الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بال لا يبدأ فيه بالحمد للَّه فهو أجذم" (1) بالذال المعجمة.
تنبيه:
ظهر لك مِن قولنا: (المقصود الأهم) الجمع بين حديثي البسملة والحمدلة السابقين؛ فإن الافتتاح بكل منهما مقصود، لكن (2) كل بالنسبة لما يليه.
وأجيب: بأن الأول افتتاح حقيقي، والثاني إضافي، ولم يعكس ذلك؛ لقوة حديث البسملة؛ إذ المقصود بالحمد الثناء على اللَّه -تعالى- والبسملة من أبلغه.
فائدة التنبيه:
قال بعضهم: هو إعلام بتفصيل ما علم إجمالًا.
وقيل: ما نبّه عليه المذكور بنعمة بطريق الإجمال.
(1) رواه أبو داود مرسلًا ومتصلًا (12/ 468، رقم 4200)، والمتصل علته قرة، ورواه كذلك ابن أبي شيبة (9/ 116، رقم 9/ 272)، ولكن بلفظ (أقطع)، وقد أخطأ من صححه أو حسنه، اعتمادًا على توثيق ابن حبان، وأما قول ابن عدي:"لم أر له حديثًا منكرًا جدًا، وأرجو أنه لا بأس به "فلا يعارض بقول الإمام أحمد: "منكر الحديث جدا"، هذا مع ما يدل عليه كلام ابن عدي من التسليم بنكارة أحاديثه، ومن ثم فلا يغتر بما قال الحافظ ابن حجر في تقريبه عنه:(1/ 455): "صدوق له مناكير".
(2)
العطف بـ (لكن) محل اختلاف بين النحاة، والذين أجازوه وضعوا له ضوابط ذكرها النحاة في كتجهم، محصلها: واعلم أن لكن لا يعطف بها، إلا بعد نفي، نحو:(ما قام زيد لكن عمرو)، أو نهي، نحو:(لا تضرب زيدًا لكن عمرًا)، والمعطوف بها محكوم له بالثبوت، بعد النفي والنهي، ولا تقع في الإيجاب عند البصريين، وأجاز الكوفيون أن يعطف بها في الإيجاب، نحو:(أتاني زيد لكن عمرو).
تنبيه: إنما يشترك النفي والنهي في الواقعة قبل المفرد، وأما إذا وليها جملة فيجوز أن تقع بعد إيجاب، أو نفي، أو نهي، أو أمر، ولا تقع بعد استفهام؛ فلا يجوز:(هل زيد قائم؟ لكن عمرو لم يقم)، وأما إذا وقعت قبل الجملة فالذي ذهب إليه أكثر المغاربة أنها حينئذ حرف ابتداء، لا حرف عطف.
وقيل: إنها تكون حرف عطف، تعطف جملة على جملة، إذا وردت بغير واو.
قال ابن أبي الربيع: وهو ظاهر كلام سيبويه.
وهما متقاربان.
والحمد لغة: الثناء بالجميل الاختياري، سواء تعلق بنعمة أو غيرها (1).
والشكر لغة: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم مِن حيث إنه منعم على الشاكر، فالشكر مورده عام للسان وغيره، كالجنان والأركان، ومتعلقه خاص: النعمة الواصلة للشاكر.
والحمد عرفًا: الثناء باللسان على قصد التعظيم، سواء تعلق بالنعمة أو غيرها.
(1) قال صاحب اللسان (4/ 2305): "قال ثعلب: الشُّكْرُ لا يكون إِلَّا عن يَدٍ، والحَمْدُ يكون عن يد وعن غير يد، فهذا الفرق بينهما.
والشُّكْرُ من اللَّه: المجازاة والثناء الجميل، شَكَرَهُ وشَكَرَ له يَشْكُرُ شُكْرًا وشُكُورًا وشُكْرانا، قال أيو نخيلة:
شَكَرْتُكَ إِنَّ الشُّكْرَ حَبْلٌ منَ التُّقَى
…
وما كُلُّ مَنْ أَوْلَيْتَهُ نِعْمَةً يَقْضِي
قال ابن سيده: وهذا يدل على أَن الشكر لا يكون إِلا عن يد؛ أَلا ترى أَنه قال: (وما كل من أَوليته نعمة يقضي)؟ أَي: ليس كل من أَوليته نعمة يشكرك عليها. .، وأَما الشَّكُورُ من عباد اللَّه فهو الذي يجتهد في شكر ربه بطاعته وأَدائه ما وَظَّفَ عليه من عبادته، والشُّكْرُ مثل الحمد إِلا أَن الحمد أَعم منه فإنك تَحْمَدُ الإِنسانَ على صفاته الجميلة وعلى معروفه ولا تشكره إِلا على معروفه دونَ صفاته"، ومن ثم اختص اللَّه -جل وعلا- بالحمد دون الشكر في سياق الامتنان وتعظيمه بالقول، وإن كان -تعالى- أهلًا لكليهما، غير أن الشكر له لا يكون إلا بالعمل، قال اللَّه -تعالى-:{اعْمَلُوا آلَ دَاوُودَ شُكْرًا وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} ، ولذلك لو قيل في غير القرآن الكريم؛ (الشكر للَّه رب العالمين)، لأبى هذا التركيبَ الذوقُ الرفيع؛ إذ كلمة (الشكر) هنا قلقة في مكانها، ضعيفة في معناها؛ وسبب ذلك أن هذا التركيب يفيد أن العبد إنما عظم اللَّه -تعالى- بسبب ما وصله من نعمة، وهذا المقام الذي هو مقام الثناء على الخالق، ينبغي على العبد أن يربأ بنفسه عن ذكر ما لا يدل على الخضوع والانقياد المطلق؛ تحقيقًا لكمال العبودية للَّه رب العالمين؛ لأن المطلوب من العبد ليس تعظيم اللَّه -جل شأنه- بسبب وصول النعمة إليه، وإنما المطلوب تعظيمه -تعالى- في كل حال، وإن لم يصل منه نعمة؛ لكونه -سبحانه- مستحقًا للحمد أبدًا، ومن ثم قال النحاة في اللام التي في (للَّه): هي لام الاستحقاق.
