المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

بعد أن عرفنا فيما سبق حقيقة التوحيد وأنواعه التي هي توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات، يحسن بنا أن نعرف العلاقة بين هذه الأنواع، وصلتها ببعضها، وهل هي متلازمة في الوجود بمعنى أن بعضها لا يوجد بدون الآخر؟ أم أنها غير متلازمة، وهل يغني اعتقاد بعضها فقط أم لابد من اعتقاد جميعها.

والحقيقة أن بينها علاقة متينة، وصلة قوية.

فتوحيد الربوبية يستلزم توحيد الألوهية، لأنه من اعترف بأن الله عز وجل هو الخالق الرازق المدبر المحيي المميت، وأنه رب كل شيء ومليكه يحتم عليه ذلك أن يخلص العبادة له عز وجل بجميع أنواعها لأنه تبارك وتعالى ذو الألوهية المستحق للعبادة وحده دون سواه، لأن جميع الأمور بيده، فلا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، ولا هادي لمن أضل، ولا ضال لمن هدى سواه عز وجل، ولهذا نجد الآيات الواردة في القرآن الكريم في توحيد الربوبية تحث وترشد إلى عبادة الله وحده، ونبذ عبادة ما سواه، وعدم صرف أي نوع من أنواع العبادة لغيره عز وجل، كما قال عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ

ص: 148

أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (22)}

(1)

.

يقول ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسيره لهذه الآية: شرع تبارك وتعالى في بيان وحدانية ألوهيته، بأنه تعالى هو المنعم على عبيده بإخراجهم من العدم إلى الوجود، وإسباغه عليهم النعم الظاهرة والباطنة بأن جعل لهم الأرض فراشًا أي مهدًا كالفراش مقررة موطأة مثبتة بالرواسي الشامخات، والسماء بناءً، وهو السقف كما قال في الآية الأخرى:{وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ (32)}

(2)

.

{وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} والمراد به السحاب ههنا في وقته عند احتياجهم إليه، فأخرج به من أنواع الزروع والثمار ما هو مشاهد رزقًا لهم، ولأنعامهم كما قرر هذا في غير موضع من القرآن، ومن أشبه آية بهذه آية قوله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ قَرَارًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (64)}

(3)

ومضمونه أنه الخالق الرزاق مالك الدار وساكنيها، ورازقهم، فبهذا يستحق أن يعبد وحده، ولا يشرك به غيره، ولهذا قال:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} وفي الصحيحين

(4)

عن ابن مسعود قال: قلت: يا رسول الله، أي الذنب أعظم عند الله؟ قال:"أن تجعل لله ندا وهو خلقك. . . " الحديث

(5)

.

(1)

سورة البقرة الآيتان (21 - 22).

(2)

سورة الأنبياء آية (32).

(3)

سورة غافر آية (64).

(4)

صحيح البخاري: كتاب التفسير، باب قوله تعالى:{فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (5/ 148).

وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب كون الشرك أقبح الذنوب وبيان أعظمهما بعده (1/ 90).

(5)

تفسير ابن كثير (1/ 57).

ص: 149

وقد أوضح ابن رجب رحمه الله تعالى هذا المعنى حيث قال: . . . فإن من تفرد بخلق العبد وبهدايته وبرزقه وإحيائه وإماتته في الدنيا، وبمغفرة ذنوبه في الآخرة، مستحق أن يفرد بالألوهية والعبادة والسؤال والتضرع والاستكانة. قال الله تعالى:{اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (40)}

(1)

. . .

(2)

.

وقال أيضًا رحمه الله تعالى: . . . وتحقيق هذا يقتضي انقطاع العبد عن التعلق بالخلق وعن سؤالهم واستعانتهم ورجائهم بجلب نفع أو دفع ضر، وخوفهم من إيصال ضر أو منع نفع، وذلك يستلزم إفراد الله سبحانه بالطاعة والعبادة أيضًا. . . وأن تقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعا. . .

(3)

.

وقال أيضًا رحمه الله تعالى: . . . فإذا تحقق العبد تفرد الله وحده بالنفع والضر وبالعطاء والمنع أوجب ذلك إفراده بالطاعة والعبادة ويقدم طاعته على طاعة الخلق كلهم جميعا، كما يوجب ذلك أيضًا إفراده سبحانه بالاستعانة به، والطلب منه. . . .

(4)

.

فمن أقر بتوحيد الربوبية ولم يقر بتوحيد الألوهية، فإن ذلك لا ينفعه شيئًا، لأن المشركين كانوا مقرين بهذا النوع من التوحيد كما ذكر الله تبارك وتعالى ذلك في القرآن الكريم في آيات كثيرة.

منها قوله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ

(1)

سورة الروم آية (12، 22).

(2)

جامع العلوم والحكم (2/ 284).

(3)

نور الاقتباس (ص 80).

(4)

المصدر السابق (ص 79).

ص: 150

وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (31)}

(1)

.

