المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

"

لقد ضل كثير من الناس في هذه المسألة وأخذ كثير منهم ينغمس في فعل المعاصي والفواحش ثم يحتج على ذلك بالقدر وأنه لا حيلة له فيما قدر عليه، وهذا في غاية البطلان ولا يقوله إلا صاحب هوى، لأنه لا يجوز لمن عصى الله ورسوله أن يدفع عن نفسه اللوم بأن الله هو الذي قدر عليه الوقوع في المعصية وشاءها منه، فإن هذا الاحتجاج معارضة لشرع الله، وأمره، ومخاصمة له سبحانه وتعالى في أمره وشرعه ووعده ووعيده وثوابه وعقابه وطعن في حكمته وعدله، ودفع له بقضائه وقدره وفي هذا إبطال للشرع وللدين كله

(1)

.

وقد زعم المشركون أن الله سبحانه وتعالى قد رضي منهم الكفر لأنه في نظرهم يلزم من مشيئة الله لكفرهم رضاه به، فأبطل الله حجتهم ودحضها بقوله عز وجل:{سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}

(2)

.

فهذا جواب رب العزة لمن يحتج بقدره سبحانه على معصيته، ولله

(1)

انظر: رسالة في الاحتجاج بالقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى (2/ 140).

(2)

سورة الأنعام آية (148، 149).

ص: 638

الحجة البالغة، فقد بيّن سبحانه وتعالى كذبهم في الاحتجاج بالمشيئة على ما وقعوا فيه من الشرك ونفى عنهم العلم وأثبت لهم الخرص ثم بيّن أن الحجة له سبحانه وتعالى على عباده بقوله تبارك وتعالى:{قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (149)}

(1)

ولو صح الاحتجاج بالقدر على مثل هذا لما حُدَّت الحدود وفرضت الفرائض وخلقت الجنة والنار والله سبحانه وتعالى يقول: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا}

(2)

وهذا لا ينافي القول بأن الله سبحانه وتعالى خلق أفعال العباد كلها وقدرها عليهم

(3)

.

ولو كان القدر حجة للعبد فيما يقترفه من المعاصي لكان حجة لجميع الناس في كل شيء لأنهم مشتركون في القدر.

والعجيب أن من يحتج بالقدر في المعاصي لا يحتج بالقدر إذا وقع عليه ظلم بل يغضب ويلجأ إلى كل وسيلة لرفع الظلم عن نفسه ولم نسمع أحدًا منهم يقول بأن الله قدر لي ذلك وكتبه علي، ولذلك لا حيلة لي، مما يدل على أن الشيطان أضلهم وزين لهم أعمالهم، وإلا فيلزم من احتج بالقدر في المعاصي أن لا يلوم من ظلمه ولا ينكر على من شتمه وأخذ ماله أو أهلك حرثه ونسله، وهو لا يقر بذلك ولذلك فإن الاحتجاج بقدر الله على معصيته مع ظهور عقابه سبحانه للعصاة، فيه نسبة الظلم إليه سبحانه وهو أمر يتنافى مع الإيمان بالله عز وجل

(4)

.

إضافة إلى أن المحتج بالقدر على معصيته متقول على الله بغير علم

(1)

سورة الأنعام آية (149).

(2)

سورة النساء آية (165).

(3)

انظر: شفاء العليل (ص 37، 38).

(4)

انظر: رسالة في القضاء والقدر لشيخ الإسلام ابن تيمية ضمن مجموعة الرسائل الكبرى (2/ 90 - 93).

ص: 639

إذ كيف يصح للعاصي أن يحتج بأن الله كتب عليه المعصية قبل صدور ذلك منه، وقدر الله قبل وقوعه غيب لا يعلمه إلا هو عز وجل مع أنه مخاطب قبل إقدامه على عصيان ربه بطاعته والتزام أمره، وبمثل هذه الحجة البالغة أجاب سبحانه على هؤلاء المتذرعين بقدر الله في مواضع أخرى من القرآن، من ذلك قوله تعالى:{وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (28)}

(1)

.

