المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌المبحث الخامس مستقر الأرواح - ابن رجب الحنبلي وأثره في توضيح عقيدة السلف

[عبد الله بن سليمان الغفيلي]

فهرس الكتاب

- ‌تقريظ

- ‌تقريظ فضيلة الشيخ: حماد بن محمد الأنصاري

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول حياة ابن رجب وآثاره العلمية

- ‌الفصل الأول العصر الذي عاش فيه ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول الناحية السياسية

- ‌المبحث الثاني الحالة الاجتماعية

- ‌المبحث الثالث الحالة العلمية

- ‌الفصل الثاني حياة ابن رجب الشخصية

- ‌المبحث الأول اسمه ونسبه

- ‌المبحث الثاني كنيته ولقبه

- ‌المبحث الثالث مولده

- ‌المبحث الرابع شهرته

- ‌المبحث الخامس أسرته

- ‌المبحث السادس أخلاقه وصفاته

- ‌المبحث السابع ابن رجب والتصوف

- ‌المبحث الثامن وفاته

- ‌الفصل الثالث حياته العلمية

- ‌المبحث الأول طلبه للعلم

- ‌المبحث الثاني رحلاته في طلب العلم

- ‌المبحث الثالث شيوخه

- ‌ ترجمة لأشهر شيوخ ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌1 - ابن القيم:

- ‌2 - ابن الخباز:

- ‌3 - أبو سعيد العلائي:

- ‌المبحث الرابع تدريسه

- ‌المبحث الخامس تلاميذه

- ‌ تراجم لثلاثة من المشاهير منهم

- ‌1 - ابن الرسام:

- ‌2).2 -ابن اللحام:

- ‌3 - ابن سعيد الحنبلي:

- ‌المبحث السادس ثقافته ومؤلفاته

- ‌المبحث السابع عقيدته ومذهبه

- ‌1 - عقيدته:

- ‌2 - مذهبه:

- ‌المبحث الثامن مكانته العلمية وثناء العلماء عليه

- ‌الباب الثاني أثر ابن رجب في توضيح عقيدة السلف في التوحيد وأنواعه ونواقضه

- ‌الفصل الأول تعريف التوحيد وبيان أنواعه والعلاقة بينها

- ‌المبحث الأول تعريف التوحيد لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف التوحيد شرعًا

- ‌المبحث الثالث أنواع التوحيد

- ‌المبحث الرابع العلاقة بين أنواع التوحيد

- ‌الفصل الثاني توحيد الربوبية

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الربوبية لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف توحيد الربوبية شرعًا

- ‌المبحث الثالث دلائل توحيد الربوبية

- ‌الفصل الثالث توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الثاني مذهب السلف في أسماء الله وصفاته وموقف ابن رجب منه

- ‌المبحث الثالث أدلة توحيد الأسماء والصفات

- ‌المبحث الرابع بيانه أن السلف أعلم وأن مذهبهم أسلم وأحكم

- ‌المبحث الخامس بيانه أن سورة الإخلاص فيها صفة الرحمن

- ‌المبحث السادس بيانه أن الاشتراك في الاسم لا يقتضي الاشتراك في المسمى

- ‌المبحث السابع ذكر جملة من الصفات التي ذكرها ابن رجب رحمه الله تعالى

- ‌المبحث الثامن شبهة والرد عليها

- ‌المبحث التاسع رده على المخالفين لمذهب السلف من المعطلة والمشبهة

- ‌المبحث العاشر تنزيه الله سبحانه وتعالى من نسبة الولد إليه

- ‌المبحث الحادي عشر علم الكلام وكلام ابن رجب عليه

- ‌الفصل الرابع توحيد الألوهية

- ‌تمهيد

- ‌المبحث الأول تعريف توحيد الألوهية

- ‌المبحث الثاني بيان معنى لا إله إلا الله وفضلها وشروطها

- ‌المطلب الأول بيان معنى كلمة إله

- ‌المطلب الثاني معنى لا إله إلا الله

- ‌المطلب الثالث فضل لا إله إلا الله

- ‌المطلب الرابع الجمع بين أحاديث تدل على أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، وأخرى تدل على أنه يخرج من النار من قال لا إله إلا الله

- ‌المطلب الخامس شروط الانتفاع بـ (لا إله إلا الله)

