الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تنكيت:
معارضة البساطي لهذه المسألة بقول المصنف فيما سبق: (وقبل خبر الواحد) إِنْ بَيَّنَ وجهًا أو اتفقا مذهبًا، ترد بتقييد هذه بتلك.
وعفي عن كسيف صقيل دخل في الكاف ما شبهه في الصقالة من الحديد والجواهر؛ لأجل إفساده، أي: الصقيل بالغسل مما يصيبه من دم مباح، كـ: لطخه فيه من جهاد أو قصاص أو صيد مأذون فيه، وخص الدم دون غيره من النجاسة؛ للعفو عن يسيره.
تنبيه:
في التوضيح تبعًا لابن عبد السلام: أكثر نقل المتقدمين في السيف إنما هو في الدم، فيحتمل القصر عليه؛ لأنه الغالب من النجاسة الواصلة للسيف، ويحتمل عدم القصر عليه.
= عدالته، والحاصل: أن المسلم يصدق مطلقًا، أخبر بطهارة الواقع أو نجاسته، إلا أنه إن أخبر بالطهارة صدق مطلقًا، وإن أخبر بالنجاسة فلا بد من عدالته وبيانه لوجه النجاسة، أو موافقته في المذهب لمن أخبره".
وعلى هذا فإن كلام التائي يحتاج لتقييد في تصديق المسلم حين إخباره بالنجاسة، بسؤاله عن وجه النجاسة.
وأما تقييد الدسوقي تبعًا لغيره في إخبار المسلم بالنجاسة بأن يكون عدلًا، فلا أرى من فرق في إخبار المسلم بالطهارة أو بالنجاسة، وإن اشترطت العدالة في أحد الخبرين، فلا بد أن تشترط في الآخر.
قال الأجهوري -رحمه اللَّه تعالى-: وقوله: (وإن سأل صدق المسلم) أي: إذا أخبر عن الواقع بخلاف ما يحمل عليه، ولا بد من كونه عدلًا على ما تقدم، وأما إذا أخبر عنه بما يحمل عليه فلا يشترط فيه الإسلام.
كنت قد كتبت ذلك، ثم تبين لي وجه عدم اشتراط العدالة في إخبار المسلم بالطهارة؛ وهو أن الأصل في المياه الطهارة، لا سيما مع عدم ظهور علامات النجاسة في الماء من التغير في اللون أو الطعم أو الريح، ولم يكن بمكان يغلب عليه تعاطي النجاسات، كالوضوء في بيوت النصارى يكونون عبيدًا للمسلمين، وإن توضأ به وصلى، فلا إعادة عليه، ينظر: البيان والتحصيل (1/ 138).
وظاهر كلامه: العفو ولو لم يمسح، وهو كذلك عند مالك وابن القاسم، وعن مالك: لا عفو إلا بعد مسحه.
وخرج بـ (الصقيل) غيره، فيجب غسله، وبـ (السيف): الثوب الصقيل والجسد، وبـ (الدم المباح): دم العدوان.
وعفي عن أثر دمل حصل منه دم أو قيح، وأصاب الثوب أو الجسد، وهو: بدال مهملة، وتشديد ميمه، وتُخفف، وهذا إن لم يُنْكَ، أي: يفتح، فإن فتح لم يعف عن أثره، ووجب الغسل؛ لإدخاله النجاسة على نفسه، كذا فسره البساطي.
وقال الشارح: إن لم يعصر.
وهو بعض من تفسير البساطي، فتأمله، ولو قال:(كدمل)؛ ليدخل الجرح بمصل، لكان أحسن.
قوله: (دمل) يحتمل الواحدة، وأن المتعددة كالجرب يعفى؛ للاضطرار لنكئها، كما قال ابن عبد السلام (1)، ويحتمل الإطلاق، وهل دمله كدمل غيره؟ قولان.
(1) قال الأجهوري: وقوله: (وأثر دمل) واحدة، كما ذكره ابن عبد السلام، فقال: وهذا -واللَّه أعلم- في الدمل الواحدة، وأما إن كثرت كالجرب فإنه مضطر إلى نكيها. انتهى.
