المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

الشرك هو أن يجعل الإنسان لله تعالى شريكًا وندًا فيما يجب أن يكون حقًا خالصًا لله تعالى بمعنى أن يصرف شيئًا من خصائص الربوبية والألوهية لغير الله تبارك وتعالى وهو ينقسم إلى قسمين: أكبر وأصغر.

وقد تناول ابن رجب رحمه الله تعالى هذه الأقسام فقال: "وأما توحيد الإلهية فالشرك فيه تارة يوجب الكفر والخروج من الملة، والخلود في النار، ومنه ما هو أصغر كالحلف بغير الله والنذر له، وخشية غير الله ورجائه والتوكل عليه والذل له، وقول القائل: ما شاء الله وشئت

(1)

.

وقال رحمه الله تعالى عن الشرك الأكبر: "ظلم النفس وأعظمه الشرك كما قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}

(2)

فإن المشرك جعل المخلوق في منزلة الخالق فعبده وتألهه، فهو وضع الأشياء في غير مواضعها وأكثر ما ذكر في القرآن وعيد الظالمين إنما أريد به المشركون كما قال الله عز وجل:{وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ}

(3)

"

(4)

.

وقال عن الشرك الأصغر: "

وإنما زاد عذاب أهل الرياء على

(1)

فضل علم السلف على علم الخلف (ص 102).

(2)

سورة لقمان آية (13).

(3)

سورة البقرة آية (254).

(4)

جامع العلوم والحكم (2/ 181).

ص: 391

سائر العصاة، لأن الرياء هو الشرك الأصغر، والذنوب المتعلقة بالشرك أعظم من المتعلقة بغيره"

(1)

.

وقال رحمه الله تعالى عن النوعين جميعًا: "فإن جميع النعم من الله وفضله

فمن أضاف شيئًا من النعم إلى غير الله مع اعتقاد أنه ليس من الله فهو مشرك حقيقة، ومع اعتقاد أنه من الله فهو شرك خفي"

(2)

.

وقال رحمه الله تعالى في بيان النوعين وأمثلتهما بعد أن تكلم عن أنواع العبادة "فمن أشرك مخلوقًا في شيء من الأمور التي هي من خصائص الإلهية كان ذلك قدحًا في إخلاصه في قول لا إله إلا الله ونقصًا في توحيده، وكان فيه من عبودية المخلوق بحسب ما فيه من ذلك، وهذا كله من فروع الشرك، ولهذا ورد إطلاق الكفر والشرك على كثير من المعاصي التي منشأها من طاعة غير الله أو خوفه أو رجائه أو التوكل عليه والعمل لأجله كما ورد إطلاق الشرك على الرياء وعلى الحلف بغير الله والتوكل على غير الله والاعتماد عليه، وعلى من سوى بين الله وبين المخلوق في المشيئة مثل أن يقول: ما شاء الله وشاء فلان، وكذا قوله: مالي إلا الله وأنت، وكذلك ما يقدح في التوحيد وتفرد الله بالنفع والضر كالطيرة، والرقي المكروهة، وإتيان الكهان وتصديقهم بما يقولون، وكدلك اتباع هوى النفس فيما نهى الله عنه، قادح في تمام التوحيد وكماله، ولهذا أطلق الشرك على كثير من الذنوب التي منشأها من هوى النفس أنها كفر وشرك كقتال المسلم، ومن أتى حائضًا أو امرأة في دبرها، ومن شرب الخمرة، وإن كان ذلك لا يخرجه عن الملة بالكلية، ولهذا قال السلف: كفر دون كفر، وشرك دون شرك"

(3)

.

(1)

التخويف من النار (223).

(2)

لطائف المعارف (ص 70).

(3)

كلمة الإخلاص (ص 23 - 25).

ص: 392

وخلاصة كلام ابن رجب رحمه الله تعالى أن الشرك ينقسم إلى قسمين:

1 -

شرك أكبر:

وهو أن يتخذ العبد ندًا لله تعالى في العبادة يدعوه أو ينذر له أو يذبح له أو يخافه أو يصرف له أي نوع من أنواع العبادة، وهذا النوع من الشرك يخرج من الملة الإسلامية، وقد توعد الله صاحبه بالخلود في النار وحرّم عليه الجنة كما قال تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ}

(1)

لأن الله سبحانه وتعالى لا يغفر لمن مات عليه أبدًا كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا (116)}

(2)

كما أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل من مشرك عملًا قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا}

(3)

وقال تعالى: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا (23)}

(4)

.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من الشرك وبيّن عاقبته السيئة التي تلحق بالمشرك إذا رجع إلى الله تعالى وهو لم يتب منه.

