المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

إن الله سبحانه وتعالى قد أخفى عن عباده وقت وقوع الساعة فلا يعلم أحد متى تقوم الساعة إلا هو سبحانه وتعالى كما دلت على ذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية فمن الآيات قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (187)}

(1)

.

وقوله تعالى: {يَسْأَلُكَ النَّاسُ عَنِ السَّاعَةِ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا (63)}

(2)

.

فالله سبحانه وتعالى يأمر نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم أن يخبر الناس أن علم الساعة عند الله وحده فلا يعلم أحد متى قيام الساعة إلا الله وحده.

ومن الأحاديث النبوية الدالة على أنه لا يعلم متى الساعة إلا الله وحده حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول قبل أن يموت بشهر: "تسألونني عن الساعة؟ وإنما علمها عند الله وأقسم بالله ما على الأرض من نفس منفوسة تأتي عليها مائة سنة"

(3)

.

(1)

سورة الأعراف آية (187).

(2)

سورة الأحزاب آية (63).

(3)

أخرجه مسلم: كتاب فضائل الصحابة رضي الله عنهم، باب بيان معنى قوله صلى الله عليه وسلم على رأس مائة سنة لا يبقى نفس منفوسة (4/ 1966).

ص: 656

وحديث جبريل المشهور وفيه سأل جبريل عليه السلام النبيّ صلى الله عليه وسلم عن وقت الساعة فقال عليه الصلاة والسلام: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"

(1)

، فجبريل عليه السلام لا يعلم متى تقوم الساعة، وكذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن زعم أن النبيّ صلى الله عليه وسلم يعلم متى قيام الساعة فهو جاهل لا علم عنده، لأن الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة السابقة ترد عليه وعلى من قال بقوله، فعلم قيام الساعة مما استأثر الله سبحانه وتعالى به فلم يطلع عليه ملكًا مقربًا ولا نبيًا مرسلًا إلا أن هناك آيات وأحاديث تدل على قرب قيام الساعة ودنوها من ذلك قول الله تعالى:{اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ (1)}

(2)

وقوله تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}

(3)

.

ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى"

(4)

إلى غير ذلك من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الدالة على قرب قيام الساعة.

وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد أخفى وقت وقوع الساعة عن عباده فإنه سبحانه وتعالى قد جعل لها أمارات وعلامات تدل على قرب وقوعها، وقد سمى الله سبحانه وتعالى هذه الأمارات والعلامات بأشراط الساعة قال تعالى:{فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا}

(5)

.

وأشراط الساعة هي العلامات الدالة على قربها قال ابن حجر

(1)

تقدم تخريجه (ص 528).

(2)

سورة الأنبياء آية (1).

(3)

سورة القمر (1).

(4)

أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة كهاتين (7/ 191) ومسلم: كتاب الفتن، باب قرب الساعة (4/ 2269).

(5)

سورة محمد آية (18).

ص: 657

رحمه الله تعالى: "المراد بالأشراط: العلامات التي يعقبها قيام الساعة"

(1)

وقد ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى وسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم كثير من أشراط الساعة وعلاماتها وقد قسمها العلماء رحمهم الله تعالى إلى قسمين:

1 -

علامات صغرى.

2 -

علامات كبرى.

وقد تناول ابن رجب رحمه الله تعالى جملة من أشراط الساعة وعلاماتها الصغرى والكبرى في ثنايا مؤلفاته، وسأذكر أمثلة لكل قسم مع ذكر كلام ابن رجب رحمه الله تعالى في ذلك:

أولًا: العلامات الصغرى:

1 -

بعثة النبيّ صلى الله عليه وسلم:

أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن بعثته دليل على قرب قيام الساعة كما جاء في حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله وحده لا شريك له

"

(2)

الحديث.

وكما في حديث سهل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين وأشار بأصبعيه السبابة والوسطى"

(3)

.

قال ابن رجب رحمه الله تعالى شارحًا للحديث الأول: قوله صلى الله عليه وسلم: "بين يدي الساعة" يعني أمامها، ومراده أنه بعث قدام الساعة قريبًا منها،

(1)

فتح الباري لابن حجر (13/ 79).

(2)

تقدم تخريجه (ص 571).

(3)

تقدم تخريجه (ص 657).

ص: 658

ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم الحاشر، والعاقب كما صح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:"أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمي، والعاقب الذي ليس بعدي نبي "

(1)

وخرج الإمام أحمد من حديث بريدة: "بعثت أنا والساعة جميعًا إن كادت تسبقني"

(2)

.

وللترمذي: "بعثت في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه هذه -لأصبعيه السبابة والوسطى- ليس بينهما أصبع أخرى"

(3)

.

والصحيح أنه يدلّ من ذلك على القرب من الساعة، ومما يدلّ على أن بعثة محمد صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة أنه أخبر عن خروج الدجال في حديث الجساسة"

(4)

ا. هـ

(5)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا شارحًا للحديث الثاني: وقد فسر قوله صلى الله عليه وسلم: "بعثت أنا والساعة كهاتين" فقرن بين السبابة والوسطى بقرب زمانه من الساعة كقرب السبابة من الوسطى وبأن زمن بعثته يعقبه الساعة من غير تخلل نبي آخر بينه وبين الساعة كما قال في الحديث الصحيح:

(1)

أخرجه البخاري: كتاب المناقب، باب ما جاء في أسماء رسول الله صلى الله عليه وسلم (4/ 162) ومسلم: كتاب الفضائل، باب في أسمائه صلى الله عليه وسلم (4/ 1828).

(2)

أخرجه أحمد (5/ 348).

(3)

أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، باب قول النبيّ صلى الله عليه وسلم:"بعثت أنا والساعة كهاتين"(4/ 496).

(4)

حديث الجساسة حديث طويل أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب قصة الجساسة (4/ 2261). والجساسة: هي دابة كثيرة الشعر حتى إنه لا يعرف قبلها من دبرها من كثرة شعرها كما جاء وصفها في هذا الحديث، وسميت بالجساسة لأنها تجس الأخبار للدجال.

النهاية لابن الأثير (1/ 272).

(5)

الحكم الجديرة بالإذاعة (ص 19 - 21).

ص: 659

"أنا الحاشر يحشر الناس على قدمي، وأنا العاقب، فالحاشر الذي يحشر الناس لبعثهم يوم القيامة على قدمه يعني أن بعثهم وحشرهم يكون عقب رسالته، فهو مبعوث بالرسالة وعقيبه يجمع الناس لحشرهم، والعاقب الذي جاء عقيب الأنبياء كلهم وليس بعده نبي، فكان إرساله صلى الله عليه وسلم من علامات الساعة"

(1)

ا. هـ.

2 -

ظهور الفتن:

أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أن من أشراط الساعة ظهور الفتن العظيمة التي يلتبس فيها الحق بالباطل حتى إنه من شدة الفتن يتزلزل الإيمان فيصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا كما جاء ذلك في أحاديث كثيرة، منها حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"تكون بين يدي الساعة فتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أقوام دينهم بعرض من الدنيا"

(2)

.

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "بادروا بالأعمال فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع دينه بعرض من الدنيا"

(3)

.

ومنها حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن بين يدي الساعة فتنًا كقطع الليل المظلم يصبح

(1)

فتح الباري (3/ 147، 148).

(2)

أخرجه الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء ستكون فتن كقطع الليل المظلم (4/ 487) والحاكم (4/ 438) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب الحث على المبادرة بالأعمال قبل تظاهر الفتن (1/ 110).

ص: 660

الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا القاعد فيها خير من القائم والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، فَكَسِّروا قِسيَّكم، وقطِّعوا أوتاركم، واضربوا بسيوفكم الحجارة، فإن دُخل على أحدكم، فليكن كخير ابني آدم"

(1)

.