- ‌المبحث الثالث ذكر بعض أنواع العبادة

- ‌المبحث الرابع بيانه أن العبادة لا تقبل إلا بشرطين

- ‌الفصل الخامس نواقض التوحيد

- ‌المبحث الأول الشرك وكلام ابن رجب عليه

- ‌المطلب الأول تعريف الشرك لغة

- ‌المطلب الثاني الشرك في الشرع وبيان أقسامه

- ‌المبحث الثاني النفاق وكلام ابن رجب عليه

- ‌المبحث الثالث البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الأول معنى البدعة في اللغة والشرع

- ‌المطلب الثاني أنواع البدع

- ‌المطلب الثالث الرد على محسني البدع وكلام ابن رجب في ذلك

- ‌المطلب الرابع نماذج من البدع وكلام ابن رجب عليها

- ‌المطلب الخامس حكم البدع وأهلها

- ‌المبحث الرابع الغلو وكلام ابن رجب رحمه الله تعالى عليه

- ‌المبحث الخامس مسائل متفرقة متعلقة بهذا الفصل

- ‌1 - التنجيم

- ‌2 - التطيّر والتشاؤم

- ‌3 - الجمع بين قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى" وقوله: "فرّ من المجذوم فرارك من الأسد" وقوله: "لا يورد ممرض على مصح

- ‌4 - معنى قوله صلى الله عليه وسلم: "لا عدوى ولا طيرة والشؤم في ثلاث

- ‌5 - النهي عن البناء على القبور واتخاذها مساجد

- ‌6 - النهي عن سبّ الدهر

- ‌الباب الثالث أثره في توضيح عقيدة السلف في مباحث الإيمان وما يتعلق بها من مسائل

- ‌الفصل الأول معنى الإيمان وبيان أهميّته وما يتعلق به من مسائل

- ‌المبحث الأول تعريف الإيمان لغة

- ‌المبحث الثاني تعريف الإيمان شرعًا

- ‌المبحث الثالث أهمية الإيمان

- ‌المبحث الرابع زيادة الإيمان ونقصانه

- ‌المبحث الخامس العلاقة بين مسمّى الإيمان والإسلام

- ‌المبحث السادس حكم مرتكب الكبيرة

- ‌المبحث السابع مسألة تكفير الكبائر بالأعمال الصالحة

- ‌الفصل الثاني الإيمان بالملائكة والكتب والرسل

- ‌المبحث الأول الإيمان بالملائكة والكتب

- ‌المطلب الأول الإيمان بالملائكة

- ‌المطلب الثاني الإيمان بالكتب

- ‌المبحث الثاني تعريف النبيّ والرسول لغة وشرعًا

- ‌المبحث الثالث معنى الإيمان بالأنبياء والرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الرابع الغرض من بعثة الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث الخامس التفاضل بين الأنبياء

- ‌المبحث السادس بعض خصائص الرسل عليهم الصّلاة والسّلام

- ‌المبحث السابع الإيمان بنبوّة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث الثامن كلامه في دعوة نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث التاسع بيانه فضل إرسال النبيّ صلى الله عليه وسلم

- ‌المبحث العاشر النجاة والسعادة في طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم واتباعه

- ‌الفصل الثالث الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الأول تعريف القضاء والقدر

- ‌المبحث الثاني معنى الإيمان بالقضاء والقدر والأدلّة على ذلك

- ‌المبحث الثالث مراتب الإيمان بالقضاء والقدر

- ‌المبحث الرابع النهي عن الخوض في القدر

- ‌المبحث الخامس الرضا بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السادس حكم تمنّي الموت وعلاقته بالقضاء والقدر

- ‌المبحث السابع القضاء والقدر وفعل الأسباب

- ‌المبحث الثامن الاحتجاج بالقدر على المعاصي وبيان معنى حديث "فحج آدم موسى

- ‌الفصل الرابع الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الأول أهمية الإيمان باليوم الآخر

- ‌المبحث الثاني الإيمان بأشراط الساعة

- ‌المبحث الثالث الإيمان بعذاب القبر ونعيمه وفتنته

- ‌المبحث الرابع الأعمال التي يعذب أو ينعم بها العبد في القبر

- ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

- ‌المبحث السادس الصراط

- ‌المبحث السابع بيان المراد بالورود في قوله تعالى: {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا}

