذا أنه اشتغل بالتدريس وهو ابن خمس وثلاثين سنة، وقد تتلمذ على يديه خلق كثير من الحنابلة في وقته.
قال ابن حجي: "وتخرج به غالب أصحابنا الحنابلة بدمشق"
(4)
.
وكان رحمه الله واعظًا بليغًا مفوهًا، فكانت مواعظه مؤثرة في النفوس موقظة للقلوب، قال ابن ناصر الدين: كانت مجالس تذكيره للقلوب صادعة، وللناس عامة مباركة نافعة
(5)
.
وهو يقتدي في مسلكه الوعظي بأسلوب الإمام ابن الجوزي الذي كانت مواعظه تضم إلى جانب الآيات والأحاديث الأشعار الرقيقة التي تقع من النفس أحسن موقع ويخلطها بعبارات مسجوعة، فتكون مواعظه محببة
(1)
المنهج الأحمد ورقة (471).
(2)
الجوهر المنضد (ص 49).
(3)
الدارس في تاريخ المدارس (2/ 76).
(4)
إنباء الغمر (3/ 176).
(5)
التبيان لبديعة البيان (ص 159).
للنفوس لا يمل من تكرارها ولا يسأم من تردادها، فلو قارنا بين أسلوبه وأسلوب ابن رجب لوجدنا بينهما توافقًا. كما كانت له معرفة بمواعظ السلف وأخبارهم، قال ابن قاضي شهبة:"وكان يحفظ كثيرًا من كلام السلف"
(1)
.
(1)
تاريخ ابن قاضي شهبة ورقة (140/ أ).