إلى غير ذلك من الأحاديث التي تشير إلى وقوع الفتن العظيمة والتي من شدتها بأن المؤمن يمر بصاحب القبر ويتمنى أنه مكانه كما جاء في حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "والذي نفسي بيده لا تذهب الدنيا حتى يمر الرجل على القبر فيتمرغ عليه ويقول: يا ليتني كنت مكان صاحب هذا القبر، وليس به الدِّين إلا البلاء"

(2)

.

وقد حذر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم أمته من الفتن وأمر بالتعوذ منها فقال صلى الله عليه وسلم: "تعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن"

(3)

نعوذ بالله العظيم من الفتن ما ظهر منها وما بطن.

وقد أخبرنا الرسول صلى الله عليه وسلم أنه لا عاصم من الفتن إلا الإيمان بالله عز وجل ولزوم جماعة المسلمين وهم أهل السنة والجماعة الذين يسيرون على نهج الكتاب والسنة وإن كانوا قلة ففي صحيح البخاري عن حذيفة قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا

(1)

أخرجه أحمد (4/ 408) وأبو داود: كتاب الفتن والملاحم، باب ذكر الفتن (4/ 457) وابن ماجه: كتاب الفتن، باب التثبت في الفتنة (2/ 1310) والحاكم (4/ 440) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

(2)

أخرجه مسلم: كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل (4/ 2231).

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب عرض مقعد الميت عليه وإثبات عذاب القبر والتعوذ منه (17/ 203).

ص: 661

الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم، قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن، قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هدي، تعرف منهم وتنكر، قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم قذفوه فيها، قلت: يا رسول الله: صفهم لنا؟ قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا، قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك"

(1)

.

وقد تكلم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذه العلامة من علامات الساعة وبين أن أول ما ظهر من الفتن بعد قتل عمر ثم عثمان رضي الله عنهما وما تلى ذلك من الفتن في الدين كظهور الخوارج على علي رضي الله عنه وفتنة الروافض وفتنة القول بخلق القرآن وغيرها من الفتن العظيمة التي كانت سببًا في تفرق المسلمين وظهور الشر العظيم فقال رحمه الله تعالى: قوله صلى الله عليه وسلم: "وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون"

(2)

المقصود بهذا الدعاء سلامة العبد من فتن الدنيا مدة حياته فإن قدر الله عز وجل على عباده فتنة قبض عبده إليه قبل وقوعها، وهذا من أهم الأدعية، فإن المؤمن إذا عاش سليمًا من الفتن ثم قبضه الله تعالى إليه قبل وقوعها وحصول الناس فيها كان في ذلك نجاة له من الشر كله، وقد أمر النبيّ صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يتعوذوا بالله من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وفي حديث آخر:"وجنبنا الفواحش ما ظهر منها وما بطن"

(3)

، وكان يخص

(1)

تقدم تخريجه (ص 387).

(2)

هذا قطعة من حديث سبق تخريجه (ص 344).

(3)

أخرجه أبو داود: كتاب الصلاة، باب التشهد (1/ 592) والحاكم (1/ 265) وقال: هذا حديث صحيح.

ص: 662

بعض الفتن العظيمة بالذكر، وكان يتعوذ بالله في صلاته من أربع ويأمر بالتعوذ منها:"أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال"

(1)

ففتنة المحيا تدخل فيها فتن الدين والدنيا كلها كالكفر والبدع والفسوق والعصيان، وفتنة الممات يدخل فيها سوء الخاتمة، وفتنة الملكين في القبر، فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال، ثم خص فتنة الدجال بالذكر لعظيم موقعها، فإنه لم يكن في الدنيا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها، وكلما قرب الزمان من الساعة كثرت الفتن.

وفي حديث معاوية عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إنه لم يبق من الدنيا إلا بلاء وفتنة"

(2)

.

وأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الفتن كقطع الليل المظلم، يصبح الرجل فيها مؤمنًا ويمسي كافرًا، ويمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا يبيع دينه بعرض من الدنيا.

وكان أول هذه الفتن ما حدث بعد مقتل عمر رضي الله عنه، ونشأ من تلك الفتن مقتل عثمان رضي الله عنه، وما ترتب عليه من إراقة الدماء، وتفرق القلوب وظهور الفتن في الدين كبدع الخوارج المارقين، وإظهارهم ما أظهروا، ثم ظهور بدع أهل القدر والرفض ونحوهم، وهذه هي الفتنة التي تموج كموج البحر المذكورة في حديث حذيفة

(3)

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب التعوذ من عذاب القبر (3/ 192) ومسلم: كتاب المساجد، باب ما يستعاذ منه في الصلاة (4/ 412).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 94) وابن ماجه: كتاب الفتن، باب شدة الزمان (2/ 1339). وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 95): إسناده صحيح ورجاله ثقات.

(3)

يقصد ابن رجب رحمه الله تعالى بهذا الحديث الذي أخرجه البخاري: كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة (1/ 133)، ومسلم: كتاب الفتن، باب في =

ص: 663

رضي الله عنه المشهور حين سأله عنها عمر رضي الله عنه، وكان حذيفة رضي الله عنه من أكثر الناس سؤالًا للنبي صلى الله عليه وسلم عن الفتن خوفًا من الوقوع فيها، ولما حضره الموت قال:"حبيب جاء على فاقة، لا أفلح من ندم، الحمد لله الذي سبقت بي الفتنة قادتها وعُلُوجها"

(1)

وكان موته قبل قتل عثمان رضي الله عنه بنحو أربعين يومًا، وقيل: بل مات بعد قتل عثمان وكان في تلك الأيام رجل من الصحابة نائمًا فأتاه آت في منامه، فقال له: قم فاسأل الله أن يعيذك من الفتنة التي أعاذ منها صالح عباده، فقام فتوضأ وصلى، ثم اشتكى ومات بعد قليل.

وقد روي عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال لرجل: "إذا مت أنا وأبو بكر وعمر وعثمان، فإن استطعت أن تموت فمت"

(2)

وهذه إشارة إلى هذه

= الفتنة التي تموج كموج البحر (4/ 2218) عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: كنا عند عمر، فقال: أيكم يحفظ حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة؟ فقلت: أنا أحفظه كما قال، قال: هات، إنك لجريء، وكيف قال؟ قلت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "فتنة الرجل في أهله وماله ونفسه وولده وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فقال عمر: ليس هذا أريد، إنما أريد التي تموج كموج البحر، قال: قلت: ما لك ولها يا أمير المؤمنين؟ إن بينك وبينها بابًا مغلقًا، قال: فيكسر الباب أو يفتح؟ قال: قلت: لا بل يكسر، قال: ذاك أحرى أن لا يغلق أبدًا، قال: فقلنا لحذيفة: هل كان عمر يعلم من الباب؟ قال: نعم كما يعلم أن دون غد الليلة، إني حدثته حديثًا ليس بالأغاليط، قال: فهبنا أن نسأل حذيفة: من الباب؟ فقلنا لمسروق: سله فسأله فقال: عمر".

(1)

أخرجه أبو نعيم في الحلية (1/ 282) وذكره الحافظ الذهبي في ترجمة حذيفة في سير أعلام النبلاء (2/ 368) وذكره أيضًا صاحب كنز العمال (13/ 346) وعزاه لابن عساكر.

والعُلُوج: جمع عِلْج، وهو الرجل من كفار العجم وغيرهم.

النهاية لابن الأثير (3/ 286).

(2)

أخرجه ابن حبان في المجروحين (1/ 345) وابن عدي في الكامل (3/ 1175) =

ص: 664

الفتن التي وقعت بمقتل عثمان رضي الله عنه. . . إلى أن قال رحمه الله: "ثم إن المؤمن لابد أن يفتن بشيء من الفتن المؤلمة الشاقة عليه ليمتحن إيمانه كما قال الله تعالى: {الم (1) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ (2)}

(1)

.

