الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا
مما سبق في التعريف اللغوي يتبين لنا أن الله تبارك وتعالى واحد في ذاته، وأسمائه وصفاته، وربوبيته وألوهيته.
فعلى هذا فالتوحيد هو: إفراد الله تعالى بالعبادة مع علم العبد واعترافه واعتقاده بتفرد الرب تبارك وتعالى بصفات الكمال وأنه لا شريك له واعتقاد أنه هو وحده الخالق المدبر المتصرف في هذا الكون، وله الكمال المطلق، وأنه ذو الألوهية على خلقه أجمعين، فهو المستحق للعبادة دون سواه.
قال السفاريني
(1)
رحمه الله في تعريف التوحيد: وهو إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتًا وصفاتًا وأفعالًا، فلا تقبل ذاته الانقسام بوجه، ولا تشبه صفاته الصفات، ولا تنفك عن الذات، ولا يدخل أفعاله الاشتراك فهو الخالق دون سواه
(2)
.
(1)
محمد بن أحمد بن سالم بن سليمان السفاريني الحنبلي، محدث، أصولي، له تصانيف كثيرة منها: البحور الزاهرة في أمور الآخرة، ومنها: لوامع الأنوار، توفي سنة 1188 هـ.
مختصر طبقات الحنابلة للشطي (140) ومعجم المؤلفين لكحالة (8/ 262).
(2)
لوامع الأنوار البهية (1/ 57).
وقال الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب
(1)
رحمه الله: سمي دين الإسلام توحيدًا، لأن مبناه على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له، وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له، وواحد في ألوهيته وعبادته لا ند له
(2)
.
وقد دلت الآيات الكثيرة في كتاب الله سبحانه وتعالى على هذه المعاني كلها.
فقد دل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ. . .}
(3)
الآية، على أن الله سبحانه وتعالى هو المتفرد بالخلق والرزق والإماتة والإحياء دون سواه فلا يتوجه إلى أحد سواه في جلب نفع أو دفع ضر لأن من سواه عاجزون عن فعل شيء من ذلك، قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: أي لا يقدر أحد منهم على فعل شيء من ذلك بل الله سبحانه وتعالى هو المستقل بالخلق والرزق والإحياء والإماتة ثم يبعث الخلائق يوم القيامة ولهذا قال بعد هذا كله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} أي تعالى وتقدس وتنزه وتعاظم وجل وعز عن أن يكون له شريك أو نظير أو مساو أو ولد أو والد بل هو الأحد الفرد الصمد الذي
(1)
سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب الفقيه المحدث، من أئمة الدعوة المجاهدين، وكان آية في العلم، وكان آمرًا بالمعروف ناهيًا عن المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم، له مؤلفات مفيدة نافعة منها: تيسير العزيز الحميد شرح كتاب التوحيد، قتل سنة 1233 هـ رحمه الله تعالى.
هدية العارفين (1/ 408) وعلماء نجد خلال ستة قرون (1/ 293) وعنوان المجد في تاريخ نجد (1/ 212).
(2)
تيسير العزيز الحميد (ص 32، 33).
(3)
سورة الروم آية (40).
لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوًا أحد
(1)
.
(2)
على إفراد الله عز وجل بالعبادة وحده دون سواه فلا يصرف شيء من العبادات لغيره عز وجل.
قال ابن جرير الطبري
(3)
رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: "قل يا محمد لأهل الكتاب، وهم أهل التوراة والإنجيل، تعالوا: هلموا إلى كلمة سواء، يعني إلى كلمة عدل بيننا وبينكم، والكلمة العدل: هي أن نوحد الله فلا نعبد غيره، ونبرأ من كل معبود سواه فلا نشرك به شيئًا. . . "
(4)
.
ودل قوله تعالى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
(1)
تفسير ابن كثير (3/ 435).
(2)
سورة آل عمران آية (64).
(3)
الإمام العلم أبو جعفر محمد بن جرير بن يزيد بن كثير الطبري. قال الذهبي: "كان ثقة، صادقًا، حافظًا، رأسا في التفسير، إمامًا في الفقه والإجماع والاختلاف، علَّامة في التاريخ وأيام الناس، عارفًا بالقراءات وباللغة وغير ذلك"، له مصنفات مفيدة منها: جامع البيان في تفسير القرآن، وتاريخ الأمم والملوك، وغيرهما، توفي سنة 310 هـ.
تاريخ بغداد (2/ 162) وسير أعلام النبلاء (14/ 267) ومعرفة القراء الكبار (1/ 264) وغاية النهاية (2/ 106).
(4)
تفسير ابن جرير الطبري (3/ 301، 302).
يُشْرِكُونَ (23) هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (24)}
(1)
على تفرد الرب عز وجل بذاته وأسمائه وصفاته التي لا نظير ولا مثيل له فيها، فذاته لا تشبه ذوات المخلوقين وكذلك أسماؤه وصفاته كما قال عز وجل:{لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}
(2)
.
والآيات الدالة على هذه المعاني كثيرة جدًا، وسيأتي إن شاء الله تعالى مزيد من إيضاح ذلك في الفصول القادمة.
(1)
سورة الحشر الآيات (22، 23، 24).
(2)
سورة الشورى آية (11).