المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمى الإيمان والإسلام - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمى الإيمان والإسلام

‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

إن المتتبّع لآيات القرآن الكريم وأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم يجد أن اسم الإيمان تارة يذكر مفردًا غير مقرون باسم الإسلام، وتارة يذكر مقرونًا به، وكذلك اسم الإسلام تارة يذكر مفردًا غير مقرون باسم الإيمان، وتارة يذكر مقرونًا به، وبالتالي فإنهما أحيانًا يكونان بمعنى واحد فهما مترادفان، وأحيانًا يراد من أحدهما معنى مغاير لمعنى الآخر، فهما متغايران.

ويمكن حصر ذلك في الأقسام التالية:

1 -

وردت آيات في القرآن الكريم وأحاديث في سنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم تدلّ على أن الإسلام هو الأعمال الظاهرة، والإيمان هو الأعمال الباطنة.

ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ}

(1)

.

ومنها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور بحديث جبريل، وفيه قال جبريل للنبي صلى الله عليه وسلم: "أخبرني عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الإسلام أن تشهد أن لا إله إلَّا الله وأنَّ محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت إن استطعت إليه

(1)

سورة الحجرات، آية (14).

ص: 527

سبيلًا، قال: صدقت، فعجبنا له يسأله ويصدقه. قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسوله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشرّه، قال: صدقت. قال: فأخبرني عن الإحسان، قال: أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك

"

(1)

.

وفي الصحيحين عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطى رهطًا وسعد جالس فيهم، قال سعد: فترك رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم من لم يعطه، وهو أعجبهم إليّ، فقلت: يا رسول الله، ما لك عن فلان؟ فوالله إني لأراه مؤمنًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو مسلما"، قال: فسكت قليلًا، ثم غلبني ما أعلم منه، فقلت: يا رسول الله، ما لك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمنًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو مسلمًا"، قال: فسكت قليلًا، ثم غلبني ما علمت منه فقلت: يا رسول الله، ما لك عن فلان، فوالله إني لأراه مؤمنًا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أو مسلمًا، إني لأعطي الرجل وغيره أحبّ إليّ منه، خشية أن يكبّ في النار على وجهه"

(2)

.

فهذه الأدلّة تدلّ على أن الإسلام والإيمان متغايران.

2 -

وردت آيات وأحاديث تفيد أن الأعمال الظاهرة داخلة في معنى الإيمان، وأن الأعمال الباطنة داخلة في معنى الإسلام. منها قوله تعالى:{إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ (15)}

(3)

.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الإيمان (1/ 18)، ومسلم: كتاب الإيمان (1/ 36).

(2)

صحيح البخاري: كتاب الإيمان - باب إذا لم يكن الإسلام على الحقيقة (1/ 12)، ومسلم: كتاب الإيمان - باب تألف من يخاف على إيمانه لضعفه (1/ 132).

(3)

سورة الحجرات، آية (15).

ص: 528

ومنها قوله تعالى: {الم (1) ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ (2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}

(1)

.

ومنها قوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}

(2)

.

ومنها قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا}

(3)

.

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: "الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلَّا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان"

(4)

.

ومنها حديث عمرو بن عنبسة رضي الله عنه قال: قال رجل: يا رسول الله، ما الإسلام؟ قال:"أن يسلم قلبك لله عز وجل وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك"، قال: فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: "الإيمان"، قال: وما الإيمان؟ قال: "تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت"، قال: فأي الإيمان أفضل؟ قال: "الهجرة"، قال: فما الهجرة؟ قال: "تهجر السوء"، قال: فأي الهجرة أفضل؟ قال: "الجهاد"

(5)

.

(1)

سورة البقرة، آية (1 - 5).

(2)

سورة آل عمران، آية (85).

(3)

سورة المائدة، آية (3).

(4)

تقدم تخريجه (ص 510).

(5)

أخرجه أحمد (4/ 114)، وقال الهيثمي في المجمع (1/ 59): رواه أحمد والطبراني في الكبير بنحوه ورجاله ثقات.