من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار"

(5)

.

ومنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: سمعت

(1)

سورة المائدة آية (72).

(2)

سورة النساء آية (116).

(3)

سورة الكهف آية (110).

(4)

سورة الفرقان آية (23).

(5)

أخرجه البخاري: كتاب التفسير (5/ 153).

ص: 393

رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار"

(1)

.

ومنها حديث جابر رضي الله عنه قال: أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجل فقال: يا رسول الله، ما الموجبتان؟ فقال:"من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات يشرك بالله شيئًا دخل النار"

(2)

.

ومنها حديثه الآخر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من لقي الله لا يشرك به شيئًا دخل الجنة، ومن لقيه يشرك به دخل النار"

(3)

.

فهذه النصوص من الكتاب والسنة تبيّن أن الشرك أكبر الكبائر وأعظم المعاصي، وأظلم الظلم، وأعظم المحرمات وأنه لا يغفر لصاحبه إلا إذا تاب في وقت التوبة وإلا فهو إن مات مصرًا عليه صار من أهل النار.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن الشرك لما كان أظلم الظلم، وأقبح القبائح، وأنكر المنكرات كان أبغض الأشياء إلى الله وأكرهها له، وأشد مقتًا لديه، ورتب عليه من عقوبات الدنيا والآخرة ما لم يرتبه على، ذنب سواه وأخبر أنه لا يغفره، وأن أهله نجس ومنعهم من قربان حرمه، وحرّم ذبائحهم ومناكحهم، وقطع الموالاة بينهم وبين المؤمنين، وجعلهم أعداء له سبحانه وتعالى، ولملائكته ورسله وللمؤمنين وأباح لأهل التوحيد أموالهم ونساءهم وأبناءهم

وهذا لأن الشرك هضم لحق الربوبية،

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز (2/ 69) ومسلم: كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار (1/ 94).

(2)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار (1/ 94).

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب من مات لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة، ومن مات مشركًا دخل النار (1/ 94).

ص: 394

وتنقص لعظمة الإلهية، وسوء ظن برب العالمين"

(1)

.

2 -

الشرك الأصغر:

وهو كل وسيلة يتوصل بها إلى الشرك ما لم يبلغ درجة العبادة، وهو غير مخرج من الملة إلا إذا بلغ درجة الشرك الأكبر، وهو من أكبر الكبائر، وصاحبه لا يخلد في النار بل هو تحت مشيئة الله تعالى كسائر الذنوب والمعاصي التي دون الشرك الأكبر إن شاء عذبه وإن شاء غفر له لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ}

(2)

وهو معتقد أهل السنة والجماعة.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى في كلامه السابق

(3)

أمثلة لهذا النوع من الشرك وهي:

1 -

الحلف بغير الله كأن يحلف بالنبي أو الكعبة أو الأمانة أو الحياة أو بولي من الأولياء أو بالشرف أو بغير ذلك من المخلوقات، فكل ذلك من الشرك الذي يدخل في قوله صلى الله عليه وسلم:"من حلف بغير الله، فقد كفر أو أشرك"

(4)

وذلك لأن الحلف تعظيم، والتعظيم لا يكون إلا لمن يستحقه وهو الله سبحانه وتعالى.

2 -

قول: "ما شاء الله وشاء فلان"، وما شابهها من العبارات التي

(1)

إغاثة اللهفان (1/ 60).

(2)

سورة النساء آية (48، 116).

(3)

(ص 377).

(4)

أخرجه أحمد (1/ 125) وأبو داود: كتاب الأيمان والنذور، باب في كراهية الحلف بالأباء (3/ 570) والترمذي: كتاب النذور والأيمان، باب ما جاء في كراهية الحلف بغير الله (4/ 110) وقال: حديث حسن. والحاكم (1/ 52) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي.