ولكن الله يلطف بعباده المؤمنين في هذه الفتنة، ويصبرهم عليها ويثيبهم فيها، ولا يلقيهم في فتنة مضلة مهلكة، تذهب بدينهم، بل تمر عليهم وهم منها في عافية. . . والفتن الصغار التي يبتلى بها المرء في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الطاعات من الصلاة والصيام والصدقة.

كذا جاء في حديث حذيفة

(2)

رضي الله عنه. . . وأما الفتن المضلة التي يخشى منها فساد الدين فهي التي يستعاذ منها ويسأل الموت قبلها،

= والعقيلي في الضعفاء الكبير (2/ 165) كلهم في ترجمة سلم بن ميمون الخواص قال ابن حبان فيه: غلب عليه الصلاح حتى غفل عن حفظ الحديث واتقانه فربما ذكر الشيء بعد الشيء ويقلبه توهمًا لا تعمدًا فبطل الاحتجاج بما يروي إذا لم يوافق الثقات.

وقال ابن عدي: ولسلم غير ما ذكرت أحاديث مقلوبة الإسناد والمتن وهو في عداد المتصوفة الكبار، وليس الحديث من عمله، ولعله كان يقصد أن يصيب، فيخطىء في الإسناد والمتن لأنه لم يكن عمله.

وقال العقيلي: حديث بمناكير لا يتابع عليها.

وقال أبو حاتم في الجرح والتعديل (4/ 284): أدركته ولم أكتب عنه، روى عن أبي خالد الأحمر حديثًا منكرًا شبه الموضوع.

قلت: ولعله هذا الحديث لأنه من روايته عن أبي خالد الأحمر.

ولمزيد من الإيضاح انظر: ترجمة سلم بن ميمون الخواص في ميزان الاعتدال (2/ 189) ولسان الميزان (3/ 66).

(1)

سورة العنكبوت آية (1 - 2).

(2)

سبق ذكر هذا الحديث وتخريجه (ص 387).

ص: 665

فمن مات قبل وقوعه في شيء من هذه الفتن فقد حفظه الله تعالى وحماه

(1)

.

3 -

انشقاق القمر:

جاء في أحاديث صحيحة أن القمر قد انشق في زمن النبيّ صلى الله عليه وسلم منها حديث أنس رضي الله عنه: "أن أهل مكة سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يريهم آية فأراهم انشقاق القمر"

(2)

.

ومنها حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فلقتين فستر الجبل فلقة، وكانت فلقة فوق الجبل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اللهم اشهد"

(3)

.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى أن انشقاق القمر من علامات الساعة حيث قال: "وقد جعل الله انشقاق القمر من علامات اقتراب الساعة كما قال تعالى: {اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ (1)}

(4)

، وكان انشقاقه بمكة قبل الهجرة

(5)

.

4 -

ظهور نار بالحجاز:

وردت أحاديث عن النبيّ صلى الله عليه وسلم تذكر أن نارًا عظيمة تخرج في أرض الحجاز تشاهد أعناق الإبل ببُصرى

(6)

في ضوئها.

(1)

اختيار الأولى (ص 104 - 112).

(2)

و

(3)

أخرجهما مسلم: كتاب صفات المنافقين وأحكامهم، باب انشقاق القمر (4/ 2159).

(4)

سورة القمر آية (1).

(5)

الحكم الجديرة بالإذاعة (ص 19).

(6)

بُصرى: بضم الباء آخرها ألف مقصورة، مدينة معروفة بالشام ويقال لها: حوران وبينها وبين دمشق ثلاث مراحل، فتحها المسلمون سنة 13 هـ.

معجم البلدان (1/ 441) وشرح مسلم للنووي (18/ 30) وفتح الباري (13/ 80).

ص: 666

قال النووي رحمه الله تعالى: "خرجت في زماننا نار بالمدينة سنة أربع وخمسين وستمائة وكانت نارًا عظيمة جدًا من جنب المدينة الشرقي وراء الحرة، تواتر العلم بها عند جميع الشام وسائر البلدان، وأخبرني من حضرها من أهل المدينة"

(1)

ا. هـ.

وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى هذه النار وإلى بعض ما ورد فيها من الأحاديث فقال: "وقد ثبت في الصحيحين عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى"

(2)

، وقد خرجت هذه النار بالحجاز بقرب المدينة ورؤيت أعناق الإبل من ضوئها ببصرى في سنة أربع وخمسين وستمائة"

(3)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "

وأخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء لها أعناق الإبل ببصرى.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى"

(4)

.

وهذه النار خرجت من وادي بقرب مدينة النبيّ صلى الله عليه وسلم سنة أربع وخمسين وستمائة، واشتهر أمرها، وشوهد من ضوئها بالليل أعناق الإبل ببصرى واستفاض

(5)

.

(1)

شرح مسلم للنووي (18/ 28).

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب خروج النار (8/ 100) ومسلم: كتاب الفتن، باب لا تقوم الساعة حتى تخرج النار من أرض الحجاز (4/ 2227).

(3)

لطائف المعارف (ص 90).

(4)

تقدم تخريجه.

(5)

فضائل الشام ورقة (28/ ب).

ص: 667

5 -

ولادة الأمة لربتها وتطاول الحفاة العراة في البنيان:

جاء في حديث جبريل أن جبريل عليه السلام سأل النبيّ صلى الله عليه وسلم عن الساعة فقال عليه الصلاة والسلام: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل، قال: فأخبرني عن أماراتها، قال: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان"

(1)

.

وفي رواية عند الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جبريل عليه السلام قال للنبي صلى الله عليه وسلم "فحدثني متى الساعة؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم سبحان الله في خمس من الغيب لا يعلمهن إلا هو

ولكن إن شئت حدثتك بمعالم لها دون ذلك" قال: أجل يا رسول الله فحدثني، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الأمة ولدت ربتها أو ربها ورأيت أصحاب الشاء تطاولوا بالبنيان ورأيت الحفاة الجياع العالة كانوا رؤوس الناس فذلك من معالم الساعة وأشراطها" قال: يا رسول الله ومن أصحاب الشاء والحفاة الجياع العالة؟ قال: "العرب"

(2)

.

وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى هاتين العلامتين في شرحه لحديث جبريل فقال: "وقد ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم للساعة علامتين:

الأولى: "أن تلد الأمة ربتها" والمراد بربتها سيدتها ومالكتها وفي حديث

(3)

أبي هريرة رضي الله عنه "ربها" وهذه إشارة إلى فتح البلاد وكثرة جلب الرقيق حتى تكثر السراري وتكثر أولادهن، فتكون الأمة رقيقة

(1)

حديث جبريل تقدم تخريجه (ص 528).

(2)

مسند أحمد (4/ 332) حديث رقم (2926) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح.

(3)

حديث أبي هريرة هو إحدى روايات الحديث المعروف بحديث جبريل وفيه يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "إذا رأيت الأمة تلد ربها فذاك من أشراطها، واذا رأيت الحفاة العراة الصم البكم ملوك الأرض فذاك من أشراطها واذا رأيت رعاء البهم يتطاولون في البنيان فذاك من أشراطها

" الحديث.

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب بيان الإسلام والإيمان والإحسان

(1/ 40).

ص: 668

لسيدها، وأولاده منها بمنزلته، فإن ولد السيد بمنزلة السيد فيصير ولد الأمة بمنزلة ربها وسيدها

والعلامة الثانية: "أن ترى الحفاة العراة العالة" والمراد بالعالة الفقراء كقوله تعالى: {وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى (8)}

(1)

.