ومنها قوله تعالى: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)}

(2)

وغيرها من الآيات ومع هذا لم ينفعه هذا الاعتراف، لأنهم لم يوحدوا الله تبارك وتعالى بالعبادة كما قال عز وجل:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ (106)}

(3)

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}

(4)

.

إذًا من اعترف بتوحيد الربوبية يلزمه أن يخلص العبادة لله وحده دون سواه، ومن لم يفعل ذلك فإن إقراره بتوحيد الربوبية لا ينفعه شيئًا كما لم ينفع المشركين من قبل.

وأما توحيد الألوهية الذي يسمى توحيد العبادة، ويسمى أيضًا بتوحيد القصد والطلب، فإنه متضمن لتوحيد الربوبية، ومعنى كونه متضمنًا له أن توحيد الربوبية داخل في ضمن توحيد الألوهية لأن من عبد الله وحده لا شريك له، وأخلص العبادة له لابد أن يكون قد اعتقد بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه لا رب سواه ولا مالك غيره، فهو يعبده لأنه يعلم أنه مستحق للعبادة دون سواه.

(1)

سورة يونس آية (31).

(2)

سورة المؤمنون من آية (84 إلى 89).

(3)

سورة يوسف آية (106).

(4)

سورة الزمر آية (3).

ص: 151

ولذلك نجد الآيات الكثيرة تبين أن الآلهة التي عبدها المشركون من دون الله ليس بيدها شيء، وأنها لا تجلب نفعًا ولا تدفع ضرًا فهي لا تملك ضرًا ولا نفعًا ولا موتًا ولا حياة ولا نشورًا.

ومن تلك الآيات قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ}

(1)

.

وقال تعالى: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَمْلِكُ لَهُمْ رِزْقًا مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ شَيْئًا وَلَا يَسْتَطِيعُونَ (73)}

(2)

.

فهذه الآيات تبين للمشركين أن آلهتهم التي يعبدون من دون الله غير مستحقة للعبادة، لأن الذي يستحق للعبادة هو من بيده الخلق والرزق والإحياء والإماتة، والضر، والنفع، وهو الله سبحانه وتعالى وحده.

فتوحيد الألوهية لا يصح بدون توحيد الربوبية لأن من عبد الله وحده ولم يشرك به شيئًا في عبادته لكنه مع ذلك اعتقد أن لغير الله تأثير في شيء من دفع ضر أو جلب نفع أو تصرف فعبادته لا تغني عنه شيئًا. يقول ابن أبي العز

(3)

رحمه الله تعالى: التوحيد الذي دعت إليه الرسل ونزلت به الكتب هو توحيد الألوهية المتضمن توحيد الربوبية

(4)

.

(1)

سورة النحل الآيتان (20 - 21).

(2)

سورة النحل آية (73).

(3)

هو علي بن علي بن محمد بن أبي العز الحنفي الدمشقي، عالم فقيه تولى القضاء بدمشق ثم بالديار المصرية، واستفاد من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم كثيرًا، له كتب مفيدة نافعة منها: شرح العقيدة الطحاوية، والإتباع، توفي سنة 792 هـ رحمه الله تعالى.

الدرر الكامنة (3/ 87) وشذرات الذهب (6/ 326).

(4)

شرح العقيدة الطحاوية (1/ 12).

ص: 152

وأما توحيد الأسماء والصفات فإنه مستلزم للنوعين الماضيين لأن من اعترف بأسماء الله الحسنى وصفاته العلى وأنه لا نظير ولا شبيه ولا مثيل له في ذلك، يلزمه أن يعترف بأنه رب واحد لا شريك له ويلزمه أيضًا أن يخلص العبادة له وحده دون سواه.

كما أن توحيد الألوهية يتضمن توحيد الأسماء والصفات، لأن من أخلص العبادة لله وحده يعتقد أن الله واحد في أسمائه وصفاته مع عدم المثيل والنظير والشبيه له في ذلك، وإلا فلا معنى لعبادته بدون ذلك.

وبهذا يتبين أن التوحيد الصحيح هو الإتيان بأنواع التوحيد كلها لأنها مرتبطة بعضها ببعض، ولا يتحقق التوحيد الصحيح إلا بها جميعًا. وهو ما جاءت به الآيات الكثيرة في كتاب الله تبارك وتعالى وجاءت به السنة النبوية.

وهذا ما قرره علماء السلف رحمهم الله تعالى.

يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: وملاك السعادة والنجاة والفوز بتحقيق التوحيدين اللذين عليهما مدار كتاب الله تعالى، وبتحقيقهما بعث الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم، وإليهما دعت الرسل صلوات الله وسلامه عليهم من أولهم إلى آخرهم. . .

(1)

.

ويقول الشيخ سليمان بن عبد الله بن محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في معرض كلامه من أنواع التوحيد: . . . وهي متلازمة، كل نوع منها لا ينفك عن الآخر، فمن أتى بنوع منها ولم يأت بالآخر، فما ذاك إلا أنه لم يأت به على وجه الكمال المطلوب. . .

(2)

.

(1)

اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية (ص 27).

(2)

تيسير العزيز الحميد (ص 93).

ص: 153