ص: 529

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إن وفد عبد القيس لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرهم بالإيمان بالله، قال:"هل تدرون ما الإيمان بالله"؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:"شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وأن تعطوا الخمس من المغنم"

(1)

.

3 -

وردت آيات وأحاديث تفيد أن الإسلام والإيمان مترادفان.

منها قوله تعالى: {فَأَخْرَجْنَا مَنْ كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (35) فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ (36)}

(2)

.

ومنها حديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "تجيء الأعمال يوم القيامة فتجيء الصلاة، فتقول: يا رب أنا الصلاة، فيقول: إنك على خير، فتجيء الصدقة فتقول: يا رب أنا الصدقة، فيقول: إنك على خير، ثم يجيى الصيام فيقول: أي يا رب، فيقول: إنك على خير، ثم تجيء الأعمال على ذلك، فيقول الله عز وجل: إنك على خير، ثم يجيء الإسلام فيقول: يا رب أنت السلام وأنا الإسلام، فيقول الله عز وجل: إنك على خير بك اليوم آخذ وبك أعطي، فقال الله عز وجل في كتابه:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (85)}

(3)

"

(4)

.

(1)

تقدم تخريجه (ص 510).

(2)

سورة الذاريات، آية (35، 36).

(3)

سورة آل عمران، آية (85).

(4)

أخرجه أحمد (16/ 302) حديث رقم (8727)، وقال أحمد شاكر: إسناده صحيح، وقال الهيثمي في المجمع (10/ 345): رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني في الأوسط وفيه عباد بن راشد وثّقه أبو حاتم وغيره، وضعّفه جماعة، وبقية رجال أحمد رجال الصحيح.

ص: 530

وقد تكلّم السلف الصالح وأئمّة الإسلام رحمهم الله تعالى على هذه المسألة، وصنّفوا فيها الكتب والمقالات، وخلاصة كلامهم في هذه المسألة تنحصر في الأقوال

(1)

التالية:

1 -

ذهب الزهري وحماد بن زيد إلى أن الإسلام الكلمة والإيمان العمل، والمراد بالكلمة شهادة أن لا إله إلَّا الله وأن محمدًا رسول الله.

2 -

وذهب الإمام البخاري ومحمد بن نصر المروزي

(2)

وابن منده

(3)

وابن عبد البرّ وغيرهم إلى أن الإسلام والإيمان مترادفان يراد بأحدهما ما يراد بالآخر.

3 -

وذهب أكثر أهل العلم من السلف إلى القول بأن الإسلام والإيمان إذا أفرد أحدهما شمل الدين كلّه أصوله وفروعه من اعتقاداته وأقواله وأفعاله الظاهرة والباطنة.

(1)

انظر حكاية هذه الأقوال في: تعظيم قدر الصلاة للمروزي (2/ 506 - 531)، والإيمان لابن منده (1/ 321)، والتمهيد لابن عبد البر (9/ 349 - 250)، والإيمان لابن تيمية (ص 216) وما بعدها، وجامع العلوم والحكم لابن رجب (1/ 63) وما بعدها، وشرح العقيدة الطحاوية لابن أبي العز (ص 390 - 394)، وفتح الباري لابن حجر (1/ 114).

(2)

محمد بن نصر بن الحجاج المروزي أبو عبد الله الإمام الحافظ، كان إمام عصره في الحديث، وكان من أعلم أهل زمانه باختلاف الصحابة والتابعين، وكان عابدًا زاهدًا، له مؤلّفات عظيمة منها "تعظيم قدر الصلاة"، توفي سنة 294 هـ.

تاريخ بغداد (3/ 315)، والمنتظم (6/ 63)، وتذكرة الحفاظ (2/ 650).

(3)

محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده، الإمام الحافظ أبو عبد الله، محدث الإِسلام، كان من أوسع العلماء رحلة وأكثرهم حديثًا وشيوخًا، وكان جبلًا من جبال العلم، وله مؤلّفات كثيرة منها: كتاب الإيمان، وكتاب التوحيد، توفي سنة 395 هـ.