- ‌المبحث الثامن الشفاعة

- ‌المبحث التاسع الجنة ونعيمها

- ‌المبحث العاشر رؤية الله سبحانه وتعالى في الجنة

- ‌المبحث الحادي عشر النار وعذابها

- ‌المبحث الثاني عشر خلق الجنة والنار

- ‌المبحث الثالث عشر الجنة والنار باقيتان لا تفنيان

- ‌الخاتمة

- ‌فهرس المصادر والمراجع

الفصل: ‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

‌المبحث الخامس مستقر الأرواح

تكلم ابن رجب رحمه الله تعالى عن هذه المسألة في كتاب أهوال القبور وعقد لذلك بابًا قال فيه: الباب التاسع في ذكر محل أرواح الموتى في البرزخ.

ثم بيّن أن الأرواح تتفاوت وقسّمها إلى الأقسام التالية:

1 -

أرواح الأنبياء قال فيها: أما الأنبياء عليهم السلام فليس فيهم شك أن أرواحهم عند الله في أعلى عليين.

وقد ثبت في الصحيح أن آخر كلمة تكلم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم عند موته: "اللهم الرفيق الأعلى"

(1)

وكررها حتى قبض.

2 -

أرواح الشهداء قال فيها: وأما الشهداء فأكثر العلماء على أنهم في الجنة وقد تكاثرت بذلك الأحاديث ففي صحيح مسلم عن مسروق قال: سألنا عبد الله بن مسعود عن هذه الآية: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}

(2)

. قال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: "أرواحهم في جوف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل، فاطلع

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه (7/ 192).

(2)

سورة آل عمران آية (169).

ص: 701

إليهم ربهم اطلاعة فقال: هل تشتهون شيئًا؟ قالوا: أي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا ففعل ذلك ثلاث مرات فلما رأوا أنهم لن يتركوا من أن يسألوا قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا"

(1)

.

وخرّج الإمام أحمد وأبو داود والحاكم من حديث سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: من يبلغ عنا إخواننا أنّا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ولا يزهدوا في الجهاد قال: فقال الله تعالى: أنا أبلغهم عنكم فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169)}

(2)

(3)

.

وخرّج ابن منده من طريق يحيى بن صالح

(4)

عن سعيد بن سويد

(5)

(1)

تقدم تخريجه (ص 479).

(2)

سورة آل عمران آية (169).

(3)

مسند أحمد (1/ 266).

وأبو داود: كتاب الجهاد، باب في فضل الشهادة (3/ 33) والحاكم (2/ 297) وقال: هذا حديث صحيح ووافقه الذهبي.

(4)

الإمام العالم الحافظ يحيى بن صالح الدمشقي أبو زكريا الحمصي وثقه يحيى بن معين وابن عدي وابن حبان، توفي سنة 222 هـ.

الجرح والتعديل (9/ 158) وطبقات الحنابلة (1/ 402) وسير أعلام النبلاء (15/ 453).

(5)

سعيد بن سويد الكلبي الشامي، ذكره ابن حبان في الثقات.

الثقات لابن حبان (6/ 361) والجرح والتعديل (4/ 29) وتعجيل المنفعة (ص 152).

ص: 702

أنه سأل ابن شهاب عن أرواح المؤمنين قال: "بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش تغدو ثم تروح إلى رياض الجنة تأتي ربها سبحانه كل يوم تسلم عليه".

وكذا قال الضحاك وإبراهيم التيمي

(1)

وغيرهما من السلف في أرواح الشهداء.

وقد ذكر ابن رجب كثيرًا من الأحاديث الدالة على أن أرواح الشهداء في الجنة، ثم قسّم بقية الناس غير الأنبياء والشهداء إلى قسمين فقال: "وأما بقية المؤمنين سوى الشهداء فينقسمون إلى أهل تكليف، وغير أهل تكليف فهذان قسمان:

أحدهما: غير أهل التكليف كأطفال المؤمنين فالجمهور على أنهم في الجنة، وقد حكى الإمام أحمد على ذلك الإجماع

وكذلك نص الشافعي على أن أطفال المسلمين في الجنة، وجاء صريحًا عن السلف على أن أرواحهم في الجنة".