وقوله: "رعاء الشاء يتطاولون في البنيان" هكذا في حديث عمر رضي الله عنه، والمراد أن أسافل الناس يصيرون رؤساءهم، وتكثر أموالهم حتى يتباهون بطول البنيان وزخرفته وإتقانه.

وفي حديث

(2)

أبي هريرة رضي الله عنه ذكر ثلاث علامات:

منها: أن تكون الحفاة العراء رؤساء الناس.

ومنها: أن يتطاول رعاة البهم في البنيان

فإنه إذا صار الحفاة العراة رعاء الشاء وهم أهل الجهل والجفاء رؤساء الناس وأصحاب الثروة والأموال حتى يتطاولوا في البنيان فإنه يفسد بذلك نظام الدين والدنيا فإنه إذا كان رؤوس الناس من كان فقيرًا عائلًا فصار ملكًا على الناس سواء كان ملكه عامًا أو خاصًا في بعض الأشياء فإنه لا يكاد يعطي الناس حقوقهم بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال

وإذا كان مع هذا جاهلًا جافيًا فسد بذلك الدين لأنه لا يكون له همة في إصلاح دين الناس، ولا تعليمهم بل همته في حيازة المال وإكثاره، ولا يبالي بما أفسد من دين الناس ولا بمن أضاع من أهل حاجاتهم

وإذا كان ملوك الناس ورؤوسهم على هذه الحال انعكست سائر الأحوال فصدق الكاذب، وكذب الصادق، وائتمن الخائن، وخون الأمين، وتكلم الجاهل، وسكت العالم أو عدم بالكلية كما صح عن النبيّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن من أشراط

(1)

سورة الضحى آية (7).

(2)

تقدم تخريجه (ص 668).

ص: 669

الساعة أن يرفع العلم ويثبت الجهل"

(1)

.

وأخبر "أنه يقبض العلم بموت العلماء حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤساء جهالًا فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا"

(2)

.

وفي صحيح الحاكم عن عبد الله بن عمر مرفوعًا: "إن من أشراط الساعة أن توضع الأخيار وترفع الأشرار"

(3)

.

وفي قوله: "يتطاولون في البنيان" دليل على ذم التباهي والتفاخر خصوصًا بالتطاول في البنيان ولم يكن إطالة البناء معروفًا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم بل كان بنيانهم بقدر الحاجة.

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان" خرجه البخاري

(4)

(5)

.

6 -

خراب البيت ورفع القرآن وبعث ريح طيبة لقبض أرواح المؤمنين:

روى الإمام أحمد بسنده عن سعيد بن سمعان

(6)

قال: سمعت أبا

(1)

أخرجه البخاري: كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل (1/ 28) ومسلم: كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل والفتن في آخر الزمان (4/ 2056).

(2)

تقدم تخريجه (ص 456).

(3)

مستدرك الحاكم (4/ 554) وفيه: "أن ترفع الأشرار وتوضع الأخيار" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

(4)

صحيح البخاري: كتاب الفتن (8/ 101).

(5)

جامع العلوم والحكم (1/ 94 - 99).

(6)

سعيد بن سمعان الأنصاري الزرقي، قال العجلي: مدني تابعي ثقة، وقال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في الثقات.

تاريخ الثقات (ص 185) والثقات لابن حبان (4/ 278) وتهذيب التهذيب (4/ 45).

ص: 670

هريرة يخبر أبا قتادة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يبايع لرجل ما بين الركن والمقام ولن يستحل البيت إلا أهله، فإذا استحلوه فلا يسأل عن هلكة العرب ثم تأتي الحبشة فيخربونه خرابًا لا يعمر بعده أبدًا وهم الذين يستخرجون كنزه"

(1)

.

وعن عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "يخرب الكعبة ذو السُّوَيْقَتين

(2)

من الحبشة، ويسلبها حليتها ويجردها من كسوتها ولكأني أنظر إليه أصيلع

(3)

أفيدع

(4)

يضرب عليها بمسحاته

(5)

ومعوله"

(6)

(7)

.

وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يدرس الإسلام كما يدرس وشي الثوب حتى لا يدرى ما صيام ولا صلاة ولا نسك ولا صدقة، وليسرى على كتاب الله في ليلة، فلا يبقى

(1)

أخرجه الحاكم (4/ 453) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد.

وقال الهيثمي في المجمع (3/ 298): رواه أحمد ورجاله ثقات.

(2)

ذو السُّوَيقتين قال ابن الأثير: السويقة تصغير ساق وهي مؤنثة فلذلك ظهرت التاء في تصغيرها، وإنما صغر الساق لأن الغالب على سوق الحبشة الدقة والحموشة. النهاية لابن الأثير (2/ 423).

(3)

أصيلع: هو تصغير الأصلع، وهو الذي انحسر الشعر عن رأسه. النهاية لابن الأثير (3/ 47).

(4)

أفيدع: تصغير أفدع والفدع بالتحريك زيغ بين القدم وبين عظم الساق، وكذلك يكون في اليد وهو أن تزول المفاصل عن أماكنها.

النهاية لابن الأثير (3/ 420).

(5)

المسحاة هي المجرفة من الحديد.

النهاية لابن الأثير (4/ 428).

(6)

المعول: الفأس العظيم التي ينقر بها الصخر.

النهاية لابن الأثير (4/ 344).

(7)

أخرجه أحمد (2/ 220) وقال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم (1/ 204): وهذا إسناد جيد قوي.

ص: 671

في الأرض منه آية، وتبقى طوائف الناس الشيخ الكبير والعجوز ويقولون: أدركنا آباءنا على هذه الكلمة "لا إله إلا الله" فنحن نقولها

(1)

.

وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يخرج الدجال فذكر الحديث وفيه: "فيبعث الله عيسى بن مريم كأنه عروة بن مسعود فيطلبه فيهلكه، ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحًا باردة من قبل الشام فلا يبقى على وجه الأرض أحد في قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلَّا قبضته حتى لو أن أحدكم دخل في كبد جبل لدخلته عليه حتى تقبضه"

(2)

.

وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليحجن هذا البيت وليعتمرن بعد خروج يأجوج ومأجوج"

(3)

.

وعنه رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت"

(4)

.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "ولا منافاة بين الروايتين لأن الكعبة يحجها الناس ويعتمرون بها بعد خروج يأجوج ومأجوج وهلاكهم وطمأنينة الناس وكثرة أرزاقهم في زمان المسيح عليه السلام، ثم يبعث الله ريحًا طيبة فيقبض بها روح كل مؤمن، ويتوفى نبي الله عيسى

(1)

أخرجه ابن ماجه: كتاب الفتن، باب ذهاب القرآن والعلم (2/ 1345) وقال البوصيري في مصباح الزجاجة (4/ 195): إسناده صحيح، رجاله ثقات.

وأخرجه الحاكم (4/ 473) وقال: صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي.

(2)

أخرجه مسلم: كتاب الفتن (4/ 2259).

(3)

أخرجه البخاري: كتاب الحج (2/ 159).

(4)

أخرجه الحاكم (4/ 453) وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه، وقال الألباني: حديث صحيح.

صحيح الجامع (2/ 1237).

ص: 672

عليه السلام ويصلي عليه المسلمون

ثم يكون خراب الكعبة على يدي ذي السُّوَيْقَتين بعد هذا"

(1)

ا. هـ.

وقد يقال إن الأحاديث التي فيها استحلال البيت وهدم الكعبة وخرابها تخالف قوله تعالى: {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ}

(2)

.