ص: 395

تكون وسيلة إلى الشرك كقول: "مالي إلا الله وأنت" وقول "هذا من الله ومنك" وغيره، والواجب أن يقول "ما شاء الله ثم شاء فلان" أو "مالي إلا الله ثم أنت""وهذا من الله ثم منك" وهكذا لأن الواو تقتضي التشريك والتسوية، وثم تفيد الترتيب والتعقيب، وكل هذه الألفاظ داخلة تحت نهيه صلى الله عليه وسلم عن ذلك، كما جاء عن حذيفة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقولوا ما شاء الله وشاء فلان، ولكن قولوا ما شاء الله ثم شاء فلان"

(1)

.

وعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رجلًا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "ما شاء الله وشئت، قال: أجعلتني لله عدلًا، لا بل ما شاء الله وحده"

(2)

.

وعن قُتَيْلَة بنت صيفي الأنصارية رضي الله عنها: أن يهوديًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "إنكم تشركون تقولون ما شاء الله وشئت، وتقولون والكعبة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم إذا أرادوا أن يحلفوا أن يقولوا: ورب الكعبة، وأن يقولوا ما شاء الله ثم شئت"

(3)

.

وجاء في الأثر عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال في قوله تعالى: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}

(4)

قال: الأنداد هو الشرك أخفى من دبيب النمل على صفاة سوداء في ظلمة الليل وهو أن يقول: "والله وحياتك يا فلانة وحياتي" ويقول: "لولا كلبة هذا لأتانا اللصوص ولولا

(1)

أخرجه أحمد (5/ 394) وأبو داود: كتاب الأدب، باب لا يقال خبثت نفسي (5/ 259)، والحديث صححه الألباني كما في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1/ 54) حديث رقم (137).

(2)

تقدم تخريجه (ص 231).

(3)

أخرجه أحمد (6/ 371) والنسائى: كتاب الأيمان والنذور (7/ 6).

(4)

سورة البقرة آية (22).

ص: 396

البط في الدار لأتى اللصوص، وقول الرجل لصاحبه ما شاء الله وشئت، وقول الرجل: لولا الله وفلان، لا تجعل فيها فلانًا، هذا كله به شرك"

(1)

.

فقد بيّن ابن عباس رضي الله عنهما أن هذه الألفاظ ونحوها من الألفاظ الشركية الخفية التي يجب على كل مسلم أن يبتعد عنها كما دلّت على ذلك الأحاديث السابقة.

3 -

الرياء:

وهو أن يعمل الإنسان عملًا يرائي به الناس فيحسنه ويزيد في تحسينه من أجل أن يراه الناس فيحمدونه عليه ويثنون عليه بالصلاح، وهو من أخطر الذنوب، لأنه من الأعمال القلبية التي لا يطلع عليها إلا الله عز وجل، فمن صلى يرائي أو زين صلاته رياء أو صام أو حج يرائي أو تصدق يرائي أو جاهد في سبيل الله يرائي، أو أمر بمعروف أو نهى عن منكر يرائي أو قال أي قول أو عمل أي عمل يرائي فيه فقد أشرك الشرك الأصغر.

يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: "أول من تسعر به النار من الموحدين العباد المراءون بأعمالهم، أولهم العالم والمجاهد والمتصدق للرياء لأن يسير الرياء شرك"

(2)

.

وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم منه وسماه شركًا أصغر، وخاف على الصحابة رضي الله عنهم منه وهم أبر الأمة أعمالًا وأقواها إيمانًا، وأحسنها أخلاقًا، وأصدقها أقوالًا، عن محمود بن لبيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:

(1)

أخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره (1/ 81) وقال صاحب تيسير العزيز الحميد (ص 523) سنده جيد.

(2)

كلمة الإخلاص (ص 39).

ص: 397

"إن اخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، إن الله يقول يوم يجازي العباد بأعمالهم اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤن في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء أو خيرًا"

(1)

.

وعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال: "كنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم نعد الشرك الأصغر الرياء"

(2)

.

وعن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من سَمَّع سَمَّع الله به، ومن راءى راءى الله به"

(3)

.

وعن شداد بن أوس قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن تصدق يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك"

(4)

.