ثم ساق ابن رجب رحمه الله تعالى الأدلة على أن أرواح أطفال المسلمين في الجنة ومنها قوله: "ومما يستدل لهذا أيضا ما خرّجه البخاري عن سمرة بن جندب عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه رأى في منامه جبرائيل وميكائيل أتيا به فانطلقا به وذكر حديثا طويلًا وفيه: "فانطلقا حتى انتهينا إلى روضة خضراء فيها شجرة عظيمة وفي أصلها شيخ وصبيان وإذا رجل قريب من الشجرة بين يديه نار يوقدها فصعدا بي في الشجرة وأدخلاني دارًا لم أر قط أحسن منها فيها رجال وشيوخ وشباب ونساء وصبيان ثم أخرجاني منها فصعدا بي الشجرة فأدخلاني دارًا هي أحسن

(1)

إبراهيم بن يزيد التيمي أبو أسماء عابد الكوفة، قال الذهبي: كان شابًا صالحًا قانتًا لله عالمًا فقيهًا كبير القدر، واعظًا، توفي سنة 92 هـ، وقيل غير ذلك.

سير أعلام النبلاء (5/ 60) وتهذيب التهذيب (1/ 176).

ص: 703

وأفضل فيها شيوخ وشباب" وذكر الحديث وفيه قالا: "والشيخ في أصل الشجرة إبراهيم عليه السلام، والصبيان حوله فأولاد الناس" وفي رواية:"فكل مولود مات على الفطرة" وفي رواية: "ولد على الفطرة" والدار الأولى التي دخلت دار عامة المؤمنين وأما هذه الدار فدار الشهداء"

(1)

.

ثم ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى قولين في حكم أطفال المسلمين فوجه الأول منها، واستبعد الثاني فقال: "وذهبت طائفة إلى أنه يشهد لأطفال المسلمين عمومًا أنهم في الجنة ولا يشهد لآحادهم وهو قول ابن راهويه نقله عنه إسحاق بن منصور

(2)

، وحرب في مسائلهما. ولعل هذا يرجع إلى الطفل المعين لا يشهد لأبيه بالإيمان فلا يشهد له حينئذ أنه من أطفال المؤمنين فيكون الوقف في آحادهم كالوقف في إيمان آبائهم.

وحكى ابن عبد البر

(3)

عن طائفة من السلف القول بالوقف في أطفال المؤمنين وحماد بن زيد وحماد بن سلمة

(4)

وابن المبارك وإسحاق، وهو بعيد جدًا، ولعله أخذ ذلك من عمومات كلام لهم وإنهم أرادوا بها أطفال المشركين.

(1)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز (2/ 105).

(2)

إسحاق بن منصور بن بهرام المروزي أبو يعقوب الكوسج، الإمام الفقيه الحافظ، وهو أحد الأئمة، من أصحاب الحديث الزهاد المتمسكين بالسنة، وهو صاحب المسائل عن أحمد بن حنبل، توفي سنة 251 هـ.

تاريخ بغداد (6/ 362) وطبقات الحنابلة (1/ 113) وتهذيب التهذيب (1/ 249).

(3)

انظر: التمهيد (18/ 111، 112).

(4)

حماد بن سلمة بن دينار أبو سلمة البصري، الإمام الحافظ، كان عابدًا زاهدًا، وكان بحرًا من بحور العلم، قال أحمد بن حنبل: حماد بن سلمة عندنا من الثقات، ما تزداد فيه كل يوم إلا بصيرة، توفي سنة 167 هـ.

مشاهير علماء الأمصار (ص 157) وسير أعلام النبلاء (7/ 444) وتهذيب التهذيب (3/ 11).

ص: 704

وكذلك اختار القول بالوقف طائفة منهم الأثرم

(1)

والبيهقي.

وذكر أن ابن عباس رجع إليه، والإمام أحمد ذكر أن ابن عباس إنما قال ذلك في أطفال المشركين، وإنما أخذه البيهقي من عموم لفظ روى عنه كما أنه روى في بعض ألفاظ حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن الأطفال فقال:"الله أعلم بما كانوا عاملين" ولكن الحفاظ الثقات ذكروا أنه سئل عن أطفال المشركين. واستدل القائل بالموقف بما أخرجه مسلم

(2)

من حديث عائشة أم المؤمنين قالت: توفي صبي فقلت: طوبى له عصفور من عصافير الجنة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"أوَ لا تدرين أن الله خلق الجنة وخلق النار فخلق لهذه أهلًا ولهذه أهلًا". . .

