الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شهره، وحيث رخص في جلد غير الخنزير فيستعمل بعد دبغه مع نجاسته في شيء يابس؛ لأنه لجموده لا يباشر وفي ماء؛ لقوة دفعه عن نفسه.
ولما أسلف نجاسة العاج، وفي المدوّنة ما يخالفه، نبه على ذلك بقوله: وفيها كراهة العاج، إلا أن تحمل الكراهة فيها على التحريم (1).
ولما أسلف نجاسة جلد الميتة، وأنه رخص في استعماله في اليابس والماء، وفيها أيضًا ما يخالفه، وهو: الصلاة بالسيوف، قال: وفيها عن مالك التوقف في بيان حكم الكيمخت: بفتح الكاف والميم وسكون المثناة التحتية وسكون الخاء المعجمة وآخره تاء باثنتين فارسي معرب.
التونسي (2): هو جلد الحمار.
ابن عطاء اللَّه: لا يكون إلا مِن جلد الحمر والبغال المدبوغ.
عياض: جلد الفرس وشبهه غير مذكي.
ولم ينبه المصنف على الراجح مِن هذه التفاسير.
تنبيه:
(1) قلت: قول تت: (إلا أن تحمل الكراهة فيها على التحريم) سبق قلم، فالتحريم ليس قرين النجسة، فقد يكون الشيء حرامًا ولا يكون نجسًا، وذلك كالحرير والذهب للرجال، وكذلك الأكل في آنية الذهب والفضة للرجال والنساء، فالقاعدة: كل نجس حرام، وما كل حرام نجس، ولكن هذه القاعدة منتقضة على مذهبنا هنا؛ لأن الجلد حتى وإن دبغ فهو نجس، ويجوز الانتفاع به بعد دباغه، وعلى هذا: فليس كل نجس حرام.
(2)
هو: إبراهيم بن حسن بن إسحاق التونسي، تفقه بأبي بكر بن عبد الرحمن، وأبي عمران الفاسي، ودرس الأصول على الأزدي، وكان جليلًا فاضلًا عالمًا إمامًا، وبه تفقه جماعة من أهل إفريقية عبد الحق وغيره، وله شروح حسنة، وتعاليق مستعملة متنافس فيها على كتاب ابن المواز والمدونة، وفيه يقول عبد الجليل الديباجي:
حاز الشريفين من علم ومن عمل
…
وقلما يتأتى العلم والعمل
وكان أبو إسحاق -رحمه اللَّه تعالى- يقول في التدمية: إنها لا تجب حتى يكون بالمجروح جرح لا يفعله أحد بنفسه. وتوفي أبو إسحاق مبتدأ الفتنة بالقيروان.
وجه التوقف أن القياس يقتضي نجاسته، لا سيما مِن جلد حِمار ميت، وعمل السلف مِن صلاتهم بسيوفهم وهي فيه، يقتضي طهارته (1).
(1) قال الرماصي بعد أن ذكر كلام التتائي الدال على نجاسة الكيمخت: ظاهره أن الكيمخت داخل في جلد الميتة، الذي حكم له بالنجاسة أولًا، وأن ما ذكره من التوقف مخالف له، وليس كذلك، بل الكيمخت مستثنى من ذلك، فلا يحكم له بالنجاسة، بل هذا حكمه ابتداء، وهو: التوقف. . إلى آخر ما قال.
ومضمون ما قد قاله قد فصله الأجهوري، وكأن كلام الرماصي اختصار له، قال الأجهوري: "قوله: (والتوقف في الكيمخت) ش: أي: توقف الإمام في الجواب عن حكم الكيمخت، وهو جلد الحمار المدبوغ، أو جلد البغل المدبوغ.
عياض: جلد الفرس وشبهه غير مذكى.
قال تت: ووجه التوقف أن القياس يقتضي نجاسته، لا سيما من جلد حمار ميت، وعمل السلف من صلاتهم بسيوفهم وهو فيها يقتضي طهارته، وهل التوقف قول، وإليه ذهب بعضهم، أو ليس بقول.
قال في التوضيح في تنازع الزوجين: وهو الصحيح، وعليه الأكثر.