كلامه في حكم عمل المرائي:

فصل ابن رجب رحمه الله تعالى القول في حكم عمل المرائي وما يترتب على ذلك من قبول للعمل أو رده، وقسم ذلك إلى أقسام هي:

(1)

أخرجه أحمد (5/ 428) والطبراني في الكبير (4/ 299) والبغوي في شرح السنة (4135) قال المنذري في الترغيب والترهيب (1/ 69) رواه أحمد بإسناد جيد، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 102) رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(2)

أخرجه البزار كما في كشف الأستار (4/ 217) والطبراني في الكبير (7/ 346) والحاكم (4/ 329) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 222) رواه الطبراني في الأوسط والبزار، ورجالهما رجال الصحيح غير يعلى بن شداد وهو ثقة.

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (4/ 2289).

(4)

أخرجهما أحمد (4/ 126) والطبراني في الكبير (7/ 337) والحاكم (4/ 329) وصححه.

ص: 398

أولًا: إذا كان العمل لله، وشاركه الرياء من أصله فإن هذا العمل باطل ومردود على صاحبه، ودلّت على بطلانه الأدلة الكثيرة من الكتاب والسنة التي تبيّن وجوب إخلاص العمل لله تبارك وتعالى وترك الرياء، يقول ابن رجب رحمه الله تعالى في بيان هذا: وتارة يكون العمل لله ويشاركه الرياء، فإن شاركه من أصله، فالنصوص الصحيحة تدل على بطلانه أيضًا وحبوطه، وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله تبارك وتعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك معي فيه غيري تركته وشركه)

(1)

.

وخرّج الإمام أحمد عن شداد بن أوس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من صلى يرائي فقد أشرك، ومن صام يرائي فقد أشرك ومن تصدق يرائي فقد أشرك، فإن الله عز وجل يقول:(أنا خير قسيم لمن أشرك بي شيئًا، فإن جدة عمله قليله وكثيره لشريكه الذي أشرك به أنا عنه غني).

وخرّج الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه من حديث أبي سعيد بن أبي فضالة -وكان من الصحابة- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا جمع الله الأولين والآخرين ليوم لا ريب فيه نادى مناد: من كان أشرك في عمل عمله لله فليطلب ثوابه من عند غير الله عز وجل، فإن الله أغنى الشركاء عن الشرك"

(2)

.

وخرّج النسائي بإسناد جيد عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أن رجلًا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت رجلًا غزًا يلتمس الأجر

(1)

مسلم: كتاب الزهد والرقائق، باب من أشرك في عمله غير الله (4/ 2289).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 466) والترمذي: كتاب التفسير، باب ومن سورة الكهف (5/ 314) وقال: هذا حديث حسن غريب، وابن ماجه: كتاب الزهد، باب الرياء والسمعة (2/ 1406) والطبراني في الكبير (22/ 307) والحديث صححه الألباني كما في صحيح الجامع (1/ 190).

ص: 399

والذكر؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا شيء له" ثم قال: "إن الله لا يقبل من العمل إلا ما كان له خالصًا، وابتغى به وجهه"

(1)

.

وخرّج الحاكم من حديث ابن عباس رضي الله عنهما، قال: قال رجل يا رسول الله: إني أقف الموقف أريد به وجه الله، وأريد أن يرى موطني، فلم يرد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئًا حتى نرلت: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ

}

(2)

(3)

.

وممن يروى عنه هذا المعنى -أن العمل إذا خالطه شيء من الرياء كان باطلًا- طائفة من السلف، منهم:"عبادة بن الصامت" و"أبو الدرداء" و"الحسن" و"سعيد بن المسيب"

(4)

وغيرهم

ولا نعرف عن السلف في هذا خلافًا

إلى أن قال: "فإن خالط نية الجهاد مثل نية غير الرياء، مثل أخذه أجرة للخدمة، أو أخذ شيء من الغنيمة أو التجارة نقص بذلك أجر جهاده، ولم يبطل بالكلية وفي صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الغزاة إذا غنموا غنيمة تعجّلوا ثلثي أجرهم فإن لم يغنموا شيئًا تم لهم أجرهم"

(5)

.

(1)

أخرجه النسائي: كتاب الجهاد، باب من غزا يلتمس الأجر والذكر (6/ 25) وقال الحافظ العراقي: إسناده حسن، وتخريج الإحياء (4/ 374).

(2)

سورة الكهف آية (110).