والشكر عرفًا: صرف العبد جميع ما أنعم اللَّه عليه مِن السمع وغيره إلى ما خلق لأجله.
فالشكر أخص مطلقًا؛ لاختصاص تعلقه بالبارئ؛ لتقييده بكون المنعم منعمًا على الشاكر، ولوجوب شمل الآلات، بخلف الحمد.
حمدًا مصدر نوعي، أو معمول لـ (أحمد) مقدر قبله.
يوافي، أي: يشرف على ما تزايد أي: نمى مِن النعم جمع نعمة، وهي: البر والصنعة والمنة، وما أنعم به على الإنسان.
وقال ابن الفرات: يوافي: يلاقي ما تزايد مِن النعم، أي: يحصل معها، وكأنه لما ذكر الحمد في غير مقابل، ذكره ثانيًا في مقابلة النعمة؛ ليأتي بقسميه.
والشكر له على ما أولانا، أي: أعطانا، وأهدى إلينا.
مِن الفضل، وهو: الزيادة والخير، كالهداية للإيمان، والتوفيق للطاعات، وسلامة الحواس، وحسن الإدراك، وهو: ضد النقص. والكرم بفتح الراء: العطاء والإحسان، وشرف الأصل؛ لأن شكر النعمة قيد لها.
النووي (1): نقيض الحمد الذم، ونقيض الشكر الكفر، والكرم لغة:
(1) هو: يحيى بن شرف بن مري بن حسن الحزامي الحوراني، النووي، الشافعي، أبو زكريا، محيي الدين، (631 - 676 هـ = 1233 - 1277 م): علامة بالفقه والحديث. مولده ووفاته في نوا (من قرى حوران، بسورية) وإليها نسبته، تعلم في دمشق، وأقام بها زمنًا طويلًا. من كتبه:"تهذيب الأسماء واللغات - ط"، و"منهاج الطالبين - ط"، و"الدقائق - ط"، و"تصحيح التنبيه - ط" في فقه الشافعية، و"المنهاج في شرح صحيح مسلم - ط" خمس مجلدات، و"التقريب والتيسير - ط" في مصطلح الحديث، و"الأربعون حديثًا النووية - ط"، شرحها كثيرون، وأفردت ترجمته في رسائل، إحداها للسحيمي، والثانية للسخاوي، والثالثة "المنهاج السوي" للسيوطي مخطوطتان، والثالثة للسخاوي مطبوعة. والنووي: نسبة لنوا، يجوز كتبها بالألف:"نواوي"، وقد كان يكتبها هو بغير الألف، انظر نموذج خطه. قال الأسنوي: وينسب إليه تصنيفان ليسا له: =
نقيض اللوم.
لا أحصي -مِن (أحصيت الشيء): عددته- ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، قال رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم:"لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك"(1).
ولمحمود الوراق (2):
إذا كان شكري نعمة اللَّه نعمة
…
عليّ له في مثلها يجب الشكر
فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله
…
وإن طالت الأيام واتصل العمر (3)
ونسأله (4)، أي: نطلب منه اللطف، أي: الرفق والدنو، ولطف اللَّه
= إحداهما: مختصر لطيف يسمى "النهاية في اختصار الغاية - خ" في الظاهرية.
والثاني: أغاليط على الوسيط مشتملة على خمسين موضعًا فقهية وبعضها حديثية. وممن نسب إليه هذا ابن الرفعة في شرح الوسيط، فاحذره، فإنه لبعض الحمويين، ولهذا لم يذكره ابن العطار تلميذه حين عدد تصانيفه واستوعبها، وأورد ابن مرعي في الفتوحات الوهبية نسبه كام". ينظر: الأعلام (8/ 149).
(1)
أخرجه من حديث عائشة: مالك (1/ 214، رقم 499)، وأحمد (6/ 201 رقم 25696)، ومسلم (35211، رقم 486)، وأبو داود (1/ 232، رقم 879)، والترمذي (5/ 524، رقم 3493) وقال: حسن. والنسائي (2/ 222، رقم 1130)، وابن ماجه (2/ 1262، رقم 3841).
(2)
هو: محمود بن حسن الوراق، (000 - نحو 225 هـ = 000 - نحو 840 م): شاعر، أكثر شعره في المواعظ والحكم، روى عنه ابن أبي الدنيا، وفي (الكامل) للمبرد، نتف من شعره، وهو صاحب البيت المشهور:
إذا كان وجه العذر ليس ببين
…
فإن طرح العذر خير من العذر.
وجمع عدنان العبيدي ببغداد ما وجد من متفرقات شعره في ديوان، ينظر: الأعلام (7/ 167).
(3)
هذا المعنى أخذه الشاعر من قول نبي اللَّه داود عليه السلام: إلهي كيف أشكرك وشكري لك نعمة من عندك فأوحى اللَّه تعالى إليه الآن قد شكرتني، وفي هذا يقال؛ الشكر على الشكر أتم الشكر. ينظر: المستظرف في كل فن مستطرف (1/ 503).
(4)
قول المصنف: (ونسأله) بنون العظمة هو في الظاهر يناقض ما قدم مِن الاعتراف بالذل لمولاه؛ والمقام مقام سؤال، فيناسبه ضمير الإفراد لا الجمع المراد به واحد عظمة، ولكن سيأتي اعتذار الشارح عنه قريبًا.