وظاهر كلام المص أنه استمر على توقفه مع أنه قال بعدما توقف: وتركه أحب إلي. . انتهى. وأجاب بعضهم عن المص: لعله اعتمد على رواية، ورأيت تركه أحب إلي، والرأي هو لابن القاسم، بل صرح بعضهم بأنه من كلامه، وانظره مع قول ق: فسر ابن يونس المدونة على أن ما لا أستحب تركه، ولم يحرمه.
تنبيهان:
الأول: هل الكيمخت نجس معفو عنه، أو هو طاهر بالدبغ، فهو كالمستثنى من قوله:(ولو دبغ)، وهذا الثاني: وهو ظاهر ما تقدم عن تت في وجه التوقف، وفي كلام أبي الحسن ما يفيده، ويأتي، وكذا فيما ذكره ح، فإنه قال ق: في التوضيح عن ابن هارون وأصله لابن يونس في الكيمخت ثلاثة أقوال:
الأول: قول المدونة: تركه أحب إلي، فيحتمل أن يعيد من صلى به في الوقت وأن لا إعادة.
الثاني: الجواز لمالك في العتبية.
الثالث: الجواز في السيوف خاصة لابن المواز وابن حبيب، فمن صلى به في غيرها يسيرًا أو كثيرًا أعاد أبدًا.
ومقتضى كلام المص وصاحب الشامل أن المشهور في الكيمخت النجاسة، وأنه لا يصلى به، وهو الذي يفهم من أول كلامه في المدونة، فيكون رابعًا، لكن الذي فهمه الأشياخ أن هذا حكمه في الأصل.
ولكن خرج عن هذا الحكم للضرورة، كما ذكره ابن رشد وصاحب الطراز، فعلى هذا =
ثم عطف على (ما) من قوله: (والنجس ما استثنى)، فقال:
[5]
ومِن النجس: مني رطب أو يابس من كل حيوان؛ إما لأصله، وهو: الدم، أو لاستحالته لفساد، قاله ابن بشير، وإما لعروضه لجريانه مجرى البول، وشهره ابن عسكر في المعتمد وفي غيره مِن كتبه كعمدته، ونص عمدته:"وفي المني قولان".
قال ابن فرحون في كتابه تسهيل المهمّات في مصطلح جامع الأمهات، بعد أن حكى نص العمدة:"يريد قبل الانفصال، هل نجاسته لأصله، أو لمجرى البول، وكذا نصّ عليه في شرحها له". انتهى.
وذكر قبل هذا في التوضيح عند قول ابن الحاجب: (والمذهب أن المني نجس): "مراده بيان المذهب، ولم أقف على قول بأنه طاهر بعد
= لا يعمل في الكيمخت بمقتضى الأصل المذكور، أعني النجاسة؛ فإني لم أر من نقل قولًا ببطلان الصلاة به، فلا يكون ما ذكره هذا عن المدونة تخالفًا للمشهور. انتهى.
فقوله: (لكن الذي فهمه الأشياخ أن حكمه في الأصل. . الخ) يقتضي أنه طاهر، إلا أن تجعل الإشارة في قوله أن هذا حكمه راجع لإعادة الصلاة، لا للنجاسة، فلا يدل على طهارته، وهو بعيد من ظاهر الكلام، ويخالف ظاهر قوله:(فلا يعمل بمقتضى. . . إلخ)
وأما قوله: (هل يعيد من صلى به في الوقت أو لا إعادة عليه) فلا يدل على طهارته؛ لأن المعفو عنه من النجس له هذا الحكم.
وقال أبو الحسن: ومن القيمة.
قال سحنون: وقال علي عن مالك: وما زال الناس يصلون بالسيوف وفيها الكيمخت.
قال موسى: وقد جعله الصحابة في سيوفهم، ورأوا أن دباغه طهور.
وقال ابن القاسم: لا بأس به في السيوف خاصة لحاجة الناس إلى ذلك.
قال ابن حبيب: ولو جعل أحد من الكيمخت شيئًا يسيرًا في غير السيف مثل زمام نصل أو لوزة في خف أخطأ، وأعاد أبدًا، وقاله مالك، ويحتمل أن يكون هذا خلافًا للمدونة؛ لأن مالكًا إنما استحب تركه ولم يحرمه، وقد رأى الصحابة أن دباغه طهور، فكيف يعيد من صلى به أبدًا، والتقليل الذي أشار إليه يقتضي أنه طهور بالدبغ، فهو مستثنى من جلود الميتة.