وقد حبس الله سبحانه وتعالى عن مكة الفيل، ولم يمكن أصحابه من تخريب الكعبة وهي لم تكن آنذاك قبلة، فكيف يسلط عليها الحبشة بعد أن صارت قبلة المسلمين؟

فالجواب على ذلك أن يقال: إن الله سبحانه وتعالى جعل الكعبة البيت الحرام آمنًا إلى قرب قيام الساعة، وخراب الدنيا حينما لا يبقى في الأرض من يقول الله كما جاء في حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"لا تقوم الساعة حتى لا يقال في الأرض: الله الله"

(3)

. وليس في الآية ما يدل على استمرار الأمن المذكور فيها، وقد حدث القتال في مكة مرات عديدة وأعظم قتال وقع ما حصل من القرامطة

(4)

في القرن الرابع الهجري

(1)

النهاية في الفتن والملاحم (1/ 203، 204).

(2)

سورة العنكبوت آية (67).

(3)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب ذهاب الإيمان آخر الزمان (1/ 131).

(4)

القرامطة: هم طائفة من الباطنية أتباع حمدان القرمطي، رجل من أهل الكوفة دعا الناس إلى المذهب الباطني فضلّ بسببه خلق كثير وكان أول ظهورهم في عام 281 هـ في خلافة المعتضد، ولهم أعمال شنيعة مخزية، وأعظمها ما وقع منهم سنة 317 هـ حيث هاجموا الحجاج وقتلوا المسلمين في الحرم واستباحوا دماءهم وأموالهم وهدموا قبة زمزم وقلعوا باب الكعبة والحجر الأسود ونقلوه إلى بلادهم ومكث عندهم اثنتان وعشرون سنة حتى أعيد سنة 339 هـ على يد أبي إسحاق إبراهيم بن محمد المزكي النيسابوري رحمه الله تعالى.

اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 79) ومقالات الإسلاميين (1/ 100) والبداية والنهاية (11/ 250).

ص: 673

حيث قتلوا من المسلمين في المطاف من لا يحصى وقلعوا الحجر الأسود ونقلوه إلى بلادهم، وفعلوا الأفاعيل المخزية في الحرم، وقد أعيد الحجر بعد ذلك، كل هذا لا يعارض الآية لأن ذلك إنما وقع بأيدي المنتسبين إلى الإسلام، فهو موافق لقوله صلى الله عليه وسلم:"لن يستحل هذا البيت إلا أهله"

(1)

فوقع ما أخبر به النبيّ صلى الله عليه وسلم، وهو من علامات نبوته عليه الصلاة والسلام

(2)

.

وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى العلامات الواردة في الأحاديث السابقة فقال: "وقد أخبر النبيّ صلى الله عليه وسلم أن هذا البيت يحج ويعتمر بعد خروج يأجوج ومأجوج، ولا يزال كذلك حتى تخربه الحبشة ويلقون حجارته في البحر، وذلك بعد أن يبعث الله ريحًا طيبة تقبض أرواح المؤمنين كلهم فلا يبقى على الأرض مؤمن، ويسري بالقرآن من الصدور والمصاحف فلا يبقى في الأرض قرآن ولا إيمان ولا شيء من الخير فبعد ذلك تقوم الساعة ولا تقوم إلا على شرار الناس"

(3)

ا. هـ.

ثانيًا: العلامات الكبرى:

1 -

طلوع الشمس من مغربها:

طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى كما هو ثابت بالكتاب والسنة.

وطلوع الشمس من مغربها من الآيات العظام التي تحدث على خلاف ما نعهده الآن من طلوعها من المشرق، وذلك بقدرة القدير الذي

(1)

جزء من حديث تقدم تخريجه (ص 671).

(2)

انظر: شرح مسلم للنووي (18/ 35) وفتح الباري (3/ 461، 462) و (4/ 341).

(3)

لطائف المعارف (ص 97).

ص: 674

يقول للشيء كن فيكون، فالذي أطلعها من المشرق قادر على تغيير مسارها وإخراجها من المغرب فهو خالقها ومدبر أمرها سبحانه وتعالى.

وقد ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى بعض نصوص الكتاب والسنة الواردة في طلوع الشمس من مغربها في معرض ذكره لأحاديث أشراط الساعة فقال: "وبعض هذه الأمور العامة لا ينفع بعدها عمل كما قال تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا}

(1)

.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا طلعت ورآها الناس آمنوا أجمعون فذلك حين لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا"

(2)

.

وفي صحيح مسلم عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "ثلاث إذا خرجن لم ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرًا: طلوع الشمس من مغربها والدجال، ودابة الأرض"

(3)

.

وفيه أيضًا عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه"

(4)

.

وعن أبي موسى عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء النهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب مسيء

(1)

سورة الأنعام آية (158).

(2)

صحيح البخاري: كتاب الرقاق (7/ 191) وصحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (1/ 138).

(3)

صحيح مسلم: كتاب الإيمان، باب الزمن الذي لا يقبل فيه الإيمان (1/ 139).

(4)

صحيح مسلم: كتاب الذكر والدعاء والتوبة والذكر (4/ 2076).

ص: 675

الليل حتى تطلع الشمس من مغربها"

(1)

.

وخرج الإمام أحمد والنسائي والترمذي وابن ماجه من حديث صفوان بن عسال عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "إن الله فتح بابًا قبل المغرب، عرضه سبعون عامًا للتوبة لا يغلق حتى تطلع الشمس منه"

(2)

.

وفي المسند عن عبد الرحمن بن عوف عن عبد الله بن عمر ومعاوية عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم قال: "لا تزال التوبة مقبولة حتى تطلع الشمس من المغرب، فإذا طلعت طبع على كل قلب بما فيه وكفى الناس العمل"

(3)

.

فالواجب على المؤمن المبادرة بالأعمال الصالحة قبل أن لا يقدر عليها، ويحال بينها وبينه، إما بمرض أو موت أو بأن يدركه بعض هذه الآيات التي لا يقبل معها عمل

(4)

.

(1)

أخرجه مسلم: كتاب التوبة، باب قبول التوبة من الذنوب وإن تكررت الذنوب والتوبة (4/ 2113).

(2)

أخرجه أحمد (4/ 240) والترمذي: كتاب الدعوات، باب فضل التوبة والاستغفار وما ذكر من رحمة الله لعباده (5/ 546) وقال: هذا حديث حسن صحيح. وابن ماجه: كتاب الفتن، باب طلوع الشمس من مغربها (2/ 1353) والطبراني في الكبير (8/ 67) وقال الألباني: حديث حسن.

صحيح الجامع (1/ 443).

(3)

أخرجه أحمد (3/ 133) حديث رقم (1671) وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح. وقال ابن كثير في النهاية في الفتن والملاحم (1/ 221): وهذا إسناد جيد قوي. وأخرجه البزار كما في كشف الأستار (2/ 304) والطبراني في المعجم الأوسط (1/ 69) والكبير (19/ 381) وقال الهيثمي في المجمع (5/ 250): رواه أحمد والطبراني في الأوسط والصغير .. والبزار .. ورجال أحمد ثقات ولم أجده في المعجم الصغير للطبراني المطبوع.

(4)

جامع العلوم والحكم (3/ 215، 216).

ص: 676

فقد دلت الأحاديث السابقة التي ساقها ابن رجب رحمه الله تعالى على أن طلوع الشمس من مغربها من علامات الساعة الكبرى وأن المراد ببعض آيات الله في الآية هو طلوع الشمس من مغربها كما دلّ على ذلك حديث الصحيحين، ففي ذلك الوقت لا ينفع نفسًا إيمانها إن لم تكن آمنت قبل، لأن باب التوبة مغلق فلا يقبل توبة أحد، فمن أحدث توبة بعد هذا الوقت فتوبته مردودة عليه.

قال ابن كثير رحمه الله تعالى بعد أن ساق بعض الأحاديث السابقة: فهذه الأحاديث المتواترة مع الآية الكريمة دليل على أن من أحدث إيمانًا أو توبة بعد طلوع الشمس من مغربها لا يقبل منه، وإنما كذلك -والله أعلم- لأن ذلك من أكبر أشراط الساعة وعلاماتها الدالة على اقترابها ودنوها، فعومل ذلك معاملة يوم القيامة

(1)

.

