الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل
1 - التنجيم
النجم الكوكب، والجمع أنجم ونجوم وهو أحد الأجرام السماوية المضيئة، والنجم علم على الثرياء خاصّة، والمنجم والمنتجم الذي ينظر في النجوم بحسب مواقيتها وسيرها يستطلع من ذلك أحوال الكون
(1)
.
والله سبحانه وتعالى خلق النجوم لمنافع عظيمة، فقد أخبر سبحانه وتعالى في كتابه أنها يهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر وأنها زينة السماء الدنيا وأنها رجوم للشياطين، قال تعالي:{وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ}
(2)
، وقال تعالى:{وَعَلَامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ (16)}
(3)
، وقال تعالي:{وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُومًا لِلشَّيَاطِينِ}
(4)
.
قال قتادة رحمه الله تعالي: "خلق الله النجوم لثلاث: زينة للسماء ورجومًا للشياطين وعلامات يهتدى بها، فمن تأوّل فيها غير ذلك أخطأ
(1)
انظر: لسان العرب (12/ 569)، والمصباح المنير (2/ 594).
(2)
سورة الأنعام، آية (97).
(3)
سورة النحل، آية (16).
(4)
سورة الملك، آية (5).
وأضاع نصيبه وتكلّف ما لا علم به
(1)
، وإن ناسًا جهلة بأمر الله قد أحدثوا في هذه النجوم كهانة، من غرس بنجم كذا وكذا، ومن سافر بنجم كذا كان كذا وكذا، ولعمري ما من نجم إلا يولد به الأحمر والأسود والطويل والقصير والحسن والدميم، وما علم هذه النجوم وهذه الدابّة وهذا الطائر بشيء من هذا الغيب، ولو أن أحدًا علم الغيب لعلمه آدم الذي خلقه الله بيده وأسجد له ملائكته وعلّمه أسماء كل شيء"
(2)
.
فالله سبحانه وتعالى خلق النجوم لهذه المنافع العظيمة، أما غير ذلك مما يدّعيه أهل هذا العلم من أنهم يستدلّون بحركات النجوم وطلوعها وغروبها على أحداث وأمور ستقع، فهذا كلّه من ادّعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى، وهو الذي حذّر منه قتادة رحمه الله تعالي في كلامه السابق، ولكن التعلّق بالكواكب وربط ذلك بما يحدث في الأرض بدأ يزداد في كل عصر حتى بلغ الغاية في عصرنا هذا، وأصبح ذلك من الأمور المسلّمة التي لا تقبل الجدل عند كثير من الناس، وهذا كلّه ضلال وشرك لأنه من أعمال الجاهلية التي جاء الإسلام بإبطالها، وبيّن أنها من الشرك لما فيها من التعلّق بغير الله تعالي، واعتقاد الضرّ والنفع في غيره وتصديق العرّافين والكهنة الذين يدّعون علم الغيب زورًا وبهتانًا، ويعبثون بعقول السذّج من الناس ليأخذوا أموالهم ويغيّروا عقائدهم.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "علم المنجوم المنهي عنه هو ما يدّعيه أهل التنجيم من علم الكوائن والحوادث التي لم تقع وستقع في
(1)
أخرجه إلى هذا القدر الطبري في تفسيره (29/ 3، 4)، وذكره البخاري معلقًا في صحيحه (4/ 74).
(2)
أخرجه بهذه الزيادة الخطيب في كتاب النجوم ورقة (10)، وذكره ابن حجر في الفتح (6/ 295)، وصاحب تيسير العزيز الحميد (ص 388) من قول قتادة.
مستقبل الزمان، كإخبارهم بأوقات هبوب الرياح، ومجيء المطر، وظهور الحرّ والبرد وتغيّر الأسعار وما كان في معانيها من الأمور التي يزعمون أنهم يدركون معرفتها بسير الكواكب في مجاريها وباجتماعها واقترانها، ويدّعون لها تأثيرًا في السفليات، وأنها تتصرّف على أحكامها وتجرى على قضايا موجباتها، وهذا منهم تحكّم على الغيب وتعاط لعلم استأثر الله سبحانه به لا يعلم الغيب أحد سواه"
(1)
.
