الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث السابع ابن رجب والتصوف
إن المطلع على كتب ابن رجب رحمه الله تعالى وكثرة نقوله عن السابقين وخصوصًا من اشتهر بالتصوف يظن أن ابن رجب رحمه الله تعالى علم من أعلام المتصوفة البارزين الذين يشار إليهم بالبنان، وهذا يدل على عدم معرفة هذا الإمام، بل الحقيقة أن ابن رجب رحمه الله تعالى ليس كما ظن هؤلاء وإن نقل بعض أقوال المتصوفة وحكاياتهم لأنه رحمه الله تعالى عنده من العقيدة السليمة الصافية عقيدة أهل السنة والجماعة المستمدة من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم مع السلوك الحسن ما عصمه من الوقوع فيما وقع فيه أولئك القوم من زلات فضلّا عن الأمور التي وصلوا فيها إلى حد الشرك والحلول وغيرها من الأمور البعيدة عن دين الله عز وجل التي سببها الجهل بالكتاب والسنة ويكفيه فخرًا في ذلك أنه تلميذ من تلاميذ العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى أبرز تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.
إضافة إلى ذلك أنه انتقد القوم ورد عليهم في عدة مسائل بل ذكر بعض بدعهم وبين أن ما هم عليه في هذه المسائل بعيد كل البُعد عن دين الله سبحانه وتعالى.
ولا يعني هذا أني أقول بعصمة ابن رجب رحمه الله تعالى من الأخطاء والزلات، حاشا وكلا إنما هو بشر يصيب ويخطئ.
ولا أريد بهذا طرح جميع ما عند القوم بل لا بأس بالاستشهاد
ببعض أقوالهم ما دامت موافقة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وكم من الكتب التي ألفها علماء بارزون من أهل السنة والجماعة فيها شيء من أقوال بعض الصوفية، وأقرب مثال على ذلك شيخه العلامة ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى. وهذا منهج سليم وصحيح لأن المسلم الحق الذي يسير على نهج الكتاب والسنة يجب عليه أن يقبل الحق لأنه هو بغيته ومراده بغض النظر عمن قال به. روى البيهقي بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: خذ الحكمة ممن سمعت، فإن الرجل يتكلم بالحكمة، وليس بحكيم فتكون كالرمية خرجت من غير رام
(1)
.
إلا أن الإنسان المؤمن الحق يجد في أقوال أهل السنة والجماعة ما يغني عن أقوال غيرهم من الذين يوهم النقل عنهم الرضا بسيرتهم وما هم عليه.
فابن رجب رحمه الله تعالى يعد من علماء السلف الذين كان لهم فضل في بيان عقيدة أهل السنة والجماعة، والذين جعلوا ابن رجب رحمه الله تعالى من الصوفية إنما هو بسبب خلطهم بين الزهد والتصوف، فالصوفية ومن سار على نهجهم حتى يكثروا سوادهم ويدللوا على صحة منهجهم ضموا إليهم كل من كان من العلماء زاهدًا متعففًا ومنقطعًا للعبادة وسموه صوفيًا.
والحقيقة أن هذا من قلب الموازين والمفاهيم السليمة لأن قلة الرغبة في الدنيا مع العبادة في ديننا دين الإسلام زهد وورع وتقوى، أما تسميته بذلك صوفيًا فهذا غلط لأن لفظة صوفي لفظة محدثة كما بيّن ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى وذكر أنها نسبة إلى الصوف ولبسه
(2)
.
(1)
المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي (ص 447).
(2)
مجموع فتاوى ابن تيمية (11/ 6).
والحقيقة أن ابن رجب رحمه الله تعالى بريء من المتصوفة ومن مناهجهم التي خالفوا فيها كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومع ذلك فهو ليس بمعصوم فقد يوجد في بعض كلامه أو بعض ما ينقله ما لا يسلم من الهفوات والأخطاء التي وقع فيها أولئك القوم، وهذا لا يقدح في علمه وفضله لأنه كما يقال:"لكل جواد كبوة".
والإنسان مهما تعلم وقرأ لا يسلم من الخطأ، والأخطاء منها ما هو فاحش لا يمكن السكوت عنه، ومنها ما هو خطأ غير فاحش لا يلام صاحبه.
وقد تتبعت كتب ابن رجب رحمه الله تعالى التي بين يدي صغيرها وكبيرها فلم أجد ولله الحمد كلمة أو مقالة فيها رد لما ورد في كتاب الله سبحانه وتعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم أو مخالفة لما كان عليه سلف هذه الأمة من أهل السنة والجماعة سوى ما ذكرت من كثرة نقوله من أقوال الصوفية خصوصًا في أنواع العبادة كالمحبة والتوكل.
والخلاصة في هذا أن الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى من علماء السلف الأفاضل المشهود لهم بالخير والصلاح وسلامة المعتقد كما سيتضح ذلك فيما أنقله من ثناء العلماء عليه وشهادتهم له بالإمامة والفضل إن شاء الله تعالى.
وما أحسن مقولة للحافظ الذهبي قال فيها: إن الكبير من أئمة العلم إذا كثر صوابه، وعلم تحريه للحق، واتسع علمه وظهر ذكاؤه، وعرف صلاحه وورعه واتباعه يغفر له زلله، ولا نضلله ونطرحه، وننسى محاسنه، نعم لا نقتدي به في بدعته وخطئه، ونرجو له التوبة من ذلك
(1)
.
(1)
انظر: سير أعلام النبلاء (5/ 271)، ترجمة قتادة بن دعامة السدوسي.