2 -

فتنة المسيح الدجال:

فتنة المسيح الدجال إحدى أشراط الساعة الكبرى، وفتنته من أعظم الفتن والمحن التي تمر على الناس.

وسمى مسيحًا لأن إحدى عينيه ممسوحة أو لأنه يمسح الأرض في أربعين يومًا

(2)

.

وهو مسيح الضلالة يفتن الناس بما يعطاه من الآيات كإنزال المطر وإحياء الأرض، وبما يظهر على يديه من عجائب وخوارق للعادات.

أما مسيح الهدى فهو عيسى عليه السلام حيث يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله.

(1)

النهاية في الفتن والملاحم (1/ 222).

(2)

انظر: النهاية لابن الأثير (4/ 326) ولسان العرب (2/ 594).

ص: 677

فالله سبحانه وتعالى خلق مسيحين أحدهما ضد الآخر.

وسمي الدجال دجالًا لأنه يغطي الحق بالباطل أو لأنه يغطي على الناس كفره بكذبه وتلبيسه وتمويهه عليهم

(1)

. ولفظة الدجال أصبحت علمًا على المسيح الأعور الكذاب، فإذا قيل الدجال فلا يتبادر إلى الذهن غيره.

وقد تواترت الأحاديث الصحيحة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في ذكر خروج الدجال في آخر الزمان، والتحذير منه حيث أنه صلى الله عليه وسلم وصفه لأمته وصفًا لا يخفى على ذي بصر كما حذر منه الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قبله أممهم وصفوه لهم أوصافًا ظاهرة.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما بعث نبي إلا وقد أنذر أمته الأعور الكذاب ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، ومكتوب بين عينيه ك. ف. ر"

(2)

.

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في الناس فأثنى على الله بما هو أهله، ثم ذكر الدجال فقال:"إني لأنذركموه، وما من نبي إلا وقد أنذره قومه ولكني سأقول لكم فيه قولًا لم يقله نبي لقومه إنه أعور وإن الله ليس بأعور"

(3)

.

وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ألا أخبركم عن الدجال حديثًا ما حدثه نبي قومه؟ إنه أعور، وإنه يجيء معه مثل الجنة والنَّار، فالتي

(1)

انظر: فتح الباري لابن حجر (11/ 91).

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال (8/ 103)، ومسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال (4/ 2248).

(3)

أخرجه البخاري: كتاب الفتن، باب ذكر الدجال (8/ 102).

ص: 678

يقول إنها الجنة هي النار وإني أنذرتكم به كما أنذر به نوح قومه"

(1)

.

وعن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة فخفض فيه ورفع حتى ظنناه في طائفة النخل فلما رُحْنا إليه عرف ذلك فينا فقال: "ما شأنكم؟ " قلنا: يا رسول الله ذكرت الدجال غداة، فخفضت فيه ورفعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال: "غير الدجال أَخْوَفُنِي عليكم إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤ حجيج نفسه والله خليفتي على كل مسلم إنه شاب قَطَط

(2)

عينه طافئة كأني أشبهه بعبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، إنه خارج خَلَّةً بين الشام والعراق

(3)

، فعاث يمينًا وعاث شمالًا يا عباد الله فاثبتوا" قلنا: يا رسول الله وما لبثه في الأرض؟ قال: "أربعون يوما، يوم كسنة ويوم كشهر ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم" قلنا: يا رسول الله فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: "لا، اقدروا له قدره" قلنا: يا رسول الله وما إسراعه في الأرض؟ قال: "كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم

(4)

أطول ما كانت

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال (4/ 2250).

(2)

قطط: أي شديد جعودة الشعر.

النهاية لابن الأثير (4/ 81).

(3)

خلة بين الشام، والعراق: أي في طريق بينهما، وقيل للطريق والسبيل خلة لأنه خل ما بين البلدين: أي أخذ مخيط ما بينهما ورواه بعضهم بالحاء المهملة من الحلول: أي سمت ذلك وقبالته.

النهاية لابن الأثير (2/ 73، 74).

(4)

"فتروح عليهم سارحتهم" تروح ترجع آخر النهار، والسارحة هي الماشية التي تسرح أي تذهب أول النهار إلى المرعى.

النهاية لابن الأثير (2/ 357).

ص: 679

ذُرًا

(1)

وأسبغه ضروعًا وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين

(2)

ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل

(3)

ثم يدعو رجلًا ممتلئًا شبابا فيضربه بالسيف فيقطعه جَزلتين

(4)

رمية الغرض

(5)

ثم يدعوه فيقبل ويتهلل وجهه يضحك فبينما هو كذلك إذ بعث الله المسيح ابن مريم فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين

(6)

، واضعًا كفيه على أجنحة ملكين إذا طاطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان

(7)

كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا

(1)

ذرا: الذرى جمع ذروة بضم الذال وكسرها، وذروة الشيء أعلاه، والذرى الأعالي والأسنمة.

لسان العرب (14/ 284).

(2)

ممحلين: المحل على وزن فحل: القحط والجدب، يقال: أمحل البلد إذا أجدب.

الصحاح (5/ 1817).

(3)

كيعاسيب النحل: اليعاسيب جمع عيسوب، وهي ذكور النحل، والمراد أن كنوز الأرض تظهر وتجتمع عنده كما تجتمع النحل على يعاسيبها.

النهاية لابن الأثير (3/ 235).

(4)

جزلتين: بفتح الجيم وقيل بكسرها، والجزل: القطع يقال: جزلت الشيء جزلتين أي قطعته قطعتين. الصحاح (4/ 1655).

(5)

معنى رمية الغرض أي إنه يجعل بين الجزلتين مقدار رمية السهم إلى الهدف.

النهاية لابن الأثير (4/ 360).

(6)

المهروتان: روى بالدال والذال، مفردها مهرود وهو الثوب الذي صبغ والمعنى أنه لابس ثوبين مصبوغين بورس ثم بزعفران.

لسان العرب (3/ 435).

(7)

الجمان: حبات من الفضة تصنع على هيئة اللؤلؤ الكبار، والمعنى أنه يتحدر منه الماء على هيئة اللؤلؤ في صفائه.

النهاية لابن الأثير (1/ 301).

ص: 680

مات، ونُفُسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه بباب لد

(1)

فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة"

(2)

.

والأحاديث الواردة في الدجال كثيرة جدًا. قال النووي رحمه الله تعالى: "قال القاضي: هذه الأحاديث التي ذكرها مسلم وغيره في قصة الدجال حجة لمذهب أهل الحق في صحة وجوده وأنه شخص بعينه ابتلى الله به عباده وأقدره على أشياء من مقدورات الله تعالى من إحياء الميت الذي يقتله ومن ظهور زهرة الدنيا والخصب معه وجنته وناره ونهريه واتباع كنوز الأرض له وأمره السماء أن تمطر فتمطر والأرض أن تنبت فتنبت فيقع كل ذلك بقدرة الله تعالى ومشيئته ثم يعجزه الله تعالى بعد ذلك فلا يقدر على قتل ذلك الرجل ولا غيره ويبطل أمره ويقتله عيسى صلى الله عليه وسلم ويثبت الله الذين آمنوا. هذا مذهب أهل السنة وجميع المحدثين والفقهاء والنظار خلافًا لمن أنكره وأبطل أمره من الخوارج والجهمية وبعض المعتزلة

في أنه صحيح الوجود ولكن الذي يدعي مخارف وخيالات لا حقائق لها، وزعموا أنه لو كان حقًا لم يوثق بمعجزات الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم، وهذا غلط من جميعهم لأنه لم يدع النبوة فيكون ما معه كالتصديق له وإنما يدعي الإلهية وهو في نفس دعواه مكذب لها بصورة حاله ووجود دلائل الحدوث فيه ونقص صورته وعجزه عن إزالة العور الذي في عينيه وعن إزالة الشاهد بكفره المكتوب بين عينيه.

