الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان
خلود الجنة والنار ودوامهما وبقاؤهما بإبقاء الله لهما وأنهما لا تفنيان أبدًا ولا يفنى ما فيهما ثابت بالكتاب والسنة والأدلة عليهما كثيرة جدًا.
قال الله تعالى عن الجنة وأهلها: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا (57)}
(1)
.
(2)
.
(3)
.
وقال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (64) خَالِدِينَ
(1)
سورة النساء آية (57).
(2)
سورة التوبة آية (20 - 22).
(3)
سورة النساء آية (168، 169).
فِيهَا أَبَدًا لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا}
(1)
.
ومن الأحاديث الدالة على أبدية الجنة والنار وخلود أهلهما فيهما حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يدخل الله أهل الجنة الجنة، ويدخل أهل النار النار ثم يقوم مؤذن بينهم فيقول: يا أهل الجنة لا موت، ويا أهل النار لا موت كل خالد فيما هو فيه"
(2)
.
فهذا الحديث وغيره من الأحاديث التي سأذكرها في معرض كلام ابن رجب رحمه الله تعالى كلها تدل على أبدية الجنة والنار ودوامهما وخلود أهلهما فيهما لا إلى غاية ولا إلى أمد، فأهل الجنة ينعمون بما فيها تنعما دائمًا لا آخر له ولا انقطاع أبدًا، وأهل النار أعاذنا الله منها خالدين فيها من غير موت ولا حياة ولا نجاة من عذاب الله.
وقد تكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذا كله وذكر الأدلة عليه فقال عن النار وعذابها: "وعذاب الكفار في النار لا يفتر عنهم ولا ينقطع ولا يخفف بل هو متواصل أبدًا قال الله عز وجل: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (74) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (75)}
(3)
(4)
.
(1)
سورة الأحزاب آية (64، 65).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألف بغير حساب (7/ 199) ومسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/ 2189).
(3)
سورة الزخرف آية (74، 75).
(4)
سورة فاطر آية (36).
وقال تعالى: {فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ}
(1)
.
(2)
…
"
(3)
.
وقال رحمه الله تعالى أيضًا: ولا يزال أهل جهنم في رجاء الفرج إلى أن يذبح الموت، فحينئذ يقع منهم الإياس وتعظم عليهم الحسرة والحزن، وفي الصحيحين عن أبي سعيد عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يجاء بالموت يوم القيامة كأنه كبش أملح، فيوقف بين الجنة والنار، فيقال: يا أهل الجنة هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون
(4)
وينظرون، ويقولون: نعم هذا الموت، ويقال: يا أهل النار هل تعرفون هذا؟ فيشرئبون وينظرون فيقولون: نعم هذا الموت، قال: فيؤمر به فيذبح، ثم يقال: يا أهل الجنة خلود فلا موت، ويا أهل النار خلود فلا موت"
(5)
ثم قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم: " {وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (39)}
(6)
…
"
(7)
.
وقال عن الجنة: قوله صلى الله عليه وسلم: "من يدخلها ينعم ولا يباس، ويخلد
(1)
سورة البقرة آية (86).
(2)
سورة غافر آية (49، 50).
(3)
التخويف من النار (ص 194).
(4)
يشرئبون: أي يرفعون رؤوسهم لينظروا إليه، وكل رافع رأسه مشرئب. النهاية لابن الأثير (2/ 455).
(5)
صحيح البخاري: كتاب التفسير، تفسير سورة مريم، باب قوله تعالى:{وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ} (4/ 316) وصحيح مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب النار يدخلها الجبارون والجنة يدخلها الضعفاء (4/ 2188).
(6)
سورة مريم آية (39).
(7)
التخويف من النار (ص 208، 209).
ولا يموت ولا تبلى ثيابهم، ولا يفنى شبابهم" إشارة إلى بقاء الجنة وبقاء جميع ما فيها من النعيم، وإن صفات أهلها كاملة من الشباب لا تتغير أبدًا، وملابسهم التي عليهم من الثياب لا تبلى أبدًا.
وقد دل القرآن على مثل هذا في مواضع كثيرة كقوله تعالى: {وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ}
(1)
وقوله تعالى: {أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا}
(2)
وقوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا (22)}
(3)
في مواضع كثيرة.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من يدخل الجنة ينعم لا يبأس لا تبلى ثيابه ولا يفنى شبابه"
(4)
.
