الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إلى العادة لا بالنسبة إلى الخلقة، وقيل: إنما خصّت بالذكر لطول ملازمتها.
وقال المازري
(1)
: مجمل هذه الرواية: إن يكن الشؤم حقًا فهذه الثلاثة أحقّ به، بمعنى أن النفوس يقع فيها التشاؤم بهذه أكثر مما يقع بغيرها
(2)
.
وقال صاحب فيض القدير: وخصّ الثلاثة بالذكر لكونها أعمّ الأشياء التي يتداولها الناس
(3)
.
5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد
لقد حذّر الرسول صلى الله عليه وسلم أمّته عن اتّخاذ القبور مساجد ونهاهم عن ذلك نهيًا شديدًا، والأحاديث التي تدلّ على النهي عن ذلك كثيرة:
منها حديث جندب بن عبد الله البجلي قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل أن يموت بخمس وهو يقول: "
…
ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتّخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد، ألا فلا تتّخذوا القبور مساجد، إني أنهاكم عن ذلك"
(4)
.
(1)
محمد بن علي بن عمر بن محمد التميمي المازري المالكي، الشيخ الإمام، كان بصيرًا بعلم الحديث، قال عنه القاضي عياض:"لم يكن في عصره للمالكية في أقطار الأرض أفقه منه بمذهبهم". توفي سنة 536 هـ.
وفيات الأعيان (4/ 385)، وسير أعلام النبلاء (20/ 104)، وشذرات الذهب (4/ 114).
(2)
فتح الباري لابن حجر (6/ 61).
(3)
فيض القدير (3/ 33).
(4)
أخرجه مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/ 377).
ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قاتل الله اليهود اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
(1)
.
ومنها حديث عائشة وابن عباس رضي الله عنهما قالا: لما نزل برسول الله صلى الله عليه وسلم طفق يطرح خميصة له على وجهه، فإذا اغتمّ بها كشفها عن وجهه، قال -وهو كذلك-:"لعنة الله على اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"، يحذر ما صنعوا
(2)
.
ومنها حديث عائشة أن أمّ حبيبة وأم سلمة ذكرتا كنيسة رأينها بالحبشة فيها تصاوير، فذكرتا للنبيّ صلى الله عليه وسلم، فقال:"إن أولئك إذا كان فيهم الرجل الصالح فمات بنوا على قبره مسجدًا، وصوّروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله يوم القيامة"
(3)
.
إلى غير ذلك من الأحاديث الدالّة على تحريم بناء المساجد على القبور، لأن ذلك يفضي إلى الغلوّ فيها وعبادة أهلها من دون الله تعالى.
وقد تكلّم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذه المسألة وأوضحها وبيّنها في فتح الباري عند شرحه للأحاديث الواردة في البخاري عنها، فقال رحمه الله تعالى عند شرحه لحديث عائشة السابق: "هذا
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الصلاة - باب حدثنا أبو اليمان (1/ 112)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب النهي عن بناء المساجد على القبور
…
(1/ 376).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الصلاة - باب حدثنا أبو اليمان (1/ 112)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب النهي عن بناء المساجد على القبور (1/ 377).
(3)
أخرجه البخاري: كتاب الصلاة - باب هل تنبش قبور مشركي الجاهلية، ويتّخذ مكانها مساجد (1/ 110)، ومسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة - باب النهي من بناء المساجد على القبور
…
(1/ 375).
الحديث يدلّ على تحريم بناء المساجد على قبور الصالحين، وتصوير صورهم فيها كما يفعله النصارى، ولا ريب أن كل واحد منهما محرّم على انفراده، فتصوير صور الآدميين يحرم، وبناء القبور على المساجد بانفراده يحرم، كما دلّت عليه نصوص أُخر، يأتي ذكر بعضها، وقد ذكر البخاري في تفسير سورة نوح من روى هذا من حديث ابن جريج. قال عطاء عن ابن عباس:"صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب تعبد، أمّا ودّ فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع كانت لهذيل، وأما يغوث فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما يعوق فكانت لهمدان، وأما نسر فكانت لحمير، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم أن نصّبوا إلى مجالسهم التي كانوا يجلسون أنصابًا وسمّوها بأسمائهم ففعلوا، فلم تعبد، حتى إذا هلك أولئك ونسخ العلم عبدت"
(1)
…
فإن اجتمع بناء المساجد على القبور مع تصوير صورهم فلا شكّ في تحريمه سواء كانت صورًا متّخذة كالأصنام أو على حائط ونحوه كما تفعله النصارى في كنائسهم والتصاوير التي في الكنيسة التي ذكرتها أم حبيبة وأمّ سلمة أنهما رأتاها بالحبشة كانت على الحيطان ونحوها، ولم يكن لها ظل، فتصوير الصور على مثال صور الأنبياء والصالحين للتبرّك بها والاستشفاع بها يحرّم في دين الإسلام، وهو من جنس عبادة الأوثان، وهو الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن أهله شرار الخلق عند الله يوم القيامة، وتصوير الصور للتأسي برؤيتها أو للتنزّه بذلك، والتلهّي محرم، وهو من الكبائر، وفاعله من أشدّ الناس عذابًا يوم القيامة، فإنه ظالم ممثل بأفعال الله تعالى التي لا يقدر على فعلها غيره، وأنه تعالى ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في
(1)
صحيح البخاري: كتاب التفسير - باب (ودا ولا سواعًا ولا يغوث ولا يعوق ونسرًا)(6/ 73).