وقال البغوي رحمه الله تعالى: "والمنهي من علم النجوم ما يدّعيه أهلها من معرفة الحوادث التي لم تقع في مستقبل الزمان مثل إخبارهم بوقت هبوب الرياح ومجيء المطر ووقوع الثلج، وظهور الحرّ والبرد وتغيّر الأسعار ونحوها، يزعمون أنهم يستدركون معرفتها بسير الكواكب واجتماعها وافتراقها، وهذا علم استأثر الله عز وجل به لا يعلمه أحد غيره"
(2)
.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالي: "صناعة التنجيم التي مضمونها الأحكام والتأثير وهو الاستدلال على الحوادث الأرضية بالأحوال الفلكية والتمزيج بين القوى الفلكي والقوابل الأرضية صناعة محرّمة بالكتاب والسنّة وإجماع الأمّة، بل هي محرّمة على لسان جميع المرسلين في جميع الملل"
(3)
.
فعلم التنجيم المحرّم هو ما يزعم أهله من أنهم يعرفون ما يكون في المستقبل من أمور عامّة وأحداث لم تقع أنها ستقع في زمن معيّن، وخاصة عن طريق النجوم والنظر فيها كأخبارهم عن أوقات مجيء المطر
(1)
معالم السنن (4/ 229، 230).
(2)
شرح السنة (12/ 183).
(3)
مجموع الفتاوى (35/ 192).
وهبوب الرياح، وتغيّر الأسعار، وما كان يماثلها من الأمور، حيث أنهم يدّعون أن للكواكب في مجاريها واجتماعها وافتراقها تأثيرًا في الأمور السفلية والتنجيم بهذا يكون من ادّعاء علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى؛ كما دلّت على ذلك النصوص الكثيرة في كتاب الله وسنّة الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو نوع من أنواع السحر، لأنه ضرب من التخييل والإيهام وهو شرك، لأن فيه استعانة بغير الله سبحانه وتعالى.
وأمّا تعلّم منازل الشمس والقمر للاستدلال بذلك على القبلة وأوقات الصلوات والفصول، فهذا رخّص فيه كثير من العلماء لحصول المنفعة به، وهو وسيلة إلى معرفة أوقات العبادات والاهتداء به إلى الجهات.
قال الخطابي رحمه الله تعالى: "فأمّا علم النجوم الذي يدرك من طريق المشاهدة والحسّ الذي يعرف به الزوال ويعلم به جهة القبلة فإنه غير داخل فيها نهي عنه، وذلك أن معرفة رصد الظل ليس شيئًا بأكثر من أن الظل مادام متناقصًا، فالشمس بعد صاعدة نحو وسط السماء من الأفق الشرقي، وإذا أخذ في الزيادة فالشمس هابطة من وسط السماء نحو الأفق الغربي، وهذا علم يصحّ إدراكه من جهة المشاهدة، إلاّ أن أهل هذه الصناعة قد دبّروه بما اتّخذوا له من الآلة التي يستغني الناظر فيها عن مراعاة مدّته ومراصدته. وأمّا ما يستدلّ به من جهة النجوم على جهة القبلة، فإنما هي كواكب رصدها أهل الخبرة بها من الأئمّة الذين لا نشكّ في عنايتهم بأمر الدين ومعرفتهم بها وصدقهم فيما أخبروا به عنها مثل أن يشاهدوها بحضرة الكعبة ويشاهدوها في حال الغيبة عنها، فكان إدراكهم الدلالة منها بالمعاينة وإدراكنا لذلك بقبولنا لخبرهم؛ إذ كانوا غير متهمين في دينهم ولا مقصّرين في معرفتهم
(1)
.
(1)
معالم السنن (4/ 230)، وانظر تيسير العزيز الحميد (ص 393).
وقد كره بعض العلماء تعلّم منازل القمر سدًا لباب الشرك وحسمًا لمادّته.
