الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية
توحيد الألوهية هو ما يعبر عنه بتوحيد العبادة أو توحيد الطلب والقصد أسماء لمسمى واحد وهو إفراد الله سبحانه وتعالى بأفعال عباده التي تعبدهم بها بجميع أنواعها باطنها وظاهرها من الصلاة والزكاة والصيام والحج والنحر والنذر والمحبة والخوف والرجاء والتوكل والرغبة والرهبة والدعاء وغير ذلك من أنواع العبادة التي تعبد الله بها خلقه وشرعها لهم.
وبمعنى آخر أي صرف جميع أنواع العبادة لله وحده لا شريك له، فلا يدعى من دونه أحد من خلقه لا ملك مقرب ولا نبي مرسل، فمن صرف شيئًا منها لغير الله فهو كافر مشرك كما قال تبارك وتعالى:{قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)}
(1)
.
وهذا النوع من التوحيد هو غاية توحيد الربوبية والأسماء والصفات فإنهما وسيلة إليه وهو الذي من أجله خلقت الخليقة وأرسلت الرسل وأنزلت الكتب وحصل الجدال وشرع الجهاد، وبه افترق الناس إلى مؤمنين وكفار، وهو معنى قول لا إله إلا الله.
وقد وردت آيات كثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى توجب على
(1)
سورة الأنعام آية (162).
العباد أن يفردوا الله سبحانه وتعالى بتوحيد العبادة ويخصوه بها وحده دون سواه.
بل إن الأمر بالعبادة هو أول أمر في كتاب الله سبحانه وتعالى وهو قوله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}
(1)
.
ومن الآيات الدالة على وجوب عبادة الله تعالى قوله تعالى: {قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ (11) وَأُمِرْتُ لِأَنْ أَكُونَ أَوَّلَ الْمُسْلِمِينَ (12) قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (13) قُلِ اللَّهَ أَعْبُدُ مُخْلِصًا لَهُ دِينِي (14) فَاعْبُدُوا مَا شِئْتُمْ مِنْ دُونِهِ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ (15)}
(2)
.
وقال تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ}
(3)
.
وقال تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا}
(4)
.
وقال تعالى: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ (66)}
(5)
.
فهذه الآيات الكريمة تقرر أن الله سبحانه وتعالى هو المستحق للعبادة بجميع أنواعها الاعتقادية والقولية والعملية، وليس لأحد سواه كائنًا من كان أي شيء من أنواع العبادة.
(1)
سورة البقرة آية (21 - 22).
(2)
سورة الزمر آية (11 - 15).
(3)
سورة الإسراء آية (23).
(4)
سورة النساء آية (36).
(5)
سورة الزمر آية (66).
وكما جاءت آيات الكتاب الكريم مبينة لهذا النوع من التوحيد وآمرة به كذلك جاءت السنة المشرفة موضحة ومبينة له وآمرة به.
ومن ذلك ما رواه ابن عباس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما بعث معاذًا إلى اليمن قال له: "إنك تقدم على قوم أهل كتاب، فليكن أول ما تدعوهم إليه عبادة الله عز وجل، فإذا عرفوا الله فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في يومهم وليلتهم، فإذا فعلوا فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم زكاة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم فإذا أطاعوا بها، فخذ منهم وتوق كرائم أموالهم"
(1)
.
ومنها حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد وما حق العباد على الله؟ قال: قلت: الله ورسوله أعلم قال: فإن حق الله على العباد أن يعبدوا الله ولا يشركوا به شيئًا. وحق العباد على الله عز وجل أن لا يعذب من لا يشرك به شيئًا"
(2)
.
فهذه الأحايث تدل على وجوب إخلاص العبادة لله وحده لا شريك له.
وقد تكلم ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذا النوع من التوحيد وبين أن الغاية العظمى والمقصد الأساسي الذي من أجله خلق الله الخلق وأوجدهم في هذه الأرض هو عبادته سبحانه وتعالى وإخلاص العبادة له وحده والبراءة من كل معبود سواه.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب التوحيد، باب ما جاء في دعاء النبي صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى (8/ 164).
ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام (1/ 51).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب .. ، باب ما جاء فى دعاء النبى صلى الله عليه وسلم أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى (8/ 164).
ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة (1/ 58).
يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليعبدوه، ويعرفوه ويخشوه ويخافوه، ونصب لهم الأدلة الدالة على عظمته وكبريائه ليهابوه، ويخافوه خوف إجلال، ووصف لهم شدة عذابه ودار عقابه التي أعدها لمن عصاه، ليتقوه بصالح الأعمال، ولهذا كرر سبحانه وتعالى في كتابه ذكر النار، وما أعده فيها لأعدائه من العذاب والنكال والأغلال. . . وغير ذلك مما فيها من الأهوال والفظائع والعظائم ودعا عباده بذلك إلى خشيته وتقواه، والمسارعة إلى امتثال ما يأمر به ويحبه ويرضاه، واجتناب ما نهى عنه ويكرهه ويأباه، فمن تأمل الكتاب الكريم وأدار فكره فيه وجد من ذلك العجب العجاب، وكذلك السنة الصحيحة التي هي مفسرة ومبينة لمعاني الكتاب، وكذلك سير السلف الصالح أهل العلم والإيمان من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، من تأملها علم أحوال القوم وما كانوا عليه من الخوف والخشية والإخبات وأن ذلك هو الذي رقاهم إلى تلك الأحوال الشريفة والمقامات السنيات، من شدة الاجتهاد في الطاعات والانكفاف عن دقائق الأعمال المكروهات فضلًا عن المحرمات
(1)
.
ويقول أيضًا رحمه الله تعالى: ""فإن الله تعالى خلق الخلق وأوجدهم لعبادته الجامعة لخشيته ورجائه ومحبته كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}
(2)
(3)
.
ويقول رحمه الله تعالى أيضًا: فإن الله تعالى خلق الخلق كلهم لعبادته كما قال: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)} (2) وأرسل الرسل كلهم للدعوة إلى توحيده وطاعته كما قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ
(1)
التخويف من النار (ص 6، 7).
(2)
سورة الذاريات آية (56).
(3)
استنشاق نسيم الأنس (ص 3).
قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ (25)}
(1)
ولما أهبط آدم وزوجته وأسكنهما في الأرض أخذ عليهما أن من أطاعه من ذريتهما واتبع رسله كان من السعداء، ومن أعرض عن ذلك كان من الأشقياء كما قال تعالى:{قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (38) وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (39)}
(2)
(3)
(4)
.
فقد أوضح ابن رجب رحمه الله في كلامه السابق أن الحكمة التي من أجلها خلق الله تبارك وتعالى الجن والإنس هي عبادته سبحانه وتعالى وحده دون سواه.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره عند قوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56)}
(5)
قال: إنما خلقتهم لآمرهم بعبادتي لا لاحتياجي إليهم
…
ومعنى الآية أنه تبارك وتعالى خلق العباد ليعبدوه وحده لا شريك له، فمن أطاعه جازاه أتم الجزاء، ومن عصاه عذبه أشد العذاب، وأخبر أنه غير محتاج إليهم بل هم الفقراء إليه في جميع أحوالهم، فهو خالقهم ورازقهم
(6)
.
(1)
سورة الأنبياء آية (25).
(2)
سورة البقرة الآيتان (38، 39).
(3)
سورة طه الآيتان (123، 124).
(4)
الاستخراج لأحكام الخراج (ص 149 - 150).
(5)
سورة الذاريات آية (56).
(6)
تفسير ابن كثير (4/ 238).