(1)

باب لد: بضم اللام وتشديد الدال، وهو بلدة قريبة من بيت المقدس.

معجم البلدان (5/ 15).

(2)

أخرجه مسلم: كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال (4/ 2251، 2252).

ص: 681

ولهذه الدلائل وغيرها لا يغتر به إلا رعاع من الناس لسد الحاجة والفاقة رغبة في سد الرمق أو تقية وخوفًا من أذاه لأن فتنته عظيمة جدًا تدهش العقول وتحير الألباب مع سرعة مروره في الأمر فلا يمكث بحيث يتأمل الضعفاء حاله ودلائل الحدوث فيه والنقص، فيصدقه من صدقه في هذه الحالة، ولهذا حذرت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين من فتنته ونبهوا على نقصه ودلائل إبطاله، وأما أهل التوفيق فلا يغترون به ولا يخدعون لما معه لما ذكرناه من الدلائل المكذبة له مع ما سبق لهم من العلم بحاله

(1)

.

وقد أشار الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى إلى فتنة الدجال فقال في معرض كلامه عنه: "فإن الناس يفتنون في قبورهم مثل أو قريبًا من فتنة الدجال، ثم خص فتنة الدجال بالذكر لعظم موقعها فإنه لم يكن في الدنيا فتنة قبل يوم القيامة أعظم منها"

(2)

.

3 -

نزول عيسى بن مريم عليه السلام:

من أمارات الساعة العظام وأشراطها نزول عيسى عليه الصلاة والسلام، وقد دلت نصوص الكتاب والسنة على أنه ينزل قبل قيام الساعة فيقتل الدجال ويكسر الصليب ويحكم بالقسط ويقضي بشريعة النبيّ صلى الله عليه وسلم، ويحيي من شأنها ما تركه الناس، ثم يمكث ما شاء الله أن يمكث ثم يموت ويصلى عليه ويدفن.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم آيتين تدلان على نزول عيسى عليه السلام.

قال الله تعالى: {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ}

(3)

(1)

شرح مسلم للنووي (18/ 58، 59).

(2)

اختيار الأولى (ص 105).

(3)

سورة النساء آية (159).

ص: 682

أي قبل موت عيسى عليه السلام وقد ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى أن هذا هو قول ابن عباس والحسن وقتادة وغيرهم ثم قال: "هذا القول هو الحق"

(1)

.

وقال تعالى: {وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ}

(2)

أي أن نزول عيسى عليه السلام قبل القيامة علامة على قرب الساعة ويدل على ذلك القراءة الأخرى (وإنه لعَلَم للساعة) بفتح العين واللام. أي علامة وأمارة على قيام الساعة.

قال البغوي رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية (وإنه) يعني عيسى عليه السلام (لعلم للساعة) يعني نزوله من أشراط الساعة يعلم به قربها، وقرأ ابن عباس وأبو هريرة وقتادة:(وإنه لعَلَم للساعة) بفتح اللام والعين أي أمارة وعلامة"

(3)

.

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: (وإنه لعلم للساعة) تقدم تفسير ابن إسحاق

(4)

أن المراد من ذلك ما بعث به عيسى عليه الصلاة والسلام من إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص وغير ذلك من الأسقام وفي هذا نظر، وأبعد منه ما حكاه قتادة عن الحسن البصري

(1)

تفسير ابن كثير (1/ 576).

(2)

سورة الزخرف آية (61).

(3)

معالم التنزيل (4/ 143).

(4)

أبو بكر محمد بن إسحاق بن يسار بن خيار القرشي المطلبي العلامة الحافظ الأخباري صاحب السيرة النبوية، قال ابن سعد: كان ثقة، ومنهم من يتكلم فيه، وقال الشافعي: من أراد أن يتبحر في المغازي فهو عيال على محمد بن إسحاق، توفي سنة 150 هـ، وقيل غير ذلك.

طبقات ابن سعد (7/ 321) ووفيات الأعيان (4/ 276) وسير أعلام النبلاء (7/ 33).

ص: 683

وسعيد بن جبير أن الضمير في وإنه عائد إلى القرآن بل الصحيح أنه عائد على عيسى عليه الصلاة والسلام فإن السياق في ذكره، ثم المراد بذلك نزوله قبل يوم القيامة

ويؤيد هذا المعنى القراءة الأخرى (وإنه لعَلَم للساعة) أي أمارة ودليل على وقوعها.

قال مجاهد: (وإنه لعلم للساعة) أي آية للساعة خروج عيسى ابن مريم عليه السلام قبل يوم القيامة.

وهكذا روي عن أبي هريرة وابن عباس وقتادة والضحاك وغيرهم

(1)

.

وأما الأدلة من السنة على نزول عيسى عليه السلام فهي كثيرة جدًا منها حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكمًا عدلًا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله أحد، حتى تكون السجدة الواحدة خير من الدنيا وما فيها"

(2)

ثم يقول أبو هريرة واقرأوا إن شئتم {وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا (159)}

(3)

.

ومنها حديثه الآخر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم"

(4)

.

(1)

تفسير ابن كثير (4/ 132).

(2)

أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام (4/ 143) ومسلم: كتاب الأيمان، باب نزول عيسى حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1/ 135).

(3)

سورة النساء آية (159).

(4)

أخرجه البخاري: كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام (4/ 143) ومسلم: كتاب الإيمان، باب نزول عيسى حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1/ 136).

ص: 684

ومنها حديث جابر رضي الله عنه قال: سمعت النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تزال طائفة من أمتي يقاتلون على الحق ظاهرين إلى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم صلى الله عليه وسلم فيقول أميرهم: تعال صل لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء تِكرَمة الله لهذه الأمة"

(1)

.

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الأنبياء أخوة لعلات

(2)

أمهاتهم شتى ودينهم واحد وأني أولى الناس بعيسى بن مريم لأنه لم يكن نبي بيني وبينه وإنه نازل فإذا رأيتموه فاعرفوه رجل مربوع إلى الحمرة والبياض عليه ثوبان مُمَصَّران

(3)

كأن رأسه يقطر وإن لم يصبه بلل، فيدق الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويدعو الناس إلى الإسلام ويهلك الله في زمانه الملل كلها إلا الإسلام، ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال، ثم تقع الأمانة على الأرض حتى ترتع الأسود مع الإبل، والنمار مع البقر، والذئاب مع الغنم، ويلعب الصبيان بالحيات لا تضرهم، فيمكث أربعين ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون"

(4)

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة.

(1)

أخرجه مسلم: كتاب الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حاكمًا بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم (1/ 137).

(2)

العلات: جمع علة، والعلة هي الضرة، والمراد الأخوة من أمهات مختلفة وأبوهم واحد.

لسان العرب (11/ 470).

(3)

الممصران تثنية ممصر، والممصر من الثياب الذي فيه صفرة خفيفة.

النهاية لابن الأثير (4/ 336).

(4)

أخرجه أحمد (2/ 406) وقال أحمد شاكر: حديث صحيح عمدة التفسير (4/ 36) وأبو داود: كتاب الملاحم، باب خروج الدجال (4/ 498) والحاكم (2/ 595) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي.

وقال ابن كثير رحمه الله تعالى في النهاية في الفتن والملاحم (1/ 188): وهذا إسناد جيد قوي.

ص: 685

وقد أجمعت الأمة على نزول عيسى عليه السلام قبل قيام الساعة قال السفاريني رحمه الله تعالى: "أجمعت الأمة على نزوله ولم يخالف فيه أحد من أهل الشريعة، وإنّما أنكر ذلك الفلاسفة والملاحدة ممن لا يعتد بخلافه، وقد انعقد إجماع الأمة على أنه ينزل ويحكم بهذه الشريعة المحمدية وليس ينزل بشريعة مستقلة عند نزوله من السماء وإن كانت قائمة به وهو متصف بها"

(1)

ا. هـ.

