الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: "وإذا كان منزهًا عن أن يخرج منه مادة الولد التي هي أشرف المواد فلأن ينزه عن خروج مادة غير الولد أولى، فمن أثبت لله ولدًا فقد شتمه، وقد ثبت في صحيح البخاري عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "يقول الله عز وجل: كذبني ابن آدم، ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي فقوله لن يعيدني كما بدأني، وليس أول الخلق بأهون على من إعادته، وأما شتمه إياي فقوله: اتخذ الله ولدا، وأنا الأحد الصمد لم ألد ولم أولد ولم يكن لي كفوًا أحد"
(1)
.
وفي صحيح البخاري أيضًا عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله عز وجل: كذبني ابن آدم ولم يكن له ذلك، وشتمني ولم يكن له ذلك، فأما تكذيبه إياي، فزعم أني لا أقدر أن أعيده كما كان، وأما شتمه إياي فقوله: لي ولد، فسبحاني أن أتخذ صاحبة أو ولدًا"
(2)
.
وقد رد الله على من زعم أنه لا يعيد الخلق، وعلى من زعم أن له ولدًا كما تضمنه هذا الحديث في قوله:{وَيَقُولُ الْإِنْسَانُ أَإِذَا مَا مِتُّ لَسَوْفَ أُخْرَجُ حَيًّا (66)} إلى قوله: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا (89)}
(3)
.
(1)
صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب تفسير سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} ، (6/ 95).
(2)
صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب قوله:{اللَّهُ الصَّمَدُ} (6/ 95).
(3)
سورة مريم من آية (66 إلى 89).
وفي صحيح البخاري أيضًا عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا أحد أصبر على أذى سمعه من الله، إنهم يجعلون له ولدا وهو يرزقهم ويعافيهم"
…
(1)
(2)
.
فنسبة الولد إلى الله سبحانه وتعالى فرية عظيمة قال بها اليهود والنصارى والمشركون من العرب، ومن سلك سبيلهم من الفلاسفة وغيرهم فاليهود المغضوب عليهم زعموا أن عزيرًا ابن الله، والنصارى الضالون زعموا أن المسيح ابن الله، ومشركوا العرب زعموا أن الملائكة بنات الله تعالى الله عما يقول الظالمون علوًا كبيرًا.
وقد رد الله تبارك وتعالى هذه المزاعم كلها في القرآن الكريم، وبيّن بطلانها بنفي الولد وتنزهه عن ذلك تبارك وتعالى.
وقد بين ابن رجب رحمه الله تعالى فى كلامه السابق بطلان هذه الفرية، وذكر بعض الأدلة التي وردت في الرد على هذا الزعم الباطل لأن هذا القول قول عظيم في القبح والبشاعة والنكارة، فالله سبحانه وتعالى الواحد الأحد الفرد الصمد المستغني عن جميع خلقه وهم محتاجون إليه، قهر الأشياء كلها فدانت له وذلت وخضعت.
وقد أنذر الله تبارك وتعالى جميع الطوائف التي تنسب إليه الولد بالوعيد الشديد والتهديد الأكيد قال تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}
(3)
.
(1)
صحيح البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} (8/ 165) وأخرجه مسلم أيضًا: كتاب صفات المنافقين، باب لا أحد أصبر على أذى من الله عز وجل (4/ 2160).
كلهم من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.
(2)
تفسير سورة الإخلاص (ص 58، 59).
(3)
سورة الكهف آية (4، 5).
قال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: "يقول تعالى ذكره ويحذر أيضًا محمد القوم {الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا} من مشركي قومه وغيرهم، بأس الله وعاجل نقمته، وآجل عذابه على قيلهم ذلك"
(1)
.
ونفي الولد عن الله سبحانه وتعالى يجب اعتقاد ثبوت ضده لله على الوجه اللائق بجلاله لأن النفي المحض عدم محض فهو ليس بشيء وليس في النفي المجرد إثبات صفة كمال، ولهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات المدح والكمال، والمدح الذي تضمنه نفي الولد عن الله إثبات إنه الأحد سبحانه المنفرد بذاته يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وينبغي أن يعلم أن النفي ليس فيه مدح ولا كمال إلا إذا تضمن إثباتًا، وإلا فمجرد النفي ليس فيه مدح ولا كمال لأن النفي المحض عدم محض، والعدم المحض ليس بشيء، وما ليس بشيء فهو كما قيل: ليس بشيء فضلًا عن أن يكون مدحًا أو كمالًا، ولأن النفي المحض يوصف به المعدوم والممتنع، والمعدوم والممتنع لا يوصف بمدح ولا كمال، فلهذا كان عامة ما وصف الله به نفسه من النفي متضمنًا لإثبات مدح كقوله:{اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} إلى قوله {وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا}
(2)
فنفي السنة والنوم يتضمن كمال الحياة والقيام، فهو مبين لكمال أنه الحي القيوم، وكذلك قوله:{وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا} أي لا يكرثه ولا يثقله وذلك مستلزم لكمال قدرته وتمامها
(3)
.
وأرى من المناسب أن أذكر هنا فائدة لها صلة بهذا المبحث ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى في تفسيره لسورة الإخلاص حيث قال:
(1)
تفسير ابن جرير الطبري (15/ 193).
(2)
سورة البقرة آية (255).
(3)
الرسالة التدمرية (ص 22).
سؤال: نفى سبحانه الولادة قبل التولد، والتولد أسبق وقوعًا من الولادة في حق من هو متولد؟
وجوابه: أن الولادة لم يدعها أحد في حقه سبحانه، وإنما ادعوا أنه ولد، فلذلك قدم نفيه لأن المهم المحتاج إلى نفيه.
سؤال آخر: كيف نفى أن يكون مولودا ولم يعتقده أحد؟
جوابه: من وجهين.
أحدهما: أنهم سألوا عمن ورث الدنيا. ولمن يورثها، وهذا يشعر بأن منهم من اعتقد ذلك.
والثاني: أنه نفى عن نفسه سبحانه خصائص آلهة المشركين فإن منهم من عبد المسيح، ومنهم من عبد العزيز وهما مولودان، ومنهم من عبد الملائكة والعجل وهي متولدات، وقد تقدم أن نفي الولادة تدل على نفي المتولد بطريق الأولى
(1)
.
(1)
تفسير سورة الإخلاص (ص 61، 62).