(2)

.

وعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم"

(3)

.

ولهذا قال الإمام أحمد: هو يرجى لأبويه فكيف يشك فيه -يعني أن يرجى لأبويه دخول الجنة بسببه- ولعل النبي صلى الله عليه وسلم نهى أولًا عن الشهادة لأطفال المسلمين بالجنة قبل أن يطلع على ذلك لأن الشهادة على ذلك تحتاج إلى علم به ثم أطلع على ذلك فأخبر به والله أعلم

(4)

.

ثم ذكر ابن رجب رحمه الله تعالى بعد ذلك القسم الثاني فقال:

(1)

أبو بكر أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، صاحب الإمام أحمد، كان رحمه الله جليل القدر، إمامًا حافظًا، تفقه على الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ونقل عنه مسائل كثيرة، توفي سنة 261 هـ.

طبقات الحنابلة (1/ 66) وسير أعلام النبلاء (12/ 623) وتهذيب التهذيب (1/ 78).

(2)

صحيح مسلم: كتاب القدر (4/ 2050).

(3)

أخرجه البخاري: كتاب الجنائز، باب فضل من مات له ولد فاحتسب (2/ 72).

(4)

أهوال القبور (ص 104 - 105).

ص: 705

"القسم الثاني: أهل التكليف من المؤمنين وغيرهم سوى الشهداء، وقد اختلف فيهم العلماء قديمًا وحديثًا

ثم ساق ابن رجب رحمه الله تعالى تلك الأقوال في هذه المسألة وأدلة كل قول ورد على بعضها وتتلخص الأقوال التي ذكرها فيما يلي:

1 -

القول الأول: أن أرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكفار في النار، وهذا يروي عن الإمام أحمد رحمه الله تعالى وغيره من العلماء.

2 -

القول الثاني: أن الأرواح كلها في الأرض وهؤلاء اختلفوا:

أ - فمنهم من قال: الأرواح تستقر على أفنية القبور.

ب - ومنهم من قال: تجتمع في موضع من الأرض، فأرواح المؤمنين تجتمع بالجابية

(1)

وأما أرواح الكفار فتجمع بسبخة

(2)

بحضرموت يقال له بَرهُوْت

(3)

.

3 -

القول الثالث: أن الأرواح عند الله عز وجل.

4 -

القول الرابع: أن أرواح بني آدم عند أبيهم آدم عن يمينه وشماله.

(1)

الجابية: بكسر الباء وياء مخففة، وهي قرية من أعمال دمشق، وبالقرب منها تل يسمى تل الجابية، وباب الجابية بدمشق منسوب إلى هذا الموضع.

معجم البلدان (2/ 91).

(2)

السبخة: بفتح الباء هي الأرض التي تعلوها الملوحة، ولا تكاد تنبت إلا بعض الشجر.

النهاية لابن الأثير (2/ 333).

(3)

برهوت: بضم الهاء وسكون الواو واد أو بئر بحضرموت، وقيل: اسم البلد الذي فيه هذه البئر.

معجم البلدان (1/ 405).

ص: 706

5 -

القول الخامس: أن الله خلق الأرواح جملة قبل الأجساد وأنه جعلها في برزخ، وذلك البرزخ عند منقطع العناصر -يعني لا ماء ولا هواء ولا نار- وأنه إذا خلق الأجساد أدخل فيها تلك الأرواح ثم يعيدها عند قبضها إلى ذلك البرزخ وهذا قول ابن حزم.

وقد رد ابن رجب على هذا القول واستبعد أن يكون ذلك من قول أهل الإسلام فقال: "وليس هذا من جنس كلام المسلمين بل من جنس كلام المتفلسفة".

6 -

القول السادس: كما ساقه ابن رجب ورد عليه "وقد ذهب طائفة من المتكلمين إلى أن الروح عرض لا تبقى بعد الموت وحملوا ما ورد من عذاب الأرواح ونعيمها بعد الموت على أحد أمرين: أما أن العرض الذي هو الحياة يعاد إلى جزء من البدن أو على أن يخلق في بدن آخر، وهذا الثاني باطل قطعًا لأنه يلزم منه أن يعذب بدن غير بدن الميت مع روح غير روحه فلا يعذب حينئذ بدن الميت ولا روحه ولا ينعمان أيضًا وهذا باطل قطعًا، والأول باطل أيضًا بالنصوص الدالة على بقاء الروح منفردة عن البدن بعد مفارقتها له، وهي كثيرة جدًا.