فليس الإيمان بالقدر حجة للإنسان على فعل المعاصي أو التهاون بما أوجب الله عليه لأن الله سبحانه وتعالى أعطى الإنسان عقلًا يتمكن به من الإرادة وأعطاه قدرة يتمكن بها من العمل، ولذلك إذا سلب عقل الإنسان لم يعاقب على معصية ولا ترك واجب وإذا سلب قدرته على الواجب لم يؤاخذ بتركه، وكذلك لا يؤاخذ الله العبد على ما فعله من محرم جاهلًا به أو ناسيًا لأنه ليس مختارًا لفعله لو علم بتحريمه، فالاحتجاج بالقدر على المعاصي أو ترك الواجبات حجة داحضة باطلة لا يفعلها إلا المبطلون المكابرون.

كما أن هذه الحجة يبطلها العقل وذلك لأن المحتج بالقدر ليس عالمًا بالقدر فيبني عمله عليه فكيف يحتج بما ليس له تأثير في فعله إذ لا تأثير للشىء في فعل الفاعل حتى يكون عالمًا بهذا المؤثر، فالإنسان العاقل إذا تأمل الأمور بعقله ونظر في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم علم علمًا يقينًا أنه لا حجة للإنسان بقضاء الله وقدره على فعله للمعاصي، والواجب على المسلم أن يجعل القضاء والقدر وسيلة إلى الاستعانة بالله وطلب الهداية منه لأنه سبحانه وتعالى بيده مقاليد الأمور كلها، فالصحابة رضي الله عنهم لما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: أفلا ندع العمل ونتكل على القضاء

(1)

سورة الأعراف آية (28).

ص: 640

قال: "اعملوا فكل ميسر لما خلق له أما أهل السعادة فييسرون لعمل أهل السعادة، وأما أهل الشقاء فييسرون لعمل أهل الشقاء"

(1)

ثم قرأ: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (5) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (6) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (7) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى (10)}

(2)

. . .

(3)

.

والمحتجون بالقدر على المعاصي هم الجبرية

(4)

من الجهمية ومن سار على نهجهم وسلك سبيلهم.

ومن أشهر الأدلة التي استدلوا بها على تسويغ تفريطهم وعصيانهم حديث احتجاج آدم وموسي، عليهما الصلاة والسلام وهو حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "احتج آدم وموسى، فقال له موسى: يا آدم أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة، فقال له آدم: يا موسى اصطفاك الله بكلامه، وخط لك بيده، أتلومني على أمر قدره الله علي قبل أن يخلقني بأربعين سنة" فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "فحج آدم موسى، فحج آدم موسى"

(5)

.

(1)

تقدم تخريجه (ص 606).

(2)

سورة الليل آية (5 - 10).

(3)

انظر: معارج القبول (2/ 361).

(4)

سموا بذلك نسبة إلى الجبر وهو نفي الفعل عن العبد وإضافته إلى الرب تعالى، فهم يقولون: إن العبد مجبور على فعله فهو كالريشة في مهب الريح وكحركات المرتعش ليس له إرادة ولا قدرة على الفعل، وممن قال بهذا الجهم بن صفوان، وهم أصناف، فمنهم الجبرية الخالصة وهم الذين يقولون بقول جهم، ومنهم من يثبت للعبد قدرة غير مؤثرة.

اعتقادات فرق المسلمين والمشركين (ص 68) ومقالات الإسلاميين (1/ 338) والملل والنحل (1/ 85).

(5)

أخرجه البخاري: كتاب القدر، باب تحاج آدم وموسى (7/ 214) ومسلم: كتاب القدر، باب حجاج آدم وموسى عليهما السلام (4/ 2042).

ص: 641

وقد اختلفت الأقوال

(1)

تجاه هذا الحديث ويمكن حصرها فيما يأتي:

1 -

هناك فريق كذبوا هذا الحديث وردوه وقالوا: لو صح هذا الحديث لبطلت نبوات الأنبياء، فإن القدر إذا كان حجة للعاصي بطل الأمر والنهي، وهذا هو قول القدرية من المعتزلة ومن نحا نحوهم.

2 -

وهناك فريق آخر جعلوا هذا الحديث حجة على فعل المعاصي فكلما عملوا معصية احتجوا بالقدر واستدلوا بهذا الحديث وهم الجبرية ومن وافقهم.

3 -

وهناك فريق ثالث فسروه بعدة تفسيرات فبعضهم قال: إنما حجه لأنه كان أباه، والابن لا يلوم الأب.

وقال بعضهم: إنما حجه لأن الذنب كان في شريعة، واللوم في شريعة أخرى.

وقال بعضهم: إنما حجه لأن الاحتجاج به كان في الآخرة دون الدنيا.

