الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)
رأيت من المناسب أن أذكر في هذا المبحث الشروط
(1)
التي ذكرها العلماء رحمهم الله للانتفاع بقول لا إله إلا الله، والحصول على ثوابها والفضل الذي ورد فيها والتي تبين أن هذا الفضل لا يحصل بمجرد اللفظ بهذه الكلمة بدون هذه الشروط التي استنبطها العلماء رحمهم الله تعالى من الكتاب والسنة وهي:
1 -
العلم بمعنى هذه الكلمة المراد منها نفيًا وإثباتًا، المنافي للجهل كما قال الله تبارك وتعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}
(2)
(3)
.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة"
(4)
.
(1)
لخصت هذه الشروط من: معارج القبول (1/ 378) والجامع الفريد (ص 356) والكواشف الجلية عن معاني الواسطية (ص 29).
(2)
سورة محمد آية (19).
(3)
سورة آل عمران آية (18).
(4)
أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (1/ 55).
2 -
اليقين المنافي للشك أي باستيقان القلب بمدلول هذه الكلمة يقينًا جازمًا، وانتفاء الشك المعارض له، لأن الإيمان لابد أن يكون عن علم يقين لا علم الظن كما قال تعالى:{إِلَّا مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}
(1)
(2)
فاشترط في صدق إيمانهم بالله ورسوله كونهم لم يشكوا كما أخرج مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة"
(3)
. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: "من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه فبشره بالجنة"
(4)
فمن نطق بالشهادة موقنًا بأنه لا يستحق العبادة سوى الله سبحانه وتعالى وأن محمدًا صلى الله عليه وسلم رسول من عند الله إلى الناس كافة، وأن ما جاء به حق لا شك فيه، كان من أهل الجنة عاجلًا أو آجلا.
ثالثًا: القبول لما اقتضته هذه الكلمة (لا إله إلا الله) من إفراد الله بالعبادة، ونفيها عمن سواه، فلا يرد شيئا مما دلت عليه لميل في نفسه أو مجاملة لغيره، وقد ذكر الله تبارك وتعالى لنا من أنباء ما قد سبق من انجائه لمن قبلها، وانتقامه ممن ردها وأباها كما قال تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا
(1)
سورة الزخرف آية (86).
(2)
سورة الحجرات آية (15).
(3)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (1/ 56).
(4)
صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على أن من مات على التوحيد دخل الجنة قطعًا (1/ 60).
مِنْ قَبْلِكَ رُسُلًا إِلَى قَوْمِهِمْ فَجَاءُوهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَانْتَقَمْنَا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ (47)}
(1)
.
وقال تعالى: {ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ (103)}
(2)
.
وعن أبي موسى رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا فكان منها نقية، قبلت الماء فأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وكانت منها أجادب أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا، وأصاب منها طائفة أخرى، إنما هي قيعان لا تمسك ماء، ولا تنبت كلأ. فذلك مثل من فقه في دين الله، ونفعه ما بعثني الله به، فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به"
(3)
.
الرابع: الانقياد لما تضمنته هذه الكلمة ظاهرًا وباطنًا قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى}
(4)
(5)
.
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الآية: يقسم الله تعالى بنفسه الكريمة المقدسة أنه لا يؤمن أحد حتى يحكم الرسول صلى الله عليه وسلم في
(1)
سورة الروم آية (47).
(2)
سورة يونس آية (103).
(3)
أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب فضل من علم وعمل (1/ 28) ومسلم: كتاب الفضائل، باب بيان مثل ما بعث النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم (2282).
(4)
سورة لقمان آية (22).
(5)
سورة النساء آية (65).
جميع الأمور فما حكم به فهو الحق الذي يجب الانقياد له باطنًا وظاهرًا، ولهذا قال:"ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجًا مما قضيت ويسلموا تسليمًا" أي: إذا حكموك يطيعونك في بواطنهم فلا يجدون في أنفسهم حرجًا مما حكمت به، ويناقدون له في الظاهر والباطن فيسلمون لذلك تسليمًا كليًا من غير ممانعة ولا مدافعة ولا منازعة كما ورد في الحديث:"والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به"
(1)
(2)
.
فتمام الانقياد وغايته أن تكون رغبة العبد وفق ما تضمنته كلمة (لا إله إلا الله) وتبعا لما جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
خامسًا: الصدق بقولها وبما دلت عليه، صدقًا ينبع من قلب منافيا للكذب، قال تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ (33)}
(3)
.
جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "في قوله تعالى: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ} أي: يقول: من جاء بـ لا إله إلا الله وصدق به" يعني رسوله
(4)
.
(1)
هذا الحديث ذكره النووي رحمه الله تعالى في الأربعين النووية وهو الحديث الحادي والأربعون وقال: حديث حسن صحيح، رويناه في كتاب الحجة بإسناد صحيح، وعقب ابن رجب رحمه الله تعالى على هذا القول بقوله: قلت: تصحيح هذا الحديث بعيد جدًا من وجوه، ثم قال بعد ذكر هذه الوجوه: وأما معنى الحديث من الأوامر والنواهي وغيرها فيحب ما أمر به ويكره ما نهى عنه، وقد ورد في القرآن بمثل هذا في غير موضع.