وقد اتضح لي أن ابن رجب رحمه الله تعالى يميل إلى القول الأول وهو قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى حيث قال عنه:

"والمنصوص عن الإمام أحمد: أن أرواح المؤمنين في الجنة ذكره الخلال في كتاب السنة عن غير واحد عن حنبل قال: سمعت أبا عبد الله يقول: أرواح المؤمنين في الجنة، وقال حنبل في موضع آخر: هي أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار، والأبدان في الدنيا يعذب الله من يشاء ويرحم من يشاء

ص: 707

وقد حكى القاضي أبو يعلى

(1)

في كتاب المعتمد ومن اتبعه من الأصحاب هذا الكلام عن عبد الله بن أحمد

(2)

عن أبيه، ولم ينقله عبد الله إنما نقله حنبل، وأما ما نقله عبد الله عن أبيه فقال الخلال: أخبرنا عبد الله بن أحمد بن حنبل قال: سألت أبي عن أرواح الموتى: أتكون في أفنية قبورهم أم في حواصل طير أم تموت كما تموت الأجساد؟ قال: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: نسمة المؤمن إذا مات طائر يعلق في شجر الجنة حتى يرجعه الله تعالى إلى جسده فيبعثه الله" ..

(3)

.

وهذا الكلام أيضًا تدل على أن أرواح المؤمنين عند الله في الجنة إلا أنه ذكر في جوابه الأحاديث الدالة على ذلك المرفوعة والموقوفة ولم يذكر سوى ذلك، ففي رواية حنبل: جزم بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وفي رواية عبد الله ذكر الأدلة على ذلك

(1)

الإمام القاضي أبو يعلى محمد بن الحسين بن محمد بن خلف البغدادي الحنبلي ابن الفراء، شيخ الحنابلة وعالم العراق في زمانه، وكان ذا عبادة وتهجد وملازمة للتصنيف، مع الجلالة والورع، من مؤلفاته: العمدة في أصول الفقه، أحكام القرآن، وإبطال التأويل، توفي سنة 458 هـ.

طبقات الحنابلة (2/ 193) وتاريخ بغداد (2/ 256) وسير أعلام النبلاء (18/ 89) والبداية والنهاية (12/ 102).

(2)

الإمام الحافظ أبو عبد الرحمن عبد الله بن أحمد بن محمد بن حنبل بن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي، قال البغدادي: كان ثقة ثبتًا فهمًا، وقال الذهبي: الإمام الحافظ الناقد محدث بغداد، له مؤلفات مفيدة منها: كتاب السنة، توفي سنة 290 هـ.

تاريخ بغداد (9/ 375) وطبقات الحنابلة (1/ 180) وسير أعلام النبلاء (13/ 516).

(3)

تقدم تخريجه (ص 479).

ص: 708

إلى أن قال رحمه الله تعالى: "وقد يستدل للقول بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار من القرآن بأدلة منها قوله تعالى:{فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84)} {فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُقَرَّبِينَ (88) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّتُ نَعِيمٍ (89) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (90) فَسَلَامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (91) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (92) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (93) وَتَصْلِيَةُ جَحِيمٍ (94)}

(1)

هو دخول النار مع إحراقها وإنضاجها فجعل هذا كله متعقبًا للاحتضار والموت، وكذلك قوله تعالى في قصة المؤمن في سورة يس:{قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَالَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (26) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ (27)}

(2)

، وإنما قال هذا بعد ما قتلوه ورأى ما أعد الله له:{يَاأَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (27) ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً (28)}

(3)

على تأويل من تأول ذلك عند الاحتضار، وكذلك قوله تعالى:{فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ أُولَئِكَ يَنَالُهُمْ نَصِيبُهُمْ مِنَ الْكِتَابِ حَتَّى إِذَا جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا يَتَوَفَّوْنَهُمْ قَالُوا أَيْنَ مَا كُنْتُمْ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالُوا ضَلُّوا عَنَّا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ (37) قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ فِي النَّارِ}

(4)

الآية. ونظير هذه الآية قوله: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ فَأَلْقَوُا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (28)}

(5)

.