ونقله في التوضيح، وقبله: وقال ابن حجر [كذا في الأجهوري، وفي الرماصي: ابن ناجي، وهو الصواب]: وما زال شيخنا يقول: ليس مختصًا به، بل سبقه إليه عياض، ولم أجده. انتهى.
قلت وذكره الشيخ أبو الحسن، ونصه: "الحكة الشيخ وما يأكل من الدمامل والقروح بمنزلة القرحة التي لا تكون، وإن كان دم ذلك إنما يسيل بالحك؛ لأنه لا يستطيع من به ذلك ترك الحك، وتركه عليه فيه مشقة. انتهى.
وكلام أبي الحسن هذا يفيد أنه يعفى عما سال من الدمل الواحدة أو الأكثر بالحك، حيث كان عليه في ترك الحك مشقة حينئذ، فتفرقة ابن عبد السلام بين الدمل الواحدة وغيرها يخالف هذا، وقد تبعه بعض الشراح في هذا، وقد علمت ما فيها.
هذا والمتبادر من كلام ابن عبد السلام أن ما زاد على الواحدة من الكثير، فقول بعض =
وندب غسل أثره إن لم يفتح إن تفاحش؛ لأن التفاحش لا يكاد يتكرر، ثم شبه في العفو واستحباب الغسل عند التفاحش، فقال: كدم البراغيث، أي: خرئها، قاله الجزولي (1).
وعليه فدمها حقيقي كغيره من الدماء، وخص البراغيث لعسر التحرز عنها، وقيل بوجوب غسله إن تفاحش، وهو ظاهر المدونة والرسالة، وحملتا على الاستحباب، والتشبيه به في القليل والكثير؛ فلا يندب غسل القليل.
= الشراح عقب قول المص: (ودمل): "أي: ونحوه، وأما لو كثرت كالجرب فإنه مضطر إلى نكيها، قاله ابن عبد السلام". انتهى فيه نظر؛ لأن محل العفو عما يسيل من الدمل حيث لم يقشر، ولم يعصر، إذا اتصل السيلان أو انقطع، ولم يضبط وقت حصوله لصاحب السلس أو انضبط، ولكن يشق بأن يأتي في كل يوم مرة أو أكثر وأما أن انضبط ويأتي يومًا مثلًا فإنه لا يعفي عنه، وإن حصل له ذلك وهو في الصلاة فإن كان يسيرًا فليفتله، واليسير ما يفتله الراعف، وهو الراشح وغيره، إن كان ثخينًا، وصفة الفتل تأتي في الراعف، الظاهر أنه إن زاد عن درهم قطع كما في الراعف، وإن كان كثيرًا قطع، وإن رأى انقطاعه بحيث يدرك الصلاة في اختيارها وإلا تمادى، إن لم يخش تلوث مسجد كما يأتي في الرعاف.
وقد صوب الرماصي ما قاله ابن عبد السلام من العفو، وقال: فكان على تت الاقتصار عليه، إلا أنه غير مقيد بالكثرة.
قلت: ومن خلال التعليق على كلام التتائي بكلام الرماصي والأجهوري، تبين لي في غير مرة أن الرماصي عالة في حاشيته على الأجهوري، واللَّه تعالى أعلم وأحكم.
(1)
هو: عبد الرحمن بن عفان الجزولي، أبو زيد، (000 - 741 هـ = 000 - 1340 م): فقيه مالكي معمر، من أهل فاس، كان أعلم الناس في عصره بمذهب مالك، وكان يحضر مجلسه أكثر من ألف فقيه معظمهم يستظهر (المدونة)، وقيدت عنه على (الرسالة) ثلاثة (تقاييد):
أحدها: في سبعة مجلدات.
والثاني: في ثلاثة.
والآخر: في اثنين.
قال ابن القاضي: وكلها مفيدة، انتفع الناس بها بعده.
وقال: عاش أكثر من مائة وعشرين سنة، وما قطع التدريس حتى توفي. ينظر: الأعلام (3/ 316).