وفيه أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا دخل أهل الجنة الجنة نادى مناد أن لكم أن تنعموا ولا تبأسوا أبدًا، وإن لكم أن تصحوا فلا تسقموا أبدًا، وإن لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدًا {وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ}
(5)
…
"
(6)
.
وفي رواية لغيره زيادة: "وأن تحيوا فلا تموتوا أبدًا"
(7)
…
(8)
.
وهذه المسألة من المسائل التي اتفق عليها أهل السنة والجماعة ولا عبرة بمن خالف ذلك من أهل البدع والأهواء.
(1)
سورة التوبة آية (21).
(2)
سورة الرعد آية (35).
(3)
سورة التوبة آية (22).
(4)
صحيح مسلم: كتاب صفة الجنة، باب في دوام نعيم أهل الجنة (4/ 2181).
(5)
سورة الأعراف آية (43).
(6)
صحيح مسلم: كتاب صفة الجنة ونعيمها، باب في دوام نعيم أهل الجنة (4/ 2182).
(7)
وهي في مسلم أيضًا (4/ 2182).
(8)
لطائف المعارف (ص 24).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها، وسائر أهل السنة والجماعة على أن من المخلوقات ما لا يعدم ولا يفنى بالكلية، كالجنة والنار والعرش وغير ذلك، ولم يقل بفناء جميع المخلوقات إلا طائفة من أهل الكلام المبتدعين كجهم بن صفوان ومن وافقه من المعتزلة ونحوهم، وهذا قول باطل يخالف كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع سلف الأمة وأئمتها"
(1)
.
وقد خالف أهلَ السنة والجماعة في هذه المسألة الجهميةُ ومن تبعهم من المعتزلة والخوارج وقالوا: الجنة والنار تفنيان وتبيدان ليس لهما بقاء ولا خلود، وقالوا: إن الجنة إذا دخلها أهلها ولبثوا فيها زمنًا طويلًا فتبيد الجنة وأهلها ويبيد نعيمها، وإن أهل النار إذا دخلوا النار ومكثوا فيها زمنًا طويلًا تهلك النار ويبيد عذابها ثم يبقى الله سبحانه آخرًا لا شيء معه كما كان أولًا لا شيء معه وهو قوله الأول والآخر
(2)
.
وشبهتهم في ذلك أصلهم الفاسد الذي أصلوه وجعلوه أساسًا لرد النصوص الصحيحة هو امتناع وجود ما لا نهاية له من الحوادث واستدلوا بها على حدوث الأجسام وحدوث ما لم يحل من الحوادث فقالوا: إن الجنة والنار تفنيان لأنهما كانتا معدومتين في الماضي، ويخلقهما الله يوم البعث والجزاء، فكل ما كان في الماضي معدومًا فهو حادث، وكل حادث لابد له من الفناء، فالجنة والنار تفنيان وليس لهما بقاء.
وهذه شبهة باطلة تعارض الأدلة القطعية والنصوص الشرعية
(3)
.
(1)
مجموع الفتاوى (18/ 307).
(2)
انظر: مقالات الإسلاميين (2/ 148) والفصل في الملل والنحل (2/ 83) والفرق بين الفرق (ص 319) والملل والنحل (1/ 87).
(3)
انظر: مجموع الفتاوى (18/ 307).
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "إن القول بفناء الجنة والنار قول مبتدع، لم يقله أحد من الصحابة ولا التابعين ولا أحد من أئمة المسلمين، والذين قالوه إنما تلقوه عن قياس فاسد كما اشتبه أصله على كثير من الناس فاعتقدوه حقًا
…
"
(1)
.
وقال ابن أبي العز رحمه الله تعالى: "وقال بفناء الجنة والنار الجهم بن صفوان أمام المعطلة، وليس له سلف قط لا من الصحابة ولا من التابعين لهم بإحسان ولا من أئمة المسلمين ولا من أهل السنة، وأنكره عليه عامة أهل السنة وكفروه به، وهذا قاله لأصله الفاسد الذي اعتقده وهو امتناع وجود ما لا يتناهى من الحوادث"
(2)
.
(1)
حادي الأرواح (ص 353).
(2)
شرح العقيدة الطحاوية (ص 480).