صفاته ولا في أفعاله سبحانه وتعالى"
(1)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحذّر أصحابه وسائر أمّته من سوء صنيع الأمم قبلهم الذين صلّوا إلى قبور أنبيائهم واتّخذوها قبلة ومسجدًا كما صنعت الوثنية بالأوثان التي كانوا يسجدون إليها ويعظّمونها وذلك الشرك الأكبر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه وأنه مما لا يرضاه خشية عليهم من امتثال طرقهم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبّ مخالفة أهل الكتاب وسائر الكفار وكان يخاف على أمّته اتّباعهم، ألا ترى إلى قوله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعنّ سنن الذين كانوا من قبلكم حذو النعل بالنعل حتى إن أحدهم لو دخل جحر ضب لدخلتموه"
(2)
، وكان يحذّر من ذلك في مرض موته كما في حديث جندب أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال ذلك قبل موته بخمس، وفي مسند الإمام أحمد من حديث أبي عبيدة بن الجراح قال: آخر ما تكلّم به رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أخرجوا يهود أهل الحجاز وأهل نجران من جزيرة العرب، واعلموا أن شرار الناس الذين اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
(3)
.
(1)
فتح الباري (2/ 404 - 405).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الاعتصام - باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن من كان قبلكم"(8/ 151)، ومسلم: كتاب العلم - باب اتباع سنن اليهود والنصارى (4/ 2054).
كلهم من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لتتبعن سنن الذين من قبلكم شبرًا بشبر، وذراعًا بذراع حتى لو دخلوا في جحر ضمط لاتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: فمن".
(3)
أخرجه أحمد (3/ 146)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وأخرجه أيضًا الدارمي في سننه (2/ 233)، والحميدي في مسنده (1/ 46)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (ص 229)، والبيهقي في السنن الكبرى (9/ 208).
قال الهيثمي في المجمع (5/ 325): رواه أحمد بأسانيد ورجال الطريقين منها ثقات متّصل إسنادهما.
وله شواهد سبقت في (ص 492).
وقد روى هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأنّه قال ذلك في مرض موته من حديث علي وأسامة بن زيد وكعب بن مالك وغيرهم.
وخرّج الإمام أحمد حديث أسامة بن زيد ولفظه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أدخل عليّ أصحابي"، فدخلوا فكشف القناع، ثم قال:"لعن الله اليهود والنصارى اتّخذوا قبور أنبيائهم مساجد"
(1)
…
"
(2)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "اتّخاذ القبور مساجد ليس هو من شريعة الإسلام بل هو من عمل اليهود وقد لعنهم النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك
…
وقد دلّ القرآن على مثل ما دلّ عليه هذا الحديث، وهو قول الله عز وجل في قصة أصحاب الكهف:{قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا}
(3)
.
فجعل اتّخاذ القبور مساجد من فعل أهل الغلبة على الأمور، وذلك يشعر بأن مستنده القهر والغلبة واتباع الهوى، وأنه ليس من فعل أهل العلم والفضل المتّبعين لما أنزل الله على رسله من الهدى"
(4)
.
ولذلك يقول رحمه الله تعالى: "فالعدوى التي تهلك من قاربها هي المعاصي، فمن قاربها وخالطها وأصرّ عليها هلك، وكذلك مخالطة أهل المعاصي، ومن يحسن المعصية ويزيّنها ويدعو إليها من شياطين الإنس، وهم أضرّ من شياطين الجن"
(5)
.
ويقول رحمه الله تعالى أيضًا: "وفي الجملة فلا شؤم إلّا المعاصي
(1)
أخرجه أحمد (5/ 204).
(2)
فتح الباري ورقة (2/ 441 - 442).
(3)
سورة الكهف، آية (21).
(4)
فتح الباري ورقة (2/ 397).
(5)
لطائف المعارف (ص 77).