وقد أشار ابن رجب رحمه الله تعالى إلى نزول عيسى عليه السلام وما يقدم به بعد نزوله فقال: "وبالشام ينزل عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان وهو المبشر بمحمد صلى الله عليه وسلم ويحكم به ولا يقبل من أحد غير دينه فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويصلي خلف إمام المسلمين ويقول: إن هذه الأمة أئمة بعضهم لبعض"

(2)

ا. هـ.

كما أشار إلى نزول عيسى عليه السلام وقتله للدجال في كتاب فضائل الشام فقد عقد فصلًا بعنوان: الفصل الرابع فيما ورد في نزول عيسى بن مريم عليهما السلام في آخر الزمان عند دمشق.

وقد ذكر فيه جملة من الأحاديث الدالة على نزول عيسى عليه السلام ومكان نزوله، وقد سبق ذكر بعضها.

ثم قال رحمه الله تعالى: "وقد جاء من حديث أبي أمامة وغيره ما قد يشعر بأن عيسى ينزل ببيت المقدس، وليست أسانيدها بالقوية، ويتعين حملها على تقدير صحتها على أنه يأتي بمن معه من المؤمنين إلى بيت المقدس من دمشق كما قاله ابن عباس وكعب، جمعًا بينها وبين حديث النواس المخرج في الصحيح، وظاهر ما تقدم من الأحاديث والآثار يدلّ

(1)

لوامع الأنوار البهية (1/ 94، 95).

(2)

لطائف المعارف (ص 90).

ص: 686

على أن عيسى عليه السلام ينزل عند باب مدينة دمشق الشرقي

".

(1)

.

4 -

خروج نار تحشر الناس:

جاء في الأحاديث الصحيحة أن آخر الآيات خروجًا قبل قيام الساعة نار عظيمة تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى محشرهم، وتبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا.

وقد تكلم ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذه العلامة وذكر بعض الأحاديث الواردة في ذكرها فقال: "وقد تكاثرت الأحاديث والآثار بذكر هذه النار" ففي صحيح البخاري عن أنس أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "أول أشراط الساعة نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب"

(2)

.

وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "يحشر الناس على ثلاث طرائق راغبين وراهبين، واثنان على بعير، وثلاثة على بعير، وأربعة على بعير، وعشرة على بعير، وتحشر بقيتهم النار تقيل معهم حيث قالوا، وتبيت معهم حيث باتوا وتصبح معهم حيث أصبحوا، وتمسي معهم حيث أمسوا"

(3)

.

فهذه الثلاث المذكورة في هذا الحديث:

أحدها: من يحشر راغبًا هو من يهاجر إلى الشام طوعًا.

والثاني: من يحشر رهبة وخوفًا على نفسه لظهور الفتن في أرضه.

(1)

فضائل الشام ورقة (50/ أ).

(2)

صحيح البخاري: كتاب أحاديث الأنبياء (4/ 101).

(3)

صحيح البخاري: كتاب الرقاق، باب كيف الحشر (7/ 194)، وصحيح مسلم: كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة (4/ 2195).

ص: 687

والثالث: من تحشره النار قسرًا وهو شر الثلاثة

وفي صحيح مسلم عن حذيفة بن أسيد عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "إن الساعة لن تقوم حتى تروا قبلها عشر آيات فذكر الدخان، والدجال، والدابة، وطلوع الشمس من مغربها ونزول عيسى عليه السلام ويأجوج ومأجوج، وثلاثة خسوف خسف بالمشرق وخسف بالمغرب وخسف بجزيرة العرب وآخر ذلك نار تخرج من اليمن تطرد الناس إلى محشرهم".

وفي رواية له: "ونار تخرج من قعر عدن ترحل الناس"

(1)

.

وخرّجه الترمذي وعنده: "ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس أو تحشر الناس فتبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا"

(2)

.

وخرّج الحاكم من حديث واثلة بن الأسقع عن النبيّ صلى الله عليه وسلم نحوه قال: "ونار تخرج من قعر عدن تسوق الناس إلى المحشر تحشر الذرة والنمل" وقال: صحيح الإسناد

(3)

.

وخرّج أيضًا من حديث عبد الله بن عمرو عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "تبعث نار على أهل المشرق فتحشرهم إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا وتقيل معهم حيث قالوا، يكون لها ما سقط منهم وتخلف، فتسوقهم سوق الجمل الكبير"

(4)

.

إلى أن قال رحمه الله تعالى: "فقد تضمنت هذه الأحاديث أمرين:

(1)

صحيح مسلم: كتاب الفتن، باب الآيات التي تكون قبل الساعة (4/ 2226).

(2)

سنن الترمذي: كتاب الفتن، باب ما جاء لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز (4/ 498) وقال: هذا حديث حسن غريب صحيح.

(3)

المستدرك (4/ 428).

(4)

المستدرك (4/ 548) وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ووافقه الذهبي.

ص: 688

أحدهما: أن الناس تحشرهم النار إلى المحشر، وفي حديث أنس وعبد الله بن عمرو أنهم يحشرون إلى المغرب، والظاهر أنه أريد بالمغرب مغرب المدينة وهو الشام

الثاني: أن في بعض الأحاديث خروج النار من اليمن، وفي بعضها من المشرق، وفي بعضها ما يدلّ على خروجها من قرب المدينة، وكله حق.

وقد ذكرنا في هذه الآثار أنها تخرج من أماكن متعددة

(1)

.

وقال ابن رجب رحمه الله تعالى أيضًا: "

فأما شرار الخلق فتخرج نار في آخر الزمان تسوقهم إلى الشام قهرًا حتى تجمع الناس كلهم بالشام قبل قيام الساعة"

(2)

.

والجمع بين ما جاء في أن هذه النار هي آخر أشراط الساعة وما جاء في بعض الروايات أنها أول أشراط الساعة أن يقال أن المقصود أن هذه العلامة آخر أشراط الساعة باعتبار ما ذكر معها من الآيات الواردة في حديث حذيفة.

وهي أول أشراط الساعة باعتبار أنها أول الآيات التي لا شيء بعدها من أمور الدنيا أصلا بل يقع بانتهاء هذه الآيات النفخ في الصور، بخلاف ما ذكر معها من الآيات الواردة في حديث حذيفة فإنه يبقى بعد كل آية منها أشياء من أمور الدنيا"

(3)

.

وهناك علامات أخرى للساعة ورد ذكر بعضها فيما سبق من الأحاديث كخروج الدابة ويأجوج ومأجوج والدخان وغيرها مما وردت به

(1)

فضائل الشام من ورقة (32/ أ) إلى ورقة (35/ أ).

(2)

لطائف المعارف (ص 90).

(3)

انظر: فتح الباري لابن حجر (13/ 82).

ص: 689

الأحاديث الصحيحة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم وإنّما اقتصرت على ما ذكرت لأني وجدت فيها لابن رجب رحمه الله تعالى كلامًا، ومن أراد الاطلاع على علامات الساعة الكثيرة فليراجع الكتب المصنفة في ذلك مثل كتاب النهاية في الفتن والملاحم لابن كثير، والتذكرة في أحوال الموتى وأمور الآخرة للقرطبي، وكتاب الإشاعة للبرزنجي، وكتاب الإذاعة لما كان وما يكون بين يدي الساعة لصديق حسن خان، وكتاب إتحاف الجماعة بما جاء في الفتن والملاحم وأشواط الساعة لفضيلة الشيخ حمود بن عبد الله التويجري، وغيرها من الكتب الأخرى.

ص: 690