(3)

أخرجه الحاكم (2/ 111) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(4)

سعيد بن المسيب بن حزن بن أبي وهب القرشي المخزومي، أحد العلماء الأثبات والفقهاء الكبار، اتفق العلماء على أن مرسلاته أصح المراسيل، قال ابن المديني: لا أعلم في التابعين أوسع علمًا منه، توفي رحمه الله تعالى سنة 94 هـ. طبقات ابن سعد (5/ 119) وسير أعلام النبلاء (4/ 217) وتهذيب التهذيب (4/ 84).

(5)

صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب بيان قدر ثواب من غزا فغنم ومن لم يغنم (3/ 1515).

ص: 400

وقد ذكرت فيما مضى أحاديث

(1)

تدل على أن من أراد بجهاده عرضًا من الدنيا أنه لا أجر له، وهي محمولة على أنه لم يكن له غرض في الجهاد إلا الدنيا

(2)

.

ثانيًا: إذا كان العمل لله عز وجل وشاركه الرياء في أثنائه هل يبطل العمل أم لا؟ يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: "وأما إن كان أصل العمل لله ثم طرأت عليه نية الرياء فلا يضره، فإن كان خاطرًا ودفعه فلا يضره بغير خلاف، فإن استرسل معه فهل يحبط عمله أم لا يضره ذلك ويجازى على أصل نيته؟ في ذلك اختلاف بين العلماء من السلف، قد حكاه الإمام أحمد وابن جرير الطبري وأرجو أن عمله لا يبطل بذلك وأنه يجازى بنيته الأولى، وهو مروي عن الحسن البصري وغيره، ويستدل لهذا القول بما خرّجه أبو داود في مراسيله عن عطاء الخراساني

(3)

أن رجلًا قال: يا رسول الله إن بني سلمة كلهم يقاتل، فمنهم من يقاتل للدنيا، ومنهم من يقاتل ابتغاء وجه الله، فأيهم الشهيد؟ قال:"كلهم إذا كان أصل أمره أن تكون كلمة الله هي العليا"

(4)

.

وذكر ابن جرير أن هذا الاختلاف إما هو في عمل يرتبط آخره بأوله كالصلاة والصيام والحج، فأما ما لا ارتباط فيه كالقراءة والذكر وإنفاق

(1)

كحديث أبي أمامة الذي سبق (ص 399).

(2)

جامع العلوم والحكم (3/ 34 - 37).

(3)

عطاء بن أبي مسلم الخراساني في المحدث الواعظ، أرسل عن عدد من الصحابة، وقد وثقه ابن معين وغيره، قال الدارقطني: هو في نفسه ثقة لكن لم يلق ابن عباس، يعني أنه يدلس، توفي سنة 135 هـ.

الجرح والتعديل (6/ 334) وسير أعلام النبلاء (6/ 140) وتهذيب التهذيب (7/ 212).

(4)

أخرجه أبو داود في المراسيل (ص 163).

ص: 401

المال ونشر العلم فإنه ينقطع بنية الرياء لطارئه عليه، ويحتاج إلى تجديد نية

(1)

.

وهذا كله في الحقيقة يدل على خطر الشرك كبيره وصغيره، وأنه بقدر ما تكون نسبته في العمل يكون الإحباط فيه أشمل وأعم، وهذا مما يوجب على المسلم الحذر من الشرك والابتعاد عنه، وعدم الإستهانة به، وقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم أمته منه، وخاف عليهم منه أشد من خوفه عليهم من المسيح الدجال الذي هو شر غائب ينتظر فمع خطورة المسيح الدجال، فالرياء أشد خطرًا وأعظم منه أثرا على المسلمين لما جاء من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: الشرك الخفي، يقوم الرجل فيصلي، فيزين صلاته لما يرى من نظر رجل"

(2)

.

فهذا يدل على حرصه صلى الله عليه وسلم وشفقته على أمته ونصحه لهم وتحذيره مما يخاف عليهم منه يقول صاحب فتح المجيد تعليقًا على هذا الحديث: "هذا من شفقته صلى الله عليه وسلم بأمته ورحمته ورأفته بهم، فلا خير إلا دلهم عليه وأمرهم به، ولا شر إلا بينه لهم وأخبرهم به ونهاهم عنه

فإذا كان الشرك الأصغر مخوفًا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم مع كمال علمهم وقوة إيمانهم، فكيف لا يخافه وما فوقه من هو دونهم في العلم والإيمان بمراتب؟ خصوصًا إذا عرف أن أكثر علماء الأمصار اليوم لا يعرفون من التوحيد إلا ما أقر به المشركون، وما عرفوا معنى الإلهية التي نفتها كلمة

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 38، 39).