وقد تكلّم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى عن مسألة التنجيم، وبيّن أن هذا النوع من العلم ينقسم إلى قسمين: علم تسيير وعلم تأثير، وقد نقل بعض أقوال أهل العلم في جواز علم التسيير الذي به تعرف القبلة وأوقات الصّلاة. أمّا علم التأثير فقد بيّن أنه باطل ومحرّم وقد ذكر الأدلّة التي تبيّن بطلانه وحرمته، فقال رحمه الله تعالي: "وكان النخعي
(1)
لا يرى بأسًا أن يتعلّم الرجل من النجوم ما يهتدي به ورخّص في تعلّم منازل القمر أحمد وإسحاق، ويتعلّم من أسماء النجوم ما يهتدى به، وكره قتادة تعلّم منازل القمر، ولم يرخّص ابن عيينة فيه، ذكره حرب عنهما، وقال طاووس
(2)
: ربّ ناظر في النجوم ومتعلّم حروف أبي جاد
(3)
ليس له عند الله خلاق"، خرّجه حرب، وخرّجه حميد بن
(1)
أبو عمران إبراهيم بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي اليماني ثم الكوفي، الإمام الحافظ، فقيه العراق وأحد الأعلام، وكان واسع الرواية، كبير الشأن، توفي سنة 96 هـ.
طبقات ابن سعد (6/ 270)، ووفيات الأعيان (1/ 25)، وسير أعلام النبلاء (4/ 520).
(2)
طاووس بن كيسان أبو عبد الرحمن الفارسي اليمني، الفقيه الحافظ عالم اليمن، كان ثقة عابدًا، توفي سنة 106 هـ.
طبقات ابن سعد (5/ 537)، ووفيات الأعيان (2/ 509)، وغاية النهاية في طبقات القراء (1/ 341).
(3)
هي الحروف المرتبة في الكلمات التالية: أبْجَدْ هَوَّز حُطّي كَلَمُنْ سَعْفصْ قَرْشَتْ ثَخَذْ ضَظَعْ. وقد استعمل هذا الترتيب للعدد والحساب والتاريخ بجعل كل حرف دالًا على عدد.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: الصواب أن هذه ليست أسماء لمسمّيات، وإنما ألّفت ليعرف تأليف الأسماء من حروف المعجم بعد معرفة حروف المعجم
…
ثم كثير من أهل الحساب صاروا يجعلونها علامات على مراتب =
زنجويه
(1)
من رواية طاووس عن ابن عباس
(2)
.
هذا محمول على علم التأثير لا علم التسيير، فإن علم التأثير باطل محرّم، وفيه ورد الحديث المرفوع:"ومن اقتبس شعبة من النجوم فقد اقتبس شعبة من السحر"، خرّجه أبو داود
(3)
من حديث ابن عباس مرفوعًا.
وخرّج أيضًا من حديث قبيصة مرفوعًا: "العيافة والطيرة والطرق من الجبت"
(4)
. والعيافة: زجر الطير، والطرق: الخط في الأرض.
= العدد، وآخرون من أهل الهندسة والمنطق يجعلونها علامات على الخطوط المكتوبة أو على ألفاظ الأقيسة المؤلفة. مجموع الفتاوى (12/ 62)، وانظر المزهر للسيوطي (2/ 342)، وتاج العروس (7/ 402)، والفهرسة والترتيب المعجمي (ص 58).
(1)
حميد بن مخلد بن قتيبة الأزدي أبو أحمد المشهور بابن زنجويه، الإمام الحافظ، وكان أحد الأئمّة المجودين، قال أبو حاتم البستي: هو الذي أظهر السنّة بنسا، له مؤلفات مفيدة منها: كتاب الأموال، توفي سنة 251 هـ.
تاريخ بغداد (8/ 160)، وطبقات الحنابلة (1/ 150)، وتذكرة الحفاظ (2/ 550).
(2)
أثر ابن عباس أخرجه عبد الرزاق في المصنف (11/ 26)، والبيهقي في السنن الكبرى (8/ 139).
(3)
أبو داود: كتاب الطب، باب في النجوم (4/ 226)، وأخرجه أيضًا أحمد (1/ 227)، وابن ماجه: كتاب الأدب -باب تعلّم النجوم (3726)، والطبراني في الكبير (11/ 135)، والبيهقي في السنن (8/ 138).
وقال النووي في رياض الصالحين (637): إسناده صحيح، وقال الذهبي في الكبائر (123): رواه أبو داود بسند صحيح، وقال العراقي في تخريج الإحياء (4/ 117): أخرجه أبو داود وابن ماجه بسند صحيح.
(4)
أخرجه أبو داود: كتاب الطب، باب في الخط وزجر الطير (4/ 229)، وأحمد (3/ 477)، والنسائي كما في تحفة الأشراف (8/ 275)، والطبراني في الكبير (18/ 369)، والبيهقي في السنن (8/ 139)، وحسّنه النووي كما في فيض القدير للمناوي (4/ 395).