ذكر أخبار أصبهان (2/ 306)، وطبقات الحنابلة (2/ 167)، وتذكرة الحفاظ (3/ 1031).

ص: 531

وإذا قرن بينها وذكرا معًا، فعند ذلك يفترقان في المعنى فيراد بالإسلام الأعمال الظاهرة، ويراد بالإيمان الاعتقادات الباطنة.

والقول الأخير هو القول الذي تجتمع عليه النصوص الواردة في هذه المسألة، وهو أرجح الأقوال.

وقد تكلّم الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى على هذه المسألة وأوضحها وبيّنها بيانًا شافيًا، فقال رحمه الله تعالى بعد ذكره لبعض النصوص التي ذكرتها سابقًا:"وأمَّا وجه الجمع بين هذه النصوص وبين حديث سؤال جبريل عليه السلام عن الإسلام والإيمان، وتفريق النبيّ صلى الله عليه وسلم بينهما وإدخاله الأعمال في مسمَّى الإسلام دون الإيمان، فإنه يتضح بتقرير آصل وهو أن من الأسماء ما يكون شاملًا لمسمّيات متعدِّدة عند إفراده وإطلاقه، فإذا قرن ذلك الإسم بغيره صار دالًّا على بعض تلك المسمَّيات، والإسم المقرون له دال على باقيها، وهذا كإسم الفقير والمسكين، فإذا أفرد أحدهما دخل فيه كل من هو محتاج، فإذا قرن أحدهما بالآخر دلَّ أحد الإسمين على بعض أنواع ذوي الحاجات والآخر على باقيها، فهكذا اسم الإسلام والإيمان إذا أفرد أحدهما دخل فيه الآخر، ودلَّ بانفراده على ما يدلَّ عليه الآخر بانفراده، فإذا قرن بينهما دلَّ أحدهما على بعض ما يدلَّ عليه بانفراده ودلّ الآخر على الباقي، وقد صرّح بهذا جماعة من الأئمة".

قال أبو بكر الإسماعيلي

(1)

في رسالته إلى أهل الجبل، قال كثير

(1)

هو الإمام الحافظ الحجّة شيخ الإسلام أبو بكر أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل الجرجاني الإسماعيلي، قال ابن كثير عنه:"سمع الكثير وحدّث وخرّج وصنَّف فأفاد وأجاد، وأحسن الاعتقاد والانتقاد، صنَّف كتابًا على صحيح البخاري فيه فوائد كثيرة وعلوم غزيرة"، توفي سنة 371 هـ، رحمه الله تعالى.

الأنساب (1/ 249)، والبداية والنهاية (11/ 334)، وطبقات الشافعية لابن هداية (ص 95).

ص: 532

من أهل السنّة والجماعة: "إن الإيمان قول وعمل، والإسلام فعل ما فرض الله على الإنسان أن يفعله، إذا ذكر كل اسم على حدته مضمومًا إلى الآخر، فقيل المؤمنون والمسلمون جميعًا، مفردين أريد بأحدهما معنى لم يرد به الآخر، وإذا ذكر أحد الاسمين شمل الكل وعمَّهم.

وقد ذكر هذا المعنى أيضًا الخطابي في كتابه معالم السنن

(1)

، وتبعه جماعة من العلماء من بعده، ويدلّ على صحة ذلك أن النبيّ صلى الله عليه وسلم فسَّر الإيمان عند ذكره مفردًا في حديث وفد عبد القيس بما فسَّر به الإسلام المقرون بالإيمان في حديث جبريل، وفسَّر في حديث الآخر الإسلام بما فسَّر به الإيمان كما في مسند الإمام أحمد عن عمرو

(2)

بن عنبسة

"

(3)

.