وقال د: ظاهر كلام المص أن التوقف في الكيمخت في السيوف وغيرها، وهو كذلك، وهو ما فهمه ابن يونس عن المدونة".
انفصاله". انتهى. وما حكاه عن العمدة وشرحها غير ظاهر فتأمّله.
[6]
ومِن النجس إجماعًا عند ابن شاس مذي وودي، وإن كان الأول أشد كما في المدوّنة؛ لأن المذي يجب منه غسل جميع الذكر والوضوء، والودي بمنزلة البول، وذالهما معجمة ساكنة والياء مخففة، أو بكسر الذّال وتشديد الياء لغتان، وفي دال الثاني الإهمال.
وقيل: إعجامها تصحيف.
[7]
ومِن النجس قيح بفتح القاف وكسرها لحن وهو المِدة بكسر الميم لا يخالطها دم.
[8]
ومنه صديد، وهو: مِن الجرح ماؤه الرقيق المختلط بالدم قبل أن تغلظ المدة.
[9]
ومنه رطوبة فرج، ويظهر أثرها في تنجيس ذكر الواطىء.
[10]
ومِن النجس دم مَسْفُوحٌ، أي: بارز عن محله، إن لم يكن مِن سمك وذباب، بل ولو كان مِن سمك على المشهور، وذباب على ظاهر المدوّنة؛ ولذا اقتصر عليه، وإلا فقد قال ابن عَبْد السَّلامِ القولان في دم الذباب والقراد لا مشهور فيهما؛ ولذا لم يجمعهما ابن الحاجب مع دم السمك، وأشار المصنف بالمبالغة للقول المقابل بطهارة دم السّمك أنه دهن، بدليل أنه إذا جف ابيضّ، والدم يسودّ، ولم يعتمد قول المعتمد: الصَّحِيح أن دم الحوت والذباب ونحوهما طاهر.
[11]
ومِن النجس: سوداء (1)، قال في الطراز: الدّم والسوداء نجسان، فإذا خالط القيء أو القلس أحدهما أو عذرة تتقلب لجهة المعدة تنجس.
[12]
ومِن النجس: رماد نجس، ولو حرق بطاهر، كـ: ميتة وعذرة
(1) ج: قال سند هي ماء مائع أسود كالدم العبيط وكدر أو أحمر قاني وهذه صفة النجاسات.
مثلًا عند الجمهور، بناءً على أن النجاسة إذا تغيرت أعراضها لا تتغير عن الحكم الّذي كانت عليه؛ عملًا بالاستصحاب، وكلامه ظاهر في نجس العين، ويحتمل أن يريد المتنجس أيضًا، فقد حكى الأبهري (1) عن مالك في الفخار يطبخ بالنجاسة لا يجوز استعماله، وهو قول القابسي.
[13]
ومِن النجس: دخانه، أي: النجاسة؛ قياسًا على رماده، فإذا تصاعد منه شيء فإنه ينجس ما انعكس فيه مِن طعام أو ماء (2).
(1) هو: محمد بن عبد اللَّه بن محمد بن صالح، أبو بكر التميمي الأبهري، (289 - 375 هـ = 902 - 986 م): شيخ المالكية في العراق، سكن بغداد، وسئل أن يلي القضاء فامتنع، له تصانيف في شرح مذهب مالك والرد على مخالفيه منها:(الرد على المزني)، ومن كتبه:(الأصول)، و (إجماع أهل المدينة)، و (فضل المدينة على مكة)، ينظر: الأعلام (6/ 225).
(2)
قال الأجهوري: قوله: "ورماد نجس ودخانه" ش: أما نجاسة الرماد فاعتمد فيه على قول المازري: إنه لا يطهر عند الجمهور من الأئمة، واعتمد في نجاسة المنعكس من الدخان في الطعام على ما ذكره التونسي واللخمي، وعلى قول ابن القاسم فيما علق منه في الثياب: لا يعجبني، وهو كما ترى ليس بصريح في أنه نجس، وأما الصاعد منه بعد صيرورته جمرًا فما اعتمد فيه إلا على مطلق ما حكاه اللخمي من الخلاف فيه، وعلى مطلق الخلاف الذي حكاه المازري في الدخان المطلق، وما كان حقه أن يفتي إلا بما اختاره اللخمي وابن رشد من طهارة الرماد والدخان الصاعد من الجمر، وربما اختاره التونسي من طهارة الرماد، وأما قول المازري فيحتمل أن يريد بالأئمة من غير مذهبنا، واللَّه أعلم، ذكره مق.