وقال بعضهم: إنما حجه لأن اللوم كان بعد التوبة.

وهذه الأقوال كلها لا تسلم من ضعف أو اعتراض، فمن رد الحديث وكذبه فلا عبرة بقوله لأن الحديث ثابت.

وأما من قال إنما حجه لأنه أبوه فهو قول فاسد، لأن الحق يجب المصير إليه سواء كان مع الأب أو الابن أو العبد أو السيد، وكذلك قول

(1)

انظر: حكاية هذه الأقوال والردود والمناقشات فيها في مجموع الفتاوى (8/ 303 - 305) ودرء تعارض العقل والنقل (8/ 418 - 420) وشفاء العليل (ص 28 - 31) وفتح الباري لابن حجر (11/ 509 - 511).

ص: 642

من قال لأن الذنب كان في شريعة والملام في أخرى فهذه الأمة تلوم الأمم المخالفة لرسلها المتقدمة عليها، وإن كانت لم تجمعهم شريعة واحدة.

وكذلك قول من قال إنه لامه في غير دار التكليف فهذا فاسد لوجهين:

1 -

أن آدم عليه السلام إنما احتج بالقدر السابق، ولم يقل لموسى عليه السلام لم تلومني وأنا لست في دار التكليف.

2 -

أن هذه الحجة مبنية على أن اللوم لا يصح إلا في دار التكليف وهذا منقوض بوقوع اللوم في غير دار التكليف كما يلوم الله سبحانه بعض عباده المستحقين للذم بعد الموت في يوم القيامة كقوله تعالى للكفار يوم القيامة: {أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ بِهَا تُكَذِّبُونَ (105)}

(1)

.

وأما من قال إن آدم حج موسى لأن موسى لامه بعد التوبة من الذنب، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له.

فقد ذكر ابن القيم رحمه الله تعالى أن هذا القول وإن كان أقرب إلى الصواب من غيره فإنه لا يصح لثلاثة وجوه:

أحدها: أن آدم لم يذكر ذلك الوجه، ولا جعله حجة على موسى، ولم يقل أتلومني على ذنب قد تبت منه.

الثاني: أن موسى أعرف بالله سبحانه وبأمره ودينه من أن يلوم على ذنب قد أخبره سبحانه أنه قد تاب على فاعله واجتباه بعد هداه، فإن هذا لا يجوز لآحاد المؤمنين أن يفعله فضلًا عن كليم الرحمن.

(1)

سورة المؤمنون آية (105).

ص: 643

الثالث: أن هذا يستلزم إلغاء ما علق به النبي صلى الله عليه وسلم وجه الحجة، واعتبار ما ألغاه، فلا يلتفت إليه

(1)

.

وأحسن جواب فسر به هذا الحديث هو أن موسى عليه السلام إنما لام آدم على المصيبة التي أصابته وذريته وهي خروجه من الجنة ونزوله إلى الأرض، ولم يكن اللوم لأنه عصى أمر الله وأكل من الشجرة يدل على ذلك قوله في الحديث:"أنت أبونا خيبتنا وأخرجتنا من الجنة" ولم يقل له: لماذا خالفت الأمر، ولماذا عصيت؟ . . . فاللوم واقع على المصيبة، وهي مقدرة فحج آدم موسى، والناس مأمورون عند المصائب التي تصيبهم بالتسليبم لقدر الله السابق كما قال تعالى:{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (11)}

(2)

.

وهذا الجواب هو جواب شيخ الإسلام ابن تيمية

(3)

وتلميذه ابن القيم

(4)

رحمهما الله تعالى.

وهو ما قال به ابن رجب رحمه الله تعالى حيث قال: "لما التقى آدم وموسى عليهما السلام عاتب موسى آدم على إخراجه نفسه وذريته من الجنة فاحتج آدم بالقدر السابق، والاحتجاج بالقدر على المصائب حسن كما قال صلى الله عليه وسلم: "إن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا، ولكن قل قدر الله وما شاء فعل"

(5)

. . .

(6)

والله أعلم.

(1)

شفاء العليل (ص 30، 31).

(2)

سورة التغابن آية (11).

(3)

انظر: مجموع الفتاوى (8/ 319).

(4)

انظر: شفاء العليل (ص 38).

(5)

تقدم تخريجه (ص 361).

(6)

لطائف المعارف (ص 55).

ص: 644