وقال رحمه الله تعالى أيضًا: "وبهذا التفصيل الذي ذكرناه يزول الإختلاف، فيقال: إذا أفرد كل من الإسلام والإيمان بالذكر، فلا فرق بينهما حينئذ، وإن قرن بين الإسمين كان بينهما فرق، والتحقيق في الفرق بينهما: أن الإيمان هو تصديق القلب وإقراره ومعرفته، والإسلام هو استسلام العبد لله وخضوعه وانقياده له، وذلك يكون بالعمل وهو الدين، كما سمّى الله في كتابه الإسلام دينا، وفي حديث جبريل سمَّى النبيّ صلى الله عليه وسلم الإسلام والإيمان والإحسان دينًا، وهذا أيضًا مما يدلّ على أن أحد الإسمين إذا أفرد دخل فيه الآخر، وإنما يفرق بينهما حيث قرن أحد الإسمين بالآخر، فيكون حينئذ المراد بالإيمان جنس تصديق القلب، وبالإسلام جنس العمل

وكان النبيّ صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه إذا صلَّى على الميت: "اللهمّ من أحييته منّا فأحيه على الإسلام، ومن توفّيته منا فتوفّه

(1)

انظر: معالم السنن (4/ 315).

(2)

سبق ذكر حديث عمرو بن عنبسة (ص 529).

(3)

جامع العلوم والحكم (1/ 63 - 65).

ص: 533

على الإيمان"

(1)

، لأن الأعمال بالجوارح، وإنّما يتمكّن منه في الحياة، فأمّا عند الموت فلا يبقى غير التصديق بالقلب.

ومن هنا قال المحققون من العلماء كل مؤمن مسلم، فإن من حقّق الإيمان، ورسخ في قلبه قام بأعمال الإسلام؛ كما قال صلى الله عليه وسلم:"ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب"

(2)

، فلا يتحقق القلب بالإيمان إلَّا وتنبعث الجوارح في أعمال الإسلام، وليس كل مسلم مؤمنًا، فإنه قد يكون الإيمان ضعيفًا فلا يتحقّق القلب به تحقّقًا تامًّا مع عمل جوارحه أعمال الإسلام، فيكون مسلمًا وليس بمؤمن الإيمان التامّ؛ كما قال تعالى:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا}

(3)

الآية، فلم يكونوا منافقين بالكلية على أصحّ التفسيرين

بل كان إيمانهم ضعيفًا، ويدلّ عليه قوله تعالى:{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا} الآية، يعني: لا ينقصكم من أجورها، فدلّ على أن معهم من الإيمان ما يقبل به أعمالهم

أما اسم الإسلام، فلا ينتفي بانتفاء بعض واجباته أو انتهاك بعض محرّماته، وإنّما ينفي بالإتيان بما ينافيه بالكلية، ولا يعرف في شيء من السنّة الصحيحة نفي الإسلام عمّن ترك شيئًا من واجباته كما ينفي الإيمان

(1)

أخرجه أحمد (2/ 368)، وأبو داود: كتاب الجنائز - باب الدعاء للميت (3/ 539)، والترمذي: كتاب الجنائز - باب ما يقول في الصلاة على الميت (3/ 344)، وابن ماجه: كتاب الجنائز - باب ما جاء في الدعاء في الصلاة على الجنازة (1/ 480)، والحاكم (1/ 358)، وقال: صحيح على شرط الشيخين ووافقه الذهبي، وقال الهيثمي في المجمع (3/ 33): رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح.

(2)

تقدم تخريجه (ص 366).

(3)

سورة الحجرات، آية (14).

ص: 534

عمّن ترك شيئًا من واجباته وإن كان قد ورد إطلاق الكفر على فعل بعض المحرّمات وإطلاق النفاق أيضًا

وإذا تبيّن أن اسم الإسلام لا ينتفي إلَّا بوجود ما ينافيه ويخرج عن الملّة بالكلية، فاسم الإسلام إذا أطلق أو اقترن به المدح دخل فيه الإيمان كلّه من التصديق وغيره

(1)

.

وبهذا يتبيّن لنا أن القول الثالث هو القول الصحيح الذي تفهم به النصوص، وتجتمع عليه أقوال السلف رحمهم الله تعالى.

(1)

جامع العلوم والحكم (1/ 66 - 69).

ص: 535