قلت: وقد تعقب البساطي كلام المص في الدخان بها في التوضيح في البيوع في الخبز يقاد عليه بالنجس، قال: والدخان وإن لم يكن عندنا نجسًا قد يراعى الخلاف فيه. انتهى. أي: فلم يحك في عدم نجاسته خلافًا، ونقل ابن عرفة نحو هذا، ولم يتعقبه.
وقال ق: اللخمي انعكاس دخان ميتته في ماء أو طعام ينجسه.
المازري: الدخان أشد من الرماد.
ابن رشد: الأظهر طهارتهما؛ لأن الجسم الواحد تتغير أحكامه بتغير صفاته، انظر: سماع سحنون في الصلاة.
وقال أيضًا حين تكلم على سماع ابن القاسم: كره دخان الميتة مراعاة لمن قال بنجاسته، وإن كان غير نجس.=
قال بعضهم: لم يختلف الشيوخ في أن ما انعكس مِن الدُّخان قبل صيرورة النجاسة جمرًا في الطعام والماء أنه ينجسه؛ لأنه يحمل على الرطوبة.
[14]
ومِن النجس: بول مِن آدمي كبير اتفاقًا، وصغير على المشهور: ذكرًا أو أنثى، أكل الطعام أو لا، زالت رائحته أو لا.
= وقال التونسي: رماد الميتة يجب أن يكون طاهرًا؛ لأنه كالخمرة تتغير خلًا، وإذا انعكس دخانها في القدر نجست انتهى المراد منه.
قلت: ظاهر ما ذكره البساطي وما ذكره ابن رشد حين تكلم على السماع أنه ليس في طهارة دخان النجاسة قبل صيرورتها جمرًا أو بعده خلاف، وهذا خلاف ما تقدم عن مق من قصر ذلك على الدخان يغير صيرورتها جمرًا، واعلم أنه على القول بطهارة الدخان والرماد فالخبز المخبوز بالروث النجس طاهر، ولو تعلق به شيء من الرماد، وأما على القول بنجاسة ما ذكر كما عليه المص فالمخبوز به حيث كان يصل إليه الدخان أو كان فيه شيء من الرماد متنجس.
وقال في التوضيح: قال شيخنا: ينبغي أن يرخص في الخبز المخبوز بالزبل بمصر لعموم البلوى ومراعاة لمن يرى أن النار تطهر، وأن رماد النجاسة طاهر، وللقول بطهارة زبل الخيل، والمعقول بكراهته منها ومن البغال والحمير.
قال: فيخف الأمر مع هذا الخلاف، وإلا فيعتذر على الناس أمر معايشهم غالبًا، والحمد للَّه على خلاف العلماء، فإنه رحمة للناس. انتهى.
قال بعض الشارحين: قلت: ظاهر هذا أنه لا يرخص إلا في الأكل الذي لا بد منه، وتفسد على الناس معيشتهم بسببه، لا في الحمل في الصلاة، ولا في عدم غسل الفم منه، فتأمل ذلك؛ فإنه كثيرًا ما يسأل عنه، ويريد من لا تأمل له تعدية الرخصة إليه، وليس ذلك بصواب، فافهم. انتهى.
قلت: دعواه أنه لا يجزئ ذلك في عدم غسل الفم من ممنوع، وإن سلم فإنما يدل هذا على ما ذكره من أن قوله:(لعموم البلوى إلخ) علة مركبة من هذه الأمور، وأما إن جعل كل واحد علة شمل ذلك حمله في الصلاة أيضًا.
وقد أفتى الجد رحمه الله وشيخه الشيخ شمس الدين اللقاني بصحة صلاة حامل ماء خبز بروث الدواب المتنجس، انظر: الشرح الكبير.
ولا شك في طهوره، فترى الشيخين على ما لابن رشد ومن وافقه من أن دخان النجس لم يختلف في عدم نجاسته عندنا.
ثم على القول بنجاسة الدخان فإنه لا ينجس بمجرده، بل إذا علق، والظاهر أن المراد بالعلوق أن يظهر أثره، وأما مجرد الرائحة فلا، ذكره ح.