(1)

سورة الواقعة آية (82 - 95).

(2)

سورة يس آية (26، 27).

(3)

سورة الفجر آية (27، 28).

(4)

سورة الأعراف آية (37، 38).

(5)

سورة النحل آية (28).

ص: 709

ومما يستدل به أيضًا لذلك ما رواه مجالد

(1)

عن الشعبي

(2)

عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن خديجة قال: "أبصرتها على نهر من أنهار الجنة في بيت من قصب لا لغو فيه ولا نصب"

(3)

.

وخرّج أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجم الأسلمي الذي اعترف عنده بالزنا قال: "والذي نفسي بيده إنه الآن لفي أنهار الجنة ينغمس فيها"

(4)

وإنما تدخل أرواح المؤمنين والشهداء الجنة إذا لم يمنع من ذلك مانع من كبائر تستوجب العقوبة أو حقوق آدميين حتى يبرأ منها

(5)

.

ولعل القول بأن أرواح المؤمنين في الجنة، وأرواح الكفار في النار هو أرجح الأقوال في هذه المسألة لأن أدلته كثيرة وصحيحة وصريحة والله أعلم.

(1)

مجالد بن سعيد بن بسطام الهمداني أبو عمرو الكوفي وهو من صغار التابعين، وفي حديثه لين، توفي سنة 144 هـ.

سير أعلام النبلاء (6/ 284) وتهذيب التهذيب (10/ 39).

(2)

عامر بن شراحيل بن عبد الله الشعبي الإمام الحافظ، أبو عمرو الهمداني، حدث عن عدد من الصحابة، وكان فقيهًا محدثًا، أثر عنه قوله:"ما كتبت سوداء في بيضاء إلى يومي هذا، ولا حدثني رجل بحديث قط إلا حفظته، ولا أحببت أن يعيده علي"، توفي سنة 104 هـ.

الجرح والتعديل (6/ 322) ووفيات الأعيان (3/ 12) وسير أعلام النبلاء (4/ 294).

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (2/ 188) والأوسط (2/ 131/ أ) قال الهيثمي في المجمع (9/ 223): رواه الطبراني في الأوسط والكبير، ورجالهما رجال الصحيح غير مجالد بن سعيد، وقد وثق وخاصة في أحاديث جابر.

وهذا الحديث أخرجه البخاري (4/ 231) ومسلم (4/ 1886) من حديث أبي هريرة وغيره بنحوه.

(4)

سنن أبي داود: كتاب الحدود (4/ 581).

(5)

أهوال القبور (ص 111 - 113).

ص: 710

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: "وأرواح المؤمنين في الجنة وأرواح الكافرين في النار، تنعم أرواح المؤمنين وتعذب أرواح الكافرين إلى أن تعاد إلى الأبدان"

(1)

.

وقد أشار الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى إلى الفرق بين حياة الشهداء في الجنة وحياة غيرهم من المؤمنين فقال: "والفرق بين حياة الشهداء وغيرهم من المؤمنين الذين أرواحهم في الجنة من وجهين:

أحدهما: أن أرواح الشهداء يخلق لها أجساد أو هي الطير التي تكون في حواصلها ليكمل بذلك نعيمها، ويكون أكمل من نعيم الأرواح المجردة عن الأجساد، فإن الشهداء بذلوا أجسادهم للقتل في سبيل الله فعوضوا عنها بهذه الأجساد في البرزخ.

والثاني: أنهم يرزقون من الجنة وغيرهم لم يثبت له في حقه مثل ذلك فإنه جاء أنهم يعلقون في شجر الجنة، وروي يعلقون بفتح اللام وضمها فقيل: إنهما بمعنى، وأن المراد الأكل من الشجر، قال ابن عبد البر وقيل: رواية الضم معناها الأكل، ورواية الفتح معناها التعلق، ذكره ابن الجوزي، وبكل حال فلا يلزم مساواتهم للشهداء في كمال تنعمهم في الأكل والله أعلم

(2)

.

(1)

مجموع الفتاوى (4/ 311).

(2)

أهوال القبور (ص 125، 126).

ص: 711