جامع العلوم والحكم (3/ 220).
(2)
تفسير ابن كثير (1/ 520).
(3)
سورة الزمر آية (33).
(4)
أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (24/ 3) والبيهقي في الأسماء والصفات (ص 135).
وقال ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية كل من دعا إلى توحيد الله، وتصديق رسله، والعمل بما ابتعث به رسوله صلى الله عليه وسلم من بين رسل الله وأتباعه والمؤمنين به، وأن يقال الصدق: هو القرآن وشهادة أن لا إله إلا الله، والمصدق به: المؤمنون بالقرآن، من جميع خلق الله كائنًا من كان من نبي الله وأتباعه
(1)
.
فمن شهد أن لا إله إلا الله صادقًا من قلبه فقد أبعد نفسه عن النار كما جاء عن معاذ بن جبل رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار"
(2)
.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى وهو يتكلم عن المؤمنين فهم الذين حققوا قول: لا إله إلا الله وأخلصوا في قولها، وصدقوا قولهم بفعلهم فلم يلتفتوا إلى غير الله محبة ورجاء وخشية وطاعة وتوكلًا، وهم الذين صدقوا في قول: لا إله إلا الله، وهم عباد الله حقًا، فأما من قال:(لا إله إلا الله) بلسانه، ثم أطاع الشيطان وهواه في معصية الله ومخالفته فقد كذب فعله قوله، ونقص من كمال توحيده بقدر معصية الله في طاعة الشيطان والهوى {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ}
(3)
.
{وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
(4)
(5)
....
(1)
تفسير ابن جرير الطبري (24/ 4).
(2)
أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب من خص بالعلم قومًا دون قوم كراهية أن لا يفهموا (1/ 41).
(3)
سورة القصص آية (50).
(4)
سورة ص آية (26).
(5)
كلمة الإخلاص (ص 27، 28).
سادسًا: الإخلاص لله تعالى في قولها، والسلامة مما ينافي مضمونها من الشرك وغيره قال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}
(1)
وقال تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ}
(2)
.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك يوم القيامة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "
…
أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه أو نفسه"
(3)
.
وعن عتبان بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله عز وجل"
(4)
.
فالإخلاص أساس في الأعمال والأقوال فعلية كانت أو تركية لأن له أثر كبير في عاجل أمر المؤمن وآجله.
يقول ابن رجب رحمه الله تعالى: والإخلاص هو أساس الأعمال التي لا تثبت الأعمال إلا عليه
(5)
.
سابعًا: المحبة لهذه الكلمة وما دلت عليه واقتضته محبة سالمة من المعارضة، ومن لوازم ذلك محبة أهلها العاملين بها، وبغض ومعاداة من لم يكن من أهلها من المشركين وغيرهم والبراءة منهم قال تعالى:
(1)
سورة البينة آية (5).
(2)
سورة الزمر آية (3).
(3)
أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب الحرص على الحديث (1/ 33).
(4)
أخرجه مسلم: كتاب المساجد، باب الرخصة في التخلف عن الجماعة بعذر (1/ 456).
(5)
اختيار الأولى (ص 95).
(1)
.
وقال تعالى: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ}
…
الآية
(2)
.
وعن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار
(3)
.
وعن أنس رضى الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين"
(4)
.
قال ابن رجب رحمه الله تعالى: فلا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يقدم محبة الرسول على محبة جميع الخلق، ومحبة الرسول تابعة لمحبة مرسله والمحبة الصحيحة تقتضي المتابعة والموافقة في حب المحبوبات، وبغض المكروهات
(5)
.
فمن حقق معنى لا إله إلا الله بهذه الشروط السابقة فقد نجا وسلك الطريق المستقيم واستحق ثوابها وما ورد فيها من فضل.
(1)
سورة البقرة آية (165).
(2)
سورة المجادلة آية (22).
(3)
أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب حلاوة الإيمان (1/ 10) ومسلم: كتاب الإيمان، باب بيان خصال من اتصف بهن وجد حلاوة الايمان (1/ 66).
(4)
أخرجه البخاري: كتاب الإيمان، باب حب الرسول صلى الله عليه وسلم من الإيمان (1/ 9) ومسلم: كتاب الإيمان، باب وجوب محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين.
(5)
جامع العلوم والحكم (3/ 223).
وقد نظم حافظ الحكمي
(1)
رحمه الله تعالى هذه الشروط في أبيات فقال:
ولشروط سبعة قد قيدت
…
وفي نصوص الوحي حقا وردت
فإنه لم ينتفع قائلها
…
بالنطق إلا حيث يستكملها
العلم واليقين والقبول
…
والانقياد قادر ما أقول
والصدق والإخلاص والمحبة
…
وفقك الله لما أحبه
(2)
(1)
هو الشيخ العلامة حافظ أحمد الحكمي، عالم سلفي، من منطقة تهامة، ولد سنة 1342 هـ بقرية السلام بالقرب من جيزان، كان آية في الذكاء وسرعة الحفظ والفهم، له مؤلفات مفيدة منها: معارج القبول، توفي سنة 1377 هـ وعمره 35 سنة رحمه الله تعالى.
الأعلام (2/ 159) والمستدرك على معجم المؤلفين (ص 183).
(2)
معارج القبول (1/ 377، 378).