(2)

أخرجه أحمد (3/ 30) وابن ماجه: كتاب الزهد، باب الرياء والسمعة (2/ 1406) والحاكم (4/ 329) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي.

ص: 402

الإخلاص عن كل ما سوى الله"

(1)

.

والرياء الذي يعتبر شركًا أصغر إنما هو يسير الرياء وليس كثيره لأن الكثير منه قد يصل بصاحبه إلى الشرك الأكبر وذلك بحسب قصده ونيته، وهذا لا يصدر إلا من المنافقين الذين توعدهم الله عز وجل بالدرك الأسفل من النار كما أنه يصدر عن من لم تخالط بشاشة الإيمان قلبه، يقول ابن رجب رحمه الله تعالى في بيان ذلك: فتارة يكون -أي العمل- رياء محضًا، بحيث لا يراد به سوى مرئيات المخلوقين دنيوي كحال المنافقين في صلاتهم، قال الله عز وجل:{وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ}

(2)

وقال تعالى: {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ (5)

}

(3)

.

وكذلك وصف الله تعالى الكفار بالرياء المحض في قوله: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ}

(4)

، وهذا الرياء المحض لا يكاد يصدر من مؤمن في فرض الصلاة والصيام، وقد يصدر في الصدقة الواجبة والحج وغيرهما من الأعمال الظاهرة، والتي يتعدى نفعها، فإن الإخلاص فيها عزيز، وهذا العمل لا يشك مسلم أنه حابط، وأن صاحبه يستحق المقت من الله والعقوبة

(5)

.

بيانه أن حمد الناس للعبد على عمل الخير دون قصد منه لا يعد من الرياء:

بيّن ابن رجب رحمه الله تعالى أن حمد الناس لمن عمل الخير

(1)

فتح المجيد (ص 81).

(2)

سورة النساء آية (142).

(3)

سورة الماعون آية (4، 5).

(4)

سورة الأنفال آية (47).

(5)

جامع العلوم والحكم (1/ 34).

ص: 403

بإخلاص وسروره بذلك لا يعد رياء، لأنه لم يعمل العمل رياء ولا سمعة وإنما عمله لله عز وجل وهو لا يحب إطلاع الناس عليه، وفرحه وسروره بذلك إنما هو فرح وسرور بطاعة الله تعالى وبفضله عليه. قال ابن رجب رحمه الله تعالى: (فأما إذا عمل العمل لله خالصًا، ثم ألقى الله له الثناء الحسن في قلوب المؤمنين بذلك، بفضل ورحمة، واستبشر بذلك، لم يضره ذلك، وفي هذا المعنى جاء حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الرجل يعمل العمل لله من الخير، يحمده الناس عليه، فقال:"تلك عاجل بشرى المؤمن"

(1)

خرجه مسلم، وخرجه ابن ماجه

(2)

وعنده "الرجل يعمل العمل فيحبه الناس عليه

"

(3)

.

وهنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أن كون هذا النوع من الشرك أصغر لا يعني ذلك احتقاره والتقليل من شأنه، فهو وإن كان أصغر بالنسبة للأكبر إلا أنه معدود من أقسام الشرك وهو من الكبائر بالنسبة لسائر الذنوب، بل قد يكون شركًا أكبر بما يصحبه من قصد ونية والواجب على المسلم أن يحذره وأن يبتعد عنه وأن يتوب منه عند الوقوع فيه حفاظًا على توحيده وأعماله، ومنعًا لاستدراج الشيطان له ووقوعه في أخطر شرك نصبه للبشرية على الإطلاق، أعاذنا الله من الشرك كبيره وصغيره جليه وخفيه.

(1)

صحيح مسلم: كتاب البر والصلة، باب إذا أثنى على الصالح فهو بشرى لا تضر (4/ 2034).

(2)

سنن ابن ماجه: كتاب الزهد، باب الثناء الحسن (2/ 1412).

(3)

جامع العلوم والحكم (1/ 39، 40).

ص: 404